روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    جريمة إفشاء الأسرار

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    جريمة إفشاء الأسرار Empty جريمة إفشاء الأسرار

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الأحد سبتمبر 26, 2010 12:40 am

    إفشاء الأسرار
    نص التجريم وعلته :
    تنص المادة 310 من قانون العقوبات على أنه كل من كان من الأطباء أو الجراحين أو الصيادلة أو القوابل أو غيرهم مودعا إليه بمقتضي صناعته أو وظيفته سر خصوصي أؤتمن عليه فأفشاه فى غير الأحوال التى يلزمه القانون فيها بتبليغ ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصرى ولا تسرى أحكام هذه المادة إلا فى الأحوال التى يرخص فيها قانون بإفشاء أموال معينة كالقرار فى المواد 202 ، 203 ، 204 ، 205 من قانون المرافعات فى المواد المدنية والتجارية
    ويتضح من نص المادة 310 عقوبات بأن المشرع يقرر عقوبة لمن يفشى أسرار عهد بها إلى فئات معينة من الأشخاص كالطباء والجراحين والصيادلة والمحامين وغيرهم ممن أودع لديه بمقتضي مهنته أو حرفته أو وضعه أو فئة سر ما فالحماية الجنائية لا تقتصر إلا على أسرار معينة وهى التى يضطر أصحابها إلى أن يأتمنوا عليها من ارباب المهن الوظائف الذين تقتضي أعمالهم الإطلاع على أسرار الناس بحكم الضرورة
    وهذه الاسرار هى موضوع نشاط أرباب هذه المهن فإذا لم يلتزموا بواجب الكتمان إنهارت الثقة بينهم وبين عملائهم وتعطلت بالتالي المصالح الاجتماعية الهامة التى يحرص المجتمع على رعايتها وحمايتها فليس الغرض إذن من هذه المادة معاقبة كل من يفضى سرا اؤتمن عليه لأن كتمان السر بحسب الأصل لا يزيد على كونه واجبا أخلاقيا تمليه قواعد الشرف والخلاق العامة فإذا أودعه صاحبه طواعية واختيار عند من لا يكتم السر فأفشاه فلا عقاب على هذا الأخير قانونا ولو أضر الإفشاء بصاحب السر
    إفشاء الأسرار فى الشريعة الإسلامية :
    أن أسرار الناس من شئونهم الخاصة التى ينبغي حمايتها وعدم انتهاكها ومن أؤتمن على سر فإنه يجب عليه أن يراعي هذه الأمانة فإنه إفشاء عد خائنا لمن آمنه عليه قال الله تعالى " والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " المؤمنون 8
    وقال سبحانه وتعالى " فإن آمن بعضكم بعضا فليؤد الذين أؤتمن أمانته وليتق الله ربه " سورة البقرى آية 283
    وقال جل من قائل " يا أيها الذين آمنوا لا تخونا الله والرسول وتخونوا آماناتكم وأنتم تعلمون " سورة الأنفعال آية 27
    وقال الرسول الكريم " من سمع من رجل حديثا لا يشتهي أن يذكر عنه فهو أمانة وأن لم يستكتمه " رواه أحمد وقال عليه السلام " المستشار مؤتمن " أى من استشار شخصا فى أمر فإنه يجب على من استشير أن يحفظ هذا الأمر ولا يجهر به للناس فهو أمين عليه
    وقال صلي الله عليه وسلم " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر "
    ونص الدستور الإسلامي للمهنة الطبية فى الباب الخامس منه والخاص بالمحافظة على سر المهنة على أن " حفظ أسرار الناس وستر عوراتهم واجب على كل مؤتمن وهو على الأطباء أوجب لأن الناس يكشفون لهم من خباياهم ويودعونهم أسرارهم طواعية مستندين على ركاز متين من قدسية حفظ السر اعتنقته المهنة من أقدم العصور
    وقال رسول المله " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان " رواه البخارى ومسلم
    وواجب الطبيب أن يصون أية معلومات وصلت إليه خلال مزاولة مهنته عن طريق السمع أو البصر أو الفؤاد أو الاستنتاج وأن يحيطها بسياج كامل من الكتمان
    وأن روح الإسلام توجب أن القوانين تأكيد حماية حق المريض فى أن يصون الطبيب سره الذى ائتمنه عليه إذا أنه ما لم يأمن المريض على ذلك فلن يفض للطبيب بدقائق قد تحدد سير العلاج فضلا عن أن طوائف من المرضي ستضطر لعدم اللجوء إلى الأطباء
    تعريف إفشاء الأسرار :
    لم يضع المشرع تعريف لإفضاء الأسرار ويمكن تعريفه بأنه تعمد الإفضاء بسر من شخص أؤتمن عليه بمقتضي مهنته أو عمله فى غير الأحوال التى يوجب فيها القانون الإفضاء أو من يجيزه
    وفى ضوء التعريف المتقدم يمكن تقسيم دراسة إفضاء الأسرار إلى ثلاث مباحث :
    المبحث الأول : أركان الجريمة
    المبحث الثاني : إباحة إفشاء الأسرار
    المبحث الثالث : إفضاء الرسائل أو البرقيات أو المكالمات
    المبحث الأول
    أركان الجريمة
    تمهيد :
    يمكن تحديد أركان جريمة إفشاء الأسرار فى ثلاثة : ركن مادي يتمثل فى إفشاء السر وصفه فى الجاني هى أن يكون مؤتمنا على السر بحكم مهنته أو حرفته أو وضعه أو فئة وركن معنوي يتمثل فى القصد الجنائي
    وسوف نخصص لكل ركن من هذه الأركان مطلبا مستقلا
    المطلب الأول
    الركن المادي : إفشاء السر
    تقسيم :
    يقوم هذا الركن على عنصرين السلوك الذى يرتكبه الجاني وهو الإفشاء أو الاستعمال ثم الموضوع الذى ينصب عليه هذا السلوك هو السر
    أولا : الإفشاء أو الاستعمال :
    يقصد بالإفشاء كشف السر وإطلاع الغير عليه أية وسيلة كانت فلم يشترط المشرع وقوع الإفشاء بوسيلة معينة وإنما قصد تجريم كل ما من شأنه توصيل السر إلى من ليست له صفة فى العلم به ومن ثم فيتحقق الإفشاء بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو النقل أو الرسم أو الخطابة أو النشر فى الصحف والمجلات أو الكتب أو الرسائل كما قد يتحقق بلا إبلاغ والتسليم
    ولا يشترط أن يكون إفضاء السر حاصلا لعدد من الأشخاص أو بإحدى طرق العلانية المنصوص عليه قانونا فى المادة 171 من قانون العقوبات وإنما يكفي لوقوعه أن يفضي الأمين بالسر إلى شخص واحد مهما كان وثيق الصلة به فالطبيب الذى يفشي سرا من أسرار مهنته إلى زوجته أو صديقه أو قريبه يعتبر فعله إفشاء ولو طلب منهم كتمانه لأن هؤلاء الأشخاص ليست لهم صفة فى حيازة السر أو العلم به بل أن الإفضاء يعد متحققا ولو أفضى هذا الطبيب سر مريضه إلى زميل فى نفس المهنة كطبيب أخر وذلك لأن المريض لم ياتمن هذا الأخير على سره فيعتبر من الغير بالنسبة له
    كما لا يشترط لوقوع الجريمة أن يكون الإفشاء واقعا على السر بأكمله أو مطابقا للحقيقة مطابقة تامة بل تقع الجريمة ولو وقع الإفشاء على جزء من السر الذى يوجب القانون كتمانه ويتحقق الإفشاء ولو كان منصبا على واقعة معروفة إذا كانت هذه الواقعة غير مؤكدة إذ أن هذا الإفشاء يضفي على الواقعة تاكيدا لم يكن لها من قبل
    ويقوم مقام فعل الإفشاء استعمال السر لمنفعة الجاني الخاصة أو لمنفعة شخص أخر م 379/1 من قانون العقوبات الإماراتي وهذا يعني أن الشخص لا يلجأ إلى إفشاء السر إنما يلجأ إلى استعماله فى سبيل الحصول على منفعة سواء أكانت مادية أو معنوية أى سواء أكانت تحقق له نفعا ماديا وربحا معينا أو تحقق له مركزا اجتماعيا أو وضعا وظيفيا أو مهنيا
    ثانيا : السر :
    يلزم أن ينصب الإفشاء على واقعة لها صفة السر ولم يضع قانون العقوبات تعريفا للسر مما يثير الجدل والنقاش
    فذهب رأي إلى أن إفشاء السر لا يكون جريمة إلا إذا كانت الواقعة المفشأة قد نتج عنها ضرر بسمعة المجني عليه أو كرامته وقد تبني هذا المعيار القانون الإيطالي فى مادته 622 عقوبات حيث نص على أنه لا عقاب على الإفشاء إلا إذا ترتب عليه ضرر كما أخذت به بعض أحكام المحاكم الفرنسية
    ويؤخذ على هذا الرأى أنه ليس من خصائص السر أن يترتب على الإفضاء بالواقعة المفشاة ضرر بالمجني عليه فالمشرع يعاقب على إفشاء السر ولو كان مشرفا لمن يريد كتمانه فالطبيب الذى يطلع الغير على نتيجة الفحص الخاص بمريضة يفشى السر ولو كانت نتيجة هذا الفحص سلبية
    وذهب رأى أخر إلى الأخذ بمعيار التفرقة بين الوقائع السرية والوقائع المعروفة بالإفشاء لا يكون جريمة إذا انصب على واقعة معروفة أو مشهورة ويذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن هناك من الوقائع المعلومة ما يكون عاما بطبيعته بحيث يتسنى للغير العلم بها منذ أول وهله فينحصر عن هذه الوقائع وصف السر ويغدو الإفضاء بها غير محظور فالطبيب الذى يحرر شهادة بأن شخص مصاب بعاهة كالعرج أو الصمم لا يفشى أو لا يقع تحت طائلة العقاب
    ويؤخذ على هذا الرأى أنه لا يحول دون اعتبار الواقعة سرا أن يكون قد سبق إفشائها فالطبيب أو المحامي الذى يفشى السر استنادا إلى سبق معرفة أو إشاعة الواقعة بين الناس كليا أو جزئيا يكون قد أعطي تأكيدا لإشاعات وروايات ترددت كما سيكون من الصعب تحديد الدرجة التى يجب أن تكون عليها معرفة أو شهرة الواقعة لإعفاء الجاني من العقوبة فإفشاء السر ممن هو ليسوا أمناء عليه لا يرفع عنه صفة السرية أما إذا كانت الوقعة معروفة على وجه اليقين لدى الكافة فإنها تدخل فى دائرة المعلومات المباح إفشاؤها فينحسر عنها بالتالي وصف السر
    وذهب جانب أخر من الفقه إلى الأخذ بمعيار إرادة المودع فى بقاء الأمر سرا فالأمر يعد سرا إذا أودعه صاحبه إلى الأمين على أنه سرا وأراد كتمانه
    غير أن هذا الرأى منتقد لأن صاحب السر قد يكون غير عالم به إذا كان الأمين على السر قد عرفه عن طريق الظن أو المباغته أو بطريق الحدس أو التنبؤ أو عن طريق الخبرة الفنية والاستنتاج فالطبيب الذى يكشف من الفحص على مريضه أنه مصاب بمرض معد مطالب بعدم إفشاء هذا السر ولو أن المريض نفسه لم يكون عالما به والمحامي الذى يتبين له من سياق الحديث مع موكله أن الفعل الذى ارتكبه يكون جريمة ملزم بكتمان السر ولو أن موكله يجهل ذلك فإذا افشى أى منهما بالسر الذى توصل إليه يكون قد ارتكب جريمة إفشاء الأسرار ويخضع تحت طائلة العقاب
    وذهب فريق أخر من الفقه وبحق إلى الأخذ بمعيار المصلحة فالواقعة تعد سرا إذا كانت هناك مصلحة مشروعة فى حصر نطاق العلم بالواقعة فى شخص أو أشخاص محدودين فالمريض قد تكون له مصلحة فى كتمان مرضه عن الغير فإذا أفضى طبيبه بهذا الأمر يكون قد ارتكب جريمة إفشاء الأسرار أما إذا لم تكن هناك مصلحة فى كتمان هذا الأمر انتفت عنه صفة السر وأصبح الإفضاء به غير محظور وإذا أفضى شخص لاخر بواقعة معينة سمع بها فى المؤسسة التى يعمل بها وسأله كتمانها ولكنه إذاعها فإن صفة السر لا تثبت لهذه الواقعة إذا ليس للمفضى مصلحة فى كتمانها أما إذا كانت هناك مصلحة فى حصر نطاق العلم بالواقعة ولكن القانون لا يعترف بها انحسرت عن الواقعة صفة السر فالموكل الذى يفضى إلى محاميه بعزمه على ارتكاب جناية أو جنحة فإذا أبلغ المحامي السلطات العامة بذلك فإنه لا يكون قد أفشي سرا
    المطلب الثاني
    صفة الأمين على السر
    تحديد الأمناء على السر
    ينبغي أن يكون مرتكب فعل الإفشاء صاحب مهنة تتيح له بحكم الضرورة الإطلاع على أسرار عملائه وتعتبر هذه الأسرار من أدوات عمله بحيث لا يستطيع أن يمارس مهنته ويحقق مصلحة عملية إلا إذا علم بهذه الأسرار فالمريض ينبغي أن يطمئن من أن طبيبه لن يستعمل أسراره إلا لمعالجته والموكل يجب أن يتأكد من أن محاميه لن يستعمل الأسرار التى أودعها لديه إلا بهدف الدفاع عن حقوقه
    ولم يقدم المشرع حصرا كاملا للآمناء على الأسرار وإنما أشار إلى بعض الطوائف على سبيل المثال حين نص فى المادة 310 عقوبات كل من كان من الأطباء أو الجراحين أو الصيادلة أو القوابل ثم أردف ذلك بقوله أو غيرهم مودعا إليه بمقتضي صناعته أو وظيفته سر خصوصي أؤتمن عليه .. الخ ويستخلص من العبارة الأخيرة أنه من المتصور أن يرتكب جريمة الإفشاء كل شخص تتوافر لديه صفة الأمين الضرورى أى الشخص الذى يمارس مهنة أو حرفة أو وظيفة أو صناعة أو فن تقتضي بالضرورة إيداع أسرار الغير لديه
    ويعد من الأمناء الضروريين الأطباء والمحامون والصيادلة والمحاسبون ورجال الدين وكذا الموظفون العموميون فيما يتعلق بالأسرار التى تودع لديهم بحكم وظائفهم كالقضاة وأعضاء النيابة العامة ورجال الشركة وموظفي البنوك وموظفي هيئة البريد وهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية والموثقين
    ويخرج من عداد الأمناء الضروريين الأشخاص الذين لا يؤتمنون بالضرورة على الأسرار بكم صنعتهم أو وظيفتهم وأن كانت طبيعة أعمالهم تتيح لهم الإطلاع على بعض الأسرار كالخدم والسكرتيرين الخصوصيين والسماسرة والصحفيين ورجال الإعلام وكذلك تنتفي صفة الأمين لدى الزوجة أو القريبة أو الصديق الذى أودعه زوجة أو قريبة أو صديقة سرا فافشاه غذ أنه لا يقوم بخدمة عامة ولم يودع السر بحكم الضرورة
    وقد نص المشرع المصري صراحة على خضوع طوائف معينة لنص المادة 310 عقوبات والتى تجرم إفشاء الأسرار ومن أمثلة ذلك المادة 75 من قانون الإجراءات الجنائية المصري التى تقضى بأن تعتبر إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التى تسفر عنها من الأسرار ويجب على قضاة التحقيق وأعضاء النيابة العامة ومساعديهم من كتاب وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضونه بسبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها ومن يخالف ذلك منهم يعاقب طبقا للمادة 310 من قانون العقوبات
    كما نصت المادة 58 من قانون الإجراءات الجنائية على التزام مأموري الضبط القضائي بسر المهنة وذلك بمعاقبة كل من يكون قد وصل إلى علمه بسبب التفتيش معلومات عن الأشياء والأوراق المضبوطة فأفضى بها إلى شخص غير صفة أو انتفع بها بأية طريقة كانت العقوبة المقررة بالمادة 310 عقوبات يقابل هذه المادة 320 من قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي
    المطلب الثالث
    الركن المعنوي
    القصد الجنائي
    إفشاء الأسرار جريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي ويعني ذلك أنه لا قيام لهذه الجريمة إذا وقع الإفشاء نتيجة خطأ صادر عن الأمين على السر فإذا أهمل الصيدلي المحافظة على المعلومات والبيانات التى دونها بشأن أحد عملائه فأطلع عليها الغير لا تقع جريمة الإفشاء بإهماله لأن هذا الإفشاء تم دون موافقته أو علمه ولا يسأل عن هذه الجريمة كذلك الطبيب الذى يدون بعض الملحوظات عن مريضه ثم يتركها سهوا فى مكان غير أمين فيطلع عليها الغير والمحامي الذى يترك سهوا على مكتبه بعض الملفات التى تتعلق بأسرار عملائه فيطلع عليها مصادفة شخص من الأشخاص
    ويقوم القصد الجنائي فى هذه الجريمة على عنصرين العلم والإرادة فيتعين أن يكون الجاني عالما بأن الواقعة التى أفضى بها للغير تعتبر سرا مهنيا لا يرضي صاحبه بإفشائه فإذا اعتقد أن الواقعة ليست لها صفة السر أو أن صاحب السر راضي بإفشائه إلى شخص معين فإذا هذا السر فلا تقع بفعله الجريمة لانتفاء القصد الجنائي لديه كما يجب أن تتجه إرادة الجاني على فعل الإفشاء وإلى النتيجة المترتبة عليه والمتمثلة فى إطلاع الغير على السر فإذا لم تتجه إرادة الجاني إلى الفعل أو إلى النتيجة لا تقع الجريمة لانتفاء القصد الجنائي لديه
    وجدير بالذكر أن الرأي الراجح فى الفقه يذهب إلى عدم اشتراط نية الأضرار القصد الخاص فى جريمة إفشاء الأسرار إذ أن الفعل يعتبر فى حد ذاته من الأفعال الشائنة التى لا تحتاج إلى نية الأضرار فالضرر ليس إذن من عناصر الإفشاء كما أن المشرع لا يعاقب على إفشاء السر الصارخ فحسب بل على كل إفشاء لأمر توصل إليه أثناء ممارسته مهنته أو وظيفته
    ولا عبرة بالباعث الذى دفع الجاني إلى ارتكاب جريمة الإفشاء فالباعث ليس عنصرا من عناصر القصد وعلى ذلك فلينس من حق الطبيب أن يفشى أسرار مرضاه ولو كان الغرض من ذلك درء مسئولية أدبية أو معنوية كما لا يجوز للمحامي أو المحاسب أو الصيدلي أن يفشي سر عميله ولو كان قد قصد من إفشاء السر الحصول على أتعابه ففى هذه الحالات وأمثالها تقع جريمة إفشاء الأسرار من الأمين على السر لتوافر القصد الجنائي لديه
    المطلب الرابع
    العقوبة
    إفشاء الأسرار فى صورته البسيطة :
    حدد نص المادة 310 من قانون العقوبات عقوبة هذه الجريمة بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور أو الغرامة التى لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصر أو إحدى هاتين العقوبتين
    هذا بالإضافة إلى أن هنالك قوانين خاصة تعاقب على إفشاء الأسرار المهنية مثال ذلك المادة 6 من القانون رقم 432 لسنة 1955 التى تنص على عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لمن يفشي من الموظفين المكلفين بتنفيذ أحكامه سرا من اسرار الصناعة أو الوظيفة
    كما تنص المادة 8 من القانون رقم 19 لسنة 1957 على معاقبة من يفشي من الموظفين بيانا من البيانات الفردية أو سرا من أسرار الصناعة أو التجارة بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وغرامة لا تجاوز مائة جنيه
    والاشتراك متصور فى جريمة إفشاء الأسرار ولو كان الشريك لا يحمل الصفة التى يتطلبها المشرع فى الجاني فإذا اشترك غير الموظف مع الموظف الأمين على السر بأن حرضه أو اتفق معه أو ساعده على ارتكاب الفعل المكون للجريمة فوقعت بناء على ذلك جريمة إفضاء الأسرار فإن غير الموظف يعتبر شريكا للفاعل وهو الموظف الامين على السر تطبيقا لحكم المادة 40 عقوبات
    بيان حكم الإدانة :
    تخضع جريمة الإفشاء للقواعد العامة فتقام الدعوى الجنائية بمعرفة النيابة العامة أو عن طريق الدعوى المباشرة من جانب المجني عليها
    وقد يكون فعل الإفشاء جريمة أخرى كالقذف أو السب وفى هذه الحالة نكون بصدد تعدد معنوي للجرائم فتوقع عقوبة الوصف الشد عملا بالمادة 32 من قانون العقوبات
    ويجب أن يشمل حكم الإدانة على بيان الواقعة التى أفشاها الجاني والمهنة التى يمارسها وفعل الإفشاء الذى صدر عنه فبيان الواقعة يستلزم بيان سائر أركان الجريمة صراحة أو دلالة فيتعين أن يستفاد من حكم الإدانة فى إفضاء الأسرار تحقق ثبوت صفة السر للواقعة وتوافر صفة الجاني لمعرفة ما إذا كان يدخل فى عددا الأشخاص الذين يلتزمون بكتمان السر أم لا كما يلزم بيان الأمر الذى صرح به الجاني والذى اعتبره سرا يتعين كتمانه
    المبحث الثاني
    إباحة إفشاء الأسرار
    تمهيد : أباح المشرع إفشاء الأسرار فى حالات معينة أهمها : التبليغ عن الجرائم ورضاء صاحب السر
    ونعرض فيما يلي لكل من هاتين الحالتين
    أولا : التبليغ عن الجرائم
    بعد أن نص المشرع المصري فى الفقرة الثانية من المادة 310 عقوبات على تجريم إفشاء الأمين لسر من أسرار مهنته أو وظيفته أورد استثناء على هذه القاعدة قوله " فأفشاه فى غير الحالات التى يلزمه القانون فيها بالتبليغ "
    فالمشرع المصري لم يضع قاعدة عامة تجتمع فيها الحالات التى توجب التبليغ من الجرائم مما يقتضي الرجوع إلى نصوص القوانين المختلفة فيها عن مثل هذه الحالات
    ويمكن أن نذكر من هذه النصوص على سبيل المثال
    نص المادة 24/1 من قانون الإجراءات الجنائية الذى يقضى بأنه يجب على مأمورى الضبط القضائي أن يقبلوا التبليغات والشكاوى التى ترد إليهم بشأن الجرائم وأن يتقدموا بها فورا إلى النيابة العامة
    نص المادة 26 إجراءات الذى يقرر بأنه يجب على كل من علم من الموظفين العموميين أو المكلفين بخدمة عامة أثناء تأدية عمله أو بسبب تأديته وقوع جريمة من الجرائم التى يجوز للنيابة العامة برفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ عنها فورا النيابة العامة أو اقرب مأمور من مأمورى الضبط القضائي
    ونص المادة 84 من قانون العقوبات الذى يقضى بمعاقبة كل من علم بارتكاب جريمة مخلة بأمن الدولة من جهة الخارج ولم يبلغ عنها السلطات المختصة
    وما نصت عليه المادة 98 من قانون العقوبات من أنه يعاقب كل من علم بوجود مشروع لارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها 87 ، 89 ، 90 ، 91 مكررا 19 ، 92 ، 93 ، 94 من هذا القانون وهى جرائم مخلة بأمن الدولة من جهة الخارج ولم يبلغه إلى السلطات المختصة
    ولعل أهم النصوص التى تجيز للأمين على السر أن يبلغ السلطات عما وصل إليه من معلومات إذا كان ذكرها له مقصودا به فقط ارتكاب جناية أو جنحة هو عجز المادة 66 من قانون الإثبات التى تنص على أنه لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم عن طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو معلومات أو يفيشها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ما لم يكن ذكرها مقصودا به ارتكاب جناية أو جنحة
    ويستفاد من هذا النص أنه إذا كان الأمين على السر يعلم بأن الواقعة التى أفضى إليه بها صاحب السر تتضمن عزمه على ارتكاب جريمة جناية أو جنحة فى المستقبل أن يبلغ السلطات العامة عنها كى تحول دون وقوعها ومثال ذلك أن يستطلع شخصا طبيبا فى إجهاض امرأة حبلي وطلب منه المساعدة فى ذلك أن يستشير محاميا فى تزوير عقد أو شهادة دون أن يعرض نفسه للمسئولية الجنائية ففى هاتين الحالتين يجوز للأمين على السر أن يفشى هذا السر دون أن يقع بفعله الجريمة
    وتطبيقا لذلك قضى بأنه إذا استطلع أحد الموظفين رأى محامي فى ارتكاب جريمة هى الاتفاق مع أحد الشهود على أن يشهد شهادة زورا فهذا الاتفاق ولو أنه سر علم به المحامي بسبب مهنته إلا أنه من حقه أن يفشيه لمنع وقوع جريمة فإذا أخذت المحكمة بمعلومات المحامي عن تلك الواقعة واستندت إليها فى التدليل على أن المتهم كان يسعي إلى تلفيق الشهادة فلا يمكن إسناد إليها فى ذلك
    أما إذا كان الأمين على السر قد علم بأن الجريمة قد ارتكبت بالفعل كالطبيب الذى يدعي لعلاج سيدة فيعلم أن مرضها ناشئ عن إجهاض المحامي الذى يستشار فى عقد فيعلم أنه مزور ففى هاتين الحالتين يلتزم الأمين على السر بكتمانه فإذا أفضى السر عد مرتكبا لجريمة الإفشاء بمقتضي المادة 310 من قانون العقوبات
    ثانيا – رضاء صاحب السر :
    قرر المشرع المصري اعتبار رضاء صاحب السر بإفشاء سره سبا للإباحة فبعد أن نص فى المادة 66 من قانون الإثبات على أنه لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم عن طريق مهنته أو صنعته للواقعة أو بمعلومات أو يفشيها نص فى الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه يجب على الأشخاص المذكوريو أن يؤدوا الشهادة على تلك الواقعة او المعلومات متى طلب منهم ذلك من أسرهم إليهم على ألا يخل ذلك بأحكم القوانين الخاصة بهم
    وهذا النص وأن كان يتعلق برضاء السر بأداء الشهادة إلا أنه يقرر مبدأ عاما مقتضاه اعتبار رضاء صاحب السر بإفشائه سببا لإباحة الإفشاء فلصاحب السر المصلحة الأولى فى عدم إفشائه وطالما كان فى استطاعته إذاعة سره فيكون من حقه أن يجيز ذلك للأمين على السر فإذا أفشى هذا الأخير السر بناء على رضاء صاحب السر فلا تقع بفعله الجريمة وتطبيقا لذلك لا عقاب بمقتضي المادة 310 عقوبات على إفشاء السر إذا كان لم يحصل إلا بناء على طلب مستودع السر فإذا كان المريض هو الذى طلب بواسطة زوجته شهادة على مرضه من الطبيب المعالج فلا يكون فى إعطاء هذه الشهادة إفشاء سر معاقب عليه
    ويشترط فى الرضاء أن يكون صادرا عن إرادة حرة وإدراك فلا يعتد بالرضاء الصادر عن الصغير غير المميز أو المجنون فإذا كان صاحب السر غير مميز فإن رضاء ولى النفس دون الوصى عليه أو القيم هو الذى يبيح الإفشاء
    كما يشترط أن يكون الرضاء صريحا وصادرا عن بينة يستوى فى ذلك أن يكون شفاهة أو كتابة والرضاء بالإفشاء حق شخصي لصاحب السر فلا ييد بالرضاء الصادر من الزوج إلى الطبيب بإفشاء مرض زوجته
    والقاعدة أن هذا الحق لا ينتقل بوفاة صاحبه إلى ورثته فلا يجوز للطبيب أن يفشى السر اعتمادا على صدور رضاء من الورثة بذلك ومع ذلك كان موضوع السر أموالا تتعلق بها حقوق الورثة فإن الحق فى الرضاء ينتقل إليهم
    وتجدر الإشارة إلى أنه يشترط فى الرضاء الذى يبيح الإفشاء أن يكون سابقا أو معاصرا على الفعل أما الرضاء اللاحق لا يعد سببا لإباحة الإفشاء
    أعمال الخبرة :
    إذا لم يكن للخبير أن يدلي بشهادته شفاهة أمام السلطات القضائية التى انتدبته لعمل من أعمال الخبرة بما وصل إلى علمه من أسرار ومقتضي وظيفته فإن له أن يمن تقريره ما وصل إلى علمه متعلقا بالموضوع الذى طلب منه دراسته وإبداء الرأى فيه ولو كان منطويا على إفشاء السر إذ أنه يعتبر فى هذه الحالة ممثلا للجهة القضائية التى انتدبته وعمله جزء لا يتجزأ من عملها
    ويشترط لإباحة الفعل فى هذه الحالة توافر شرطين
    الأول : أن يقدم الخبير تقريره إلى الجهة القضائية التى انتدبته وحدها فإذا افشى محتويات هذا التقرير إلى جهة أخري غير تلك التى انتدبته فإنه يرتكب جريمة افضاء الأسرار
    الثاني : أن يعمل الخبير فى حدود المهمة التى كلف بها أى أن يقر تقريره على المعلومات التى طلبت السلطات القضائية منه بيانها منقول
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    جريمة إفشاء الأسرار Empty رد: جريمة إفشاء الأسرار

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الأحد سبتمبر 26, 2010 12:43 am

    احكام نقض فى جريمة إفشاء الأسرار
    الموجز:
    قصر الحكم الوارد في المادة 310 عقوبات علي من ذكروا فيه .
    القاعدة:
    إن الأصل في أداء الشهادة أمام القضاء عند استجماع شرائطها أنه واجب يقتضيه الوصول إلى تعرف وجه الحق في المنازعات وفي ثبوت الاتهام أو نفيه ولا يعفي الشاهد من الإدلاء بكل ما يعلم ولا كتم منه إلا في الأحوال الخاصة التي بيّنها القانون ، ومنها حظر الشهادة إفشاء لسر من أسرار المهنة المنصوص عليه في المادة 207 من قانون المرافعات ، ما لم يطلب من أسره إليه إفشاءه ، فيجب علي الشاهد عندئذ أداء الشهادة عملا بالمادة 208 من ذلك القانون التي يدل نصها علي أن تجريم الشهادة في هذه الحالة ليس تجريما مطلقا ، وتتجه التشريعات الحديثة نحو تغليب المصلحة العامة في الوصول إلى الحقيقة ـ وعلي الأخص إذا تعلق الأمر بمصلحة الجماعة ، من ذلك أن الشارع الفرنسى أضاف فقرة ثانية إلى المادة 378 من قانون العقوبات الفرنسي بالمرسوم بقانون الصادر في 29 يوليه سنة 1939 أجاز فيها للأطباء وغيرهم من أصحاب المهن إذا دعوا للشهادة أن يبوحوا بما لديهم من أسرار في حوادث الإجهاض دون أن يتعرضوا للعقاب ونصت المادة 622 من قانون العقوبات الإيطالى علي أن الإفضاء بسر المهنة معاقب عليه إلا أن يكون هذا الإفضاء لمبرر مشروع ونصت الفقرة الأخيرة من المادة 321 من القانون السويسري الصادر في 21 من ديسمبر سنة 1937 علي أن حظر الإفضاء بسر المهنة لا يحول دون التزام أرباب المهن بأداء الشهادة أمام القضاء لما كان ذلك ، وكان الشارع عندما وضع المادة 310 من قانون العقوبات لم يعمم حكمها ، بل أنه خص بالنص طائفة الأطباء والجراحين والصيادلة والقوابل وغيرهم ، وعيّن الأحوال التي حرم عليهم فيها إفشاء الأسرار التي يضطر صاحبها أن يأتمنهم عليها باعتبار أن طبيعة عملهم تقتضي هذا الاطلاع وهم في سبيل قيامهم بخدماتهم للجمهور ، فانه لا يصح التوسع في هذا الاستثناء بتعديل حكمه إلى من عدا المذكورين في النص كالخدم والكتبة والمستخدمين الخصوصيين ونحوهم فهؤلاء لا يضطر مخدوموهم إلى اطلاعهم علي ما يرتكبونه من أعمال مخالفة للقانون .
    ( المادة 310 عقوبات )
    ( الطعن رقم 884 لسنة 22 ق جلسة 1953/7/2 مجموعة الربع قرن ص 279 )
    الموجز:
    لا عقاب علي افشاء السر اذا حصل بناء علي طلب مستودعه .
    القاعدة:
    لا عقاب بمقتضي المادة 310 من قانون العقوبات علي افشاء السر اذا كان لم يحصل الا بناء علي طلب مستودع السر . فاذا كان المريض هو الذي طلب بواسطة زوجته شهادة عن مرضه من الطبيب المعالج له فلا يكون في اعطاء هذه الشهادة افشاء سر معاقب عليه .
    ( المادة 310 من قانون العقوبات )
    ( الطعن رقم 1832 لسنة 10 ق جلسة 1940/12/9 مجموعة الربع قرن ص 279 )


    الموجز:
    فتح باب المرافعة هو من حق المحكمة تأخذ به اما من تلقاء نفسها واما بطلب بعض الأخصام .
    القاعدة:
    ان فتح باب المرافعة هو من حق المحكمة تأخذ به من تلقاء نفسها لتبين بعض أمور غامضة تحتاج الي جلائها ، واما بطلب بعض الأخصام لتحقيق أمور متعلقة بالدعوي متي رأت أن في اجابة هذا المطلب ما يحقق العدالة بحسب ما تراه هي .
    ( الطعن رقم 1999 لسنة 3 ق جلسة 1933/12/27 مجموعة الربع قرن ج 1 بند 115 ص 177 )

    الموجز:
    واجب المحامي في افشاء سر موكله لمنع وقوع جريمة .
    القاعدة:
    اذا استطلع أحد المتهمين رأي محاميه في ارتكاب جريمة وهي الاتفاق مع أحد الشهود علي أن يشهد زورا فهذا الأمر ولو أنه سر علم به المحامي بسبب مهنته الا أن من حقه ، بل من واجبه أن يفشيه لمنع وقوع الجريمة وفقا للمادة 205 مرافعات . فاذا أخذت المحكمة بمعلومات المحامي عن تلك الواقعة واستندت اليها في التدليل علي أن المتهم موكله كان يسعي في تلفيق شهادة فلا يمكن اسناد الخطأ اليها في ذلك .
    ( الطعن رقم 1999 لسنة 3 ق جلسة 1933/12/27 مجموعة الربع قرن ص 279 )



    الموجز:
    لا مصلحة للمتهم فى النعى على الحكم بأنه استبعد خطأ تحقيقات أجراها البوليس أثناء نظر الدعوى ما دامت المحكمة قد تولت بنفسها اعادة التحقيق وظهر لها منه صحة الواقعة الواردة فى المحضر الذى استبعدته .
    القاعدة:
    اذا قدم متهم فى قضية منظورة أمام المحكمة بلاغا الى البوليس يتهم فيه شهود الاثبات فى القضية بالسعى فى تلفيق شهادات ضده وحقق البوليس هذا البلاغ ثم أصدرت المحكمة قرارا باستبعاد تحقيقات البوليس بعلة أنه ليس لأية سلطة أن تباشر أى اجراء في الدعوي بغير اذن خاص من المحكمة . ما دامت القضية مطروحة أمامها ، فان المحكمة تكون مخطئة في ذلك لأن التحقيقات التى استبعدتها خاصة بجريمة الاتفاق على تلفيق شهادة في القضية ، وهذا الاتفاق ليس تحقيقه من اجراءات القضية التي لا يجوز لأحد التدخل فيها ما دامت منظورة أمام المحكمة وانما هو خاص بجريمة عرضية ارتكبت أثناء وجود القضية الأصلية لدى المحكمة ، فللنيابة وللبوليس القضائى حق تحقيق مثل هذه الجريمة ، وللنيابة ولكل ذي شأن أن يعتمد على هذا التحقيق ويتحدى به لدي المحكمة ، والمحكمة حرة فى تقديره والأخذ به أو اطراحه ، ولكن اذا كان هذا الاستبعاد لم يضر المتهم فى شىء ما لأن المحكمة تولت بنفسها اعادة التحقيق ، وظهر لها منه صحة الواقعة الواردة في المحضر الذي استبعدته وبناء علي ذلك نبذت شهادة هؤلاء الشهود فلا مصلحة للمتهم فى اثارة هذا الطعن .
    ( الطعن رقم 1999 لسنة 3 ق جلسة 1933/12/27)
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    جريمة إفشاء الأسرار Empty رد: جريمة إفشاء الأسرار

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الأحد سبتمبر 26, 2010 12:46 am

    حكم إفشاء السر في الإسلام
    للدكتور توفيق الواعي
    أستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت
    حفظ الأسرار شيء فطري ترشد إليه الطبيعة البشرية فكل إنسان يحب أن يحفظ من الأسرار الكثير ، سواء كانت خيرا لما ورد في الأثر " استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان " أو شرا كما ورد في الخبر " الإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس " .
    وقد عدد الناس من قديم الزمان كثيرا من الفضائل وكان من أبرزها في الناس المحافظة على الأسرار والوعود والعقود . وخاصة إذا أمنهم الناس عليها ، والأطباء في القديم والحديث من أوائل من ائتمنهم الناس على أسرارهم ، وقد التزم من قاموا بهذه المهنة بحفظ الأسرار من أقدم العصور ، التزم به أطباء مصر كما التزم به أطباء اليونان وقد ضمنوا هذا الالتزام قسما يقسمه الأطباء وعهدا يقطعونه على أنفسهم قبل ممارستهم هذه المهنة .
    ولما جاء الإسلام الذي قامت تعاليمه على الالتزام بالقيم وإحياء ما اندثر منها جعل هذا دينا وعقيدة وأسلوب حياة .
    وسار على ذلك أطباء المسلمين وقد أثبت ابن أبي أصيبعة في كتابه " عيون الأنباء فـي طبقات الأطباء " بعضا من العهود التي أخذت على الأطباء في زمانه . منها " وأما الأشياء التي أعانيها أو أسمعها وقت علاج المرضى أو في غير أوقات علاجهم مما لا ينطبق به خارجا فأمسك عنه " ويروي ابن أبي أصيبعة . بعضا من التعاليم التي كانت تعلم للأطباء ويطلب منهم التحلي بها . ومنها : كمال التخلق وتوافر العقل والحرص على كتمان أسرار المرضى ، والعفة ، والعزوف عن إسقاط الأجنة إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق .
    السر الطبي بين العادة والعقيدة
    لا شك أن الأسرار تختلف من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى مجتمع ومن زمان إلى زمان . فقد يكون هناك شخص رقيق الشعور ويؤثر فيه شيء لا يؤثر في غيره أو يسبب له هو مشكلات لا يسببها هذا الأمر لسواه .
    وقد ترى بعض المجتمعات أن الجنس في بعض حالاته شيء لا يسبب حرجا ، في حين تراه مجتمعات متعففة شيئا تقطع دونه الرقاب ، وقد يرى شيء في زمان معين جريمة فيتغير القانون مثلا أو العادة فيتبدل الأمر تماما .
    وقد ذكرت لنا بعض القوانين تعريفات للأسرار ، منها ما أرجعها إلى العرف والعادة ومنها ما أرجعه إلى الضرر بالسمعة أو الكرامة .
    ولا شك أن هذا كله يدخل في تعريف السر في الإسلام الذي اقترب منه كثيرا ابن أبي أصيبعة حين عرفه بقوله " كل ما لا ينطق به خارجا " وهو بذلك مما تقتضيه الأعراف والأزمان والأماكن . وقد أخذه من الأثر الإسلامي " وكرهت أن يطلع عليه الناس " ويضاف إلى ذلك في المجتمع المسلم كل ما هو إثم أو منكر ، أو ما يكشف عورات حرم الله كشفها لصالح المجتمع المسلم .
    ولا فرق في إذاعة السر بين الطبيب وغيره ، ولكنه في الطبيب آكد وألزم ، لأنه قد أمنه الناس على أعراضهم وعوراتهم وأسرارهم . فيكون بذلك مع إثمه خائنا للأمانة ومفرطا في الواجب الذي نيط به ، ويأخذ حكمه من كان في مثل وضعه .
    ولذلك عقابه وجرمه الذي يحقق في غير هذا البحث .
    هذا وقد حبب الإسلام كثيرا في المحافظة على الشعور الإنساني والحس البشري لأن ذلك من أسباب الرقي والصعود في حلقات السمو الإنساني على هذه الأرض، ولأنه من أسباب التكريم الإلهي للإنسان الذي وكلت إليه الخلافة عن الله في الأرض . لهذا أحاط الله كرامة هذا الإنسان بحصون واقيات حتى لا يهتك له ستر أو يفضح له سر ، فشرع له أمورا معينة في ذلك ينبغي اتباعها ، منها المحافظة على سره وصون كرامته وعرضه .
    أنواع تلك الأسرار :
    أسرار عادية
    الأسرار ليست في درجة واحدة فهناك من الأسرار ما تعد من العاديات التي لا يحدث إفشاؤها ضررا في الكرامة أو إهدارا لمصلحة أو تفويتا لمنفعة ولكنه مع ذلك يجمل ألا تفشى إلا بإذن صاحبها .
    من ذلك ما ورد . عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه حين تأيمت بنته حفصة قال : لقيت عثمان بن عفان رضي الله عنه . فعرضت عليه حفصة فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر ؟ قال : سأنظر في أمري ، فلبثت ليالي ، ثم لقيني ، فقال قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا . فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، فقلت إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر ؟
    فصمت أبو بكر رضي الله عنه ، فلم يرجع إلى شيئا فكنت عليه أوجد مني على عثمان فلبثت ليالي . ثم خطبها النبي r ، فأنكحتها إياه ، فلقيني أبو بكر فقال : لعلك وجدت على حين عرضت على حفصة لم أرجع إليك شيئا ؟ فقلت نعم قال : فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت على إلا أنني كنت علمت أن النبي r ذكرها ، فلم أكن لأفشي سر رسول الله r ، ولو تركها النبي r لقبلتها . رواه البخاري .
    وعن ثابت عن أنس رضي الله عنه . قال : أتى على رسول الله r وأنا ألعب مع الغلمان ، فسلم علينا ، فبعثني في حاجة . فأبطأت على أمي فلما جئت قالت : ما حبسك ؟ فقلت بعثني رسول الله r لحاجة ، قالت : ما حاجته ؟ قلت : إنها سر . قالت : لا تخبرنَّ بسر رسول الله أحدا . قال أنس : والله لو حدثت به أحدا لحدثتك به يا ثابت . رواه مسلم والبخاري.
    قال ابن حجر : قال بعض العلماء : كأن هذا السر كان يختص بنساء النبي r ، وإلا فلو كان من العلم ماوسع إنسان كتمانه . وقال ابن بطال الذي عليه أهل العلم أن السر لا يباح به ، إذا كان على صاحبه منه مضرة ، وأكثرهم يقولون إنه إذا مات لا يلزم من كتمانه ما كان يلزم في حياته إلا أن يكون عليه فيه غضاضة : قلت : الذي يظهر انقسام ذلك بعد الموت إلى ما يباح ، وقد يستحب ذكره ولو كرهه صاحب السر كأن يكون فيه تزكية له من كرامة أو منقبة أو نحو ذلك ، وإلى ما يكره مطلقا وقد يحرم وهو الذي أشار إليه ابن بطال وقد يجب كأن يكون فيه ما يجب ذكره كحق عليه كان يعذر بترك القيام به فيرجي بعده إذا ذكر لمن يقوم به عنه أن يفعل ذلك .
    والذي يظهر لي أن السر الذي كان أنس مستأمنا عليه كان سرا عاديا لأنه لا يستأمن صغير يلعب مع الصبيان على سر كبير يراد كتمه على التأكيد ،ولكن أنس رغم ذلك لا يريد أن يفشي سر رسول الله r وكذلك ما كان من سر رسول الله الذي علمه أبو بكر رضي الله عنه فإنه كان سرا عاديا وهو ذكره لحفصة ، ولو ذكره أبو بكر ربما سر عمر به وأدخل عليه البهجة ، ولكنه يريد أن يكتم السر ولو كان قليلا حتى يخبره به رسول الله r .
    أسرار غير عادية :
    هناك نهي مغلظ عن أشياء معينة تدور كلها حول كشف سر المسلم وهتك ستره . من تلك الأشياء : تتبع عورة المسلم ، التجسس عليه ، رميه بالسوء ، الغيبة والنميمة ، عدم ستره فيما يفضحه وينزل به الكرب والمهانة .
    فأما عن ستر المسلم وحفظ سره فيما يفضحه وينزل به الكرب . سواء عرف الإنسان هذا السر من أخيه عن طريق معين أو من صاحب السر نفسه فقد وردت في ذلك آثار تحتم كتمه وتؤكد عليه وترغب فيه . منها :
    قول الرسول r : " من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة " .
    وفي رواية : " ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة " رواه مسلم .
    وقوله r : " لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة " رواه مسلم .
    وقوله r : " من ستر عورة فكأنما استحيا موؤدة في قبرها " رواه أبو داود والنسائي .
    وقد تكلم العلماء المسلون على الستر ، وعلى علاقة الساتر بالمستور من حيث أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر :
    فقالوا إن الستر لا ينفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة بل يجب على الساتر أن ينصح المستور عليه وأن يبصره بعيبه ويطلب منه الامتناع عن المنكر إن كان في الأمر منكر .
    شروط المستور عليه :
    هذا وقد اشترط الإمام النووي أن يكون المستور عليه ممن ليس معروفا بالأذى والفساد فأما المعروف بالأذى والفساد فيستحب ألا يستر عليه ، لأن الستر عليه يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله وإنما يرفع أمره إلى ولي الأمر إن لم يخف من مفسدة يؤدي إليها هذا الإعلان .
    شروط المستور :
    هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت ، أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر على ذلك ، ولا يحل تأخيرها فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر ، إذا لم تترتب على ذلك مفسدة ، وهذا يعد من النصيحة الواجبة وليس من الغيبة .
    الأمر الثاني ـ إذا جاهر بالمعصية :
    قال الكمال بن الهمام في فتح القدير : وهذا بالنسبة لمن لا يعتد المعصية ويتهتك بها أما إذا وصل الحال إلى إشاعتها والتهتك بها بل بعضهم ربما افتخر بالذنب فيجب كون الشهادة به أولى من تركها ، لأن مطلوب الشرع إخلاء الأرض من المعاصي والفواحش بالخطايات المقيدة لذلك وذلك يتحقق بالتوبة من الفاعلين والزجر لهم ، فإذا ظهر حال الشره في الزنى مثلا والشرب وعدم المبالاة به وإشاعته ، فإخلاء الأرض المطلوب حينئذ بالتوبة احتمال يقابله ظهور عدمها ممن اتصف بها فيجب تحقيق السبب الآخر للإخلاء وهو الحدود بخلاف من زنى مرة أو مرارا مستترا متخوفا متندما عليه فإنه محل استحباب ستر المشاهد .
    طلب الشارع الستر وتأكيده على ذلك
    طلب الشارع من المسلم الستر على أخيه غير المجاهر وأكد على ذلك . حتى أن بعض العلماء أباح الكذب للستر على المسلم . قال الغزالي رحمه الله : قال r : " ليس بكذاب من يصلح بين الناس فقال خيرا " وهذا يدل على وجوب الإصلاح بين الناس ، لأن ترك الكذب واجب ولا يسقط الواجب إلا بواجب آكد منه ، ومن ذلك كذب الرجل في الحرب . ومن ذلك أن يستر عورات المسلمين كلهم . وهذا ما وضحه ابن حجر بقوله : الكذب قد يباح وقد يجب . والضابط عند الغزالي : ينبغي أن يقابل مفسدة الكذب بالمفسدة المترتبة على الصدق . فإن كانت أشد فله الكذب ، وإن كان العكس أو اشتبه حرم ، وإذا كان المقصود محمودا لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب ، كما لو اختفى معصوم الدم من ظالم يريد قتله فالكذب هنا واجب ، ولو سأل ظالم عن وديعة يريد أخذها فيجب الكذب أو الإنكار . ولو سأله سلطان عن فاحشة اقترفها سرا فله أن يكذب وله أن ينكر سر أخيه .
    قال r : " ومن ستر على مسلم ستره الله تعالى في الدنيا والآخر " وقال : " لا يستر عبد عبدا إلا ستره الله يوم القيامة " . وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال r : " لا يرى المؤمن من أخيه عورة فيسترها إلا أدخله الله الجنة " . وقال r لهزال الذي جاء بماعز ليعترف بحد الزنى : هلا سترت عليه بثوبك .
    ثم قال رحمه الله : وهذا من أعظم الأدلة على طلب الشارع لستر الفواحش فإن أفحشها الزنى ، وقد نيط بأربعة من العدول يشاهدون ذلك منه في ذلك منها كالمرود في المكحلة ـ وهذا لا يتفق ، وإن علمه القاضي بنفسه تحقيقا لم يكن له أن يكشف عنه … انظر إلى كيف ستر الله على العصاة من خلقه بتضييق الطريق في كشفه ؟ .
    عدم تتبع عورة المسلم :
    والعورة ، ما يستقبح ظهوره للناس حسيا كان كالعورة المغلظة والتشوهات الخلقية أو معنويا كسيء الأفعال والأقوال .
    ويعني عدم التتبع عدم الاستشراف إليها أو التطفل في البحث عنها أو استقصائها أو تتبعها والحرص على ذلك . أو هتك ستره بنظر أو سمع أو غير ذلك وقد ستر الله عليه فهو في ستره .
    ففي الحديث عن رسول الله r : " إن الله إذا ستر على عبد عورته في الدنيا فهو أكرم من أن يكشفها في الآخرة ، وإن كشفها في الدنيا فهو أكرم من أن يكشفها مرة أخرى " . رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم ، صحيح ، ولمسلم : " لا ستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره يوم القيامة " .
    وقد نهى الرسول r عن تتبع عورات المسلمين : فقال r : " يامعشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته ، ومن يتتبع الله عورته يفضحه ولو كان في جوف بيته " .
    وقال r لمعاوية : " إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم " . رواه أبو داود بإسناد صحيح .
    وهذا يدل على أن الحرص على تلمس العورات والأسرار من الذنوب التي تمحوا الإيمان من القلوب ، وتستجلب غضب الله وتهديده وفضحه لصاحب هذا الجرم . كما أنه فساد للمسلمين وإشاعة للذعر والتوجس وشغل كل منهم بنفسه أو بغيره من المسلمين فيما يضر ولا يفيد وترك جلائل الأمور ، والتقصير عن بلوغ الغايات الكبيرة العظيمة .
    ولهذا حذرنا الله من ذلك ونهانا عنه وتوعدنا إن اقترفناه . فقال سبحانه : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ) النور / 19
    عدم التجسس عليهم : أو سوء الظن بهم
    كما نهى الحق سبحانه وتعالى عن التجسس على المسلمين أو أن يظن بهم سوء أو شر . فقال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) الحجرات / 12
    وقال r : " لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا "
    قال الأوزاعي التجسس البحث عن الشيء والتحسس الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون ، أو يتسمع على أبوابهم ، وفي الحديث : "من استمع خبر قوم وهم له كارهون صب في أذنه الإنك يوم القيامة " . رواه البخاري .
    هذه آداب الإسلام وآداب المجتمع تأمر المسلم بالنصح والستر إن رأى شيئا وبألا يتجسس أو يظن أو يتسمع ويهتك الأسرار التي قد سترها الله على صاحبها " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا " رياض الصالحين 602 .
    وأخرج أبو داود وجماعة عن زيد بن وهب قلنا لابن مسعود : هل لك في الوليد بن عقبة بن أبي معيط تقطر لحيته خمرا ؟ فقال ابن مسعود قد نهينا عن التجسس فإن ظهر لنا شيء أخذنا به .
    قد يحمل حب النهي عن المنكر على التجسس وينسى الناهي هذه التعاليم المشددة في ذلك فيعذر مرتكبه . كما وقع ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن ثور الكندي أن عمر رضي الله عنه كان يعس بالمدينة فسمع صوت رجل في بيت يتغنى فتسور عليه فوجد عنده امرأة وعنده خمر . فقال : يا عدوا الله أظننـت أن الله تعالى يسترك وأنت على معصيته ؟ فقال : وأنت يا أمير المؤمنين لا تعجل على : إن كنت عصيت الله تعالى في واحدة فقد عصيت الله تعالى في ثلاث ، قال سبحانه : ( ولا تجسسوا ) وقد تجسست ، وقال تعالى : ( وأتوا البيوت من أبوابها ) وقد تسورت . وقال جل شأنه : ( لا تدخلوا بيوتـا غيـر بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) النور / 27 ودخلت بغير إذن .
    قال عمر رضي الله عنه متذكرا ذلك : فهل عندك من خير إن عفوت عنك ؟ قال : نعم ، فعفا عمر رضي الله عنه ،وخرج وتركه .
    غيبته أو رميه بالسوء :
    نهى الحق سبحانه وتعالى عن غيبة المسلم فقال تعالى : ( ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) الحجرات / 12 .
    وقال r : " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " رواه مسلم والترمذي .
    وقال r : " أتدرون ما الغيبة قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذكرك أخاك بما يكره قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقول : قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " رواه مسلم وأبو داود .
    كما يرهب الإسلام من النميمة . فيروي حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله r أنه قال : " لا يدخل الجنة نمام " وفي رواية قتات . رواه البخار ومسلم . معنى النميمة وحدها : كشف ما يكره كشفه ، سواء كره المنقول عنه أو المنقول إليه أو كره ثالث . وسواء كان الكشف بالقول أو الكتابة أو بالرمز أو بالإيماء وسواء كان المنقول من الأعمال أو من الأقوال ، وسوءا كان عيبا ونقصا في المنقول عنه أم لم يكن ، بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه ، بل كل ما رآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره فينبغي أن يسكت عنه إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصية تكون ألزم ، كما إذا رأى من يتناول ما لغيره فعليه أن يشهد به مراعاة لحق المشهود له ، فإن كان ما ينم به نقصا وغيبا في المحكى عنه كان قد جمع بين الغيبة والنميمة ، أما إرادة السوء للمحكي عنه أو إظهار الحب للمحكى له أو التفرج بالحديث والخوض في الفضول والباطل والتفريق بين المسلمين وقد أمر الله ورسوله بالصلح بينهم ، فقال تعالى : ( والصلح خير) ، (وأصلحوا بين أخويكم ) الحجرات /10 وقال r : " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة " قال : قلنا بل : قال : " إصلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة " . إن كان ذلك فهو الحرام وهي الحالقة كما يذكر الحديث الشريف .
    أقوال العلماء فيمن حملت إليه النميمة :
    كل من حملت إليه النميمة فعليه ستة أمور :
    الأول : ألا يصدقه لأن النمام فاسق مردود الشهادة قال تعالى : ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) الحجرات / 6 .
    الثاني : أن ينهاه عن ذلك وينصح له ويقبح عليه فعله ، قال تعالى : ( وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ) لقمان / 17 .
    الثالث : أن يبغضه في الله .
    الرابع : ألا تظن بأخيك الغائب السوء لقولـه تعالى : 0 اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ) .
    الخامس : ألا يحملك ما حكى لك على التحري والبحث ( ولا تجسسوا ) .
    السادس : ألا ترضى لنفسك ما نهيت النمام عنه ولا تحكي نميمة لأحد ، فقد روى عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئا فقال له عمر : إن شئت نظرنا في أمرك . فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) الحجرات / 6 وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الآية (هماز مشاء بنميم ) وإن شئت عفونا عنك فقال العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدا .
    هذا وقد رتب الإسلام عقوبات رادعة لقالة السوء فقال تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) النور / 4 وهذا صيانة للأعراض من التهجم وحماية لأصحابها ، وقد شدد القرآن في تلك العقوبة وجعلها قريبة من عقوبة الزنى . ثمانين جلدة مع إسقاط الشهادة والوصم بالفسق ، والعقوبة الأولى جسدية ، والثانية أدبية في وسط الجماعة ، يكفي أن يهدر قول القاذف فلا يؤخذ له بشهادة ، وأن يسقط اعتباره بين الناس ويمشي بينهم متهما لا يوثق بكلامه .
    والثالثة : دينية فهو منحرف عن الإيمان خارج عن طريقه المستقيم ذلك إلا أن يأتي القاذف بأربعة شهود يشهدون برؤية الفعل أو بثلاثة معه إن كان قد رآه فيكون قوله صحيحا . وهذا ما لا يمكن أبدا في شأن المخبر .
    والجماعة المؤمنة لا تخسر شيئا بالسكوت عن تهمة الناس كما تخسر بشيوع الاتهام والترخص فيه وعدم التحرج من الإذاعة به وتحريض الكثيرين من المتخرجين على ارتكاب الفعلة التي كانوا يستقذرونها ويظنونها ممنوعة في الجماعة أو نادرة وذلك فوق الآلام التي تصيب الحرائر الشريفات والأحرار الشرفاء . وفوق الآثار التي تترتب على ذلك في حياة الناس وطمأنينة البيوت المستقرة .
    قال الحليمي : في هتك سر أصحاب الآثام تخفيف أمر الفواحش على قلب من يشاع فيهم وقطع للتوبة عن صاحبها . ثم قال : لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم " .
    وروى أن عمر رضي الله عنه كان يعس بالمدينة ذات ليلة فرأي رجلا وامرأة على فاحشة فلما أصبح قال للناس : أرأيتم لو أن إماما رأى رجلا وامرأة على فاحشة فأقام عليهما الحد ما كنتم فاعليه ؟
    قالوا إنما أنت إمام ، فقال علي رضي الله عنه : ليس ذلك لك ، إذ يقام عليك الحد . إن الله لم يأمن على هذا الأمر أقل من أربعة شهود . ثم تركهم عمر ما شاء الله أن يتركهم ثم سألهم . فقال القوم مقالتهم الأولى ، وقال علي رضي الله عنه مثل مقالته الأولى ، وهذا يشير إلى أن عمر رضي الله عنه كان مترددا في أن الوالي هل له أن يقضي بعلمه في حدود الله ؟ فلذلك راجعهم في معرض التقدير لا في معرض الأخبار خيفة من أن لا يكون له ذلك فيكون قاذفا بأخباره ، وهذا من أعظم الأدلة على طلب الشرع لستر الفواحش ، فإن أفحشها الزنى ومع ذلك لم يأذن حتى للإمام أن يقول فيه .
    هذا وقد يكون إفشاء السر من الزوجين أو من أحدهما محرم : قال r " إن من أشد الناس عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها " .
    حالات الأسرار وحكمها :
    بعد هذا العرض الذي قدمناه ينبغي لنا أن نقدم حالات لأسرار معينة ثم نستعرض حكمها على ضوء النصوص الإسلامية .
    الحالة الأولى : طلب المريض إفشاء السر:
    قد يطلب المريض من الطبيب أن يخبره بنوع المرض أو بنتيجة الكشف أو الأشعة أو بما يصير إليه أمره .
    وفي هذه الحالة ينبغي أن يستجيب الطبيب لذلك ، ما دام المريض يعرف مصلحته ، وفي قواه العقلية ،وغير ناقص الأهلية . فهو صاحب المصلحة في ذلك ولا يكون هذا إفشاء بالنسبة إليه .
    ولكن ما هو الحال . لو كان إفشاء السر للمريض سيزيده ألما أو سيقضي عليه أو يسبب له كارثة معينة أو يؤخر شفاءه .
    وفي هذه الحالة ينبغي على الطبيب أن يكتم عنه هذا ، ويخبر أحد أقاربه ويوصيه بعدم إخبار المريض أو إذاعة السر إلا بما فيه مصلحة . ويتحمل قريبه هذا مسؤولية حفظ السر عن الطبيب .
    الحالة الثانية : إفشاء السر لولي المريض أو لأحد الزوجين :
    لا بأس بإفشاء السر لولي المريض لأن ولي المريض هو الذي يرعى أمره ، ولا بأس من ذلك . وكذلك لأحد الزوجين إذا كان ذلك في الأمور المشتركة التي تخصهما معا كالعقم أو العنة ، وليس له أن يبيح بأشياء المريض الخاصة إلا بإذنه كالأمراض الجنسية ، أو الحمل في حال عدم قدرة الزوج على الإنجاب .
    الحالة الثالثة : إفشاء السر لمنع وقوع الجريمة :
    قد أوجب الفقهاء إفشاء السر منعا لوقوع جريمة ستقع كما لو جاءه رجل يطلب منه إسقاط حمل ، أو القضاء على مريض في عملية جراحية أو استشارته في أي الحقن تقضي على حياة مريض يريد أن يتخلص منه إلى غير ذلك .
    ففي هذه الحالة لا بد من إفشاء السر إلى الجهات المختصة بعد النصح والإرشاد . قال r :" من رأى منكم منكرا فليغيره " الحديث .
    الحالة الرابعة : الحالات التي يكون الطبيب فيها حكما :
    ومن هذه الحالات ما إذا طلبت مثلا مصلحة حكومية أو شركة من طبيب أن يكشف على المراد تعيينهم وأن يذكر ما عندهم من أمراض تعيقهم عن العمل المراد . ففي هذه الحالة يكون الطبيب مؤتمنا وحكما فلابد أن يذكر الحقيقة ولا يأثم في ذلك والذاهب إلى الطبيب في هذه الحالة ، في حالة علم تام بذلك ويرتضيه وحتى إذا لم يرتض ذلك . فواجب الطبيب أن يظهر الحقيقة ولو كانت ضد رغبة المريض . قال القرطبي : تجوز الغيبة في الشهادة وإذا كانت لدفع ضرر كقوله r لفاطمة بنت قيس حين طلبت مشورته في خاطبيها معاوية ، وأبي جهم بن حذيفة . أما معاويـة فصعلوك لا مال له . وأما أبو جهم لفلا يضع عصاه عن عاقته ـ 16 /34 .
    الحالة الخامسة : ما فيه حفظ للأمة ووقاية لها :
    هناك حالات معينة تعتبرها الأمة خطرا على الشعب كالأمراض المعدية التي تختلف من عصر إلى عصر ، ومن أمة إلى أمة .
    فهذه الحالات يجب أن يبلغ الطبيب عنها حفاظا على الأمة وحفاظا على صحةالمريض ما أمكن : وقد وردت الآثار الإسلامية تبين الكثير من ذلك " فر من المجذوم فرارك من الأسد " . " إذا ظهر الطاعون في بلدة وأنتم فيها فلا تخرجوا منها وإذا كنتم في غيرها فلا تدخلوها " .
    الحالة السادسة : الكشف عن جريمة وقعت :
    هذه الحالة فيها بعض التفصيل فهي إما أن يكون الطبيب فيها حكما كما إذا استدعى من قبل الدولة للكشف عن الجريمة في رجل مقتول ، أو ميت يشك في أمره وهل في الأمر جناية أم لا . ففي هذه الحالة يكون حكمها مثل الحالة الرابعة . أما إذا كان الاستدعاء من المريض أو من أهل القتيل ،وتبين له أن في الأمر جريمة هل يبلغ الجهات المختصة أم يصمت ويصون السر ؟
    في هذه الحالة : ليس الطبيب مكلفا بإبلاغ المسؤولين عن هذه الجريمة ، التي وقعت بل هو مطالب بالستر ، وقد طلب النبي r من هزال الذي جاء بماعز حين زنى : هلا سترته بثوبك . وهي جريمة عقابها الرجم والموت ، وقد وافق بعض القانونيين على هذا التوجه .
    فقال رؤوف عبيد : " القاعدة العامة تفضي بتقديم النص الخاص ، لأنه استثناء من النص العام ، وبذلك يتقدم واجب كتمان السر على واجب التبليغ عن جرم واقع ، وينبني هذا الواجب على سببين : الأول أن الطبيب حينما يدعى إلى معالجة مريض فليس له من مهمة إلا بذل عنايته . والسبب الثاني أن الالتزام بكتم السر هو التزام مطلق وعام ولا يمكن أن يتحلل منه الطبيب أو يجبر على إفشائه إلا بنص قانون خاص ، والقانون قد استثنى من الالتزام بكتم السر ، إفشاء المعلومات إذا كان المقصود بها ارتكاب جناية أو جنحة لم تكن قد وقعت ، وجعل ذلك جوازيا ، رغبة منه في ترك إفشاء السر لتقدير الطبيب المؤتمن عليه . ولما كان ما استثناه القانون لا يجوز التوسع فيه ، لذلك لا يجوز للطبيب ، الذي علم بوقوع جريمة أو شاهدها على مريضه أن يبلغ عنها أو يشهد عليها ، مادام لا يوجد نص قانوني يجيزه أو يجبره على ذلك .
    ومما يذكر في هذا الصدد أن سلطات الاحتلال الألماني أصدرت سنة 1944 تعليمات إلى الأطباء الفرنسيين بوجوب التبليغ عن الجرحى من رجال المقاومة الذين يقومون بمداواتهم ، فرفضوا متمسكين بالسر الطبي بدعوى أن تعليمات تصدر عن سلطات الاحتلال لا يمكن أن تحلهم من كتم سر مفروض بالقانون . واشتدوا في تمسكهم بدافع الشعور القومي ، وكان من أمر ذلك أن ضحى الكثيرون بحياتهم .
    إفشاء سر المريض :
    وعلى هذا فإفشاء سر المريض غير جائز إذا كره المريض ذلك ولم يأذن بإفشائه .ويصنف إفشاء السر في هذه الحالة على أنه من النميمة أو الغيبة هذا إذا كان السر غير الفاحشة .. أما إذا كان فاحشة فلا يبوح به إلا بأربعة شهود على أن يكونوا رجالا كلهم عدولا أحرارا مسلمين يصفون الزنى ويعينون الزاني والزانية والمكان الذي تم فيه الزنى وأن يجيء الشهود كلهم في مجلس واحد ، وإلا حدوا حد القذف إن كانوا ثلاثة أو اختل أحد هذه الشروط .
    وأما المسألة التي عندنا وهي : في حالة التأكد من أن الزوج عقيم ولا يمكن أن ينجب وحملت الزوجة بطريقة أو بأخرى . فلا يجوز للطبيب أن يقوم بإفشاء سر المريضة وإخبار الزوج أو الجهات المسؤولة ، لأنها متزوجة وربما وقع في علم الله ما لم يقع عليه الطب بعد وقد نهينا عن سوء الظن : " إياكم وسوء الظن ، فإن الظن أكذب الحديث " متفق عليه . ولأنه مكلف بالستر عليها في أمر مضى كما أخبر بذلك العلماء ، وأمر فيه شبهة ، وليس مع إثبات كما قدمنا في الكلام على الزنى .
    ولأن حمل المرأة غير المتزوجة لا يصلح دليلا لإقامة الحد عليها إن وصل علم ذلك إلى الحاكم ولم يستر عليها ، قال ابن قدامة في المغني : إذا حبلت المرأة التي لا زوج لها ولا سيد ، لم يلزمها الحد بذلك وتسأل فإن ادعت أنها أكرهت أو وطئت بشبهة أو لم تعترف بالزنى لم تحـد وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ، ثم قال وقد تحمل المرأة من غير وطء بأن يدخل ماء الرجل في فرجها إما بفعلها أو بفعل غيرها ، ولهذا تصور حمل البكر ، فقد وجد ذلك ، وروى عن علي وابن عباس أنهما قالا : إذا كان في الحد لعل وعسى فهو معطل : ولقوله عليه الصلاة والسلام : " ادرؤوا الحدود بالشبهات " .
    ولا خلاف في أن الحد يدرأ بالشبهات وهو متحقق هنا .
    والطبيب جهة تطبيب وستر وليس جهة حكم وتحقيق وسلطة ، هذا وقد حرم الرسول r الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع ، قال رسول الله r : " اثنان في الناس من هم بهما كفر . الطعن في النسب ، والنياحة على الميت " رواه مسلم م 550 .
    2 - أما إذا قام الطبيب بعمل مخل بآداب المهنة واكتشف ذلك زميل له هل يقوم بالإبلاغ وإفشاء السر ؟
    نقول نعم يقوم زميله بإبلاغ الجهات المختصة لأنه يعتبر خائنا للأمانة وهذا من النصيحة الواجبة وليست من الغيبة المحرمة .
    قال الإمام النووي رحمه الله عند الكلام عن الستر على المسلم ، وأما جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب جرحهم عند الحاجة ولا يحل الستر عليهم إذا رأى ما يقدح في أهليتهم وليس ذلك من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة .وهذا مجمع عليه .
    لأن الطبيب مؤتمن ، يستأمن على الحرمات والأعراض ، وهذه أكثر جرما وإفسادا من أمانة الأموال فيكون حكمها أشد وأقوى .
    ولأن الأمناء على الأوقاف والأيتام ونحوهم تقصيرهم ممكن أن يتدارك ولا يتدارك فسق الأمناء على الأعراض والحرمات التي شدد الشارع الحكيم في صيانتها والستر عليها وعدم انتهاكها أو إشاعتها .
    3 -إذا تبين للطبيب أن رب الأسرة أصيب بمرض جنسي ، ما هو موقفه هل يبلغ الأسرة أم لا ؟
    نقول : لا ليس مكلفا بإبلاغ الأسرة وينبغي الستر عليه فربما انتقل إليه بغير زنى.
    وحتى إن علم أنه انتقل إليه من زنى لا يجب عليه إلا النصح فقط ،وإلا فإن أفشى سره يكون اغتابه ونم عليه وعليه حرمة الغيبة والنميمة كما قدمنا لقول الرسول r " إن كان فيه فقد اغتبته وإن لم يكن فقد بهته " .
    كما أنه ليس من الأشياء التي توجب الحد كما قدمنا ، فإن رماه بالزنى فقد يحد الطبيب نفسه لأنه ليس عنده البينة المعروفة على الزنى . وهي شهود الرؤية الأربعة التي قدمنا ذكرهم ، يحد حد القذف لأنه اتهم بغير دليل .
    1 - رتق غشاء البكارة :
    رتق غشاء البكارة المفتوق إما أن يكون الفتق لعلة خلقية وإما أن يكون لعلة غير مشينة وإما أن يكون بسبب الفاحشة أو بما يخدش العرض والحياء والشرف .
    فإن كان ذلك الفتق لعيب خلقي في الصغيرة فلا شيء في ذلك وهذا مما يساعد على العفة والطهارة ،ويزيل العقد عند الصغيرة والخوف من ظن السوء في الحال والاستقبال . وقد يكون في هذا تفريج كربة للأهل وللمسلمين . ولا مانع من رتق غشاء البكارة للكبيرة كذلك بعيب خلقي حتى لا يظن بها السوء أو تفضح عند الجهال . وأما إذا كان الفتق لعلة غير مشينة كنزيف مثلا أو استئصال أورام أو شيء مما يقتضي فض غشاء البكارة كالقفز أو دخول خشبة أو نتاج تعذيب أو شيء من ذلك فلا بأس من رتقه للأسباب سالفة الذكر .
    الفتق بسبب الفواحش :
    أما إذا كان الفتق بسبب الفواحش أو بسبب ما يخدش الشرف فإن ذلك يستلزم وقفات :
    فإن كان ذلك عن إكراه وثبت ذلك فهذا وجه قد يأخذ حكم ما سبقه أو كان عن غيره إكراه وهذا هو الذي يجب أن نقف عنده فنقول :
    هل يعتبر رتق غشاء البكارة في ذلك مساعدة على المنكر وانتشارا للفواحش ، ويكون غشا للزوج المرتقب ، وقد وردت الأخبار تنهي عن ذلك :
    فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " إن رسول الله r قال : " من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا " .
    وعنه r أنه قال : " ولا تناجشوا " متفق عليه والنجش هو الزيادة في ثمن السلعة ليغش غيره.
    وفي رواية أن رسول الله r مر على صبرة طعام ، فأدخل يده فيها ، فنالت أصابعه بللا .
    فقال : ما هذا يا صاحب الطعام ؟ قال : أصابته السماء يا رسول الله . قال : " أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ! من غشنا فليس منا " رواه مسلم .
    وعلى هذا أفلا يكون الخداع في الأعراض وادعاء الطهارة والمساعدة على هذا الخداع ممنوعا ؟
    وقد منع الرسول r الخداع والغش في الطعام ومنع الغش في الأثمان وغير ذلك من أمور الخداع والتمويه .
    أفلا يكون رد الثيب إلى بكر ،والملوثة إلى طاهرة ، خداعا يحرم على المسلم أن يشارك فيه أو يساعد عليه ؟
    أم أن هذا الخداع يزاول للستر على أعراض المسلمين ، وهذا الكذب يمحي أثره ما دام ذلك سيجبر كسرا ويرد اعتبار التائبة ستر الله عليها .
    وقد وردت الآثار بترجيح الستر :
    أخرج هناد والحارث عن الشعبي أن رجلا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : إن لي ابنة كنت وأدتها في الجاهلية ثم استخرجتها قبل أن تموت فأدركت معنا الإسلام فأسلمت ، فلما أسلمت أصابها حد من حدود الله تعالى فأخذت الشفرة لتذبح نفسها فأدركناها وقد قطعت بعض أوداجها ، فداويناها حتى برئت ، ثم أقبلت بعد توبة حسنة ،وهي تخطب إلى قوم فأخبرتهم من شأنها بالذي كان ، فقال عمر : أتعمد إلى ما ستر الله فتبديه ؟ والله لئن أخبرت بشأنها أحدا من الناس لأجعلنك نكالا لأهل الأمصار ، بل أنكحها نكاح العفيفة المسلمة . vv
    وعن سعيد بن منصور والبيهقي عن الشعبي أن جارية فجرت فأقيم عليها الحد ثم إنهم أقبلوا مهاجرين فتابت الجارية وحسنت توبتها ، فكانت تخطب إلى عمها فيكره أن يزوجها حتى يخبر بما كان من أمرها وجعل يكره أن يفشي ذلك عليها فذكر من أمرها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : زوجوها كما تزوجوا صالحي فتياتكم .
    وأخرج البيهقي والشعبي قال :
    جاءت امرأة إلى عمر رضي الله عنه فقالت : يا أمير المؤمنين إني وجدت صبيا ووجدت قبطية فيها مائة دينار ، فأخذته واستأجرت له ظئرا ، وإن أربع نسوة يأتينه ويقبلنه لا أدري أيتهن أمه ؟ فقال لها : إذا هن أتينك فأعلميني ، ففعلت ، فقال لامرأة منهن : أيتكن أم لهذا الصبي ؟ فقالت : والله ما أحسنت ولا أجملت يا عمر ! أتعمد إلى امرأة ستر الله عليها فتريد أن تهتك سترها ، قال : صدقت : ثم قال للمرأة : إذا أتينك فلا تسأليهن عن شيء وأحسني إلى صبيهن ، ثم انصرف .
    وأخرج أبو داود والنسائي عن دخير أبي الهيثم كاتب عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قلت لعقبة بن عامر إن لنا جيرانا يشربون الخمر وأنا داع لهم الشرطة ليأخذوهم ، قال : لا تفعل وعظهم وهددهم ، قال : إني نهيتهم فلم ينتهوا وأنا داع لهم الشرطة ليأخذوهم فقال عقبة ويحك لا تفعل : فإني سمعت رسول الله r يقول : " من ستر عورة فكأنما استحيا موؤدة في قبرها " رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال صحيح الإسناد .
    والذي يترجح عندي أن الستر أفضل والإحجام عن الرتق أوفق إذا كان الفتق عن فاحشة وهذه الآثار الواردة تؤيد الستر فقط ولا تؤيد التدخل بالأعمال أو المساعدة والله أعلم ... :


    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    جريمة إفشاء الأسرار Empty رد: جريمة إفشاء الأسرار

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الأربعاء سبتمبر 29, 2010 10:19 pm

    الدفوع فى جريمة إفشاء الأسرار
    1ـ الدفع بعدم توافر السر .
    2ـ الدفع بأن السر لم يكن مهنيا .
    3ـ الدفع توافر فعل الافشاء .
    4ـ الدفع بعدم توافر صفة الجانى .
    5ـ الدفع بعدم إفشاء الطبيب للسر .
    6ـ الدفع بعدم إفشاء الممارس للسر .
    7 ـ الدفع بعدم إفشاء القاضى للسر .
    8 ـ الدفع بعدم إفشاء الموظف العام للسر.
    9 ـالدفع بعدم إفشاء رجل الديين للسر .
    10 ـالدفع بأن المتهم من اصحاب المهن التى لايلتزم افرادها بكتمان السر .
    11ـ الدفع بإنتفاء الركن المعنوى .
    12ـ الدفع بأن إفشاء السر كان تنفيذا لأمر القانون أو إستعمال حق يقرره .
    13 ـ الدفع برضاء صاحب السر بإفشائه .
    14 ـ الدفع بأن إفشاء السر كان بناء على الخبرة .
    15 ـ الدفع بأن إفشاء السر كان بحكم القانون .
    16 ـ الدفع بأن إفشاء السر كان بحكم القانون .
    17 ـ الدفع بأن المريض هو الذى افشى السر .
    الدفع بخلو الاوراق من الفعل المؤثم .
    نقلا عن موسوعة الدفوع للمستشار حامد الشريف ج 5 ط 2005
    جمعت بواسطة : محمد راضى مسعود

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 8:03 am