روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    طبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية،

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    طبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Empty طبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية،

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الجمعة فبراير 20, 2015 11:20 pm

    طبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، والعقبات التي تعترض تطبيق هذا المبدأ،ومرد ذلك أن هذه المخالفات تستعصيعلى الحصر والتحديد، فليس بمقدور المشرع تعدادها على وجه الدقة كما هو الشأنبالنسبة للجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات .

    ويترتب على ذلك نتائج بالغة الخطورة أهمها : إفساح المجال أمام الرؤساء الإداريين وهيئات التأديب للحكم على تصرفات الموظفين وغيرهم من العاملين في المهن والمؤسسات المختلفة، وتقدير ماإذا كان الفعل الصادر عنهم يُعدّ مخالفة تستوجب التأديب والعقاب .

    ورغم إقرارنا بالصعوبات المشار إليها فإننا لا نتردد بالمناداة بضرورة تقنين الواجباتوالمحظورات الوظيفية والمهنية بأقصى درجة ممكنة من الوضوح، ليكون الأشخاص المخاطبونبهذه القواعد على علم بما هو مطلوب منهم وما هو محظور عليهم، علاوة على أنّ اتباعهذا الأسلوب يُضيق الخناق على سلطات التأديب ويحد من تعسفها في تقديرها وتكييفهالما يصدر عنهم من أفعال، وفي ذلك ضمان لحقوقهم وحماية لحرياتهم .

    المقدمةيدور جدل فقهي واسع حول حقيقة الصلة ومدى الارتباط بين المخالفة التأديبيةومبدأ المشروعية، ما يستوجب بداية تحديد المقصود بكل من هذين المصطلحين .
    ذهب جانب من الفقه إلى تعريف المخالفة أو الجريمة التأديبية بأنها : "كل فعل أو امتناعيرتكبه العامل ويجافي واجبات وظيفته( ) أو هي : "إخلال شخص بواجباته الوظيفية أوالمهنية التي ينتمي إليها سواء أكان هذا الإخلال إيجابياً أم سلبياً( ). ويرى جانبآخر من الفقه : "أن المخالفة التأديبية ليست فقط الإخلال بواجبات الوظيفة أوالمهنة، بل توجد كلما سلك العامل خارج نطاق وظيفته أو مهنته سلوكاً معيباً يمسكرامته أو كرامة المرفق الذي يعمل فيه( ). ويرى بعض الفقهاء: "أن الجريمة التأديبيةتعني عدم التزام الموظف بالأسس التنظيمية والأخلاقية في أثناء تأدية الوظيفةوخارجها"( ).

    وأهم ما يمكن استنباطه من هذه التعريفات هو التعميم وعدمالتحديد الدقيق لفحوى المخالفة التأديبية، نظراً لأن هذه التعريفات على درجة منالاتساع بحيث تشمل كل فعل يخل بمقتضيات الوظيفة أو المهنة سواء تعلق بواجباتها أومحظوراتها أو أخلاقياتها، ويستوي وقوع هذا الإخلال داخل نطاق العمل الوظيفي أوخارجه .

    ويتبنى القضاء الإداري ذات الموقف في بيانه للمقصود بالمخالفة أوالجريمة التأديبية، فقد جاء في أحد الأحكام الصادرة عن مجلس الدولة الفرنسي بأنالجريمة أو المخالفة التأديبية تعني : "إخلال الموظف بواجباته الوظيفية بما في ذلكالأفعال المخلة بشرف الوظيفة"( ). ومما ورد في حيثيات أحد الأحكام الصادرة عنالمحكمة الإدارية العليا المصرية قولها : "كل عمل يخالف الواجبات المنصوص عليها فيالقوانين، أو يخرج على مقتضى الواجب الوظيفي، أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامةالوظيفة، يعاقب تأديبياً( )، وكذلك قولها أن الجريمة التأديبية تعني : "إخلالالموظف بواجبات وظيفته أو خروجه على مقتضياتها أو ارتكابه خارج الوظيفة ما ينعكسعليها"( ).
    وهذا أيضاً هو موقف محكمة العدل وهي المحكمة الإدارية الوحيدة فيالأردن، إذ تقرر أن المخالفة المسلكية قوامها " مخالفة الشخص لواجبات وظيفته أومهنته أو مقتضياتها وكرامتها"( )

    نخلص من ذلك إلى تعريف المخالفة التأديبيةبأنها : فعل أو امتناع يمثل إخلالاً بواجبات الوظيفة أو المهنة التي ينتمي إليهاشخص ما أو محظوراتها، سواء أوقع ذلك في أثناء ساعات الدوام الرسمي أم بعدها .

    أما مبدأ المشروعية بمفهومه العام فيقصد به خضوع جميع السلطات والأفراد أيالحكام والمحكومين لقواعد القانون وأحكامه، بينما يقصد به في مجال التجريم والعقاب: قيام المشرع بتحديد الأفعال التي تُعدّ جرائم، وبيان العقوبات المقررة لها بصورةواضحة ومحددة( ). ويُعدّ مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات من المبادئ الأساسية فيالتشريعات الحديثة ومن مقتضاه أن لا يُجرّم فعل ولا يعاقب عليه إلابنص قانوني يحددنوع الفعل المجرم وأركانه وشروطه، كما يبين العقوبة المستحقة. ويوفر هذا المبدأحماية قانونية للفرد وضمانة لحقوقه وحرياته؛ بمنع السلطة العامة المختصة من اتخاذأي إجراء بحقه، ما لم يكن قد ارتكب فعلاً ينص القانون على أنه جريمة معاقب عليها .

    لذا يجب على القاضي أن يلتزم بالنص القانوني، فلا يسوغ له أن يستند فيتجريمه لأي فعل على القواعد الأخلاقية أو الاجتماعية، أو على تقديره بأن الفعل ضاربالمجتمع، كما لا يسوغ الحكم بعقوبة لم ينص عليها القانون؛ كأن يحظر المشرع فعلاًدون أن يذكر عقوبة لفاعله، أو يطلب القيام بعمل دون النص على عقوبة الامتناع عنالقيام به( ). ومن الواضح أن هذا المبدأ يتكوين من شقين؛ الأول : يتعلق بالتجريم،إذ يجب لاعتبار فعل أو تصرف ما بأنه غير مشروع أن تجرمه وتؤثمه النصوص والقواعدالقانونية، فإن لم يكن هناك نص فلا يُعدّ القيام بهذا الفعل جريمة لأن الأصل فيالأشياء الإباحة. أما الشق (الثاني) فيتعلق بالعقاب، ومضمونه أن الشخص لا يعاقب إلاعلى الفعل الذي يُعدّ جريمة، وبالعقوبة التي حددها المشرع.

    وهكذا فإن مبدأالمشروعية يستهدف مصلحة مزدوجة، فهو من جهة يحقق مصلحة الأفراد بعلمهم ومعرفتهمالمسبقة بالأفعال المحظورة عليهم والتي يؤدي اقترافها إلى تعرضهم للعقاب.

    ومن جهة أخرى فإنه يحقق مصلحة المجتمع وأمنه في تخفيض عدد الجرائم أوالمخالفات،لأن قيام المشرع بالنص عليها وعلى العقوبات المقررة لها، يدفع بالكثير منالأشخاص إلى التفكير ملياً والتردد بل والأحجام عن إتيانها، خشية وقوعهم تحت طائلةالمسؤولية، ويطلق على ذلك عنصر الردع أو الأثر الوقائي( ).

    إن مبدأالمشروعية بشقيه يعبر عنه بالقاعدة المشهورة في القانون الجنائي : "لا جريمة ولاعقوبة إلاّ بنص "وبما أن بحثنا يقتصر على موضوع الجرمية في المجال التأديبي دونالخوض في العقوبات المقررة لها وتفصيلاته، فسنعرض لهذا المبدأ في شقه الأول المتعلقبالتجريم فقط أي "لا جريمة إلا بنص".
    وتتجلى أهمية هذه الدراسة وهدفها في بيانوتحديد مدى العلاقة بين مبدأ المشروعية والمخالفة التأديبية، فهل يخضع هذا النوع منالجرائم للقاعدة السابقة فلا يُعدّ الفعل خاطئاً والسلوك مؤثماً إلا بوجود نصقانوني يجرّمه صراحة؟ أم أن لهذا المبدأ لوناً مختلفاً في هذا المجال فلا يطبق علىالمخالفات التأديبية بهذه الصيغة الصارمة؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هو الأثر الذييترتب على عدم الالتزام بالتطبيق الحرفي لهذا المبدأ، خاصة بالنسبة لأولئك العاملينفي الوظائف والمهن المختلفة الذين يشكلون شريحة واسعة وقطاعاً كبيراً من مجتمعاتهم؟وكيف يمكن ضمان حقوقهم وعدم الافتئات على حرياتهم، إذا زعمت السلطة الرئاسية أوغيرها من الجهات التأديبية التي تتولى الرقابة والحكم على تصرفاتهم وأعمالهم، أنّفعلاً أو سلوكاً ما يُعدّ مخالفة أو جريمة تستوجب العقاب والتأديب؟وسنتولىفي هذا البحث دراسة هذه المسائل والإجابة عمّا تطرحه من تساؤلات بأسلوب تحليليمقارن في ثلاثة مباحث على النحو التالي :
    المبحث الأول : طبيعة المخالفةالتأديبية وصعوبات تحديدها وحصرها تشريعياً.
    المبحث الثاني : الأثر المترتب علىصعوبة حصر وتحديد المخالفات التأديبية .
    المبحث الثالث : موقف الفقه في تقنينالمخالفات التأديبية .

    المبحث الأول : طبيعة المخالفة التأديبية وصعوباتتحديدها تشريعياًباستقراء تعريفات الفقه والقضاء الهادفة إلى تحديد المقصودبالجرم التأديبي، يتضح لنا أن هذا النوع من الجرائم أو المخالفات يتسم بطبيعة خاصةينفرد بها. لذا نجد المشرّع يعرض لتقنينها بأسلوب مغير لما هو متبع في تحديد وحصرالجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، وذلك نظراً للصعوبات التي يواجهها فيالمجال التأديبي، وسنتناول بيان ذلك في مطلبين.

    المطلب الأول : الطبيعةالخاصة للمخالفة التأديبيةيرى معظم الفقهاء( ) أن للمخالفة التأديبية طبيعةخاصة تميزها عن سواها من الجرائم والمخالفات، وآية ذلك أنها تستعصي على الحصر، ممايعني أنّه يصعب على المشرع تعدادها وتحديدها بصورة حاسمة. وتتضح هذه الحقيقةباستعراض نصوص القوانين والأنظمة التي تحكم شؤون الموظفين، وما ماثلها من التشريعاتالمنظمة لشؤون طائفة أو مهنة معينة، حيث لم يقم المشرع بتحديد وحصر جميع الواجباتوالمحظورات الوظيفية أو المهنية، والتي يُعدّ الخروج عليها جريمة أو مخالفةتأديبية. فمن الملاحظ أنه يلجأ أحياناً إلى استعمال ألفاظ ومصطلحات تتسم بالغموضوتحتمل العديد من المعاني، وعلى سبيل المثال فإن نظرة فاحصة لنصوص نظام الخدمةالمدنية الأردني رقم (1) لسنة 1998( ) تؤكد هذا المنهج؛ فقد جاء في صدر المادة (43) أن : "الوظيفة العامة مسؤولية وأمانة أخلاقية، تحكمها وتوجه مسيرتها مصادر القيمالدينية والوطنية والقومية والحضارية العربية، والموظف هو وسيلة الدولة في أدائهالدورها وتحقيقاً لهذا الدور على الموظف الالتزام بما يلي .........."وقد أورد النصّتعداداً للواجبات الوظيفية في سبع فقرات. وسنكتفي بذكر نص كل من الفقرتين (ب،ج) منهذه المادة. فقد جاء نص الفقرة (ب) على النحو الآتي :
    "أن يتصرف – أي موظف – بأدب وكياسة في صلاته برؤسائه ومرؤوسيه وزملائه، وفي تعامله مع المواطنين، وأنيحافظ في جميع الأوقات على شرف الوظيفة وحسن سمعتها"، أما الفقرة (ج) فقد نصت على "أن يؤدي واجباته بدقة ونشاط وسرعة وأمانة، وينفذ أوامر رؤسائه وتوجيهاتهم...".

    وعلى الرغم من أن المشرّع قد اتجه إلى تعداد واجبات الموظف العامّة، فإننانلاحظ بأن صياغة هذه الفقرات جاءت بعبارات عامة ينقصها الوضوح، وأحياناً تخلو منالتحديد الدقيق لما تتطلبه من التزامات ( ). فما هي حدود السلوك الذي يتصف بالأدبوالكياسة، وهل يُعدّ طرح الرأي بجرأة وموضوعية خروجاً على هذه الحدود؟ والأهم منذلك ماذا يعني النص: "على أن يحافظ الموظف في جميع الأوقات على شرف الوظيفةوسمعتها"؟وإذا كان من الممكن أن نتصور صعوبة مطالبته الالتزام بذلك داخلوخارج نطاق عمله الوظيفي، فإن التساؤل يثور أيضاً حول تحديد المقصود بمصطلحي : شرفالوظيفة، وحسن سمعتها، وما هي الأعمال التي يمكن اعتبارها إخلالاً بالشرف أوالسمعة؟ولا ريب بأنّ الباب يبقى مفتوحاً أمام الرؤساء والجهات المختصةلتقدير تلك الأفعال والتصرفات. وكذلك الحال بالنسبة لمضمون الفقرة (ج) فضرورةالقيام بالعمل بدقة ونشاط وسرعة وأمانة، هي مصطلحات تحتمل كثيراً من المعانيوالتفسيرات .

    كما تنطبق هذه الملاحظات على صياغة المشرع الأردني للمحظوراتالوظيفية التي ورد النص عليها في المادة (44) من النظام المذكور، فقد جاء فيها : "يحظر على الموظف تحت طائلة المسؤولية التأديبية الإقدام على أي من الأعمالالتالية.... معدداً إياها في سبع فقرات أيضاً. وعلى سبيل المثال فقد تكرر ذكر مصطلحاستغلال الوظيفة في الفقرتين (ج، و) من هذه المادة، وهو تعبير فضفاض يتصف بالإبهاموعدم الوضوح.

    وبناء على ما سبق ذهب غالبية الفقه إلى القول بعدم إمكانيةتحديد وحصر المخالفات التأديبية بصورة جامعة مانعة، وبالتالي عدم خضوعها لمبدأ : لاجريمة بغير نص، إذ يكفي أن يرتكب الموظف أو العامل فعلاً يُعدّ مخالفاً لمقتضياتالوظيفة أو المهنة التي ينتسب إليهان سواء أنص المشرع على تلك المخالفة بعينها أملم ينص عليها( ).

    ويعلق بعض الفقه على مسلك المشرع التأديبي وما يمكناستخلاصه من نتائج بقوله :
    "إن الأفعال المكونة للجريمة التأديبية لم ترد علىسبيل الحصر، كما هو الشأن في الجريمة الجنائية، وكل ما ورد في قوانين العاملين هوبيان واجباتهم والأعمال المحظورة عليهم بصفة عامة دونما تحديد دقيق. غير أنّ عدموجود نص مجرّم لفعل ما لا يعني أنه مباح، فهذه الأفعال غير محددة على سبيل الحصر،ولا تخضع لقاعدة لا جريمة بغير نص، وإنما يجوز لمن يملك سلطة التأديب قانوناً، أنيرى في أي عمل إيجابي أو سلبي يقع من الموظف ذنباً تأديبياً، إذا كان ذلك العمل لايتفق مع واجبات وظيفته. وعليه فلا يمكن حصر الذنوب التأديبية مقدماً"( )

    ويؤكد هذا التوجه الطبيعة الخاصة التي يتميز بها هذا النوع من المخالفات،فالشائع أنّ المشرّع يحرّم على الموظف ارتكاب مجموعة من الافعال على وجه التحديد،وفي نفس الوقت يحظر عليه بنصوص عامة الخروج على واجبات الوظيفة أو الإخلالبكرامتها، أو سلوك ما يعد شائناً من الأعمال، دون أن يحدد مظاهر هذا الخروج، أوحالات ذلك الإخلال، أو حصر تلك الأفعال.

    ويستخلص من هذا الأسلوب أنالمخالفات التأديبية لا يمكن حصرها سلفاً بأفعال محددة. وعليه فإنّ القانون الإداريلا يأخذ بمبدأ شرعية المخالفة، الذي يوجب تحديد كافة الافعال، التي يؤدي ارتكابهاإلى تقرير المسؤولية على سبيل الحصر بنصوص قاطعة( ).

    ولعل الطبيعة الخاصةللمخالفة التأديبية وما تمخض عنها من النتائج التي ظهرت جلية في مسلك المشرع، كانتالسبب الذي حدا ببعض الفقه إلى معالجة هذا الموضوع تحت عنوان :"غياب تطبيق مبدأشرعية الجريمة) في المجال التأديبي( ).

    وفي المقابل يرى جانب آخر من الفقهأنّ مبدأ المشروعية يُعدّ ركناً من أركان المخالفة او الجريمة التأديبية، معاعترافه بالصعوبات التي تواجه تطبيق هذا المبدأ. و حجتهم أنه إذا كان القانونالتأديبي لا يتقيد بمبدأ الشرعية حسب مفهومه الجنائي، إلا أنّ ذلك لا يعني عدمالخضوع لقاعدة شرعية الخطأ التأديبي. فالشرعية هنا تأخذ لونا مختلفاً يتفق مع طبيعةالقانون التأديبي، بحيث تتنوع مصادر الركن الشرعي بصورة تنسجم مع واجبات الوظيفةومقتضياتها( ).

    ويخلص أنصار هذا الا تجاه إلى القول :
    "لذلك لا نترددفي الأخذ بالرأي القائل بلزوم الركن الشرعي لقيام الخطأ التأديبي، أما الرأيالمخالف فلا يخلو من المغالطة التي جاءت نتيجة عدم الاعتراف بالطبيعة المميزةلمفهوم الشرعية هنا والذي يختلف عن مسألة حصر الأخطاء التأديبية أو عدمه. فمبدأالشرعية يعني خضوع الإدارة للقانون، إلا أنّه يخولها في المجال التأديبي سلطةتقديرية لتحديد ما يعد خطأ تأديبياً، لاعتبارات تتعلق بأوضاع المرافق العامة، وهيالتي تدعو للإبقاء على صفة المرونة، بالقدر الذي يجعل من الإشراف الرئاسي أمراًمجدياً حسب الظروف الخاصة بكل مرفق"( ).

    ورغم قناعتنا بقوة الحججوالتبريرات التي استند إليها أصحاب الرأي الأول، وهم غالبية الفقه، للتدليل وبحقعلى صعوبة حصر المخالفات التأديبية، إلاّ أنّنا نخالفهم في النتيجة التي توصلواإليها، من ناحية إقرارهم بعدم خضوع هذه المخالفات لمبدأ المشروعية، وقولهم بأنها لاتخضع لمبدأ لا جريمة بغير نص .

    فهذا المبدأ ليس غائباً أو غير مطبق، ولكنهيتسع بالقدر اللازم لشمول كافة الأفعال التي يمكن وقوعها واحتسابها إخلالاًبمقتضيات الوظيفة أو المهنة. فالأسلوب المتبع أن يتولى المشرع تعداد معظم الواجباتوالمحظورات، ويذكر قسماً منها بألفاظ وعبارات محددة، لكنه يحتاط ،فيورد أحياناًعبارات عامة تسمح بإدراج ما يمكن أن ينضوي تحت مفهومها من الأفعال، وهو مضطر لاتباعهذا الأسلوب الذي تقتضيه طبيعة هذه المخالفات.

    وقد اعترف القضاء الإداريبهذه الخصوصية التي تتصف بها المخالفات التأديبية، فبعد أن تؤكد المحكمة الإداريةالعليا ضرورة التزام الموظف بالواجبات التي تنص عليها القوانين، تضيف قائلة:
    "إن الأخطاء التأديبية قد ترتكب في أثناء القيام بالوظيفة أو بمناسبة أدائها،وذلك بمخالفة ما تفرضه من واجبات إيجابية أو نواه، يستوي في ذلك أن ترد هذهالواجبات في نصوص صريحة أو تفرضها طبيعة العمل الوظيفي"( ).

    المطلب الثاني : الصعوبات التي تواجه المشرّع في تحديد وحصر المخالفات التأديبيةيمكن تلخيصالأسباب والمبررات التي تضفي على المخالفة التأديبية طابعاً خاصاً، بحيث يتعذر علىالمشرع تعدادها وحصرها على النحو التالي :
    أولاً: اتساع نطاق هذا النوع منالمخالفاتإن تعدد وتنوع الواجبات والمحظورات الوظيفية، وتشعبها الهائل، يجعلمهمة المشرّع في سعيه لتحديدها وحصرها أمراً عسيراً، وعليه فإن تحديد كافةالمخالفات الإيجابية والسلبية التي يستحق فاعلها العقاب والتأديب ليس بالأمراليسير، نظراً لارتباطها بمقتضيات الوظائف المختلفة والمهن المتنوعة، وهي التي يصعبالإحاطة بكافة جوانبها وتفصيلاتها، بل إنها ترتبط بصورة أدق بطبيعة العمل ذاته الذيتختلف متطلباته باختلاف المراكز الوظيفية( ) .

    وتظهر المحاولات العديدةالتي بذلت لتصنف هذا النوع من المخالفات، ومدى تباينها واتساع نطاقها. فقد ذهب بعضالفقه إلى تقسيمها بناء على طبيعة الخطأ المرتكب إلى نوعين :
    1. مخالفات إدارية : وتشمل الأفعال التي تتضمن الخروج على مقتضى الواجب الوظيفي وخاصة ما هو منصوصعليه في القوانين واللوائح والتعليمات المختلفة وأوامر الرؤساء.
    2. مخالفاتمالية : وتتضمن الإخلال بالقواعد والأحكام المالية المقررة، وكذلك كل إهمال أوتقصير يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية، أو من شأنه أن يؤدي إلى ذلك، كماتتنوع مصادر هذه المخالفات فقد تكون مخلفات دستورية، أو قانونية، أو لائحية( ).

    ويمكن إضافة أنواع أخرى لهذا التقسيم كالمخالفات المسلكية أو الأخلاقيةالتي من شأنها الإخلال بسمعة الموظف أو كرامة الوظيفة . بينما يرى جانب آخر منالفقه تقسيم المخالفات التأديبية من حيث مضمونها إلى ثلاثة أنواع: فهي إما أن تتعلقبالعمل ويطلق عليها المخالفات ذات الطابع المهني، وإما أن تكون ذات طابع سياسي،وأخيراً المخالفات ذات الطابع الأخلاقي. ثم يعود لبيان أصناف كل نوع منها( ).

    وتأسيساً على ذلك لجأ المشرّع في بعض الدول كمصر على سبيل المثال، إلى وضعلوائح تتضمن تصنيفاً لأنواع المخالفات التأديبية، حيث تولى تقسيمها بموجب هذهاللوائح إلى المجموعات الآتية :
    - مخالفات تتعلق بمواعيد العمل .
    - مخالفاتتتعلق بأداء الواجبات الوظيفية .
    - مخالفات تتعلق بنظام العمل، مخالفات تتعلقبالسلوك .
    - مخالفات تتعلق بالوحدة الوطنية والسلم العام( ).
    ويتضح من هذهالمحاولات التي بذلها الفقه أو ذكرها المشرع لتقسيم الواجبات الوظيفية، مدى ما تتصفبه من تعدد وتنوع. ومن جهة أخرى تزداد صعوبة حصر المخالفات التأديبية؛ نظراً لأنالواجبات الوظيفية تلتقي وتتشابك مع القواعد والمبادئ التي تحكم سير المرافقالعامة. وأهمها : مبدأ دوران سير المرفق العام بانتظام واطراد، ومبدأ المساواة أمامالمرافق العامة، ومبدأ المساواة أمام المرافق العامة، ومبدأ قابلية قواعد المرفقالعام للتبديل والتغيير. لذا فإن جميع الأفعال أو الأخطاء التي تنطوي على إخلالمباشر أو غير مباشر بأي من هذه المبادئ تُعدّ مخالفات تأديبية( ).
    وبناءً عليهفإن مهمة المشرّع في تحديد هذه الأفعال وتعدادها على وجه الدقة، تبدو مهمة شاقةوعسيرة، تعتريها الكثير من الصعوبات، ويتعذر القيام بها على الوجه الأمثل. ونظراًلتعدد وتنوع الواجبات والمحظورات بل واختلافها باختلاف طبيعة الوظائف والأعمالوالاختصاصات، ذهب بعض الفقه إلى التعلق على هذه الصعوبات بقوله :
    "إن ما يعدخطأً تأديبياً يسأل عنه أحد كبار الموظفين المشاركين في إعداد السياسة العامةللدولة، أو أحد القضاة أو أحد أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، قد لا يُعدّ كذلكبالنسبة لموظفي التنفيذ. لهذا يتعين تقدير المخالفات المسلكية في كل حالة على حدةحسب طبيعة الوظيفة وموقعها في السلم الإداري، والمحيط الاجتماعي الذي ارتكبت فيهتلك الأفعال. وهكذا ينبغي مراعاة كافة الاعتبارات السابقة عند تكييف الأفعال التييقترفها الموظف. ويعني ذلك تعدد المخالفات المسلكية بشكل غير متناه، مما يعد عقبةحقيقية تحول دون تطبيق مبدأ شرعية الجرائم التأديبية( ).

    بل لقد وصل الأمرإلى احتساب العديد من الأفعال التي تقع من الموظف في حياته الخاصة وخارج نطاق العملالوظيفي مخالفات تأديبية، إذا كانت تؤثر على سمعته أو على كرامة المرفق الذي يعملفيه : "ويستوي أن يكون الفعل المكون للمخالفة التأديبية متصلاً بأعمال وظيفته أوغير متصل بها وإنما يتعلق بحياته الخاصة. وبصرف النظر عما إذا كان الفعل يعد منالجرائم المخلة بالشرف أم لا؟.

    ومما قضى به مجلس الدولة الفرنسي في طعنإحدى النقابات المهنية (لجنة الدفاع عن الحريات المهنية للمحاسبين الخبراء):
    "على كل عضو بالنقابة، الامتناع حتى خارج نطاق ممارسة مهنته، عن أي عمل من شأنهأن يفقد المهنة اعتبارا..، وأن مهمة النقابة في السهر على مستوى المهنة تتضمن سلطةحظر أي فعل أو عمل من شأنه المساس بهذا الاعتبار ولو تعلق بالحياة الخاصة لأعضاءالمهنة"( ).

    ومثال ذلك الفضائح المتعلقة بسمعة الموظف، والعلاقات الجنسيةغير المشروعة أو المشاركة في عمليات التهريب( ) ومن هذه الأفعال أيضاً شرب الخمرولعب القمار، وكذلك فإن جريمة تبديد الموظف لأموال زوجته بصورة منتقدة لا تعد منالجرائم المخلة بالشرف؛ إلا أنها قد تكون ذنباً إدارياً يُسوغ مؤخذاته تأديبياً،لأن هذا التصرف بحد ذاته يُعدّ سلوكاً معيباً ينعكس أثره على سمعة الوظيفة أو يمساعتبار شاغليها( ). كما أحتسبت محكمة العدل العليا التحرش بالنساء والفتيات، دليلاًعلى سوء السلوك ومخالفة مسلكية تستوجب العقاب التأديبي، نظراً لما تنطوي عليه هذهالأفعال، من إخلال بحسن السمعة والأخلاق الحميدة، التي يجب أن يتحلى بها الموظف( ).

    ولا شك بأن الحكم على الأفعال والتصرفات بهذه الطريقة التي تؤدي إلى توسيعنطاق ما يعد مخالفات أو جرائم تأديبية، يُعدّ خروجاً على مبدأ شرعية الجريمةالمقررة في قانون العقوبات، والمعبر عنه بقاعدة لا جريمة إلا بنص، وهي من القواعدالأساسية في التشريع الحديث( ).

    لذا يمكن القول بأن الجرائم التأديبيةبخلاف لجرائم الجنائية ليست محددة على سبيل الحصر، فمن الصعب تعداد كافة الواجباتوتقنينها على وجه الدقة نظراً لكثرتها وتشبعها وتنوعها .

    ثانياً: صعوبةالوصف والتحديد اللغوي الدقيق للواجبات الوظيفيةإن الصياغة اللغوية المحكمةللقواعد القانونية بعبارات واضحة ودقيقة، تؤدي إلى تحديد مضمونها وفهم فحواها منقبل المخاطبين بأكمها، مما يعينهم على أداء الواجبات المنوطة هم واجتناب الافعالالمحظورة عليهم.

    وتزداد الأهمية لهذا التحديد التشريعي في مجال التجريم،ونعني به في هذا المقالم المجال التأديبي باستعمال ألفاظ محددة المعاني، فالأشخاصالذين يعملون في الوظائف والمهن المختلفة بهم بأمس الحاجة إلى ذلك، نظراً لما يحققههذا التحديد القانوني من ضمانات جوهرية تحميهم من تعسف الرؤساء الإداريين في الحكمعلى سلوكهم وتصرفاتهم وتكييف أفعالهم، بأنها تعد مخالفات أو جرائم تستوجب التأديب .

    إن وصف الأفعال الخاطئة التي تعتبر مخالفات تأديبية على نحو دقيق أمر بعيدالمنال وهو على أهميته يبدو متعذراً إن لم يكن مستحيلاً على صعيد التنفيذ والتحقق،وخاصة من حيث صياغة القواعد التشريعية، قانوناً كان أو نظاماً( ). فالمصطلحاتوالنصوص المتعلقة بتحديد واجبات الموظفين غالباً ما يشوبها الغموض، لأن كثيراً منالألفاظ والتعابير المستعملة في مجال التأديب لا تزال غير محددة، وغير واضحة المعنى .
    وعلى سبيل المثال فإن الواجب الأول للموظفينوعمال الإدارة، وهو الذي لا يمكنوضعه في نص قانوني جامد، بل يجب أن يكون محفوراً في قلوبهم، وحاضراً في خواطرهم،يتلخص في أنهم ملزمون من قبل الدولة والمجتمع، بالإخلاص المطلق غير المحدود في أداءواجباتهم. ويستدعي ذلك أن يضعوا تحت تصرف الدولة والمجتمع، بالإخلاص المطلق غيرالمحدود في أداء واجباتهم. ويستدعي ذلك أن يضعوا تحت تصرف الدولة والمجتمع، جميعأوقاتهم وملكاتهم ومعارفهم، وأن يتحرروا من كل غرض شخصي وأن يراعوا منتهى الدقةوالأمانة في تصرفاتهم. وأن يفضلوا المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، مع مراعاةاعتبارات الشرف في حياتهم الخاصة والعامة. فكيف يمكن صياغة هذه الواجبات شبهالأخلاقية في قوالب قانونية جامدة؟ ( )

    لا شك بأن الإجابة ستكون بالنفي،فمن العسير على المشرع ترجمة واجبات الموظف وصياغتها بألفاظ وعبارات محددة، وأحكامقانونية منضبطة كواجب الولاء الوظيفي، والمحافظة على شرف المهنة، وكرامة الوظيفة،أو القيام بالعمل بدقة وأمانة وإخلاص .

    إن ذكر مثل هذه الواجبات بهذاالأسلوب المرن وهذه الصياغة اللغوية الفضفاضة، يعني أننا نقف أمام عقبة كأداء، وأنهذه المخالفات تستعصي على الحصر والتحديد، ويظهر ذلك من الغموض الذي يشوب النصوصالتشريعية التي تتعرض لبيان أو تعداد هذه الأفعال، وبالتالي يصعب إعطاؤها مفهوماًواضحاً ومعنى محدداً.

    "ويعد الغموض وعدم تحديد العديد من الواجبات أوالمحظورات الوظيفية، عقبة حقيقية تحول دون تطبيق مبدأ شرعية الجريمة في الميدانالتأديبي. وقد أتيحت الفرصة عدة مرات لمجلس الدولة الفرنسي لإبداء الرأي حول مخالفةواجب التحفظ الذي يلتزم به الموظفون عند التعبير عن آرائهم السياسية. ومع أن هذاالواجب يتصل بحرية التعبير عن الرأي إلا أن مجلس الدولة فصل في هذه الحالات استناداإلى معايير مختلفة واعتبارات متباينة يمكننا وصفها بأنها اعتبارات نسبية( ).

    وهكذا يبدو جلياً أن المشرع يواجه العديد من الصعوبات في المجال التأديبي،بعضها يتعلق بتعدد الأفعال التي تعدّ مخالفات تأديبية وتنوعها، فهي على درجة كبيرةمن الاتساع، بحيث يصعب الإحاطة بكافة جوانبها وتفصيلاتها. والبعض الآخر يتصلبالصياغة القانونية أي التعابير والمصطلحات اللغوية المستعملة لوصف الواجباتوالمحظورات الوظيفية والمهنية، وتعذر تحديد المقصود بها على وجه الدقة بعباراتواضحة وألفاظ منضبطة، لا تحتمل التأويل أو الاختلاف في تفسيرها وبيان معانيها.
    المبحث الثاني : الأثر المترتب على صعوبة حصر وتحديد المخالفات التأديبيةيجمع الفقه على أن الأثر الناجم عن عجز المشرع عن تحديد الجرائم التأديبيةوحصرها، يتجلى في منح سلطة التأديب القدرة على القيام بدور فعّال لتقدير تصرفاتموظفيها، فيما إذا كانت تشكل ذنباً تأديبياً أم لا ( ). ولا ريب بخطورة هذا الأمر،لذا لا بد من قيام السلطة القضائية بمراقبة هذه السلطة التقديرية الواسعة التييمارسها الرؤساء الإداريون وهيئات التأديب. وسنعرض لدراسة ذلك في مطلبين.

    المطلب الأول : تمتع السلطات التأديبية بسلطة تقديرية واسعةإنّالإقرار بالطبيعة الخاصة للمخالفة التأديبية، وهي المتمثلة بتعذر تعدادها وحصرهاتشريعياً بشكل جامع مانع، يقودنا إلى نتيجة منطقية تتلخص في إفساح المجال أمامالسلطة الإدارية، لتقدير وتكييف سلوك موظفيها وعمالها( )، والحكم على ما يصدر عنهممن أفعال إيجابية أو سلبية على النحو الذي تراه مناسباً، مما يُعدّ خروجاً على مبدأالمشروعية في مجال التجريم والعقاب.

    وبهذا المعنى يقول الدكتور الطماوي "مادام أن المشرع لم يحصر الأعمال الممنوعة على الموظفين والتي تكون جريمة تأديبية فإنتحديد هذه الأعمال متروك لتقدير الجهات التأديبية سواء أكانت جهات رئاسية أم جهاتقضائية"( ).

    كما يقر القضاء الإداري بسلطة الإدارة التقديرية في هذاالمجال، وحقها في الحكم على تصرفات عمالها. ومما قضى به مجلس الدولة الفرنسي : "أنالمخالفة التأديبية لا تخضع لمبدأ لا جريمة بغير نص، لذا يجوز للسلطة الإداريةالمختصة تقدير ما إذا كان الفعل الذي اقترفه الموظف يُعدّ مخالفاً لواجباتهالوظيفية"( ).

    كما قضت المحكمة الإدارية العليا في مصر بأنه: "يجوز لمنيملك سلطة التأديب أن يرى في أي عمل إيجابي أو سلبي يقع من الموظف عند مباشرة أعمالوظيفة ذنباً تأديبياً، إذ كان ذلك العمل لا يتفق مع واجبات وظيفته"( ).
    وعلىهذا النهج سارت محكمة العدل العليا في الأردن، فقد جاء في حكمها الصادر بتاريخ 10/10/1998 قولها: "من حق الإدارة إحالة أي موظف إلى الملاحقة التأديبية إذا نُسبتإليه افعال أو تصرفات تستدعي المساءلة التأديبية، ويدخل هذا الحق في إطار الصلاحياتالتقديرية للسلطة الإدارية"( ).

    ونبادر إلى القول بأن السلطة التقديريةالتي تمارسها سلطة التأديب ليست مطلقة من كل ضابط أو قيد، بل يجب أن يكون الفعلالمنسوب للشخص المعني منطوي على خطأ معين بحيث يمكن احتسابه إخلالاً بواجب أو محظوروظيفي أو مهني. أي أن سلطة التقدير في المجال التأديبي ليست سلطة تحكمية، بل تخضعلضوابط معينة حتى لا تقضي إلى تغول الإدارة وافتئاتها على حقوق موظفيها وعمالهاوحرياتهم .

    ولذا يثار التساؤل عن حدود هذه السلطة، وهل يكفي مجرد الادعاءبأن الشخص قد ارتكب مخالفة تخل بواجباته؟ ويجيب الفقه على ذلك بقوله : "مهما كانتحرية السلطة الإدارية في تقديرها لعناصر الجريمة التأديبية، فإنها ملزمة بأن تستندفي هذا التقدير إلى وقائع معينة ارتكبها الموظف"( ). الأمر الذي يقتضي قيام جهةمحايدة ومستقلة بالتحقق من صحة وسلامة هذا التقدير .

    المطلب الثاني : الرقابة القضائية على سلطة التأديب التقديريةتضطلع المحاكم الإدارية بولايتهاواختصاصها في الرقابة على السلطة التقديرية التي تمارسه السلطات الإدارية التأديبيةسواء من ناحية الوجود المادي للوقائع، أو تكييفها لهذه الأفعال، إضافة إلى رقابتهاعلى مدى تناسب الجزاء مع الجرم المقترف، وبيان ذلك على النحو الآتي :
    أولاً: رقابة القضاء الإداري على الوجود المادي للوقائع .
    ويقصد بذلك وقوع فعل إيجابيأو سلبي على خلاف ما يقضي به الواجب الوظيفي ويشترط ظهور السلوك أو التصرف الذييأتيه الموظف إلى حيز الواقع، "أما مجرد التفكير أو النوايا فلا يُعدّ مخالفةتأديبية، إذا بقيت هذه الأفكار حبيسة في الصدر ولم تترجم إلى أعمال تبرز إلىالوجود"( ).

    ويتحقق السلوك الإيجابي بقول أو فعل، كالتعدي على الرؤساء أوتجريحهم والطعن بكرامتهم، أو تمزيق السجلات أو الوثائق، أو اختلاس أموال المرفقالعام.

    أما السلوك السلبي فيتحقق بامتناع الموظف عن أداء عمله أو عدمالقيام بواجبه، كالتغيب وعدم الحضور في أوقات الدوام، أو عدم دفع المستحقات الماديةالمؤتمن عليها لأصحابها. وعلى هذا الأساس لا يكفي ادعاء أو زعم سلطة التأديب بأنالموظف قد ارتكب فعلاً يخل بواجبات وظيفته أو اتهامه بأنه قد تصرف بصورة شائنة، بليجب أن يكون الفعل أو التصرف محدداً وواضحاً( ). أما توجيه اتهام عام أو مبهمللموظف دون بيان الفعل أو المخالفة التي أتاها، فلا يُعدّ مكوّناً للركن الماديللخطأ الوظيفي.

    ويؤكد القضاء الإداري على ضرورة تحديد الوقائع وعدمالاكتفاء بالتعميم، فقد قرر مجلس الدولة الفرنسي في قضية (Berard) "أن مجرد الطعنبالسلوك العام للموظف سواء كان هذا السلوك مهنياً أو أخلاقياً، دون تحديد ماهية هذاالسلوك، لا يُعدّ مبرراً لإيقاع العقاب"( ).

    وفي حكمه في قضية (Bensalah Mohammed) رفض الاعتراف بشرعية العقوبة المستندة إلى تصرفات الموظف، لعدم ذكر وقائعمعينة( ).

    ومن أحكام القضاء الإداري المصري نشير إلى حكم محكمة القضاءالإداري المصري الصادر بتاريخ 25 نوفمبر 1953 فقد جاء فيه : "لكي تكون ثمة جريمةتأديبية تستوجب المؤاخذة وتستأهل العقاب، يجب أن يرتكب الموظف فعلاً يُعدّ إخلالاًبواجبات وظيفته أو مقتضياتها، وهو ما قررته المحكمة الإدارية العليا في قضية الموظفالذي كان يعمل حارساً بحديقة الأزبكية، إذ تقول :
    "يتعين لإدانة الموظف أوالعامل ومجازاته إدرياً أن يثبت أنّه قد وقع منه فعل إيجابي أو سلبي محدد...، فإذاانعدم ذلك فلم يقع منه أي إخلال بواجبات وظيفته أو الخروج على مقتضياتها، فلا يكونثمة ذنب إداري"( ).

    وتؤكد محكمة العدل العليا في كثير من أحكامها على خضوعالوقائع المكونة للركن المادي للمخالفة التأديبية لرقابتها، فقد قضت في حكمهاالصادر بتاريخ 21/9/1994:
    "إن القرار الصادر عن المجلس التأديبي بالاستغناء عنخدمات الموظف، لإصراره وباستمرار على عدم تنفيذ أوامر رؤسائه والقيام بالعمل الذيانتدب له، يشكل مخالفة مسلكية صريحة لأحكام المادة (42) من نظام موظفي جامعة العلوموالتكنولوجيا"( ) .
    كما قضت بأنه: "يتبين من أوراق الدعوى، أن المستدعي كانيعمل معلماً بوزارة التربية والتعليم، وقد فرضت عليه العقوبات التأديبية بسبب تأخرهعن الدوام الرسمي بشكل مستمر ومغادرة العمل قبل نهاية الدوام، وتلاعبه بتسجيل أوقاتالدوام..." ( ).

    وفي حكمها الصادر بتاريخ 24/11/1998 تقرر أيضاً: "أن ثبوتارتكاب الموظف المستدعي لمخالفات تمثلت في قبوله كشف التقدير الذاتي من المكلف دونطلب قسائم معلومات، ودون دراسة الملف، يشكل مخالفة مسلكية، تستوجب توجيه الإنذارله"( ).

    وتخلص المحكمة إلى ضرورة ارتكاب الموظف لأفعال معينة ووقائع محددةتستوجب العقاب حتى يمكن القول بوقوع مخالفة تأديبية، أو على حد تعبيرها (مخالفةمسلكية). لذا نجدها تقرر بعبارة واضحة وصريحة في حكمها الصادر بتاريخ 22/4/1999بأنه : "لا يجوز توقيع العقاب على الموظف إلا إذا كانت الوقائع المنسوبة إليه تشكلبحد ذاتها مخالفة مسلكية"( ).

    نستنتج من هذه الأحكام بأنه لا بد من وقوعفعل معين يُعدّ إخلالاً بالواجبات الوظيفية أو مقتضياتها، أما النعوت المرسلةوالاتهامات العامة فلا يعوّل عليها للقول بوقوع مخالفة تأديبية. وبناء عليه : "لابد من وجود السبب في القرار التأديبي الذي يتمثل في مخالفة واجبات الوظيفة أوالخروج على مقتضاها. وتلتزم الإدارة بأن يكون لقرارها التأديبي سبب صحيح، إذ أنّسلطتها مقيدة في هذا الشأن، وتخضع لرقابة القضاء"( ).

    ثانياً: رقابة القضاءالإداري على تكييف الأفعاللا يكتفي القضاء بالتثبت من حدوث وقائع معينة تكوّنالمخالفة التأديبية، بل يتولى التأكد من صحة تكييفها القانوني؛ أي الوصف الذي تخلعهالإدارة عليها. فقد قضى مجلس الدولة الفرنسي" بأن رفض المعلم قبول أكثر من (25) تلميذاً في الفصل لا يعد إضراباً" ( ). وهذا ما فعله القضاء الإداري المصري، فقدرفضت المحكمة الإدارية العليا في كثير من أحكامها، الاعتراف بصحة التكييف الذياستندت إليه الإدارة، مثال ذلك قولها :
    " إن علاقة العامل (الموظف) برئيسهأساسها التزام حدود الأدب واللياقة وحسن السلوك، وبالتالي فلا تثريب على الموظف فيإبداء رأيه صراحة أمام رئيسه، ما دام لم يجانب ما تقتضيه وظيفته من تحفظ ووقار، حتىلو كان رأيه مخالفاً لرأي رئيسه"( ). وكذلك قولها :
    "إنّ تكييف الواقعة بمايجعلها من الذنوب الإدارية إنما مرجعه إلى تقدير جهة الإدارة، ومبلغ انضباط هذاالتكييف على الواقعة المنسوبة إلى الموظف، هو الخروج على مقتضيات الواجب الوظيفي،أو الإخلال بحسن السلوك المستأهل للعقاب بوصفه ذنباً إدارياً"( ).

    وتؤكدمحكمة العدل العليا على حقها في بسط رقابتها ليس على ثبوت الوقائع فقط، بل وعلى (تكييفها) أيضاً، مثال ذلك حكمها في القضية رقم 125/96، إذ تقرر :
    "إنّ مغادرةالموظف مكان عمله بسبب مرض والدته، بعد أن تقدم بطلب إذن للمغادرة، ثم طلبه الإجازةعن الفترة التي تغيب فيها شارحاً ظروف مغادرته، لا يُعدّ مخالفة مسلكية ولا يستدعيفي مثل هذه الظروف إيقاع العقوبة بحقه"( ).

    أما حكمها الصادر في القضية رقم 342/98 فقد جاء فيه: "أنّ محكمة العدل العليا هي محكمة وقائع ومحكمة قانون، ومنحقها مراقبة العنصر الواقعي من القرار الإداري وأن تتأكد من ثبوت الواقعة، .. ومنتكييف الفعل المنسوب للموظف، وما إذا كان يشكل ذنباً إدارياً( ). وبذات المعنى تقررفي حكمها الصادر في القضية رقم 80/99: "أن مجرد اقتناع رجل الإدارة بالواقعة لايحول دون تدخل المحكمة في بسط رقابتها على ثبوت الواقعة، وعلى تكييف الفعل المنسوبللموظف، إن كان يشكل ذنباً تأديبياً"( ).

    وفي حكمها الصادر بتاريخ 24/2/2000 أقرت المحكمة بصحة تكييف سلطة التأديب للأفعال التي اقترفها المحاميالمتدرب باعتبارها ماسة بشرف المهنة وسمعتها، ومما جاء في حيثيات هذا الحكم :
    "بما أن المستدعي كان بتاريخ الشكوى مسجلاً في نقابة المحامين متدرباً، وأنهتفوه بألفاظ نابية بحق المشتكى تتنافى مع الأخلاق والآداب العامة، كما أقدم على ضربالمشتكي. وحيث إنّ هذه الأفعال كانت أمام جمع من الناس وفي مكان عام، فإنها تشكلإخلالاً بواجبات المحامي المنصوص عليها في قانون النقابة والأنظمة الصادرة بموجبه،وفي لائحة آداب المهنة. ويكون المستدعي بذلك قد ارتكب مخالفة مسلكية تمس شرف المهنةوكرامتها وتؤثر على سمعتها"( ).

    من هذه الأحكام نستنتج أنّ محاكم القضاءالإداري، لا تسلم بالوصف أو التكييف القانوني الذي تخلعه السلطات التأديبية علىالأفعال والتصرفات التي يرتكبها الموظفون، بل تخضعه للتمحيص وتبسط رقابتها عليهللتأكد من صحة هذا التكييف أو عدم صحته.
    ثالثاً: رقابة القضاء الإداري على مدىالتناسب بين درة خطورة الذنب والجزاء المفوض ( ).

    إن قيام القضاء الإداريبالتحقق من ملاءمة العقوبة للخطأ الوظيفي، وأنّ هذه العقوبة غير مشوبة بالغلو، يشكلضمانة أخرى لحماية الموظفين من تعدي الإدارة أو طغيانها. ومما قضت به المحكمةالإدارية العليا في القضية المعروفة بقضية كاتب مهمات السكة الحديد( ).

    "لئن كانت كثرة الأعمال المعهود بها إلى الموظف، ليس من شأنها أن تعفيه منالمسؤولية عما وقع من تقصير، إلا أنّ هذا التقصير في الظروف التي حدث فيها لا يرقىإلى مرتبة الإهمال الجسيم. ومن حيث إنّ القرار الصادر بفصل المدعي قد قام على تكييفالمخالفة المسندة إليه بما جيعلها من الذنوب الإدارية الجسيمة التي تندرج تحت البندالثالث من جدول مخالفات المجموعة الأولى، واختار لها أشد الجزاءات وهو الفصل منالخدمة، فإنه يكون قد خالف القانون".

    ولمحكمة العدل العليا دور فاعل فيمجال الرقابة على التناسب بين جسامة الذنب ومقدر العقوبة التي تفرضها سلطة التأديب،فقد جاء في حكمها الصادر في القضية رقم 15/89:
    "للسلطة التأديبية صلاحية تقديرخطورة الذنب، وما يناسبه من جزاء، إلا أن مشروعية هذه السلطة التقديرية رهن بأن لايشوب استعمالها غلو. ومن صور هذا الغلو عدم الملائمة الظاهرة بين اخطورة الذنبالإداري ونوع لجزاء ومقداره( ). ومما ورد في حكمها الصادر في القضية رقم 255/95 :
    "ترى المحكمة أن المجلس التا>يبي بعد إلغاء قراره السابق عاد وفرض عقوبةالاستغناء عن الخدمة، وهي عقوبة أدنى من العقوبة الأولى في تدرجها، إلا أن من شأنهاإقصاء المستدعي عن عمله. لذا فإن هذه العقوبة لا تتناسب مع المخالفة المرتكبة منقبل الموظف، لهذا نقرر بالأكثرية إلغاء القرار الطعين".( )
    كما قضت بأن :
    "للسلطة التأديبية صلاحية تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء، إلاأن مشروعية هذه السلطة التقديرية رهن بأن لا يشوب استعمالها غلو. وحيث لا نجد فيقرار المستدعي ضده المطعون فيه، ما يفيد بانطوائه على قسوة، بل هناك ملاءمة بينخطورة الذنب الإداري الذي أتاه المستدعي والجزاء المفروض عليه، فإن أسباب الطعن لاترد على القرار الطعين، وتكون الدعوى حقيقة بالرد"( ).

    وتؤكد المحكمة علىهذا الاتجاه بقولها في حكمها الصادر في القضية رقم 511/98 :
    "يستفاد من نصالمادة (94/ي) من نظام موظفي مؤسسة الملكية الأردنية رقم 77 لسنة 1979 بأنه إذاارتكب الموظف مخالفة للقوانين والأنظمة، أو أقدم على تصرف أو عمل مخل بالمسئولياتالمنوطة به، فتوقع عليه إحدى العقوبات المسلكية. ومنها عقوبة العزل. إنّ محاولةالطيار الهوبط في مطار لم يفتح بعد بدلاً من المطار الواجب الهبوط فيه، يشكل مخالفةمسلكية تستوجب العقاب. إلا أ عقوبة العزل المفروضة على الموظف المستدعي مشوبةبالغلو، مما يخرجها عن نطاق المشروعية، ويجعل القرار الطعين حقيقياً بالإلغاء"( ).

    وبهذه المناسبة نشير إلى الحكم الصادر في القضية رقم طبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Cb_transparent_r290/2001طبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Spaceطبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Spaceطبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Spaceطبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Spaceطبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Spaceطبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Spaceطبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Spaceطبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Arrowطبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Spaceطبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Spaceطبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Shطبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Cb_transparent_l فقد جاء فيه :
    "إنّ قرار المجلس التأديبي بشطب المهندسة المستدعية من سجلات النقابة، يُعدمن أشد العقوبات المنصوص عليها في قانون نقابة المهندسين، إذ ينهي حياتها المهنية،وفي ذلك مغالاة في فرض العقوبة، فليس هناك تناسب بين الذنب المقترف والعقوبةالتأديبية. ويكون ذلك ضرباً من ضروب إساءة استعمال السلطة"( ).

    وهكذا نلاحظأنّ المحكمة تبسط رقابتها على تقدير السلطات التأديبية لخطورة الذنب المقترف ومايناسبه من جزاء، للتحقق من أنه غير مشوب بالغلو، فإذا تبين لها عكس ذلك فإنها تقضيبإلغائه باعتباره ضرباً من ضروب التعسف أو إساءة استعمال السلطة.

    ولا بدلنا من التنبيه في هذا المقام إلى أن عدم الكفاءة امهنية لا تعد مخالفة تأديبية فهيتعني عدم قدرة الموظف على إنجاز المهام المنوطة به كما ينبغي. وفي هذه الحالة يمكنللإدارة اتخاذ إجراءات معينة تختلف عن الإجراءات التأديبية، كإلحاق الموظف بدوراتتدريبية لتأهيله لعمله، أو استبدال وظيفته، أو النقل إلى موقع يتناسب وقدراته، أوالصل لعدم الكفاءة المهنية. وتنظم القوانين الوظيفية وأنظمة الخدمات المدنية حلولاًللمشكلات المتعلقة بالكفاءة المهنية، وقد تولى نظام الخدمة المدنية الأردني علاجهذه الحالة في الفصل التاسع بعنوان "تقييم الأداء" ( ).

    المبحث الثالث : موقف الفقه من تقنين المخالفات التأديبيةيرى بعض الفقه أنّ عملية التقنين تعنيإصدار تشريع يتضمن مجموعة المبادئ التي تتخذ أساساً لتنظيم الروابط والعلاقاتالقانونية، كما يتضمن مجموع القواعد القانونية المنظمة لتلك الروابط( ). ومن وجهةنظرنا فإنّ المقصود بالتقنين في هذا املجال: هو قيام المسرّع بتحديد الأفعال التيتعتبر مخالفات أو جرائم تأديبية، وتقدير الجزاء الملائم لكل منها .

    وقدتباينت مواقف الفقهاء من فكرة التقنين وإمكانيته ومدى ضرورته، ما أسفر عن بروزاتجاهين رئيسيين؛ أحدهما يؤيد هذه الفكرة والآخر يعارضها .

    أولاً: الاتجاهالمؤيد لفكرة التقنينذهب جانب من الفقه إلى المناداة بتقنين الواجباتوالمحظورات الوظيفية والمهنية، الي يجب على الموظفين والعاملين في المهن المختلفةالالتزام بها. ويحتج أنصار هذا الرأي بالأسانيد التالية( ):
    1. أنّ تقنين هذهالواجبات يؤدي إلى فهم المخاطبين بها لما هو مطلوب منهم القيام به، وإدراكهم للمهامالمنوطة بهم، وتبصيرهم بأعمالهم وما يجب عليهم فعله أو اجتنابه. وبعكس ذلك سيتركأداء هذه الواجبات، على كثرتها وتنوعها، لمجرد تصورات غير منضبطة وبالصورة التيتتراءى لرؤسائهم :
    2. أنّ طائفة الموظفين والعاملين في القطاعات والمؤسساتالمختلفة، على كبر نحجمها في كثير من المجتمعات، بأمس احلاجة غلى الأمانة في حياتهمالوظيفية والمهنية، والاطمئنان على حاضرهم ومستقبلهم، لا أن يفاجأوا بأفعال تُعدّمخالفات أو جرائم يؤاخذون بها ويحاسبون عليها دون تحذيرهم بها ويحاسبون مسبقاً مناقترافها، وسيكون اتخاذ الإجراءات التأديبية بحقهم في
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    طبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Empty رد: طبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية،

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الجمعة فبراير 20, 2015 11:23 pm

    حكم عليا فى مصروفات الكليات العسكرية
    بسم الله الرحمن الرحيم

    باسم الشعب

    مجلس الدولة

    المحكمة الإدارية العليا

    بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار / حنا ناشد مينا حنا نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة / الصغير محمد محمود بدران ومحمد إبراهيم قشطة ومحمد الشيخ على أبو زيد وعبد الرحمن سعد محمود عثمان نواب رئيس مجلس الدولة

    * إجراءات الطعن

    بتاريخ 26/7/1990 أودع الأستاذ / ………………المحامى بصفته وكيلاً عن الطاعنين ……………و……………. بالتوكيل الرسمى العام رقم 1134 ج لسنة 1988 توثيق جنوب القاهرة سكرتارية هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 3088 لسنة 36ق . عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى دائرة العقود والتعويضات بجلسة 17/6/1990 فى الدعوى رقم 1585 لسنة 42 ق فى شقة القاضى بإلزام المدعى عليهما بأن يدفعا للمدعى بصفته مبلغ 4909 أربعة آلاف وتسعمائة وتسعة جنيه مع إلزامهما المصروفات .

    وطلب الطاعنان للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصليا بسقوط حق المطعون ضده فى المطالبة بالتقادم الثلاثى عملاً بنص المادة 187 من القانون المدنى واحتياطيا رفض دعوى المطعون ضده وإلزامه المصروفات وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعن ضده .

    وقد جرى تحضير الطعن بهيئة مفوضى الدولة وقدم مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً فى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام الجهة الإدارية المصروفات .

    وبتاريخ 9/8/19990 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعن " وزير الدفاع " سكرتارية هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 2284 لسنة 36ق عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى دائرة العقود والتعويضات بجلسة 17/ 6/1990 فى الدعوى رقم 1585 لسنة 42ق فى شقة القاضى برفض طلب الحكم بالفوائد القانونية عن المبلغ المطالب به .

    وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى إلزام المطعون ضدهما بان يدفعا للطاعن بصفته المبلغ المحكوم به وقدره 4909 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة من 27/12/1987 حتى تمام السداد وإلزامهما المصروفات .

    وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما .

    وقد جرى تحضير الطعن المشار إليه لدى هيئة مفوضى الدولة وقدم مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى - اقترح فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه بإلزام المطعون ضدهما بالتضامن بأن يؤديا للجهة الإدارية مبلغ 4909 جنيهاً والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد وإلزام المطعون ضدهما المصروفات .

    وقد نظرت دائرة فحص الطعون الطعنين وبجلسة 19/5/1993 قررت الدائرة ضم الطعن رقم 3284 لسنة 36ق عليا للطعن رقم 3088 لسنة 36ق عليا ليصدر فيهما حكم واحد وبجلسة 2/2/1994 قررت الدائرة المذكورة إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثالثة وحددت لنظرهما أمامها جلسة 29/3/1994 .

    وقد نظرت المحكمة الطعنين على النحو المبين بمحاضر الجلسات وبجلسة 1/11/1994 قدم محامى الحكومة حافظة مستندات وبذات الجلسة قررت المحكمة حجز الطعنين لإصدار الحكم فيها بجلسة اليوم 6/12/1994 ومذكرات خلال أسبوع وبتاريخ 6/11/1994 أودع كل من ……………….و………………و………………… مذكرة بدفاعهما فى الطعنين طلبا فى ختامها الحكم بالنسبة للطعن رقم 3088 لسنة 36ق . عليا بإلغاء الحكم المطعون فيه فى هذا الطعن وبرفض دعوى الجهة الإدارية بالنسبة للطعن رقم 3284 لسنة 36ق . عليا برفض هذا الطعن وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ، وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به .

    * المحكمة

    بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة .

    ومن حيث إن الطعنين قد استوفيا سائر أوضاعهما الشكلية ومن ثم يتعين قبولهما شكلاً.

    ومن حيث إنه عن الموضوع فإن واقعات النزاع فى الطعنين تخلص حسبما يبين من الإطلاع على الأوراق فى أن وزير الدفاع كان قد أقام الدعوى رقم 1585 لسنة 42ق ضد كل من ……………….و…………….. بأن أودع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بتاريخ 27/12/1987 طالبا الحكم بإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 4909 وفوائده القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد وإلزامها المصروفات .

    وقال المدعى لشرح دعواه أن المدعى عليه الأول ألتحق بالكلية الفنية العسكرية بموافقة والده بتاريخ 11/10/1980 متعهد بأداء نفقات الكلية فى حالة فصله أو استقالته وكفله فى ذلك المدعى عليه الثانى وبتاريخ 20/7/1982 تقدم المدعى عليه الأول باستقالته بموافقة المدعى عليه الثانى وقد قبل مجلس الكلية الاستقالة بتاريخ 2/10/1982 وعلى ذلك يلتزم المدعى عليهما بدفع النفقات التى بلغت جملتها 4909 جنيها والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً عملاً بأحكام المادة 226 من القانون المدنى - واختتم المدعى عريضة دعواه المشار إليها بطلب الحكم له بطلباته أنفة الذكر .

    وبجلسة 17/6/1990 أصدرت المحكمة حكمها فى الدعوى المشار إليها والمطعون فيه فى الطعنين الماثلين قضى بإلزام المدعى عليهما بأن يدفعا للمدعى بصفته مبلغ 4909 جنيها أربعة آلاف وتسعمائة وتسعة جنيها وإلزامها المصروفات ورفض ماعدا ذلك من طلبات.

    وقد شيدت المحكمة حكمها المطعون فيه على أساس أن الثابت من الأوراق أن المدعى عليه الأول ألتحق بالكلية الفنية العسكرية بطلب مؤرخ فى 6/8/1980 ووقع فى نفس التاريخ المدعى عليه الثانى تعهدا تضمن أنه فى حالة تقدم الطالب (المدعى عليه الأول) ابنة بالاستقالة من الكلية لأى سبب يكون ملزماً برد كافة التكاليف التى تكلفتها القوات المسلحة خلال الفترة التى قضاها فى الكلية العسكرية ، وقد تقدم المدعى عليه الأول باستقالته وقبلها مجلس الكلية من ثم يكون المدعى عليهما ملزمين بدفع ما تكلفته الكلية ومقداره 4909 جنيها عملاً بأحكام المادة 185 من القانون رقم 93 لسنة 1975 بشأن النظام الأساسى للكلية الفنية العسكرية مما يوجب الحكم بإلزامهما بهذا المبلغ وأضافت المحكمة أن ما أثاره المجعى عليهما من أن استقالة المدعى عليه الأول كانت لاحقة على استنفاذه مرات الرسوب وبالتالى لا يحق المطالبة بتكاليف الدراسة لم يقم عليه دليل من الأوراق مما يوجب الالتفات عن هذا الذى أثاره المدعى عليهما .

    وبالنسبة لطلب الفوائد القانونية عن المبلغ المشار إليه قالت المحكمة أن قضاءها قد جرى على استبعاد نص المادة 226 من القانون المدنى من علاقات القانون العام فضلاً عن أن الحكم بالفوائد القانونية بعد بمثابة تكرار للحكم بالتعويض عن الواقعة الواحدة مما يوجب الحكم برفض هذا الطلب .

    وإذ لم يلق الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزام كل من ……….و…………..قبولا لدى المذكورين فقد - أقاما طعنها رقم 3088 لسنة 36ق . عليا ناعيان عليه بأنه صدر على خلاف أحكام القانون وذلك للأسباب الآتية :

    1 - إن حق الجهة الإدارية فى المطالبة بالنفقات التى تكلفها الطاعن الأول قد سقط بالتقادم الثلاثى طبقا لنص المادة 187 من القانون المدنى فالمبالغ التى صرفت عليه دفعت له دون وجه حق فى حالة استقالته ولما كان الطاعن المذكور قد تقدم باستقالته فى 2/10/1982 وقد قبلت فإنه كان يتعين على الجهة الإدارية المطالبة بالنفقات خلال ثلاث سنوات وإذا قامت دعواه بالمطالبة بهذه النفقات فى 27/12/1987 بعد مضى أكثر من خمس سنوات على الاستقالة ومن ثم تكون الدعوى قد سقطت بالتقادم الثلاثى المنصوص عليه فى المادة 187 من القانون المدنى وكان يتعين على المحكمة أن تقضى بذلك .

    2 - ذكر الطاعنان فى المذاكرات التى تقدما بها للمحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه أن الطاعن الأول اجبر على الاستقالة بعد استنفاذه مرات الرسوب بعد أن هددته إدارة الكلية بعدم تحويله إلى أية كلية أخرى إلا بعد التوقيع على الاستقالة وقد طلبا من المحكمة تأييداً لدفاعهما إلزام الجهة الإدارية بتقديم نتائج امتحانات الطاعن الأول خلال سنوات الدراسة وقد طالبت المحكمة من الجهة الإدارية تقديم هذه النتائج وأحيلت الدعوى أكثر من مرة لهذا الغرض إلا أن الجهة الإدارية لم تقدم المطلوب منها ولما كان قضاء المحكمة الإدارية العليا قد جرى على أنه وأن كان الأصل أن عبء الاثبات يقع على عاتق المدعى إلا أن الأخذ بهذا الأصل فى مجال المنازعات الإدارية لا يستقيم مع واقع الحال بالنظر باحتفاظ الإدارة فى غالب الأمر بالوثائق والملفات وأن الأثر الحاسم فى المنازعات إذا نكلت الجهة الإدارية فى تقديم الأوراق المتعلقة بموضوع النزاع أن ذلك يقيم قرينة لصالح المدعى تلق عبء الاثبات على الحكومة ، وعلى ذلك كان يتعين على المحكمة وقد طلبت من الجهة الإدارية تقديم نتائج امتحانات الطاعن الأول والمنتجة فى الدعوى والتى تؤيد ما يدعيه من أنه استنفذ مرات الرسوب وبالتالى فصل من الكلية وعلى ذلك لا يحق مطالبته بنفقات الدراسة وقد نكلت الجهة الإدارية عن ذلك فإن ذلك يقيم قرينته لصالحه وتلقى عبء الاثبات على عاتق الجهة الإدارية وبالتالى لا يكون هناك إلتزام قانونى على الطاعنين برد نفقات الدراسة كما أن الطاعنين قد نازعا فى قيمة النفقات وعلى ذلك كان يتعين على المحكمة أن تقضى برفض دعوى المطعون ضده التى بطالب فيها بإلزام الطاعنين بنفقات الدراسة وإذ لم يلقى الحكم المطعون فيه فى شقه القاضى برفض طلب الحكم بالفوائد القانونية عن المبلغ المطالب به والذى حكمت به المحكمة قبولاً لدى وزير الدفاع فقد أقام طعنه رقم 3284 لسنة 36ق . عليا ناعيا عليه بأنه صدر على خلاف أحكام القانون استناداً إلى أن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أن المادة 226 من القانون المدنى تنطبق على المنازعات الإدارية ولما كان المبلغ المطالب به هو مبلغا من النقود ومعلوم المقدار وقت المطالبة فأنه يحق لجهة الإدارة المطالبة بفوائد قانونية عنه بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة حتى تمام السداد عملاً بأحكام المادة المذكورة وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه عندما قضى برفض الحكم بالفوائد قد صدر على خلاف أحكام القانون .

    ومن حيث إنه بالنسبة للطعن رقم 3088 لسنة 36ق . عليا فإنه بالنسبة لما أثاره الطاعنان فى هذا الطعن من سقوط حق جهة الإدارة فى المطالبة بنفقات الدراسة موضوع الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه بالتقادم الثلاثى إعمالاً لأحكام المادة 187 من القانون المدنى بأن هذه المادة تنص على أنه (تسقط دعوى استرداد ما دفع بغير حق بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذى يعلم فيه من دفع غير المستحق بحقه فى الاسترداد ، وتسقط الدعوى كذلك فى جميع الأحوال بانقضاء خمسة عشر سنة من اليوم الذى ينشأ فيه هذا الحق) .

    ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن حكم المادة 187 من القانون المدنى سالفة البيان لا ينطبق إلا على الحقوق الناشئة عن المصدر الرابع من مصادر الإلتزام وهو الإثراء بلا سبب (دفع غير المستحق) .

    ومن حيث إن حق الإدارة فى مطالبة الطاعنين فى الطعن المذكور ………. و………… برد نفقات الدراسة فى حالة الاستقالة مستمد مباشرة من القانون رقم 93 لسنة 1975 بالنظام الأساسى للكلية الفنية العسكرية ومن ثم فإن مصدر الالتزام هنا هو القانون وعلى ذلك فلا ينطبق حكم التقادم الثلاثى المنصوص عليه من المادة 187 من القانون المدنى ولا يتقادم هذا الحق إلا بالتقادم الطويل بانقضاء خمس عشر سنة وعلى ذلك يكون دفع الطاعنين بسقوط حق جهة الإدارة بالتقادم الثلاثى غير قائم على أساس سليم من القانون جدير بالالتفات عنه .

    ومن حيث إن المادة 18 من القانون رقم 93 لسنة 1975 بشأن النظام الأساسى للكلية الفنية العسكرية قبل تعديلها بالقانون رقم 10 لسنة 1985 المنطبق على النزاع الماثل تنص على أنه (يجوز قبول استقالة الطالب بعد موافقة مجلس الكلية ويلتزم الطالب بسداد النفقات الفعلية التى تكلفها أثناء المدة التى قضاها بالكلية حتى تاريخ تقديم الاستقالة) .

    ومن حيث إنه يستفاد مما تقدم أن المشرع أعطى للطالب بالكلية الفنية العسكرية الحق فى الاستقالة وأعطى لمجلس الكلية سلطة الموافقة على هذه الاستقالة وفى هذه الحالة يلتزم الطالب بسداد النفقات الفعلية التى تكلفها أثناء المدة التى قضاها بالكلية حتى تاريخ تقديم الاستقالة .

    ومن حيث إنه يبين من نص المادة 18 من القانون رقم 93 لسنة 1975 المشار إليه أن الطالب لا يلتزم بدفع نفقات الدراسة إلا فى حالة تقدمه بالاستقالة وقبول مجلس الكلية لها وهذا هو ما تضمنه الإقرار الموقع من المطعون ضدهما من إنهما يلزمان برد التكاليف التى تكلفتها القوات المسلحة فى سبيل المطعون ضده الأول وقد خلت نصوص القانون رقم 93 لسنة 1975 المشار إليه من وجود نصوص تلزم الطالب برد النفقات فى غير حالة الاستقالة وعلى ذلك لا يكون هناك التزام بدفع النفقات إذا ما فصل الطالب بسبب استنفاذ مرات الرسوب.

    ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن الأول التحق بالكلية الفنية العسكرية فى 1/10/1980 ومكث فى الدراسة فى السنة الإعدادية وهى السنة الأولى بالكلية مدة عامين دراسيين من عام 1980 حتى عام 1982 وذلك واضح من واقع الكشف المرفق بقرار مجلس الكلية رقم 14 بجلسته المعقودة فى 2/10/1982 المودع ضمن مرفقات حافظة المستندات المقدمة من الحكومة بجلسة محكمة القضاء الإدارى المعقودة فى 7/7/1988 حيث جاء بالكشف المذكور أن الطاعن المذكور مقيد وقت تقديمه الاستقالة فى 20/7/1982 فى السنة الإعدادى ولما كان الطاعنان قد ذكرا فى طلبهما أن الطاعن الأول قد رسب مرتين فى السنة الإعدادى وفصل من الكلية لهذا السبب ولم تنكر جهة الإدارة المطعون ضدها ذلك ولما كان الثابت من واقع كتاب مدير الإدارة العام للقضاء العسكرى المؤرخ 16/2/1994 الموجه إلى هيئة قضايا الدولة المودع ضمن مرفقات حافظة المستندات من الحكومة بجلسة هذه المحكمة المعقودة فى 1/1/1994 أن نتيجة الطاعن الأول فى السنة الدراسية 1984/1982 التى كان يعيد فيها سنة الإعدادى قد أعلنت فى 6/9/1982 وعلى ذلك يكون ثابت أن الطاعن الأول قد رسب فى سنة الإعدادى مرتين وبذلك يكون قد استنفذ مرات الرسوب ويعد مفصولاً من الكلية عملاً بأحكام المادة 16 من القانون رقم 92 لسنة 1975 المشار إليه التى نصت على أن يفصل الطالب من الكلية فى الحالات الآتية :

    أ - الحكم على الطالب بحكم قضائى نهائى فى جريمة مخلة بالشرف .

    ب - حالة فقد أى شرط من شروط القبول بالكلية .

    جـ- رسوب الطالب أكثر من مرة واحدة فى السنة الدراسية الواحدة .

    د - الرسوب أكثر من ثلاث مرات طوال مدة الدراسة ولا يعد ضمن مرات الرسوب التخلف عن دخول الامتحان لأسباب يقرها مجلس الكلية .

    ولا يغير من ذلك قول الجهة الإدارية المطعون ضدها بأن الطاعن الأول قد تقدم باستقالته فى 20/7/1982 قبل اعلان النتيجة فى عام 1982 والتى رسب فيها الطاعن المذكور للمرة الثانية وهى النتيجة التى اعلنت فى 6/9/1982 ذلك أنه ولئن كان الطاعن المذكور قد تقدم بالاستقالة فى التاريخ المذكور قبل اعلان النتيجة إلا أنه طبقا لنص المادة 18 من القانون رقم 93 لسنة 1975 ( المشار إليه فان استقالة الطالب لا تعتبر مقبولة بمجرد تقديمها وإنما يجب موافقة مجلس الكلية عليها ولما كان الثابت أن مجلس الكلية لم يوافق على الاستقالة إلا فى محضره رقم 14 بجلسته المعقودة فى 2/10/1982 بعد إعلان النتيجة فى السنة الإعدادى والتى رسب فيها للمرة الثانية والتى أعلنت فى 6/9/1982 ومن ثم تكون موافقة مجلس الكلية قد جاءت بعد أن كان الطاعن الأول قد فصل من الكلية لاستنفاذه مرات الرسوب بعد أن زال كل أثر قانونى للاستقالة التى تقدم بها لورودها على غير محل وبالتالى تكون موافقة مجلس الكلية على الاستقالة قد جاءت بدورها على غير محل . ولا يغير من ذلك ابداً قول الجهة الإدارية المطعون ضدها بأنه لم يصدر قرار من مجلس الكلية بفصل الطاعن الأول من الكلية لاستنفاذه مرات الرسوب ذلك لآن المادة (16) من القانون رقم 93 لسنة 1975 عندما قضت بفصل الطالب الذى يرسب أكثر من مرة فى السنة الدراسية الواحدة لم تعط لمجلس الكلية سلطة تقديرية فى هذا الشأن وعلى ذلك وبمجرد رسوب الطالب أكثر من مرة فى السنة الدراسية الواحدة وتحقق مناط انطباق هذا النص يعد الطالب مفصولاً لاستنفاذ مرات الرسوب دون ما حاجة لصدور قرار بذلك .

    ومن حيث إنه متى كان ذلك كذلك فأن طلب الجهة الإدارية المطعون ضدها من دعواها الصادر فيها الحكم المطعون فيه الحكم بإلزام الطاعنين برد نفقات الدراسة التى قدرت بمبلغ 4909 جنيها يكون غير قائم على أساس سليم من الواقع والقانون خليقة بالرفض وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد صدر على خلاف أحكام القانون واجب الإلغاء والحكم برفض طلب إلزام الطاعنين بدفع المبلغ المشار إليه .

    ومن حيث إنه بالنسبة للطعن رقم 3284 لسنة 36ق عليا والمنصب على ما قضت به محكمة القضاء الإدارى برفض طلب الفوائد القانونية فإنه وقد انتهت المحكمة على النحو السالف البيان إلى عدم إلتزام كل من …………….و……………… المطعون ضدهما فى هذا الطعن بدفع المبلغ المطالب به فإنه لا يكون هناك محل للحكم بالفوائد القانونية من هذا المبلغ بذلك يكون طلب الجهة الإدارية الطاعنة إلزام المطعون ضدهما بالفوائد القانونية عن المبلغ المحكوم به غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً رفضه .

    ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملا بأحكام المادة 184 من قانون المرافعات .

    * فلهذه الأسباب

    حكمت المحكمة :

    أولاً : بقبول الطعن رقم 3088 لسنة 36ق عليا شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزام الطاعنين بدفع مبلغ 4909 جنيها ورفض طلب إلزامهما بهذا المبلغ وألزمت الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات .

    ثانياً : بقبول الطعن رقم 3284 لسنة 36ق عليا شكلاً ورفضه موضوعاً .
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    طبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية، Empty رد: طبيعة المخالفة التأديبية ومدى خضوعها لمبدأالمشروعية،

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الجمعة فبراير 20, 2015 11:25 pm

    دائرة توحيد المبادئ - استحقاق فوائد قانونية على المبالغ التي تنفق على الطلبة الذين تنتهي علاقتهم بالكليات العسكرية

    طعن رقم 1264 لسنة 35ق.ع - جلسة 6-1 -1994

    المبـــــــدأ

    الصادر عن دائرة توحيد المبادئ

    - المادة 226 من التقنين المدني.

    - علاقة الطلبة بالكليات العسكرية ومنها الكلية الحربية يحكمها النظام الأساسي للكليات العسكرية الصادر بالقانون رقم 92 لسنة 1975 واللائحة الداخلية للكلية الحربية الصادرة بقرار نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية رقم 14 لسنة 1976 المنشور بأوامر القيادة العامة للقوات المسلحة بتاريخ 14/2/1976 – يحكمها أيضا شروط التعهد الكتابي الذي يوقعه الطالب وولي أمره عند الالتحاق بالكلية – من هذه الشروط أن يقدم الطالب تعهدا كتابيا موقعا منه ومن ولي أمره بأن يرد للكلية التكاليف التي تكبدتها أثناء الدراسة وذلك في حالة الاستقالة أو الفصل بسبب غير عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ مرات الرسوب – هذه العلاقة علاقة مركبة تخضع في الجانب الأكبر منها إلي أحكام تنظيمية عامة وتصطبغ في شق منها بصبغة عقدية تتمثل في اتجاه إرادة الطالب وولي أمره إلي الانضواء تحت مظلة الأحكام التنظيمية العامة سالفة البيان وتوقيع التعهد المشار إليه من جانبهما – العقد في هذه الحالة عقد إداري – التزام الطالب وولي أمره برد النفقات يجد مصدره في هذه العقد المكمل بأحكام النظام الأساسي للكليات العسكرية واللوائح الداخلية لها – أثر ذلك: استحقاق الفوائد التأخيرية كتعويض عن التأخير في الوفاء بالتزام محله مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب – أساس التعويض في هذه الحالة هو التأخير في الوفاء بالمبلغ النقدي – الضرر مفترض بنص المادة 228 من القانون المدني- أساس الالتزام برد النفقات هو الإخلال بالالتزام بالاستمرار في الدراسة بالكلية حتى تمام التخرج والالتحاق كضابط بالقوات المسلحة – مؤدي ذلك: أنه لاوجه للقول بأن رد هذه النفقات واستحقاق الفوائد القانونية عليها هما تعويضات عن واقعة واحدة – أنه لا وجه للقول بأن الفوائد المشار إليها تمثل ربا تحرمه مبادئ الشريعة الإسلامية – أساس ذلك: أن الامتناع عن تطبيق نص قانون قائم بحجة أنه يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء التي هي المصدر الرئيسي للتشريع وفقا للدستور يشكل في واقعة تعرض لمدى دستورية النص وقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بدستورية المادة 226 من القانون المدني ومادام النص قائما ولم يعدل أو بلغ بالطريق الذي رسمه المشرع فإنه يجب علي المحكمة أعمال حكمه ومقتضاه متى توافرت شروطه – تطبيق .

    نص الحكم كاملا

    بسم الله الرحمن الرحيم

    باسم الشعب

    مجلس الدولة

    المحكمة الإدارية العليا

    بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار / على فؤاد الخادم. رئيس مجلس الدولة

    وعضوية كل من :

    السيد الأستاذ المستشار/ د. محمد جودت أحمد الملط

    السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا

    السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت

    السيد الأستاذ المستشار/ رأفت محمد السيد يوسف

    السيد الأستاذ المستشار/ محمد معروف محمد

    السيد الأستاذ المستشار/ فاروق على عبد القادر

    السيد الأستاذ المستشار/ محمد مجدى خليل فاروق

    السيد الأستاذ المستشار/ د. أحمد مدحت حسن على

    السيد الأستاذ المستشار/ عويس عبد الوهاب

    السيد الأستاذ المستشار/ محمد أبو الوفا عبد المتعال

    نواب رئيس مجلس الدولة

    الإجراءات

    فى يوم الاربعاء الموافق 22/3/1989 أودع الأستاذ/. …………… المستشار بهيئة قضايا الدولة نائبا عن السيد وزير الدفاع قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1264 لسنة 35 ق فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) بجلسة 29/1/1989 فى الدعوى رقم 5783 لسنة 38ق المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهما والقاضى بإلزام المدعى عليهما بأن يؤديا إلى المدعى بصفته مبلغ 2200 جنيه مع إلزامهما المصروفات. وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى إلزام المطعون ضدهما متضامنين بالمبلغ المحكوم به وفوائده القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين .

    وأعلن الطعن قانونا، وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه - للأسباب المبينة به - الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بإلزام المطعون ضدهما بأن يؤديا إلى الطاعن بصفته مبلغ 2200 جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة فى 26/6/1984 حتى تمام السداد والمصروفات .

    وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 16/5/1990 وتدوول أمامها بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر إلى أن قررت بجلسة 19/9/1990 إحالته إلى الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 23/10/1990 وفيها نظرته الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا وتدوول أمامها بالجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 25/12/1990 قررت إصدار الحكم فيه بجلسة 26/3/1991 وفيها قررت المحكمة فتح باب المرافعة فيه لجلسة 21/5/1991 لنظره بهيئة أخرى، وبجلسة 8/10/1991 قررت إصدار الحكم بجلسة 19/11/1991 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة 10/12/1991. وفى هذه الجلسة الأخيرة قررت المحكمة إحالة موضوع مدى التزام أصحاب -الشأن بالفوائد القانونية عن نفقات الدراسة بالكلية الحربية التى يلتزمون بأدائها للجهة الإدارية المختصة، إلى الدائرة المنصوص عليها فى المادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة وتأجيل نظر الطعن لجلسة 21/1/1992 حتى تفصل الدائرة المشار إليها فى هذا الموضوع.

    وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا مسببا بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى إلزام المطعون ضدهما بأن يؤديا إلى الجهة الإدارية مبلغ 2200 جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة فى 26/6/1984 وحتى تمام السداد مع إلزامهما المصروفات.

    وقد حدد لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 6/2/1992، وفيها وفى الجلسات التالية نظرت المحكمة الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن قررت المحكمة بجلسة 4/11/1993 إصدار الحكم بجلسة 6/1/1994 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

    المحكمة

    بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، واتمام المداولة قانونا .

    ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - فى أن الطاعن ( وزير الدفاع بصفته ) أقام الدعوى رقم 5783 لسنة 38ق أمام محكمة القضاء الإدارى (دائرة العقود الإدارية والتعويضات ) وذلك بإيداع صحيفتها قلم كتاب تلك المحكمة بتاريخ 2/4/1989 مختصما المطعون ضدهما وطلبا فى ختام صحيفة دعواه الحكم بإلزام المدعى عليهما متضامنين بان يدفعا له بصفته مبلغ 2200 جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد والمصروفات. وقال فى بيان دعواه أن المدعى عليه الأول ( المطعون ضده الأول ) تقدم بتاريخ 17/8/1982 بطلب التحاق بإحدى الكليات العسكرية، وتمت الموافقة على طلبه وعلى قضاء مدة الدراسة المقررة بالكلية الحربية، وأن يخضع خلال مدة الدراسة للقوانين واللوائح المقررة وأن يعمل فى المستقبل كضابط بالقوات المسلحة، ومكث بالكلية الحربية الفترة من 23/10/1982 حتى 12/10/1983 ثم تقدم باستقالته. وبتاريخ 12/10/1983 قرر مجلس الكلية قبول استقالته اعتبارا من ذات التاريخ مع إلزامه بما أنفق عليه خلال فترة التحاقه بالكلية الحربية ويبلغ 2200 جنيها، وأضاف الطاعن أن المدعى عليه الأول وقع إقرارا مع ولى أمره بسداد ما انفق عليه خلال فترة وجوده بالكلية، كما وقع المدعى عليه الثانى (المطعون ضده الثانى) إقرارا آخر بتحمل النفقات التى تنفق على المدعى عليه الأول وبالتالى يكون كل من المطعون ضدهما متضامنين فى سداد هذه النفقات تطبيقا لنصوص قانون النظام الأساسى للكليات العسكرية رقم 92 لسنة 1975 - واللائحة الداخلية للكلية والتعهد المشار إليه، وقد تأخرا فى الوفاء بقيمة هذه النفقات بالرغم من المطالبة الودية وبالتالى يستحق عليهما فوائد تأخير بواقع 4% سنويا طبقا لنص المادة 226 من القانون المدنى وذلك اعتبارا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد ولاسيما أنه مبلغ معلوم المقدار، وقدمت هيئة قضايا الدولة لدى تحضير الدعوى حافظة مستندات طويت على (1) الطلب المقدم من المطعون ضده الأول للالتحاق بالكليات العسكرية (2) التعهد المقدم من المطعون ضده الثانى بصفته ولى أمر المطعون ضده الأول والذى تعهد فيه بسداد قيمة المبالغ والتكاليف التى تتحملها القوات المسلحة طوال مدة وجود الطالب بالكية فى حالة استقالته أو فصله بسبب خلاف عدم اللياقة الطبية أو تجاوزه مرات الرسوب المسموح بها، وموقع على هذا التعهد من الطالب (3) طلبا الاستقالة المقدمان من المطعون ضده الأول (ذلك لعدم قدرته على تحمل الحياة العسكرية ) (4) إقرار ولى أمره (المطعون ضده الثانى) برغبته فى تقديم استقالة نجله (5) إقرار مقدم من الطالب بأنه قدم الاستقالة بمحض إرادته ودون أى ضغط أو تهديد (6) بيان تفصيلى بمفردات التكاليف والنفقات التى قدرت بمبلغ 2200 جنيها.

    وبجلسة 29/1/1989 أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها المطعون فيه تأسيسا على أنه وفقا للتعهد الموقع عليه من المدعى عليهما فإنهما يلتزمان فى حالة استقالة المدعى عليه الأول من الكية الحربية برد ما أنفق عليه من نفقات طوال فترة التحاقه بالكلية استنادا على أنه إذا استحال التنفيذ العينى أو كان من غير الممكن أو المنتج فإنه يتولد فى ذمة المدعى عليهما التزام برد ما انفق على المدعى عليه الأول من نفقات أثناء فترة التحاقه بالكلية والتى قدرت بمبلغ 2200 جنيها ومن ثم يتعين بإلزام المدعى عليهما بأدائه إلى المدعى بصفته ولا سند لما يطالب به المدعى من إلزامهما بهذا المبلغ على سبيل التضامن اذ قد خلا التعهد المأخوذ عليهما من النص على التضامن، كما أن هذه الواقعة لا يسرى عليها القانون رقم 5 لسنة 1985 الذى استحدث النص على التضامن والمعمول به فى تاريخ لاحق لتاريخ الاستقالة وبالنسبة لطلب الحكم بالفوائد القانونية عن المبلغ المطالب به، فقد قررت المحكمة أنه لما كان الثابت أن المبلغ المطالب به لا يعدو فى حقيقته أن يكون تعويضا عن إخلال المدعى عليه الأول بالتزامه الأصلى وكانت الفوائد القانونية لا يعدو أن تكون بدورها من قبيل التعويض وكان من غير الجائز الحكم بتعويضين عن ذات الواقعة. ومن ثم تعين الحكم برفض طلب الفوائد القانونية عن المبلغ المطالب به .

    ومن حيث أن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله وبيان ذلك بالنسبة إلى مسألة الفوائد - وهى مثار النزاع أمام هذه الدائرة دون غيرها - أن المبلغ المطالب به فى صحيفة الدعوى المطعون على حكمها معلوم المقدار وقت المطالبة وتحدد مقداره على أسس ثابتة ليس للقضاء فيه سلطة تقديرية فهو بمثابة النفقات الفعلية التى صرفت أثناء دراسة المطعون ضده الأول بالكلية وقد تأخر المطعون ضدهما فى الوفاء به رغم مطالبتهما قضائيا ولذلك تستحق للطاعن بصفته الفوائد القانونية لتوافر شروط استحقاقها طبقا لحكم المادة 226 من القانون المدنى من وجود مبلغ من النقود هو محل الالتزام، معلوم المقدار وقت الطلب، وتأخر المدين فى الوفاء به. واذ اعتبر الحكم المطعون فيه أن المبلغ المقضى به تعويضا رغم أنه نفقات فعلية وليس تعويضا لاختلاف الأساس القانونى لكل منهما مما يكون معه قد أخطأ فى تطبيق القانون حريا بالإلغاء فى هذا الشق.

    ومن حيث أن مثار الخلاف المعروض هو مدى أحقية وزارة الدفاع فى الحصول على فوائد قانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد على المبالغ التى يتم إنفاقها على الطلبة الذين تنقضى علاقتهم بالكليات العسكرية بالاستقالة أو بالفصل لغير سبب عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ مرات الرسوب حتى صدر الحكم بإلزامهم برد هذه المبالغ.

    ومن حيث أنه سبق للمحكمة الإدارية العليا أن قضت بجلستها المعقودة فى 12/3/1988 فى الطعن رقم 1384 لسنة 28 ق بإلزام المطعون ضدهم (طالب مفصول من الكلية الحربية وولى أمره وضامنه ) بالنفقات التى تكبدتها الكلية الحربية أثناء فترة التحاق الطالب بها والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد وذلك إعمالا لحكم المادة 226 من القانون المدنى، كما قضت جلسة 31/7/1990 فى الطعن رقم 2367 لسنة 34 ق بالفوائد القانونية بواقع 4% سنويا على النفقات الدراسية المستحقة على الطالب المفصول لعدم الصلاحية من المدرسة الأساسية للقوات المسلحة من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد، وقد ذهبت فيه المحكمة الإدارية العليا إلى أن الفوائد المطلوبة فى مثل هذه الحالة إنما هى فوائد تأخيرية عن مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب، فإذا تأخر المدين فى الوفاء بالمبلغ المذكور فإن الدائن يستحق الفوائد القانونية وفقا لنص المادة 226 من القانون المدنى وذلك من تاريخ المطالبة القضائية بها والضرر مفترض فى هذه الحالة بحكم القانون فقد نصت المادة 228 من القانون المدنى على أنه " لا يشار لاستحقاق فوائد التأخير قانونية كانت أو اتفاقية أن يثبت الدائن ضررا لحقه من هذا التأخير، وغنى عن القول أن المادتين 226 و 228 سالفتى الإشارة وان وردتا فى القانون المدنى إلا أن أحكامهما تسرى فى نطاق الروابط العقدية الإدارية".

    وإذا كانت المحكمة الإدارية العليا قد نحت فى هذين الحكمين وغيرهما من الأحكام إلى إعمال نص المادة 226 من القانون المدنى باستحقاق الفوائد القانونية التى تطالب بها وزارة الدفاع ممن لم يستمر بالدراسة بالكليات أو المدارس العسكرية من الملتحقين بهذه الكليات أو المدارس بسبب الاستقالة أو الفصل بسبب غير عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ مرات الرسوب، إلا أنها اتجهت اتجاها مخالفا فى حكمها الصادر بجلسة 30/4/1991 فى الطعن رقم 2229 لسنة 34 ق المقام من وزير الدفاع بصفته طعنا على حكم محكمة القضاء الإدارى (دائرة العقود الإدارية والتعويضات ) الصادر بجلسة 10/4/1988 فى الدعوى رقم 5546 لسنة 39 ق، فرفضت القضاء بالفوائد القانونية على المبالغ التى أنفقتها وزارة الدفاع على الطالب أثناء تواجده بالكلية الحربية قبل استقالته منها، واستندت فى ذلك إلى أن الفوائد وهى بطبيعتها تعويض آخر من واقعة واحدة، ومن ثم فلا يجوز الجمع بين تعويضين عن واقعة واحدة .

    ومما سبق يبين أن ثمة اتجاهين فى قضاء المحكمة الإدارية العليا بالنسبة لاستحقاق الفوائد القانونية على المبالغ التى تستحق على الملحقين بالكليات العسكرية بسبب استقالتهم أو فصلهم منها لغير سبب عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ مرات الرسوب، فالاتجاه الأول يقضى بهذه الفوائد إعمالا لنص المادتين 226 و 228 من القانون المدنى، أما الاتجاه الثانى والأخير فإنه يرفض القضاء بالفوائد المشار إليها.

    ومن حيث أن علاقة الطلبة الملتحقين بالكليات العسكرية ومنها الكلية الحربية إنما تحكمها أحكام النظام الأساس للكليات العسكرية الصادر بالقانون رقم 92 لسنة 1975 واللائحة الداخلية للكلية الحربية الصادرة بقرار نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية رقم 14 لسنة 1976 المنشور بأوامر القيادة العامة للقوات المسلحة بتاريخ 14/2/1976 إضافة إلى شروط التعهد الكتابى الذى يوقعه كل من الطالب وولى أمره عند الالتحاق بالكية والذى نصت عليه المادة 24 من اللائحة الداخلية للكلية الحربية سالفة الذكر من أنه " يشترط فيمن يتقدم للالتحاق بالكلية الحربية توافر الشروط الآتية : …… "ومن هذه الشروط أن يقدم الطالب تعهدا كتابيا موقعا منه ومن ولى أمره بأن يرد للكلية التكاليف التى تكلفتها أثناء الدراسة وذلك فى حالة استقالته أو فصله بسبب غير عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ مرات الرسوب ومن جماع هذه الأحكام تبين أن هذه العلاقة علاقة مركبة تخضع فى الجانب الأكبر منها إلى أحكام تنظيمية عامة وتصطبغ فى شق منها بصبغة عقدية تتمثل فى اتجاه إرادة الطالب وولى أمره إلى الانضواء تحت مظلة الأحكام التنظيمية العامة المذكورة وتوقيع التعهد المشار إليه من جانبهما هو الذى يضفى على هذه العلاقة الطابع العقدى .

    وقد استقر القضاء الإدارى على الباس هذا العقد واشباهه ثوب العقد الإدارى وبذلك فإن التزام الطالب وولى الأمر الذى تنتهى علاقته بالكلية العسكرية بسبب الاستقالة أو الفصل بغير سبب عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ عدد مرات الرسوب إنما يجد مصدره فى هذا العقد الإدارى المكمل بأحكام النظام الأساسى للكليات العسكرية واللوائح الداخلية لهذه الكلية.

    ومن حيث أنه وبناء على ما تقدم يلتزم الطالب مع ولى أمره والذى تنقضى علاقته بالكلية العسكرية قبل التخرج منها بسبب الاستقالة أو الفصل - عدا الفصل لأسباب صحية أو لاستنفاذ مرات الرسوب - برد المبالغ التى أنفقت عليه أثناء فترة تواجده بالكلية، وهذه المبالغ تكون بتمام الواقعة معلومة المقدار حالة الأداء، وهو ما يستدعى إعمال حكم المادة 226 من القانون المدنى فى حالة التأخير فى أداء هذه المبالغ فقد نصت المادة المذكورة على أنه " إذ كان محل الالتزام مبلغا من النقود وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين فى الوفاء به كان ملزما بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد قدرها أربعة فى المائة فى المسائل المدنية وخمسة فى المائة فى المسائل التجارية. وتسرى هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها إن لم يحدد الاتفاق أو العرف التجارى تاريخا آخر لسريانها، وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره " وإذا كانت هذه المادة تحكم فى الأصل روابط العقود المدنية، فقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على تطبيق حكمها فى نطاق العقود الإدارية باعتبارها من الأصول العامة فى الالتزامات ولا تتعارض مع طبيعة هذه الروابط الإدارية.

    ومن حيث أنه بالنسبة إلى ما قد يثار من شبهة أن الفوائد القانونية المنصوص عليها فى المادة 226 من القانون المدنى تمثل ربا تحرمه مبادئ الشريعة الإسلامية التى تعتبر المصدر الرئيسى للتشريع وفقا لحكم المادة الثانية من الدستور الحالى الصادر عام 1971 فقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا فى حكمها الصادر بجلسة 13/6/1982 فى الطعن رقم 1610 لسنة 26 ق على أن الامتناع عن تطبيق نص قانونى قائم بحجة أنه يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء التى هى المصدر الرئيسى للتشريع وفقا للدستور يشكل فى واقعه تعرضا لمدى دستورية النص أيا كانت الصورة التى يتم بها التعرض بطريق مباشر أو غير مباشر وأنه مادام النص التشريعى قائما ولم يعدل أو يلغى بالطريق الذى رسمه المشرع وحدد خطاه وجب على المحكمة إعمال حكمه ومقتضاه دون إهمال أو إغفال وأيا كان السبب الذى تحتمى به أو تتخذه تكئه لقضائها وإلا غدا حكمها مجافيا القانون فى صحيحه مشوبا بالقصور. وفضلا عما تقدم فقد سبق أن قضت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 4/5/1985 فى الطعن رقم 20 لسنة 1 ق بدستورية المادة 226 من القانون المدنى آنفة الذكر، ومن ثم فإنه لامناص أمام القضاء من إعمال حكم تلك المادة متى توافرت شروط إعمالها فى النزاع المطروح أمامه، وهى أن يكون محل الالتزام مبلغا من النقود، معلوم المقدار وقت الطلب، وتأخر المدين فى الوفاء به فى الموعد المحدد .

    ومن حيث أنه عن المستقر عليه فقهاً وقضاءً أن الفوائد التأخيرية إنما تستحق كتعويض عن التأخير فى الوفاء بالتزام محله مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب، أى أن أساس التعويض فى هذه الحالة هو التأخير فى الوفاء بالمبلغ النقدى، والضرر الذى هو أحد عناصر التعويض مفترض بنص المادة 228 من القانون المدنى التى تقضى أنه " لا يشترط لاستحقاق فوائد التأخير قانونية كانت أو اتفاقية أن يثبت الدائن ضررا لحقه من هذا التأخير". أما الالتزام برد النفقات التى أنفقت على الطالب فى إحدى الكليات العسكرية أثناء تواجده بها فإن أساس هذا الالتزام هو الإخلال بالالتزام الأصيل وهر الاستمرار فى الدراسة بالكلية حتى تمام التخرج والالتحاق كضابط بالقوات المسلحة، وبناء على ذلك فلا وجه للقول بأن رد هذه النفقات واستحقاق الفوائد القانونية عليها هما تعويضان عن واقعة واحدة.

    فلهذه الأسباب

    حكمت المحكمة باستحقاق الفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد على المبالغ التى يتم إنفاقها على الطلبة الذين تنقضى علاقتهم بالكليات العسكرية بالاستقالة أو بالفصل بغير سبب عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ مرات الرسوب متى حكم بإلزامهم برد هذه المبالغ، وقررت إعادة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل فيه .

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 08, 2024 2:29 pm