روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    السر الذي أذهل القاضي بقلم:أسعد العزوني-عمان

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    السر الذي أذهل  القاضي  بقلم:أسعد العزوني-عمان Empty السر الذي أذهل القاضي بقلم:أسعد العزوني-عمان

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت يناير 09, 2010 8:21 pm


    جلس القاضي العسكري خلف الطاولة وبجانبـه اثنان من المساعدين وكان شعار إسرائيل التوارتية منقوشاً خلفه على تحفة أثرية بجانبهما شعار الشمعدان الصهيوني وصور بن غوريون وهيرتزل!

    كان الهدوء يخيم على قاعة المحكمة خاصة وأن أحداً لم يدخلها بعد وقد جاء القاضي مبكراً هذا اليوم لزحمة القضايا التي سببت فيها والتي هي في معظمها قضايا تتعلق بالأمن.

    بعد قليل طلب ثلاثة فناجين قهوة له ولمساعديه لم يتأخر الجرسون الذي كان من المتدينين المتعصبين في إحضارها، فبعد دقائق معدودة وضعت القهوة على الطاولة وهمس الجرسون في أذن القاضي قائلاً:

    - ليمنحك الرب القوة وتؤدبهم!

    كان يقصد بالطبع العرب الذين سيمثلون اليوم أمام القاضي بتهمة قذف الحجارة أو تفجير عبوات ناسفة أو إطلاق النار على الدوريات والمستوطنين الصهاينة في منطقة نابلس.

    ضحك القاضي وقال للجرسون المتدين:

    - إن ربك لا يمنح أحداً القوة.

    لم تعجب المتدين هذه الإجابة فتمتم بكلمات لم يفهمها القاضي.

    وما هي إلا لحظات حتى أخذ الناس يتدفقون على المحكمة، الشرطة طبعاً كانت في البداية لحراسة المحكمة ثم تبعها المتهمون العرب وشهود الزور الصهاينة الذين هم في غالبيتهم من المستعمرين الاستيطانيين، إضافة إلى أقارب وأهالي المتهمين المعتقلين الذين سمح لهم بالحضور إلى جانب بعض الفضوليين من الفلسطينيين والصهاينة.

    تشاور القاضي مع مساعديه ودق على الطاولة بشاكوشه.

    محكمة!
    وقف الجميع إجبارياً طبعاً لأنه من المستحيل أن يقف فلسطيني لتحية شعار إسرائيل!

    كان الجو مكهرباً تلك اللحظـة حيث العيون تتبادل النظرات والشرر يتطاير منها فالمستعمرون يستغلون أنهم في قاعة المحكمة ويحدجون الفلسطينيين بنظرات الحقد والكراهية، أما الفلسطينيون فإنهم

    يشعرون بالمهانة ولهذا ينظرون إلى المستعمرين بنظرات أشد عنفاً وأكثر كراهية!

    جلس الجميع ونودي على المعتقل الأول الذي وقف ليسألـه القاضي بلغة عربية فصحى:

    - ما اسمك؟

    - اسمي مكتوب أمامك في ملف اتهامي.

    أدرك القاضـي بأن هذا اليوم لن ينتهي على خيـر فهذا الذي أمامه طالب لم يتعد السابعة عشرة من عمره يرد عليـه بهذه الصورة وهو يعرف أن مصيره متوقف على كلمة منه.

    نظر إلى الشاب الذي كان وجهه يطفح قوة وصرخ بأعلى صوته:

    - عندما أسألك عن اسمك يا حيوان عليك بالإجابة.

    نظر إليه الشاب نظرة ذات معنى وقال بهدوء:

    - أيها الجنرال أنت ودولتك في (....)!

    كان القاضي العسكري يتكلم اللغة العربية بطلاقة ويفهمـها أيضاً ولا تفوته كلمة نابية في قاموس اللغة العربية إلا وحفظها وأخذ يرددها عن ظهر قلب!

    صعـق عندما سمع الشاب يجيبه بهذه الطريقة وصعق أكثر عندما

    انفجرت قاعة المحكمة بمن فيهم بعض المستعمرين الذين يفهمون العربية بالقهقهات بسبب تلك الإجابة.

    لم يفكر هذه المرة، لم يتشاور مع مساعديه، لم ير التهمة الموجهة ضد الشاب كل ما قاله بعصبية ظاهرة:

    - عشرون عاماً يا حيوان!

    لقد انتظر لحظة الانتصار المتمثلة في انهيار الشاب عند سماعه الحكم ولهذا فقد سمر فيه عيناه كنوع من الشماتة! لكن الشاب أثاره هذه المرة أكثر من سابقتها حين قال له بلا مبالاة واضحة:

    - قبل قليل قلت لك أنت ودولتك في (...) والآن أقول لك أيها الجنرال الأحمق أنت ودولتك على (....)!

    - كلاب كلكم كلاب، ماذا نفعل لنؤدبكم.

    أخذ القاضي العسكري يصرخ دون وعي منه أو مراعاة لحرمة المحكمة واستطرد:

    - نكلنـا بكم، سجناكم ضربنا قيادتكم في تونس البعيـدة، ألبنا عليكم العرب جميعاً، ولم تتعظوا من أي طينة أنتم؟

    هدأ قليلاً، أشعل سيجارة وضع المتدين أمامه فنجان قهوة!

    - المتهم الثاني.

    وقف المتهم الثاني كان عجوزاً يبلغ من العمر سبعين عاماً لم ينظر إليه القاضي العسكري هذه المرة خشية أن تتحرك فيه مشاعر الإنسانية كما تحركت عندما وقف أمامه الشاب السابق واكتفى بمحادثته وهو مطأطئ الرأس:

    - اسمك يا حاج.

    - عبد الله عارف الكايد – أجابه العجوز.

    - كم سنة عمرك.

    - سبعون عاماً.

    - ما هي تهمتك؟

    - أحب أرضي.

    - وهل لك أرض؟

    - نعم أنا من الطرف الجنوبي من القرية!

    - عليك أن تعرف أيها الأحمق أن الأرض كلها ملك بني إسرائيل وعدهم بها الرب ولا يحق لأحد غيرهم أن يمتلكها.

    ضحك العجوز الفلسطيني وقال للقاضي العسكري:

    - إنك تثير في نفسي الضحك أيها الجنرال فأنا أفهم في التاريخ أكثر منك وإذا أردت صلحت لك معلوماتك.

    شرد القاضي الصهيوني بذهنه عند سماعه هذه الكلمات وتغيرت طريقة تفكيره:

    - سوف أسمع لهذا العجوز أنه يردد كلمات كان يقولها لي أبي وأنا صغير قال القاضي لنفسه ولكنه أراد أن لا يلفت الأنظار إليه فقال بعصبية:

    - قل ما عندك إني أسمع لك لكن حذار من إهانة دولة إسرائيل!

    - من أين جاء أبوك إلى هذه البلاد؟

    - من (....)

    - عظيم ولماذا جئتم من هناك؟

    - تنفيذاً لوعد الرب.

    - أي رب هذا الذي يعدكم بالسعادة على حساب شعب آخر يعيش منذ ستين عاماً حياة القهر والعذاب والحرمان؟

    شعر القاضي بأن الوضع قد خرج عن حدوده، وأنه سوف يتهم بأنه يقف إلى جانب العرب، خاصة وان المستعمرين قد أخذوا يتهامسون فيما بينهم وقد أثار ذلك الخوف في نفسه وحاول أن ينهي هذه القضية دون ضجة تذكر.

    - اسمع ياحاج هذه أمور لا نحلها لا أنا ولا أنت قل لي لماذا جئت إلى هنا؟

    - إنهم يريدون بناء مستعمرة على أرضي.

    - وماذا في ذلك.

    - ماذا في ذلك؟ هل تسمح لي بالجلوس مكانك؟

    - أنا شخصياً لا أسمح كيف يجوز ذلك؟

    - ولماذا إذاً أتنازل أنا عن أرضي؟

    - سبق وقلت لك أن هذه الأرض لنا.

    - هذا لن يكون سوف لن نتنازل لكم.

    حاول القاضي أن ينهي القضية بسرعة لأن أحد المستعمرين قد سلمه ورقة كتب فيها (إنهم يحاكمونك يا سيدي الجنرال ولست أنت الذي تحاكمهم... تذكر أن شعب إسرائيل مزهو اليوم بقيام طائراتهم بقصف تونس).

    تحرك الخوف في نفسه فهو يعرف هؤلاء المستعمرين جيداً وبعصبية ظاهرة اختلط فيها الخوف من بني جنسه والحقد على كل ما هو عربي قال:

    - حكمت المحكمة بتغريمك 100000 شيكل وبمصادرة أرضك!

    المتهم الثالث::

    لـم يعجـب الحاج عبد الله هذا الحكم وقل بنبرة تنم عن التحـدي

    الواضح:

    - أما الشيكلات فسأدفعها وأمري لله لكن الأرض سوف لن تأخذوها مني.

    كان القضية الثالثة طالبة مدرسة تبلغ من العمر 16 عاماً جميلة جداً يليق بها أن تكون إحدى أميرات الشرق يحييها الناس بدلاً من جلوسها في قفص الاتهام هذا.

    نظر القاضي إليها بشهوانية ... ابتسم لها، لكنها لم تعره اهتماماً وحاولت البصاق.

    واصل القاضي الابتسامة لها في الوقت الذي استمرت هي تنظر إليه باحتقار.

    - اسمك يا حلوة !

    - اسمي بيسان!

    - من اسماك بهذا الاسم؟

    - أبي رحمه الله.

    - وهل والدك ميت؟

    - بل شهيد.

    ذهل القاضي لهذا الجواب وقال في نفسه:

    - والله لو أنزل الرب عليكم كل الكوارث ما تغير فيكم شيء.

    ولكنه استمر معها ليس حباً في التحقيق بل ليكسب المزيد من النظرات إليها!

    - كيف مات أبوك يا حلوة؟

    - لقد استشهد أبي وهو يقاتلكم.

    - أين؟

    - في فلسطين.

    - هل قتله عناصر جيش الدفاع الإسرائيلي؟

    - نعم بعد أن قتل ثلاثة منهم.

    - ما دمت تعرفين أننا قتلناه فلماذا تتعرضين لنا؟

    - إني أنفذ وصيته.

    - وما هي وصية أبيك؟

    - قاتلوهم حتى تخرجوهم.

    - وهل تستطيعون؟

    - نعم بالتأكيد.

    - كيف ونحن قد وصلنا إلى تونس.

    - لكننا هنا.

    مرة أخرى صعد إلى المنصة مستعمراً آخر وسلمه ورقة مكتوب فيها (أيها السيد المحقق باسم كاهانا ندعوك لإنهاء هذه السخافات)!

    ازداد خوفه هذه المرة ونظر للفتاة نظرة أخيرة ونطق الحكم.

    - 200000 شيكل غرامة.

    - المتهم الرابع

    وقف طفل عمره سبع سنوات وهو يرفع شارة النصر ولم ينتبه له القاضي العسكري الذي ما زالت أواصره ترتعد من شدة الخوف الأمر الذي دعاه للصراخ:

    - أين المتهم الرابع.. أريد الرابع.

    ساد الصمت هنيهة وضجت القاعة بعد ذلك حين عرف أن المتهم الرابع هو ذلك الطفل الصغير الواقف وهو يرفع شارة النصر بيده اليمنى!

    فكر القاضي العسكري قليلاً، استعرض المتهم الأول، الثاني، الثالث، شرد بذهنه.

    - لقد حققت اليوم فائدة عظمى من هذه القضايا استطيع أن أكتب باباً كاملاً في الصراع بيننا وبينهم قال في نفسه، لقد أراد القاضي أن يحاكم هذا الطفل على طريقته الخاصة فقال بلطف:




    - تعال يا عمو تعال يا حبيبي إلى جانبي.

    اقترب منه الطفل متردداً.

    - لماذا قذفت الشرطة بالحجارة؟

    رد عليه الطفل:

    - أقول لك بس لا تقول لحدا!

    ذهل القاضي العسكري من هذا الجواب وأراد أن يستمر في نفس اللعبة.

    - لا تخف أعدك أنني لن أخبر أحداً بشيء.

    نظر الطفل خلفه ليتأكد من أن أحداً من المستعمرين ليس بالقرب منه وقال:

    - يا عمو هدول يهود نجسين وكلاب.

    لم يتمالك القاضـي العسكري أعصابه وأمر بإحالة الطفل إلى الحجز الإداري لإبعاده إلى الخارج وإصدار أمر بنسف منزل والديه!


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 06, 2024 5:42 pm