روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    من هي الدولة ؟

    جليله محمود
    جليله محمود
    .....
    .....


    عدد المساهمات : 1008
    نقاط : 2940
    السٌّمعَة : 7
    تاريخ التسجيل : 11/10/2010

    من هي الدولة ؟ Empty من هي الدولة ؟

    مُساهمة من طرف جليله محمود الثلاثاء ديسمبر 21, 2010 8:00 pm

    د. علي محمد فخرو

    من هي الدولة ؟ Ali_fakhro
    في منتصف القرن السابع عشر، وأمام برلمان باريس، قال ملك فرنسا لويس الرابع عشر مقولته المتعجرفة الشهيرة: «أنا الدولة» أو «الدولة هي أنا». لكن الثورة الفرنسية بعد حوالي قرن ونصف ردت على شعار «أنا الدولة» برفعها شعاراً ثوريا متحديا هو «انا المواطن». كان لابد من قص جناح النسر العنجهي ليعيش بين الطيور المرفوعة الرأس.
    وكان لابد من وضع تعريف متوازن سياسي للدولة يجعلها مكونة من سلطة الحكم وسلطة المجتمع
    بشكل متناغم ومتوازن. فالحكومة لا تساوي الدولة، والمجتمع لا يكون دولة
    بدون وجود حكومة. والدولة ليست مرتبطة بشخص رئيس او ملك او قائد ولا مرتبطة
    بجماعة من مثل قبيلة او عائلة او جيش او حزب انها رابطة سياسية بجسم
    قانوني تسعى عند البعض، للمحافظة على النظام وعند البعض الآخر للدفاع عن
    الحريات واقامة العدل. لكن في المحصلة النهائية لا توجد دولة في هذه الدنيا
    غير مبتلاة بتضارب المصالح بين مكوناتها، الامر الذي يتطلب ان تسعى الدولة
    لحل ذلك التضارب بالطرق السلمية والديموقراطية والقانونية ان ارادت ألا
    تضمحل وتموت.
    لقد كانت تلك المقدمة المختصرة جدا ضرورية للدخول في صلب الماسي التي
    تحياها كل الاقطار العربية بدون استثناء، وان كانت بنسب مختلفة فالمأساة
    الأم تكمن في الاعتقاد الخاطئ المتعجرف، المماثل لاعتقاد لويس الرابع عشر،
    الذي تحمله الحكومات العربية من انها هي الدولة، والدولة هي وهي لا تدري او
    تعي ان ثورة الفرنسيين الدموية على ما نطق به مليكهم ليست حدثا معزولاً في
    التاريخ بل بالعكس، فقد تكررت وتكررت مرات كثيرة عبر تاريخ البشرية.
    اذن، فالمشكلة الرئيسية هي ان كل الانظمة السياسية العربية التي تدير امور
    العباد تعتبر سلطتها مساوية ومتماثلة ومجسدة للدولة. وبالتالي فان اي
    معارضة سياسية لبرامجها او سياساتها، واي اعتراضات على استئثارها بالسلطة
    والثورة المادية والرمزية، واي مطالبة من قبل مؤسسات المجتمع للمشاركة في
    اتخاذ القرارات المصيرية.. ايا من كل ذلك سيعتبره قادة النظام تهديدا
    لاستقرار وامن وثوابت الدولة وسواء اكان الحكم قد جاء على ظهر دبابة اجنبية
    غازية.، ام اختلس عن طريق انقلاب عسكري انتهازي، ام بني عن طريق تزوير لكل
    انتخاب، ام استند الى نصوص دستورية غير شرعية ديموقراطية - اي قام في جميع
    الاحوال كحكم الغلبة الخلدوني الشهير - فانه يعتبر نفسه تجسيدا لروح وجسد
    الدولة، وبالتالي يعلي نفسه وزبانيته الى مستوى القداسة التي لا يجوز ان
    تمس او ان يتحداها احد.
    ان هذا الفهم الخاطئ المفجع لما يجب ان تقوم عليه الحياة السياسية في اقطار
    الوطن العربي يكمن وراء المشاهد المضحكة المبكية فوق المسرح العربي.
    فعندما يرفع شعار «سلطة الحكم هي الدولة» تصبح الدولة عربة يتوارثها
    الابناء عن الآباء في كرنفالات كهنوتية مقدسة، ويصبح تبادل السلطة تهديدا
    خطيرا لاستقرار الدولة، وينقلب مرض القائد الى سر من اسرار الدولة، وينظر
    الى مظاهرة من بضع مئات من المواطنين الجائعين او العاطلين او المهمشين
    نذير سرطان يجب استئصاله قبل ان ينتشر في جسم الدولة.. الخ من مفاهيم خاطئة
    تنتهي بالاعتداء على حقوق المواطنين وكرامتهم وسلامتهم الجسدية والنفسية
    باسم الدفاع عن امن الدولة.
    هناك قول للفيلسوف الالماني هيجل مؤداه: «ما تعلمنا التجارب ويعلمنا
    التاريخ هو ان الامم والحكومات لم تتعلم قط من التاريخ ولامن دروس الحياة»
    .
    ويشعر الانسان العربي بأن انظمة الحكم في بلاد العرب ومجتمعاتنا، مع الاسف
    الشديد، يصدق عليهم هذا القول القاسي، مثلما يصدق عليهم قول الشاعر
    البريطاني اودن من «ان التاريخ قد يقول للمهزومين واأسفاه، لكنه لن يمد يد
    المساعدة ولن يغفر».
    عبر التاريخ، وعلى الاخص التاريخ القريب جدا من يومنا هذا، ادركت الكثير من
    الانظمة السياسية عبر العالم كله، بما في ذلك العالم الثالث، هذه الحقيقة
    البسيطة: التفريق بين الدولة ونظام الحكم فالدولة مقدسة، اما نظام الحكم
    فقابل للمساءلة والمعارضة. ولكن عندنا في بلاد العرب، فاننا مازلنا نعيش ما
    عاشه الفرنسيون في القرن السابع عشر.
    التاريخ لا يقول لنا واأسفاه، انه يقهقه.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 17, 2024 9:51 am