روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    بحث عقد الوكالة في الفقه الإسلامي

    مفيده عبد الرحمن
    مفيده عبد الرحمن
    مدير عام المنتدي
    مدير عام المنتدي


    عدد المساهمات : 3455
    نقاط : 9937
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 17/06/2009

    بحث عقد الوكالة في الفقه الإسلامي Empty بحث عقد الوكالة في الفقه الإسلامي

    مُساهمة من طرف مفيده عبد الرحمن الثلاثاء أكتوبر 19, 2010 9:55 am

    قوام عمل المحامي هو وكالته عن غيره ، فعقد الوكالة هو الرابط بين المحامي وموكله ، وبسبب عدم العلم بأحكام هذا العقد وما يرتبه من حقوق وواجبات متبادلة بين المحامي وموكله تتفاقم المشكلات حتى تصل إلى حد فقدان الثقة والاتهامات المتبادلة بين الطرفين ، وإن كان المحامي هو صاحب النصيب الأوفر من تلك الاتهامات بسبب جهل كثير من المحامين بأحكام عقد الوكالة بصفة عامة وبحقوق الموكل المترتبة على هذا العقد بصفة خاصة وذلك من الوجهة الشرعية ، فتضيع حقوق الموكلين بسبب الجهل تارة وبسبب الاستهانة بعقاب تعمد إضاعتها تارة أو قل تارات كثيرة .

    وفي هذا الباب محاولة لتسليط الضوء على هذا العقد وفقًا لمنهجنا العلمي في البحث حيث نبدأ بتعريف الوكالة ، ثم نعرج بسرد أدلة مشروعيتها بصفة عامة وإن كان بحث مشروعية التوكيل بالخصومة قد تقدم في الباب الأول من هذا البحث ، ثم نتابع البحث ببيان أركان هذا العقد ، ثم ببيان حكم الوكالة ، ثم ببيان أحكام انعقاد الوكالة الصحيحة ، ثم نختم البحث ببيان انتهاء الوكالة .
    الفصل الأول
    في تعريف الوكالة


    ( والوكالة ـ بفتح الواو وقد تكسر ـ التفويض والحفظ ، تقول : وكلت فلانا إذا استحفظته ، ووكلت الأمر إليه بالتخفيف إذا فوضته إليه ، وهي في الشرع إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقا أو مقيدا ) ([1]).

    ( الوكالة ـ بفتح الواو وكسرها ـ لغة التفويض والحفظ ، وشرعا تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة ليفعله في حياته ) ([2]).

    (والحاصل أنها في اللغة بمعنى التوكيل وهو تفويض التصرف إلى الغير ؛ الثاني في معناها اصطلاحا فهي إقامة الإنسان غيره مقام نفسه في تصرف معلوم .كذا في العناية ) ([3]).

    ( والوكالة في اللغة تذكر ويراد بها الحفظ قال الله عز وجل )وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ( ([4]) أي الحافظ وقال تبارك وتعالى : )لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا( ([5]) قال الفراء : أي حفيظا . وتذكر ، ويراد بها الاعتماد وتفويض الأمر قال الله تعالى : )وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ( ([6]) وقال الله تعالى عز وجل خبرا عن سيدنا هود عليه الصلاة والسلام )إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ( ([7]) أي اعتمدت على الله وفوضت أمري إليه ، وفي الشريعة يستعمل في هذين المعنيين أيضا على تقرير الوضع اللغوي وهو تفويض التصرف والحفظ إلى الوكيل ) ([8]).

    تعريفنا المختار للوكالة :

    من جملة ما سبق يمكن أن نعرف الوكالة بالآتي :

    الوكالة لغة :

    التفويض إلى الغير ورد الأمر إليه .

    الوكالة اصطلاحا :

    إقامة الشخص غيره مقام نفسه في تصرف معلوم يقبل النيابة ليفعله حال حياته .


    الفصل الثاني

    في أدلة مشروعية الوكالة


    أولا : الأدلة من الكتاب :

    قوله تعالى : )فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً(([9]) .

    وقوله تعالى : )اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ(([10]) .

    وقوله تعالى : )قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ( ([11]).

    ثانيا : الأدلة من السنة :

    عن أبي رافع (( أن رسول الله استسلف ([sup][12])[/sup] من رجل بكرًا ([sup][13])[/sup] فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره ، فرجع إليه أبو رافع فقال : لم أجد فيها إلا خيًارا([sup][14])[/sup] رباعيًا ([sup][15]) [/sup]. فقال : أعطه إياه ، إن خيار الناس أحسنهم قضاء )) ([16]) .

    فهذا توكيل في قضاء الدين .

    وعن زيد بن خالد وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال : (( واغد يا أنيس ، اذهب إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها )) ([17]).

    وهذا توكيل في التحقق والتثبت من وقوع الجريمة ، ثم توكيل في إقامة الحد في حال ثبوت وقوعها .

    وعن علي قال : (( بعثني النبي فقمت على البُدْن ([sup][18])[/sup] فأمرني فقسمت لحومها ، ثم أمرني فقسمت جلالها وجلودها )) ([19]).

    وهذا توكيل فيما ذكر من القيام على نحر البدن ثم قسمتها .

    وعن عقبة بن عامر : (( أن النبي أعطاه غنما يقسمها على صحابته، فبقي عتود ([sup][20])[/sup] ، فذكره للنبي فقال: ضح به أنت )) ([21]).

    وهذا توكيل في القسمة .

    وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما: (( أن رسول الله استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب ([sup][22]) [/sup]فقال رسول الله : أكل تمر خيبر هكذا . قال : لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله : لا تفعل بع الجمع ([sup][23]) [/sup]بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا )) ([24]).

    وهذه وكالة بالصرف والميزان .

    وعن سهل بن سعد قال : (( جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله ، إني قد وهبت لك من نفسي . فقال رجل : زوجنيها . قال: (قد زوجناكها بما معك من القرآن) )) ([25]).

    وهذه وكالة من المرأة للإمام في النكاح .

    وعن أبي هريرة قال: (( وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت ، فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله . قال : إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة . قال : فخليت عنه ، فأصبحت فقال النبي : (يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ ) قال : قلت : يا رسول الله ، شكا حاجة شديدة ، وعيالا فرحمته فخليت سبيله . قال: (أما إنه قد كذبك ، وسيعود) فعرفت أنه سيعود ، لقول رسول الله : (إنه سيعود) فرصدته ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله . قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال ، لا أعود . فرحمته فخليت سبيله ، فأصبحت فقال لي رسول الله : (يا أبا هريرة ما فعل أسيرك ؟ ) قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا ، فرحمته فخليت سبيله ، قال: (أما إنه كذبك ، وسيعود) فرصدته الثالثة ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله ، وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود ، ثم تعود. قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها. قلت : ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي : (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله : (ما فعل أسيرك البارحة ؟ ) قلت : يا رسول الله ، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله . قال : (ما هي ؟ ) قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم ـ (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ـ وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير- فقال النبي  : (أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ ) قال : لا ، قال : (ذاك شيطان) )) ([26]).

    وهذه وكاله بالحفظ والرعاية .

    وعن أنس بن مالك قال : (( كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ([sup][27])[/sup] ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، فلما نزلت : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) قام أبو طلحة إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، إن الله تعالى يقول في كتابه: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وإن أحب أموالي إلي بيرحاء ، وإنها صدقة لله ، أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث شئت ، فقال: (بخ ([sup][28])[/sup] ، ذلك مال رائح ، ذلك مال رائح ، قد سمعت ما قلت فيها ، وأرى أن تجعلها في الأقربين) قال: أفعل يا رسول الله . فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه )) ([29]) وفي رواية (رابح) بدلاً من (رائح).

    فقوله ( فضعها يا رسول الله حيث شئت ) توكيل من أبي طلحة لرسول الله بالتصرف.

    والأحاديث الدالة على مشروعية الوكالة كثيرة ونكتفي منها بهذا القدر .

    قال محمد بن على الشوكاني : ( أما كون الوكالة تجوز في كل شيء فلأنه قد ثبت منه التوكيل في قضاء الدين ، كما في حديث أبي رافع أنه أمره أن يقضي الرجل بكره (*) ، وقد تقدم وثبت عنه التوكيل في استيفاء الحد كما في حديث (( واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها )) (*) وهو في الصحيح ... ، وثبت عنه التوكيل في القيام على بدنه وتقسيم جلالها وجلودها وهو في الصحيح (*) ، وثبت عنه التوكيل في حفظ زكاة رمضان كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة (*) ، وثبت عنه أنه أعطى عقبة بن عامر غنما يقسمها بين أصحابه وقد تقدم في الضحايا وثبت عنه أنه وكل أبا رافع ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة وقد تقدم ، وثبت عنه أنه قال لجابر : (( إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا )) ([30]) كما أخرجه أبو داود والدارقطني وفي الباب أحاديث كثيرة فيها ما يفيد جواز الوكالة فلا يخرج عن ذلك إلا ما منع منه مانع وذلك كالتوكيل في شيء لا يجوز للموكل أن يفعله ويجوز للوكيل كتوكيل المسلم للذمي في بيع الخمر أو الخنزير أو نحو ذلك فإن ذلك لا يجوز ولا يكون محللا للثمن لما ثبت عنه (( أن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه )) (*) وقد تقدم وقد أورد البخاري في الوكالة ستة وعشرين حديثا ستة معلقة والباقية موصولة .

    وعن عروة بن أبي الجعد البارقي (( أن النبي أعطاه دينارا ليشتري به له شاة فاشترى له به شاتين ، فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة ، فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب لربح فيه )) ([31]) رواه أحمد ، والبخاري ، وأبو داود ، وهذا توكيل بالشراء ) ([32]).

    وقال ابن حزم الظاهري : ( كتاب الوكالة والتذكية وطلب الحقوق وإعطائها وأخذ القصاص في النفس فما دونها وتبليغ الإنكاح والبيع والشراء والإجارة والاستئجار كل ذلك من الحاضر والغائب سواء ، ومن المريض والصحيح سواء ، وطلب الحق كله واجب بغير توكيل إلا أن يبرىء صاحب الحق من حقه ، برهان ذلك بعثة رسول الله الولاة لإقامة الحدود والحقوق على الناس ولأخذ الصدقات وتفريقها ، وقد كان بلال على نفقات رسول الله وقد كان له نظار على أرضه بخيبر وفدك ) ([33]).

    ثالثا : الدليل من الإجماع عل مشروعية الوكالة :

    ( وأما الإجماع فإن الأمة أجمعت على جواز التوكيل ؛ لأن بالناس حاجة إليه ولأن من الناس من لا يتمكن من فعل ما يحتاج إليه بنفسه ، إما لقلة معرفته بذلك أو لكثرته أو لأنه يتنزه عن ذلك فجاز التوكيل ) ([34]).

    وكذا نقل الإجماع على مشروعيتها أبو يحي زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري ([35]) ومحمد بن على الشوكاني ([36]) ومنصور بن يونس بن إدريس البهوتي ([37]).

    الفصل الثالث
    في أركان عقد الوكالة


    للوكالة أربعة أركان نص عليها الفقهاء وهى :

    أولاً : ما فيه التوكيل أو محل التوكيل .

    وثانياً : الموكل وهو من يصدر عنه التوكيل .

    وثالثاً : الوكيل وهو من صدر له التوكيل .

    ورابعاً : الصيغة ويقصد بها الإيجاب والقبول .

    وتفصيل تلك الأركان على النحو الآتي :

    أولاً : ما فيه التوكيل ( محل عقد الوكالة )

    ما فيه التوكيل وهو محل العقد له شروط وهي

    1. الشرط الأول : أن يكون مملوكًا للموكل

    فلو وكله في طلاق من سينكحها ، أو قضاء دين سيلزمه ، أو تزويج بنته إذا انقضت عدتها أو طلقها زوجها ، أو بيع عقار أو منقول لا يملكه وما أشبه ذلك لم يصح على الأصح .

    2. الشرط الثاني : أن يكون قابلا للنيابة : -

    والذي يقبل النيابة أنواع منها العبادات ، والأصل امتناع النيابة فيها ، ويستثنى الحج والزكاة والكفارات والصدقات وذبح الهدي والأضحية ، وفي صوم الولي عن الميت خلاف ، وألحق بالعبادات الشهادات والأيمان ، ومن الأيمان الإيلاء واللعان والقسامة فلا يصح التوكيل في شيء منها قطعا ، ولا في الظهار على الأصح ، وفي معنى الأيمان النذور وتعليق الطلاق والعتق .

    ومنها المعاملات فيجوز التوكيل في طرفي البيع بأنواعه كالسلم والصرف والتولية وغيرها ، وفي الرهن والهبة والصلح والإبراء والحوالة والضمان والكفالة والشركة والمضاربة والإجارة والجعالة والمساقاة والإيداع والإعارة والأخذ بالشفعة والوقف والوصية وقبولها ، وفي وجه شاذ لا يجوز التوكيل في الوصية لأنها قربة ، ويجوز التوكيل في طرفي عقد النكاح والخلع وفي تنجيز الطلاق ، ويجوز في الرجعة على الأصح ، ويجوز التوكيل في قبض الأموال وفي قبض الديون وإقباضها ([38]).

    ويجوز التوكيل في الخصومة وهو في الأصل محل هذا البحث وقد سبق .

    الشرط الثالث : أن يكون ما وكل فيه معلوما من بعض الوجوه بحيث لا يجهل أو يسهل علمه :

    ( قال إمام الحرمين والغزالي : لو قال : وكلتك في كل قليل وكثير . فباطلة ، وإن ذكر الأمور المتعلقة به مفصلة فقال : وكلتك في بيع أملاكي وتطليق زوجاتي وإعتاق عبيدي . صح توكيله ولو قال : وكلتك في كل أمر هو إلي مما يقبل التوكيل . ولم يفصل أجناس التصرفات فوجهان أصحهما البطلان ، وأما طريقة سائر الأصحاب فقالوا لو قال : وكلتك في كل قليل وكثير ، أو في كل أموري ، أو في جميع حقوقي ، أو في كل قليل وكثير من أموري ، أو فوضت إليك جميع الأشياء ، أو أنت وكيلي فتصرف في مالي كيف شئت . لم تصح الوكالة ، قالوا : ولو قال : وكلتك في بيع أموالي ، أو استيفاء ديوني ، أو استرداد ودائعي ، أو إعتاق عبيدي . صحت وهذه الطريقة هي الصحيحة نقلا ومعنى ، وقد نص عليها الشافعي ، وأما الوكالة الخاصة ففيها صور : إحداها لو وكله في بيع جميع أمواله أو قضاء ديونه واستيفائها صح قطعا ، ولا يشترط كون أمواله معلومة على الصحيح ، وكلامالبغوي يقتضي اشتراطه ، وفي فتاوى القفال لو قال : وكلتك في استيفاء ديوني على الناس . جاز ) ([sup][39][/sup]).
    مفيده عبد الرحمن
    مفيده عبد الرحمن
    مدير عام المنتدي
    مدير عام المنتدي


    عدد المساهمات : 3455
    نقاط : 9937
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 17/06/2009

    بحث عقد الوكالة في الفقه الإسلامي Empty رد: بحث عقد الوكالة في الفقه الإسلامي

    مُساهمة من طرف مفيده عبد الرحمن الثلاثاء أكتوبر 19, 2010 9:56 am

    ثانياً : الركن الثاني الموكل :

    الركن الثاني الموكل ويشترط فيه صحة مباشرته للتصرف الذي يريد توكيل غيره فيه بملك أو ولاية .

    ( وشرط في الموكل صحة مباشرته الموكل فيه وهو التصرف المأذون فيه وإلا فلا يصح توكيله لأنه إذا لم يقدر علىالتصرف بنفسه فبنائبه أولى ) ([40]).

    ( فيخرج منه الصبي والمجنون والمغمى عليه والنائم والمرأة في التزويج والفاسق في تزويج بنته إذ لم نجعله وليا ، وأما الوكيل نفسه فلا يملك التوكيل إلا إذا أذن له الموكل أو دلت عليه قرينة ، وأما المحجور عليه بسفه أو فلس أو رق فيجوز توكيله فيما يستقل به من التصرفات ولا يجوز فيما لا يستقل به إلا بعد إذن الولي والمولى والغريم ) ([41]).

    وقال أبو إسحاق الشيرازي : ( فصل فيمن يصح منه التوكيل ، ومن لا يصح ، ولا يصح التوكيل إلا ممن يملك التصرف في الذي يوكل فيه بملك أو ولاية ، فأما من لا يملك التصرف في الذي يوكل فيه كالصبي والمجنون والمحجور عليه في المال والمرأة في النكاح والفاسق في تزويج ابنته فلا يملك التوكيل فيه لأنه لا يملكه فلا يملك أن يملك ذلك غيره ، وأما من لا يملك التصرف إلا بالإذن كالوكيل والعبد المأذون فإنه لا يملك التوكيل إلا بالإذن لأنه يملك التصرف بالإذن فكان توكيله بالإذن ) ([42]).

    ثالثاً : الركن الثالث الوكيل :

    الركن الثالث الوكيل وشرطه صحة مباشرة الوكيل ذلك الشيء لنفسه بأن يكون صحيح العبارة فيه فلا يصح توكيل الصبي والمجنون في التصرفات ([43]).

    قال أبو إسحاق الشيرازي : ( فصل فيمن يصح التوكيل إليه ، ومن لا يصح ، ومن لا يملك التصرف في حق نفسه لنقص فيه كالمرأة في النكاح ، والصبي والمجنون في جميع العقود لم يملك أن يتوكل لغيره ؛ لأنه إذا لم يملك ذلك في حق نفسه بحق الملك لم يملكه في حق غيره بالتوكيل ، ومن ملك التصرف فيما تدخله النيابة في حق نفسه جاز أن يتوكل فيه لغيره لأنه يملك في حق نفسه بحق الملك فملك في حق غيره بالإذن )([44]) .

    وحرية وبلوغ الوكيل ليسا بشرطين لصحة الوكالة عند البعض .

    قال الكاساني : ( وأما الذي يرجع إلى الوكيل فهو أن يكون عاقلاً فلا تصح وكالة المجنون والصبي الذي لا يعقل لما قلنا ، وأما البلوغ والحرية فليسا بشرط لصحة الوكالة ؛ فتصح وكالة الصبي العاقل والعبد مأذونين كانا أو محجورين ، وهذا عند أصحابنا . وقال الشافعي رحمه الله : وكالة المكلف صحيحة ولا تصح وكالة المجنون ، ولنا ما روي (( أن رسول الله لما خطب أم سلمة قالت : إن أوليائي غَيَبٌ ([sup][45])[/sup] يا
    رسول الله . فقال : ليس فيهم من يكرهني . ثم قال لعمر ابن أم سلمة : قم فزوج أمك مني )) ([46]) فزوجها من رسول الله ، وكان صبيًا ، والاعتبار سديد لأن العقل شرط أهلية التصرفات الشرعية وقد انعدم هناك ووجد هنا فتصح وكالته كالبالغ ، إلا أن حقوق العقد من البيع ونحوه ترجع إلى الوكيل إذا كان بالغا ، وإذا كان صبيًا ترجع إلى الموكل ؛ لما ذكرنا في موضعه إن شاء الله تعالى ، وكذا ردة الوكيل لا تمنع صحة الوكالة ؛ فتجوز وكالة المرتد بأن وكل مسلم مرتدا لأن وقوف تصرفات المرتد لوقوف ملكه والوكيل يتصرف في ملك الموكل وأنه نافذ التصرفات ، وكذا لو كان مسلما وقت التوكيل ثم ارتد فهو على وكالته لما قلنا ، إلا أن يلحق بدار الحرب فتبطل وكالته لما نذكر في موضعه ، وأما علم الوكيل فهل هو شرط لصحة الوكالة ، لا خلاف في أن العلم بالتوكيل في الجملة شرط إما علم الوكيل وإما علم من يعامله )([47]) .


    رابعاً : الركن الرابع الصيغة : -

    الركن الرابع الصيغة لكون عقد الوكالة من العقود الرضائية التي يشترط فيها الإيجاب والقبول فالإيجاب من الموكل أن يقول : وكلتك في كذا أو افعل كذا ، أو أذنت لك أن تفعل كذا ونحوه ، والقبول من الوكيل أن يقول : قبلت . وما يجري مجراه ، فما لم يوجد الإيجاب والقبول لا يتم العقد ، ولهذا لو وكل إنسانًا بقبض دينه فأبى أن يقبل ثم ذهب الوكيل فقبضه لم يبرأ الغريم ؛ لأن تمام العقد بالإيجاب والقبول وكل واحد منهما يرتد بالرد قبل وجود الآخر كما في البيع .

    قال الإمام النووي : ( فصل في الإيجاب والقبول في الوكالة ، ولا تصح الوكالة إلا بالإيجاب والقبول ؛ لأنه عقد تعلق به حق كل واحد منهما فافتقر إلى الإيجاب والقبول كالبيع والإجارة ، ويجوز القبول على الفور وعلى التراخي وقال القاضي أبو حامد المروزي : لا يجوز إلا على الفور ؛ لأنه عقد في حال الحياة فكان القبول فيه على الفور كالبيع ، والمذهب الأول لأنه إذن في التصرف والإذن قائم ما لم يرجع فيه فجاز القبول ، ويجوز القبول بالفعل لأنه إذن في التصرف فجاز القبول فيه بالفعل كالإذن في أكل الطعام ) ([sup][48])[/sup].

    وقال بنحوه الكاساني ([sup][49])[/sup] وأبو إسحاق الشيرازي([50]).

    وتفصيل ذلك الركن من أركان عقد الوكالة في النقاط الآتية :

    أولا : لا بد من جهة الموكل من لفظ دال على عرض الوكالة على من ارتضاه وكيلا عنه ، كقوله : وكلتك في كذا ، أو فوضته إليك ، أو أنبتك فيه . وما أشبهه ، ومثله : بع هذا العقار أو تلك السيارة ، أو كن وكيلاً عني في قضية معينة ، أو في جميع القضايا ونحو ذلك ، ومن ذلك التوكيل الذي يقوم الموكل بتوثيقه في مأموريات الشهر العقاري والتوثيق والذي غالبا ما يكون مسبوقًا بوكالة شفهية تتضمن إيجاب من الموكل وقبول من المحامي للوكالة .

    ثانيا : لابد من قبول من الوكيل ، ويتمثل القبول في الرضا والرغبة فيما فوض إليه ونقيضه الرد ، وهل يشترط القبول لفظا ففيه أوجه : أصحها لا يشترط ، والثاني يشترط ، والثالث إن أتى بصيغة عقد ( كوكلتك ) و ( فوضت إليك ) اشترط وإن أتى بصيغة أمر نحو ( بع ) و( اشتر )لم يشترط ، ورجح النووي في روضة الطالبين عدم اشتراط اقتران القبول بالإيجاب على الفور في ذات المجلس .

    مبحث : في أن الكتابة ليست شرطا لصحة عقد الوكالة :

    يبين من سرد الأدلة السابقة سواء من الكتاب أو السنة أن عامة ما ورد فيها من وكالات كانت كلها وكالات شفوية غير مكتوبة ، فدل ذلك على أن الكتابة ليست شرطا لصحة عقد الوكالة ومن باب أولى ليس التوثيق الرسمي شرطا لصحته ، بمعنى أنه لا يشترط لصحة عقد الوكالة أن يكون العقد مكتوبا أو موثقا في مكاتب التوثيق الرسمية المختصة بذلك ، بل يكفي لقيام عقد الوكالة تحقق الأركان الأربعة السابق ذكرها وليست الكتابة أو التوثيق سوى وسائل وطرق لإثبات قيام العقد وشروطه ؛ مع الأخذ في الاعتبار أن الكتابة والتوثيق أولى في كل حال سداً لأبواب التنازع والاختلاف وحفظاً للحقوق من الضياع .

    ويترتب على القول بعدم اشتراط الكتابة ولا التوثيق لصحة عقد الوكالة أو انعقادها أن التزامات وحقوق الموكل والوكيل المتبادلة تجب بمجرد الإيجاب والقبول منهما على الوكالة وحدودها دون توقف على توثيق التوكيل في مكتب التوثيق حيث يجب على الموكل والوكيل القيام بما يجب عليهما القيام به من واجبات ـ سوف يرد تفصيلها ـ وكذا لكل منهما الحقوق المترتبة على عقد الوكالة ، وسوف يأت تفصيل تلك الحقوق أيضا .

    الفصل الرابع
    في حكم الوكالة


    الوكالة من العقود الجائزة أي غير اللازمة بمعنى جواز فسخها من أي من طرفي العقد الوكيل أو الموكل ، بعكس العقود اللازمة كعقد البيع حيث لا يجوز فسخه إذا انعقد العقد وانتهى خيار المجلس أو الشرط فالبيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا تم البيع ، ولا يجوز فسخه إلا بالتراضي بين طرفي العقد ما لم يشترط العاقدان جواز الفسخ وهو خيار الشرط ، فمن حق الوكيل أو الموكل إنهاء الوكالة في أي وقت بشرط عدم التعسف في استخدام هذا الحق .

    قال ابن رشد : ( وأما الوكالة فهي عقد يلزم بالإيجاب والقبول كسائر العقود وليست هي من العقود اللازمة بل الجائزة ) ([51]).

    وقال البهوتي : ( والوكالة عقد جائز من الطرفين لأنها من جهة الموكل إذن ومن جهة الوكيل بذل نفع وكلاهما جائز ) ([52]).
    الفصل الخامس
    أحكام انعقاد الوكالة الصحيحة


    المبحث الأول : أحكام انعقاد الوكالة في حق الموكل :

    يترتب على انعقاد الوكالة الصحيحة الالتزامات الآتية في حق الموكل:

    1) نفاذ جميع تصرفات الوكيل في حق من وكله وذلك في حدود الوكالة المأذون بها :

    قال أبو إسحاق الشيرازي : ( فصل في ملكية ما يشتريه الوكيل ، إذا اشترى الوكيل ما أذن فيه الموكل انتقل الملك إلى الموكل ؛ لأن العقد له فوقع الملك له كما لو عقده بنفسه وإن اشترى ما لم يأذن فيه فإن كان قداشتراه بعين مال الموكل فالعقد باطل ؛ لأنه عقد على مال لم يؤذن في العقد عليه فبطل كما لو باع مال غيره بغيرإذنه ) ([53]).

    وقال ابن قدامة المقدسي : ( إذا اشترى لموكله ثبت الملك للموكل ؛ لأنه قبل العقد لغيره فوجب أن ينقل الملك إلى ذلك الغير كما لو تزوج لغيره ويثبت الثمن في ذمته أصلاً وفي ذمة الوكيل تبعًا ، وللبائع مطالبة من شاء منهما كالضمان في أحد الوجهين ، وفي الآخر لا يثبت إلا في ذمة الموكل وليس له مطالبة غيره فإن دفع الثمن فوجد به البائع عيبا فرده على الوكيل فتلف في يده فلا شيء عليه لأنه أمين ، وللبائع المطالبة بالثمن لأنه دين له فأشبه سائر ديونه ، وللوكيل المطالبة به لأنه نائب للمالك فيه ) ([54]).

    وقال ابن حزم : ( وفعل الوكيل نافذ فيما أمر به الموكل لازم للموكل ما لم يثبت عنده أن موكله قد عزله فإذا صح ذلك عنده لم ينفذ حكمه من حينئذ ويفسخ ما فعل ، وأما كل ما فعل مما أمره به الموكل من حين عزله إلى حين بلوغ الخبر إليه فهو نافذ طالت المدة بين ذلك أو قصرت ، وهكذا القول في عزل الإمام للأمير وللوالي وللقاضي وفي عزل هؤلاء لمن جعل إليهم أن يولوه ولا فرق ؛ لأن عزله بغير أن يعلمه بعد أن ولاه وأطلقه على البيع وعلى الابتياع وعلى التذكية والقصاص والإنكاح لمسماة خديعة وغش قال الله تعالى : )يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ( ([55]) وقال رسول الله (( من غشنا فليس منا )) ([56]) فعزله له باطل إلا أن يقول أو يكتب إليه أو يوصي إليه : إذا بلغك رسولي فقد عزلتك . فهذا صحيح ؛ لأن له أن يتصرف في حقوق نفسه كما يشاء فإذا بلغه فقد صح عزله ، وليس للخصم أن يمنع من يخاصمه من عزل وكيله وتولية آخر ، لأن التوكيل في ذلك قد صح ولا برهان على أن للخصم منعه من عزل من شاء وتولية من شاء ؛ فإن قيل : إن في ذلك ضرراً على الخصم ، قلنا : لا ضرر عليه في ذلك أصلاً بل الضرر كله هو المنع من تصرف المرء في طلب حقوقه بغير قرآن أوجب ذلك ولا سنة وها هو الشرع الذي لم يأذن الله تعالى به ) ([57]).

    2) لو تجاوز الوكيل حدود الوكالة وأجازه الموكل فهو جائز :

    أورد البخاري في صحيحه : ( باب إذا وكل رجلاً فترك الوكيل شيئاً فأجازه الموكل فهو جائز وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز ثم أورد حديثاً عن أبي هريرة قال: (( وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت ، فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله . قال : إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة . قال : فخليت عنه ، فأصبحت فقال النبي : (يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ ) قال : قلت : يا رسول الله ، شكا حاجة شديدة ، وعيالا فرحمته فخليت سبيله . قال: (أما إنه قد كذبك ، وسيعود) فعرفت أنه سيعود ، لقول رسول الله : (إنه سيعود) فرصدته ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله . قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال ، لا أعود . فرحمته فخليت سبيله ، فأصبحت فقال لي رسول الله : (يا أبا هريرة ما فعل أسيرك ؟ ) قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا ، فرحمته فخليت سبيله ، قال: (أما إنه كذبك ، وسيعود) فرصدته الثالثة ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله ، وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود ، ثم تعود. قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها. قلت : ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي : (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله : (ما فعل أسيرك البارحة ؟ ) قلت : يا رسول الله ، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله . قال : (ما هي ؟ ) قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم ـ ((الله لا إله إلا هو الحي القيوم)) ـ وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير- فقال النبي : (أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ ) قال : لا . قال : (ذاك شيطان) ))([58]).

    ففي هذا الحديث شاهد لترجمة الباب التي أوردها البخاري في صحيحه حيث كان أبو هريرة وكيلاً من قِبَل رسول الله لحفظ زكاة المال ، وأعطى من المال الموكل عليه للغير ، وأجاز الموكل فعله فدل على الجواز .

    3) ولو خالف الوكيل موكله إلى الأصلح لجاز بل هو مأمور بتحري مصلحة موكله وذلك من باب النصح له :

    قال المجد ابن تيمية في المنتقى : ( باب من وكل في شراء شيء فاشترى بالثمن أكثر منه وتصرف بالزيادة ثم أورد حديثاً عن عروة بن أبي الجعد البارقي (( أن النبي أعطاه ديناراً ليشتري به له شاة فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة ، فدعا له بالبركة في بيعه ، وكان لو اشترى التراب لربح فيه)) ([59]) رواه أحمد ، والبخاري ، وأبو داود ) ([60]).

    ثم علق الشوكاني بقوله : ( وفي الحديث دليل على أنه يجوز للوكيل إذا قال له المالك اشتري بهذا الدينار شاة ووصفها ، أن يشتري به شاتين بالصفة المذكورة ؛ لأن مقصود الموكل قد حصل وزاد الوكيل خيراً ، ومثل هذا لو أمره أن يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين أو بأن يشتريها بدرهم فاشتراها بنصف درهم وهو الصحيح ) ([61]).

    4 - التزام الموكل بإعطاء الوكيل أجره وفقا للاتفاق :

    الوكيل في الوكالة على عوض أجير يستحق أجره وفقًا لشروط عقد الوكالة ، فالمؤمنون عند شروطهم إلا ما أحل حرامًا أو حرم حلالاً ويتأكد استحقاق الأجر بتمام العمل .

    فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله : (( يقول الله عز وجل : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، ومن كنت خصمه خصمته : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حرًا وأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يوفه أجره )) ([62]) .

    وعلق الشوكاني على هذا الحديث بقوله : ( قوله ( ولم يوفه أجره) هو في معنى من باع حرًا وأكل ثمنه لأنه استوفى منفعته بغير عوض فكأنه أكلها ولأنه استخدمه بغير أجرة فكأنه استعبده ) ([63]).

    وروى ابن ماجة في سننه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : (( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه )) ([64]) .

    وعن أبي هريرة في حديث له عن النبي (( أنه يُغفر لأمته في آخر ليلة من رمضان قيل : يا رسول الله ، أهي ليلة القدر ؟ قال : لا ، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله )) ([65]).

    المبحث الثاني : أحكام انعقاد الوكالة في حق الوكيل :

    1) فيما يملك الوكيل التصرف فيه :

    ( ولا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن الموكل من جهة النطق أو من جهة العرف ؛ لأن تصرفه بالإذن فلا يملك إلا ما يقتضيه الإذن ، والإذن يعرف بالنطق وبالعرف ) ([66]).

    ( ولا يحل للوكيل تعدي ما أمره به موكله ، فإن فات ضمن لقول الله تعالى : )وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ( ([67]) ولقوله تعالى : )فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ( ([68]) فوجب من هذا أن من أمره موكله بأن يبتاع له شيئا بثمن مسمى أو يبيعه له بثمن مسمى فباعه أو ابتاعه بأكثر أو بأقل ولو بفلس فما زاد لم يلزم الموكل ولم يكن البيع له أصلاً ولم ينفذ البيع ؛ لأنه لم يؤمر بذلك ، فلو وكله على أن يبيع له أو يبتاع له فإن ابتاع له بما يساوي أو باع بذلك لزم وإلا فهو مردود ، وكذلك من ابتاع لآخر أو باع له بغير أن يأمره لم يلزم في البيع أصلا ولا جاز للآخر إمضاؤه ؛ لأنه إمضاء باطل لا يجوز ، وكان الشراء لازما للوكيل ، وما عدا هذا فقول بلا برهان وحكم بالباطل ) ([69]).
    مفيده عبد الرحمن
    مفيده عبد الرحمن
    مدير عام المنتدي
    مدير عام المنتدي


    عدد المساهمات : 3455
    نقاط : 9937
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 17/06/2009

    بحث عقد الوكالة في الفقه الإسلامي Empty رد: بحث عقد الوكالة في الفقه الإسلامي

    مُساهمة من طرف مفيده عبد الرحمن الثلاثاء أكتوبر 19, 2010 9:58 am

    ( ولا يصح إقرار الوكيل على موكله بغير ما وكل فيه ؛ لأنه إقرار على غيره كالأجنبي ) ([70]).

    2) في اعتبار العرف في الموكل فيه :

    ( وإن وكل في بيع عبد أو شراء عبد لم يجز أن يعقد على بعضه ؛ لأن العرف في بيع العبد وشرائه أن يعقد على جميعه فحمل الوكالة عليه ، ولأن في تبعيضه إضراراً بالموكل فلم يملك إذن ) ([71]).

    وفي الفتاوى الصغرى ( التوكيل بالتقاضي يعتمد العرف إن كان في بلدة كان العرف بين التجار أن المتقاضي هو الذي يقبض الدين كان التوكيل بالتقاضي توكيلاً بالقبض وإلا فلا ) .

    3) وجوب النصح للموكل واختيار الأصلح له :

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إذ المقصود هنا أن التخيير في الشرع نوعان فمن خير فيما يفعله لغيره بولايته عليه وبوكالة مطلقة لم يبح له فيها فعل ما شاء بل عليه أن يختار الأصلح ، وأما من تصرف لنفسه فتارة يأمره الشارع باختيار ما هو الأصلح بحسب اجتهاده كما يأمر المجتهد بطلب أقوى الأقاويل وأصلح الأحكام في نفس الأمر ، وتارة يبيح له ما شاء من الأنواع التي خير بينها ) ([72]).

    وقال الإمام الشوكاني في تعليقه على الوكالة وكونها نيابة أو ولاية : ( وفي كونها نيابة أو ولاية وجهان ؛ فقيل : نيابة لتحريم المخالفة ، وقيل : ولاية لجواز المخالفة إلى الأصلح كالبيع بمعجل وقد أمر بمؤجل ) ([73]).

    4) عدم جواز الإضرار بالموكل :

    لقوله (( لا ضرر ولا ضرار )) ([74]).

    وفي لفظ الترمذي عن أبي صرمة أن رسول الله قال : (( من ضار ضار الله به ، ومن شاق شاق الله عليه )) ([75]).

    5) الاحتياط لمصلحة الموكل :

    قال أبو إسحاق الشيرازي : ( وإن وكله في قضاء دين لزمه أن يشهد على القضاء لأنه من الاحتياط للموكل ومن النظر أن يشهد عليه لئلا يرجع عليه ) ([76]).

    6) لو ربح الوكيل أكثر مما طلبه الموكل فالزيادة للموكل دون الوكيل :

    ( وإذا باع الوكيل بزيادة على ما رسمه موكله كانت الزيادة للموكل وإذا خالفه إلى ما هو أنفع أو غيره ورضي به صح ... إلى أن قال : وأما كون الوكيل إذا باع بزيادة على ما رسمه موكله كانت الزيادة للموكل فلما ثبت في البخاري وغيره من حديث عروة البارقي (( أن النبي أعطاه ديناراً ليشتري له به شاة فاشترى له شاتين فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة ، فدعا له بالبركة في بيعه فكان لو اشترى التراب لربح فيه )) ([77]) ) ([78]).

    7) المحافظة على أموال الموكل وحقوقه وإصلاح ما يخاف عليه الفساد منها ولو بغير علمه وذلك في حدود الوكالة :

    أورد البخاري في صحيحه ( باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت أو شيئا يفسد ذبح أو أصلح ما يخاف عليه الفساد ، ونص الحديث : ((عن نافع أنه سمع ابن كعب بن مالك يحدث عن أبيه أنه كانت لهم غنم ترعى بسلع ، فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتا([sup][79])[/sup] فكسرت حجراً فذبحتها به ، فقال لهم : لا تأكلوا حتى أسأل النبي ـ أو أرسل إلى النبي من يسأله ـ وأنه سأل النبي عن ذاك ـ أو أرسل ـ فأمره بأكلها . قال عبيد الله : فيعجبني أنها أمة وأنها ذبحت )) ([sup][80])[/sup] .

    وعلق ابن حجر العسقلاني في فتح الباري على هذا الحديث بقوله : ( وقد أورد فيه حديث ابن كعب بن مالك عن أبيه ( أنه كانت له غنم ترعى بسلع ... ) الحديث قال بن المنير ليس غرض البخاري بحديث الباب الكلام في تحليل الذبيحة أو تحريمها وإنما غرضه إسقاط الضمان عن الراعي وكذا الوكيل وقد اعترض ابن التين بأن التي ذبحت كانت ملكا لصاحب الشاة وليس في الخبر أنه أراد تضمينها ، والذي يظهر أنه أراد رفع الحرج عمن فعل ذلك وهو أعم من التضمين ... واستدل به على تصديق المؤتمن على ما أؤتمن عليه ما لم يظهر دليل الخيانة ، وعلى أن الوكيل إذا أنزى ([sup][81]) [/sup]على إناث الماشية فحلا بغير إذن المالك حيث يحتاج إلى ذلك فهلكت أنه لا ضمان عليه ) ([82]).

    Cool توكيل أكثر من وكيل :

    يحدث أحيانا في العمل أن يقوم الموكل بتوكيل أكثر من وكيل لإنجاز ذات العمل والأمر لا يخرج عن أحد أمور ثلاثة على التفصيل الآتي :

    أولا : أن تنصرف نية الموكل بتوكيل الثاني عزل الأول عن الوكالة ، فهنا لا نكون بصدد وكيلين بل بصدد وكيل واحد هو الوكيل الثاني ويلزم معرفة أحكام وشروط عزل الوكيل ، وسوف يأت في فصل انتهاء الوكالة .

    ثانيا : أن تنصرف نية الموكل بتوكيل الثاني لا إلى عزل الأول عن الوكالة بل بتوكيلهما معا لإنجاز ذات العمل ، وهو موضع البحث في السطور الآتية.

    ثالثا : أن يوكل الموكل أكثر من وكيل لإنجاز ذات العمل دون أن يفصح عن نيته وهل يقصد عزل الوكيل الأول أو الإبقاء عليه ، فهنا العودة إلى الأصل وهو بقاء الوكالة حتى يتحقق سبب لانتهائها ، فيبقى الوكيل الأول على وكالته طالما لم يصرح الموكل بعزله ، ولامناص من بحث وكالة الوكيلين معا طالما لم يتحقق سبب لانتهاء أي منهما ، وهو موضع البحث في السطور الآتية .

    قال البهوتي : ( وإذا وكل شخص اثنين واحداً بعد آخر ولم يصرح بعزل الأول أو وكلهما معا لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف ؛ لأن الموكل لم يفوضه إليه وحده وكذا الناظران والوصيان ، وإلا أن يجعل الموكل ذلك أي الانفراد بالتصرف إليه أي إلى أحدهما بعينه أو يجعله لكل منهما فيكون له الانفراد به وإن غاب أحدهما أي أحد الوكيلين ولم يكن الموكل جعل لكل منهما الانفراد لم يكن للآخر الحاضر أن يتصرف ؛ في غيبة رفيقه ... وإن جحد الغائب الوكالة أو عزل نفسه لم يكن للآخر أن يتصرف ؛ لأن الموكل لم يرض تصرف أحدهما منفردا بدليل إضافة الغير إليه كما سبق )([83]) .

    وجاء في فتاوى السغدي : ( والرجل إذا وكل رجلين أو الرجلان الرجلين فلا يجوز لأحد الوكيلين أن يفعل ذلك الفعل دون الآخر ، إلا في خمسة أشياء أحدها أن يوكل رجلين على طلاق امرأته جاز لأحدهما أن يطلقها دون الآخر ، والثاني أن يوكل رجلين علي عتق عبد له مال فيعتقه أحدهما جاز ، والثالث أن يوكل رجلين في خصومة له على رجل فخاصمه أحدهما دون الآخر جاز ، ولا يقبضه دون الآخر ولا يجوز أن يخاصم أحدهما في قول سفيان ) ([84]).

    وقال الكاساني : ( فصل الوكيلان هل ينفرد أحدهما بالتصرف فيما وكلا به ، أما الوكيلان بالبيع فلا يملك أحدهما التصرف بدون صاحبه ، ولو فعل لم يجز حتى يتبين رأي صاحبه أو الموكل لأن البيع مما يحتاج فيه إلى الرأي والموكل إنما رضي برأيهما لا برأي أحدهما واجتماعهما على ذلك ممكن فلم يمتثل أمر الموكل فلا ينفذ عليه وكذا الوكيلان سيما ، سواء كان الثمن مسمى أو لم يكن ، وسواء كان الوكيل الآخر غائبا أو حاضرا ؛ لما ذكرنا في البيع ، إلا أن في الشراء إذا اشترى أحدهما بدون صاحبه ينفذ على المشتري ولا يقف على الإجازة ، وفي البيع يقف على الإجازة ، وقد مر الفرق ، وكذلك الوكيلان بالنكاح والطلاق على مال والعتق على مال والخلع والكتابة وكل عقد فيه بدل هو مال ؛ لأن كل ذلك مما يحتاج إلى الرأي ولم يرض برأي أحدهما بانفراده وكذا ما خرج مخرج التمليك بأن قال لرجلين جعلت أمر امرأتي بيدكما أو قال لهما طلقا امرأتي إن شئتما لا ينفرد أحدهما بالتطليق ..... إلى أن قال :

    ( وأما الوكيلان بالخصومة فكل واحد منهما يتصرف بانفرداه عند أصحابنا الثلاثة ، وعند زفر لا ينفرد وجه قوله أن الخصومة مما يحتاج إلى الرأي ولم يرض برأي أحدهما فلا يملكها أحدهما دون صاحبه وجه قول أصحابنا الثلاثة أن الغرض من الخصومة إعلام القاضي بما يملكه المخاصم واستماعه واجتماع الوكيلين على ذلك يخل بالإعلام والاستماع لأن ازدحام الكلام يخل بالفهم فكان إضافة التوكيل إليهما تفويضًا للخصومة إلى كل واحد منهما فأيهما خاصم كان تمثيلاً ، إلا أنه لا يملك أحدهما القبض دون صاحبه وإن كان الوكيل بالخصومة يملك القبض عندنا ؛ لأن اجتماعهما على القبض ممكن فلا يكون راضيًا بقبض أحدهما بانفراده ) ([85]) .

    9) وكيل الوكيل :

    يحدث عملا أن يقوم الوكيل بتوكيل آخر فيكون وكيلا للوكيل والأمر لا يخرج عن فرضين :

    أولهما : أن يكون الوكيل الأخير وكيلا عن الوكيل الأول نفسه لا عمن وكله ، فلو فرضنا زيد من الناس وكل عمرو ثم وكل عمرو محمد عن نفسه لا بصفته وكيلا عن زيد فهنا يملك محمد التصرف عن زيد طالما بقيت وكالة عمرو عن زيد ، فإذا انتهت الوكالة بين زيد وعمرو انتهت بالتبعية وكالة محمد عن زيد ، كما وأن عمرو يملك عزل محمد في أي وقت دون العودة إلى زيد ؛ لأن محمد وكيل عمرو لا زيد .

    ثانيهما : أن يكون الوكيل الأخير وكيلا عن الوكيل الأول بصفته وكيلا عمن وكله وبأذنه ، فلو فرضنا زيد من الناس وكل عمرو وأذن زيد لعمرو في توكيل من يشاء ثم وكل عمرو محمدا بصفته وكيلا عن زيد لا عن نفسه ، فهنا يملك محمد التصرف عن زيد حتى لو انتهت وكالة عمرو عن زيد ، كما وأن عمرو لا يملك عزل محمد ؛ لأنه ليس وكيله بل هو وكيل زيد وللأخير وحده عزله .

    قال ابن قدامة المقدسي : ( وإن أذن لوكيله في توكيل آخر فهما وكيلان للموكل لا ينعزل أحدهما بعزل الآخر ولا يملك الأول عزل الثاني لأنه ليس بوكيله ، وإن أذن له في توكيله عن نفسه فالثاني وكيل الوكيل ينعزل بهلأن وكالة الأول وعزله له لأنه فرعه) ([86]).

    وفي المهذب : ( وإن وكل رجلاً في تصرف وأذن له في توكيل غيره ، نظرت فإن أذن له في التوكيل عن الموكل فهما وكيلان للموكل فإن بطلت وكالة أحدهما لم تبطل وكالة الآخر ، وإن أذن له في توكيله عن نفسه فإن الثاني وكيل الوكيل ، فإن عزله الموكل انعزل لأنه يتصرف له فملك عزله كالوكيل وإن عزله الوكيل انعزل لأنه وكيله فانعزل بعزله ، وإن بطلت وكالة الوكيل بطلت وكالته لأنه فرع له فإذا بطلت وكالة الأصل بطلت وكالة الفرع ) ([87]).

    وقال ابن قدامة : ( فصل إذا أذن الموكل في التوكيل فوكل كان الوكيل الثاني وكيلاً للموكل لأنه لا ينعزل بموت الوكيل الأول ولا عزله ، ولا يملك الأول عزل الثاني لأنه ليس بوكيله ، وإن أذن له أن يوكل لنفسه جاز وكان وكيلاً للموكل ينعزل بموته وعزله إياه ، وإن مات الموكل أو عزل الأول انعزلا جميعا لأنهما فرعان له ، لكن أحدهما فرع للآخر فذهب حكمهما بذهاب أصلهما ) ([88])

    الفصل السادس
    انتهاء الوكالة


    تقدم أن الوكالة عقد من العقود الرضائية غير اللازمة أي التي يجوز فسخها وإنهائها في أي وقت من أحد طرفيها كما وأنها تشترك مع سائر العقود الأخرى في ذات الأسباب الغالبة لانتهاء العقود ، وأسباب انتهاء الوكالة التي أوردها الفقهاء تتلخص في الأسباب الآتية :

    1) انتهاء الوكالة بفسخها من الموكل أو الوكيل :

    تنتهي الوكالة بفسخها من أي من طرفيها في أي وقت شاء لعدم لزومها ، والفسخ الصريح من جهة الموكل يكون بعزل الوكيل أو بإعلانه بإنهاء الوكالة ، ويكون الفسخ من جهة الوكيل بإعلانه موكله بإنهاء الوكالة وردها من جهته .

    ( تبطل – أي الوكالة - بفسخ أحدهما أي وقت شاء لعدم لزومها لما تقدم ، فلو قال الموكل لوكيله : كلما عزلتك فقد وكلتك . فهي الوكالة الدورية لأنها تدور مع العزل فكلما عزله عاد وكيلاً وهي أي الوكالة الدورية صحيحة لأن تعليق الوكالة صحيح ) ([89]).

    ( الوكيل يخرج عن الوكالة بأشياء منها عزل الموكل إياه ونهيه ؛ لأن عقد الوكالة غير لازم فكان محتملاً للفسخ بالعزل والنهي ، ولصحة العزل شرطان : أحدهما علم الوكيل به ؛ لأن العزل فسخ للعقد فلا يلزم حكمه إلا بعد العلم به كالفسخ ، فإذا عزله وهو حاضر انعزل ، وكذا لو كان غائباً فكتب إليه كتاب العزل فبلغه الكتاب وعلم بما فيه انعزل ؛ لأن الكتاب من الغائب كالخطاب من الحاضر ، وكذلك لو أرسل إليه رسولاً فبلغ الرسالة وقال إن فلاناً أرسلني إليك ويقول إني عزلتك عن الوكالة فإنه ينعزل كائناً ما كان الرسول ) ([90]).

    أ‌- فيما يثبت به العزل :

    كما تقدم أن التوثيق الرسمي ليست شرطاً من شروط صحة عقد الوكالة وهو كذلك ليس شرطاً من شروط انتهائها بالعزل من أحد طرفيها ، فيملك كل منهما عزل نفسه بأي طريق يدل على انصراف النية إلى العزل سواء شفاهة أو كتابة أو بإرسال رسول بذلك على تفصيل سيأتي ، أو بالتصرف على نحو معين يقطع بالعزل وذلك على التفصيل الآتي :

    قال صاحب البحر الرائق : ( باب عزل الوكيل ، قد علم أنها من العقود غير اللازمة ولهذا لا يدخلها خيار شرط ولا يصح الحكم بها مقصوداً وإنما يصح الحكم بها ضمن الدعوى على الغريم كما في جامع الفصولين ، فكان للموكل العزل متى شاء بشرط علم الوكيل ولو كان وكيلاً بالنكاح والطلاق ؛ لأنه وإن لم يلحقه الضرر يصير مكذبًا شرعًا فيكون غرورًا ويثبت عزله بالمشافهة به أو بكتابته له كتابًا بعزله أو بإرساله رسولاً عدلاً ، حرًا أو عبدًا ، صغيرًا أو كبيرًا ، إذا قال له : الموكل أرسلني إليك لأبلغك عزله عن الوكالة . فلو أشهد على العزل حال غيبة الوكيل لم ينعزل ، ولو أخبره فضولي فقد تقدم أنه لا بد عنده من أحد شطري الشهادة إما العدد أو العدالة ولها أخوات في مسائل شتى من كتاب القضاء لازمة من الجانبين ، فللوكيل عزل نفسه بشرط علم الموكل كما في عزل الموكل ) ([91]).

    ب‌- في حكم تصرف الوكيل إذا عزله الموكل ولم يعلم بالعزل :

    ( وفعل الوكيل نافذ فيما أمر به الموكل لازم للموكل ما لم يصح عنده أن موكله قد عزله فإذا صح ذلك عنده لم ينفذ حكمه من حينئذ ويفسخ ما فعل ، وأما كل ما فعل مما أمره به الموكل من حين عزله إلى حين بلوغ الخبر إليه فهو نافذ طالت المدة بين ذلك أو قصرت ، وهكذا القول في عزل الإمام للأمير وللوالي وللقاضي وفي عزل هؤلاء لمن جعل إليهم أن يولوه ولا فرق ؛ لأن عزله بغير أن يعلمه بعد أن ولاه وأطلقه على البيع وعلى الابتياع وعلى التذكية والقصاص والإنكاح لمسماة ومسمى خديعة وغش قال الله تعالى : )يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ( ([92]) وقال رسول الله (( من غشنا فليس منا )) ([93]) فعزله له باطل إلا أن يقول أو يكتب إليه أو يوصي إليه إذا بلغك رسولي فقد عزلتك فهذا صحيح لأن له أن يتصرف في حقوق نفسه كما يشاء فإذا بلغه فقد صح عزله ، وليس للخصم أن يمنع من يخاصمه من عزل وكيله وتولية آخر ؛ لأن التوكيل في ذلك قد صح ولا برهان على أن للخصم منعه من عزل من شاء وتولية من شاء ، فإن قيل : إن في ذلك ضررا على الخصم . قلنا : لا ضرر عليه في ذلك أصلاً بل الضرر كله هو المنع من تصرف المرء في طلب حقوقه بغير قرآن أوجب ذلك ولا سنة وها هو الشرع الذي لم يأذن الله تعالى به ) ([94]).

    ( وما فعل الوكيل بعد فسخ الموكل أو موته فباطل ، وجملته أن الوكالة عقد جائز من الطرفين فللموكل عزل وكيله متى شاء وللوكيل عزل نفسه ؛ لأنه أذن في التصرف فكان لكل واحد منهما إبطاله كما لو أذن في أكل طعامه ، وتبطل أيضا بموت أحدهما أيهما كان وجنونه المطبق ، ولا خلاف في هذا كله فيما نعلم ، فمتى تصرف الوكيل بعد فسخ الموكل أو موته فهو باطل إذا علم ذلك فإن لم يعلم الوكيل بالعزل ولا موت الموكل ، فعن أحمد فيه روايتان وللشافعي فيه قولان ، وظاهر كلام الخرقي هذا أنه ينعزل علم أو لم يعلم ، ومتى تصرف فبان أن تصرفه بعد عزله أو موت موكله فتصرفه باطل ؛ لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا صاحبه فلا يفتقر إلى علمه كالطلاق والعتاق ، والرواية الثانية عن أحمد لا ينعزل قبل علمه بموت الموكل وعزله ، نص عليه في رواية جعفر بن محمد ؛ لأنه لو انعزل قبل علمه كان فيه ضرر لأنه قد يتصرف تصرفات فتقع باطلة وربما باع الجارية فيطؤها المشتري أو الطعام فيأكله ذلك فيتصرف فيه المشتري ويجب ضمانه ويتضرر المشتري والوكيل ولأنه يتصرف بأمر الموكل ولا يثبت حكم الرجوع في حق المأمور قبل علمه كالفسخ ، فعلى هذه الرواية متى تصرف قبل العلم نفذ تصرفه وعن أبي حنيفة أنه إن عزله الموكل فلا ينعزل قبل علمه لما ذكرنا وإن عزل الوكيل نفسه لم ينعزل إلا بحضرة الموكل ؛ لأنه متصرف بأمر الموكل فلا يصح رد أمره بغير حضرته كالمودع في رد الوديعة ) ([95]).

    ج - فيما يترتب على العزل :

    يترتب على العزل انتهاء الوكالة فيمتنع التصرف على الوكيل ويضمن ما يترتب على تصرفه بعد العزل ، كما يتحمل الموكل مسئولية التصرف الذي وكل فيه الوكيل من تاريخ انتهاء الوكالة ويكون مسئولاً وحده عنه .

    ( وجه قول أبي حنيفة أن الإخبار عن العزل له شبه الشهادة لأن فيه التزام حكم المخبر به وهو العزل وهو لزوم الامتناع من التصرف ولزوم العهدة فيما يتصرف فيه بعد العزل ) ([96]).

    2) انتهاء الوكالة بموت الموكل أو الوكيل :

    ( والوكالة تبطل بموت الموكل بلغ ذلك إلى الوكيل أولم يبلغ ، بخلاف موت الإمام فإنه إن مات فالولاة كلهم نافذة أحكامهم حتى يعزلهم الإمام الوالي ؛ وذلك لقوله الله تعالى : )وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا(([97]) ،والمال قد انتقل بموت الموكل إلى ورثته فلا يجوز في مالهم حكم من لم يوكلوه وليس كذلك الإمام ) ([98]).

    وإما بموت الوكيل لأن القائم بتنفيذ العقد قد مات .

    3) انتهاء الوكالة بجنون مطبق – بفتح الباء – من الموكل أو الوكيل :

    وذلك لأن الوكالة تصرف يعتمد العقل وقد تقدم أن من لا يملك التصرف لنفسه لا يتصور أن يتصرف لغيره .

    4) انتهاء الوكالة بالحجر على أحدهما لسفه أو فلس :

    وعلة منع من ذكر من الوكالة كونهما لا يملكان التصرف أصالة فلا يتصور منهما النيابة فيما لا يملكانهأصالة .

    5) انتهاء الوكالة بكل تصرف يدل على الرجوع عن الوكالة :

    كوطء امرائته بعد توكيله في طلاقها ، أو كبيع الدار بعد توكيله في تأجيرها ، أو كتطليقه لزوجته بعد توكيله في توجيه إنذار بالطاعة لها ... الخ .

    6) انتهاء الوكالة بفسق الوكيل إذا كان التصرف يتنافى مع الفسق :

    ( وتبطل الوكالة أيضا بفسق أحدهما فيما ينافيه الفسق فقط كإيجاب في نكاح لخروجه عن أهلية التصرف ، بخلاف الوكيل في قبوله أو في بيع أو شراء فلا ينعزل بفسق موكله ولا بفسقه ؛ لأنه يجوز منه ذلك لنفسه فجاز لغيره كالعدل ، وإن كان وكل وكيلاً فيما تشترط فيه الأمانة كوكيل ولي اليتيم وولي الوقف على المساكين ونحوه انعزل بفسقه وفسق موكله لخروجه عن أهليته لذلك التصرف ) ([99]).

    7) انتهاء الوكالة بتلف العين التي وكل بالتصرف فيها :

    كنحو تهدم الدار التي وكل في بيعها ، أو تلف السيارة التي وكل بالتصرف فيها ، أو بموت المتهم الذي وكل بالدفاع عنه ، أو بوفاة الزوجة التي وكل بإنذارها بالدخول في طاعة زوجها ، أو بموت الابن الذي وكل من والده لرفع دعوى برؤيته ، وذلك كله لو كان التوكيل خاصا بهذا التصرف ، أما لو كان يشمل هذا التصرفوغيره كنحو التوكيلات القضائية العامة فان الوكالة لا تنتهي إلا في خصوص ما تلف دون غيره مما يجوز التصرف فيه مما يشمله التوكيل .

    ( وتبطل الوكالة أيضا بتلف العين التي وكل في التصرف فيها لأن محل الوكالة قد ذهب ) ([100]).



    Cool انتهاء عقد الوكالة بتمام الموكّل فيه :

    ينقضي عقد الوكالة بتمام الموكّل فيه ، فالوكالة بالشّراء مثلاً تنقضي بشراء الوكيل ما وكّل في شرائه ، لأنّ المقصود قد حصل فينقضي العقد بذلك ، وتترتّب عليه أحكامه من انعزال الوكيل ومنعه من التّصرّف ، ومثل ذلك يقال في الرّهن ينقضي بسداد الدّين ، وكذلك الكفالة تنقضي بالأداء أو الإبراء ، وتترتّب أحكام العقود من سقوط حقّ المطالبة ، وردّ المرهون ، والضّمان بالتّفريط أو التّعدّي وهكذا ([sup][101])[/sup] .
    الفصل السابع
    التفرقة بين عقد الوكالة وعقد الإجارة


    أولا : تنويه إلى عقد الإجارة :

    من المتصور والواقع عملا والجائز شرعا استئجار الآدمي للقيام بعمل من الأعمال بغير خلاف بين أهل العلم ، وقد أجر موسى u نفسه لرعاية الغنم ، واستأجر النبي وأبو بكر رجلا ليدلهما على الطريق ، وذكر النبي رجلا استأجر أجراء كل أجير بفرق من ذرة وقال : ( إنما مثلكم ومثل أهل الكتاب كمثل رجل استأجر أجراء فقال : من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط قيراط . فعملت اليهود ، ثم قال : من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر على قيراط قيراط . فعملت النصارى ، ثم قال : من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين . فعملتم أنتم ، فغصبت اليهود والنصارى وقالوا : نحن أكثر عملا وأقل أجرا . فقال : هل ظلمتكم من أجركم شيئا ؟ قالوا : لا . قال : فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء ) ([102]) ولأنه يجوز الانتفاع بالآدمي مع بقاء عينه فجازت إجارته كالدور ثم إجارته تقع على ضربين أحدهما استئجار مدة بعينها لعمل بعينه كإجارة موسى u نفسه ثماني حجج واستئجار الأجراء المذكورين في الخبر ، والثاني استئجاره على عمل معين في الذمة كاستئجار النبي وأبي بكر دليلا يدلهما على الطريق واستئجار رجل لبناء دار أو لخياطة قميص .

    قال ابن مفلح في تعريف الإجارة Sad وحدها في الوجيز بأنها عوض معلوم في منفعة معلومة من عين معينة أو موصوفة في الذمة أو في عمل معلوم ) ([103])

    وقال البهوتي في تعريفها Sad باب الإجارة مشتقة من الأجر وهو العوض ، ومنه سمي الثواب أجرا ، وهي عقد على منفعة مباحة معلومة من عين معينة ، أو موصوفة في الذمة مدة معلومة ، أو عمل معلوم بعوض معلوم ، وتنعقد بلفظ الإجارة والكراء وما في معناهما ) ([104]).

    فمن هذا التعريف وفى حدود هذا البحث يتبين أن عقد الإجارة قد يرد على عمل معلوم نظير أجر معلومودليل ذلك قوله تعالى :)فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ(([105]) وقوله : )قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ(([106] ) وقوله : )قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا( ([107]) وعن عائشة في حديث الهجرة قالت (( وأستأجر رسول الله وأبو بكر رجلاً من بني الديل هادياً خريتا )) ([108]) والخريت الماهر بالهداية وعن عتبة بن الندر قال (( كنا مع النبي فقرأ ( طسم ) حتى بلغ قصة موسى u فقال : إن موسى آجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه وطعام بطنه )) ([109]) والإجارة على عمل من الأعمال جائزة بالإجماع لما سبق من أدله ولحاجة الناس إلى أرباب المهن المختلفة .

    التكييف الصحيح لعقد الوكالة في حال الاتفاق على عدم جواز إلغاء الوكالة إلا بحضور طرفي العقد واتفاقهما على ذلك :

    يشترك عقد الوكالة مع عقد الإجارة في أنهما قد يردان على تصرف معين يقوم به شخص نيابة عن غيره نظير أجر معلوم ، بيد أن عقد الإجارة من العقود اللازمة أي التي لا يجوز لأي من طرفيه فسخه بإرادته المنفردة دون توقف على رضى الطرف الآخر ، بعكس عقد الوكالة الذي يملك أي من طرفيه إنهاءه في أية لحظة دون الرجوع للطرف الآخر ، ويحدث كثيراً في الحياة العملية أن يتفق طرفي عقد الوكالة على عدم جواز فسخ وإنهاء الوكالة إلا بالتراضي والاتفاق بين الطرفين وحضورهما إجراء إلغاء الوكالة ، ففي هذه الحالة ما هو التكييف الصحيح لهذا العقد ؟

    أ‌- فهل هو عقد وكالة حقيقة أخذاً بالمسمى الرسمي الوارد في النموذج المطبوع لدى مكاتب التوثيق الرسمية حيث يسمى فيه هذا العقد بعقد وكالة ؟

    ب‌- أم أنه تحول بذلك إلى عقد إجارة ؟

    والذي يظهر لنا أن عقد الوكالة في الأصل عقد غير لازم أي يجوز لأي من طرفيه إنهاءه في أية لحظة دون الرجوع للطرف الآخر بعكس عقد الإجارة لا يجوز إنهاءه إلا بالاتفاق والتراضي بين طرفي العقد ، وعليه فما دام عقد الوكالة قد فقد خيار إمكان إنهاءه من أي من طرفيه بإرادته المنفردة فالذي نراه أنه يتحول بذلك إلى عقد إجارة تحكمه الضوابط التي تحكم عقد الإجارة لا عقد الوكالة .

    قال البهوتي : ( والإجارة عقد لازم من الطرفين لأنها عقد معاوضة كالبيع ولأنها نوع من البيع وإنما اختصت باسم كالصرف والسلم ، يقتضي عقدها تمليك المؤجر الأجرة و تمليك المستأجر المنافع كالبيع فليس لأحدهما فسخها بعد انقضاء الخيار أي خيار المجلس أو الشرط إن كان خيار) ([110]).

    وقال أبو إسحاق الشيرازي : ( فصل وإذا تم العقد – أي عقد الإجارة - لزم ولم يملك واحد منهما أن ينفرد بفسخه ؛ لأن الإجارة كالبيع ثم البيع إذا تم لزم فكذلك الإجارة ) ([111]).

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مارس 29, 2024 3:12 am