روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    إبراهيم عيسي يكتب: ييجي اللي ييجي!

    رمضان الغندور
    رمضان الغندور
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني


    عدد المساهمات : 7758
    نقاط : 21567
    السٌّمعَة : 16
    تاريخ التسجيل : 31/05/2009
    العمر : 67
    العمل/الترفيه : محامي حر

    إبراهيم عيسي يكتب: ييجي اللي ييجي! Empty إبراهيم عيسي يكتب: ييجي اللي ييجي!

    مُساهمة من طرف رمضان الغندور الأحد يوليو 19, 2009 11:49 pm


    كم مرة سألني المراسلون الأجانب هذا السؤال: من الشخص الذي يمكن أن يحكم مصر بعد الرئيس مبارك؟ ثم يذكرون قائمة الأسماء التي لا يخلو منها مجلس ولا جلسة في مصر الآن، وهكذا انتقلت حمي التوقعات والتكهنات والسيناريوهات حتي دوائر السياسة والإعلام في أوروبا وأمريكا.

    كنت أجيب بأن هذا سؤال غير ديمقراطي ولا يمكن طرحه إلا في دولة شمولية استبدادية تقوم علي الانتخابات المزورة وتزييف إرادة المواطنين، وأرد علي سؤالهم بسؤال: هل يمكن أن تطرح هذا السؤال في الهند أو في تركيا أو في إيطاليا أو في فرنسا أو السنغال أو غانا أو في جنوب أفريقيا؟

    مستحيل لأن هذه دول تشهد انتخابات حرة مفتوحة غير مزورة، ومن ثم فلا أحد فيها يعرف من سيترشح ومن سيكسب؟!

    لقد أصابكم يا زملائي (لاحظ مازلت أخاطب المراسلين الأجانب) المرض المصري الاستبدادي الذي يجعلنا نحن بمنتهي البراءة والتغفيل نطرح هذا السؤال ليل نهار علي أنفسنا.


    الأصل أن نسعي نحن الشعب الذي وصفنا أنفسنا أو وصفنا صائغو دستور مصر- قبل وبعد تعديلاته- بأننا جماهير شعب مصر العامل علي هذه الأرض المجيدة منذ فجر التاريخ والحضارة، ولأننا نحن الناس المهمة خالص والمهتمة جدًا الذين قلنا عن أنفسنا في مقدمة الدستور إننا جماهير هذا الشعب في قري مصر وحقولها ومدنها ومصانعها ومواطن العمل والعلم فيها وفي كل موقع يشارك في صنع الحياة علي ترابها أو يشارك في شرف الدفاع عن هذا التراب وطالما إحنا قوي كده جدا وخالص فعلينا أن نسعي لتغيير الدستور الذي قال عنا هذا الكلام المشجع النافخ فينا والنافح لنا إحساس العظمة ومن ثم نخلي عندنا « دم أزرق » ونناضل لإجراء انتخابات رئاسة مفتوحة ونزيهة وديمقراطية بتغيير المادة ستة وسبعين أطول مادة في أي دستور في العالم المكونة من ستمائة وتسع وثمانين كلمة، هذه المادة العوراء التي تم تفصيلها في الدستور علي مرشح وحيد وبعض الهفأ من كومبارس الأحزاب، بينما أغلقت الباب بالضبة والمفتاح أمام أي مرشح محترم!


    المراسلون الأجانب القادمون من دول ديمقراطية جرجرتهم مصر ليسألوا سؤالا ليس له أي علاقة بالديمقراطية.. فالقاعدة في الانتخابات أن عددا من المواطنين يجدون في أنفسهم الكفاءة والمؤهلات والطموحات للحكم فيرشحون أنفسهم للرئاسة ويعرضون برامجهم ويقدمون أفكارهم ويخطبون ويدعون ويشرحون ويتنقلون من مؤتمر لمؤتمر ومن محافظة لأخري ويحرصون علي جذب الاهتمام وإقناع الناس بمصداقيتهم وإمكانياتهم ثم يقرر الناخبون من سيكون الرئيس من بين هؤلاء المرشحين، أما البطيخ المصري الحالي الذي يحصر ويحاصر الترشيح فهو ما يجعل الناس تهزر وتهزل وتطرح هي أسماء المرشحين، بينما دورنا نحن أن ننتخب ودور المرشحين أن يرشحوا أنفسهم ومن هنا نلاقي الناس تتسول أسماء مثل عمرو موسي أو محمد البرادعي وكلها من الأسماء الممتازة والمحترمة لكن الطرح خاطئ وساذج وعكس كل خلق الله فنحن نفكر في الترشيح وليس في الانتخاب بينما المرشحون الأفاضل لا يرشحون أنفسهم ونحن نهري أنفسنا في العك واللك في سيرة ترشيحهم!

    فضلا عن أن عمرو موسي مثلا يري اسمه في كل محفل ومع كل مناسبة مرشحا للرئاسة ولم يحدث مرة أن أبدي رأيا أو أظهر فعلا، أو وافق أو رفض، أو بادر أو ناور، أو استجاب أو تمنع أو امتنع، بل الرجل مخلص لوظيفته فهو لم يكن أكثر من موظف دولة لم يتخذ أبدا موقفا معارضا أو مختلفا يعيش تحت كتف النظام وفي كنف الأنظمة العربية ولا يستطيع تحدي الظروف بل هو واحد من صناع هذه الظروف، يأمن علي منصبه ويستأمن بسكوته الصاخب الذي لا يكف عن التصريحات العائمة الهائمة حول الوضع العربي، لكنه لم يذكر يوما علي سبيل الخطأ أو السهو شيئا عن الديكتاتورية العربية أو الاستبداد، ولم ينبس بكلمة عن مظاهر القمع وكبت الحريات ولم يقف أبدا مدافعا وناصرا ونصيرا لضحايا المعارضة والدفاع عن الحرية في أي بلد عربي وفي مصر قطعاً، ومن ثم يبدو الإلحاح علي اسم الرجل نوعا من قلة الحيلة لدي المصريين وكذلك صنفا مصريا غاليا من الحشيش السياسي، حيث التوهم والأوهام المريحة التي تنشر في الجسد خدر الانبساط والرضا عن الذات، إن المجهود الشعبي الضائع في طرح أسماء للترشيح تبديد للطاقة كما أنه لعب خارج الخطوط!

    الغريب أن يكون اسم محمد البرادعي مطروحا هو الآخر، فمن الواضح أن الرجل بمكانته الدولية اللامعة وحضوره الدولي الملح جعل الناس تأمل فيه ما لم يأمله هو في نفسه، فالرجل رغم حداثة طرح اسمه اكتفي بالصمت الذي يبدو أنهم يعلمونه للرجال والموظفين الذين تربوا في الدولة المصرية، محمد البرادعي موظف مخلص لرؤسائه ورجل غير سياسي لم يتقدم الصفوف أبدًا ولم نشهد له وجودًا في حياتنا السياسية ولا مشاركة في واقعنا المحلي ولم يستغل شهرته الدولية ومكانته العالمية لصالح فتق جدار القمع السياسي في مصر، بل كان حريصا كغيره من موظفي الدولة المصرية الذين ترقوا في مناصب دولية علي تمتين علاقته بالمسئولين في بلده والدرء بنفسه عن أي مصادمة أو تصادم مع رئيس دولته وبات كأنه أحد رعايا الرئيس في الخارج وليس مواطنا مصريا مستقلا ومحميا بمكانه ومكانته عن فيوض النفاق الواجب من موظف دولة لرئيسه، ولا يجب كذلك أن يرهق الشباب أو قطاع من الشعب المصري نفسه في طرح اسم رجل لا يريد أن يطرح نفسه، فنحن لا نخطب لابنتنا ولا ننادي علي بنت بايرة بل هي مصر أجمل البنات بل أجمل المخلوقات متي رفعوا عنها آثار أقدامهم الغبرة التي انغرست في ملامح وجهها وضمرت معها نضارة روحها!

    هل معني رفضنا لطرح أسماء مثل عمرو موسي ومحمد البرادعي أننا نتركها تفاحة مقشرة لجمال مبارك؟

    أبدا فالحاصل هو العكس، عندما تلح النخبة وجماعة الشبان المتحمسة علي تقديم أسماء مثل هؤلاء للنجاة من فخ جمال مبارك أو مرشح للحزب الوطني فإنهم بهذا يخدمون جمال مبارك أو مرشح الوطني من حيث لا يعلمون، فهذه الشخصيات موسي أو البرادعي أو زويل أو غيرها ساعة الجد لن تجدها أمامك وسيعطون ظهورهم لك وسيخشي هؤلاء فكرة الترشيح خوفا علي نفوذهم أن يتبدد أو علي وضعهم أن ينقلب أو علي أمنهم أن يتعرض للخطر، ولأن هؤلاء يملكون روح الموظفين المأمورين فإن الساحة ستكون خالية تماما وحجتهم أنهم لم يقولوا إنهم يريدون الترشح ولا الرئاسة فلماذا نحاسبهم علي ما لم يعرضوه؟!

    الذي يريد لمصر أن تجد مرشحها عليه أن يترك مرشحها يقدم نفسه سواء بتغيير هذه المادة السوداء العوراء، المادة 76 التي وضعت حواجز بشعة صاغتها عقول أبشع من خدام السلطة وترزية القوانين ومنافقي الرئيس، إلا أنه يمكن هزيمتها وهزيمتهم مما يسمح لأي من المواطنين بترشيح نفسه!

    طبعا ستسألني بحكم العادة السقيمة السؤال مرة أخري: وافرض.. إذن من يأتي بعد مبارك.. ومن الشخص الذي يمكن أن يصبح رئيسًا لمصر؟

    وكأنك لم تقرأ ولا كلمة من السطور السابقة، وسأجيبك بأن ييجي اللي ييجي ويأتي من يأتي يا سيدي، مادام الشعب هو الذي سيختاره في انتخابات الترشح فيها حر، والتصويت فيها حر، ولجنة الإشراف علي الانتخابات ليست اللي بالي بالك ممن يستدعيهم رئيسهم لطوع بنانه ولتنفيذ تعليمات جهاز أمن الدولة والخشوع أمام مكالمات التليفون الأحمر والإدلاء ببيانات كاذبة نهارا جهارا والرضا بالتزوير والتدليس والموالسة، وكأن ضمائر بعضنا ممن يمتحنهم الله بالجلوس علي هذه المقاعد صنعت من عجوة، يأتي من يأتي بعد مبارك، المهم أن يختاره الشعب وينتخبه المهم أن يقدم هو نفسه للأمة ويحوز ثقتها، وسأعيد عليك قصتي المفضلة عن سعد زغلول الذي صار خلال ثلاثة أشهر زعيم الأمة رغم أن أحدا لم يكن يفكر فيه قبلها ولا وضع صورته في بيته أبدا فملأت صورته خلال ستة أشهر كل بيت فيك يا بلد ولا جاب مواطن سيرته بينه وبين نفسه ولا لزوجته وعياله علي العشاء إطلاقا، فصارت سيرته أغاني شعبية ومواويل في ربوع ونجوع مصر، ولم تكن حتي أحواله العائلية والشخصية تضمن له أن يصبح زعيم حارة وليس زعيم أمة فقد كانت علي أسوأ ما يمكن أن يتعرض له رجل في بيته من سقوطه في حبائل الشيطان بإدمان وبانكسار صورته وهيبته أمام زوجته، لكن في ظروف سياسية وظرف وطني تحول الرجل الكسير إلي هذا الزعيم الكبير إذ فجأة ولم يكن معجزة أبدًا بل كان رجلاً تجاوز الستين من عمره يوم صار زعيم مصر، وشغل من قبل عدة مناصب وزارية وشعبية، وكان له تاريخ كاد هو أن يدمره وأن يطويه الجميع في لفائف النسيان التي طوت وحوت حياة كثيرين منسيين، سعد زغلول الذي صار زعيم الأمة من حيث لا يحتسب توقف عن لعب القمار قبل شهور من قيام الثورة.. ولأنه كان في لحظة شجاعا ومغامرا كتب في الجزء الثامن من مذكراته التي صدرت عن الهيئة العامة للكتاب: «وإني أوصي كل من يعيش بعدي ممن لهم شأن في شأني أني إذا مت من غير أن أترك اللعب ألا يحتفلوا بجنازتي ولا يجلسوا لقبول تعزية ولا يدفنوني بين أهلي وأقاربي وأصهاري».. ويقول: «كذلك يتمثل بخاطري من وقت لوقت ما نزل بي من الخسائر في القمار من يوم ما تعلمته لغاية الآن وهي لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه فتؤلمني هذه الذكري إيلامًا شديدًا ويؤلمني ما لقيت في هذا السبيل من كدر العيشة المنزلية وما ترتب علي سلوكه من إيلام قرينتي وإيذاء شهرتي (سمعتي) وسقوط منزلتي خصوصا أمام نفسي».. ويضيف في موقع آخر من المذكرات: «والله لقد أصبحت أستحي من نفسي وأذوب خجلاً من أمري ولا يفتأ ضميري يوبخني كلما خلوت وحدي، ويل لي من الذين يطالعون من بعدي هذه المذكرات ومن حكمهم علي تمكن الفساد من نفسي ورسوخ أصوله في قلبي».. ويصل الأمر بسعد زغلول قبل ستة أشهر من قيادته الثورة المصرية إلي أن يكتب: «إن لم أرتدع بعد هذا فمن اللازم أن أستعد للانتحار لأنه هو آخر ملجأ يلجأ إليه من تولي الضعف نفوسهم وتمكن».. ورغم هذا كله تاب سعد واستفاد من روح المقامر بأن قامر بحياته لصالح أمته وبروحه مقابل وطنه وأراد أن يغسل ذنوبه كما يغسل الثوب الأبيض من الدنس وأن يستعيد ذاته متغلبا علي ملذاته فوضعه أفراد الشعب المصري فوق رءوسهم وأكتافهم ورفعوه للسماء ومكنوه من كرسي زعامة الأمة وانتخبوه رئيسا لوزرائهم !

    لا تحيروا أنفسكم في ترشيح من سيأتي بعد الرئيس مبارك بل ركزوا كيف سيأتي!!


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس يوليو 04, 2024 7:34 am