روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    مذكرات صحفى محبوس

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    مذكرات صحفى محبوس Empty مذكرات صحفى محبوس

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت أغسطس 08, 2009 1:16 am

    مذكرات مجدى حسين فى قضية يوسف والى

    الحلقة رقم 10









    أطول يوم فى التاريخ !!

    السبت8/4/2000

    بعد نوم قلق استيقظنا استعدادا لحضور المحكمة .. وقد زال وهم أمس في الافراج عنا . وشعرت بحزن شديد من وكيل نيابة الخليفة ، هل جاء يخدعنا أم ماذا ؟ وهل يصح التعامل معنا بهذا الاسلوب ؟

    ومن الذي وضع الوكيل في هذا الموقف المحرج .. الذي لايمكن أن أنساه له .. وكنت أقول لدى مصافحتي الأخيرة .. أننا سنلتقي مرة اخرى ان شاء الله .. ونظر لي نظرة تساؤل فقلت : " اعني انني سأمثل أمامك يوما ما كمتهم.. فأنا لم يحقق معي بعد أمام نيابة الخليفة !!" فهل سنلتقي مرة أخرى ؟ ! وبماذا سيفسر موقفه ؟! ساعتها سيقول : أنني لم أجزم أن القرار سيأتي ايجابيا .. ولكن قلت على الأغلب .. وكنت حريصا على صحتك .. أما أنا فأرى أن سيادة الوكيل قد أرسل في محاولة لإثنائي عن الاضراب ، وحمدت الله أنني لم أستجب له ..

    وأعدت طرح فكرتي التي طرحتها بالأمس على صلاح وعصام .. فليس لدى أى رغبة في المثول أمام هذه المحكمة ، فلماذا لاأتعلل بحالتي الصحية كمضرب ولا أذهب ؟ ولم يحبذا الفكرة ، وكان المأمور قد قال لي بالأمس انك ان كنت متعبا فسنحملك الى المحكمة بسيارة اسعاف .

    وبعد قليل شعرت باعياء شديد وحالة من الهبوط .. فطلبت الطبيب لأول مرة .. ولعلها فرصة للتعلل به لعدم المثول أمام هذا القاضي غير الطبيعي وجاء الطبيب المقدم أن أحوالك طيبة والضغط انخفض قليلا ويمكنك أن تذهب الى المحكمة .. أما ما يعتريك فهي مظاهر الجوع !

    وبعد نصف ساعة شعرت أنني أفضل بالفعل ، وقلت على بركة الله .. ففي المحكمة سنرى الأهل والمحامين والخلان .. وكنت أفكر في اعطاء ظهري للمنصة .

    تركنا مهماتنا ( أي حاجياتنا بلغة الجيش ) وسرنا في نفس الركب المعهود بالكلابشات .. في سيارة الترحيلات .. التي توقفت أمام المدخل الرئيسي لمحكمة جنوب .. وكانت حشود أمنية لاقبل لنا باحصائها .. وهي كافية - اذا صدق العزم - لتحرير القدس ، وعدنا من جديد الى السير في طوق أمني وما كدنا ندخل المبنى حتى بدأ صلاح بديوي بهتافات غير متفق عليها .. ولكنها كانت موفقة للغاية فيها الموقف السياسي .. والعزة وليس فيها شطط .. وقلت في نفسي ان بديوي عندما يريد أن يتألق فهذا في امكانه !!..

    كان يهتف : ( عاشت حرية الصحافة - عاشت نقابة الصحفيين - يسقط عملاء اسرائيل - عاش قضاة محكمة النقض - يسقط تحالف والي مع وزير العدل - يسقط وزير العدل ) ..

    وكان تقسيم عمل رائع غير متفق عليه .. فصلاح قام بالمظاهرة وحده .. بينما كنا ( عصام وأنا ) في حالة من التهافت لاتسمح بالهتاف ..

    وتسيد صلاح لعدة دقائق مبنى محكمة جنوب .. كما يتسيد أحد نجوم الكرة الملعب ، ووقف الناس وكأن على رؤوسهم الطير في تكتلات تنظر وهي منبهرة إلا انني لم أكن في حالة تسمح بتفرس الوجوه وتحليلها .. أي تحليل مزيج الخوف والتعاطف والتأييد والاندهاش.. وران صمت رهيب على هذا المبنى العتيد ولم تكن لتسمع همسة واحدة إلا هتافات صلاح بديوي .. وقد أدت هذه المظاهرة لدفعنا الى الحبس خانة .. وهي من الأماكن البائسة التي يتعذب فيها المساجين انتظارا للمحكمة أو للترحيل منها ، وعندما وجدتهم يسوقونا الى الزنازين الضيقة العفنة المحتشدة بشتى أنواع المساجين ، قلت في نفسي لماذا أظل مسالما على طول الخط ؟! وقلت للمقدم المسئول عن ترحلينا .. اسمع ياسيدي نحن نتعرض لمعاملة غير قانونية مرة أخرى .. فنحن ممنوعون من الاتصال بالمحامين منذ 8 أيام ، واليوم تريدون أن تدخلونا الجبس خانة دون مقابلة المحامين .. حتى لانجد فرصة للتشاور معهم ..

    وقلت بصوت عال على مسمع من المساجين والضباط والجنود : استعدوا وأبلغ رؤساءك أننى سأعمل مشكلة الآن .. (وكنت بالفعل أنتوي مقاومة ادخالنا في الحبس خانة .. اذا لم يحضر أحد المحامين الينا ) ولأول مرة منذ عرفت السجون والأسر أقرر المقاومة الجسدية .. ولم أكن أفكر أنني سأنتصر في المعركة .. ولكنني على الأقل لن أدخل زنزانة الحبس خانة الا جثة .

    في هذه اللحظات .. أنسى أنني في الكلابشات ، وأنسى أن عظام جسدي متهالكة .. وحقا فان الروح أقوى من الجسد .. أى جسد .

    وقد أدى هذا الاحتجاج الى نقلنا الى غرفة خاصة ملحقة بالحبس خانة .. هي غرفة حقيرة ولكنها نظيفة ولنا وحدنا .. ولكن هذا لم يكن مطلبي الأساسي .. بل مطلبي هو السماح لنا بالاتصال بالمحامين قبل الجلسة .. ووعدني ضابط بتحقيق ذلك ، وكان كل الضباط حريصين أن يعلنوا : أنها أوامر وأنهم آسفون .. ورغم أن هذا رد تقليدي .. الا أن رنة الصدق كانت موجودة بصورة متفاوتة بين ضابط وآخر .

    وقد أدت كل هذه الزنجرة والزمجرة الى نقلنا سريعا الى قاعة المحكمة .. وبمجرد دخولنا المبنى من جديد .. عاود صلاح بديوي مظاهرته وتكرر المشهد مرة أخرى .. وبدأت أستجمع قواي وأهتف معه لدى دخولنا القاعة فاستجابت القاعة لنا فأخذت تهتف وتردد الهتافات مع بديوى .. ودخلنا قفص الاتهام .. وهو القفص الذي دخلته من قبل في مناسبات مختلفة .. وهاأنا فيه من جديد مع المتهمين بالمخدرات .. وخلال ذلك وقعت عيني على زوجتى وأخي مصطفى ، والأستاذ عادل حسين والمحامين .. ولم أجد أى عضو من أعضاء مجلس النقابة ، وهم لم يزورونا طوال هذه المدة في الحبس الاحتياطي غير المشروع ، واذا كانوا قد منعوا فقد كانت هذه فرصتهم ليلتقوا بنا اليوم اذا كان لديهم اهتمام حقيقي بقضية حبس الصحفيين التي انتخبوا من أجلها !!

    وبادر الأستاذ فايز بالسؤال عن مسألة منع الأكل عننا يومي الخميس والجمعة ( وكنا قد رفضنا استلام الأكل تماما يوم الجمعة أيضا ) وهذا السؤال أكد لي أنهم لم يستنتجوا اضرابنا عن الطعام ، وأخذوا بالاحتمال الثاني .. على أي حال فقد أوشك الاضراب أن يتحول الى عمل من أعمال الماضي ..

    وأدليت بكلمة من وراء القضبان .. لتوضيح أننا مضربون عن الطعام ، ورويت المتاعب الصحية التي تعرضت لها ، ورويت ما حدث من نيابة الخليفة وما دار مع وكيل النيابة..

    وكيف انني قلت اذا ذهبت الى بيتي اليوم ستكون مصر دولة تحكمها القانون ، واذا بقيت في تخشيبة الخليفة فهذا يعني أن البلد ليس به أى قانون .

    وقلت لجمهور الحاضرين أن اضرابنا جاء احتجاجا على هذا الاحتجاز غير القانوني .. ولكننا ما كنا لنضرب ضد حكم قضائي أيا كان رأينا فيه .. وبالتالي فاننا سنظل مضربين اذا استمر الحبس الاحتياطي خارج اطار القانون .. ولن نفك الاضراب الا اذا حكم علينا اليوم بأي حكم أو أخلى سبيلنا لمتابعة المحاكمة من منازلنا .

    وتشاورت مع الأستاذ عادل عيد عما يجب فعله ، وهل هناك فرصة لرد القاضي مرة أخرى ؟ وهل من الأفضل رفع قضية مخاصمة معه ؟ ورفض الأستاذ عادل عيد هذه المقترحات التي لن توقف سير القضية ، وأكد أن عينه الآن على " النقض " فقلت له : على بركة الله ، أنت القائد ، ونحن علينا السمع والطاعة ..

    كذلك اقترحت عليه أن نعطي ظهرنا للمنصة ، فلم يحبذ الفكرة ، قلت له اذا وجه القاضى حديثا الى فلن أتحدث معه .. قال هذا من حقك وحيل الكلام الى، واستمرينا في تجاذب أطراف الحديث مع زوجاتنا وعادل حسين وأخي مصطفى وهذه أول مرة يحضر لمحاكماتي ولابد أنه ترك عمله في هذا اليوم فكنت ممتنا له .. كذلك كانت في القاعة على ما أذكرالأساتذة / محفوظ عزام - د. عبدالله حسين - عطيه شعلان - أحمد نبيل الهلالي - محمود السقا - أحمد عبد الحفيظ - حسن كريم - محمد حمد . وقلت لزوجاتنا نحن فخورون بكم لدرجة أننا بحثنا فكرة الزواج من أربع لرفع عدد مناصرينا .. فضحكت زوجتي وقالت طب روح شوف من سيتزوجكم وانتم في التخشيبة .. وكنت أقف قليلا واجلس قليلا على الدكة داخل القفص حيث كنت أشعر بعدم قدرتي على حمل نفسي .. ونحن من كثرة شرب المياه نذهب الى دورة المياه كثيرا فطلبت الذهاب لدورة المياه قبل أن تبدأ المحكمة .. واحتاج الأمر لتشاور على مستوى عال بين رتب الداخلية ، وربما مع القضاة أيضا .. وتم وضع الكلابشات مرة أخرى ، وكانت قد فكت بعد دخولنا القفص ، ولما وجدت الضابط يضع الكلابش بصورة مشتركة مع أحد الجنود قلت غير معقول أن أذهب الى دورة المياه مع عسكرى لأقضى حاجتي هنا في القفص أحسن !! فأكد لى انه سيحررنى بمجرد الوصول للدورة و لن يدخل العسكرى معى !! قلت له هذا فضل كبير و فى الطريق الى الدورة كان أحد الضباط بين معتذر ومشجع .. حتى لو كان يخدعني .. فان هذا الكلام يهدئ من ثورتي على الأقل .. وفي الدورة كانت المياه مقطوعة وكنت أريد أن أتوضأ .. فبذل الرجل جهدا حقيقيا للبحث عن مياه ولكنها كانت مقطوعة في المبنى كله .. وعدت الى القفص من جديد
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    مذكرات صحفى محبوس Empty رد: مذكرات صحفى محبوس

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت أغسطس 08, 2009 1:17 am

    ..

    وسرعان ما بدأت المحاكمة .. وكانت مرافعات جيدة حول المعارضة .. ودخلت هيئة المحكمة الى المداولة.. وكنت طوال الجلسة في الوضع جالسا .. أشرب المياه ولاأنظر لهيئة المحكمةالتي لم تكن واضحة لي من خلف القضبان وكان هذا من دواعي ارتياحي.

    وأثناء رفع الجلسة عدنا من جديد للثرثرة مع زوجاتنا .. وكانت الزميلة ايمان عضو الجنة التنفيذية حاضرة وأخذت أتناقش مهعا حول تطوير عمل أمانة المرأة ، فقاطعتني زوجتي .. انت هتقلبها اجتماع تنظيمي سيبك من الكلام ده !!

    والحقيقة كانت المرافعات رائعة : الأستاذ عادل عيد - فايز محمد علي - عطية شعلان - عبد الله حسين - أحمد عبد الحفيظ .

    وبعد قليل عادت المحكمة ونطقت حكمها برفض المعارضة وتأكيد الحكم الذي صدر بدون مرافعات وبدون استكمال الشهود .. وساد صمت رهيب في القاعة حتى دخلت الهيئة .. وعاد صلاح بديوي الى ترديد الهتافات وكنت قد اتفقت معه على عدم الهتاف الا بعد خروج القضاة .. وكرر نفس الهتافات الموفقة .. وردت عليه القاعة ، وأعلنت فك الاضراب وأخرجت ملبستين من جيبي واحدة لي والأخرى لعصام .. وقلت نحن مضربين كما ذكرت بسبب الحبس الاحتياطي غير القانوني ، أم هذا الحكم فموعدنا معه في النقض باذن الله .. وقلت لزوجاتنا قد كسرنا الاضراب وسنأكل ونبدأ الاستمتاع بالسجن..

    فلم تعجبهن هذه المزحة .. ورأيت محمد هلال زميلنا في الشعب مبتئسا . قلت له : لاتبتأس هي مجرد 3 أو 4 شهور ونخرج باذن الله .. ولكن عندما نظرت لهدى ( زوجة صلاح ) ووجدت التأثر باديا عليها كدت أبكي لهذه العروس التي انتزع منها عريسها بعد اسبوع من شهر العسل ، ولكني تماسكت سريعا فليس هذا وقت ولا مكان البكاء ، ولوحنا للجميع وخرجنا من القفص في ظل تواصل هتافات بديوي وأعادونا من جديد لنفس الغرفة الملحقة بالحبس خانة

    *********************

    أنا لاأتخيل تعاطف الجمهور أو رجال الشرطة كجزأ لايتجزأ من الشعب .. فهم لم يوفروا فرصة للتعبير عن تعاطفهم خلال فترات المحاكمة .. وفي الأيام الأخيرة للمحاكمة .. انتحى بي أحد الضباط جانبا وقال أريد أن أسألك سؤالا واحدا : هل تتصور أن هذه المحكمة ستنصفكم ؟ قلت : لأ بالطبع .. ونحن لاننسحب منها لأنها منبر لاقامة الحجة على الحكام .. ومخاطبة الرأي العام .. قال الحمد لله هذا ما أردت أن أسمعه ( وكان هذا الضابط يخشى أن نكون سذجا لانه وجدني أبذل جهدا كبيرا في مناقشة الشهود والبرهنة على صحة ما نشرنا ) .. وعندما أتوجه لغرفة المحامين كثيرا ما يستوقفني المواطنون والمواطنات ويصافحوني .. ويقولون قولتهم الشهيرة ( كل الناس معكم ) !!

    هكذا كنت أفكر وأنا على سلالم محكمة مصر في اتجاه الحبس خانة مكلبشا من جديد .. ولم اكن اعرف بعد أنني أشهد " أطول يوم في التاريخ " .. أعني تاريخي الشخصي .. لم أكن أعرف أن اليوم مازال مفعما بالمفاجآت والأحداث ..

    في الغرفة الملحقة بالحبس خانة .. بدأ ينتابني الشعور التقليدي في مثل هذه المواقف .. الارتياح .. والهدوء .. وسلام الضمير .. فلقد حسبت - والله هو الشاهد المطلع وله الحكم في الأولى والآخرة - حسبت أنني أديت الأمانة .. وفعلت أقصى ما يمكن فعله .. وانني استنزفت كل ما أملك من وقت وصحة وأعصاب وعمود فقري من أجل هذا الشعب الذي يؤيدنا " صامتا " ، وهاأنذا مقبل رغم أنفي على أجازة ثالثة اجبارية خلال عامين ، بسبب حملات لم أبغ فيها الا وجه الله .. وأحسب أن مقاومة الفساد والتبعية أفضل عبادة بعد العبادات المفروضة . كنت مرتاح البال .. أشعر أن أثقالا وأحمالا تتساقط من على كاهلي العليل .. وسألت الله أن يتقبل .. وبدوت أقل ضيقا بالكلابشات .. وبالعساكر البائسين المقيدين معنا ، وبدأ الهدوء يلف المكان فمبنى المحكمة يبدو قد أصبح خاليا من الجمهور ، بعد انتهاء معظم الجلسات ..

    وقد كان من دواعي الارتياح أن هذه اللحظة كانت لحظة سعيدة من زاوية محددة .. فالاضراب عن الطعام انتهى .. وأصبحت كالصائم الذي يبحث عن افطاره بعد صلاة المغرب ، وللصائم فرحتان .. ومنهما فرحة انتهاء المشقة .. وبدأنا نبحث في كيفية الأكل ونحن في هذا الوضع ، ثم تبين أن الأمر ليس صعبا ويمكن أن نرسل لعامل البوفيه بالمحكمة كي يتحفنا بما لذ وطاب من الشطائر .. وقد ارتكبت خطأ فادحا في هذه اللحظة ، فالمعروف أن انهاء الاضراب عن الطعام له طقوس ، فيجب ألا تأكل أي شيئ ويجب أن تبدأ بماء وسكر وليمون .. لتمهيد المعدة .. ولكنني لم أتذكر ذلك من كثرة أحداث اليوم ، وبدأنا في أكل شطائر جبنة رومي وبولوبيف ، ومخلل ، وشاي ، والحكاية زاطت .. وأكلت كثيرا جدا .. عدد غير مقدر من الشطائر .. وقد أدى هذا الافطار غير الصحي الى متاعب صحية ظلت تلازمني لعدة أيام .. كما أن هذا الأكل المالح ساعد على استمرار ارتفاع الضغط .. وكان لابد للعساكر المأسورة معنا أن تشاركنا الأكل .. وبدأنا نتعرف عليهم .. ودخلنا في أحاديث لعدة ساعات .. هذه الأحاديث مهمة جدا لأنهم عينة من عامة الشعب وقاع المجتمع ، ونحن السياسيين والمثقفين .. لانختلط بهم الا في المؤتمرات اذا حضروها وهذا ليس اختلاطا حقيقيا .. وبدون هذه اللقاءات المباشرة مع القطاعات الشعبية خارج أطر الاجتماعات الجماهيرية .. يصبح السياسي أو المثقف أو الداعية فقير التصور عن حال الشعب .. ويصبح الشعب بالنسبة له مسألة نظرية !!

    والحقيقة أنني أتعمد هذه اللقاءات والحوارات قدر الطاقة لأنني أحب الناس .. كل الناس وأيضا لأني بدونها أصبح ناقص الثقافة .. فأنا أتحدث مع الناس في الطرقات - بقدر ما يسمح وقتي - مع الباعة .. مع الحرفيين .. مع سائقي التاكسي .. وفي كثير من اللقاءات التي تحدث على هامش زياراتي للمحافظات المختلفة .. وأحيانا تتم هذه اللقاءات بصورة اجبارية إلا أنني أنتهزها فورا لضبط أفكاري ومشاعري .. ولمزيد من التعمق في هذا الشعب العريق .. مهما قالوا عنه .. فانني أحبه .. ومن هذه اللقاءات التي وصلت الى حد المعايشة فترة تجنيدي في الجيش التي استمرت قرابة 3 سنوات ، فرغم صداقتي الطبيعية مع حملة المؤهلات ، الا أن علاقاتي كانت وثيقة مع من يسمى " الجنود العادة" أي الذين لايحملون أية مؤهلات .. هذه السنوات الثلاث كانت فرصتي الكبري - كجندي مشاه - للاندماج في الشعب .. وتعلمت الكثير منهم .. وأحبوني وأحببتهم ولولاهم ما تحملت قسوة الحياة كجندي مشاة في زمن الحرب، وهذامما يطول شرحه .

    أما المكان الذي انتقلت فيه محاوراتي مع كل طبقات الشعب الى المعايشة الكاملة فكانت في السجن .. فكنت دائما مختلطا بالجنائيين من مختلف الجرائم .. مظلومين وغير مظلومين .. أحبهم ويحبونني .. فأنا لست قاض .. ولم أدرس قضاياهم ولم أدخل السجن لأحدد موقفا من هذا أو ذاك .. فنحن رفاق .. زملاء زنزانة واحدة أو عنبر واحد أو سجن واحد .. أتينا لأسباب مختلفة .. ولكننا معا الآن ولابد أن نتحاب وأن نعيش معا بأقصى ما يمكن من التكافل والتعاون لمواجهة المحنة المشتركة ( السجن ) ..

    والاحتكاك بشريحة اجتماعية مهمة جدا هي ضباط الصف والجنود المجندين بالأمن .. وكثير منهم فلاحون .. اتيح لي كفرع من حياتي في السجون .. وباعتباري زبون دائم في الترحيلات .. والآن نحن معنا ثلاثة من أفراد الشعب .. وسالناهم عن الأحوال الصحية للشعب في الريف ما الذي يلاحظونه ؟! .. قال أحدهم في البلد حدانا العيل المولود تلاقيه مصفوط وضعفان .. وليس كمواليد زمان ! لم يكونوا من قراء الشعب ولكن صلاح بديوي يبرع في طرح القضايا بأسلوب شعبي .. ولم يتركهم الا بعد أن بدا أنهم مدركين لمغزى حملتنا .. ومغزى حبسنا .. واقترح على عامل البوفيه فنجان قهوة .. فوافقت متهللا رغم أنه جذرنا في حساب الأكل .. حتى أنني اعتبرتها من خسائر السجن .

    وعندما قلت للعسكري المربوط بعصام حنفي .. ارجوك افتح النافذة .. لأن الجو حار فقام وسحب عصام معه .. وفتح الشباك .. فوجدت نفسي وجها لوجه أمام زنزانة حبس النساء .. ووقفت وراء القضبان شابة بائسة شقية ،و قالت انتم تأكلون وأنا جائعة وأريد سندويتشات .. فسألت هل هي تهزل أم أن الأمر جد ؟ فقيل لي : بالفعل لم تأتيها زيارة اليوم .. فطلبت لها ساندوتشين .. وبجملة الخسائر .. ولكن الشابة تصورت أن هذه بداية علاقة .. فأخذت تشاغلني بالحديث والابتسامات .. ولم أسأل لماذا هي مقيمة لعدة أيام في الحبس خانة .. ان أحوال المساجين بحورها عميقة ولا أحب أن أسأل كثيرا ؟! ولم يخلصني من هذا الموقف الحرج الا استدعاؤنا للترحيل .. وكنت قد بدأت أتململ وأفكر في طلب السماح لنا بالوضوء لاننا لم نصل الظهر ولا العصر .. وخرجنا من الحبس خانة لنجد في ساحة محكمة مصر طوقا أمنيا رهيبا .. بقيادة ضباط شرطة من الأمن المركزي .. أجسامهم رهيبة ووجوههم حمراء .. حتى تساءلت هل هم كونستبلات انجليز ؟ أم ماذا ؟!لماذا هذه الأجسام الغليظة محكمة البنيان ؟ هل ينوون أن يضربونا علقة ساخنة ؟!

    لقد كان الطوق الأمني مضحكا لانه لم يكن هناك في باحة المحكمة الا الهواء .. فهل يخشون علينا من الالتحام بالاكسجين ؟!.. وقلت لعصام بصوت عال هم الضباط دول بيوكلوهم ايه ؟ وكتم الجنود ضحكاتهم .. وحتى عندما خرجنا لشارع بورسعيد لم تكن هناك أية تجمعات جماهيرية ،وكان المرور منسابا ، ولكن الطوق الأمني ظل محكما حتى ركبنا لوري الترحيلات .. ووجدنا فيه حاجياتنا وقد نقلت من تخشيبة الخليفة .. اذا سنذهب الى سجن الاستقرار مباشرة .. ولكن عندما سارت السيارة لم تلتف عند تقاطع الأزهر لتعود .. ولم تتجه الى صلاح سالم .. اذن فنحن لسنا ذاهبين الى مزرعة طرة .. وقلت لهم اننا في طريقنا الى أبي زعبل أو القناطر إلا أن اسم سجن " القطا " بدأ يتردد بين الضباط والجنود في الركب المهول الذي أصبحنا فيه وقوامه عدة عربات .. لاأعرف عددها ولكنها لاتقل عن 7 أو 8 عربات .. ومن بينها قوة مسلحة بالرشاشات سريعة الطلقات .. وهكذا أصبح لي نسب مع عبود الزمر .. وأخذت أتساءل مالذي يتصوره القوم ؟هل ستقوم الجماهير بمهاجمة القافلة وتحريرنا من الأسر ؟! .. لاأعتقد أن الغليان الشعبي يمكن أن يصل الى هذا الحد ! لماذا اذن هذه المظاهرة التي بدأت تلفت انتباه الجمهور لخطورة الحمولة ؟!! وبدأالمارة ينظرون ليكتشفوا هوية المساجين بفضول شديد .. وكنت أقول لهم اتفضلوا معانا .. فكانوا يضجون بالضحك .. وقلت لهم اننا صحفيو الشعب المحبوسون في قضية والي .. فيقولون : ربنا معاكم
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    مذكرات صحفى محبوس Empty رد: مذكرات صحفى محبوس

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت أغسطس 08, 2009 1:18 am

    !!

    وتواصلت السرينة لتلفت أنظار اللاهين في شئون الحياة اليومية .. لقد سرت مرتين في ركب الرئيس مبارك ولم تكن فيه سيارات أكثر من تلك التي تحرسنا وتحمينا .. وبدأت أشعر بحجم المقلب الذي أنا فيه .. فأنا أسير الكلبشات غير قادر على تحرير نفسي .. والسائق يسوق بجنون .. وسيحطم ظهري في المطبات .. ولكنني كنت زاهدا في طلب أي شيئ .. ان هذه المعاملة غير الكريمة تجعلني أتعالى على أي طلب .. وأفوض أمري الى الله ..ولكن عصام لاحظ حراجة موقفي - وهو أيضا يعاني من آلام العمود الفقري - فاستغل توقف السيارة للتموين بالبنزين فطلب من المقدم تخفيف السرعة لحالتنا الصحية .. ولكن التحسن لم يكن كبيرا خاصة واننا دخلنا في طرق غير ممهدة .. وعلمنا - لدهشتنا - أن اللواء قائد الترحيلات بالداخلية هو الذي يقود بنفسه الركب .

    ورأيت أن الجلوس على المرتبة واسناد ظهري لصاج السيارة يمكن أن يقلل الخسائر ، فجلست ومعي العسكري المكلبش معي .. سائلا من الله الرحمة ، وكان كثير الكلام حتى تعب ونام .. وتعرضنا في الطريق لمواقف حرجة ومضحكة .. فقد تاه الركب عدة مرات .. وفقد الاتجاه .. وهذا يؤكد اننا ذاهبون الى سجن مجهول !! حتى أن القافلة اضطرت الى الاستعانة بأحد أصحاب المقاهي كدليل ، على طريقة اتخاذ دليل في مجاهل أفريقيا ، إلا أن الدليل بعد فترة يبدو انه قد اطمئن الى سلامة الاتجاه .. وتوسل الى رجال الأمن أن يتركوه يعود الى المقهى وتركوه .. ثم عادوا للتوهان من جديد ..

    كان ذلك بعد المرور فوق جسم القناطر الخيرية ، كذلك تجاوزنا سجن القناطر .. وبالتالي لم يعد أمامنا سوى " القطا " وقد بدا أمرا مثير للسخرية ، فكل ما أعرفه عن هذا السجن .. انه عندما كنت في سجن المزرعة آخر مرة .. سألت عن معارفي من تجار المخدرات فقالوا لي لقد تم نقلهم الى سجن القطا .. لأن هذا السجن سيتخصص في المخدرات .. وأن هناك في المصلحة ( أي مصلحة السجون ) اتجاها للتخصص في نزلاء السجون .. وتساءلت لماذا اختاروا لنا سجن تجار المخدرات .. ان هذا لاينبئ عن أى نية حسنة ، ولكني كنت مستعدا لكل الاحتمالات .. وفي هذا اليوم فان المرء لايطمح الا في مطرح لاراحة الجثة كما يقولون .

    وبعد فترة من التوهان .. تركنا المناطق المأهولة الزراعية ودخلنا في الصحراء .. قلت لنفسي .. لاشك أن مناخ الصحراء جاف وصحي ، ويبدو أن الاستجمام سيكون رائعا ..

    ***********************

    كنت زاهدا في متابعة الموقف من شباك صندوق الشاحنة .. كنت جالسا على المرتبة محاولا تلصيم ظهري وما أرويه عن أحداث الطريق بناء على البيانات الرسمية التي يصدرها صلاح وعصام على التوالي ..

    والآن فان عصام يصيح : أهو السجن .. أهو .. المبنى الوحيد في الصحراء لايمكن أن يكون الا سجنا .. بل هو السجن بالفعل .. انه سجن القطا الجديد .. وها هي البوابة الرئيسية.. عبرنا البوابة .. و عندما نزلنا من الشاحنة كان الموكب المهول قد تلاشى فقد انتهت مهمته .. ولم أر طوال الرحلة قائد الترحيلات .. سيادة اللواء الذي كان يؤانسني في تخشيبة الخليفة .. ويعرض على شرب الكركديه .. ورثيت لحال ضباط الشرطة ان تصرفاتهم محكومة بالتوجيهات الشفوية ..

    ونحن على بوابة السجن التقيت بمقدم أعرفه .. فقد أصبحت لي عشرة مع ضباط السجون ، وتذكرت انه كان المدير الاداري لمستشفى ليمان طرة .. حيث كنت أحاول العلاج .. أما الآن فهو - لسوء حظه - نائب مأمور سجن القطا .. وتعرف على .. وساهم استقباله لنا على باب السجن في كسر حاجز الغربة عن المكان .. وفي داخل السجن كانت في انتظارنا جوقة من الضباط والمخبرين .. ونظرت أولا الى مبنى السجن فوجدته جديدا ، وشكله يوحي بالنظافة ، وقلت لنفسي : لعله سجن شّرح!

    وكانت المقابلة ودودة من رئيس مباحث المنطقة ، وبشرنا أن بالسجن مكتبة ومجلات حائط " وكل اللي يحبه " أمثالنا الصحفيون ، كذلك حدثنا عن وجود رسام يرسم لوحات في كل مكان بالسجن .. وتراءى الى ذهني آخر منتجع سياحي زرته في شرم الشيخ واستبشرت خيرا ، ولبس صلاح ملابس زرقاء .. أما نحن ( عصام وأنا) فقد كنا جاهزين .. ودخلنا الىالادارة .. حيث بدأت عملية التفتيش السقيمة .. ولكنهم لم يأخذوا الا الملابس المدنية غير الزرقاء .. وأعادوا تقريبا كل شئ الى مكانه .. ورفض الضابط مجرد النظر الى الكتب .. باعتبار أن هذا حقنا كصحفيين .. ولمح إلى انه يقدر اننا لسنا مجرمين عاديين .. ولابد أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار .. فقلت لنفسي : يامُسهل !!

    ولكن بدأ الاصطدام برفضه أن نودع في زنزانة مستقلة، وقال أن السجن مكتظ ولايسمح بذلك، ولكننا سننزل الليلة فقط في زنزانة منفردة وغدا ننتقل الى زنزانة مع ثلاثة آخرين وألمحت الى صلاح وعصام أننا لن نعترض على أي شئ .. وأودعنا كل ما نملك من أموال كأمانات في الادارة ..

    وبدت مكاتب الاداراة غريبة .. فهي اما خلف قضبان ، أو وراء ابواب مصفحة كأبواب الزنازين .. ان هذا السجن مصمم لمواجهة غزو خارجي بالمصفحات .. أو مقاومة تمردات يومية من المساجين .. وهذا لامثيل له في السجون ذات الطراز القديم التي خبرتها . ثم تحرك الركب في اتجاه العنبر ج .. ولم نقو على حمل كل أثقالنا .. فساعدنا المخبرون فأخذ ضابط السجن يقرعنا .. " هذه أول مرة أسمح لأحد بمعاونة مساجين في حمل أمتعتهم " .. فقلت له عصام وأنا مصابان في العمود الفقري وممنوعين من حمل الأحمال الثقيلة .. ومع ذلك فنحن نحمل الحقائب كما ترى ، ونحن مستعدون لنقل كل شئ بأنفسنا ولكن على مرتين ،فصمت !!

    ومررنا بمدخل السجن من الداخل وكانت به حديقة مرتبة لابأس بتنسيقها .. وبدأت بالفعل تظهر لوحات جميلة على الحوائط .. وهذه لامثيل لها في سجون أخرى .. وهذه من تناقضات السجن التي سنكتشفها تدريجيا ، سنكتشف أن هذه الحديقة الجميلة لايمكن رؤيتها من الزنازين، ولاحتى في الفسحة .. انها للضباط والادارة .. ولايراها المساجين الا ساعة الزيارة أو الذهاب الى المستشفى .. وكلما اقتربت من العنابر اختفت الخضرة تماما .. وأيضا اختفت اللوحات الفنية .. حتى لاينسى المساجين انهم في سجن .. مباني السجن من الخارج تبدو جيدة من الناحية الفنية .. وهى من بعيد توحي فعلا بحكاية منتجع شرم الشيخ .. ومع ذلك كلما دخلنا الى قلب السجن تذكرنا المثل الشعبي " من بره هلهله..ومن جوه يعلم الله " .. ولكن هذا لن يتضح سريعا ..

    ودخلنا من باب الى باب .. ومن حصن الى آخر .. فكل عنبر مبني على أساس الحصن المستقل للتصدي لأي عدوان منه أو عليه !! انه 4 سجون داخل سجن واحد.. على طريقة ( 4 مجلات في مجلة واحدة !!) هكذا أعلنت مرة احدى المجلات عن نفسها ..

    وبعد عبور عدة بوابات وصلنا الى عنبرنا المستهدف .. والشهادة لله أن السجن الذي بنى منذ 4 سنوات .. مازال يحتفظ بنظافته بالنسبة الى السجون القديمة .. وعندما وصلنا الىالزنزانةالمستهدفة اذا بضابط السجن يذكرنا بأنها الليلة الوحيدة التي سنقضيها وحدنا .. وكاد أن يغلق الزنزانة .. ولكنني بنظرة سريعة من الخارج أدركت أن الزنزانة لايوجد بها دورة مياه ولاجردل بول ولا لمبة كهرباء .. فقلت له ستغلق علينا بدون جردل بول ولا لمبة كهرباء .. فقال لأحدهم روح هات صفيحة ثم أردف أما حكاية اللمبة فيبدو أنها صعبة الآن .. الا أن أحد المحيطين به قال يمكن ياباشا .. وبالفعل تم تركيب لمبة .. وبالفعل وتم احضار صفيحة للبول ..

    وهذا الحوار بين المتخصصين : سجين قديم وضابط مباحث السجن كان عجيبا على مسامع صلاح وعصام .. فهل سيبيتان حقا بدون دورة مياه بعد هذا اليوم المروع ؟!

    ولم أكن أنتوي التوسل للضابط أو حتى التعارك معه في مسألة اللمبة ، إلا أن جردل البول لم أكن لأسمح بغيابه .. رغم ضخامة جثمان الضابط التي تتجاوز ضخامة جثمان الضباط الذين أشرفوا على ترحيلنا ..

    وبمجرد اغلاق باب الزنزانة ، بدأنا نتعرف على المكان ، وكان قذرا أو هكذا بدا لنا لون الأرض الأسمنتي .. الزنزانة واسعة .. تكفي 12 شخصا متلاصقين .. وبدأنا نترتب أحوالنا .. ونصلي صلوات اليوم كله ( ظهر - عصر - مغرب - عشاء ) قصر وجمع .. وقد أفتى عصام بالقصر على أساس اننا اليوم في وضع المسافرين فوافقت على الفتوى ! وكان الارهاق قد وصل بنا مبلغه ، ولاأذكر هل أكلنا شيئا أم لا .. فقد كان هناك ما هو أهم .. فرغم النظافة الظاهرية للسجن وجدنا بالزنزانة جحافل من الصراصير بأحجام متفاوتة .. وبدأنا المقاومة وكانت مرتبتي لها نصيب الأسد فقد كانت ملاصقة للحائط .. وقللنا الهجوم ما أمكن وكان لابد أن ننام ولتفعل الصراصير ما تشاء ..

    وأسرع عصام وصلاح بالنوم بينما واصلت السهر .. وكانت عيني على الحائط فوجدت أمام ناظري أسماء الله الحسنى في لوحة كارتونية وضعها أحد المساجين .. وبدون أن أقصد .. وجدت نظري موجه لاسم واحد من الـ 99 اسما ، لم أكن منتبها له من قبل .. وجدت نظري موجها فقط على " المؤخر " .. فانشرح صدري ، فالله هو المؤخر وليؤخر الى ما يشاء .. ونحن له طائعون .

    وواصلت القراءة في كتاب الحقائق القرآنية حول العلو اليهودي .. ثم نمت ومن نعمة الله أن ننام في ظل هذه الظروف والأحداث .. بل ان النوم يصبح محطة استراحة ضرورية نفسيا وبدنيا ..

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 07, 2024 5:55 pm