روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    مذكرات قاضى سورى

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    مذكرات قاضى سورى Empty مذكرات قاضى سورى

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت أغسطس 08, 2009 1:13 pm

    بينما كنت ادخل البقالية لاشتري ملبسا لطفلتي شاهدت صاحب البقالية ينظر الي بنظر ثابت مركز ثم يهب واقفا وبشكل غير اعتيادي يلفت النظر ويتجه الي فيرحب بي ترحيبته باخ عزيز عليه التقى به بعد غياب طويل.

    قلت لنفسي : الرجل متقن لفن التعامل والتعامل فن واذا وجد من يبالغ فيه امثال هذا امثال هذا الرجل فما عليه من ملام "الدنيا شطارة" والشاطر يبيع اكثر من غيره فيربح اكثر من غيره .

    ومالم تؤد هذه المبالغة الى غبن لي فانه يستحق الاعجاب . كان ورائي في كل نقلة انقل بها قدمي باسما متلطفا ينتظر اول حرف يصدر مني ليجيبني على سؤالي بكل أدب .

    تعثرت طفلتي بآنية فانقلبت وارتمى كل مافيها من قطع السكر على الارض,فاحمر وجهها وانزعجت وخجلت وقلت لها: اهكذا تفعلين ألايجدر بك ان تنتبهي ؟ آذيت الرجل ياابنتي.

    فتحت عينيها المدورتين ونظرت الي نظرة المذنب المستغفرو ثم وجهت نظرة مماثلة للبائع . فاشرع هو يمسح على راسها ويقول:

    - لاباس ! لاباس ! لم يحدث أي ضرر وها انا اعدت كل شيئ الى سابق وضعه . فهل حصل اذى انظر.

    - جاء زبون آخر يسال عن نوع من البضاعة فاوعز لمستخدمه بان يحتفل به وظل الى جواري قلبت بضاعة كثيرة فاعطاني واعطى طفلتي منها قطعة صغيرة للتذوق .

    - قلت له: واذا لم اشتري ؟ فاجاب : الف صحة . انت حر سيدي صدق .

    - قلت في نفسي : ان مستوى اخلاق التعامل مرتفعة في بلادي , وهذا فعلا مما يسر .

    - واخيرا استقر رايي بعد اذن من طفلتي على نوع من السكاكر اشتريت منه كمية لا باس بها . وحين قدمت له الثمن محسوبا حسب السعر المكتوب على مغلفهاالكبير في الاصل قال :

    - - ليس لها ثمن لاتعذب نفسك . انها تقدمة.



    - لم اعتد على اخذ شيئ بلا ثمن خصوصا ممن لا يعرفونني ,.

    - - بل انا اعرفك ياسيدي

    - - هاها والله ليس لدي قضية الآن في المحكمة .

    - - على كل حال هذا مقرر ... لن آخذها بلا ثمن .. تفضل ها انا اعيدها .

    - وهممت بالخروج . اسرع الرجل فاعترض طريقي يريد ان يسد الباب . وقال وهو ينظر الي نظرة المشفق:

    - - لاتزعل ! آخذ ثمنها .. آخذ .. إن ثمنها هو..

    - نقدته واتجهت الى الباب وهو لايزال ينظر الى حائرا في فمه كلام ولا يريد ا الافصاح عنه .. لهذا عدت فتذكرت انه قال لي انه يعرفني وقلت له:

    - بقي ان تذكرني متى تعارفنا .

    - ولو سيادة القاضي انا حامد البقال .

    - - ها . تذكرت ارجوك لا تؤاخذني.

    تذكرت الرجل وجاءت قصته دفعة واحدة على ذهني :

    كان قبل عشر سنوات حين دفع باب مكتبي اثنان من رجال الضابطة يتوسطهما حامد هذا الذي كان فتى مقيد اليدين مشعث الشعر وفي يدهما ضبط استجوابه في المخفر .

    جلس الفتى وبدات باستجوابه كان مظنونا عليه بانه دفر مئة ليرة سرقتها خادمة آل فلان من جيب مخدومها.

    جعل الفتى يقسم على انه لم ير في يد الخادمة ورقة المئة ليرة ولا اخذ منها ورقة بهذا الحجم .

    - هل تعرف الخادمة ؟

    - لا انكر اني اعرفها فمخدومها يرسلها الي كل يوم لاعطيها لبنا حليبا .

    - - لماذا اتهموك . لماذا ظنوا بك.؟

    - لا ادري

    - لم اجد في التحقيق ما يستدعي توقيف الفتى . ولكي اتحرز بالمدعي وقلت له :

    - - آخذ لك من هذا الفتى مئة ليرة فاضعها امانة في الخزانة العامة فاذا ادين لك المبلغ واذا بريئ عاد المبلغ اليه.

    احتج المدعي ورجا كثيرا وذكر الحق العام كانه محام عنه او مدعي عام وتعفف عن المبلغ وقال انه انما يريد تربية الخادمة وطالب بتوقيفها او بوضعها عنده امانه .

    فشكت بامره وامتنعت , واصررت على تسليمها الى وليها .

    واخيرا ضاق صدري من ثرثرته فاخرجته من مكتبي وسالت باخلاء سبيله .

    بعد ان خرج المدعي عليه نظر الي مساعدي فقلت له:

    في الدنيا ازمة خدم .ز هل فهمت ؟ فتبسم مساعدي وظهر فيما بعد صدق حدسي فاهل الخادمة كانوا قد طلبوا من مخدومها تسليمها اليهم ليذهبوا بها .

    تذكرت ذلك كله فابتسمت قال لي حامد :

    في ذلك الوقت كنت مفتتحا لهذه البقالية حديثا بمبلغ من المال هو ثمن الارض الوحيدة التي تملكها والدتي باعتها لتعينني على افتتاحها والتماس الرزق فلو اوقفت لدفنت المال في التراب .


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت يونيو 01, 2024 9:02 am