روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    وفاة محامي الفقراء وزعيم اليسار المصرى المحامى أحمد نبيل الهلالى

    رمضان الغندور
    رمضان الغندور
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني


    عدد المساهمات : 7758
    نقاط : 21567
    السٌّمعَة : 16
    تاريخ التسجيل : 31/05/2009
    العمر : 67
    العمل/الترفيه : محامي حر

    وفاة محامي الفقراء وزعيم اليسار المصرى المحامى أحمد نبيل الهلالى Empty وفاة محامي الفقراء وزعيم اليسار المصرى المحامى أحمد نبيل الهلالى

    مُساهمة من طرف رمضان الغندور الخميس يونيو 18, 2009 12:31 pm


    هو المحامىالمعروف بقدوه وزعيم اليسار المصرى أحمد نبيل الهلالى، المولود فى ٧ أغسطس١٩٢٢.
    حصل على ليسانس الحقوق عام ١٩٤٩ واشتغل بالمحاماة منذ هذا التاريخ وانتخب عضوا فى مجلس نقابة المحامين فى الدورات المتتالية منذ عام ١٩٦٨ حتى ١٩٩٢.
    انضم أحمد نبيل الهلالى للحركة الشيوعية المصرية منذ ١٩٤٨، وكان أحد كوادر الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى «حدتو». اعتقل مرتين خلال عهد الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر، الأولى عام ١٩٥٩ واستمر سجنه خمس سنوات، ثم اعتقل مرة أخرى عام ١٩٦٥ لمدة أربع سنوات.
    أسس حزب الشعب الاشتراكى عام ١٩٨٧، بعد خلافات مع الحزب الشيوعى على مواضيع الإسلاميين والتحالف مع النظام المصرى.لأحمد نبيل الهلالى مؤلفات منها كتاب «حرية الفكر والعقيدة..
    تلك هى القضية»، وهو عبارة عن مرافعة قانونية وسياسية فى قضية الحزب الشيوعى المصرى عام ١٩٨١ وكتاب «اليسار الشيوعى المفترى عليه.. ولعبة خلط الأوراق»، وهو عبارة عن ردود على الأكاذيب التى استخدمتها الرجعية المصرية فى حربها ضد الشيوعيين المصريين.اعتبر مكتب الهلالى مقصداً لكل العمال والمقهورين، فدافع عن حقوق الفلاحين والعمال والحريات،
    بالإضافة إلى دفاعه عن الخصوم السياسيين للسلطة،ومرافعته فى قضية «الدكتور عمر عبدالرحمن»، بالإضافة إلى مرافعاته فى القضايا العامة مثل قضية إضراب السكة الحديد عام ١٩٨٦ وقضية حريق قطار الصعيد ومرافعته فى قضية المستشارين «هشام البسطاويسى» و«أحمد مكى» وغيرها من القضايا العامة.إلى أن توفى فى مثل هذا اليوم «١٨ يونيو من عام ٢٠٠٦» عن ٨٤ سنة.
    وفى يونيو من عام ٢٠٠٦ كتب أحمد الخميسى يقول عن وفاة الهلالى: «كنت أستند، بلا وعى، إلى أن نبيل الهلالى موجود أينما كنت أذهب أو أفعل، مهما كتبت أو مشيت فى مظاهرة فى سفرى وفى عودتى عند أبواب المطارات وفى مواجهة ضباط الداخلية فى كل ذلك كنت أعتمد بلا وعى على أن نبيل الهلالى موجود، وأنه إذا ما حدث شىء لى فإنه سيبرز من الظلمة للدفاع عنى..
    كنت مطمئنا إلى أن فى الحياة دفاعا وفارسا سيظهر فى اللحظة المناسبة بقامته الطويلة ويأخذ فى تفنيد التهمة الملفقة، ثم يرفع عينيه المهذبتين اللامعتين إلى القضاة صائحا بصوته النحيف: أفرجوا عن هذا الإنسان.. كان كل معتقل وملاحَق «إنسانًا» بالنسبة له.
    الآن مع رحيل نبيل الهلالى اختفت فكرة الدفاع وفارقتنا الطمأنينة على مصائرنا، بعد رحيل الهلالى الذى كان يجوب البلاد باحثًا عن مظلوم ليدافع عنه، على مدى أكثر من نصف قرن.


    عدل سابقا من قبل رمضان الغندور في الخميس يونيو 18, 2009 1:05 pm عدل 1 مرات
    رمضان الغندور
    رمضان الغندور
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني


    عدد المساهمات : 7758
    نقاط : 21567
    السٌّمعَة : 16
    تاريخ التسجيل : 31/05/2009
    العمر : 67
    العمل/الترفيه : محامي حر

    وفاة محامي الفقراء وزعيم اليسار المصرى المحامى أحمد نبيل الهلالى Empty رد: وفاة محامي الفقراء وزعيم اليسار المصرى المحامى أحمد نبيل الهلالى

    مُساهمة من طرف رمضان الغندور الخميس يونيو 18, 2009 12:47 pm

    وفاة محامي الفقراء وزعيم اليسار المصرى المحامى أحمد نبيل الهلالى 180px-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%8A
    لم يخطف الأضواء في حياته، وإن كان حضوره في المحافل والمحاكم والاجتماعات داعية وسياسياً ومدافعاً عن سجناء الرأي والمظلومين من فقراء مصر كبيراً، ولم يشغل رحيله الناس عن انشغالاتهم، وهو الذي شغل نفسه بمشكلاتهم وربط مصيره بحل قضاياهم العادلة.
    نبيل الهلالي الذي رحل قبل أيام مودعاً بتقدير محبيه وأصدقائه، كان سياسياً من طراز رفيع، ومحامياً مدافعاً عن قضايا العمال ضد استغلال الدولة أو أرباب العمل. وكان داعية إلى وحدة المعارضة الديمقراطية، ورأى أن هذا الهدف ينطلق من "أن حماية الوطن من الأخطار التي تهدده من جانب الإمبريالية والصهيونية وعملائهما وانتشال الوطن من المحنة التي ساقته إليها سياسات الحكم مهمة شاقة لا يقوى فصيل واحد على احتكار شرف القيام به".
    نبيل الهلالي ابن الباشا نجيب الهلالي رئيس الوزراء الذي خلعه الضباط الأحرار في 23 تموز ،1952 وحين فتشوا منزله وجدوا منشورات سرية للحزب الشيوعي، وعرفوا أنها تعود لنبيل المتمرد على طبقته، والذي اختار خندق الشعب، وناصر قضاياه حتى النهاية.
    وقف الهلالي أمام محكمة المجلس العسكري في قضية الشيوعيين الكبرى في 15 آب عام ،1959 وكان موقوفاً وتعرض للتعذيب والتهديد، وقدم دفاعاً سياسياً عما يراه الشيوعيون لوطنهم، وكانت مرافعته موضع تقدير كبير من رفاقه ومن الحقوقيين الحاضرين، وقد قال لرئيس المحكمة: "أنتم تقولون إنه يوجد حزب شيوعي، وهو حزب ضار، وأنا أقول لسيادتكم إن هذا الكلام خطأ، إنها وجهة نظري أقولها وأتمسك بحقي في قولها"، ودافع في مرافعته عن أعمال الشيوعيين وسياسة حزبهم وتضحياتهم لوطنهم وشهدائهم، وحكم عليه بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات.
    وحين قامت قيادة الحزب الشيوعيين المصري عام 1965 بحل الحزب لم يشارك نبيل في هذه الكارثة، بل واصل النضال متمسكاً بدوره، ثم سجن مرة ثانية عام 1977 إبان أحداث انتفاضة الخبز، وضمته زنزانة في سجن القلعة مع صديقه د. رفعت السعيد، لكن السجان لم يحتمل وجودهما معاً فوضع كلاً منهما في زنزانة منفردة، وقال في مرافعته الشهيرة أمام المحكمة: هذه القضية هي الحلقة الأولى في سلسلة إجراءات توالت لخنق كلمة "لا" ولتكميم الأفواه ولإحناء الجباه.
    إنها ليست أبداً قضية "قلة حاقدة أو شلة هدامة"، كما قالت النيابة العامة، بل هي قضية المواطن المصري، إنها قضية حرية الفكر والعقيدة، تكون في مصر أو لا تكون.
    وعلى مر العصور والعهود، في مصر وخارج الحدود خنق جلادو الحرية دائماً الديمقراطية باسم حماية الديمقراطية، ولاحقوا الوطنيين دائماً بحجة محاربة الشيوعية، وكان العداء للشيوعية -في كل زمان ومكان- هو ستار الدخان الذي ترتكب من ورائه أبشع الانتهاكات.
    رحل الهلالي "محامي الشعب" كما أسماه أصدقاؤه، تاركاً لنا ابتسامته الأليفة ومرافعاته الجريئة التي أنار من خلالها وهو ممثل القضاء الواقف- القضاء الجالس على المنصة. وكتبه التنويرية وتجربته الغنية الفذة، وكانت زوجته فاطمة زكي، المناضلة النشيطة في صفوف الحركة النسائية المصرية قد رحلت قبله، وقال كلمته بجرأة وانحاز إلى صفوف الفئات المستضعفة المفقرة، ونذر قلمه وعلمه ومعظم وقته لبناء وطن يسوده العدل، وتحترم فيه حقوق المواطنين وكراماتهم.
    رمضان الغندور
    رمضان الغندور
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني


    عدد المساهمات : 7758
    نقاط : 21567
    السٌّمعَة : 16
    تاريخ التسجيل : 31/05/2009
    العمر : 67
    العمل/الترفيه : محامي حر

    وفاة محامي الفقراء وزعيم اليسار المصرى المحامى أحمد نبيل الهلالى Empty رد: وفاة محامي الفقراء وزعيم اليسار المصرى المحامى أحمد نبيل الهلالى

    مُساهمة من طرف رمضان الغندور الخميس يونيو 18, 2009 12:59 pm

    كأنه جاء من عوالم الأفكار المثالية المجردة ليجسدها فى صورة بشر، تمرد على طبقته، وهو ابن آخر رؤساء الوزارات فى العهد الملكي، ودفع ثمنا غاليا من حريته الشخصية فى السجون دون أن يتردد أو يتراجع أو يساوم، وفتح مكتبه للمحاماة أمام كل من له مظلمة، ودافع فى قاعات المحاكم عن خصومه فى الرأي، وصار اسمه علما على التقشف والزهد والتفانى فى خدمة ما يؤمن به، ابتسامته وديعة، وصلابته بلا حدود، خطف القلوب. يمشى بتواضع ويتكلم ويحاور بصوت خفيض، قيمته مؤكدة بتاريخه، ولعله بفيض الحب الذى حازه هو أكثر الشخصيات اليسارية فى القرن العشرين اقترابا من الضمير العام، بل لعله من هذه الزاوية الرمز الإنسانى الأكبر لليسار فى هذا القرن، وفى لحظات الوداع نضع أمام القارئ نصا غير منشور للأستاذ الهلالى الذى يوصف عن استحقاق ب القديس ألقاها قبل أشهر قليلة فى نقابة الصحفيين فى احتفال دعا إليه صالون النديم للفكر العربى لتكريمه. النص يكشف عن جوانب فى شخصية الهلالى تستحق التوقف أمامها والانحناء احتراما. العربي الأصدقاء والزملاء والرفاق الأعزاء رغم إيمانى بأننى غير جدير بهذا الحفل الكريم.. لأن كل ما اعتبرتموه حيثيات للتكريم.. لا يعدو أن يكون من قبيل تأدية الواجب. ولا شكر أبدا على أداء الواجب. فاسمحوا لى بأن أتوجه بخالص الشكر على هذا التكريم لصالون النديم.. وأن أتقدم أيضا بوافر الامتنان.. لكل من غمرونى وأمطرونى بكلماتهم الحميمة. التى أرجو أن أكون حقا جديرا بها، وأن أظل جديرا بها خلال البقية الباقية من العمر. ثم اسمحوا لى قبل أن أشرع فى التعقيب بأن أوجه همسة عتاب مع الاعتذار كل الاعتذر للفنان الكبير فؤاد المهندس. فطالما اخترتمونى لكى تكرمونى فلقد كان الأصوب والأوجب أن يكون تكريمى مناسبة لتقييمى برصد ما يحسب لى من ايجابيات وما يؤخذ على من سلبيات، خاصة أننى لم أصبح بعد فى عداد الأموات حتى يخضع الحديث عنى لمعيار اذكروا محاسن موتاكم. من جهة أخري، وانطلاقا من قناعتى بأن التكريم لا يجب أن يقتصر وينحصر فى مجرد الأحياء دون الأموات. فأعتقد أن هناك من هو أولى منى بالتكريم الليلة.نحن أيها الأخوة فى عام 2004/2005 نحن أيها الأخوة فى عام النضال ضد التوريث. ولذلك ألم يكن الأحق والأجدر بالتكريم الليلة هو الزعيم العظيم. الرجل البطل.. صاحب براءة ابتكار شعار لا للتوريث أحمد عرابى الذى أطلق الشعار متحديا سلطانا جائرا قائلا لسنا عبيدا ولا متاعا.. ولن نورث بعد اليوم. الأخوة الأعزاء على طول مسيرة حياتى لاحقتنى وطاردتنى مجموعة من علامات التعجب والاستفهام بل وأحيانا علامات استنكار. وربما ترددت بعض أصداء هذه التساؤلات فى كلماتكم الليلة. فاسمحوا لى بأن أكرس تعقيبى لتقديم بعض الايضاحات على بعض هذه التساؤلات.التساؤل الأول: منذ مطلع شبابى يواجهنى متسائلون يتساءلون: رغم أصلك الطبقى كابن لأسرة برجوازية كيف تفسر اعتناقك الشيوعية، وما الذى دفعك لهجر خندق الرأسمالية والانتقال بموقعك الطبقى إلى الخندق المضاد، وردا على هذا التساؤل أقول، أولا: أنا لست الوحيد من أبناء الطبقات الموسرة الذى تمرد على طبقته. سواء فى مصر أو خارج الحدود بتبنى الفكر الاشتراكي، ويحضرنى فى هذه المناسبة موقف لفيلسوف بريطانى ساخر من أسرة ارستقراطية عريقة كانت له فى مطلع شبابه نزعة يسارية.التقى هذا الفيلسوف يومها بقيادة نقابة صفراء ممن نطلق عليهم تسمية ارستقراطية العمال. وعاتب النقابى الأصفر الفيلسوف على يساريته وهو ابن الحسب والنسب. فرد عليه الفيلسوف ساخرا بما ترجمته باللغة العربية لا تعاتبنى يا صديقى فالحال من بعضه وكل منا قد خان الطبقة التى ينتمى إليها. ثانيا: لعل انتمائى لأسرة برجوازية هو الذى أتاح لى فرصة مشاهدة المطبخ الداخلى للمجتمع الرأسمالي، واكتشفت من خلال هذه المشاهدة ومنذ الصغر الوجه الصحيح، الكالح القبيح للرأسمالية. ثالثا: من المفارقات الجديرة بالتسجيل أننى مدين لوالدى أحمد نجيب الهلالي، رغم نفوره الشديد من الشيوعية بأنه أول من غرس فى نفسى أفكارا وقيما كانت بمثابة نقطة الانطلاق نحو تحديد خياراتى السياسية. وهو أول من هيأ ذهنى لتقبل وتبنى الأفكار الاشتراكية. وذلك من حيث لا يدرى. ومن حيث لا يريد بالطبع. لقد تفتح ذهنى على العمل السياسى فى مرحلة بلغ الصدام فيها ذروته بين السراى والوفد. وكان الهلالى متطرفا فى عدائه للملك والسراى يومها حتى اتهم بأنه جمهورى النزعة وأحيل فى الأربعينيات من القرن الماضى إلى محكمة الجنايات بتهمة العيب فى الذات الملكية فى سلسلة مقالات كتبها بتوقيع ديك الجن. كما كان والدى شديد التزمت فى الاستقامة الأخلاقية والعداء للفساد والرشوة والمحسوبية. وكلها قسمات بارزة فى المجمعات الرأسمالية.
    رمضان الغندور
    رمضان الغندور
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني


    عدد المساهمات : 7758
    نقاط : 21567
    السٌّمعَة : 16
    تاريخ التسجيل : 31/05/2009
    العمر : 67
    العمل/الترفيه : محامي حر

    وفاة محامي الفقراء وزعيم اليسار المصرى المحامى أحمد نبيل الهلالى Empty رد: وفاة محامي الفقراء وزعيم اليسار المصرى المحامى أحمد نبيل الهلالى

    مُساهمة من طرف رمضان الغندور الخميس يونيو 18, 2009 1:00 pm

    وكان أيضا عميق الإيمان بتكافؤ الفرص بين المواطنين خاصة فى التعليم. وهو أول من تبنى وهو وزير معارف مجانية التعليم، وفى مقال نشرته مجلة الكاتب المصرى التى رأس تحريرها الدكتور طه حسين كتب الهلالى يوما ساخرا عن تكافؤ الفرص فى التعليم فقال تطبيق قاعدة تكافؤ الفرص تطبيقا صحيحا، يدك نظام المجتمع المصرى لأن تعليم الفقراء يفقر الأغنياء، وفقر الأغنياء دهياء وهباء. رابعا: صادفتنى فى مطلع حياتى واقعة مفجعة لاتزال محفورة فى مخيلتى عن مدى قسوة التفاوت الطبقى فى المجتمع الرأسمالى فمنذ سبعين عاما أو يزيد وأنا طفل غرير دخلت محل حلوانى شهير فى وسط القاهرة لأتزود بما لذ وطاب من الحلوى والجاتوهات. ولما هممت بالخروج من المحل، صدمنى مشهد مأساوى لم أنسه ولن أنساه. مادمت على قيد الحياة: حفنة من أطفال الشوارع المشردين يتزاحمون ويتدافعون أمام فاترينة المحل ليلحسوا بألسنتهم اللوح الزجاجى الذى يفصلهم عن معروضات يسيل لها اللعاب. يومها قفز فى الحال إلى ذهنى سؤال لم يغرب أبدا عن البال: لماذا يعانى هؤلاء الأطفال من البؤس والحرمان بينما أنا وأسرتى غارقون فى النعيم. لماذا هذه الفجوة الهائلة بين فقر الفقراء وثراء الأثرياء؟. وظل السؤال يفتقر إلى الجواب حتى قدر لى الاطلاع على الأدبيات الماركسية التى قدمت لى الرد العلمى ومنذ استوعبت هذا الرد تحولت النزعة الإنسانية فى نفسى إلى موقف واع ومعاد للاستغلالية الرأسمالية. السؤال الثانى: يواجهنى به البعض بنظرة إشفاق ويواجهنى به آخرون مقرونا بنظرة شماتة وهو سؤال يقول: لماذا تتشبث بهويتك الشيوعية حتى الآن وقد تهاوت من حولك الأنظمة التى كانت ترفع ألوية الشيوعية وتساقطت كأوراق الخريف ومن رفاقك القدامى من سلم بأنه ضيع فى الأوهام عمره. وراح يتنصل من ماضيه وفكره وردى على هذا السؤال يخلص فى الآتى: أولا: الماركسية فى نظرى ليست نصوصا مقدسة جامدة بل نظرية حية متجددة. وهى لا باخت ولا خابت. ولا شاخت.. ولا ماتت. الشيوعيون هم الذين يخطئون ويشيخون ويموتون. أما الماركسية فهى نظرية قادرة على تجديد وإثراء نفسها، وتصويب أخطائها.ثانيا: طالما ظلت فى دنيانا رأسمالية تمارس الاستغلال الوحشى وطالما ظلت الشعوب تكتوى بنار شرورها ستبقى الماركسية ضرورة موضوعية. وتظل الاشتراكية هى البديل الموضوعى عن الرأسمالية وستظل الاشتراكية هى الحل. وكما قال بحق الفيلسوف الفرنسى غير الماركسى جان بول سارتر: الماركسية غير قابلة للتجاوز لأن الظروف التى ولدتها لم يتم تجاوزها بعد.ويخطئ من يحكم على مستقبل الشيوعية على ضوء حاضرها المأزوم. لأن التاريخ ليس أبدا لقطة فوتوغرافية ساكنة للحظة زمنية راهنة. وإذ كان النموذج السوفيتى بكل أخطائه وانحرافاته قد سقط فى الاختبار وانهار وكان يجب أن يسقط وينهار. فإن هذا لا يبرر أبدا الشطب بالقلم الأحمر على الماركسية ذاتها. تماما كما أن موت المريض داخل غرفة العمليات بسبب خطأ ارتكبه الجراح لا يبرر أبدا الدعوة لإلغاء علم الجراحة. سيظل الأطباء يصيبون ويخطئون وسيظل المرضى يشفون ويموتون وسيظل الطب محتفظا بمكانه كعلم يواصل اكتشاف الجديد. وأداء رسالته فى خدمة الإنسانية. الأمر الثالث والأخير المحتاج منى لتفسير هو مشاركتى فى الدفاع فى قضايا الجماعات الإسلامية رغم التناقضات الجذرية بين أفكارى وأفكارهم، لقد أثار موقفى هذا أيضا علامات استفهام عند البعض وامارات استهجان عند آخرين حتى إن بعض الزملاء اليساريين سامحهم الله اتهمونى بأننى بذلك أقدم الدعم القانونى للإرهاب الدينى. والقضية فى جوهرها أوضح من احتياجها لأى توضيح. فإننى أسلم بأنها فى مظهرها قد تثير الحيرة والالتباس عند بعض الناس. لذلك فأنا التمس العذر لكل من تعجب أو تساءل أو استهجن وأقول لهؤلاء إن موقفى ببساطة ينطلق من إيمانى العميق الذى لم يزعزع يوما ولن يزعزع دوما بأنه فى مجال حقوق الإنسان لا مكان للانتقائية فى المواقف. والازدواجية فى المكاييل، فهناك فقط موقف مبدئى واحد وأصيل هو الدفاع عن حقوق كل إنسان، أى إنسان أيا كانت عقيدته الوطنية أو اعتقاده السياسى أو منطلقه الايديولوجى.الدفاع عن الإنسان المجرد، وليس الإنسان المصنف الذى يشاركنى الانتماء والتوجهات، فى مجال الدفاع عن حقوق الإنسان المعيار الأوحد الذى يحدد من هو الإنسان هو إنسانيته. وليس دينه، ولا لونه السياسى ولا ايديولوجيته، وأنا لم أتوصل إلى هذه القناعة باختيار فكرى فحسب، وإنما هذه القناعة تولدت لدى من دروس الحياة التى تؤكد أن التغاضى أو السكوت أدنى انتهاك لحريات الآخرين حتى لو كانوا منافسين سياسيين أو خصوما سياسيين أو حتى أعداء سياسيين، مثل هذا التغاضى هو سهم لابد أن يرتد إلى صدر المتغاضى لأنه يسهل على الدولة البوليسية إرساء قاعدة سرعان ما تعمم على الجميع. وتكريس نهج سرعان ما تصيب لعنته الجميع، لذلك لا يجوز أيها الإخوة التعامل مع أى اهدار لحريات خصومنا السياسيين بمنطق بركة يا جامع، أو بمفهوم اللى بعيد عن راسى أهز له كتافى لقد لقنت مدرسة الحياة الشيوعيين المصريين درسا لا يجب نسيانه سواء من الشيوعيين أو غير الشيوعيين ففى أواخر الخمسينيات أصدر الحاكم العسكرى العام أمرا عسكريا يبيح له تشغيل المعتقلين أشغالا شاقة داخل المعتقلات، ولابد أن أعترف بأن الشيوعيين واليسارين والديمقراطيين تعاملوا يومها مع هذا الأمر العسكرى باستخفاف توهما منهم بأنهم غير مخاطبين به لا فى الحال ولا فى الاستقبال. وأنه صدر للمعتقلين مع المعتقلين من الإخوان المسلمين. ودارت دورة الزمان فإذا بالأمر العسكرى المذكور يطبق لأول مرة ولآخر مرة على المعتقلين الشيوعيين واليساريين والديمقراطيين داخل أبوزعبل أواخر عام 1959. وأرجو كل الرجاء ونحن فى هذه الأيام على اعتاب صدور قانون جديد لمكافحة الإرهاب ألا نعيد ارتكاب الخطأ السابق. وأن نقف صفا واحدا فى وجه إصدار هذا القانون. حتى لو تعللت الدولة البوليسية بأن إصداره يمثل ضرورة لحماية الديمقراطية من شرور الإرهابيين. إن هذه حجة فارغة خادعة، وهى أشبه بما ردده تجار الحروب يوما عن القنبلة النووية النظيفة. وما أصدق مقولة الفقيه الأمريكى تشافى التى قال فيها لم يخترع حتى الآن، بندقية تقتل الذئب المتنكر فى ثوب حمل. ولا تقتل الحمل نفسه. حتما أيها الإخوة أؤكد لحضراتكم أن أحمد نبيل الهلالى ليس بحال من الأحوال ظاهرة فريدة وغير مسبوقة فى مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. وأحمد نبيل الهلالى لم يكن فى يوم من الأيام السوبرمان الذى يدافع بمفرده عن حقوق الإنسان. فلقد كنت دائما نفرا فى كتيبة سبقتها كتائب عديدة وستلحق بها كتائب عديدة. وقائمة أنصار حقوق الإنسان الطويلة تتضمن فرسانا من كل ألوان الطيف السياسى. من محامين وصحفيين وكتاب وقضاة صالوا وجالوا فى ساحات الدفاع عن حقوق الإنسان قلة منهم نالت حظها من التكريم قبل أن ترحل. وكثرة منهم قدمت أسخى العطاء بعيدا عن الضوضاء وبعيدا عن الأضواء. ولكى لا ننسى استأذنكم فى التذكير ببعض الأسماء على سبيل المثال لا الحصر. الدكتور عزيز فهمي، الأستاذ فتحى رضوان، الدكتور عصمت سيف الدولة، الأستاذ إبراهيم طلعت، الأستاذ عادل أمين، الأستاذ زكى مراد، الأستاذ عبدالله الزغبى وأخيرا وليس آخرا فقيدنا العزيز الذى رحل منذ أيام الدكتور جلال رجب. وأضيف من بين أسماء رجال القضاء المستشار حكيم منير صليب، والمستشار صلاح عبدالمجيد، والمستشار محمد أمين الرافعى والمستشار سعيد عشماوى. أيها الإخوة.. الآن وأوتوبيس الحياة يقترب من الموقف الأخير، اسمحوا لى بأن أقول لكم إننى اخترت لنفسى طريقا فى الحياة، اعتز به كل الاعتزاز، أقول لكم إننى حاولت وبذلت قدر ما استطعت، أخطأت أحيانا.. وأصبت أحيانا.. أخفقت أحيانا.. ووفقت أحيانا. وإذا كنت واحدا ممن ينتمون إلى جيل حزم حقائبه استعدادا للرحيل، فإننى على ثقة كل الثقة، بأن أجيالا لاحقة من شباب هذا الوطن، سوف تواصل المسيرة وتصحح المسارات وتتجاوز الاخفاقات، مستخلصة الدروس والعبر من خبرات أجيال سبقت. ولحسن حظى أيها الإخوة أننى لن أعيش حتى يشهد العالم استنساخ الإنسان للإنسان. ولكن لو قدر لى يوما أن استنسخ وأن تكتب لى حياة جديدة يومها سوف أردد بملء الفم أبيات شاعر فرنسى من أبطال المقاومة ضد النازى رددها وهو يسير نحو ساحة الإعدام أبيات تقول: لو قدر لى أن أعاود الكرة فسوف اختار ذات الطرق من جديد.

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 13, 2024 1:45 am