روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    مفهوم الخطأ الطبي الجراحي

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    مفهوم الخطأ الطبي الجراحي Empty مفهوم الخطأ الطبي الجراحي

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الثلاثاء مايو 27, 2014 12:09 am

    مفهوم الخطأ الطبي الجراحي

    دراسة الخطأ الطبي الجراحي تقتضينا تحديد مفهوم الخطأ الطبي بوجه عام ثم نتناول بعد ذلك تحديد مفهوم الخطأ الطبي في العمليات الجراحية ، وسوف يكون ذلك في مطلبين على التوالي .

    المطلب الأول

    مفهوم الخطأ الطبي بوجه عام

    يعرف الخطأ بصورة عامة ، بأنه انحراف عن السلوك المألوف للشخص العادي( ) ، فإذا خرج الشخص بسلوكه عن سلوك الإنسان العادي فإنه يكون مخطئاً وتترتب مسؤوليته ، وطبيعي فإنه لا يمكن مساءلة الشخص عن خطأ ارتكبه تجاه الغير ، مالم تتوافر أركان المسؤولية وهي الخطأ والضرر وعلاقة السببية .

    أما بالنسبة للطبيب ، فلما كان الالتزام الذي يقع على عاتقه تجاه مرضاه هو التزام ببذل عناية ، والذي يفرض عليه بذل العناية اللازمة التي تقتضيها الأصول العلمية والفنية في مجال الطب ، لأجل شفاء المريض وتحسن حالته الصحية ، عليه فإن إخلال الطبيب بهذا الالتزام يشكل خطأ طبياً يرتب مسؤولية الطبية ، فالخطأ الطبي بوجه عام يكون عند وجود تقصير في مسلك الطبيب .

    وقد استقر الفقه والقضاء وكذلك القوانين ، على أن التزام الطبيب تجاه المريض هو التزام ببذل عناية ( ) ، وأن كانت هناك بعض الحالات يكون فيها التزام الطبيب التزاماً بتحقيق نتيجة ( ) ، ويفترض في العناية المطلوبة من الطبيب ، هي العناية التي تقتضيها الأصول العلمية في الطب ، والتي يتوجب أن يقدمها طبيب في مستواه المهني ، فيما لوجود في نفس الظروف ، وعليه فإذا خرج الطبيب عن ذلك يشكل خطأ يستوجب مساءلته عن أي ضرر يصيب المريض . وعليه فإن معيار الخطأ الطبي ، هو معيار عام أساسه سلوك الطبيب العادي ، ولأجل معرفة خطأ الطبيب في علاج مريضه ، يتوجب قياس سلوكه وذلك بمقارنته بسلوك طبيب أخر من نفس مستواه ، فإذا كان الطبيب عاماً وأردنا تقدير سلوكه وفيما إذا كان قد أخطأ أم لا ، علينا قياس سلوكه بطبيب عام من نفس مستواه ، أما إذا كان الفعل صادراً من طبيب متخصص وأردنا قياس سلوكه ، ففي هذه الحالة يتوجب مقارنته بسلوك طبيب متخصص وبمستواه( ) .

    وفي جميع الأحوال عند تقدير الخطأ الطبي للطبيب يتوجب الأخذ بنظر الاعتبار الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب عند ارتكابه الفعل وفيما إذا كانت الإمكانيات المادية كالأدوات والآلات متوافرة للعلاج أم لا .

    وعليه يمكن الوصول إلى النتيجة التالية عند تقدير خطأ الطبيب ، وبالتالي تحديد مسؤولية ، وهي وجوب الأخذ بنظر الاعتبار ثلاثة عناصر هي ، قياس سلوكه عن طريق مقارنته بسلوك طبيب آخر من نفس تخصصه ومستواه المهني ، ومعرفة الظروف التي أحاطت بعمل الطبيب وتأثيرها عليه ومدى توافر الإمكانيات المادية المستخدمة في العمل الطبي( ) .

    فالطبيب يكون مسئولاً عن جميع أخطائه مهما كان نوعها وسواء كانت يسيرة أم جسيمه ، عادية أو فنية ، فهو مسؤول عن كل تقصير في مسلكه الطبي ، إذا لم يكن تصور وقوعه من طبيب يكون في مستواه الطبي ، إذا وجد في نفس ظروفه التي أحاطت به أثناء ممارسته عمله الطبي .

    ومن أمثلة الأخطاء الطبية الشائعة رفض علاج المريض أو التأخر في ذلك ، إذا كان المريض في حالة خطرة تستدعي من الطبيب مساعدته والتدخل السريع لعلاجه( ).

    وكذلك يعتبر من الأخطاء الطبية ، الخطأ في تشخيص المرض ، إذا كان مبنياً على جهل في الأصول العلمية بمهنة الطب والتي يتوجب عليه معرفتها( ) ، كما لو أخطأ الطبيب في تشخيص نوع المرض الذي يعاني منه المريض ، وكان ذلك يعود إلى عدم استعماله الوسائل العلمية في التشخيص كالسماعة والأشعة والتحاليل المختبرية إذا كان في مستشفى ، حيث يتوجب عليه استعمال هذه الوسائل في معرفة حالة المريض( ) .

    كذلك يعتبر من الأخطاء الطبية ، خطأ الطبيب في وصف العلاج اللازم للمريض ، حيث يكون الطبيب مخطئا ، إذا وصف للمريض دواء لا يناسب حالته الصحية ، إذ يقع عليه أن يأخذ بنظر الاعتبار نوع المرض وحالة المريض وعمره ومدى تحمله للمواد التي تحويها الأدوية( ) كذلك يعتبر خطأ من جانب الطبيب إذا وصف للمريض دواء غير مناسب لحالته المرضية أو أنه يؤدي إلى مضاعفات كبيرة ومضرة بصحته ، كذلك يعتبر خطأ طبي حقن المريض بمادة غير المادة المتعارف عليها بالنسبة لحالة المريض ، كما يعبر خطأ من جانب الطبيب إذا استخدم علاجاً قديماً مهجوراً أو لجأ إلى أسلوب علاجي غير معروف أو غير مأمون العواقب( ).

    ويعتبر أيضاً من الأخطاء الطبية التي يسأل عنها الطبيب خروجه عن الغاية أو الهدف من عمله الطبي تجاه المريض ، فإذا تخلف هذا الهدف عن عمله يكون مسؤولاً عن ذلك ، كما لو أجرى تجارب على المريض لا بقصد علاجه وإنما لاكتشاف علاج جديد، فالتجربة في هذه الحالة لا تستهدف علاج المريض الذي تمت ممارسة التجربة عليه ، ويلاحظ في هذه الحالة بأن الطبيب إذا خرج عن الغاية المفروضة عليه وهي شفاء المريض ، فإن مسؤوليته قد تترتب إذا كان القصد منها للبحوث العلمية البحتة وأصاب المريض منها ضرراً ( ).

    ولابد من الإشارة هنا ، إلى أن المادة (26) من النظام الأساسي للدولة في سلطنة عمان رقم (101) لسنة 1996 تلزم الطبيب عند إجراء تجربة طبية أو علمية على المريض أخذ رضائه على ذلك .

    كما نشير بهذا الصدد ، إلى أن الفقرة ( ج ) من المادة (19) من القانون العماني لمزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان ، حملت الطبيب المسؤولية عن الأضرار التي تصيب المريض ، إذا أجرى عليه تجارب أو أبحاثاً علمية غير معتمدة من قبل وزارة الصحة ، وحتى ولو كانت هذه التجارب معتمدة من وزارة الصحة ، فنحن نرى عدم إجرائها للمريض إذا لم تتضمن فائدة مباشرة له ، فإذا لم يراع الطبيب ذلك وأجرى مثل هذه التجارب ، فإنه يكون قد أزال عن عمله الطبي الحماية القانونية .

    المطلب الثاني

    الخطأ الطبي في العمليات الجراحية

    يلتزم الطبيب الجراح تجاه المريض ببذل العناية اللازمة عند إجراء العملية الجراحية له ، إلا أن التزامه يكون هنا أكثر أهمية ، لأن عمل الجراح يتطلب درجة عالية من الحرص ، إذا أنه ينصب على جسم الإنسان ، حيث ينطوي على قدر من الخطورة والمجازفة ، ولهذا فإن مسؤولية الطبيب الجراح تنشأ إذا لم يتخذ الاحتياطات اللازمة قبل وأثناء إجراء العملية الجراحية للمريض .

    وبناء على ذلك يقع عليه قبل إجراء العملية الجراحية ، القيام بفحص المريض فحصاً شاملاً ، وهذا الفحص يجب أن لا يقتصر على المكان أو العضو الذي سيخضع للعملية الجراحية ، وإنما يمتد هذا الفحص ليشمل حالة المريض العامة للتأكد من أن حالته تسمح بإجراء العملية الجراحية والنتائج التي يترتب عليها( ) ، وعليه أن يتأكد من توافر الإمكانيات اللازمة للقيام بالعملية الجراحية ، من حيث توافر المواد والآلات والأشخاص المساعدين له كالطبيب المخدر والممرضين .

    وعليه يعتبر الطبيب الجراح قد أرتكب خطأ، إذا أجرى العملية الجراحية للمريض ، دون القيام بفحص حالته الصحية وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج بعد إجراء العملية( ) ، إذ قد تسوء حالة المريض أثناء أو بعد إجراء العملية ، عندما تكون حالته العامة لا تسمح بإجراء العملية ، فيكون الطبيب الجراح في هذه الحالة مسؤولاً عن ذلك .كذلك يسأل الطبيب الجراح بسبب الخطأ الناتج عن عدم فحص العضو الذي سوف تجرى له العملية، للتأكد من حاجة هذا العضو للعملية الجراحية ، كفحص المثانة أو الكلى لاستخراج حصاة فيها ، إذ أن الأمر يتطلب قبل إجراء العملية فحص هذه الأعضاء للتأكد من حاجة المريض لإجراء هذه العمليات ، وعلى الطبيب الجراح القيام بعمليات الفحص والتحاليل المختبرية والتصوير بالأشعة ، لمعرفة حالة العضو قبل إجراء العملية ، فقد يكون العضو سليماً ولا يحتاج المريض لأجراء العملية ، أو قد يقوم الجراح باستئصال عضو سليم بدل العضو التالف( ).كذلك يعتبر الطبيب الجراح قد ارتكب خطأ ، إذا أجرى العملية الجراحية دون أن يحتاط لذلك ، بإحضار طبيب مختص بالتخدير ، خصوصاً بالنسبة للعمليات الكبرى التي تحتاج إلى وقت من الجراح لإجرائها ، حيث لا يمكن عملها دون الاعتماد على تخدير المريض من قبل طبيب مخدر .

    ويتوجب من الطبيب الجراح قبل إجراء العملية الجراحية للمريض ، التأكد من أنه قد أمتنع عن الأكل والشرب قبل إجراء العملية ، والقاعدة العامة أن الطبيب الجراح كغيره من الأطباء الآخرين لا يضمن نتيجة عمله الطبي والشفاء التام من ذلك ، طالما التزم ببذل العناية الكافية التي تتطلبها الأصول العلمية والفنية لإجراء العملية لمرضاه ، إلا أن مسؤوليته تنشأ إذا تأكد بأنه لم يقم بواجبه في إجراء العملية الجراحية للمريض بالمستوى والمهارة التي تتناسب وتخصصه وما يمكن أن ينتظره المريض منه . فالخطأ الطبي في العمليات الجراحية ، هو مخالفة الطبيب الجراح ، أثناء إجراء العملية الجراحية ، للأصول العلمية المتبعة في مجال مهنته ، ولمعرفة خطأه يقاس سلوكه بسلوك طبيب جراح من نفس تخصصه ومستواه المهني ، وما يتمتع به من مؤهلات علمية ، مع الأخذ بنظر الاعتبار الظروف الخارجية والإمكانيات المادية التي توفرت عند إجراء العملية الجراحية ، وفي ضوء ذلك يسأل الطبيب الجراح ، عن كل تقصير في مسلكه الذي لا يمكن توقعه من طبيب جراح أخر في نفس مستواه وتخصصه ، فيما لو وجد في نفس الظروف التي أحاطت به عند إجراء العملية الجراحية .

    المبحث الثاني

    صور الأخطاء الطبية في العمليات الجراحية

    للأخطاء الطبية الجراحية صور تختلف عن الأخطاء الطبية في التخصصات الأخرى ، وهذه الأخطاء الجراحية بعضها يكون شائعاً كثير التكرار ، والبعض الأخر يكون فيها خطأ الطبيب الجراح واضحاً ، ونورد فيما يلي صوراً لبعض هذه الأخطاء.

    من المعلوم أنه يقع على الطبيب الجراح قبل إجراء العملية الجراحية للمريض أخذ موافقته على ذلك ، ويجب أن تصدر هذه الموافقة بعد معرفته بحقيقة العملية والنتائج المحتملة عنها( ) ، إذ لا يجوز إجراء العملية دون رضا المريض ، وتزداد أهمية ذلك في الأحوال التي قد يتعرض فيها المريض للخطورة عند إجراء العملية ، إلا أنه في حالة الضرورة التي لا تسمح فيها ظروف المريض بالتعبير عن إرادته ، فيمكن في هذه الحالة أخذ موافقة ممثله القانوني أو أقرب أقربائه ، وبخلاف ذلك يعتبر الطبيب مخطئاً ويكون مسؤولاً ، إذا أجرى العملية دون رضا المريض أو من يمثله قانوناً( ) فيكون مسؤولاً عن النتائج الضارة للعملية الجراحية ولو بذل العناية المطلوبة فيها( ).

    أما في حالة الضرورة أو الاستعجال ، فيرى الفقه في هذه الحالة إعفاء الطبيب من الحصول على رضا المريض ، ولا يعتبر تصرفه خطأ يوجب مسؤوليته(4) ، ولكن يشترط في مثل هذه الأمور ، أن تكون حالة المريض لا تحتمل التأخير وإن يكون فاقد الوعي وغير قادر على التعبير عن إرادته(5)، وتطبيقاً لذلك قضي بعدم مسؤولية الطبيب الجراح الذي قام باستئصال ثدي امرأة بأكمله أثناء إجراء عملية لإزالة كيس دهني من نفس ثدي المريضة ، حيث وجد من الضروري إزالة الثدي لاكتشاف إصابته بالسرطان(6) .

    ويلزم من الطبيب الجراح استخدام الطرق الحديثة في الفحص لمعرفة حالة المريض قبل إجراء العملية الجراحية ، وعلية في هذه الحالة استخدام السماعة وأجهزة رسم القلب والتحاليل الطبية والتصوير بالأشعة في تشخيص المرض كلما كان ذلك ممكناً ، فيكون مسؤولاً إذا أخطأ في تشخيص حالة ، المريض وكان ذلك يعود إلى عدم استخدام الطرق الحديثة في التشخيص ، والتي تقتضيها حالة المريض ،

    وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية بمسؤولية الطبيب الجراح الذي أهمل في عملية تشخيص المرض والذي لا يمكن وقوعه من جراح يقظ في مستواه المهني فيما لو وجد في نفس الظروف الخارجية التي كانت تحيط بالجراح المسؤول(1).

    وعلى الطبيب الجراح إجراء العملية الجراحية للمريض في المستشفى(2)، وذلك لتوفر جميع الوسائل اللازمة لإجراء العمليات الجراحية من أدوات وأجهزة ومواد طبية وأوكسجين وغيرها ، وبناء على ذلك فقد قضت إحدى المحاكم في أبو ظبي بمسؤولية الطبيب عن وفاة امرأة كانت حاملاً ، حيث أجرى عملية الولادة لها في منزلها دون نقلها إلى المستشفى ، إذا استعصى عليه إخراج الجنين من بطن أمه ، وأدى إلى تدهور حالتها الصحية وعلى أثر ذلك تم نقلها إلى المستشفى حيث توفيت في غرفة الإنعاش مع الجنين ، وقد قضت المحكمة بمسؤولية الطبيب عن ذلك ، لأنه ارتكب عدة أخطاء منها معرفته بعسر الولادة الذي يقتضي إجراء عملية قيصرية في المستشفى ، كذلك إهماله في عدم استخدام الأدوات اللازمة لمثل هذه الحالة كتزويدها بالسوائل والأكسجين لحاجتها لمثل هذه المواد ، كما أن عمله ينم عن جهل وإهمال ، حيث كان الواجب عليه أن يقوم بنقل المرأة الحامل إلى المستشفى قبل أن تسوء حالتها الصحية(3).

    كما يقع على الطبيب الجراح اتخاذ الاحتياطات اللازمة عند استعمال الأدوات اللازمة في العمليات الجراحية ، حيث يكون مسؤولاً إذا أهمل في ذلك ، وعليه فقد قضت إحدى المحاكم الفرنسية ، بمسؤولية الطبيب الجراح عن موت المريض الناتج عن انفجار آلة كهربائية كانت مستعملة من قبل الجراح أثناء العملية الجراحية ، لأنه أهمل في استخدامها بالقرب من جهاز أخر الأمر ، الذي أدى إلى انفجار تلك الآلة الكهربائية(4) ، كما تمت مسائلة الطبيب الجراح عن الحروق التي أصيب بها المريض ، نتيجة استعماله آلة كهربائية ، وقد كان ذلك ناجماً عن عدم الحيطة والتبصر التي يفترض بالطبيب الجراح مراعاتها عند إجراء العملية الجراحية(5) ويطلب من الطبيب الجراح التأني والاحتراز عند إجراء العملية الجراحية للمريض ، وعليه فيعتبر مسؤولاً عن عدم احترازه عند إجراء العملية الجراحية أو عند استعمال الأشياء أثناء الجراحة . ولهذا فقد قضت إحدى المحاكم الفرنسية بإدانة الطبيب الجراح بسبب ما بدر منه من رعونة تمثلت في إجراء العملية بسرعة ودون احتراز من جانبه بخلاف ما تقتضي به الأصول المتبعة في العمليات الجراحية(6) ، كما قضت أيضاً أحدى المحاكم الفرنسية بمساءلة الطبيب الجراح عند خطأه الذي أدى إلى سقوط مريضة من منضدة الجراحة والذي نتج عنه إصابتها بتشوه في ذراعها ، حيث يعتبر ذلك خطأ من جانب الطبيب الجراح الذي قام بإجراء العملية الجراحية دون التأكد من سلامة المنضدة وآلات تثبيت المريضة عليها ، إذ كان عليه التأكد من حسن استقرار المريضة عليها(7).

    وعلى الطبيب الجراح استخدام الطرق الحديثة عند إجراء العمليات الجراحية ، والابتعاد عن الطرق البدائية في ذلك ، وتطبيقاً لذلك فقد قضت إحدى المحاكم في كندا بمسؤولية الطبيب الجراح عن الأضرار التي أصابت المريض بسبب تجبير كسر في فخذ طفل ، حيث اتبع في ذلك طريقة بدائية نتج عنها تلف سريع للعضو الذي تم تجبيره وقد أدى ذلك إلى بتره ، وقد أشارت المحكمة عندما أدانت الطبيب الجراح في هذا الحكم ، إلى أنه من الواجبات الأساسية التي تقتضيها مهنته إتباع الوسائل العلمية لكي يساير مستجدات العلوم الحديثة عند إجراء علاج المريض( ) .
    ويتوجب من الطبيب الجراح إتباع الأصول العلمية المتعارف عليها عند إجراء العملية الجراحية ، فإذا خرج عن ذلك تترتب مسؤوليته ، وبناء على ذلك فقد قضت إحدى المحاكم الكويتية بمساءلة الطبيب الجراح عن خطأ مهني ارتكبه في عملية ختان أجراها على خلاف الأصول الفنية المتبعة في مثل هذه الحالة ، حيث أخطأ بإزالة كامل الجلد للعضو وليس جزء منه كما هو متبع في عملية الختان، الأمر الذي أدى إلى تشويه مكان العملية( ) .ويقع على الطبيب الجراح عند الانتهاء من العملية الجراحية التأكد من إزالة المواد وقطع الشاش المستعملة في العملية ، ومن الأخطاء التي تتكرر دائماً ترك الطبيب الجراح لبعض هذه المواد أو قطع الشاش في مكان العملية ، وسبب ذلك قد يعود إلى انكماش هذه القطع داخل جسم المريض حيث يصعب تمييزها عن أحشاء الجسم ، حيث يقوم الجراح بعد الانتهاء من العملية بخياطة الجرح فتبقى إحدى هذه القطع في مكان العملية داخل جسم الإنسان ، وبعد فترة من إجراء العملية يشعر المريض بآلام في مكان العملية وقد يصاحب ذلك ارتفاع في درجة الحرارة التي تعود للالتهابات الناتجة عن تعفن هذه القطعة في داخل جسم الإنسان ، الأمر الذي يستلزم إعادة فتح جرح العملية لاستخراج قطعة الشاش من جسم المريض ، وقد تؤدي مثل هذه الحالات في بعض الأحيان إلى وفاة المريض نتيجة لتأثر المريض بالتعقيمات والالتهابات الناتجة عند ذلك( ) . وغالباً ما يدفع الطبيب الجراح مسؤولية ذلك على مساعديه من الممرضات والممرضين ، على اعتبار أن من واجباتهم تنظيف مكان العملية من هذه القطع بعد الانتهاء من العملية ، إلا أن ذلك لا يعفي الطبيب الجراح من هذه المسؤولية فالقضاء دائماً يتشدد مع الطبيب الجراح في مثل هذه الحالات ، لأنه يتوجب عليه التأكد من عدد قطع الشاش المستخدمة في العملية الجراحية وخلو مكان العملية منها ونظافته قبل القيام بخياطة جرح العملية ، ولكن ذلك لا يعني إعفاء الممرضين المساعدين من المسؤولية في هذه الحالة ، حيث يتحملون جانب من هذه المسؤولية إذ يقع عليهم القيام بنظافة مكان العملية قبل خياطة الجرح ( ).كما يقع على الطبيب الجراح بعد إجراء العملية الجراحية ، القيام بواجب الإشراف والرقابة على المريض حتى يستطيع استعادة كامل وعيه ووظائف أعضائه وخصوصاً الأمعاء ، وعليه فقد قضت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بمسؤولية الطبيب الجراح عند الأضرار التي أصابت المريض الذي لم يتم إنعاشه بعد العملية بشكل تام لاستعادة وظائف أعضاء جسمه( ) . وهذا لا يعني وجوب ملازمة الطبيب الجراح لمريضه طوال الوقت بعد إجراء العملية ، ولكن تركه بعد العملية دون إشراف ورقابه يعد إخلالاً من جانبه يرتب مسؤوليته إذا أدى تركه بدون مراقبة إلى نتائج ضارة لم تكن تحصل للمريض لو كان قد خضع لإشراف الطبيب الجراح( ) .

    المبحث الثالث

    إثبات الخطأ في العمليات الجراحية

    من المقرر قضاءً وفقهاً ( ) أن التزام الطبيب تجاه المريض ، يعتبر التزاماً ببذل العناية ، وهذا يعني أن الطبيب لا يكون مسؤولاً عن نتيجة العلاج ولكن عليه بذل العناية اللازمة بهدف شفاء المريض، وذلك بإتباع الوسائل العلمية في علاجه أو عند إجراء العمليات الجراحية ، وقد أكدت ذلك المادة (18) من قانون مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان العماني الرقم ( 22 ) لسنة 1996، حيث نصت على ذلك بالقول : " لا يكون الطبيب المعالج مسؤولاً عن نتيجة العلاج بشرط أن يكون قد بذل العناية اللازمة واستعمل جميع الوسائل المهيأة له لتشخيص حالة المريض وإعطائه العلاج الصحيح " .

    وإذا أخل الطبيب بذلك ، ولم يبذل العناية المطلوبة عند علاج المريض ، فإن ذلك يشكل خطأ طبي من جانبه يرتب مسئوليته ( ) ، سواء كانت عقدية أم تقصيريه ( ) . وقد نصت على ذلك المادة ( 19 ) من نفس القانون المذكور بالقول : " يتحمل الطبيب مسؤولية عمله والأضرار الناتجة عنه في الحالات الأتيه : ب- إذا وقع منه إهمال , أو تقصير، أو لم يبذل العناية اللازمة " .

    وبناء على ذلك يتطلب من الطبيب الجراح بذل العناية اللازمة عند إجراء العملية الجراحية للمريض وعليه إتباع الأصول العلمية الثابتة عند إجرائها، فإذا أخل بذلك يكون مسؤولاً عن الأضرار التي تصيب المريض .

    وإلى جانب ذلك، هناك حالات يكون فيها التزام الطبيب التزاما بتحقيق نتيجة ، حيث يكون فيها الطبيب ملزماً بسلامة المريض من خطر حوادث قد تقع للمريض أثناء قيامه بالعمل الطبي .

    وسوف نتولى في هذا المبحث دراسة إثبات خطأ الطبيب الجراح في الالتزامات التي يكون مضمونها بذل عناية وفي الالتزامات الأخرى التي يكون فيها ملزما بتحقيق نتيجة، وذلك في مطلبين على التوالي .

    المطلب الأول

    إثبات الخطأ في الالتزام ببذل عناية

    يلزم من الطبيب الجراح عند إجراء العملية الجراحية للمريض أن يبذل في ذلك جهود صادقة ، ويجب أن تتفق هذه الجهود مع الأصول العلمية المتعارف عليها في مهنته . فإذا لم يبذل الطبيب العناية اللازمة عند إجراء العملية الجراحية ، يتحمل المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن ذلك( ) ، ولتحديد مسؤولية الطبيب في هذه الحالة ، فإن عبء إثبات خطأه يقع على عاتق المريض( ) ، سواء كانت مسؤولية الطبيب تجاه المريض عقدية أم تقصيريه( ) ، ذلك لأن التزام الطبيب الجراح تجاه المريض هو التزام ببذل عناية ، ومضمون هذا الالتزام لا يختلف سواء وجد بين المريض والطبيب عقد أم لا ، لذلك يتوجب على المريض إثبات وجود التزام على عاتق الطبيب بعلاجه إما بناء على وجود عقد بينهما أو طبقاً لأنظمة وتعليمات المستشفى الموجود فيه( ) .

    كما عليه أن يثبت عدم بذل الطبيب الجراح العناية اللازمة عند إجراء العملية الجراحية وذلك بإقامة الدليل على وجود إهمال أو خروج من جانب الطبيب عن الأصول العلمية المتعارف عليها في ميدان مهنة الطب ، والتي لا يقدم عليها طبيب أخر بمستواه فيما لو وجد بنفس ظروفه( ).

    وهذا يعني أنه لا يكفي في هذه الحالة لمساءلة الطبيب الجراح إثبات المريض لخطأ الطبيب بعدم بذل العناية المطلوبة ، وإنما يتوجب من المريض إثبات وجود التزام على عاتق الطبيب لعلاجه وإصابته بضرر أثناء تنفيذ هذا الالتزام ، إذ لا يجوز إفتزاض خطأ الطبيب الجراح لمجرد إصابة المريض بضرر أثناء إجراء العملية الجراحية ، وإنما يتوجب إثبات صدور خطأ من جانب الطبيب الجراح( ) ، كعدم إجراء فحصه قبل العملية الجراحية أو عدم إتباع الأصول العلمية المستقرة عند إجراء العملية الجراحية أو عدم متابعته بعد إجراء العملية الجراحية ، وللطبيب الجراح حتى في حالة إصابة المريض بضرر أثناء أو بعد إجراء العملية الجراحية ، أن ينفي عنه المسؤولية ، إذ أثبت أنه بذل العناية اللازمة أثناء إجراء العملية الجراحية .

    المطلب الثاني

    إثبات الخطأ في الالتزام بتحقيق نتيجة

    هناك حالات يكون فيها التزم الطبيب الجراح تجاه المريض التزاماً بتحقيق نتيجة( ) ، ومن هذه الحالات حالة قيام الطبيب بعمل محدد أو ضمان سلامة المريض من الأضرار غير تلك التي قد تنتج عند إجراء العملية الجراحية ، فيكون الطبيب فيها ملزماً بسلامة المريض من الحوادث التي قد يتعرض لها خارج نطاق العملية الجراحية( ). ومن هذه الحالات عمليات نقل الدم والتحاليل الطبية وكذلك تركيب الأجهزة الصناعية والأسنان . وقد استقر الفقه والقضاء على اعتبار التزام الطبيب تجاه المريض في مثل هذه الحالات التزاماً بتحقيق نتيجة ، حيث يكون فيها الطبيب مسؤولاً عن تحقيق النتيجة المطلوبة.

    فعمليات نقل الدم تعتبر من الحالات التي يلتزم فيها الطبيب بتحقيق نتيجة ، فإذا احتاج المريض إلى نقل الدم إليه بسبب العملية الجراحية ، فيتوجب أن يكون هذا الدم مطابق لفصيلة دمه ، كما يجب أن يكون خالياً من الأمراض والتزام الطبيب في هذه الحالة محدد بتقديم دم يتناسب مع فصيلة دم المريض وسليماً من الأمراض ، ويكون مخلاً بالتزامه هذا إذا نقل إلى المريض دماً غير مناسب ، كما لو كان يختلف عن فصيلة دمه ، كما يكون الطبيب أيضاً مسؤولاً تجاه المريض ، لو كان هذا الدم ملوثاً ، وفي هذه الأحوال يكون الطبيب مسؤولاً عن الضرر الذي يصيب المريض ، وتترتب مسؤولية الطبيب ولو لم يكن هو الذي أجرى تحليل دم المريض للتعرف على فصيلته بل قام بذلك طبيب أخر ، ذلك لأنه ملزم تجاه مريضه بتقديم دم سليم يتفق مع فصيلته ، إلا أنه يستطيع أن يتخلص من المسؤولية ، إذا استطاع إثبات السبب الأجنبي الذي لا ينسب إليه( ) .

    وكذلك يكون الطبيب الجراح ملزماً بتحقيق نتيجة ، إذا استخدم آلات وأجهزة أثناء إجراء العملية الجراحية ، وهذه النتيجة هي عدم حدوث ضرر للمريض عند استخدام الآلات والأجهزة أثناء إجراء العملية له( ) ، حيث يكون مسؤولاً عن الأضرار التي تصيب المريض ، إذا كانت بسبب وجود عيب أو عطل في هذه الآلات والأجهزة ، لأنه يقع على الطبيب الجراح ، أثناء إجراء العملية الجراحية للمريض ، استعمال آلات وأجهزة صالحة لا تصيب المريض بأضرار، وهناك حالات اشرنا لبعضها سابقاً ، قضت فيها المحاكم بمسؤولية الطبيب عن الأضرار والوفاة التي حصلت للمريض بسبب انفجار الأجهزة الطبية أو نتيجة خروج لهيب من المشرط الكهربائي ، أو احتراق جلد المريض نتيجة وجود خلل في أجهزة الأشعة( ) .

    ومن التطبيقات القضائية الأخرى ، ما قضي بمساءلة الطبيب عن كسر حقنة الدواء في عضلات المريض ، وكذلك مساءلة طبيب الأسنان عن تمزق لسان المريض وتلف أغشية فمه بسبب ناتج عن الأجهزة المستخدمة في علاج المريض( ) . إلا أن الطبيب قد يستطيع التخلص من المسؤولية إذا استطاع أن يعزو ذلك إلى السبب الأجنبي .

    كذلك يعتبر التزام الطبيب تجاه المريض في تركيب الأعضاء الصناعية التزاماً بتحقيق نتيجة ، ومن أمثلة ذلك تركيب الأسنان والأطراف الصناعية ، وفي حكم صادر عن محكمة النقض الفرنسية ، اعتبرت فيه التزام طبيب الأسنان بتركيب الأسنان الصناعيه تجاه المريض التزاماً بتحقيق نتيجة ، فيما يتعلق بتصميمها وملائمتها للمريض وخلوها من الأمراض ، وعليه في هذه الحالة أن يركب لمريضه الأسنان الصناعية المناسبة له ، ويعتبر مخطأ إذا لم يفي بهذا الالتزام ( ) .

    أما في الجراحة التجميليه التي تتطلب تداخل جراحي بقصد إزالة تشويه في جسم المريض قد يكون ظاهراً أو خفياً ، فقد تشدد القضاء مع الطبيب الجراح في هذه العمليات عند وجود خطأ أو إهمال من جانبه ، إلا أن القضاء لم يستقر على تحديد نوع التزام الطبيب الجراح في هذه العمليات ، وإن كانت هناك بعض القرارات التي ذهبت فيها المحاكم الفرنسية إلى تقريب هذا الالتزام من الالتزامات التي يسأل فيها الطبيب عن تحقيق نتيجة( ) ففي قضية تتعلق بجراحة تجميلية أدانت فيها محكمة باريس في 7 / 11 / 1972 الطبيب الجراح على الرغم من بذل الجهود واليقظة اللازمين في هذه العملية ، لأنه لم يقدم للمحكمة ما يبرر فشل العملية الجراحية عكس ما هو متوقع وما يحدث في مثل هذا النوع من العمليات الجراحية ( ) . كما أن القضاء المصري يتشدد أيضا مع الطبيب الجراح في العمليات الجراحية، ويظهر ذلك من القرارات التي صدرت عن محكمة النقض المصرية ، حيث تطلبت من الطبيب الجراح عناية أكثر في جراحة التجميل وإن كان كغيره من الأطباء لا يضمن نجاح العملية التي يجريها ، إلا أ ن العناية المطلوبة منه أكثر منها في أحوال الجراحة الأخرى ، اعتبارا بأن جراحة التجميل لا يقصد منها شفاء المريض من علة في جسمه وإنما إصلاح تشويه لا يعرض حياته لأي خطر( ) .

    ولإثبات خطأ الطبيب الجراح في الحالات التي يكون فيها التزامه بتحقيق نتيجة ، يكفي من المريض إثبات وجود الضرر الذي أصابه من جراء تنفيذ الطبيب للعملية الجراحية ، وهذا كاف لعدم تحقق النتيجة المطلوبة ودون حاجة من جانب المريض لإثبات وجود خطأ من قبل الطبيب الجراح ، إذ أ ن وجود الضرر الذي يصيب المريض في هذه الحالات يكفي لمساءلة الطبيب الجراح ، ولا تزول عنه هذه المسؤولية ، إلا إذا أستطاع أن يرجع ذلك إلى السبب الأجنبي بأن يثبت أن الضرر الذي تعرض له المريض ناجم عن قوة قاهرة أو خطأ المريض نفسه أو خطأ الغير ، ولا يستطيع الطبيب في هذه الحالات أن يثبت أنه بذل العناية المطلوبة لتنفيذ التزامه لكي يعفي نفسه من هذه المسؤولية( ) .

    وأيا كان نوع التزام الطبيب الجراح ، فلا بد من إثبات رابطة السببية عند مساءلة الطبيب الجراح عن خطأه ، بمعنى أن المريض عليه إثبات أن الضرر الذي أصابه كان ناجما عن خطأ الطبيب الجراح ، ولهذا فقد قضت محكمة النقض الفرنسية ، بأن مجرد نسيان الجراح قطعة من الشاش في مكان العملية ، لا يمكن القول بكونه هو السبب في كل الأضرار الناجمة عن الالتهابات التي تعرض لها المريض ، إلا إذا جرى إثبات أن ذلك كان قد أدى إلى هذه الالتهابات وسوء حالة المريض ( ) .

    ومع ذلك ، فالقضاء سار على إقامة قرينة لصالح المريض المضرور ، عند وجود خطأ من جانب الطبيب الجراح ، فأقام مسؤولية الطبيب إذا كان من شأن خطأ الطبيب إحداث مثل الأضرار التي يتعرض لها المريض( ) ، وعليه في هذه الحالة لكي يتخلص من المسؤولية نفى هذه القرينة ، فالقضاء بخصوص وجود علاقة السببيه بين خطأ الطبيب والضرر الذي يصيب المريض ، أصبح يقيم قرينة على توافر تلك العلاقة لمصلحة المريض ، وعلى الطبيب لكي يكون بمنأى عن هذه المسؤولية إثبات السبب الأجنبي .وعند وجود شكاوي تتعلق بالأخطاء الطبيبة ، عادة تحال مثل هذه الدعاوي من قبل الإدعاء العام في سلطنة عمان إلى اللجنة الفنية المختصة في وزارة الصحة ، وذلك بالاستناد إلى المادة ( 21 ) من قانون مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان لتحديد مسؤولية الطبيب عند ذلك ، قبل التحقيق معه من قبل الإدعاء العام ، فإذا تأكد للجنة المذكورة وجود خطأ أو إهمال من جانب الطبيب ، ففي هذه الحالة يقع على الإدعاء العام إجراء التحقيقات اللازمة لاتخاذ الموقف القانوني الذي تتطلبه العدالة وللإدعاء العام في هذه الحالة وجوب انتداب الخبراء وسماع الشهود ، فإذا أتضح من التحقيقات أن هناك خطأ طبي نتج عنه وفاة المريض ، أو أن هذا الخطأ أدى إلى تعطيل في أحد أعضاء جسم المريض أو وجود عاهة مستديمة ، ففي هذه الحالة تحال هذه القضايا إلى المحكمة المختصة للبت فيها( ) .

    بالنظر لصعوبة إثبات خطأ الطبيب من جانب المريض ، فقد جرت العادة أن يستعين القاضي عند معرفة الأخطاء الطبية ، الاستعانة بأهل الخبرة من الأطباء المختصين بذلك( ) ، حيث يستطيع انتداب خبير أو أكثر للتحقق من الوقائع التي تتعلق بالأخطاء الطبية في العمليات الجراحية ، وللقاضي عند الاستعانة بأهل الخبرة في المسائل الطبية اللجوء إلى ذلك في المسائل الفنية التي تبرر ذلك ، لتكملة قناعته في الأمور التي يجهلها( ) ، والخبير في رأيه الذي يبديه للقاضي هو يساعد القضاء في الوصول إلى الحقيقة.

    وعلى الخبير عند تقديم تقريره للقاضي أن يدعم رأيه في الأصول العلمية المتعارف عليها ، وعليه إذا كان الطبيب الجراح قد خرج في سلوكه عن ذلك بيان هذا الأمر في التقرير المقدم للقاضي .

    ويعود للقاضي تقدير رأي الخبير في المسائل الطبية المعروفة عليه ، وهو غير ملزم بالتقيد بما أثبته الخبير ولا بالنتائج التي توصل إليها ، فله السلطة في تقدير سلوك الطبيب المهني ، فالقاضي غير ملزم بما يبديه الخبير أو الخبراء في المسائل الطبية ، إذا كانت تتعارض مع وقائع القضية المعروضة أمامه ، ومع ذلك فأن تقرير الخبير يعتبر من العناصر المهمة التي يستعين بها القاضي في تقرير خطأ الطبيب( ) ،إذ قد يأخذ بآراء الخبراء إذا كانت كافية للدلالة على خطأ الطبيب الجراح( ) وعلى القاضي عند تقدير خطأ الطبيب الجراح ، أن ينظر إلى واجبات الطبيب المهنية التي تتطلب منه إتباع الأصول العلمية المتعارف عليها في مجال مهنته ، كما يقع عليه مراعاة الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب الجراح عند تنفيذ العملية الجراحية ، فإذا أتضح له أن الطبيب الجراح كان قد خرج في مسلكه الطبي عما يجب أن يقوم به طبيب أخر في مستواه المهني فيما لو وجد في نفس ظروفه ، فأنه يكون بذلك قد أخطأ وتترتب مسؤوليته الطبية ، بمعنى أخر أنه يقع على القاضي عند معرفة خطأ الطبيب الجراح ، اللجوء إلى مقارنة سلوكه بسلوك طبيب أخر من نفس مستواه المهني فيما لو وجد في نفس ظروفه المحيطة به ، وعندها يجري الحكم على سلوك الطبيب الجراح .

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 12:29 pm