روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    بحث قصور التشريع الجنائي عن حماية الحيازة في العقار

    رمضان الغندور
    رمضان الغندور
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني


    عدد المساهمات : 7758
    نقاط : 21567
    السٌّمعَة : 16
    تاريخ التسجيل : 31/05/2009
    العمر : 67
    العمل/الترفيه : محامي حر

    بحث قصور التشريع الجنائي عن حماية الحيازة في العقار Empty بحث قصور التشريع الجنائي عن حماية الحيازة في العقار

    مُساهمة من طرف رمضان الغندور الإثنين سبتمبر 28, 2009 1:48 am

    مجلة المحاماة – العدد العاشر
    السنة الثانية والثلاثون
    سنة 1952
    بحث
    قصور التشريع الجنائي عن حماية الحيازة في العقار
    لحضرة الأستاذ راغب حنا المحامي

    مفارقات:
    من يختلس منقولاً مملوكًا للغير يعد سارقًا ويعاقب بالحبس، ولو كان المسروق رغيفًا من الخبز وكان الباعث على السرقة الجوع…
    أما من يختلس عقارًا مملوكًا للغير فلا يعد سارقًا ولا يعاقب، ولو كانت قيمة العقار ألوف الجنيهات وكان الباعث على الاختلاس الرغبة في سلب مال الغير، ولا عقاب عليه حتى لو استولى من ثمار العقار المغتصب على ما يقدر بمئات أو ألوف الجنيهات قبل أن يتمكن صاحب العقار من استرداده…
    حقًا إن المشرع أضاف إلى قانون العقوبات في سنة 1904, بابًا خاصًا بانتهاك حرمة ملك الغير [(1)]، ولكنه لسوء الحظ اشترط للعقاب على الجرائم الواردة في هذا الباب شروطًا تركت ثغرة واسعة يفلت بواسطتها مرتكبو تلك الجرائم من العقاب.
    وآية ذلك أن القانون لا يعاقب من اغتصب عقارًا ولا من دخل عقارًا في حيازة آخر إلا إذا كان ذلك (بقصد منع حيازته بالقوة) أو (بقصد ارتكاب جريمة فيه) !! وهذا هو القصد الجنائي في الجريمة المنصوص عليها في المواد (369) و (370) عقوبات, فإذا لم يثبت أن المتهم كان يقصد استعمال القوة بعد دخوله العقار فلا عقاب، ومن وضع يده على عقار في غياب صاحبه لا يعاقب [(2)].
    ومن ذلك يبين أن من يغتصب عقارًا خلسةً من صاحبه لا يقع تحت طائلة قانون العقوبات، وكذلك من يغتصب عقارًا بالحيلة أو بواسطة إجراءات صورية يتخذها في غير مواجهة المالك أو الحائز، فهؤلاء لا حيلة للقانون الجنائي فيهم !!
    وعلى مالك العقار أو حائزه أن يلجأ إلى القضاء المدني برفع دعوى الملكية أو دعوى منع التعرض أو استرداد الحيازة – إذا توافرت شروطهما - فإذا حالف التوفيق المالك أو الحائز الحقيقي، بعد وقت طويل وجهد كبير ونفقات طائلة، فلن يظفر في النهاية إلا باسترداد عقاره بعد أن يكون الغاصب قد احتله عدة سنوات، وبعد أن يكون قد استولى من ثماره على مئات أو ألوف من الجنيهات.
    وإذا كان الغاصب معسرًا أو معدمًا - وغالبًا ما يكون - فلن يجد المالك أو الحائز ما يرجع به عليه فتضيع عليه الثمار كما تضيع عليه نفقات التقاضي.
    ومن الغريب أن القانون الجنائي يعاقب مختلس المنقول بالحبس الذي قد يبلغ في السرقات البسيطة ثلاث سنوات (مادة (317) و (318) عقوبات) فإذا اقترنت السرقة بالإكراه كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو المؤبدة (مادة (314) عقوبات) بينما لا يعاقب مختلس العقار أصلاً إذا دخل العقار دون أن يقصد منع حيازة صاحبه بالقوة أو بقصد ارتكاب جريمة فيه! وحتى إذا دخل العقار بقصد منع حيازة صاحبه بالقوة أو يقصد ارتكاب جريمة فيه فعاقبه الحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر أو غرامة لا تتجاوز عشرين جنيهًا (مادة (369) عقوبات)!
    أرأيت هذه التفرقة الصارخة التي لا مبرر لها مطلقًا والتي لا يسيغها منطق ولا عدالة، بل التي تغري الكثيرين على استغلال هذا النقص في التشريع الجنائي للسطو على أملاك الناس وهم في مأمن من العقاب!
    من صور السطو على العقار التي لا يعاقب عليها القانون:
    ومن صور هذا السطو الذي شهدته ساحات المحاكم أخيرًا ما اقترفه ويقترفه مغامر أفاق احترف السطو على الأراضي والعقارات في غفلة من أصحابها، وطريقته في ذلك أن يحرر عقد إيجار صوري بينه وبين أحد أعوانه عن العقار الذي يريد اغتصابه، ثم يرفع دعوى ضد المستأجر المزعوم بطلب مبلغ يدعي أنه متأخر إيجار مع طلب إخلاء العقار وتسليمه إليه! وما أن يحصل على حكم بطلباته حتى يتقدم به للتنفيذ فيفاجأ صاحب العقار بأحد المحضرين يسلم ملكه إلى المؤجر المزعوم!
    فإذا اتفق أن كان المالك أو الحائز حاضرًا - وكثيرًا ما لا يكون - وطلب الاستشكال في تنفيذ الحكم الذي لم يصدر في مواجهته فإن الإشكال لا يقبل غالبًا لعدم وجود المستندات الدالة على الملكية ووضع اليد وقت التنفيذ، فلا يسع المحضر القائم بالتنفيذ إلا أن يحرر محضر التسليم وينصرف.
    وإذا لجأ مالك العقار أو حائزه إلى البوليس فكثيرًا ما يقف البوليس حائرًا أمام الحكم الصوري ومحضر التسليم الذي بنى عليه، ومن ثم يكلف الشاكي بمباشرة دعواه مدنيًا…
    وإذا ما أراد المالك أو الحائز رفع إشكال بعريضة إلى القضاء المستعجل فلا يقبل دعواه بحجة أن التنفيذ قد تم، وإذا طلب من القضاء المستعجل إلغاء محضر التسليم قضى بعدم الاختصاص لمساس الفصل في الدعوى بأصل الحق ولأن تحقيق وضع اليد من اختصاص قضاء الموضوع..
    فلا يجد المالك أو الحائز المجني عليه طريقًا إلا رفع دعوى عادية بطلب إلغاء محضر التسليم وإعادة وضع يده على العقار، وغني عن البيان أنه يشترط لقبول هذه الدعوى أن ترفع في ظرف سنة من تاريخ حصول التعرض وأن يثبت المدعي وضع يده على العقار وضعًا هادئًا ظاهرًا مستمرًا لا لبس فيه ولا غموض سنة كاملة على الأقل قبل حصول التعرض (مادة (961) مدني).
    فإذا ما قدر للمالك النجاح في هذه الدعوى كان عليه أن ينتظر الفصل في الاستئناف قبل أن يسترد عقاره من غاصبه…
    وهذه الإجراءات تستغرق عادةً سنة أو سنوات، وتكبد صاحبها الكثير من الجهد والنفقات ولا سبيل له إلى الحصول على شيء من تلك النفقات ما دام الغاصب معدمًا لا يملك من حطام الدنيا شيئًا.
    ولقد راعنا أن تتكرر هذه المأساة من نفس الشخص مع عشرات من الضحايا الذين يرميهم القدر في طريقه، كما هالنا أنه في إحدى المغامرات دخل المنزل الذي أراد اغتصابه بطريق التسور ليلاً - على أثر إخلائه من ساكنيه - ليدعي وضع يده عليه!
    ومع إنه صدرت عدة أحكام نهائية دفعت ذلك المغامر الجريء باحتراف السطو على أملاك الناس، فإنه لا زال حرًا طليقًا يعيث في الأرض فسادًا، ويرتكب كل يوم سطوًا جديدًا، ما دامت يد العدالة قاصرة عن أن تنزل به عقوبة رادعة له وزاجرة لأمثاله…
    دفع اعتراض:
    قد يقال إن الغصب في بعض تلك الصور يكون وليد إجراءات مدنية، وأن تحقيق صورية تلك الإجراءات وتحقيق وضع اليد يجب أن يترك للقواعد المدنية والقضاء المدني، وهذا القول مردود بأن كثيرًا من جرائم الأموال يستلزم تعرض سلطة التحقيق والقضاء الجنائي لمسائل مدنية وتطبيق أحكام القانون المدني كجرائم خيانة الأمانة والتزوير، ولم يكن ذلك حائلاً دون تجريم الفعل فيها وعقاب الفاعل.
    وفي رأيي أن غصب العقار وسلب الحيازة - وإن تم تحت ستار إجراءات مدنية - إلا أنه جريمة ضد المجتمع أخطر من جرائم السرقة والنصف وخيانة الأمانة والتزوير وأولى منها بالعقاب متى ثبت في حق مرتكبها سوء النية وقصد الغصب.
    وجوب تجريم غصب العقار:
    لقد كثر هذا النوع من السطو كثرة أقلقت الملاك وشغلت المحاكم بحيث أصبح الأمر يستلزم تدخل المشرع لحماية الحيازة في العقار من طريق تجريم غصب العقار وسلب الحيازة - ولو لم يكون الغصب ملحوظًا فيه استعمال القوة أو مقصودًا منه ارتكاب جريمة - كالسرقة العادية في المنقول، ومن طريق تشديد عقوبة سلب الحيازة بالقوة بجعلها عقوبة الجناية أسوةً بالسرقة بإكراه، لعل في ذلك ما يحمي الحيازة في العقار حماية كافية ويردع المغامرين من السطو على أملاك الناس الآمنين.


    [(1)] أضيف هذا الباب بناءً على طلب مجلس شورى القوانين، واقتبست أحكامه من المواد (441) وما بعدها من قانون العقوبات الهندي والمواد (352) وما بعدها من قانون العقوبات السوداني.
    [(2)] العقوبات لأحمد بك أمين القسم الخاص طبعة أولى ص (814).
    والموسوعة الجنائية لجندي بك عبد الملك الجزء الثاني ص (87) رقم (21) – (23).

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 6:37 pm