روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    الحكم الصادر من محكمة النقض فى قضية أتهام الصحفى الكبير مصطفى أمين بجناية التخابر

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الحكم الصادر من محكمة النقض فى قضية أتهام الصحفى الكبير مصطفى أمين بجناية التخابر Empty الحكم الصادر من محكمة النقض فى قضية أتهام الصحفى الكبير مصطفى أمين بجناية التخابر

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس سبتمبر 02, 2010 2:13 am

    الحكم الصادر من محكمة النقض فى قضية تعذيب الصحفى الكبير مصطفى أمين بأمر رئيس المخابرات العامة صلاح نصر, وذلك لحمله على الإعتراف بجناية التخابر مع دولة أجنبية هى الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا الحكم منقول ـ كما هو ـ من كتاب دائرة المعارف الجنائية للدكتور / عصام أحمد محمد " رئيس محكمة " الجزء الأول ـ الطبعة الأولى 1990 ـ القاهرة ـ ص 568 حتى 577 ـ رقم 832 ـ وقد تم عرضه لما ينطوى عليه من مبادىء قانونية قيمة ولما يمثله من تسجيل لفترة مظلمة من تاريخ مصر ، والتى لم يسلم فيها من التعذيب والإهانة وتلفيق التهم حتى المفكرين ورجال العلم والصحافة , لاسيما وقد سجل الحكم مدى بشاعة التعذيب فى ذلك الوقت ومدى دهاء الآمر بالتعذيب وعدم تورعه أو خشيته من الله سبحانه وتعالى ومدى إهداره لأحام الدستور والقانون تلك الأحكام التى تمسك بها أثناء محاكمته وطعنه , فأين كان القانون فى نظره عندما كان يأمر بتعذيب الأبرياء بطرق وحشية لا قبل لهم بتحملها .
    المحكمة
    حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الأمر بتعذيب متهم لحمله على الإعتراف , قد خالف القانون وشابه الخطأ فى فهم الواقعة والقصور فى التسبيب والفساد فى الإستدلال والبطلان فى الإجراءات , ذلك بأن الطاعن كان رئيساً لجهاز المخابرات العامة وقت وقوع الحادث المدعى به مما يجعل أمر محاكمته موكولاً إلى القضاء العسكرى وحده بعد إستصدار أمر من رئيس الحمهورية وأن يمثل جهاز المخابرات فى تشكيل هيئة المحكمة حسبما تمليه نصوص المواد 70 / 1 , ج , 71 , 73 من القانون رقم 100 لسنة 1971 بشأن المخابرات العامة , والتى تقضى ضمناً بإلغاء نص المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 التى إستند إليها الحكم فى رفض الدفع بعدم إختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى , كما لم تستظهر المحكمة إحالة الدعوى إليها من قضاء الإحالة , ولا الدفوع التى أبديت فى هذه المرحلة , إعتقاداً منها أنها من قضايا أمن الدولة , إذ ورد بصدر أسباب حكمها أنها أحيلت إليها من النيابة العامة , وقد خالف الحكم المطعون فيه الثابت بالأوراق فيما إنتهى إليه من أن التسجيلات الصوتية المقدمة فى الدعوى 10 لسنة 1965 أمن دولة عليا والتى قضى فيها نهائياً بإدانة المطعون ضده فى جريمتى التخابر والتهريب , قد تراخى تفريغها حتى يوم 9 / 8 / 1965 بقصد تحصينها ـ مما شابها من بطلان لتسجيلها خلسة وبغير إذن ـ بالإقرار المقدم من المطعون ضده فى تلك الدعوى فى 4 / 8 / 1965 , وهو ما يناقض فى ذات الوقت حجية الدليل المستمد من تلك التسجيلات والذى كان من بين دعامات قضاء الإدانة فى الدعوى المشار إليها , وقد إستدل الحكم فى ثبوت إصابة المجنى عليه مما أثبته المحقق العسكرى بمحضره المؤرخ 16 / 3 / 1968 ملتفتاً بذلك عن مضمون الكشف الطبى الموقع عليه عند دخوله السجن فى 1 / 12 / 1965 , فضلاً عن ان الدليل على التعذيب قد إقتصر على رواية المجنى عليه المتضاربة وآخر سماعية وروايات لغيرهم جرى بعضها بما وقع عليهم من تعذيب , والبعض الآخر بأن المجنى عليه كان بريئاً وقد توسطوا للإفراج عنه , وقد أفاض الحكم دون حاجة الدعوى فى الحديث عن عدم مشروعية الحبس بمبنى جهاز المخابرات ومسلك هذا الجهاز حينذاك فى البطش والتعذيب , وما حاق ببعض الشهود المشار إليهم مما كان له أثره فى إبتناء الحكم على المعلومات دون البيانات , كما خلص إلى أن تعذيب المجنى عليه كان لحمله على الإعتراف رغم أن الإقرار المقدم منه لم يكن سوى إلتماساً لرئيس الجمهورية السابق وقد أشار فيه إلى أنه هو الذى كلفه بالإتصال بالأمريكيين ولم يجحد المجنى عليه الإتصال بهم ولا التخابر معهم , مما مؤداه ان تعذيبه ـ على فرض حدوثه ـ لم يكن بقصد حمله على الإعتراف ولا يعدو لذلك أن يكون جنحة إستعمال قسوة إنقضت بالتقادم , هذا إلى أن الطاعن لم يكن آخر من تحدث فى المرافعة , كل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه .
    وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى فى قوله " أن المتهم الثانى ............ بصفته رئيساً لهيئة الأمن القومى بجهاز المخابرات العامة , أبلغ بتاريخ 20 / 5 / 1965 نيابة أمن الدولة العليا بأن المجنى عليه الصحفى ........ وهو رئيس تحرير جريدة الأخبار يقوم بالتخابر والعمل لحساب المخابرات الأمريكية وضد أمن وسلامة الدولة وبأنه سيجتمع مع مندوب المخابرات الأمريكية فى الساعة الثانية من مساء يوم الأربعاء 21 يولية 1965 بسكنه بالقاهرة ..... أو فى منزله بالإسكندرية ........ وطلب الأمر بضبط هذا الإجتماع وتفتيش مسكنيه ومكتبه بالجريدة , وبتاريخ 21 / 7 / 1965 قام المتهم الثالث ........... بصفته وكيل هيئة الأمن القومى على رأس قوة من أفراد المخابرات العامة إلى الإسكندرية ومعهم وكيل نيابة أمن الدولة حيث تم القبض على المجنى عليه أثناء جلوسه فى حديقة داره مع .......... الملحق بالسفارة الأمريكية ونقل من الإسكندرية فى الساعة الرابعة مساء مكبل اليدين ومعصب العينين إلى القاهرة حيث وصلوا دار المخابرات العامة قبيل غروب الشمس وإحتجزوه فيها دون ثمة سؤال , حتى إذا ما كانت الساعة التاسعة والنصف من مساء اليوم التالى 22 / 7 / 1965 مثل المجنى عليه أمام رئيس نيابة أمن الدولة العليا وإستمر التحقيق معه وبحضور النائب العام السابق حتى صباح يوم 23 / 7 / 1965 حيث أمر بحبسه إحتياطياً وبدلاً من أن يرحل المجنى عليه إلى أحد السجون العمومية أو المركزية تنفيذاً لأمر الحبس الصادر ضده أودع سجن المخابرات دون أمر كتابى صريح من النيابة العامة , .......... ونظراً لأن المجنى عليه لم يعترف عند ضبطه أو إستجوابه بالتهمة المسندة إليه , ولما كانت التسجيلات الصوتية التى حصلت عليها هيئة الأمن القومى بالمخابرات العامة والتى سجلت بعض إجتماعات المجنى عليه مع الضابط الأمريكى قد أخذت بطريق غير مشروع مما خشى معه تقديم هذه التسجيلات إلى المحقق يوم بدء التحقيق فى 22 / 7 / 1965 فقد طلب المتهم الأول ....... " الطاعن " من المجنى عليه عقب إستجوابه أول مرة أن يكتب إقراراً فى صورة إلتماس للرئيس السابق ....... يعترف فيه صراحة بالتهمة المنسوبة إليه وعلى ألا يذكر أن إتصاله كان بتكليف من المسئولين وإذ رفض المجنى عليه ذلك الطلب حتى أمر المتهم الأول رئيس المخابرات العامة بتعذيبه حتى يذعن لما طلب منه وتنفيذاً لذلك الأمر أقتاده معذبوه إلى زنزانة بالدور الأرضى بمبنى المخابرات بداخلها مقعد دائرى بين ألفاظ التهديد والوعيد ثم جردوه من ملابسه حتى أصبح كيوم ولدته أمه وسلطوا عليه الكشافات المضيئة القوية التى كادت تعمى عينيه ثم إنهالوا عليه ضرباً بالأيدى وركلاً بالأقدام ثم قيدوه إلى الحائط من يديه وقدميه وقاموا بنزع شعر جسده وعانته بأيديهم وفى قسوة وأخذوا يلدغونه بأظافرهم فى جسده ثم ربطوا قضيبه بسلك كهربائى وأطلقوا قيده وأخذوا يجذبونه منه وإنهالت عليه ألفاظ السباب البذيئة حتى سب أمه إضطر إلى الرضوخ لمطلبهم لعدم تحمله بما لاقاه من ألوان هذا التعذيب البدنى فصعدوا به إلى غرفة بالدور العلوى حيث إحسنوا وفادته وبدأ يكتب ما يرضون عنه أو يملوه عليه , حتى إذ لم يمتثل لأوامرهم أو يكتب ما لا يرضون عنه إنزلوه إلى زنزانته بالدور الأرضى ليعيدوا عليه الكرة ويقدموا له وجبة أخرى من التعذيب المماثل فضلاً عن حرمانه من الطعام والشراب حتى إضطر أثناء ذلك إلى شرب ماء الإستنجاء بل وشرب بوله وإستمر الحال على هذا المنوال بين تعذيب وراحة حتى إنتهى المجنى عليه من كتابة ما راق لهم من إقرار بالصورة التى قدم بها هذا الإقرار إلى المحقق فى 4 / 8 / 1965 , وكان المتهمان الأول والثانى يترددان على المجنى عليه أثناء تعذيبه ومعهما بعض المتهمين فى القضية رقم 9 لسنة 1965 أمن دولة عليا المعروفة بإسم قضية الحزب الشيوعى العربى وهم ............ , ............... , ............... , ............ , ........... وذلك إرهاباً لهم وزهواً بسلطتهم , وكان المجنى عليه إثناء إستجوابه فيما جاء بالإقرار المذكور واقعاً تحت تأثير ما ذاقه من ألوان التعذيب هذا وقد ترك التعذيب الجسدى بالمجنى عليه آثاراً ظل بعضها ظاهراً حتى أثبته المحقق العسكرى فى 16 / 3 / 1968 عند مناظرته المجنى عليه بمناسبة سؤاله فى الشكوى المقدمة منه بتاريخ 25 / 2 / 1968 بشأن تعذيبه وهى علامات سوداء أسفل الرقبة وأيضاً أسفل الساق ناحية القدم كما لاحظ وجود أثر جرح غائر فى منتصف الركبة اليمنى ووجود علامتين أسفل الذقن وعلامات غائرة حول رأس القضيب كما ثبت من الكشف الطبى الموقع على المجنى عليه فى 3 / 4 / 1968 بليمان طرة أثر إلتئام قديم لجرح صغير بقمة الرأس وأثر إلتئامين بمقدم الساق اليسرى , وبعد إنتهاء التحقيق رحل إلى سجن الإستئناف فى 1 / 12 / 1965 حيث حرر رسالة فى 6 / 12 / 1965 إلى الرئيس السابق جمال عبد الناصر يشكو فيها مما تعرض له من تعذيب بمبنى المخابرات العامة وهربها إلى الصحفى .......... صاحب دار الصياد بلبنان الذى عرضها على السيد ........... الذى نصح بعدم إبلاغها خوفاً على حياة المجنى عليه فيما لو علم بها المتهم الأول , وقدم المجنى عليه لمحاكمته أمام المحكمة العسكرية العليا حيث أفضى إلى هيئة الدفاع ومن بينهم الأستاذ ........... المحامى بما تعرض له من تعذيب , وقضت تلك المحكمة بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤبدة , ثم رحل إلى ليمان طرة حيث زارته لجنة الحريات المشكلة من بعض أعضاء مجلس الشعب لتقصى الحقائق وكان من بين أعضائها السيد .......... والسيدة .......... الذين إلتقى بهما المجنى عليه وإخبرهما بما وقع عليه من تعذيب , كما روى للدكتور ....... أحد زملائه بالليمان ما حدث له فى هذا الشأن , وقد حاول بعض أصدقاء المجنى عليه وهم السيد ........ رئيس وزراء السودان السابق والسيد ...... سفير العراق السابق بمصر التوسط لدى الرئيس السابق ........ للإفراج عنه غير أن مسعاهما قد باء بالفشل لعدم إستجابة الرئيس السابق لمطلبهم تأديباً للمجنى عليه جزاء ما نسبه إليه من أن منع الولايات المتحدة الأمريكية توريد القمح إلى مصر سيرغمه على الركوع لها فضلاً عن الكيد للولايات المتحدة الأمريكية هذا بالإضافة إلى ما قرره المتهم الأول للدكتور ........ بأن المجنى عليه قد ظُلم فى قضيته "
    وقد قضت المحكمة بحكمها المطعون فيه بمعاقبة المتهم الأول " الطاعن " بالأشغال الشاقة عشر سنوات وبإلزامه بمبلغ 51 جنيهاً تعويضاً مؤقتاً , وببراءة المتهمين الثانى والثالث , وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على الصورة سالفة البيان ما ينتجها من وجوه الأدلة السائغة الواردة فى المساق المتقدم , بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الأمر بتعذيب متهم لحمله على الإعتراف التى دان بها الطاعن , وتؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها .
    لما كان ذلك , وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن نص المادة ( 48 ) من قانون الأحكام العسكرية الرقيم 25 لسنة 1966 تنص على أن السلطات القضائية العسكرية هى وحدها التى تقرر ما إذا كان الجرم داخلاً فى إختصاصها أم لا وكانت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور قد نصت على أن هذا الحق قد قرره القانون للسلطات القضائية العسكرية وذلك على مستوى كافة مراحل الدعوى إبتداء من تحقيقها حتى الفصل فيها , وكانت النيابة العسكرية عنصراً أصيلاً من عناصر القضاء العسكرى وتمارس السلطات الممنوحة للنيابة العامة بالنسبة للدعاوى الداخلة فى إختصاص القضاء العسكرى طبقاً للمواد 1 , 28 , 30 من القانون السالف ذكره , فإنها هى التى تختص بالفصل فيما إذا كانت الجريمة تدخل فى إختصاصها وبالتالى فى إختصاص القضاء العسكرى , وقرارها فى هذا الصدد هو القول الفصل الذى لا يقبل تعقيباً , فإذا رات عدم إختصاصها بجريمة ما تعين على القضاء العادى أن يفصل فيها دون أن يعيدها مرة أخرى إلى السلطات العسكرية التى قالت كلمتها فى هذا الخصوص وإذا كان الثابت مما سطره الحكم المطعون فيه وبما لا يمارى فيه الطاعن أن تحقيقات الدعوى الماثلة قد أحيلت إلى النيابة العسكرية فأجابت بكتابها المؤرخ فى 1 من ديسمبر سنة 1974 بعدم إختصاص القضاء العسكرى بنظرها , وهو ما ينعقد معه الإختصاص بالفصل فيها للقضاء العادى , وكان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر وأشار إلى أنه ليس فى أحكام القانون 100 لسنة 1971 فى شأن المخابرات العامة ما يخرج الدعوى المتصلة به من يد النيابة العسكرية التى تباشر بالنسبة لها كافة سلطاتها المخولة لها بموجب قانون الأحكام العسكرية الرقيم 25 لسنة 1966 , ومنها حقها فى تقرير ما إذا كان الجريمة تدخل فى إختصاصها أم لا طبقاً لنص المادة ( 48 ) منه , ومن ثم يكون الحكم قد اصاب صحيح القانون فيما إنتهى إليه من رفض الدفع بعدم إختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى ويكون النعى عليه بذلك فى غير محله , ولا تجوز المحاجة من بعد بإلتزام ما نص عليه القانون 100 لسنة 1971 المشار إليه فى شأن الإذن برفع الدعوى أو تمثيل جهاز المخابرات فى تشكيل هيئة المحكمة طالما أن الدعوى قد أقصيت عن مجال تطبيق أحكامه . لما كان ذلك , وكان ما أبداه الدفاع فى مرافعته وأكده بما ساقه بأسباب طعنه بشأن الطلبات والدفوع التى أبداها أمام مستشار الإحالة ثم صدور نسخة الحكم الأصلية معنونة بإسم محكمة جنايات القاهرة , وهو مما يقطع يقيناً بإحالة الدعوى إليها من مستشار الإحالة , ولما كانت العبرة فى الكشف عن ماهية الحكم هى بحقيقة الواقع , وكان الحكم المطعون فيه قد صدر فى الواقع من محكمة جنايات القاهرة مشكلة وفق قانون الإجراءات الجنائية وليست بإعتبارها محكمة أمن دولة عليا , وهو ما لا يجادل فيه الطاعن , فإن ما يثيره حول ما ورد بديباجة الحكم من أن الدعوى أحيلت إلى المحكمة من النيابة العامة , مردود بأنه مجرد خطأ فى الكتابة وزلة قلم لا تُخفى ولم يكن نتيجة خطأ من المحكمة فى فهمها واقع الدعوى , هذا إلى ان الطعن بالنقض يقصد منه العصمة من مخالفة القانون أو الخطأ فى تطبيقه , لتمكين القانون وإجراء أحكامه لا أن يكون ذريعة إلى تجاوز حدوده , لما كان ذلك , وكان الطاعن لم يبين ماهية الدفوع التى ابداها أمام مستشار الإحالة وأغفلت المحكمة الرد عليها , فإنه لا يقبل منه النعى على الحكم بذلك , لما هو مقرر من أنه يشترط لقبول الطعن أن يكون واضحاً محدداً , لما كان ذلك , وكان ما سطره الحكم من أن التسجيلات الصوتية لبعض الأحاديث التى دارت بين المجنى عليه وضابط المخابرات الأمريكى قد ظلت تحت يد هيئة الأمن القومى منذ 7 / 7 / 1965 حتى 9 / 8 / 1965 وإلى ما بعد تقديم المجنى عليه الإقرار المؤرخ 4 / 8 / 1965 , له معينه من الأوراق فإن النعى لذلك بدعوى الخطأ فى الإسناد تكون ولا محل لها , ولاينال من الحكم المطعون فيه أن يكون قد إستخلص من تراخى تفريغها إلى ما بعد تقديم الإقرار المشار إليه أن ذلك كان بقصد تحصينها مما شابها من البطلان لتسجيلها خلسة وبغير الطريق الذى رسمه القانون , مناقضاً بذلك الإعتداد بتلك التسجيلات ضمن دعائم القضاء بالإدانة فى دعوى التخابر رقم 10 لسنة 1965 أمن دولة عليا , ذلك بأنه من المقرر أن تقدير الدليل فى دعوى لا ينسحب أثره إلى دعوى آخرى لأن قوة الأمر المقضى للحكم فى منطوقه دون الأدلة المقدمة فى الدعوى و لإنتفاء الحجية بين حكمين فى دعويين مختلفتين موضوعاً وسبباً , لما كان ذلك , وكان الحكم قد إستدل على أن تعذيب المجنى عليه قد ترك آثاراً بجسده مما أثبته المحقق العسكرى بمحضره المؤرخ 16 / 3 / 1968 حين حدد شطراً من تلك الآثار , كما أورد الكشف الطبى الموقع عليه فى 3 / 4 / 1968 شطراً آخر منها , وإن لم يجزم بسببها , ومن ثم فلا تثريب عليه إذا هو إلتفت عن التقرير الطبى الموقع على المجنى عليه عند دخوله السجن فى 1 / 12 / 1965 , والذى صمت عن الإشارة إلى تلك الآثار , لما هو مقرر من ان لمحكمة الموضوع أن تفاضل بين تقارير الخبراء وتأخذ بما تراه منها وتطرح ما عداه إذ أن ذلك أمر يتعلق بسلطتها فى تقدير الدليل ولا معقب عليه فى ذلك , وأن لها أن تجزم بما لم يجزم به الخبير فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها , لما كان ذلك , وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التى يؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقديره التقدير الذى تطمئن إليه , وهى متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الإعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها , كما لايعيب الحكم تناقض أقوال الشاهد ـ على فرض حصوله ـ طالما أنه إستخلص الإدانة من أقواله بما لاتناقض فيه , وكان لامانع فى القانون من أن تأخذ المحكمة بالأقوال التى ينقلها شخص عن آخر متى إطمأنت إليها ورأت أنها صدرت حقيقة عمن رواها وكانت تمثل الواقع فى الدعوى ـ وهو الحال فى الدعوى المطروحة ـ فإن ما يثيره الطاعن من منازعة فى سلامة إستناد الحكم إلى أقوال المجنى عليه والشهود ينحل فى حقيقته إلى جدل فى تقدير الدليل وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك , وكان النعى بأن الحكم قد إستدل على التعذيب كذلك برواية فريق إنصبت على تعذيبهم هم , وبأقوال من توسطوا للإفراج عن المطعون ضده , وأنه أفاض دون حاجة الدعوى فى الحديث عن الحبس بجهاز المخابرات ومسلكه حينذاك فى البطش والتعذيب وما حاق بغير المجنى عليه , مردود , بما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع الحق فى أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه إقتناعها , وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى مادام إستخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق , ولا يشترط أن تكون الأدلة التى إعتمد عليها الحكم بحيث ينبىء كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ولا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى إكتمال إقتناع المحكمة وإطمئنانها إلى ما إنتهت إليه , وإذا كان ما ساقه الحكم المطعون عليه وعول عليه من أقوال سائر الشهود ـ على ما سلف بيانه ـ ليس إلا إستنتاجاً من المقدمات التى إستظهرتها المحكمة , وهو ما يدخل فى سلطة القاضى الذى له أن يستخلص من وقائع الدعوى , وظروفها , ما يؤيد به إعتقاده فى شأن حقيقة الواقعة مادام ما إستخلصه سائغاً متفقاً مع الأدلة المطروحة , وليس فيه إنشاء لواقعة جديدة , أو دليل مبتدأ ليس له أصل فى الأوراق مما يصح ان يوصف بأنه قضاء بعلم القاضى , ويكون النعى لذلك غير سديد , لما كان ذلك , وكان حديث الحكم عن الحبس والتعذيب بمبنى جهاز المخابرات آنذاك ليس إلا عن الدلالات والظروف التى لابست الحادث أو تلته ومعالجة منه لما أثير فى هذا الصدد وإنبعاثاً منه فى طلب الصورة الصحيحة لما حدث , كما أن تزيد الحكم فيما إستطرد إليه لايعيبه طالما أنه لا أثر له فى منطقه أو فى النتيجة التى إنتهى إليها , لما كان ذلك , وكان الحكم قد أشار إلى أن ما قرره المجنى عليه عند ضبطه فى الدعوى 10 لسنة 1965 أمن دولة عليا بتاريخ 21 / 7 / 1965 , أو عند إستجوابه لايرقى إلى مرتبة الإعتراف بجريمة التخابر, ولا يخرج فى مجموعه عن إقراره بالتكليف الصادر له من المسئولين بالإتصال بالسفارة الأمريكية وتبليغهم بما يحصل عليه من معلومات , دون ثمة إشارة لما قدمه هو من معلومات إلى ضابط المخابرات الأمريكية حتى يمكن تقويمها من حيث مدى مساسها بمركز البلاد , وذلك على نقيض إقراره الكتابى الذى تضمن بإستفاضة كل ما دار بينه وبين الضابط الأمريكى مطابقاً فى ذلك فحوى التسجيلات الصوتية التى كانت فى حوزة جهاز المخابرات وتراخى تقديمها إلى ما بعد تقديم هذا الإقرار لتحصينها من البطلان , وهو ما يؤكده قالة المجنى عليه بأنه كان يدون ما يملى عليه , حتى أصبح هذا الإقرار لايتفق سواء من حيث مظهره وطريقة كتابته وما حواه بإطناب مع القول بأنه كان تسجيلاً لتوبة أو إلتماساً لصفح , وقد خلص الحكم مما أسلفه من الظروف والقرائن إلى قوله : " إن الإلتماس المذكور ما هو فى حقيقته إلا إقرار صريح لا لبس فيه من المجنى عليه ـ المتهم فى القضية 10 سنة 1965 جنايات أمن دولة عليا ـ على نفسه بإتصاله بأجنبى ومده بمعلومات إعتبرها الحكم الصادر فى القضية المذكورة ضارة بالمركز السياسى والدبلوماسى والإقتصادى والحربى للبلاد , مما يعتبر نصاً على إقتراف الجريمة وليس قاصراً على واقعة التكليف والعلم دون غيرهما , وقد وصفه الحكم المذكور أن المجنى عليه يعترف فيه صراحة بكل ما حدث بينه وبين .......... وهذا دليل قد جاء على لسانه بأنه كان يتخابر ... ولا يعتد فى هذا المقام بما قرره المجنى عليه من أن السبب فى تعذيبه كان بقصد ألا يذكر علم المسئولين بإتصالاته طالما أنه قد ثبت للمحكمة أن فكرة تحرير الإقرار لم تنبع أصلاً من المجنى عليه وإنما كانت بناء على طلب المتهم الأول " الطاعن " على أن يكون فى صورة إلتماس إلى الرئيس السابق وأن المجنى عليه لم يحرره طواعية وإختياراً بمطلق إرادته وإنما كان تحريره له رضوخاً منه ودفعاً لما وقع عليه من تعذيب لم يطقه تم بأمر المتهم الأول الذى يعلم بالإتهام المسند إلى المجنى عليه " , لما كان ذلك , وكان توافر القصد الجنائى مما يدخل فى السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع والتى تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان إستخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى , وكان من المقرر أن للمحكمة أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤدياً عقلاً إلى النتيجة التى إنتهت إليها , وأنه لايشترط فى الدليل ان يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفى أن يكون ثبوتها منه عن طريق الإستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات , فإن الحكم المطعون فيه يكون ـ للأسباب السائغة التى أوردها ـ إستخلاصاً من ظروف الدعوى وما توحى به ملابساتها قد أصاب صحيح القانون إذ دان الطاعن بجناية الأمر بتعذيب متهم لحمله على الإعتراف , وهو ما لامحل معه بعد للتحدى بأن ما إقترفه هو جنحة إستعمال القسوة التى سقطت بالتقادم . لما كان ذلك , وكان من المقرر أنه على المتهم إذا كانت المحكمة قد فاتها أن تعطيه الكلمة الأخيرة أمامها أن يطالبها بذلك فإذا هو لم يفعل فإنه يعد متنازلاً عن حقه فى أن يكون آخر من يتكلم بإعتبار أنه لم يكن عنده أو لم يتبق لديه ما يقوله فى ختام المرافعة وكان الطاعن لايدعى فى أسباب طعنه أنه طلب إلى المحكمة التعقيب على أقوال المدعى بالحق المدنى أو أن تكون له الكلمة الأخيرة ولا يدعى أن أحد منعه من ذلك فلا يحق له النعى على الحكم شيئاً فى هذا الصدد إذ أن سكوته عن ذلك دليل على أنه لم يجد فيما شهد به المدعى بالحق المدنى ـ بعد ان أبدى دفاعه من قبل ـ ما يستوجب رداً من جانبه مما لا يبطل المحاكمة , فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص يكون فى غير محله .
    ( الطعن رقم 112 لسنة 48 قضائية ـ جلسة 14 / 4 / 1978 ـ السنة 29 ـ مجموعة المكتب الفنى ـ صفحة 457 ) منقول

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 5:04 pm