روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    الجرائم ضد الإنسانية: التطور التاريخي والقانوني

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الجرائم ضد الإنسانية: التطور التاريخي والقانوني Empty الجرائم ضد الإنسانية: التطور التاريخي والقانوني

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الأحد مايو 15, 2011 2:57 pm


    يقسم الخبراء القانونيون المتخصصون في تطور ما يعرف باسم القانون الجنائي الدولي - وظهور فكرة الجريمة ضد الإنسانية كإحدى الجرائم التي ظهرت في هذا القانون، مثلها مثل جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب - هذا التطور إلى أربعة مراحل تاريخية. المرحلة الأولى هي مرحلة ما بين الحرب العالميتين. حيث ظهر أول حديث عما يعرف باسم الجريمة ضد الإنسانية والحضارة، والمرحلة الثانية هي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى إنشاء الأمم المتحدة حيث ظهر أول تعريف قانوني تفصيلي للجريمة ضد الإنسانية في سياق محاكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية في محكمتي نورمبرج وطوكيو. أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة ما بعد إنشاء الأمم المتحدة وما قبل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، وهى الفترة التي شهدت إنشاء بعض المحاكم الجنائية الدولية ذات الغرض المحدد (ad- hoc tribunals) مثل المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغوسلافيا السابقة، والمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا. أما المرحلة الرابعة والأخيرة فهي الفترة الحالية، وهى ما بعد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة بلاهاي ودخول نظامها الأساسي حيز النفاذ ثم بدء المحكمة عملها فعلاً عام 2003.([1])

    وفي المرحلة الأولى ابتدع الخبراء القانونيون الفرنسيون والإنجليز تعبير "الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية والحضارة"، في سياق إدانة الحكومات البريطانية والفرنسية والروسية لما أسموه بالجرائم التي ارتكبها الأتراك ضد الأرمن عام 1915. لكن الولايات المتحدة وخبراءها القانونيين انتقدوا هذا التعريف واعتبروا أن ما يمكن تسميته بقانون الإنسانية هو أمر خال من أي مضمون.([2])

    أما في المرحلة الثانية فقد ظهر أول تعريف تفصيلي للجريمة ضد الإنسانية في القانون الدولي في ميثاق المحكمة الدولية العسكرية لمحكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية فيما يعرف بمعاهدة لندن الموقعة من دول الحلفاء في 8 أغسطس عام 1945. وجاء هذا التعريف في المادة 6 (ج) من ميثاق المحاكمة الدولية العسكرية بنورمبرج لعام 1945 والذي وضع في لندن. وقد حددت المادة 6 من ميثاق هذه المحكمة الجرائم التي ارتكبت على مسرح الحرب في أوروبا بواسطة من أسماهم بمجرمي الحرب الأساسيين في الجرائم الثلاثة الآتية: الجرائم المرتكبة ضد السلام، جرائم الحرب، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية. وقد حددت هذه المادة الأفعال التي تدخل في إطار هذه الجريمة الأخيرة بالآتي: " القتل، الإبادة، الاسترقاق، التهجير القسري وكل الأفعال غير الإنسانية المرتكبة ضد أي مجموعة من السكان المدنيين قبل أو في أثناء الحرب، وأي اضطهاد لأية مجموعة من السكان يقوم على أساس سياسي أو عرقي أو ديني، طالما أن تنفيذ هذه الأفعال كان متصلاً بأي شكل بالجرائم التي تدخل في نطاق هذه المحاكمة، حتى ولو كان ارتكاب هذه الجرائم غير مؤثم في البلد التي تم ارتكاب هذه الجرائم في إقليمها."

    أما في المرحلة الثالثة (ما بعد الحرب العالمية الثانية وفي إطار محكمتي يوغوسلافيا ورواندا)، فقد تم تفصيل التعريف الأول بطريقة أكثر دقة في كل من النظام الأساسي للمحاكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب بيوغوسلافيا السابقة الصادر عام 1993، والنظام الأساسي للمحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا الصادر عام 1994.

    فقد جاء تعريف هذه الجريمة في المادة الخامسة من المحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب بيوغوسلافيا كالآتي:

    " لهذه المحكمة الدولية سلطة محاكمة الأشخاص الذين ارتكبوا الجرائم التالية متى تم ارتكابها في إطار نزاع مسلح، بغض النظر عن أخذ ذلك الطابع المحلي أو الطابع الدولي، طالما تم ارتكابها ضد أي سكان مدنيين:

    أ) القتل.

    ب) الإبادة.

    ج) الاسترقاق.

    د) الإبعاد.

    هـ) السجن.

    و) التعذيب.

    ز) الاغتصاب.

    ح) الاضطهاد لأسباب سياسية أوعِرقية أو دينية.

    ط) وكل الأفعال غير الإنسانية الأخرى.

    كما جاء تعريف هذه الجريمة في المادة 3 من النظام الأساسي للمحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا كالآتي:

    " للمحكمة الدولية لرواندا سلطة محاكمة الأشخاص المسؤولين عن الجرائم التالية متى ارتكبت كجزء من هجوم واسع ومنهجي على أي مدنيين لأسباب قومية أو سياسية أو اثنية أو عرقية أو دينية:

    أ) القتل.

    ب) الإبادة.

    ج) الاسترقاق.

    د) الأبعاد.

    هـ) السجن.

    و) التعذيب.

    ز) الاغتصاب.

    ح) الاضطهاد لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية.

    ط) سائر الأفعال غير الإنسانية.

    ومع وجود شبه كبير بين التعريفين، يلاحظ أن هناك فوارق أساسية أهمها:

    1. يرتبط ارتكاب الجريمة ضد الإنسانية في ميثاق محكمة يوغوسلافيا بوجود نزاع مسلح، بينما لا يشترط وجود ذلك في ميثاق محكمة رواندا.

    2. بينما يشترط كلا من التعريفين وقوع الجريمة على مدنيين، إلا إن ميثاق محكمة رواندا يشترط أن يكون ذلك في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي على هؤلاء المدنيين (لا يشترط وجود نزاع مسلح، لكن مجرد وجود هجوم واسع النطاق ومنهجي).

    3. بينما ينص كل من الميثاقين على وجود الاضطهاد كأحد أشكال الجريمة ضد الإنسانية، لكن الفارق بينهما أن نظام يوغوسلافيا يعتبر أن الاضطهاد لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية هو مجرد شكل من أشكال الجريمة (مثلها مثل التعذيب والاغتصاب والاسترقاق) لكن نظام رواندا يعتبر هذه الأسباب ركنًا من أركان الجريمة. فيجب وفقًا لهذا الميثاق أن يكون الهجوم المنظم على مدنيين مرتبطًا بأن يكون ذلك الهجوم لأسباب قومية أو سياسية أو اثنية أو عرقية أو دينية، وبغير ذلك لا يمكن أن تعتبر جريمة ضد الإنسانية.

    أما في المرحلة الرابعة والأخيرة فقد جاء النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة الصادر في روما عام 1998 ليضع أكثر تعريف شهده القانون الجنائي الدولي للجريمة ضد الإنسانية تفصيلاً. وقد جاء هذا التعريف في المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة.

    وترجع أهمية هذا الميثاق الأخير إلى أنه لأول مرة يأتي في سياق ميثاق دائم لمحكمة جنائية دولية دائمة لم تنشأ لغرض مؤقت هو محاكمة تنتهي بمجرد انتهاء اختصاصها المحدد لجريمة وقعت في ظروف تاريخية وسياسية معينة مثل محاكمات نورمبرج وطوكيو ويوغوسلافيا ورواندا. ويؤكد العديد من خبراء القانون الجنائي الدولي أن من أهم خصائص تعريف الجريمة الإنسانية كما ورد في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية هو أنه قد بني على التطور القانوني الذي وصل إليه تعريف هذه الجريمة في العرف القانوني الدولي. ويقول هؤلاء إنه على الرغم من أن هذا التعريف يعد ملزمًا فقط لجمعية الدول الأطراف بنظام المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه أيضًا يمكن أن يستمد إلزاميته للمجتمع الدولي بسبب اعترافه بأكثر الصيغ تطورًا في القانون العرفي الدولي. لكنه - وكما يشير هؤلاء الخبراء - فإن أهمية التعريف الأخير أيضًا تُستمد من أنه حسم نقاشات كثيرة وجدلاً كان دائرًا في الفقه القانوني الجنائي الدولي حول الارتباط بين الجريمة ضد الإنسانية وأمرين أساسيين كانا يعتبران عنصرين أساسيين في هذه الجريمة في وقت نشأتها التعريفية منذ الحرب العالمية الثانية. هذان الأمران هما: وجود نزاع مسلح ووجود اضطهاد (أو ممارسات تمييزية). فمن جهة أولى لقد أصبح واضحًا أن هذه الجريمة منفصلة انفصالاً تامًا عن أية جرائم أخرى جسيمة تقوم في وقت النزاع المسلح، سواء كان نزاعًا مسلحًا دوليًّا أو داخليًّا. ومن جهة ثانية، فإن وجود عنصر اضطهاد على أساس تمييزي لا يعتبر عنصرًا أساسيًّا لهذه الجريمة، حتى ولو كانت هناك بعض الأشكال المحددة لهذه الجريمة تأخذ منحى اضطهاديًّا أو عنصريًّا مثل جريمة الاسترقاق أو جريمة الحمل القسري أو الاستغلال الجنسي أو الإجبار على ممارسة البغاء أو التعقيم القسري.([3])

    ويقول هؤلاء الخبراء إن الجرائم الإنسانية في نظام روما تقع بدون اشتراط وجود حالات النزاع المسلح أو الاضطهاد. والدليل على ذلك ما أكده النظام الأساسي للمحكم الجنائية الدولية، الذي وضع مثلاً تفرقة بين جرائم التعذيب والاسترقاق والقتل العمد والاختفاء القسري وغيرها من الجرائم في حالة الحرب باعتبارها من جرائم الحرب من جهة أولى وبين ذات الجرائم التي ترتكب في غير حالة الحرب، واعتبرها جرائم ضد الإنسانية. ويقول الشراح إن أهم العناصر في الجريمة ضد الإنسانية هو طابعها العام والذي يجعلها تهم المجتمع البشرى بأسره، ويفرقون بين الجرائم التي ترتكب على نطاق واسع أو بطريقة منظمة وبين ذات الجرائم أيضا التي ترتكب في نطاق القوانين الداخلية.

    وللأسباب السابقة يمكن أن نعتبر تعريف الجريمة ضد الإنسانية في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية هو الصيغة الأكثر تطورًا في القانون الجنائي الدولي. ومع الأخذ في الاعتبار أن التعريفات السابقة نشأت في سياقات وظروف تاريخية محددة، وأن نظام روما هو أول نظام لمحكمة جنائية دولية دائمة في العالم، سنجد أن تعريف الجريمة ضد الإنسانية في هذا الميثاق - كما سنرى - هو الأكثر شمولاً وتفصيلاً عن التعريفات السابقة كافة.

    ولذلك، وفي نطاق بحثنا هذا، نعتقد أن هذا التعريف هو أكثر التعريفات صلاحية للتفسير أو الاسترشاد (مع مراعاة شروط اختصاص المحكمة الجنائية الدولية) فيما يتعلق بتعريف الجريمة ضد الإنسانية وأركانها وتحديد المسئولية الجنائية.

    وإذا كان هذا هو تطور تعريف الجريمة ضد الإنسانية في القانون الجنائي الدولي، فلنلق نظرة هنا على التعريف الحالي لهذه الجريمة في إطار نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

    ([1]) انظر

    Andrea Bianchi. 1999. Individual Accountability for Crimes Against Humanity: Reckoning with the Past, Thinking of the Future. SAIS (School of Advanced International Studies) Review, Vol. 19, Issue 2. Pp 97:131

    David Luban. 2004. A Theory of Crimes Against Humanity. Yale Journal of International Law. Vol. 29, Pp 85:168.

    Guenael Mattraux. 2002. Crimes Against Humanity in the Jurisprudence of the International Criminal Tribunal for the Former Yugoslavia and Rwanda. Vol. 43. No. 1, Harvard International Law Journal.Winter. Pp 237:316

    Margaret McAaullife DeGuzman. 2000. Law of Crimes Against Humanity. Human Rights Quarterly, Issue 22. Pp 335:403.



    M. Cherif Bassiouni. 1992. Crimes Against Humanity in International Criminal Law. Kluwer Academic Publishers.P.1

    Vincent Sautenet. 2000. Crimes Against Humanity and the Principles of Legality: What Could the Potential Offender Expect? Murdoch University Electronic Journal of Law. Vol. 7, No. 1, March.

    [2] انظر

    David Luban. 2004. A Theory of Crimes Against Humanity. Yale Journal of International Law. Vol. 29, P 68.



    ([3]) وقد حدثت هذه الأخيرة مع مسلمات كوسوفا من مرتكبي الجرائم من الصرب، وهذا ما استدعى إضافتها في نظام روما للمحكمة الجنائية. وانظر حول تعريف الجريمة ضد الإنسانية:

    Margaret McAaullife DeGuzman. 2000. Law of Crimes Against Humanity. Human Rights Quarterly, Issue 22. Pp 352 -353


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 3:20 pm