روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    حكمـت المحكمـة...دكتور محمد سليم العوَّا

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    حكمـت المحكمـة...دكتور محمد سليم العوَّا Empty حكمـت المحكمـة...دكتور محمد سليم العوَّا

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الإثنين أغسطس 03, 2009 3:53 pm

    حكمت محكمة النقض في 5 من جمادى الآخرة 1425هـ الموافق 22/7/2004 في الطعن رقم 38446 لسنة 73 القضائية ببراءة جميع المتهمين في القضية المعروفة إعلامياً باسم قضية «الجمارك الكبرى»، وسياسياً باسم قضية «محيي الدين الغريب».

    وحاصل الموضوع أن تهماً بالتربح والرشوة والتزوير وُجهت إلى الأستاذ الدكتور محيي الدين الغريب وزير المالية الأسبق، وعلي طه علي محمود رئيس مصلحة الجمارك وأحمد عمر السيد مدير المالية العامة بالمصلحة وأمنية عفيفي مدير المكتب الفني لرئيس مصلحة الجمارك، وآخرون من المستثمرين ورجال الأعمال هم عادل بديع طالب أغا (مستثمر في مجال الغزل والنسيج) وعلي محمد خليل (مستثمر في مجال الاستيراد والتصدير) والسيد محمد السيد إبراهيم (مستثمر في مجال استيراد الرخام وتصنيعه وتسويقه).

    حوكم المتهمون عن هذه التهم أمام إحدى دوائر محكمة جنايات القاهرة فأدانتهم وعاقبتهم بالأشغال الشاقة مدداً متفاوتة كان أقصاها ثماني سنوات للدكتور محيي الدين الغريب وأدناها ثلاث سنوات لعادل أغا والسيد محمد السيد إبراهيم وأمنية عفيفي، وبغرامات تراوحت بين مليونين ومئة وأربعة وتسعين ألف جنيه، وستة عشر مليون ومئتين وتسعة وستين ألف وتسعمئة وخمسة جنيهات (كانت هي الغرامة المحكوم بها على دكتور محيي الدين الغريب في التهمتين الموجهتين إليه!).

    طعن المتهمون في هذا الحكم بطريق النقض، فألغت محكمة النقض حكم محكمة الجنايات وأحالت القضية إلى دائرة أخرى من دوائر محكمة جنايات القاهرة لإعادة المحاكمة، وهذه الدائرة قضت بمدد العقاب التي حَكَمَ بها الحُكم الذي ألغته محكمة النقض وزادت من مبلغ الغرامة المحكوم بها على الدكتور محيي الدين الغريب وعلي طه وعادل أغا في شأن تهمة واحدة من مبلغ 2.194.000 إلى مبلغ 4.406.659 مليون جنيه (!) على الرغم من القاعدة التي تقرر أن الطاعن لا يضار بطعنه، وأبقت مدد الأشغال الشاقة كما قضى بها الحكم الذي ألغته محكمة النقض.

    ولأن القانون المصري ـ لحسن حظ المتهم ـ يوجب على محكمة النقض إذا طُعِن أمامها في حكم محكمة الجنايات ـ أو حكم محكمة الاستئناف ـ للمرة الثانية في القضية ذاتها أن تقضي هي بنفسها ـ أي محكمة النقض ـ في موضوع الدعوى إذا رأت نقض الحكم المطعون فيه، فقد نظرت الدعوى الجنائية موضوعياً، للمرة الثالثة، أمام محكمة النقض بدائرتها الجنائية التي يرأسها المستشار عادل عبد الحميد، وتضم في عضويتها المستشارين مصطفى الشناوي وأحمد عبد القوي أيوب ورضا القاضي وأبو بكر البسيوني أبو زيد (وكلهم نواب لرئيس محكمة النقض).

    واتسع صدر المحكمة لسماع مرافعات الدفاع عن المتهمين مرتين: مرة في شأن طلب نقض الحكم الثاني الصادر من محكمة جنايات القاهرة بالإدانة والعقاب (!) ومرة في شأن موضوع الدعوى الذي طلب جميع المحامين فيه براءة جميع المتهمين.

    * * * * *

    وبعد مداولة طال أمدها على المتهمين (استغرقت المدة من 15/4/2004 حتى صدور الحكم في 22/7/2004) انتهت المحكمة الأعلى في قضائنا المصري إلى براءة المتهمين جميعاً من جميع التهم التي نُسبت إليهم (!)

    والبراءة هي الأصل في الإنسان. فلا غرابة في أن يُحْكَم بها في أية قضية مهما كان شأنها وشأن المتهمين أو المجني عليهم فيها. ونزاهة الوظيفة العامة وحيدة القائمين عليها هي الأصل في كل موظف عام، فلا غرابة في انتفاء التهمة عنه بعكس ذلك أو ضده، إذ الحق أحق أن يتبع. ولذلك فإن القضاء ببراءة المتهمين من الموظفين والمستثمرين لا يستدعي تعليقاً ولا تنويهاً. ولكن الذي يستدعي الوقوف عنده هو الأسباب التي دعت محكمة النقض إلى مخالفة حكمي محكمتي الجنايات (كل منها مكونة من ثلاثة من المستشارين الكبار ذوي الخبرة في القضاء الجنائي) وإلى أن تنتهي إلى عكس ما انتهت إليه هاتان المحكمتان معاً.

    قالت محكمة النقض، وقولها حق، إن إحالة الدكتور محيي الدين الغريب موضوع تظلم عادل أغا إلى مستشاره القانوني نائب رئيس مجلس الدولة لبحثه ثم تشكيل لجنة على أعلى مستوى لإعداد دراسة شاملة عنه، ثم إعادته الأوراق إلى تلك اللجنة لما وجد رأيها غير كافٍ.. هذا التصرف من جانب وزير المالية (الدكتور محيي الدين الغريب) كان مباشرة لحقه الدستوري في بحث تظلم عادل طالب أغا ولا تثبت به جريمة تربيح، أو محاولة تربيح عادل أغا.

    وقالت محكمة النقض إن تأشير علي طه محمود على الأوراق الخاصة بعادل أغا بعبارة «يحفظ مؤقتاً لحين الطلب» لا يَثبت القصد الجنائي الخاص ـ للمتهم الثاني ـ في جريمة تربيح عادل طالب أغا بغير حق. وإن أوراق الدعوى خلت من وجود أية صلة بين علي طه محمود وعادل طالب أغا... وبالتالي فإن أركان تلك الجريمة تكون منتفية.

    وقالت محكمة النقض إن التظلم حق دستوري للكافة كفلته المادة 63 من الدستور، وواجب على الجهات المُتَظَلَّم أمامها بحثه والبت فيه، وهذا التظلم لا يفيد أن هناك اشتراكاً في الجريمة بين المتهمَيْن الأول والسابع (محيي الدين الغريب وعادل أغا)، ولا يكفي في هذا الشأن وجود شركة بين ابني المتهم الأول والمتهم السابع وأولاده لأن الثابت بالأوراق أن هذه الشركة لم تباشر النشاط الذي أنشئت من أجله (!).

    وقالت محكمة النقض، وقولها حق، إنه لا يجوز لمصلحة الجمارك أن تطالب المستثمرين ـ في مجال مستودعات المناطق الحرة ـ بزيادة الضمانات عند كل زيادة في السلع التي ترد إلى المستودع لأول مرة، وإن تأشيرات المتهم الأول (د. محيي الدين الغريب) على الأوراق الخاصة بالمتهم الثامن (على خليل) كان الغرض منها التحقق من توافر الحراسة الكاملة على الأسواق الحرة وفروعها في كل أنحاء مصر، وأن أبوابها لا تفتح إلا في وجود موظفي الجمارك، وكذلك التيسير على المستثمرين من رجال الأعمال عن طريق تخفيف أعباء تكلفة خطابات الضمان المصرفية المبالَغ فيها على كل المشروعات العاملة في مصر.. ولا تعوِّل المحكمة على ما قاله الشاهد محمد هاشم قراعة عضو الرقابة الإدارية ـ الذي صنع هذه القضية كلها ـ من أن قبول المتهم الأول ـ الوزير ـ لوثيقة التأمين المقدمة من المتهم الثامن (علي خليل) كان باعثه مجاملته لما بينهما من علاقة قائمة على تبادل المنافع المادية، إذ إنه مجرد قول مرسل من الشاهد المذكور بلا دليل مقنع على هذه العلاقة أو أثرها في تصرف الوزير (!) وإن البيِّن من تأشيرة الوزير أن نية الإضرار العمدي بأموال ومصالح مصلحة الجمارك غير قائمة عنده.

    وقالت المحكمة إن تأشيرة علي طه، في شأن الموضوع نفسه، لا تؤدي إلى أن غرضه هو تربيح المتهم علي خليل بل إن الغرض منها قد يكون تيسير العمل بمصلحة الجمارك (!) وأن دور المتهم الثالث أحمد عمر السيد كان تنفيذا لتعليمات اعتقد صحتها، وكان حَسَن النية في هذا الاعتقاد، ولم يَشُبْ عمله غش أو سوء نية، وكان عمله مبنياً على أسباب معقولة ملتزماً دائرة التثبت والتحري فلا تثريب عليه لأنه أدى ما عليه من واجب في هذا المقام (!) وقد خلت الأوراق من وجود اتفاق على ارتكاب الجريمة بين المتهم الثامن علي خليل والمتهمين الأول والثاني والثالث (الوزير ورئيس الجمارك ومدير المالية العامة بها) مما يدل على انتفاء الاشتراك في الجريمة (التي قد نفاها الحكم أصلاً!).

    وقالت محكمة النقض، وقولها حق، إنها لا ترى في التسجيلات التي تمت بين أمنية عفيفي وزوجها الدكتور سعيد شعيب وعلي طه أي دليل على الرشوة، وإن المحكمة تطمئن إلى أقوال أمنية عفيفي وزوجها، لاسيما أن المتهم العاشر (السيد محمد إبراهيم) قد قرر صراحة أنه حصل على ثمن الرخام الذي قام بتركيبه بشقة ابنة المتهمة السادسة (أمنية عفيفي). وقد ثبت من أقوال الشهود الموظفين بمصلحة الجمارك، بمن فيهم شاهد الإثبات الثاني علي غالي، أن تخفيض الغرامة الجمركية إلى العشر أمر معتاد وهو من سلطة رئيس مصلحة الجمارك، ورأت المحكمة ـ والحق معها ـ أن قيام علي طه وأمنية عفيفي بتخفيض الغرامة الموقعة على السيد محمد إبراهيم إلى العشر لم يكن مقابلاً لرشوة من هذا المتهم بل كان واجباً عليهما بحث تظلمه والفصل فيه في حدود صلاحيتهما (!).

    * * * * *

    حكمت محكمة النقض بالبراءة ـ إذن ـ لانعدام الدليل على أية تهمة من التهم التي نسبت إلى المتهمين. والحكم القضائي البات هو دليل الحقيقة التي لا مراء فيها ولا ريب.

    وقيام الدليل وانتفاؤه مسألة تتصل بموضوع الدعوى أكثر مما تتصل بالحجاج القانوني فيها. وأمر تقدير الدليل يعود كله إلى محكمة الموضوع مادام الذي تنتهي إليه من رأي يجد في الأوراق أساساً له صالحاً لابتنائه عليه.

    والوقائع التي درستها محكمة النقض هي هي الوقائع التي درستها مِنْ قَبْلُ محكمة جنايات القاهرة مرتين في دائرتين مختلفتين. والمرافعات التي سمعتها المحاكم الأربعة (دائرتي نقض ودائرتي جنايات) هي هي لم يزد عليها أمام المحكمة التي حكمت بالبراءة سوى ما اقتضاه حكم الجنايات الثاني من وجوه طعن ودفاع لم تكن واردة قبله (!).

    وهؤلاء البرءاء سُجِنوا نحواً من سنتين ـ تزيد أو تنقص ـ ثم تَبَيَّنَ أن حبسهم الاحتياطي كله كان دون جريرة وبلا مسوِّغٍ في التقدير الصحيح للدعوى وأدلتها. وتَبَيَّن أنهم استعملوا حقوقهم وأدَّواواجباتهم الدستورية وحرصوا على مصالح المستثمرين وعلى تيسير العمل في حدود القانون وفي حدود صلاحياتهم اللائحية،ففيم كانت الإدانة في المرتين إذن؟!!

    وما حدث في هذه القضية مكرر في عشرات القضايا أو مئاتها، وهو يدعو إلى إعادة نظر جديدة وعاجلة في نظام قضائنا الجنائي، وآليات عمله، وتدريب القضاة فيه، وقبلهم وكلاء النائب العام بمناصبهم المتدرجة (من المحامين العامين إلى معاوني النيابة) تدريباً يعينهم على إقامة العدالة الجنائية التي حيثما أسفر وجهها فثم وجه الحق، وحيثما حجبتها حجب سوء التقدير، أو عدم العلم أو العجلة أو الخوف من إغضاب ذوي الجاه والسلطان، أفلت شمس الحرية وعجَّل ذلك بغضب الله تعالى الذي تهلك به الأمم وتفنى الدول ويباد الملوك وتسقط عروشهم.

    والله المستعان.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 1:37 am