روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    طرق تحريك الدعوى الدستورية بقلم المستشار الدكتور عبد العزيز محمد سالمان

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    طرق تحريك الدعوى الدستورية     بقلم  المستشار الدكتور  عبد العزيز محمد سالمان Empty طرق تحريك الدعوى الدستورية بقلم المستشار الدكتور عبد العزيز محمد سالمان

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الثلاثاء يوليو 30, 2013 11:37 am

    الحق فى التقاضى وطرق تحريك الدعوى الدستورية بقلم المستشار الدكتور عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا



    الحق في التقاضي
    تمهيد وتقسيم:
    لا يكفي مجرد النص على الحقوق والحريات العامة في الدساتير حتى يمكن القول بوجودها حقيقةً، وأنها مكفولة للأفراد، وأن الدولة المقررة لها دولة تخضع لسيادة القانون وتضمن للأفراد حقوقهم وحرياتهم، ونقف على قدم المساواة مع الدول الديمقراطية الحقيقية.

    بل لا بد- وحتى لا تظل النصوص المقررة للحقوق والحريات حبرًا على ورق- أن تكفل الدولة ضمانات حقيقية لممارسة هذه الحقوق والحريات، ومن الأفضل للفرد أن يتقرر له بعض الحقوق والحريات مع توفير الضمان لمباشرتها والتمتع بها خيرًا من أن تتقرر له جميع الحقوق والحريات مع إهمال هذا الضمان.

    والضمانات الحقيقية للحقوق والحريات كثيرة ومتعددة، بعضها ضمانات واقعية نتصرف إلى تغيير الواقع الفعلي إلى الأفضل بما يؤدي إلى أن يستطيع الأفراد التمتع بحقوقهم وحرياتهم، ومنها تحسين وزيادة الإنتاج، وتوفير حد أدنى من اليسر، وحد أدنى من أوقات الفراغ، وقدر وافر من الثقافة.. إلخ.

    وبعضها الآخر، منها ضمانات قانونية تتمثل في الفصل بين السلطات والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفوق هذا وذاك يأتي استقلال السلطة القضائية.

    ويأتي الحق في التقاضي في مقدمة هذه الحقوق قاطبة؛ إذْ عن طريقه تُحمى كافة الحقوق والحريات.

    وانطلاقًا من هذه المقدمة نتناول الحق في التقاضي وطرق تحريك الدعوى الدستورية خلال فصول ثلاثة:
    الفصل الأول: الحق في التقاضي (إطلالة عامة من خلال أحكام المحكمة الدستورية العليا).
    الفصل الثاني: طرق تحريك الدعوى الدستورية.
    الفصل الثالث: الدعوى الدستورية المباشرة وحق التقاضي (رأينا في تأثير عدم إتاحة الطعن المباشر على الحق في التقاضي).

    الفصل الأول: الحق في التقاضي.. إطلالة عامة
    لا جدال في أن حق الأفراد في التقاضي حق أصيل، وعماد الحريات جميعًا، إذ بدونه يستحيل عليهم أن يأمنوا على تلك الحريات أو يردوا الاعتداء عليهم، ونظام الحكم لا يمكن أن يعتبر ديمقراطيًّا إلا إذا كفل للأفراد حق الالتجاء إلى القضاء، وحاجة الأفراد إلى هذا الحق هي حاجة مستمرة ومتزايدة، خاصةً بعد ازدياد دور الدولة وازدياد تدخلها.

    وتدخل الدولة في شئون الأفراد- وأن استهدف صالحهم- قد يكون مصحوبًا بإجراءات استثنائية أو مساس بحقوق أساسية أو مغالاة في التكاليف أو انحراف بالسلطة أو شطط في التقدير أو إضعاف للضمانات المقررة، ومن ثم ينبغي أن يبقى باب القضاء مفتوحًا أمام الأفراد ليعرضوا عليه أمرهم ويطلبوا إليه إنصافهم من ظلم يعتقدون بوقوعه عليهم.

    ولا جدال في أن كفالة حق الأفراد في التقاضي تبعث في نفوسهم الرضا والإحساس المطمئن والإيمان بالعدل، وأن حرمانهم من هذا الحق يبعث في نفوسهم الاستياء والإحساس بالقلق والشعور بالظلم.

    فكفالة حق التقاضي أمر لا غنى عنه، وضرورة يلزم توفيرها جنبًا إلى جنب مع تزايد نشاط الدولة المتدخل في شئون الأفراد، وكفالة هذا الحق في دولة ما دليل على استجابة نظام الحكم فيها لرغبات المحكومين ولمقومات حياة دستورية وشرعية.

    وإذا كان حق التقاضي بهذه الأهمية الكبرى فإن تناوله والإحاطة به من خلال هذه الورقة- المعدة سريعًا- لن يوفيه حقه، ومن ثَمَّ فإننا نقتصر على عرض لبعض المبادئ المؤجزة لأحكام المحكمة الدستورية العليا حول هذا الحق دون التعرض لأية تفصيلات فقهية لا يتسع لها المقام؛ وذلك على النحو الآتي:
    مبدأ المساواة أساس حق التقاضي: لا يجوز للمشرع أن يقيم تمييزًا بين المواطنين على صعيد الفصل بطريقة منصفة في حقوقهم والتزاماتهم.

    إن الدستور بما نص عليه في المادة 68 منه، من ضمان حق كل مواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي لرد ما قد يقع من عدوان على الحقوق التي يدعيها، قد دلَّ على أمرين: أولهما: أن لكل مواطن أن يسعى بدعواه إلى قاضٍ يكون بالنظر إلى طبيعة المنازعة، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيأ دون غيره للفصل فيها.

    ثانيهما: أن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية عينها، ولا في فعالية ضمانة الدفاع التي يكفلها الدستور والمشرع للحقوق التي يدعونها، ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا في طرق الطعن التي تنظمها، بل يجب أن يكون للحقوق عينها، قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها، أو الدفاع عنها، أو استئدائها، أو الطعن في الأحكام التي تتعلق بها، ولا يجوز بالتالي أن يقيم المشرع فيما بين المواطنين، تمييزًا غير مبرر في شأن إعمال هذه القواعد، بما يعطلها لفريقٍ من بينهم أو يقيدها، وبوجه خاص على صعيد الفصل بطريقة منصفة في حقوقهم المدنية والتزاماتهم، ويؤيد ذلك أن طرق الطعن في الأحكام لا تعتبر مجرد وسائل إجرائية ينشئها المشرع ليوفر من خلالها سبل تقويم اعوجاجها، بل هي في واقعها أوثق اتصالاً بالحقوق التي تتناولها، سواء في مجال إثباتها أو نفيها أو توصيفها، ليكون مصيرها عائدًا أساسًا إلى انفتاح هذه الطرق أو انغلاقها، وكذلك إلى التمييز بين المواطنين المتحدة مراكزهم القانونية indentically situ- ated في مجال النفاذ إلى فرصها.

    حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 5 أغسطس سنة 1995 في القضية رقم 9 لسنة 16 قضائية دستورية.
    الحق في التقاضي يدور حول محاور ثلاثة نتناولها تباعًا:
    المحور الأول: وجوب تمكين كل متقاضٍ من النفاذ إلى القضاء نفاذًا ميسرًا:
    ويكون النفاذ ميسرًا بإتاحة الطعن على جميع الأعمال والقرارات ولا يحصن منها أي عمل أو قرار من رقابة القضاء (الحكم في القضية رقم 18 لسنة 5 ق. دستورية جلسة 6/6/1987).

    ومن مقتضاه أيضًا ألا يعزل الناس جميعهم أو بعضهم من النفاذ إليه، أو إهدار التشريع لولاية السلطة القضائية كليًّا أو جزئيًّا أو عزلها عن نظر منازعات معينة مما تختص به (الحكم في الدعوى رقم 15 لسنة 17 ق. دستورية جلسة 2/12/1995).

    ومن مقتضاه أيضًا ألا يمنع أي فرد من قيد الدعوى القضائية أمام أي محكمة.

    النفاذ الميسر يجب أن يُتاح للوطني والأجنبي على السواء، فلا يجوز للدولة أن تجحد على غير مواطنيها حقهم في اللجوء على محاكمها. (الحكم في الدعوى رقم 98 لسنة 4 ق. دستورية جلسة 5/3/1994).

    النفاذ الميسر إلى القضاء لا يجوز أن يكون محملاً بأعباء مالية يكون من شأنها أن تعطل الحق في التقاضي ذاته (الحكم في الدعوى رقم 129 لسنة 18 ق. دستورية جلسة 3/1/1998).

    ويجب ألا يكون مقترنًا بقيود تُرهقه أو تعسر الحصول على الترضية القضائية أو تحول دونها أو أن يكون مقترنًا بأية عوائق منافية لطبيعته (الحكم في الدعوى رقم 104 لسنة 20 ق. دستورية جلسة 3/7/1999).

    وينبغي أن يكون هذا النفاذ منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها (الحكم في الدعوى رقم 15 لسنة 17 ق. دستورية جلسة 2/12/1995).

    ويجب ألا تكون مصروفات الدعوى عبئًا على مَن أقامها كلما كان محقًّا فيها. (الحكم في الدعوى رقم 106 لسنة 19 ق. دستورية جلسة 1/1/2000).

    المحور الثاني: استقلال القضاء وحيدته: تأتي الركيزة الثانية أو الحلقة الوسطى من حلقات الحق في التقاضي في استقلال القضاء وحيدته.

    وهذه الركيزة الثانية من الأهمية الكبرى بحيث لا نستطيع أن نغطي جوانبها في وقتٍ قصير، ونشير إليها مجرد إشارات سريعة من أحكام المحكمة الدستورية العليا حولها:
    استقلال القضاء وحيدته يعتبران قيدًا على السلطة التقديرية للمشرع في مجال تنظيم الحقوق (الحكم في الدعوى رقم 133 لسنة 19 ق دستورية جلسة 3/4/1999).
    استقلال القضاء وحيدته يكفل للمتقاضي حقًّا متكاملاً ومتكافئًا مع غيره في محاكمة منصفة (الحكم في الدعوى رقم 15 لسنة 14 ق دستورية جلسة 15/5/1993).
    استقلال السلطة القضائية عاصم من تدخل أي جهة في شئون العدالة أو التأثير في مجرياتها ومتطلباتها (الحكم في الدعوى رقم 31 لسنة 10 ق دستورية جلسة 7/12/1991).
    الحيدة والاستقلال لازمان لضمان ألا يخضع القاضي في عمله لغير سلطان القانون وبنظرة متجردة (الحكم في الدعوى رقم 83 لسنة 16 ق دستورية جلسة 16/11/1996).
    الاستقلال والحيدة عنصران متكاملان لا غناءَ بأحدهم عن الآخر ولا تقوم العدالة بدونهما معًا (الحكم في الدعوى رقم 83 لسنة 20 ق دستورية جلسة 5/12/1998).
    من مقتضيات الاستقلال ألا يحرم القاضي من سلطة وقف تنفيذ العقوبة إذ أن ذلك يعتبر تدخلاً مباشرًا في شئون الوظيفة القضائية بما ينال من جوهرها ويخل بمقوماتها (الحكم في الدعوى رقم 42 لسنة 19 ق دستورية جلسة 7/2/1998).
    التزام الدولة بضمان حق التقاضي هو فرع من واجبها نحو الخضوع للقانون (الحكم في الدعوى رقم 193 لسنة 19 ق دستورية جلسة 6/5/2000).

    المحور الثالث: الوصول إلى الترضية القضائية النهائية:
    لا يكفي لكفالة حق التقاضي أن يكون النفاذ إلى القضاء ميسرًا لكل وطن أو أجنبي، وأن يكفل للقضاء الاستقلال والحيدة، وإنما لا بد من الوصول إلى الترضية القضائية النهائية التي تعني أن توفر الدولة للخصومة في نهاية مطافها حلاًّ منصفًا بمثل التسوية التي يعمد من يطلبها إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التي يسعى إليها لمواجهة الإخلال بالحقوق التي يدعيها.. هذه الترضية بافتراض مشروعيتها واتساقها مع أحكام الدستور تندمج في الحق في التقاضي باعتبارها الحلقة الأخيرة فيه.

    وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا على أهمية هذا المحور، ومن ذلك قضاؤها: أنه بغير اقتران الترضية القضائية بوسائل تنفيذها يكون حق التقاضي مفزعًا من مضمونه (الحكم في الدعوى رقم 2 لسنة 14 ق دستورية جلسة 3/4/1993).

    الترضية القضائية التي لا تقترن بوسائل تنفيذها جبرًا تعطل دور السلطة القضائية في مجال تأمين الحقوق وتفقد قيمتها العملية (الحكم في الدعوى رقم 37 لسنة 18 ق دستورية جلسة 4/4/1998).

    الامتناع عن تنفيذ الأحكام الجائرة لقوة الأمر المقضي من جانب الموظفين العموميين المكلفين بذلك يعتبر جريمة (الحكم في الدعوى رقم 129 لسنة 18 ق دستورية جلسة 3/1/1998).

    سلطة المشرع في تنظيم حق التقاضي:
    من الأمور شديدة الأهمية بيان حدود سلطة المشرع في تنظيم حق التقاضي، وقد أبرزت المحكمة الدستورية العليا حدود هذه السلطة في الكثير من أحكامها تذكر منها:
    سلطة المشرع في تنظيم حق التقاضي، سلطة تقديرية لاختيار الوسيلة التي تتفق مع الأغراض التي يتوخاها (الحكم في الدعوى رقم 47 لسنة 17 ق دستورية جلسة 4/1/1997).

    ليس ثمة قيد على سلطة المشرع في تنظيم حق التقاضي إلا إذا فرض الدستور في شأن ممارستها ضوابط محددة (الحكم في الدعوى رقم 193 لسنة 19 ق دستورية جلسة 6/5/2000).

    يتعين على المشرع في مجال تنظيم حق التقاضي أن يفاضل بين صور هذا التنظيم ليختار منها ما يكون مناسبًا لخصائص المنازعات التي يتعلق بها ومتطلباتها (الحكم في الدعوى رقم 181 لسنة 19 ق دستورية جلسة 4/1/2000).

    تنظيم المشرع لحق التقاضي غير مقيد بأشكال جامدة لا يريم عنها تفرع قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز مغايرته وفقًا لكل حالة، وأن يقدر ما يناسبها (الحكم في الدعوى رقم 38 لسنة 16 ق دستورية جلسة 16/11/1996).

    تعديل اختصاص الهيئات القضائية غير جائز إلا بقانون (الحكم في الدعوى رقم 2 لسنة 1 ق عليا جلسة 6/11/1971).

    تعديل اختصاص الهيئات القضائية بقرار جمهوري يخالف الدستور (الحكم في الدعوى رقم 4 لسنة 1 ق عليا جلسة 3/7/1971).

    عدم جواز أن يميز المشرع- في مجال الطعن- بين المحاكم المتساوية في مرتبتها وتشكيلها (الحكم في الدعوى رقم 39 لسنة 15 ق دستورية جلسة 4/2/1995).

    إسقاط المشرع لضمانة الدفاع أو الحد منها يؤدي إلى إسقاط الضمانات التي كفلها الدستور لكل مواطن في مجال الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي (الحكم في الدعوى رقم 15 لسنة 17 ق دستورية جلسة 2/12/1995).

    الفصل الثاني: طرق تحريك الدعوى الدستورية
    حددت المادتان 27، 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا أسلوب المحكمة في الرقابة على الدستورية وطرق تحريك الدعوى أمامها فنصَّت المادة 27 على أنه يجوز للمحكمة في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نصٍّ في قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصاتها، ويتصل بالنزاع المطروح عليها؛ وذلك بعد اتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية، كما نصَّت المادة 29 على أن تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي:
    1- إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي أثناء نظر إحدى القضايا عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم للفصل في النزاع أوقفت الدعوى، وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسألة الدستورية.
    2- إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدوى أجلت نظر الدعوى، وحددت لمَن أثار الدفع ميعادًا لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأنَّ لم يكن والمستفاد من هذين النصين أن أسلوب الرقابة يتنوع إلى أنواع ثلاثة، أي أن هناك أساليب ثلاثة يمكن بأحدها أن تمارس المحكمة رقابتها على دستورية القوانين، وهذه الطرق هي:
    1- الدفع بعدم الدستورية أمام محكمة الموضوع.
    2- الإحالة من محكمة الموضوع.
    3- حق التصدي المقرر للمحكمة الدستورية.

    ولنتناول كل أسلوب من هذه الأساليب في مطلب مستقل:
    المطلب الأول: الرقابة بطريقة الدفع من الأفراد
    كان الدفع من جانب أحد الخصوم هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن عن طريقه تحريك دعوى الدستورية في ظل المحكمة العليا، فلم يعرف قانونها الإحالة من جانب محكمة الموضوع من تلقاء نفسها في حالة الشك في دستورية قانون، كما لم يقر للمحكمة الحق في التصدي.

    وبصدور قانون المحكمة تعدَّل هذا الوضع، لكن يبقى الدفع هو أكثر الطرق شيوعًا، ومؤداه أن تجد محكمة الموضوع- أثناء نظر إحدى الدعاوى- أنها مضطرة للتعرض لنقطة قانونية تتعلق بالدستور لكونها لازمة للفصل في الدعوى الموضوعية فيدفع أحد خصوم الدعوى بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، وعليها في هذه الحالة أن تبحث مدى جدية هذا الدفع، فإذا ما تحققت من جديته فعليها أن تؤجل الفصل في الدعوى المنظورة أمامها، وتحدد ميعادًا للخصوم لا يتجاوز ثلاثة أشهر لرفع دعوى الدستورية، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن، ويقصد بالجدية أن يتحقق القاضي من أنه لا يقصد منه الكيد أو إطالة أمد التقاضي، ويتحدد ذلك بالتأكيد من مسألتين أساسيتين: أولاً: أن يكون الفصل في مسألة الدستورية منتجًا أي أن يكون القانون أو اللائحة المطعون في دستوريتها متصلة بموضوع النزاع؛ أي أن يكون هذا القانون أو اللائحة محتمل التطبيق على النزاع، في الدعوى الأصلية على أي وجه من الوجوه، وأن الحكم بعدم الدستورية سيفيد منه صاحب الشأن في الدعوى المنظورة، فإذا اتضح للقاضي أن القانون أو اللائحة المطعون بعدم دستوريتها لا تتصل بالنزاع المعروض عليه قرر رفض الدفع بعدم الدستورية، واستمر في نظر الدعوى الموضوعية دون التفات لمسألة الدستورية، وهذا ما قضت به المحكمة الإدارية العليا بجلسة 16 مارس لسنة 1974؛ حيث ذهبت إلى أنه من حيث أن الشركة الطاعنة دفعت بعدم دستورية المادة 49 من نظام العاملين بالقطاع العام فيما تضمنته المادة المذكورة من حظر الطعن في بعض أحكام المحاكم التأديبية أمام المحكمة الإدارية العليا؛ وذلك استنادًا على أحكام قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، وعلى أساس أن نظام التقاضي يأبى قصر التقاضي على درجة واحدة في المنازعات التأديبية الخاصة بالعاملين في القطاع العام دون باقي تلك المنازعات الخاصة بغيرهم من العاملين، ومن حيث إنه أيًّا كان الرأي في جواز الطعن في الأحكام المشار إليها بالتطبيق لقانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972م فإن المنازعة الماثلة لا شأنَ لها بأحكام القانون المذكور، فيما يتعلق بحالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، ومن ثَمَّ يكون الدفع بعدم دستورية المادة 49 في المنازعة الماثلة غير جدي وتلتفت عنه المحكمة.

    وأما الشرط الثاني فيجب أن يتحقق من أن مطابقة القانون أو اللائحة للدستور تحتمل اختلاف وجهات النظر أي أن يكون هناك شبهة في عدم دستورية القانون أو اللائحة والشك يفسر في جانب عدم الدستورية عند تقدير مدى جدية الدفع، وقرار القاضي بشأن الجدية ليس نهائيًّا بل من حق صاحب الشأن أن يطعن عليه بالطرق المقررة للطعن أي بالاستئناف والنقض إذا كنا في نطاق القضاء الإداري.

    والدفع بعدم الدستورية هو دفع موضوعي يمكن إثارته في أي مرحلةٍ من مراحل الدعوى، وهو دفع قانوني يمكن إثارته أمام محكمة النقض، وهو دفع يتعلق بالنظام العام إذْ يمكن لمحكمة الموضوع أن تتعرض له من تلقاءِ نفسها، وأن تحيل أمر الدستورية إلى المحكمة الدستورية العليا، وهذا بصريح نص قانون المحكمة الدستورية العليا، ومتى دفع الخصم بعدم الدستورية ورأت المحكمة أن الدفع جدي فإنها تؤجل الدعوى وتضرب للخصم أجلاً لا يجاوز ثلاثة أشهر ليرفع الدعوى بعدم الدستورية، أمام المحكمة الدستورية، وهذا الميعاد من مواعيد السقوط إذ أنه عقب انتهائه فإن حق الخصم في الدفع يسقط وتستمر المحكمة في نظر موضوع الدعوى دون التفات للدفع.

    ونرى أن الدعوى الموضوعية تستأنف سيرها بقوة القانون في حالة عدم رفع الدعوى الدستورية في الميعاد؛ لأنها لم تكن متوقفةً حتى يعجلها الخصم بل كانت مؤجلةً، ومتى انتهى الأجل فإنها تستمر في نظر الدعوى بقوة القانون مع مراعاة قواعد الشطب والحضور الواردة بقانون المرافعات، ولا شك أنه إذا رفعت الدعوى أمام المحكمة الدستورية العليا بعد الميعاد فإنها تقضي بعدم قبولها شكلاً ولا يمنعها ذلك من ممارسة حقها في التصدي، كما سنرى فيما بعد.

    المطلب الثاني: الرقابة عن طريقة الإحالة من محكمة الموضوع
    أعطى المشرع الحق لقاضي الموضوع في أن يلجأ إلى المحكمة الدستورية العليا، كلما رأى أن نصًّا ما في قانون أو لائحة لازمًا للفصل في الدعوى المنظورة أمامه يكون مشكوكًا في دستوريته؛ وذلك بصرف النظر عن مصالح الخصوم في الدعوى الموضوعية، إذْ قد لا ينتبه أي منهم إلى الطعن في دستورية هذا القانون أو اللائحة، وقد نصَّت على ذلك المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا بقولها إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم للفصل في النزاع أوقفت الدعوى، وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسألة الدستورية.

    ومقتضى ذلك أن من حق أي محكمة في السلم القضائي أن تحيل من تلقاء نفسها أي نص تراه غير دستوري إلى المحكمة الدستورية العليا، وهذا يعتبر من الروافد الجديدة التي أضافها قانون المحكمة الدستورية، وموسعًا من طرق اتصال المحكمة الدستورية بالدعوى الدستورية.

    وهذه الإحالة مشروطة بشرط مهم هو أن يكون النص المحال لازمًا للفصل في الدعوى الموضوعية وتقدير ما إذا كان النص لازمًا للفصل في الدعوى من عدمه متروك لقاضي الموضوع، ولا شك أن هذا الطريق الجديد الذي أوجده المشرع قد دفع كثيرًا من الحرج عن قاضي الموضوع، إذْ بغير ذلك كان يمكن أن يوجد نص غير دستوري ولم ينتبه الخصوم إلى ذلك، ومع ذلك يجد القاضي نفسه مضطرًا لتطبيقه مع تيقنه من عدم دستوريته.

    ويمكن أن يثار التساؤل عن مدى سلطة قاضي الموضوع في إحالة النص المشكوك في دستوريته إلى المحكمة إذا تخاذل من دفع بعدم الدستورية ولم يرفع الدعوى أمامها في الموعد المحدد له، وطلب الخصم تعجيل الدعوى بعد فوات هذا الموعد.

    نرى أنه لا يوجد ما يمنع قاضي الموضوع في هذه المسألة من أن يحيل هذا النص ذاته ومن تلقاء نفسه إلى المحكمة الدستورية العليا إذا تراءى له عدم دستورية هذا النص، وأنه لازم للفصل في الدعوى، والقول بغير ذلك يجعل دعوى عدم الدستورية دعوى شخصية وليست عينية، كما أراد لها المشرع فلا يتصور أن يجد القاضي نفسه أمام نص صاحب الشأن لم يرفع الدعوى في الموعد المحدد.

    ومن الجدير بالذكر أن اتصال المحكمة الدستورية العليا بالمسألة الدستورية من خلال الإحالة يتم بمجرد صدور قرار الإحالة، ولا تتقيد هذه الإحالة بميعاد بل تقوم مناسبتها كلما رجح الظن لدى محكمة الموضوع بأن النص المعروض عليها بذاتها هو نص غير دستوري.

    المطلب الثالث: الرقابة بطريقة التصدي من المحكمة الدستورية العليا
    أعطى القانون للمحكمة الحق في أن تتصدى لممارسة الرقابة على دستورية القوانين كلما رأت نصًّا غير دستوري، وكان ذا صلة بالنزاع المطروح عليها، فنصت المادة 27 من قانون المحكمة الدستورية العليا على أنه يجوز للمحكمة في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصها، ويتصل بالنزاع المطروح عليها؛ وذلك بعد اتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية.

    والتصدي كأحد أساليب الرقابة هو أمر مستحدث في قانون المحكمة الدستورية العليا، ولم تكن هذه الرخصة مقررة للمحكمة العليا عند إنشائها ولم تكن بطبيعة الحال- مقررة للقضاء قبل إنشاء القضاء الدستوري.

    والمستفاد من النص السابق، أنه قد يتضح للمحكمة الدستورية أثناء ممارسة اختصاصاتها سواء منها المتعلقة بالرقابة على دستورية القوانين أو التفسير أو تنازع الاختصاص وتنفيذ الأحكام المتناقضة، أن نصًّا في قانون أو لائحة يتصل بالنزاع المعروض عليها مخالف للدستور، ففي هذه الحالة تتصدى المحكمة لهذا النص وتقوم بفحص دستوريته والقضاء إما بدستوريته أو بعدم دستوريته وفقًا للضوابط المقررة بالمادة 27 سالفة البيان، وتتمثل هذه الضوابط في الآتي:
    1- أنه لكي تمارس المحكمة الدستورية رخصة التصدي فلا بد أن يكون ذلك بمناسبة ممارسة المحكمة لاختصاصٍ من اختصاصاتها وهو حق تباشره المحكمة من تلقاء نفسها دون حاجةٍ إلى دفع يقدم إليها، وإذا كان ذلك كذلك فإن من حق الأفراد أن ينبهوا المحكمة الدستورية إلى أن نظر الدعوى المطروحة على المحكمة، وليس كل الأفراد يحق لهم ذلك، وإنما الحق مقصورٌ على أصحاب الصفة في النزاع المطروح على المحكمة، ويمكن أن يكون في صورة طلب يقدم للمحكمة كما يمكن أن يضمنوه المذكرات التي تقدم للمحكمة، ومن المتصور أن يتم ذلك في حالة ما إذا كانت المحكمة تمارس اختصاصاتها بالفصل في تنازع الاختصاص أو تنفيذ الأحكام أو اختصاصها في الرقابة على دستورية القوانين، ولكنه أمر غير متصور في مزاولة اختصاصها بالتفسير، إذْ لا علاقةَ للأفراد بهذا الاختصاص، وإن كان هذا لا ينفي تصدي المحكمة من تلقاء نفسها لفحص دستورية النص المعروض أمر تفسيره.
    2- إن التصدي لا يعني أن المحكمة تباشر فحص الدستورية فور اكتشافها للمخالفة الدستورية، بل يجب لممارسة رخصة التصدي أن تتخذ الإجراءات المعتادة لتحضير الدعاوى، أي أن تحيل المحكمة النص إلى هيئة المفوضين لتحضير الدعوى وإعداد تقرير برأيها ثم تعرض الأوراق على رئيس المحكمة لتحديد جلسة ليتم الفصل في الدعوى الدستورية.
    3- إن المحكمة وهي في سبيلها إلى التصدي تكتفي بمجرد قيام صلة بين النص المطروح عليها والنص الذي رأت التصدي لفحص دستوريته، فلم يشترط القانون أن يكون النص محل التصدي لازمًا للفصل في الدعوى بل اكتفى بمجرد قيام صلة أيًا كانت، وفي هذا توسعة لمجال مباشرة الرقابة عن طريق التصدي، واستلزمت المحكمة أن يكون النص متصلاً بنزاع معروض عليها بالفعل، واتصلت المحكمة به اتصالاً مطابقًا للأوضاع القانونية المقررة فإذا لم تكن المحكمة قد اتصلت بالنزاع المطروح أمامها اتصالاً قانونيًّا فلا مجالَ لممارسة رخصة التصدي.
    الدكتور المنصور
    06-18-2010, 06:06 PM
    وقد أعملت المحكمة هذا التخريج القانوني في العديد من الأحكام التي طُلب منها ممارسة رخصة التصدي، وانتهت إلى رفض هذا الطلب؛ ومن ذلك على سبيل المثال حكمها بجلسة 11/6/1983م في الدعوى رقم 31 لسنة 1 ق دستورية بقولها، وحيث إنه لا محل لما يثيره المدعي من أن لهذه المحكمة رخصة التصدي لعدم دستورية النص المطعون فيه طبقًا لما تقضي به المادة 27 من قانونها، والتي تنص على أنه يجوز للمحكمة في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية؛ أي نص في قانون أو لائحة لها بمناسبة ممارسة اختصاصها، ويتصل بالنزاع المطروح عليها؛ وذلك بعد اتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية؛ ذلك أن إعمال هذه الرخصة المقررة للمحكمة طبقًا للمادة المذكورة منوط بأن يكون النص الذي يرد عليه التصدي متصلاً بنزاع مطروح عليها، فإذا انتفى قيام النزاع أمامها كما هو الحال في الدعاوى الراهنة التي انتهت المحكمة من قِبل إلى انتهاء الخصومة فيها، ومن ثَمَّ فلا يكون لرخصة التصدي سند يسوغ إعمالها.

    وكذلك حكمها بجلسة 21/12/1985 في الدعوى رقم 18 لسنة 6 ق بقولها حيث إنه لا محل لما يطلبه المدعيان من إعمال المحكمة لرخصة التصدي لعدم دستورية القرار بقانون المطعون عليه طبقًا لما تقضي به المادة 27 من قانونها، والتي تنص على أنه لا يجوز للمحكمة في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصها، ويتصل بالنزاع المطروح عليها؛ وذلك بعد اتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية. ذلك أن إعمال هذه الرخصة المقررة للمحكمة طبقًا للمادة المذكورة منوط بأن يكون النص الذي يرد عليها التصدي متصلاً بالنزاع المطروح عليها، فإذا انتفى قيام أمامها كما هو الحال في الدعوى الراهنة التي انتهت المحكمة من قبل إلى عدم قبولها فلا يكون لرخصة التصدي سند يسوغ إعمالها.

    والواقع أن هذا النهج الذي انتهجته المحكمة نهج غير سديد وفيه تضييق لممارسة الرقابة عن طريق رخصة التصدي، وهو ما لم يرده المشرع؛ ذلك أن المشرع قد استخدم لإعطاء الحق في التصدي للمحكمة الدستورية عبارة بمناسبة ممارسة اختصاصها؛ مما يعتبر رغبة من المشرع في التوسع في حالات التصدي إذا أراد التضييق من حالات التصدي لكان يجب عليه استعمال اصطلاح أثناء بدلاً من اصطلاح بمناسبة إذ أن بحث مدى قبول الدعوى أو البحث في مدى توافر أي شرط من شروط الدعوى يعتبر بمناسبة لاستخدام المحكمة الدستورية العليا حقها في التصدي.

    4- إن قانون المحكمة الدستورية إذا أجاز لها من تلقاء ذاتها اللجوء إلى حق التصدي إنما أراد أن يقرر المزيد من الضمانات في مجال الشرعية الدستورية، فلقد كان من غير السائغ ولا المقبول أن يخول المشرع المحاكم حق الإحالة ثم يحرم المحكمة الدستورية ذاتها من استعمال حق التصدي، وهي المحكمة صاحبة الولاية العامة والمقصورة عليها هذه الولاية فيما يتصل بدستورية القوانين واللوائح، وبذلك يكون حق التصدي مكملاً للدفع الفرعي ولحق الإحالة باعتبار أن هذه الصور حلقات ثلاث تتعاون جميعًا في توكيد الشرعية الدستورية، وقد أحكم المشرع بهذه الحلقات جميعًا الرقابة على دستورية القوانين.

    ويجب أن نشير إلى أن الرقابة على الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية من خلال استعمالها لحق التصدي لا تتقيد شأنها في ذلك شأن الإحالة التي تتم بها المسألة الدستورية من محكمة الموضوع، هذا وقد أعملت المحكمة حقها في التصدي في البعض من القضايا نذكر منها حكمها الصادر بجلسة 16 مايور 1982م في الدعوى رقم 10 لسنة 1 ق دستورية؛ حيث طعن أحد أعضاء مجلس الدولة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 104 والفقرة الثانية من المادة 119 من قانون مجلس الدولة فقررت بأنه لما كانت المادة 104 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972م تنص على أن تختص إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا دون غيرها بالفصل في الطلبات التي يقدمها رجال مجلس الدولة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بأي شأن من شئونهم؛ وذلك عدا النقل والندب متى كان مبنى الطلب عيبًا في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو أخطاء في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة فإنها تماثل في حكمها الفقرة الأول من المادة 83 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون 46 لسنة 1972 والمعدل بالقانون 49 لسنة 1973، فيما نصَّت عليه من أن تختص دوائر المواد المدنية والتجارية لمحكمة النقض دون غيرها بالفصل في الطلبات التي يقدمها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بأي شأن من شئونهم؛ وذلك عدا النقل والندب، متى كان في الطلب عيب في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو أخطاء في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة؛ الأمر الذي دعا المحكمة إلى إعمال رخصة التصدي المتاحة لها طبقًا للمادة 27 من قانونها فيما يتعلق بهذه المادة الأخيرة لاتصالها بالنزاع المطروح عليها.

    حق الأفراد في اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا
    كان المشروع الأصلي لقانون المحكمة الدستورية العليا، وهو الذي أقره مجلس الدولة (في 20 ديسمبر 1973) ينص على أنه يجوز لكل ذي مصلحة شخصية مباشرة أن يطعن لدى المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة.

    أي أنه كان يحق للأفراد أن يلجئوا إلى المحكمة الدستورية العليا مباشرة طاعنين في دستورية التشريعات واللوائح، إلا أن المشروعات التي تلت هذا المشروع جاءت خاليةً من تقرير هذا الحق للأفراد بما فيهم القانون الحالي.

    وفي الواقع أن القانون الدستوري المقارن قد حوى دولاً تبيح للأفراد حق اللجوء المباشر إلى المحكمة الدستورية العليا، ودولاً أخرى لا تبيح للأفراد ذلك، ومثال الدول الأولى سويسرا في دستورها الصادر 29 مايو 1874 فيجوز لكل ذي مصلحة حالية أو مستقبلية أن يطعن أمام المحكمة العليا الاتحادية بعدم دستورية القوانين الصادرة من الولايات، ودستور كوبا سنة 1934م ودستور أسبانيا 1931م والدستوري الليبي الصادر عام 1953م ودستور السودان الصادر عام 1973م، أما الأنظمة الدستورية الأخرى فقد حرمت الأفراد من اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا، وقصرت هذا الحق على بعض الهيئات.

    ولقد كانت هذه الأنظمة المختلفة مائلة عند وضع نص المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الذي رأى أن يستن طريقًا وسطًا فلم يكتف بطريق الدفع الذي يبدي أمام مختلف المحاكم، كما كان الحال أمام المحكمة العليا، وإنما أضاف إليه طريقين آخرين أولهما حق أية محكمة أو أية جهة ذات اختصاص قضائي أن توقف الدعوى وتحيل الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسألة الدستورية، والثاني هو حق المحكمة الدستورية العليا في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصها؛ وذلك طبقًا للمادة 27، وقد رؤى الاكتفاء حاليًّا بهذه الوسائل الثلاث خشيةَ أن تؤدي إباحة حق الطعن المباشر إلى إساءة استعماله بما يكدس القضايا أمام المحكمة، ويعوقها عن التفرع لمهامها الجسام، علاوةً على أن الأصل هو مراعاة كافة القوانين واللوائح لأحكام الدستور إلى أن يثور خلاف جدي بشأن عدم دستورية أي نص منها عند طرحه على القضاء لتطبيقه فيعرض أمر دستورية للبت فيه.

    وقد تواترت أحكام المحكمة الدستورية العليا على القضاء بعدم قبول الدعوى إذا ما رفعت من قبل الأفراد بطريقة مباشرة أي أنها استقرت على أنه لا حق للأفراد في اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا للطعن بعدم الدستورية، ومن ذلك قضاؤها في الدعوى رقم 8 لسنة 2 ق دستورية جلسة 5/12/1981؛ وذلك بقولها لما كان ما تقدَّم، وكانت ولاية هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالاً قانونيًّا طبقًا للأوضاع المقررة في المادتين 27، 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 اللتين رسمتا سبل التداعي في شأن الدعاوى الدستورية وليس من بينها سبيل الدعوى الأصلية أو الطلبات العارضة التي تقدم للمحكمة مباشرة طعنًا في دستورية التشريعات، وكان طلب المدعي الحكم بعدم دستورية المادة 8 من القانون 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية بعد تعديلها بالقانون 30 لسنة 1981م الذي استبدل بأعضاء مجلس الشعب أعضاء من الشخصيات العامة قد أثار في مذكرته المقدمة بجلسة 3 أكتوبر 1981 كطلب عارض، وبالتالي لم تتصل بالمحكمة اتصالاً قانونيًا فإنه يتعين الالتفات عنه.

    وإذا كان البعض من الفقه قد أيَّد اتجاه قانون المحكمة الدستورية بحرمان الأفراد من اللجوء إليها مباشرةً لرفع دعواهم بعد الدستورية بحجة عدم إغراق المحكمة بسيل من الدعاوى التي قد لا يقصد منها سوى اللدد في الخصومة وإطالة أمد التقاضي.

    فإننا نرى أنه من الأوفق أن يأخذ المشرع المصري بطريق بالدعوى الأصلية إلى جانب الطرق الثلاث الأخرى، وليس من شأن إساءة استخدام المواطنين لحق أصيل كحق التقاضي في شأن دستورية أو عدم دستورية القوانين وحرمانهم بصفة مطلقة من هذا الحق، بل إن من الواجب أن يتقرر هذا الحق للأفراد وضع بعض الضمانات لعدم إساءة استعمال هذا الحق كأن يشترط فيمن يرفع دعوى أصلية بعد الدستورية أن يكون في مركز قانوني يمسه النص المطعون عليه على غرار شرط المصلحة في دعوى الإلغاء، كما يمكن أن يفرض على الطاعن إيداع كفالة مالية يودعها قبل الطعن أو فرض غرامة مالية كبيرة على مَن يخسر الدعوى؛ مما يحد من عدد الدعاوى بحيث لا يرفع الدعوى إلا من كان جادًّا ومقتنعًا بعدم دستورية النص الذي يطعن عليه.

    الفصل الثالث
    الدعوى الدستورية المباشرة وحق التقاضي
    عدم إتاحة الطعن المباشر لا يؤثر في حق التقاضي
    إذا كنا من مؤيدي أن يتجه المشرع صوب الدعوى المباشرة التي تتيح للأفراد إقامة الدعوى الدستورية مباشرة أمام المحكمة الدستورية العليا دون أن يتوقف ذلك على تقدير جدية دفع من جانب محكمة الموضوع أو تصريح بالطعن، رغم ما نراه من محاذير حقيقية يمكن أن ينقلب معها أمر الرقابة إلى قضايا مكدسة أمام المحكمة الدستورية العليا لا يخلو معظمها من الكيد والرغبة في إطالة أمد الخصومات مما يسبب تعطيلاً للرقابة ذاتها وإلى ضياع الهدف الحقيقي منها.

    إلا أن الأمر يتوقف على تدخل المشرع لمنح الأفراد هذا الحق مع صعوبة هذا الأمر في الوقت الحالي؛ فالأمر الواقع الآن أن قانون المحكمة الدستورية العليا لا يجيز الطعن المباشر، ولا تستطيع المحكمة مهما أوتيت من قوة أو من شجاعة أن تقفز فوق النصوص المنظمة لاختصاصها.

    والسؤال الذي يطرح نفسه هل في عدم إتاحة الدعوى المباشرة أو الطعن المباشر ما ينتقص من الحق في التقاضي؟ وما العلاج لحين حدوث التعديل التشريعي أو عدم حدوثه؟

    بدايةً.. لا نرى أن عدم تخويل الأفراد حق الطعن المباشر بمعنى إقامة الدعوى مباشرةً أمام المحكمة الدستورية العليا ودون المرور على محكمة الموضوع يؤدي بذاته إلى الانتقاص من حق التقاضي، إذا ما مُورست رقابة الدستورية بالأساليب الثلاثة السابق ذكرها بكفاءة وفاعلية وبنظرة شاملة وموضوعية بحيث يقوم كل طرفٍ من أطراف منظومة الدعوى الدستورية بدوره على أكمل وجه.

    فالأفراد، والمحاكم بأنواعها (محكمة الموضوع)، والمحكمة الدستورية العليا ذاتها، كل عليه دور مهم يتعين أن يقوم به بفاعلية.

    أولاً: بالنسبة للأفراد:
    يجب أن يقوم كل فردٍ بدوره تجاه وطنه وتجاه النظام الدستوري بأن يتفهم جيدًا حقوقه وواجباته ويحرص كل الحرص على التمسك بها، وأن يتمتع بها على أوسع نطاق، وأن يكون لكل فرد دور فاعل ومؤثر، ويكون له من الثقافة الدستورية ما يؤهله إلى تفهم دور المحكمة الدستورية العليا والرسالة التي تؤديها، وأن يعينها على أدائها بأن يبتعد عن كل دعوى لا يقصد منها سوى الكيد أو إطالة أمد التقاضي وعدم اتخام المحكمة- والقضاء بوجه عام- بمثل هذه الدعاوى بما يطيل أمد التقاضي ويجعله جهدًا عبثًا بما يؤدي بدوره إلى إهدار الحماية التي يقررها المشرع للحقوق.

    ثانيًا: بالنسبة لمحكمة الموضوع:
    لمحكمة الموضوع- من وجهة نظرنا- دور كبير في تفعيل الرقابة والتوسع في مباشرتها وتعويض المتقاضين عن عدم إتاحة الطعن المباشر، ويتمثل هذا الدور في موقفها من تقدير جدية الدفع، وفي موقفها من النصوص التي تشكك في دستوريتها، وتمارس بصددها رخصة الإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا، ونتناول تباعًا كيفية تقدير جدية الدفع والخطوات التي يتعين على محكمة الموضوع اتباعها حتى يكون تقديرها للجدية سليمًا ومجديًا، ولا يؤدي إلى إطالة أمد التقاضي، ونبين كذلك ضوابط الإحالة من جانب محكمة الموضوع؛ وذلك من منظور علمي:
    أولاً: دور محكمة الموضوع في تقدير جدية الدفع:
    من الناحية العملية كيف يقدر القاضي جدية الدفع؟ وما الخطوات التي يتعين على قاضي الموضوع اتباعها حتى يأتي تقديره للجدية صائبًا؟

    بديةً نقرر أن تقدير قاضي الموضوع لجدية الدفوع المبدأة أمامه بعدم الدستورية ليست بالمهمة السهلة أو البسيطة، ولها من الأهمية الكبرى ما ينبغي معها أن تأخذ حظًا وفيرًا من العناية بحيث يكون تقدير محكمة الموضوع للجدية بمثابة المصفاة، وبحيث لا يصل إلى المحكمة الدستورية العليا إلا النصوص التي يكون الشك في دستوريتها واضحًا.

    ومن ثم يلزم أن يتبع قاضي الموضوع عدة خطوات أو يجيب على عدة تساؤلات أهمها:
    1- أن يستوثق أن النص المدفوع بعدم دستوريته لازمًا للفصل في الدعوى الموضوعية: على قاضي الموضوع أن يتيقن من أن النص المثار أمر دستوريته لازمًا للفصل في الدعوى، فإن كان غير لازم للفصل في الدعوى المطروحة أمامه فإن القاضي يلتفت عنه لانعدام مصلحة مبدي الدفع في إثارة أمر دستوريته مسترشدًا في ذلك بأحكام المحكمة الدستورية العليا العديدة الصادرة في شأن المصلحة وكيفية تقديرها.
    2- وأن يبحث القاضي بعد ذلك عن مدى إمكانية الفصل في النزاع دون التعرض للدستورية فإن وجد أن ذلك ممكنًا تعين عليه أن يطرح أمر الدستورية جانبًا، ويقوم بالفصل في النزاع وفقًا للحل الآخر الذي ارتآه، وكأن يكون هناك دفع بالانقضاء للتقادم أو لغيره من الأسباب، ويكون معه أيضًا دفع بعدم الدستورية فإذا كان الدفع بالانقضاء مقبولاً وتنتهي به الخصومة الموضوعية فإن الدفع بعدم الدستورية يغدو غير منتج، وهذا الأمر وإن كان يندرج في اشتراط أن يكون النص لازم للفصل في الدعوى، إلا أننا آثرنا أن نورده بخطوة مستقلة، يجب أن يفكر فيها القاضي عند تقدير الجدية.
    3- وأن يبحث عما إذا كانت المحكمة الدستورية العليا قد صدر عنها قضاء موضوعي في شأن دستوريته من عدمه:
    إذا تحقق القاضي من أن النص المطعون بعدم دستوريته لازم للفصل في الدعوى الموضوعية فعليه أن ينتقل إلى الخطوة التالية، وهي لا تقل أهمية عن الأولى، وهي أن يبحث ويتحقق قبل تقديره للجدية من عدم صدور حكم بشأنه من المحكمة الدستورية العليا سواء كان قد صدر بعدم دستورية هذا النص، أو صدر بدستوريته ورفض الدعوى لأن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية ملزم لجميع سلطات الدولة وللكافة بصرف النظر عن خصوم الدعوى الدستورية، فالحكم ذو حجية مطلقة ويستفيد منه كل ذي مصلحة، ولا يجوز أيضًا معاودة الطعن على ذات النص- ووفقًا لذات النطاق- مرتين لأن في ذلك إنكار وإهدار للحجية المطلقة، ومن ثم فإذا كان الحكم الدستوري ملزمًا وبصورة مطلقة للخصوم فلا يكون لأي شخص مصلحة في أن يطعن عليه من جديد بعدم الدستورية.

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    طرق تحريك الدعوى الدستورية     بقلم  المستشار الدكتور  عبد العزيز محمد سالمان Empty رد: طرق تحريك الدعوى الدستورية بقلم المستشار الدكتور عبد العزيز محمد سالمان

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الثلاثاء يوليو 30, 2013 11:48 am

    فإذا كان قد سبق صدور قضاء حاسم بشأن النص المدفوع به فلا محل لتقدير الجدية إذ يعتبر الدفع في هذه الحالة غير جدي يجب أن تلفت عنه المحكمة، لكن من المهم جدًّا أن نشير إلى أن مجرد قراءة منطوق الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا لا يكفي للوقوف على حقيقة ما يتضمنه، إنما لا بد من قراءة حيثياته للوقوف على نطاق الدعوى الذي حددته المحكمة، وهل ينصرف إلى ذات الفقرة الطعينة أم يختلف عنها، إذْ ربما يصدر حكم بشأن مادة معينة لكن نطاق الدعوى لا يشمل المادة بكامل فقراتها أو بكامل محتواها، بل قد يكون مقصورًا على أمر ما تضمنته فإن دفع بعدم دستورية هذه المادة مرة ثانية، ووفقًا لنطاق آخر أي على فقرة أخرى أو جزء من فقرة تعين على القاضي أن يبحث تقدير جديتها ولا يسارع بالقول بأنه سبق أن صدر في المادة قضاء حاسم عن المحكمة الدستورية العليا؛ ذلك أن قضاء الحكم لا ينصرف إلا إلى المسائل التي فصَّل فيها صراحةً دون غيرها إلا ما ارتبط بحكم اللزوم العقلي.

    ومن هنا كان لازمًا على قاضي الموضوع حتى يكون مستكملاً لأدوات بحثه- وليس من قبيل الترف العلمي أو التثقيف الذاتي- أن يتعرف أولاً بأول على ما يصدر عن المحكمة الدستورية العليا من قضاء موضوعي (أي أحكام صادرة بعدم الدستورية أو برفض الدعوى).

    وهذه الأحكام تنشر في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ صدورها، فعليه تتبع أعداد هذه الجريدة، فإن فاته شيء منها فإن المجلات المتخصصة وعلى رأسها مجلة الدستورية تتولى نشر الأحكام كاملةً في كل عدد، وتشمل جميع الأحكام الموضوعية في الفترة الزمنية الفاصلة بين العددين، والتي تصل إلى حوالي ستة أشهر.

    ذلك أن من الأمور المعيبة في حقِّ القاضي أن يتولى تقدير جدية نص، ويصرح لمبدي الدفع بإقامة الدعوى الدستورية، في حين أن النص المقصود سبق وأن صدر فيه حكم بعدم الدستورية أو بالدستورية قبل ذلك بفترة طويلة.

    وحقيقة الأمر أن تقدير محكمة الموضوع جدية الدفع يفترض أن تحيل المحكمة بصرها في النص الطعين بعد فهمها لحقيقته ووقوفها على أبعاده، ويقتضي ذلك أن تقابل- بصفة مبدئية- بين هذا النص والنصوص الدستورية المدعى مخالفتها مستظهرة من ذلك نطاق التناقض بين مضمونه وأحكامها، ولا يجوز بالتالي أن يكون تقدير محكمة الموضوع جدية دفع مثار أمامها، منفصلان عن تعارض تتحراه مبدئيًا بين النصوص القانونية المطعون عليها ومواقع بطلانها من أحكام الدستور. (حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 62 لسنة 18 قضائية دستورية جلسة 15/3/1997).

    أي أن تكون المطاعن الدستورية المدعى بها في شأن النص لها ما يظاهرها، وهو ما يعني جديتها من وجهة نظر مبدئية. (حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 94 لسنة 19 قضائية دستورية جلسة 3/4/1999).

    ومن ثم فيلزم أن يتريث القاضي ويحيل بصره في الدعوى، ويتفهم حقيقة النص المدفوع به وما يرمي إليه ومدى التعارض بينه وبين نصوص الدستور؛ وذلك كله بصفة مبدئية.

    4- الشك يفسر لصالح عدم الدستورية:
    إذا كانت التشريعات يصاحبها دائمًا قرينة الدستورية وتظل ملازمة لها إلى أن تقضي المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النص، وهو ما يعني أن الأصل أن كل ما يصدر عن السلطة التشريعية من قوانين أنه صحيح وصادر بالموافقة للدستور، فإنه في مجال تقدير جدية الدفع لا يجب أن يتمسك القاضي أو يضع في اعتباره هذه القرينة، وإنما على العكس إذا ثار شك حول دستورية النص ولم يستطع القاضي ترجيحه بما يعضده أو يأتي بما ينفيه فإن الشك- في هذه المرحلة- يفسر في جانب عدم الدستورية؛ لأنه في كل الأحوال تقدير مبدئي.

    5- إثبات الدفع بصورة دقيقة بمحضر الجلسة:
    حتى يستطيع القاضي تقدير جدية الدفع يلزم أن يكون الدفع محددًا للنص المدفوع بعد دستوريته ورقم القانون، وما إذا كان قد تم تعديله، وكذا الفقرة الطعينة تحديدًا، كل ذلك يجب أن يستظهره القاضي عند إبداء الدفع وإدراجه بصورة واضحة بمحضر الجلسة حتى ييسر للمحكمة الدستورية العليا تجديد نطاق الدعوى، وهو الأمر الجوهري في الدعاوى الدستورية.

    6- تقدير جدية الدفع ليس نهائيًّا:
    إذا ما وجد القاضي أن الدفع المطروح أمامه غير جدي فإنه يلتفت عنه ويقضي برفضه، ويقضي في موضوع الدعوى والحكم الصادر برفض الدفع إذا لم يرتضه صاحب الشأن فيمكن أن يطعن عليه أمام محكمة الطعن مع الحكم الصادر في النزاع.

    7- تقدير جدية الدفع لا يلزم أن يكون صريحًا:
    يمكن- بعد هذه الخطوات- أن يقوم القاضي بتقدير الجدية، ولا يلزم أن يصرح بذلك بل يكفي أن يتخذ إجراء- في الدعوى- يدل بصورة جازمة على ذلك، ومن ذلك تعليقه الفصل في النزاع الموضوعي على البتِّ في المسائل الدستورية التي أثيرت لكن التصريح والوضوح أفضل، وفي ذلك تؤكد المحكمة الدستورية العليا أنه ليس متصورًا- في مجال تقدير جدية الدفع- أن تتعمق محكمة الموضوع المسائل الدستورية التي طرحتها المدعية عليها، ولا أن تفصل فيها بقضاء قطعي يكون منهيًا لولاية المحكمة الدستورية العليا التي يعود إليها وحدها أمر الفصل في بطلان النصوص القانونية أو صحتها بعد أن تسلط عليها ضوابط الرقابة على الشرعية الدستورية وتزنها على ضوء مناهجها ومعاييرها.

    وأن تقدير محكمة الموضوع جدية المطاعن الدستورية المثارة أمامها، ليس لازمًا أن يكون صريحًا، حسبها أن يكون قرارها في هذا الشأن ضمنيًا، ويعتبر كذلك تعليقها الفصل في النزاع الموضوعي على البتِّ في المسائل الدستورية التي اتصل بها حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 65 لسنة 17 قضائية بجلسة 1/2/1997.

    8- ماذا بعد الانتهاء من تقدير جدية الدفع؟
    إذا خلص القاضي بعد البحث إلى أن الدفع المبدى أمامه يتسم بالجدية تعين عليه أن يؤجل نظر الدعوى أمامه، ويحدد لمن أثار الدفع ميعادًا لا يجاوز ثلاثة أشهر لكي يتمكن من رفع الدعوى الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا.

    وإذا كان نص المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا قد تطلب مجرد تأجيل نظر الدعوى عند التصريح بالطعن بعدم الدستورية، فإنه لا يغير من قبول الدعوى الدستورية أن توقف محكمة الموضوع الدعوى بدلاً من تأجيلها؛ لأن ذلك لا يعدو من جانبها أن يكون تربصًا بقضاء المحكمة الدستورية العليا في شأن دستورية النصوص التشريعية المطعون عليها، وهي عين النتيجة التي قصد المشرع بلوغها من وراء تأجيل الدعوى الموضوعية إثر التصريح برفع الدعوى الدستورية. (حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 25 لسنة 11 قضائية "دستورية" جلسة 27/5/1992).

    وعلى الرغم من أن حكم المحكمة الدستورية العليا الذي أوردناه قد ساوى بين تأجيل نظر الدعوى، وبين وقفها إذ أن كلاهما يحقق قصد المشرع، إلا أننا نرى أن تلتزم محكمة الموضوع صراحةً نص المادة 29/ب من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، والذي يجري على أن:
    ب- إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي أجلت نظر الدعوى، وحددت لمَن أثار الدفع ميعادًا لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذل أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كان لم يكن.

    فالنص حدد موعدًا لا يجوز تجاوزه لرفع الدعوى وإخطار محكمة الموضوع بذلك- قبل أن ينتهي الأجل الذي ضربته- سواء كان شهر أو شهرين أو أكثر من ذلك حتى تعلم مدى جدية الطاعن، وتتربص بعد ذلك القضاء الصادر عن المحكمة الدستورية العليا لتطبيقه على الموضوع، أو تعلم أن الطاعن غير جاد في طعنه- في حالة فوات الأجل دون أن يقدم ما يفيد إقامته الدعوى الدستورية- فتمضي في نظر الدعوى الموضوعية، ويعتبر الدفع في مثل هذه الحالة كأن لم يكن.

    أما في حالة وقع الدعوى تعليقًا بدلاً من تأجيل نظرها فإن هذا الإجراء- وإن كان صحيحًا- إلا أنه يحدث العديد من المشكلات العملية أهمها أن الوقف التعليقي يحكمه نص المادة 129 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، والذي يجرى على أن في غير الأحوال التي ينص فيها القانون على وقف الدعوى وجوبًا أو جوازًا يكون للمحكمة أن تأمر بوقفها، كلما رأت تعليق حكمها في موضوع على الفصل في مسألة أخرى يتوقف عليها الحكم.

    وبمجرد زوال سبب الوقف يكون للخصم تعجيل الدعوى والبين من النص أن الوقف التعليقي لا يكون مقيدًا بميعاد كثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو.... إلخ، وإنما هو مقيد بإجراء يتوقف عليه الفصل في الدعوى المنظورة.

    والقاضي إذ يوقف الدعوى- بدلاً من تأجيلها- يثير عدة تساؤلات هل سيكون الوقف معلقًا على الفصل في الدعوى الدستورية التي من المفترض أن الطاعن قد أقامها؟ أم سيجعل الوقف معلقًا على مجرد إقامتها؟ وماذا يحدث لو علق الفصل في الدعوى على هذا الإجراء الأخير، كيف يتصل علم قاضي الموضوع به؟ لا شك أن ذلك سيكون عن طريق تعجيل الدعوى، وهل يعقل أن يعجل الخصم السير في الدعوى للاطلاع على ما يفيد إقامة الدعوى الدستورية ثم يعيد محكمة الموضوع وقفها مرةً ثانيةً معلقة الحكم فيها- هذه المرة- على الفصل في الدعوى الدستورية التي أُقيمت، وإذا لم يعجل الخصم الدعوى، هل ستبقى موقوفة؟ ومتى يمكن اعتبار الدفع كأن لم يكن؟ ولا شك أن وقف الدعوى تعليقًا بدلاً من تأجيلها- اتباعًا لصريح نص المادة 29/ب من قانون المحكمة الدستورية العليا والتزامًا به- يؤدي إلى تعقيد الإجراءات وعدم الوضوح وإطالة أمد التقاضي وإعطاء الفرصة لظهور الدعاوى لا يقصد منها سوى التسويف وتعطيل الفصل في الدعوى، ومن ثَمَّ فيجب أن يلتزم القاضي بعد تقدير جدية الدفع والتصريح أن يؤجل نظر الدعوى أجلاً مناسبًا لا يجاوز الثلاثة أشهر، ويستبدل هذا الإجراء بالوقف التعليقي.

    9- تربص محكمة الموضوع قضاء المحكمة الدستورية العليا:
    إذا قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت لمبدي الدفع بإقامة الدعوى الدستورية في الميعاد الذي ضربته له، وقدم الطاعن لهذه المحكمة ما يفيد إقامته للدعوى الدستورية فإن هناك التزامًا يقع على عاتق محكمة الموضوع يتمثل في عدم اتخاذ أي إجراءٍ يحول دون الفصل في المسائل الدستورية المطروحة على المحكمة الدستورية العليا، إذ أن الدفع وما ترتب عليه من تقدير جديته وتصريح كان هو المحرك للخصومة الدستورية، وعليها أن تتربص القضاء الذي سيصدر من المحكمة الدستورية العليا في الدعوى الدستورية التي أقيمت بناءً على هذا الدفع، فإن اتخذت إجراء غير التربص بأن فصلت في الموضوع عد ذلك نكولاً من جانب محكمة الموضوع عن التقيد بنص المادة (175) من الدستور وتسليطًا لقضاء محكمة الموضوع على قضاء المحكمة الدستورية العليا.

    يستثنى من ذلك حالات النزول عن الحق في الدعوى الموضوعية أو انتفاء المصلحة في الخصومة الدستورية بقضاء صادر عن المحكمة الدستورية العليا، وحالة تخلي محكمة الموضوع عن تقديرها لجدية الدفع إعمالاً لقضاء صادر عن المحكمة الدستورية العليا في شأن ذات النصوص التي قام عليها الدفع.

    تقدير جدية النصوص اللائحية:
    يطرح على المحكمة الدستورية العليا الكثير من الدعاوى المتعلقة بدستورية نص ورد في لائحة عن طريق محكمة الموضوع التي قدرت جدية الدفع المبدى أمامها أو عن طريق إحالتها بعد أن تراءى لها أن هذا النص اللائحي غير دستوري، ويمكن تبعًا لذلك قد يتعطل الفصل في الدعاوى الموضوعية لمدة قد تصل على سنوات مع ما يبذل من جهد في سبيل الفصل في أكبر عددٍ من القضايا.

    ويمكن الحد من هذا السبيل من القضايا والفصل فيها وإنجازها واستقرار المراكز القانونية التي تشملها في زمن قصير؛ وذلك عن طريق سهل وميسور ولا يكلف شيئًا، وكل ما يلزم لذلك هو أن يتعرف قاضي الموضوع على مدى اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالرقابة على دستورية اللوائح، وهل يشمل هذا الاختصاص كل أنواع اللوائح؟ أم يقتصر على نوع محدد منها؟

    أنواع اللوائح التي تختص المحكمة الدستورية العليا بالرقابة على دستوريتها:
    بعيدًا عن الآراء الفقهية التي قبلت في تحديد ماهية اللوائح التي تخضع لرقابة المحكمة الدستورية العليا، استقر قضاء هذه المحكمة على أن الدستور قد عهد- بنص المادة (175)- إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بتولي الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون، وبناءً على هذا التفويض أصدر المشرع قانون هذه المحكمة مبينًا اختصاصها؛ محددًا ما يدخل في ولايتها حصرًا، مستبعدًا من مهامها ما لا يندرج تحتها، فخولها اختصاصًا منفردًا بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح، مانعًا منه لمركزية الرقابة على المشروعية الدستورية، وتأمينًا لاتساق ضوابطها وتناغم معاييرها، وصولاً من بعد إلى بناء الوحدة العضوية لأحكام الدستور، بما يكفل تكاملها وتجانسها، مؤكدًا أن اختصاص هذه المحكمة- في مجال مباشرتها الرقابة القضائية على الدستورية- ينحصر في النصوص التشريعية أيًّا كان موضعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها، فلا تنبسط ولايتها في شأن الرقابة القضائية على الدستورية، إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفًا إلى النصوص القانونية التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية أو تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية في حدود صلاحيتها التي ناطها الدستور بها، وأن تنقبض تلك الرقابة- بالتالي- عما سواها.
    الدكتور المنصور
    06-18-2010, 06:06 PM
    كما أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن كل لائحة يتحدد تكييفها القانوني بمجال سريانها؛ فكلما كان هذا المجال متصلاً مباشرةً بنطاق القانون الخاص؛ انحسرت عنها الصفة الإدارية- ولو كانت الجهة التي أصدرتها شخصًا من أشخاص القانون العام- فلا تعتبر بالتالي تشريعًا بالمعنى الموضوعي؛ مما تشمله الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية (حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 100 لسنة 21 قضائية دستورية جلسة 7/7/2001).

    ونخلص من ذلك إلى أن المحكمة الدستورية العليا لا تختص سوى باللوائح ذات الصفة الإدارية أي تلك التي يتعلق نطاق سريانها بمنطقة القانون العام فإذا انحسرت عن اللائحة الصفة الإدارية فإنها تخرج عن الاختصاص الولائي للمحكمة الدستورية العليا حتى ولو كانت صادرة عن أحد أشخاص القانون العام.

    ومن ثَمَّ فجميع اللوائح الخاصة المتعلقة بشركات قطاع عام أو قطاع خاص أو بنوك خاصة أو عامة فيما عدا لوائح البنك المركزي تخرج عن ولاية المحكمة الدستورية العليا، ويكون الاختصاص بنظر دستوريتها موكولاً إلى الجهة القضائية المختصة برقابة شرعيتها.

    كيف يقدر القاضي جدية الدفع لنص لائحي؟
    إذا ما دفع- أمام محكمة الموضوع- بعدم دستورية نص ورد في إحدى اللوائح فعلى القاضي قبل أن يتبع الخطوات السابق ذكرها عند تقدير جدية نص تشريعي أن يبحث في مجال سريان اللائحة، وهل يتصل هذا المجال بنطاق القانون العام، كاللوائح الإدارية التي تصدر من أحد أعضاء السلطة التنفيذية تنظم بها أمرًا عامًا يسري في مواجهة الكافة كالقرارات اللائحية الصادرة من أحد الوزراء في أمر يتصل بتنظيم أمور وزارته أو أي أمر عام آخر.

    وهناك من اللوائح ما لا يحتاج إلى بحث مثل اللوائح التي لها قوة القوانين كلوائح التفويض، ولوائح الضرورة فإن وجد اللائحة من اللوائح الإدارية يمضي في تقدير جدية النص الوارد بها وفقًا لما سلف.

    أما اللوائح التي يتصل مجال سريانها بنطاق القانون الخاص وهي كثيرة ومتنوعة كاللوائح التي تنظم العلاقات التعاقدية كالعلاقة بين العاملين والشركات الخاصة التي يعملون بها، فإن وجد القاضي أن النص اللائحي المدفوع بعدم دستوريته من هذا النوع الأخير فيتعين عليه أن يرفض الدفع؛ لأن المحكمة الدستورية العليا لن تقضي فيه سوى بعد الاختصاص، ولا ينخدع قاضي الموضوع بأن اللائحة صادرة بقرار وزاري أو قرار من رئيس مجلس الوزراء فإن هذا لا يغير من الأمر شيء.

    واللوائح الخاصة كثير منها ما يصل إلى المحكمة الدستورية العليا سواء عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة ولو تمهل القاضي قليلاً وهو يقدر جدية الدفع لالتفت عن هذه الدفوع جميعها واستمر في نظر دعواه، ويتم بالتالي الفصل فيها خلال أمد يسير.

    وللتيسير على محكمة الموضوع نورد- من واقع أحكام المحكمة الدستورية العليا- بعض اللوائح التي لا تختص هذه المحكمة بالرقابة على دستوريتها:
    1- اللائحة التي تنتظم شئون العاملين بشركات البترول المختلفة سواء كانت شركات قطاع عام أو قطاع أعمال أو قطاع مشترك، وكذلك الجمعية التعاونية للبترول (يُستثنى من ذلك العاملون بالهيئة المصرية العامة للبترول؛ إذ إنهم موظفون عموميون). (حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 79 لينة 19 قضائية دستورية جلسة 6/7/1998).
    2- اللائحة التي تنتظم شئون العاملين بأحد البنوك التابعة للبنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي، أي فروع البنك الرئيسي في المحافظات المختلفة- أما العاملون بالبنك الرئيسي ذاته فهم من الموظفين العموميين، ومن ثَمَّ فإن اللائحة فيما يتعلق بشئونهم تعتبر من اللوائح الإدارية التي تختص المحكمة الدستورية العليا برقابة دستوريتها. (حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 30 لسنة 18 قضائية دستورية جلسة 3/5/1997).
    3- اللوائح الخاصة بشركات قطاع الأعمال العام سواء كانت شركات قابضة أو شركات تابعة؛ لأنها تتخذ شكل شركات المساهمة. (حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 98 لسنة 19 قضائية دستورية جلسة 7/2/1998).
    4- لوائح صناديق التأمين الخاصة.

    دور محكمة الموضوع في الإباحة:
    خوَّل قانون المحكمة الدستورية العليا محكمة الموضوع- في المادة 29/أ منه- إحالة أي نص في قانون أو لائحة يكون لازمًا للفصل في النزاع إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريته إذا ما تراءى لها أنه غير دستوري.

    وحق الإحالة هو حق مستحدث أوجده قانون المحكمة الدستورية العليا- كما ذكرنا- ولم يكن قانون المحكمة العليا يعرف إحالة الأوراق من قبل محكمة الموضوع للفصل في دستورية نص في قانون أو لائحة.

    ولا شك أن في ذلك توسيع لنطاق الدستورية وتدعيم للشرعية؛ وذلك لأن محكمة الموضوع يجب عليها تغليب أحكام الدستور إذا ما تعارض معه نص في قانون أو لائحة ولا تستطيع الامتناع عن تطبيق نص لم يقضِ بعدم دستوريته بحكم صادر من المحكمة الدستورية العليا ولا يعقل أن يفرض على محكمة الموضوع أن تطبق نصًا ترى أنه غير دستوري، فكان المخرج من هذا الوضع أن يُتاح لمحكمة الموضوع من تلقاءِ نفسها أن تحيل- وبغض النظر عن موقف الخصوم- أوراق الدعوى- وبغير رسوم- إلى المحكمة الدستورية العليا.

    المحاكم التي لها حق الإحالة:
    الحق في الإحالة مخول لجميع أنواع المحاكم وبجميع درجاتها- وكذلك الهيئات ذات الاختصاص القضائي- سواء في ذلك القضاء العادي أو القضاء الإداري.

    وقد ثار نقاش حول ما إذا كانت محكمة النقض- وهي محكمة قانون في المقام الأول وليست محكمة موضوع إلا في حالات محددة- من بين المحاكم التي تملك حق الإحالة، خاصةً أنه يطعن أمامها في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف التي تصدر أحكامًا تتمتع بقوة الأمر المقضي.

    وقد حسمت المحكمة الدستورية العليا هذا الجدل بحكمها الصادر في القضية رقم 137 لسنة 18 قضائية دستورية جلسة 7/2/1998 بقولها: إن الشرعية الدستورية التي تنهض هذه المحكمة بمسئولية إرساء أسسها وتقرير ضوابطها، تتكامل حلقاتها، ومؤداها أن يكون إعمال النصوص القانونية في نزاعٍ معين، مرتبطًا باتفاقها مع الدستور، وإلا فقد سيادته وعلوه ما سواه من القواعد القانونية، ولا يجوز بالتالي لأية محكمة أو هيئة اختصها الدستور أو المشرع بالفصل في خصومة قضائية- وأيًّا كان موقعها من الجهة أو الهيئة القضائية التي تنتمي إليها- أن تقف من النصوص القانونية التي يبدو لها- من وجهة نظر مبدئية- تعارضها مع الدستور، موقفًا سلبيًّا، بل عليها إما أن تحيل ما ترتئيه منها مخالفًا للدستور إلى المحكمة الدستورية العليا لتستوثق بنفسها من الشبهة التي ثارت لديها في شأن صحتها، وإما أن تحدد للخصم الذي دفع أمامها بعدم دستورية نص قانوني، وقدرت هي جدية هذا الدفع، مهلة يقيم خلالها دعواه الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا التي اختصها الدستور دون غيرها بالفصل في المسائل الدستورية، لا استثناء من هذه القاعدة، بل يكون سريانها لازمًا في شأن المحاكم جميعها بما فيها محكمة النقض؛ ذلك أن مراقبتها صحة تطبيق القانون على وقائع النزاع التي استخلصتها محكمة الموضوع، يقتضيها أن تنزل عليها صحيح حكم القانون، ويفترض ذلك ابتداء اتفاق القاعدة القانونية الواجبة التطبيق مع الدستور مما يقاضي عرضها على المحكمة الدستورية العليا- عند الطعن على صحتها باعتبار أن الفصل في هذه الصعوبة من مسائل القانون التي لا يخالطها واقع، وهو ما جرى عليه قضاء محكمة النقض ذاتها.

    ضوابط الإحالة:
    قبل أن توقف محكمة الموضوع الدعوى المطروحة أمامها وتحيل الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص في قانون أو لائحة عليها أن تتحقق من عدة أمور منها:
    1- أن يكون النص الذي ثار حوله الشك في مخالفته للدستور لازم للفصل في الدعوى الموضوعية فإن كانت الدعوى المطروحة لا يحكمها هذا النص، وبالتالي ليس لازمًا للفصل في موضوعها، فلا يكون لمحكمة الموضوع أن تُعطِّل الفصل في الدعوى وتحيل إلى المحكمة الدستورية العليا.

    أما عن كيفية الاستيثاق من أن هذا النص لازم للفصل في الدعوى الموضوعية أم غير لازم فمرجعه إلى تقدير محكمة الموضوع ذاتها، وقد سبق أن فصَّلنا ذلك عند الكلام عن الدفع.

    2- أن تتحقق محكمة الموضوع من أن هذا النص لم تفصل المحكمة الدستورية في أمر دستوريته سواء بعدم الدستورية أو برفض الدعوى، وهذه النقطة سبق أن فصلناها أيضًا عن تعرضنا للدفع.
    3- كما يتعين على قاضي الموضوع أن يتيقن أنه ليس ثمة طريق آخر- غير الدستورية- يمكن أن يفصل في الدعوى على أساسه.
    4- إذا قدر للقاضي وتحقق أن النص يحيط به شك معقول حول دستوريته تعيَّن عليه أن يصدر حكمًا أو قرارًا يكون قاطعًا في دلالته على انعقاد إرادته في أن يعرض هذا النص على المحكمة الدستورية العليا، وأن يتضمن الحكم أو قرار الإحالة تحديدًا كافيًا للنص محل الشك، ونصوص الدستور المدعى مخالفتها، والأوجه التي تقوم عليها هذا المخالفة (مادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا).

    هل يجوز لمحكمة الموضوع العدول عن قرار الإحالة؟
    يثور التساؤل عما إذا كان يجوز لمحكمة الموضوع بعد إصدارها لحكم أو قرار بإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص استظهرت تطبيقه العدول عن هذا القرار؟

    استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن اتصال الخصومة الدستورية بها من خلال رفعها إليها وفقًا للقواعد وطبقًا للإجراءات المنصوص عليها في قانونها يعني دخولها في حوزتها لتهيمن عليها وحدها، فلا يجوز بعد انعقادها أن تتخذ محكمة الموضوع إجراء أو تصدر حكمًا يحول دون الفصل في المسائل الدستورية التي تُثيرها.

    ذلك أن قضاءها بوقف الدعوى المطروحة أمامها وبإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا لتفصل في دستورية ما استظهرت تطبيقه من نصوص قانونية- ثارت لديها شبهة عدم دستوريتها- على المنازعة المطروحة أمامها، يعدُّ محركًا للخصومة الدستورية، وعلى محكمة الموضوع بعد أن تعلَّقت المسائل الدستورية التي أثارها قرار الإحالة بالمحكمة الدستورية العليا أن تتربص قضاءها فيها باعتباره فصلاً في موضوعها، كاشفًا عن النصوص القانونية التي يتعين تطبيقها في النزاع الموضوعي، بما مؤداه أنه- فيما عدا الأحوال التي تنتفي فيها المصلحة في الخصومة الدستورية بقضاء من المحكمة الدستورية العليا، أو التي ينزل فيها خصم عن الحق في دعواه الموضوعية من خلال تركها وفقًا لقواعد المرافعات، أو التي يتخلى فيها عن دفع بعدم دستورية سبق لمحكمة الموضوع تقدير جديته، أو التي يكون عدول محكمة الموضوع فيها عن تقديرها لجدية دفع بعدم الدستورية أو قرارها بالإحالة مبناه إعمالها للآثار المترتبة على قضاء للمحكمة الدستورية العليا في شأن النصوص ذاتها التي قام عليها الدفع أو انبنى عليها قرار الإحالة، سواء بتقرير هذه المحكمة لصحتها أو بطلانها- فإن على محاكم الموضوع- على اختلاف درجاتها- أن تلتزم قضاءها بالإحالة، فلا تنحيه وإلا كان ذلك نكولاً من جانبها عن التقيد بنص المادة (175) من الدستور التي تخول المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وتسليطًا لقضاء أدنى على قضاء أعلى بما يناقض الأسس الجوهرية التي يقوم التقاضي عليها، وتعطيلاً للضمانة المنصوص عليها في المادة (68) من الدستور وما يتصل بها من حق اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسائل الدستورية التي اختصها الدستور بها، بوصفها قاضيها الطبيعي، ولأن القواعد التي ينتظمها الدستور التي يتعين ترجيحها دائمًا متى عارضتها قاعدة قانونية أدنى نزولاً على مبدأ خضوع الدولة للقانون على ما تقضي به المادة (65) من الدستور.

    حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 25 لسنة 22 قضائية دستورية جلسة 5/5/2001.

    الطعن في حكم أو قرار الإحالة:
    هل يجوز لأي من خصوم الدعوى الموضوعية الطعن على الحكم أو القرار الصادر عن محكمة الموضوع بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا؟

    وإذا طعن في هذا الحكم وألغى عن طريق محكمة الطعن فهل هذا الحكم الأخير ملزم في خصومة الموضوع؟ وما وضع الأوراق المحالة إلى المحكمة الدستورية العليا، وأثر هذا الإلغاء على الدعوى الدستورية؟

    أجابت المحكمة الدستورية العليا على كل هذه التساؤلات بحكم شامل في القضية الدستورية رقم 25 لسنة 22 قضائية جلسة 5/5/2001 المشار إليها آنفًا.

    فقد قضت بأن المحكمة الدستورية العليا تستمد ولايتها في الرقابة بتفويضٍ من الدستور- قد رسم لاتصالها بالدعوى الدستورية طرقًا ثلاثة- على سبيل الحصر- من بينها الإحال من الموضوع بعد وقف الدعوى المطروحة عليها، فإن ذلك الحكم- حال صدوره- لا يعكس صورة نمطية من صور الحكم بوقف الدعوى تعليقًا المنصوص عليه في قانون المرافعات، والذي يجوز الطعن فيه على استقلال قبل صدور الحكم المنهي للخصومة الموضوعية بتمامها، إذ أنَّ أحكام قانون المرافعات لا تسري- كأصل عام- إلا بالقدر الذي لا يتعارض مع طبيعة اختصاص هذه المحكمة بالرقابة على دستورية النصوص التشريعية.

    ولازم ذلك أن الحكم الصادر من محكمة الموضوع بوقف الدعوى الموضوعية، وإحالة أوراقها إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية نص تشريعي، يمتنع الطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في القانون المنظم له، بما مؤداه أن المحكمة الدستورية العليا، يتحتم عليها وجوبًا النظر في دستورية هذا النص، والفصل فيه، ولو ثبت لديها أن حكم الوقف قد طعن فيه، أو أنه قد ألغى أمام محكمة الطعن- رغم عدم جواز ذلك- وإلا كانت متسلبة من اختصاصٍ نيط بها، ولرانت شبهة إنكار العدالة على تسلبها هذا.

    ومتى كان إعمال نصوص الدستور السابق بيانها، يقتضي إلا تعاق المحكمة الدستورية العليا بقرارٍ من محاكم الموضوع عن مباشرة ولايتها التي لا يجوز لها أن تتخلى عنها، وإلا كان منها تحريفًا لاختصاصها، وإهدارًا لموقعها من البنيان القانوني للنظام القضائي في مصر، وتنصلاً من مسئوليتها التي أولاها الدستور أمانتها فإن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا- وهي محكمة موضوع في مفهوم المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا، فلا تنفك عنها هذه الصفة حتى مع كونها محكمة طعن- وإن قضى بإلغاء قرار الإحالة المحرك للدعوى الدستورية الراهنة، إلا أن تعلقها بالمحكمة الدستورية العليا قبل هذا الحكم واتصالها بها وفقًا للقواعد وطبقًا للإجراءات المقرة في قانونها، والتزامها دستوريًّا بأن تقول كلمتها فيها، يقتضي أن تُنحى أي عقبة- ولو كانت قانونية- وأن تمضي في نظرها وترفض الطلبات والدفع المثارة وتفصل فيما تعرضه من مسائل دستورية، غير عابئة بذلك الحكم، لما يشكله من عدوانٍ على ولايتها في الرقابة القضائية على الشرعية الدستورية التي اختصها الدستور بها، ولتفصل المحكمة المحلية في طلب إلغاء القرار المطعون فيه- الذي ما زال مطروحًا عليها- على ضوء قضاء هذه المحكمة في الدعوى الماثلة؛ ذلك أن بحث محكمة الموضوع لمشروعية القرار محل طلب الإلغاء الذي لم تنفك عنه بقضاء حاسم منها يقتضي أن تقول المحكمة الدستورية العليا أولاً كلمتها في شأنها ما أثارته محكمة الموضوع من شبهات حول دستورية نص القانون الذي صدر القرار استنادًا إليه؛ وبالتالي فإن مصلحة المدعي في الدعوى الراهنة وبقدر اتصالها الإلغاء المطروح في الدعوى الموضوعية تكون قائمة.

    المحكمة الدستورية العليا وتفعيل الرقابة الدستورية:
    إذا كان للأفراد دور ولمحكمة الموضوع دور في تفعيل الرقابة فإن للمحكمة الدستورية العليا ذاتها دور مهم من خلال توسعها في استعمال رخصة التصدي بتفسير النص المنظم لها تفسيرًا واسعًا بما يؤدي إلى التخفف من شروطها بحيث تكتفي- كما ذكرنا من قبل- بمجرد قيام صلة بين النص المطروح عليها والنص الذي رأت التصدي لفحص دستوريته، وأن تعدل عن موقفها من اشتراط أن يكون اتصالها بالنزاع المطروح أمامها مستمرًّا أو يكون قد تم موافقًا للقانون توسيعًا لنطاق الشرعية الدستورية وحتى يكون التصدي بالإضافة إلى الإحالة والدفع مكملاً بالفعل لدائرة الحماية الدستورية للحق في التقاضي.

    ولا نريد تكرار ما أوردناه فيما سلف بشأن رخصة التصدي.

    ويتعين- على المحكمة كذلك- حتى توسع من نطاق رقابتها للدستورية أن تعدل عن موقفها من مسألة ترك الخصومة أو التنازل عنها أمام القضاء الدستوري مراعاة من جانبها للطابع العيني للخصومة الدستورية ولأن مهمة الأفراد يجب أن تقتصر على مجرد تحريك الطعن فقط دونما اشتراط الاستمرارية؛ وذلك لاتصال الطعن الدستوري الوثيق بالنظام العام والشرعية الدستورية، وحتى تظل المحكمة الدستورية العليا دائمًا حامية للشرعية وخير سياج لحريات الأفراد وصمام الأمان لهذا البلد الآمن.
    ---------------

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 13, 2024 6:40 am