روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    شيخ القضاه المستشارالمحامى يحى الرفاعى واحدا من هم علامات العداله فى تاريخ مصر

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    شيخ القضاه المستشارالمحامى  يحى الرفاعى واحدا من هم علامات العداله فى تاريخ مصر Empty شيخ القضاه المستشارالمحامى يحى الرفاعى واحدا من هم علامات العداله فى تاريخ مصر

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الثلاثاء يناير 26, 2010 11:28 pm






    شيخ القضاه المستشار يحى الرفاعى واحدا من أهم علامات العداله فى تاريخ مصر

    من اقواله الخالده
    ‏99.9%‏ من قضاة مصر شرفاء لكن لابد من حمايتهم من أية ضغوط‏!‏

    شرف لي أن السادات كان لاجئا سياسيا عند أسرتي في يوم من الأيام وشرف أكبر أن زج باسمي وسط صفوة من رجال مصر الشرفاء واتهمهم بالخيانة‏!‏
    "
    قانون الطوارئ هو مفتاح كل فساد.. حتى أحكام القضاء التي تصدر في ظل قانون الطوارئ تكون خاضعة للتصديق أو الإلغاء أو التعديل وليس لها أي احترام!!
    "

    هو أحد شيوخ القضاء المصري وواحد من أهم رموزه خلال نصف القرن الماضي‏..‏ إنه المستشار يحيي الرفاعي الذي ـ أسهم في عهد الرئيس جمال عبدالناصر في إصدار بيان نادي القضاة عام‏68‏ الذي قال رجال القضاء فيه كلمتهم عن أسباب النكسة‏..‏ وطالبوا بتوحيد العمل العسكري العربي في مواجهة عصابات الصهيونية وتعبئة الشعب في موجهة العدوان والنص علي ضمانات إستقلال القضاء في الدستور وعدم إشراك غير المتخصصين في أختصاصات السلطة القضائية وأن يكون رجال القضاء بعيدين عن تنظيمات الاتحاد الاشتراكي‏..‏ فكان من أوائل من شملتهم مذبحة القضاة في أغسطس‏69.‏
    وفي عهد السادات‏..‏ شارك مع بعض زملائه القضاة في الضغط علي الحكومة لسحب المشروع الأول لقانون حماية القيم من العيب‏..‏ وهو أحد القوانين المشبوهة التي رفضتها معظم القوي الوطنية‏..‏ فتم التجاوز عن تعيينه في محكمة النقض‏,‏ وأصدرت المحكمة حكما وحيدا بتعيينه فيها‏..‏
    وفي عهد الرئيس مبارك‏..‏ كان المستشار الرفاعي رئيسا لنادي القضاة ونظم المؤتمر الأول والوحيد للعدالة الذي افتتحه الرئيس في أبريل‏1986,‏ وقد كان خطابه أمام رئيس الجمهورية في افتتاح هذا المؤتمر وثيقة من وثائق الدفاع عن حقوق الانسان‏..‏ واستقلال القضاء‏..‏ وقد انتخبه قضاة مصر رئيسا شرفيا لناديهم مدي الحياة‏..‏
    ومنذ أيام قرر اعتزال مهنة المحاماة التي انضم إلي رجالها بعد خروجه إلي المعاش‏..‏
    وكان السبب المباشر وراء قراره بالاعتزال إجراءه لأكثر من جراحة قلب مفتوح‏..‏ ونصيحة أطبائه له بالابتعاد عن أي انفعال خوفا علي حياته‏..‏ لكنه لم يكتف باعلان اعتزاله‏..‏ وانما أصدر بيانا‏(‏ صاروخيا‏)‏ تضمن وجهة نظره ورؤيته لبعض الأمور المتعلقة بالإستقلال المالي والإداري الواجبين للسلطة القضائية مع ضرورة توحيد جهاتها تحت مضلة محكمة عليا واحدة‏,‏ ومجلس قضاء أعلي واحد‏..‏ وهو البيان الذي أثار ردود فعل عديدة عقب نشره في إحدي الصحف الحزبية‏..‏ إلا أن المستشار الرفاعي نفسه يؤكد أنه أراد أن يلفت النظر إلي وجود بعض الأوضاع الخاطئة التي تحتاج إلي تصويب‏..‏ و كان ذلك في نهاية عام 2002 إذ قدم شيخ قضاة مصر المستشار "يحيى الرفاعي" مذكرة موجهة إلى نقابة المحامين المصرية يجسد من خلالها حال العدالة في مصر وينعيها ببالغ الحزن والأسى00

    00فقد صرح بلا لبس أو غموض بواقع حال القضاء في مصر بما يجعل الولدان شيبا حيث قال فيها ما مفاده :

    إن حكومات مصر المتعاقبة وإن وضعت في دساتيرها نصوصأ أساسية لمبادئ سيادة القانون واستقلال القضاء وحصانته وتحظر التدخل في شئونه00

    00فإن هذه الحكومات هي نفسها لم تتوقف يومأ عن تجريد هذه القوانين من مضمونها تماماً بل وتخالفها صراحة لحساب السلطة التنفيذية التي سيطرت تمامأ على القضاء وضربت استقلاله وقواعده وضمانته وذلك من خلال وزارة العدل _ وهي أحد فروع السلطة التنفيذية_تسيطر بها على إرادة رجال السلطة القضائية وشئونهم 0بل وأحكامهم القضائية0

    00فما قيمة نصوص الدستور والقانون والحقوق والحريات إذا لم يقم على تطبيق هذه النصوص قضاة مستقلون ومحامون أحرار !

    00وقد اهتزت ثقة العامة في القضاء والقضاة خاصة حين يتم تعيين بعضهم محافظين !! وكذلك حينما يلتزم القضاة بضرورة عرض الدعاوى "المهمة" المنظورة أمامهم على رئيس المحكمة للتشاور معه فور حجز الدعوى للحكم وقبل المداولة فيها!! وفي ذلك ما فيه من إثم جنائي وقضائي تنص عليه أحكام الدستور والقانون

    00ناهيك عن اعتياد بعض وزراء العدل على التردد على بعض المحاكم وبرفقتهم رئيس أعلى المحاكم المصرية وغيره من كبار رجال القضاء حيث يستقبلون بالزغاريد فينثر الوزير المكافآت بسخاء 00دون أن يكون لهذا العبث أي أصل من شيم قضاء مصر وقضاتها ولا من تقاليدهم في يوم من الأيام00

    00ومن ذلك أيضا تطبيقات عملية من العمل العام تم الضرب فيها عرض الحائط بالضمانات التشريعية التي تحول دون تحكم السلطة التنفيذية من خلال وزارة العدل في مرتباتهم ومخصصاتهم – بالتقتير حينا وبالتفريط أو الإفراط أحياناً- حتى أفسدت النظام المالي الخاص بهم وبمجلس قضائهم الأعلى نفسه (!) وأطلقت يدها في التمييز بينهم 00وبما يفتح الباب لاحتوائهم ومصادرة إرادتهم 0خاصة من خلال بدعة مكاتب المتابعة 00

    00بل لقد بلغ الأمر في ذلك إلى حد احتفاظ الوزارة بدفتر شيكات رسمي تصرف منه بإرادتها المنفردة أي مبلغ لمن يشاء من رجال القضاء دون أيه قواعد أو رقابة ولا مساءلة ولاحساب!!!

    00بل لقد عادت الوزارة لما كانت تجري عليه في مستهل القرن الماضي إبان سيطرة الانجليز عليها لضمان مصالحهم من إصدار التعليمات والمنشورات لرجال القضاء!حتى أنها أفردت أحد هذه المنشورات للتنبيه على رؤساء المحاكم والقضاة بموافاته بصور من صحف الدعاوى المدنية والجنائية التي ترفع على شخصيات هامة مسئولة _ فور تقديمها_ ولم يزل هذا المنشور معمولاً به في المحاكم جميعها حتى اليوم , على نحو يترك أثره الطبيعي على إرادة القضاة عند الفصل في هذه القضايا!!!!

    وقد انتهى شيخ القضاة في شهادته إلى ما مفاده 0

    00"انعدمت في نظر الناس قاطبة كافة ضمانات المساواة بين المواطنين أمام القانون والقضاء وهو ما انتهى إلى ضياع سمعة القضاء المصري في نظر العالم أجمع حتى صرنا مضغة في الأفواه".

    00"يقولون إننا دولة مستقلة ذات سيادة وأن لدينا قضاء مستقل ولدينا سيادة قانون ولدينا برلمان في حين انه ليس لدينا شئ من ذلك كله ولا حتى الحياء". انتهى

    من اهم مؤلفاته كتاب استقلال القضاء ومحنة الانتخابات كتب فيه ينتقد الاعتداء على الدستور وخرق القانون : "بأساليب ممقوتة.. جمّدنا حزبا وصادرنا صحفه، وحبسنا من نشاء" .. ثم يستطرد "ولكن فى بلاد العالم الثالث لا يسمح السلطان لرعاياه بمجرد الأمل فى وجود إنسان غيره.





    اليكم هذا الحوار الصحفى الذى نشر لهذا العملاق بمجلة الشباب الصادره عن مؤسسة الاهرام بتاريخ 1 فبراير 2003 السنه 126 العدد 306

    **‏ سيادة المستشار‏..‏ ما هي الأسباب الحقيقية وراء قراركم باعتزال المحاماة؟

    ‏*‏ السبب المباشر هو أن ظروفي الصحية تدهورت للحد الذي نصحني فيه الأطباء بعدم الارتباط بمواعيد أو التعلق بقراءة الصحف أو متابعة أجهزة الاعلام المختلفة‏..‏ فلم أعد قادرا علي ممارسة حياتي بشكل طبيعي‏..‏ لأن هذه الظروف الصحية فرضت علي التزامات صارمة قد أتعرض للاصابة بالشلل لو لم ألتزم بها‏..‏

    ‏**‏ فهل كانت هناك أسباب غير مباشرة لهذا القرار؟
    ‏*‏ الأسباب غير المباشرة كثيرة‏..‏ فآلاف غيري من أبناء هذا الوطن يعيشون ظروفا كثيرة لايرضون فيها عن أوضاعهم‏,‏ ومع ذلك فهم لايكونون رأيا عاما كافيا لردع الانحراف والفساد‏..‏ أو الحيلولة دون الشعور بالظلم‏..‏ لأن وسائل التضليل والتعمية وإضاعة الحقائق أبلغ وأقوي في بعض وسائل الاعلام‏..‏ لهذا فهي تصرف النظر عن الاهتمام بالوطن‏..‏ وتجعل الاهتمام الأكبر بالكرة والأفلام وغيرها‏..‏ بدلا من الإهتمام بقضايا فلسطين وما يجري فيما حولنا وما يمكن أن تنساق إليه المنطقة كلها من كوارث‏..‏ وهذا لايحدث عندنا فقط‏,‏ وإنما في معظم الدول العربية‏..‏

    ‏**‏ في البيان الذي صدر عنكم تحدثتم عن القضاء بأسلوب وصفه البعض بأنه‏(‏ نعي للعدالة‏)..‏ كيف؟

    ‏*‏ القضـــاء جــــزء من كـــل‏..‏ لاينفــــرد بأوضاع دون البـــاقي‏..‏ إنه آخر الحصـــون‏,‏ ومعظم رجال القضــاء أو‏99.9%‏ منهم شرفاء‏,‏ لكنهم يؤدون رسالتهم تحت ضغوط إجتماعية ومالية وإدارية تعرقل أداءهم علي نحو يرضي ضمائرهم كذلك لابد أن يشعر كل مواطن بأنه يساهم في حكم بلده‏..‏ لابد أن تكون هناك شرايين متصلة بين المواطن ووطنه‏..‏ لكننا لانملك هذه الشرايين في ظل وجود قانون الطواريء الذي عرفته مصر علي يد الاحتلال عام‏1914‏ وظل معمولا به حتي الآن‏..‏

    ‏**‏ بم تعلق ـ إذن ـ علي أن استخدام قانون الطواريء لايتم إلا مع تجار المخدرات والخارجين عن القانون؟

    ‏*‏ لإعلان الطوارئ حسب نص القانون سبب من ثلاثة‏..‏
    أولا‏:‏ الحرب

    ثانيا‏:‏ الوباء

    ثالثا‏:‏ الفوضي الشديدة التي تعجز معها الشرطة عن السيطرة علي الأمن‏..‏وهذا الأسباب لا وجود لها عندنا‏..‏ لكن الذي يحدث أن قانون الطوارئ يمنح لأي رجل شرطة سلطات واسعه وأنا لم أتردد عندما شرفنا الرئيس حسني مبارك بزيارة نادي القضاة وحين شرفنا بافتتاح أعمال مؤتمر العدالة عام‏86‏ أن أطلب منه إلغاء حالة الطوارئ ـ لأنه حين رفض تطبيق نص من القانون الذي أباح للسادات أن يعتقل‏1500‏ من مثقفي مصر‏,‏ نال تقدير الشعب‏..‏

    وأنا أتوقع من الرئيس مبارك بحكم نشأته العسكرية والوطنية أن ينهي الطواريء‏..‏ وبالمناسبة فلم يعد هناك وجود لمثل هذا القانون في العالم‏,..‏ فالمخدرات لاتنتشر إلا في ظل قانون الطواريء‏..‏
    وهو لم يعد مجديا بعد فتح القنوات الفضائية‏..‏

    فقانون الطواريء مايزال قانونا لقيطا‏..‏ صدر من خلال عبدالناصر وحده ولابد أن تكف الحكومات عن اصطناع المجالس التشريعية‏,‏ في كل الدول العربية‏..‏

    ‏**‏ نعود مرة أخري للحديث عن القضاء‏..‏ وما جاء في بيانكم عنه‏..‏

    ‏*‏ لايمكن أن نقبل أن يكون قضاؤنا مضغة في الأفواه‏..‏ عندئذ لايمكن السكوت‏,‏ فالساكت عن الحق شيطان أخرس‏..‏ فلقد ظلت الثورة تحترم القضاء وتحترم مظاهر القانون حتي سنة‏1969,‏ وظل عبدالناصر يهاب القضاء من سنة‏52‏ حتي سنة‏69..‏ لكن إصراره علي تشكيل تنظيمات سرية داخل القضاء‏,‏ والمساواة بين القضاء وغيره أضر بالقضاء‏..‏ ووصلنا في النهاية إلي فصل رئيس محكمة النقض ونصف مستشاريها‏,‏ وفصل عدد كبير من رجال القضاء ـ كنت واحدا منهم ـ فيما عرف بمذبحة القضاء عام‏69..‏ وهذا الحادث لاتزال آثاره باقية حتي الآن‏..‏ فلقد قطعت فيه رقبة الكرامة الفردية والعزة الوطنية‏,‏ والشعور بالذات الذي يجب أن يشعر به القاضي ليكون قاضيا‏..‏

    ‏**‏ لماذا كنتم ممن شملتهم قرارات الفصل في مذبحة القضاء‏..‏ وهل كان لكم نشاط يمكن وصفه بمعارضة النظام في هذه الفترة؟

    ‏*‏ أنا لم أكن زعيما في يوم من الأيام‏..‏ ولم يكن لي أية إهتمامات أونشاط سوي عملي في القضاء وعضويتي في نادي القضاة‏..‏ لكنني كنت أقاوم التدخل في أعمال القضاء‏..‏ كنت أقاوم أن يقف القاضي موقف المستجدي‏..‏ فالمرتبات وقتها كانت هزيلة جدا لاتتجاوز مبلغ الستين جنيها‏,‏ فكيف يعيش بها القاضي؟‏!‏

    وضمانات إستقلال السلطه القضائية منعدمة نتيجة لسيطرة وزارة العدل أي السلطة التنفيذية علي كافة شئون رجال القضاء المالية والإدارية بما فيها النقل والندب والإعارة والتأديب‏...‏الخ

    وحتي عام‏69‏ كنا نحاول إصلاح هذه الأمور‏..‏ لأن الدساتير التي أعلنتها الثورة كانت تنص علي استقلال القضاء كأساس‏,‏ فقد صدر أول قانون لاستقلال القضاء في مصر سنة‏43,‏ وفي سنة‏48‏ صدر الإعلان العالمي لحقوق الانسان وجاء فيه أنه يحق لكل فرد أيا كانت جنسيته المساواة مع غيره من الأفراد في الوقوف أمام قاض مستقل ونزيه ومحايد وهذا الحق الذي يحمي جميع الحقوق لم يزل محل شك في بلادنا التي تلغي فيها بعض القوانين ثم تعدل‏..‏ ولايعلم المشرع أنها ألغيت‏!!‏

    ‏**‏ لكنك عدت إلي عملك بالقضاء بعد هذه المذبحة‏..‏ فهل عانيت بعد ذلك من محاولة تدخل السلطة التنفيذية في عملك؟

    ‏*‏ المعاناة في مصر مكتوبة علي الكثيرين‏..‏ فأنا شخصيا لم أشعر بالعزة إلا في لحظة واحدة هي اللحظة التي أمم فيها عبدالناصر قناة السويس‏!‏ ولما قامت حرب‏67‏ واكتشفنا أننا ذهبنا‏(‏ بالجلابيب‏)‏ الي سيناء تحولت حياتنا إلي‏(‏ سواد‏)!‏

    ‏...‏ أما مسألة التدخل في عملي‏..‏ فسأروي واقعة حدثت بالفعل‏..‏ فلقد أبلغ أحد القضاة عن محاوله بعض الأطراف رشوته للحكم لصالحهم في قضيه تهريب‏..‏ وكان مبلغ الرشوة كبيرا جدا حتي أنه اضطر للسفر إلي سويسرا ليتسلمه بترتيب مع جهات أمنية عليارتبت له السفر لكي تضبط الجريمة‏..‏ وكان هذا القاضي نزيها جدا‏..‏ وتم ضبط المتهم وقدم للمحاكمة‏..‏ وكان وزير العدل وقتها هو المستشار احمد حسني وكان قريبا من عبدالناصر جدا‏..‏ وكان وزيرا مثاليا‏..‏ وبرغم ذلك‏..‏ فعندما ذهب إليه هذا القاضي ليطلب نسبه مئوية قال إنه يستحقها طبقا للقانون من المبلغ الذي كان معروضا عليه كرشوة‏..‏ رفض وزير العدل‏,‏ وطلب منه أن يقدم استقالته وقال له‏:‏

    إنك لم تعد تصلح للعمل قاضيا‏..‏ لأن عرض الرشوة عليك معناه أن من عرضها كان يتوقع منك أن تقبلها‏..‏

    وأنا يشرفني أنني لم أخضع لأي ضغط في أي يوم من الأيام‏,‏ ولم يحدث أن توقع أحد أن أقبل ذلك‏..‏

    ‏**‏ هل اختلفت الظروف في عهد الرئيس السادات عما كانت عليه في عهد عبدالناصر؟

    ‏*‏ السادات كان رئيس لجنة العزل التي شكلها عبدالناصرللقضاة‏..‏ وسواء كان رئيسا صوريا أو فعليا‏..‏ فقد كان مسئولا‏..‏ وكان من أعضاء هذه اللجنة سامي شرف والنائب العام وقتها علي نور الدين‏,‏ ولم تكن هناك قواعد لعمل هذه اللجنة‏..‏ فمثلا قرروا أن يفصلوا كل أبناء أسرة المراغي وأبناء الباشوات‏..‏ وأعضاء مجلس إدارة نادي القضاة ومنهم المستشار ممتاز نصار‏..‏ وأنا‏,‏ بل و رئيس محكمة النقض ونصف مستشاريها‏.‏

    وتلقي السادات ومن قبله عصام حسونه وزير العدل تعليمات من عبدالناصر بضرورة انشاء تنظيم سري في القضاء ليتحول القضاة إلي جواسيس علي بعضهم البعض‏..‏ وبتأشيرة من شعراوي جمعه نجحوا في ذلك‏..‏ وأصبح في القضاء تنظيم سري لافساد القضاة وإفشاء أسرار المداولات وإفشاء الأحاديث الخاصة وخلافه‏..‏

    وعندما تولي السادات الحكم كانت هذه الصورة في ذهنه‏..‏ لانه هو نفسه كان رئيسا لمجموعة من مجموعات التنظيم السري وكان بعض أعضائها من رجال القضاء الذين قبلوا الانخراط في هذا التنظيم فطالبت السادات بأن نلتقي به لنوضح له الصورة الحقيقية‏..‏ ونصفي ما بيننا وبينه من خلافات‏..‏

    وحدث أن زار السادات نادي القضاة‏..‏ وطالبه المستشار وجدي عبدالصمد بإنهاء الطواريء‏..‏ وإنهاء حكم الفرد ووجود برلمان حقيقي‏..‏

    وبعد أن استمع السادات إلي مطالب وجدي عبدالصمد بدأ يتكلم في حق المستشار ممتاز نصار وهو رجل فاضل وكان عضوا بمجلس الشعب وقتها ـ رحمه الله ـ وقال كلاما جارحا في حقه‏..‏ ثم بدأ يتحدث عن وجود عملاء بين صفوف القضاة‏..‏ وقال في حق البعض أن لهم ولاء خارجيا‏..‏

    وكان هذا تجاوزا كبيرا جدا من السادات في حق القضاء والقضاة وفي حق مصر نفسها‏..‏ ولم يكن بامكاني السكوت‏..‏ فتصديت له وهو يغادر المنصة‏..‏ وفي حدود الأدب المفروض قلت له‏:‏

    من فضلك ياريس نريد أن نلتقي في القناطر الخيرية كما وعدتنا‏..‏ وأن تضمنا جلسة عائلية مع كبير العائلة‏..‏ هكذا كان حديثي معه علنيا‏..‏ ففوجئت ـ وأنا سكرتير عام نادي القضاة وقتها ـ بمن يرفعني عن الأرض لمسافة نصف المتر تقريبا‏..‏ حتي تحركت قدماي في الهواء‏..‏ وكان كل من حولي رجالا أقوياء جدا من الحرس الجمهوري‏..‏ وظللت معلقا هكذا وسط جماهير القضاة طوال حديثي معه حتي خرجنا من حديقة النادي إلي الردهة‏..‏

    فقال السادات‏:‏ لا لقد ضيع الصيف اللبن‏!‏

    فقلت له‏:‏ أي صيف وأي لبن‏..‏ ياريس نحن نتكلم في الاتهامات التي وجهتها لنا‏..‏ ولابد أن تعرف الحقيقة‏..‏ لأنك تسمع من أشخاص غير مسئولين ولبعضهم مصالح شخصية‏..‏ ونحن نريدك أن تسمعنا‏..‏
    لكنه كان غاضبا مني‏!‏

    ‏**‏ ألا تذكر لهذا الغضب أي سبب؟

    ‏*‏ شرف لي ولأسرتي أن السادات كان لاجئا سياسيا عندنا في يوم من الايام‏..‏ فقد كان يختبئ في حقل يملكه أخوالي بمركز أشمون بالمنوفية وكان يقيم خارج المساكن بداخل‏(‏ الساقية‏)‏ بعد عزله وهربه في اعقاب اتهامه بالتجسس للألمان‏..‏ والسادات بالمناسبة هو الوحيد من أعضاء مجلس قيادة الثورة الذي كان له تاريخ وطني معروف‏..‏ لقد كان وطنيا بالفعل‏..‏ ولم يكن جاسوسا‏..‏ وكنت أقدره‏,‏ وعندما زار نادي القضاة قلت له ذلك‏,‏ فلم يصدقني أو لم يفهمني‏..‏ وظل يستمع إلي من أفسدوا سمعة القضاء عنده‏..‏

    ‏**‏ ألم تكن بينكما مواقف أخري؟

    ‏*‏ لا‏..‏ لكنه كان معتادا علي عقد إجتماعات مع هيئة الحزب في بعض المحافظات‏..‏ وكانت تترامي إلي مسامعي ممن يحضرون هذه الاجتماعات بعض عبارات وأوصاف يطلقها علي أساتذة أفاضل مثل الدكتور وحيد رأفت وفؤاد سراج الدين‏..‏ كان يصفهم أحيانا بالخيانة‏..‏ وأحيانا يقول عليهم الأولاد وكلهم كانوا أكبر منه في السن‏..‏ وكان لي شرف أن زج السادات باسمي وسط هذه الصفوة من رجال مصر الشرفاء‏..‏ وحاولت أن أوضح له الصورة وأبلغه بالحقيقة بعزة نفس‏..‏ لكنه لم يستمع ولم يستجب‏.‏

    ‏**‏ ماذا فعل بك أنور السادات؟

    ‏*‏ بكل أمانة أقول‏:‏ إن السادات لم يفعل شيئا‏..‏ ولم يعاد أحدا‏,‏ فقد كان سياسيا ممتازا وماهرا ولم تكن له معارك من هذا القبيل باستثناء إنحيازه في البدايه للجماعات الاسلامية ضد خصومها‏.‏

    ‏**‏ قلت منذ قليل أن القضاء هو آخر الحصون‏..‏ وفي خطابك للاعتزال تحدثت عن بعض الأمور التي تحتاج إلي وقفة لتصحيح الأخطاء‏..‏ أرجو المزيد من التوضيح‏.‏

    ‏*‏ القضاء هو آخر الحصون لأنه يعيش علي ضمان وحيد هو ضمائر القضاة لكنهم يقعون تحت ضغوط كثيرة جدا منها ضغوط السلطة التنفيذية‏,‏ وضغوط الرأي العام أحيانا‏..‏ فلايجوز أن يكون التفتيش علي أعمال القضاة جزءا من عمل مكتب وزير العدل‏..‏ أي من عمل السلطة التنفيذية‏,‏ ولايجوز أن يزور وزير العدل المحاكم بسبب أو بغير سبب‏..‏ فلقد ذهب شارل ديجول ذات مرة ليزور مجلس الدولة في فرنسا‏..‏ وبعد أن وطأت قدمه أرض المدخل‏..‏ عدل عن قرار الزيارة‏..‏ وقال‏:‏

    حتي لاتطأ قدم أي شخص من السلطة التنفيذية دور القضاء‏)‏ وأنا لاأعتقد أنه عدل عن هذا القرار في لحظتها‏,‏ بل أتصور أنه كان يقصد الأمر كله ليعطي الدرس لمن يليه من الحكام‏..‏

    وفي أيام السعديين كان وزير العدل اسمه مرسي بدر‏,‏ وعندما كان يزور المحاكم لم يكن يجد من يستقبله‏,‏ وكانوا يستنكرون وجوده‏,‏ ويرفضون أن يدخل قاعات الجلسات‏..‏

    إنني أطالب وزير العدل بألا يذهب إلي المحاكم حتي يشعر الناس بالثقة في رجال القضاء‏..‏ ولكي لايقال إن القاضي خضع لتوجيهات الوزير أو ضغوطه‏,‏ فالوزير ــ أي وزير ــ هو في النهاية رمز السلطة التنفيذية‏.‏

    ‏**‏ سيادة المستشار‏..‏ هل هذه ‏(‏ الظواهر‏)‏ جديدة أم أنها تاريخية ؟
    ‏*‏ تبعية المحاكم لمكتب الوزير وقيامه بالتفتيش عليها عادة اخترعت منذ‏15‏ سنة‏..‏ لكن عندما صدر قانون استقلال القضاء عام‏1943..‏ تقرر أن تنشأ إدارة تفتيش قضائي في وزارة العدل تكون كلها من رجال القضاء ولايكونون خاضعين للوزير‏..‏

    وعلي الوزير والقائمين علي العدل أن يقدروا هذه الأمانة بالمحافظة علي روح استقلال القضاء‏..‏ هذا القانون قدمه صبري أبو علم‏,‏ واحتفلت به مصر كلها‏..‏ في قصر الزعفران ــ مقر جامعة عين شمس حاليا ــ بحضور ممثلين وسفراء لجميع الدول‏..‏ لكن للأسف هذا القانون طرأت عليه الكثير من الانتقاصات من ضمانات الإستقلال الإدراي والمالي للسلطه القضائية‏..‏ ومن ذلك مثلا أن وزير العدل هو الذي يعين رؤساء المحاكم‏..‏ ويقرر المكافآت الاستثنائية برغم أن نص القانون لايجيز تقرير أي معاملة استثنائية لأي قاض‏.‏

    ‏**‏ هل تختلف مواقف بعض القضاة باختلاف مواقعهم من السلطة قربا أو بعدا؟

    ‏*‏ لايمكن التعميم في هذا‏.‏ لكن الآن هناك مايسمي بقضايا الرأي العام التي تصدر فيها أحكام‏..‏ ثم يطعن فيها فتلغي كلها‏..‏ فيتصور البعض أن هناك ضغوطا علي رجال القضاء‏.‏

    والحقيقة أن استقلال القضاء لايكون فقط في مواجهة السلطة التنفيذية أو التشريعية‏..‏ ولكن في مواجهة الرأي العام أيضا‏..‏ فإذا روجت الصحافة مثلا لقضية ما‏..‏ وأدانت فيها متهما‏,‏ لابد أن يكون القاضي بعيدا عن هذا التأثير‏..‏ لأنه يحكم بالأوراق وبضميره ووجدانه‏..‏ فهناك ضوابط وبديهيات تقوم عليها فكرة العدل‏..‏ ومنها مثلا أنه عند سماع شهادة الشهود لابد من الالتزام بشروط معينة منها ألا يتأثر شاهد بشاهد‏..‏ وألا يسأل الشاهد في حضور ضابط شرطة‏..‏ فلابد أن تكون القوانين عادلة‏..‏ وأن يكون القضاة محل ثقة الناس‏..‏ ولكن عندما نعرف أن كل قاض في المحكمة يخضع لسيطرة رئيس المحكمة‏..‏ ورئيس المحكمة يخضع لسيطرة وزير العدل‏..‏ فهذا كثير‏!‏ وسأذكر بمناسبة استقلال القضاء واقعة تاريخية‏..‏ ففي فترة حكم عبدالناصر‏,‏ كان رئيس محكمة الجنايات يسير في شارع عماد الدين‏..‏ وكان في حالة سيئة جدا وكأنه فاقد الوعي‏..‏ فاصطدم في أثناء سيره بزميل له من أقرانه‏..‏ كان يسير هو الآخر مصادفة‏..‏ فسأله القاضي‏:‏ مابك ياسيادة المستشار؟ فقال‏:‏ لا أري طريقي‏..‏ قال القاضي ماذا حدث؟

    فقال هل تعرف السفير‏(‏ أمين سوكه‏)‏ ــ وكان متهما بالتجسس في قضية شهيرة وذلك بتسريب خطاب وسيط دولي تبين أنه كان منشورا بالصحف بجميع الدول الأوروبية ــ
    لقد صدر حكم ببراءته‏ .

    ولم يصدق عليه عبد الناصر وقرر إعادة المحاكمة وأحيلت إلي القضية لأحكم فيها‏..‏ وأنا أخشي أن يكون المتهم مدانا بالفعل‏..‏ فأحكم عليه‏,‏ فيقول البعض أنني حكمت تحت ضغط من عبدالناصر‏..‏ فأنا أدعو الله أن يكون بريئا لكيلا يساء بي الظن‏!‏

    ‏**‏ ألم تتغير بعض وجهات نظرك بعد أن اشتغلت بالمحاماة؟

    ‏*‏ حاجة المحامي لأن يكون مستقلا لاتقل شعرة عن حاجةالقاضي للاستقلال‏..‏ فالمحامي مأجور من أحد الطرفين لأداء رسالة المحاماة‏..‏ والقاضي مأجور من الدولة لأداء رسالة القضاء‏..‏

    ومن ثم لايجوز للمحامي أن يغالط أو يضلل أو يستخدم وسائل غير شريفة‏..‏ هذه بديهيات أخلاقية في كل دين‏..‏ وفي كل مجتمع‏..‏

    لكن كثرة عدد المحامين بالشكل الذي نراه الآن كارثة‏,‏ لابد أمامها أن نطالب بترشيد أعداد المقبولين في كليات الحقوق‏..‏ وكذلك القضاة أيضا‏..‏ ففي عام‏69‏ كان عدد القضاة بما فيهم رجال النيابة‏1800‏ فقط‏..‏ أصبحوا الآن سبعة آلاف‏..‏ لكنهم لم يعدوا إعدادا كافيا لتحمل هذه المسئولية‏..‏ لأن كليات الحقوق الآن هبط فيها مستوي الخريجين‏..‏

    وأنا أقدس المحاماة مثلما أقدس القضاء‏..‏ وهما شريكان في تحقيق العدالة‏..‏ والمادة الأولي في قانون المحاماة تقول‏:‏ إن المحامي شريك للسلطة القضائية في تحقيق العدالة‏..‏ لكن للأسف فمع الكثرة الشديدة تقع بعض الانحرافات سواء في القضاء أو المحاماة‏....‏ لكن المحاماة لها قانون ولهاضوابط ومجلس تأديب‏..‏ والقضاة أيضا من أشد ما يكونون علي أنفسهم‏..‏ فإذا كانت الشريعة تقول‏:‏إدرأوا الحدود بالشبهات‏..‏ فإننا نأخذ القضاة بالشبهات فإذا مست سمعة القاضي أية شائبة يعزل‏..‏ وهذا يحدث عندنا‏..‏ وفي كل دول العالم‏..‏ لكن عندما تتدخل السلطة لدي القاضي وتكرهه علي الحكم بشكل ما‏..‏ أو عندما يخضع القاضي لتدخل من أحد الأطراف‏..‏ أو عندما لاتكون لديه سيارة ويعرض عليه المحامي أن يوصله في طريقه‏.‏ كل هذه ضغوط تعرض القاضي للانحـراف وأنا أتكــــــلم عـــــن القضاء في العالم كله وليس في مصر‏!‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 07, 2024 9:39 am