روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    حق الاحتجاج والاضراب

    رمضان الغندور
    رمضان الغندور
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني


    عدد المساهمات : 7758
    نقاط : 21567
    السٌّمعَة : 16
    تاريخ التسجيل : 31/05/2009
    العمر : 67
    العمل/الترفيه : محامي حر

    حق الاحتجاج والاضراب Empty حق الاحتجاج والاضراب

    مُساهمة من طرف رمضان الغندور الثلاثاء يوليو 06, 2010 11:49 pm

    كلما أدرجت السياسة العامة أشكالا من إنعدام المساواة في صيغة حقوق تمييزية فيما يتعلق بالمشاركة‏,‏ أو الحصول علي المنافع‏,‏ أو التمتع بحماية الدولة‏,‏ كلما قطعت التحالفات الحركية تك الحدود أو مثلت هويات ليست مدرجة في القانون تعاني فعوائق حقيقية في التنظيم و العمل أو التحرك بشكل علني‏,‏ وكلما اختفت تلك الانعكاسات القانونية لأشكال عدم المساواة الاجتماعية من السياسة العامة‏,‏ كلما ضعفت العوائق أمام التحالفات بين الفئات و الهويات المعترف بها جديدا‏.‏
    و الاحتجاج في أغلب الأحوال له مقدمات‏,‏ فعجز المواطن عن الحصول علي حقوقه بالطرق المشروعة‏,‏ عندما تكون وسيلة الاتصال بينه و بين السلطة مقطوعة سواء كانت تلك الوسيلة الوسيطة هي الأحزاب‏,‏ النقابات‏,‏ المجتمع المدني‏,‏ فإن ذلك يترتب عليه ضغوط اكبر للمطالبة بحقوقه‏,‏ مما يترتب عليه تحويل هذه المطالب و الغضب الكامن بداخله إلي احد مظاهر الاحتجاج‏,‏ وقد يكون ذلك الاحتجاج مصحوبا بالعنف إذا وجد أن احتجاجه في طريقه للفشل أو وأده‏.‏ وتختلف قوة الاحتجاج بمدي قناعة المواطن بالحق فيما يطالب به‏.‏
    فمطلب الدولة القوية ودورها المركزي لا يمكن أن ينفصلا عن كفالة حقوق المواطن و حرياته الأساسية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية والثقافية مع الأخذ في الاعتبار أن سلطة الدولة المركزية ليست‏_‏ ولا ينبغي ان تكون هدفا في حد ذاتها‏,‏ لأنها قد تصبح قمعية إذا أفلتت من عقالها بحيث تصبح قوية بمواطن ضعيف‏.‏ ذلك‏"‏ ان الإنسان الحر هو أساس المجتمع الحر‏"‏

    أولا‏:‏ الحركات الاجتماعية وانعكاساتها السياسية
    إن تاريخ الحركات الاجتماعية يطرح رؤية حادة لمشكلة ذات خصوصية متميزة في التحليل السياسي‏,‏ فالحركات الاجتماعية بلا شك لها تاريخ متصل‏,‏ فالأشكال و الأفراد ومطالب الحركات الاجتماعية تتنوع وتتطور تاريخيا‏,‏ فهناك ثلاثة مصادر للتغير و التباين في الحركات الاجتماعية متميزة عن بعضها البعض ولكن متفاعلة فيما بين بعضها البعض‏,‏ تسفر عن تباين في الزمن و المساحة‏.‏
    ‏1-‏ البيئات السياسية العامة بما في ذلك‏(‏ الديمقراطية‏)‏ والتي في حد ذاتها تعزز من تشكيل و انتشار الحركات الاجتماعية‏,‏ وذلك لان كلا من عناصرها‏_‏ الشمول‏(‏ الاتساع لكل المواطنين‏),‏ المساواة‏,‏ التشاور‏_‏ تساهم في نشاط الحركة الاجتماعية و ايضا لأنها تشجع تأسيس مؤسسات أخري‏(‏ مثل الأحزاب السياسية‏,‏ و اتحادات العمال‏)‏ و تعزز تعبئة الحركة الاجتماعية‏,‏ وعادة ما يسمح وجودها هي الأخري من رفع المطالب من خلال الحركة الاجتماعية‏(1),‏ فكلما كانت العلاقات بين الحكومات ورعاياها تفتقر لوسيط قافدر علي نقل المطالب و الوصول بها إلي مرحلة التنفيذ كلما ذات ذلك من الاحتقان الشعبي تجاه تلك الحكومات‏.‏
    ‏2-‏ في إطار التفاعلات التي تقع في مجري الحركات الاجتماعية‏(‏ مثل التفاعلات بين المتظاهرين والشرطة‏)‏ يقع التغير بشكل متزايد كنتيجة لابتكار دائم‏,‏ وتفاوض‏,‏ وصراع‏.‏
    ‏3-‏ المشاركون في الحركات الاجتماعية‏,‏ دون اقتصار ذلك فقط علي النشطاء بل متضمنا ايضا السلطات وآخرين من المستهدفين بالمطالب‏_‏ يتصلون ببعضهم البعض‏,‏ يستعيرون و يتبنون أفكار بعضهم البعض وقد يتنافسون من اجل مزايا أو كسب قاعدة شعبية‏.‏
    وتتفاعل التغيرات في البيئات السياسية‏,‏ نتيجة للتغيرات المتزايدة في حيز الحركات الاجتماعية‏,‏ والتحولات في الصفات المميزة للحركات الاجتماعية‏.‏
    فمما يهدر حقوق الإنسان في مصر من الناحية المدنية خلال المرحلة الحاضرة يكمن في المخاطر الحقيقية المحدقة بمبدأ تكافؤ الفرص‏"‏ و هو التعبير عن الحرية الاجتماعية‏"‏ بما يعنيه ذلك من تهديدات حقيقية لمتطلبات الاستقرار السياسي‏,‏ و بالتالي لمقومات الأمن القومي‏,‏ ذلك إن تكافؤ الفرص باعتباره يمثل الحرية الاجتماعية التي تعتبر بدورها قاعدة أساسية للحرية السياسية يمكن تحديده في حقوق أساسية لكل مواطن‏,‏ ينبغي تكريس جهد الدولة لتحقيقها‏.‏
    والاحتجاج هو أزمة بين عدة أطراف‏,‏ و الأزمة هي رد فعل انساني‏,‏ فعل يهدف إلي توقف‏,‏ أو إحداث تغير في نشاط لصالح مدبره‏,‏ ومن المفيد في هذا الصدد حدوث لقاء‏,‏ أو اتصال ما بين طرفي العلاقة المصابة بالأزمة‏,(2)‏ ليطرح كل منهما تصوره الخاص لموضوع الخلاف وذلك عن طريق وسيط قادر علي إيجاد حل لهذه الأزمة‏.‏

    ثانيا‏:‏ الحركات الاجتماعية و البيئة القانونية

    ‏1-‏ حرية الاحتجاج‏:‏
    لم يكتف الدستور المصري فقط بالتأكيد علي حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة وحرية البحث العلمي والإبداع وذلك كما في المادة‏47‏ منه و التي تنص علي‏:"‏ أن حرية الرأي مكفولة‏,‏ ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون‏,‏ والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني‏.(3)"‏
    وكذلك المادة‏54‏ والتي تنص علي أن‏:‏ للمواطنين حق الاجتماع الخاص في هدوء غير حاملين سلاحا ودون حاجة إلي إخطار سابق‏,‏ ولا يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة‏.‏ و الاجتماعات العامة والمواكب و التجمعات مباحة في حدود القانون‏.‏
    -‏ بل إن هناك اتفاقيات وقعتها مصر تضمن الحقوق في التعبير و التظاهر السلمي‏(‏ العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عام‏.1982‏ والذي جعل لهذا العهد قوة وإلزام القوانين المحلية‏,‏ المادة‏18‏ والمادة‏19‏ منه واللتان تؤكدا بوضوح علي حرية الفكر والتعبير‏,‏ حرية اعتناق الرأي وإبداءه‏,‏ و الذي لهما قوة النصوص القانونية الأخري‏.‏
    -‏ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان‏(‏ الصادر عام‏1948‏ و الموقعة عليه مصر وفيه المادة‏19‏ التي تنص علي‏"‏ لكل شخص الحق في حرية الرأي و التعبير‏,‏ ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون اي تدخل و استقاء الأنباء و الأفكار و تلقيها و إذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية‏".‏

    ‏2-‏ حظر الاحتجاج‏:‏
    فقد تم إضافة فقرة أولي للمادة‏124‏ من قانون العقوبات رقم‏(58)‏ لسنة‏1937‏ بالقانون رقم‏24‏ لسنة‏1951"‏ يعاقب بضعف العقوبات المقررة بالمادة‏124‏ كل من اشترك بطريق التحريض في ارتكاب جريمة من الجرائم المبينة بها‏(4).‏ و كل من حرض أو شجع موظفا أو مستخدما عموميا أو موظفين أو مستخدمين عموميين بأية طريقة كانت علي ترك العمل أو الامتناع عن تأدية واجب من واجبات الوظيفة إذا لم يترتب علي تحريضه أو تشجيعه أية نتيجة‏.‏
    وفضلا عن العقوبات المتقدم ذكرها يحكم بالعزل إذا كان مرتكب الجريمة من الموظفين أو المستخدمين العموميين‏(‏ كما أضيفت بالقانون رقم‏24‏ لسنة‏1951‏ المادة‏124)-‏ الفقرة ج فيما يتعلق بتطبيق المواد الثلاث السابقة‏...‏ يعد كالموظفين والمستخدمين العموميين جميع العاملين الذين يشتغلون بأية صفة كانت في خدمة الحكومة أو في خدمة سلطة من السلطات الإقليمية أو البلدية أو القروية والأشخاص الذين يندبون لتأدية عمل معين من أعمال الحكومة أو السلطات المذكورة‏.‏
    وقد تم رفع الحد الأقصي لعقوبة الغرامة بموجب القانون‏(‏ رقم‏29‏ لسنة‏1982)‏ وكانت قبل التعديل لا تجاوز خمسين جنيها‏)‏ إذا ترك ثلاثة علي الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم ولو في صورة الاستقالة أو إمتنعوا عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين علي ذلك أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد علي مائة جنية ويضاعف الحد الأقصي لهذه العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر‏,‏ أو كان من شأنه أن يحدث اضطرابا أو فتنة بين الناس أو إذا أضر بمصلحة عامة وكل موظف أو مستخدم عمومي ترك عمله أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفته بقصد عرقلة سير العمل أو الإخلال بانتظامه يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تجاوز خمسمائة جنية‏.‏ ويضاعف الحد الأقصي لهذه العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر أو كان من شأنه أن يحدث إضطرابا أو فتنة بين الناس أو إذا أضر بمصلحة عامة‏.‏
    وتعليقا علي اتخاذ الدولة قانون العقوبات كمرتكز لتقييد الاحتجاجات‏,‏ فقد تدخل القضاء للفصل في ذلك عن طريق أن المادة‏124‏ من قانون العقوبات المصري التي كانت تجرم إضراب الموظفين قد نسخت بتوقيع مصر علي العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهناك سابقة قضائية في هذا الشأن تتعلق بحكم أصدرته محكمة امن الدولة العليا طواريء في عام‏1986‏ عندما أصدرت حكما بتبرئة موظفي السكة الحديد استنادا إلي إن‏,‏ مصر صادقت علي العهد الدولي وأنه يتيح حق الإضراب‏,‏ وذكرت المحكمة أيضا إن مصادقة مصر علي هذا العهد تعني نسخ المادة‏124‏ من قانون العقوبات وسقوطها فقد ذهب الحكم إلي‏:"‏ وحيث أنه متي كان ذلك فإن الاتفاقية المذكورة وقد نشرت في الجريدة الرسمية في الثامن من إبريل سنة‏1982‏ بعد أن وافق عليها مجلس الشعب تعتبر قانونا من قوانين الدولة ومادامت لاحقة لقانون العقوبات فإن يتعين اعتبار المادة‏124‏ قد ألغيت ضمنيا بالمادة‏8‏ فقرة‏(‏ د‏)‏ من الاتفاقية المشار إليها عملا بنص المادة الثانية من القانون المدني التي تنص علي أنه لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة علي هذا الإلغاء أو يشتمل علي نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع‏,‏ ولا يقدح في ذلك أن المادة‏124‏ من قانون العقوبات قد عدلت‏_‏ برفع الغرامة بالقانون رقم‏92‏ لسنة‏1982‏ بعد نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية لأنه إذا كان من المقرر فقها وقضاءا أن الساقط لا يعود فإنه بالتالي ومن باب أولي لا يعدل لأن التعديل لا يمكن أن يرد علي معدوم أو مادام الثابت أن المادة‏124‏ قد ألغيت ضمنا بالاتفاقية السابق الإشارة إليها فإنه لا يجوز بأي حال من الأحوال إجراء أي تعديل في تلك المادة لأنها ألغيت ولم يعد لها وجود‏,‏ مما تكون معه تهمة الامتناع عن العمل قد بنيت علي غير أساس من القانون‏"(5)‏ وهو ما يعني أن الإضراب أصبح حقا لجميع موظفي الدولة و لا ينطبق عليهم نصوص قانون العقوبات المصري‏,‏ كما لا يترتب علي ذلك جزاءات مرتبطة بعلاقات العمل‏.‏

    وبناءا علي ذلك شرعت الحكومة في تقييد الإضراب الحكومي عن طريق بعض الإجراءات‏:‏

    ‏1-‏ إصدار قانون العمل رقم‏12‏ لسنة‏2003‏ و هو أول قانون ينص صراحة علي حق العمال في الإضراب‏:"‏ للعمال حق الإضراب السلمي‏..."‏المادة‏192‏ والواقع أن هذا النص جاء بلا معني‏,‏ لأن كم القيود التي وضعها القانون علي ممارسة العمال لحقهم في الإضراب جعلته شبه مستحيل‏.‏ وقد جاءت القيود كالتالي‏:‏

    المادة‏192‏ ضرورة موافقة ثلثي مجلس إدارة النقابة العامة التي تتبعها المنشأة‏,‏ والتي يبلغ عدد أعضائه‏21‏ عضوا‏,‏ أي أن رفض ثمانية أعضاء في النقابة العامة للإضراب يجعله غير قانوني‏.‏ فإذا لم يكن بالمنشأة لجنة نقابية يكون الإخطار باعتزام العمال الإضراب للنقابة العامة المعنية‏,‏ وعلي الأخيرة بعد موافقة مجلس إدارتها بالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة السابقة القيام بالإخطار المشار إليه‏.‏ بالإضافة الي إخطار صاحب العمل والجهة الإدارية بتاريخ الإضراب قبل موعده بعشرة أيام‏,‏علي الأقل‏,‏ وذلك بكتاب مسجل بعلم الوصول وفي جميع الأحوال يتعين أن يتضمن الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب‏,‏ والمدة الزمنية المحددة له‏.‏
    المادة‏193‏ من قانون العمل‏"‏ يحظر علي العمال الإضراب أو إعلانه بواسطة منظماتهم النقابية بقصد تعديل اتفاقية العمل الجماعية أثناء مدة سريانها‏,‏ وكذلك خلال جميع مراحل وإجراءات الوساطة والتحكيم‏.‏
    المادة‏194‏ يحظر الإضراب أو الدعوة إليه في المنشآت الاستراتيجية أو الحيوية التي يترتب علي توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومي أو بالخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطنين ويصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بتحديد هذه المنشآت‏.‏
    المادة‏195‏ يترتب علي الإضراب المشار إليه في المادة‏192‏ احتساب مدته إجازة للعامل بدون أجر‏.‏
    ‏2-‏ أصدر رئيس الوزراء القرار رقم‏(1185‏ لسنة‏2003)‏ وحدد فيه المنشآت التي يحظر فيها الإضراب أو مجرد الدعوة إليه والتحريض عليه‏(‏ منشآت الأمن القومي والإنتاج الحربي‏,‏ المستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات‏,‏ المخابز‏,‏ وسائل النقل الجماعي للركاب‏(‏ بري وبحري وجوي‏),‏ وسائل نقل البضائع‏,‏ منشآت الدفاع المدني‏,‏ منشآت مياه الشرب والكهرباء والغاز والصرف الصحي‏,‏ منشآت الاتصالات‏,‏ والمواني و المنائر والمطارات‏,‏ العاملون في المؤسسات التعليمية‏)‏ ومن هذا القرار يتضح ما يلي‏:‏ أن رئيس الوزراء استخدم الرخصة التي منحها له القانون لتحديد المنشآت الحيوية وتوسع فيها علي النحو السالف بيانه إلي درجة تصل إلي المصادرة والمنع متجاوزا في ذلك حدود التنظيم وإهدار حق دستوري أصيل‏.‏

    ثالثا‏:‏ الدعوة إلي الإضراب و الاحتجاج
    بعض الإضرابات و الاحتجاجات تدخل تحت مسمي عنوان كبير هو‏"‏ العصيان المدني‏",‏ وهذا العصيان المدني يدخل تحت كلمة مهمة وهي‏"‏ المقاومة السلبية‏",‏ فإذا كنت لا أستطيع أن أؤثر علي مراكز صنع القرار مباشرة فأنا أقوم بإبداء رؤي ومواقف احتجاجية‏,‏ هذه المواقف الاحتجاجية قد تأخذ شكل الإضراب السلمي‏,‏ وقد تأخذ شكل الإضرابات الجزئية أو المتسعة وأشكالا أخري مثل التباطؤ في العمل وعدم المشاركة في أمور يقوم النظام السياسي بالتعبئة فيها‏,‏ وكل هذه الأمور تكون مقصودة من جانب الجماهير‏,‏ والمطلوب والمفترض أن تكون منظمة‏.‏
    وهذه الأشكال من الاحتجاجات و الإضرابات تحدث حينما تنسد القنوات السياسية‏,‏ وحينما تنحرف هذه القنوات عن وظيفتها‏,‏ وحينما لا يقوم البرلمان بالرقابة وتعطل أجهزته التي تقوم علي عملية الرقابة‏,‏ وحينما تتعطل الأجهزة الرقابية داخل المجتمع‏.‏
    وتختلف طبيعة الدعوة بحسب ثقافة المحتجين‏,‏ فالعمال يدعون للإضراب عن طريق الاتفاق مع زملائهم‏,‏ سواء كان ذلك مناقشة شفوية أو عن طريق منشورات توزع‏,‏ و المدونون يستخدمون الانترنت في الدعوة إلي الإضراب‏,‏ وبعض المثقفين يستخدمون منظمات ينتمون إليها‏(‏ المجتمع المدني‏)‏ وهناك الاحتجاج عن طريق إرسال‏s-m-s‏ بالموبايل إلي مجموعة مرتبطة بأفكار واحدة‏.‏

    وهذه بعض نماذج الاحتجاجات وكيف استطاع النظام استيعابها‏:‏

    أولا‏:‏ الاضرابات و الاحتجاجات الاقتصادية
    الإضرابات العمالية‏:‏ فالحركة العمالية في مصر لها سجل حافل بصفحات نضالية ترجع الي تاريخ بعيد بقدم الدولة‏,‏ ويعتبر إضراب لفافي السجائر في ديسمبر‏1899‏ هو البداية الحقيقية للحركة العمالية في العصور الحديثة‏,‏ وقد استمد هذا الإضراب أهميته من استمراره لمدة تقارب الثلاثة أشهر‏,‏ وتأسيس أول تنظيم نقابي عمالي‏"‏ رابطة لفافي السجائر‏"‏ في فبراير‏.1900‏ ثم إنفجر من بعده سيل الاحتجاجات العمالية بدءا من إضراب عمال‏"‏ الترام‏"‏ بالقاهرة عام‏1908‏ وإضراب عمال السكة الحديد‏,‏ ومن الملاحظ إن هذين الاضرابين اندلعا بعد احتقان العمال من التمييز الملحوظ بين العمال المصريين و العمال الأجانب‏,‏ الشئ الذي أرساه الاستعمار الإنجليزي علي مصر‏,‏ و استمرت الاحتجاجات تسير في مصر بعد هذين الإضرابين‏,‏ وصاحب كل احتجاج تأسيس رابطة او نقابة عمالية‏,‏ حتي وصلت وتيرة الاحتجاجات الي أوجها مع اندلاع أحداث ثورة‏1919‏ التي لعب الدور الأهم فيها التحركات العمالية والتي استمرت حتي بعد هدوء الأحداث‏,‏ إلي ان وصل عدد النقابات العمالية إلي‏90‏ نقابة عام‏1912‏ وظهر ساعتها أول اتحاد عمالي في مصر‏,‏ والذي حلته الحكومة في‏.1924‏
    وقد شهدت الحركة العمالية محطات رئيسية في تاريخها‏,‏ تلك المحطات تميزت بأنها كانت نقطة تحول في مسار الحركة العمالية‏,‏ ليس فقط لقوة الاحتجاجات العمالية وكثرتها‏,‏ ولكن لأن كل محطة من محطات الحركة العمالية مثلت الدخول في مرحلة جديدة من مراحل الحركة‏,‏ ونقلة في مسارها سواء للإمام أو للخلف‏,‏ للإمام مثلما كان إضراب عمال السجائر في ديسمبر‏1899‏ بداية تشكل التنظيمات العمالية في شكلها الأولي‏,‏ وللخلف مثلما كان قمع إضراب عمال كفر الدوار في‏1952‏ بداية مرحلة الهدوء النسبي للحركة العمالية‏,‏ لسنوات طويلة‏.‏
    وقد اعتمدت الحركة العمالية في احتجاجها لفترة طويلة علي سلاح الاعتصام‏,‏ وهو يعني بقاء العمال في مكان العمل بعد انتهاء ساعات العمل‏,‏ دون وقف الإنتاج‏,‏ أو التأثير عليه‏,‏ وهذه الطريقة في الاحتجاج كانت الأبرز لفترة طويلة‏,‏ خاصة في ظل علاقات العمل بالقطاع العام‏.‏ كان هذا تأثرا واضحا بالدعاية الرسمية ساعتها‏,‏ والثقافية التي عممها النظام‏,‏ والتي كانت تروج لأن القطاع العام ملك الشعب‏,‏ وأن زيادة الإنتاج تحقق الرفاهية‏,‏ وأن العمال شركاء في القطاع العام‏,‏ وليسوا أجراء‏.‏ هذه الثقافة خلقت حاجزا بين العمال وبين أهم سلاح للاحتجاج يمكن استخدامه في الحركة العمالية‏,‏ وهو سلاح الإضراب‏,‏ ومن المفارقات أنه خلال العديد من الاعتصامات العمالية‏,‏ التي قام بها العمال خلال السبعينيات والثمانينيات‏,‏ كانت معدلات الإنتاج ترتفع‏,‏ كما حدث في اعتصام الحديد والصلب في أغسطس‏1989‏ إذ ارتفعت معدلات الإنتاج بنسبة‏15%‏ خلال فترة الاعتصام‏.‏ ساهم في سيادة آلية الاعتصام بدلا من الإضراب عن العمل أيضا‏,‏ التدخل السريع من جانب الدولة لإنهاء الاحتجاج‏,‏ مما كان يمنع تطوره‏,‏ فاعتصام العمال في مكان العمل من شأنه أن يتطور إلي إضراب بعد فترة‏,‏ والانتهاء السريع يمنع هذا التطور‏,‏ والملفت أن وقف عملية الإنتاج كان يتم خلال الاحتجاجات العمالية من جانب الدولة‏,‏ لا من جانب العمال‏,‏ سواء بقطع الكهرباء والماء والغاز عن مواقع الاعتصام‏,‏ مثلما حدث في الحديد والصلب في‏1989‏ وغزل كفر الدوار في‏1984‏ وفي‏1997‏ أو بمنح العمال إجازة مدفوعة الأجر بعد إنهاء الاعتصام‏.‏ لا يعني ذلك أن الحركة العمالية لم تستخدم سلاح الإضراب‏,‏ فقد كان هناك إضراب السكة الحديد في‏1986‏ وإضراب هيئة النقل العام في‏1976‏ وإضرابات أخري أقل تأثيرا‏,‏ ولكن كان السائد هو الاعتصام‏.‏ لقد شهدت الحركة العمالية‏,‏ وفي الوحدات الكبيرة خاصة‏,‏ تحولا هاما نحو استخدام سلاح الإضراب‏,‏ وليس فقط الاعتصام‏,‏ وربما كان هذا التحول قد بدأ منذ فترة‏,‏ ولكن برز بشدة‏,‏ ابتداء من إضراب غزل المحلة في‏7‏ ديسمبر‏2006(6).‏

    أهم ملامح الاحتجاجات الاقتصادية في مصر‏:‏
    ‏1-‏ طول فترات الإضرابات نسبيا كان ظاهرة ملموسة في الإضرابات الأخيرة‏,‏ فسابقا لم يكن الاعتصام أو الإضراب العمالي يستمر سوي ليوم واحد أو اثنين ثم ينتهي إما بتدخل الأمن وفضه بالقوة‏,‏ أو تهدئة العمال ببعض القرارات الهشة‏.‏ أما الإضرابات الأخيرة فقد شهدت تغيرا واضحا في أسلوب النظام لاستيعاب الاحتجاجات الاقتصادية‏.‏ فإضراب المحلة الأول استمر ثلاثة أيام وانتهي بتنفيذ مطالب العمال‏.‏ و الإضرابات التي تلت استمرت لأيام وأسابيع أيضا‏.‏ فطول مدة الإضراب خلق أمرين هامين‏:.‏
    الأول‏,‏ هو توسع تأثير الإضراب وأصدائه الإعلامية والذي كان غير متوفر في مدد الإضرابات القصيرة والتي ما أن تعلم بها وسائل الإعلام والقوي المهتمة بالحركة العمالية حتي تكون قد انتهت‏.‏
    الثاني‏,‏ والأهم هو أن طول مدة الإضراب تخلق تنظيما داخليا للحياة العمالية في الإضراب‏,‏ فوجود آلاف العمال في نفس المكان لأيام متتالية يفرض توفير آليات للإعاشة وتنظيم الحياة الداخلية وتقسيما واسع النطاق للعمل بينهم‏,‏ مثل التفاوض‏,‏ حماية المنشأة‏,‏ توفير الطعام‏,‏ التناوب علي التواجد في الإضراب‏...‏ مما أدي إلي تطور الإمكانيات التنظيمية للحركة العمالية سريعا كلما زادت مدة الإضراب‏.‏
    ‏2-‏ إن من أهم الخصائص التي ميزت الاحتجاجات العمالية الأخيرة في مصر والتي تجعلنا نعتبرها بداية لمرحلة جديدة‏,‏ ميز هذه الموجة عن سابقتها‏,‏ حيث إن انتهاء اغلبها تم بطريقة سلمية من دون أي حسم عنيف من قبل السلطة‏,‏ هذا بالإضافة إلي الاستجابة إلي أغلب المطالب التي رفعها المحتجون‏,‏ الأمر الذي زاد من ثقة العمال في الحركة‏.‏ فالعنف الشديد الذي استخدمته الدولة ضد احتجاجات العمال طوال الثمانينات شكل رادعا أمام الحركة العمالية لفترة طويلة‏.‏ وتراجع الدولة عن استخدام العنف ضد العمال أزال الكثير من المخاوف التي أحاطت بحق الإضراب‏.‏
    ‏3-‏ خلال شهر يوليو‏2008‏ قررت الدولة إعادة النظر في الحد الأدني للأجور المعمول به في مصر الذي لم يعاد النظر به منذ ربع قرن ليتماشي مع الأسعار الجارية‏.‏ ورغم أن المقترحات المقدمة الآن لم ترق لتلبية احتياجات العمال إلا أن مجرد فتح موضوع الحد الأدني للأجور والنظر في رفعه هو من أهم نتائج الحركة العمالية‏.‏
    ‏4-‏ استطاعت الحركة العمالية في مصر أن تعيد الطبقة العاملة إلي اكتشاف نفسها وإمكانياتها وتطورها وتضع نفسها كمعطي رئيسي علي خريطة الأزمة السياسية في مصر ويبقي علي المناضلين الثوريين مهمة التفاعل الخلاق مع الحركة العمالية والتعلم منها والبناء من خلالها‏.‏
    ‏5-‏ إن عمليات إعادة الهيكلة و الخصخصة التي ضربت الأوضاع العمالية المستقرة في مصر أزالت معها الكثير من الأوهام التي سيطرت علي الحركة العمالية علي مدي عقود واتخذت هذه الحركة طريقة الإضراب للمطالبة بحقوقها وليس الاعتصام‏,‏ وهو ما يعني استخدام العمال للضغط الاقتصادي وموقعهم من علاقات الإنتاج‏,‏ مما يفتح إمكانية أكبر لاكتشاف الطبقة العاملة لنفسها وثقلها الاقتصادي والسياسي‏.‏ و استبدال الطبقة العاملة سلاح الاعتصام بسلاح الإضراب في الاحتجاج خطوة كبيرة في وعي الطبقة العاملة الجماعي‏.‏
    فعلي مدي ستة أشهر بلغ عدد العمال الذين أضربوا عن العمل ورفعوا مطالب واستطاعوا تنفيذ أغلبها أكثر من‏200‏ ألف عامل وهو رقم هائل في بلد يحكمه قانون الطوارئ منذ أكثر من ربع قرن‏,‏ ويقيد قانون العمل فيه حق الإضراب ويفرض علي العمال تنظيما نقابيا واحدا مواليا لحد كبير للدولة‏.‏
    ‏6-‏ إن المطالب العمالية التي رفعها العمال لم تختلف عن سابقاتها‏.‏ فهي ارتبطت أغلبها بالأجور المتغيرة وظروف العمل وعواقب سياسات الخصخصة‏.‏ ولكن النتائج التي تحققت حملت أفقا أوسع للحركة العمالية‏.‏ فبعد إضراب غزل المحلة وغزل كفر الدوار مثلا قررت الدولة تخصيص حصة من حصيلة بيع بنك الإسكندرية لإسقاط ديون شركات الغزل والنسيج وتحسين شروط العاملين بها‏,‏ وهي المرة الأولي التي تتوجه بها حصة من حصيلة الخصخصة لمصلحة اجتماعية‏.‏
    واللافت للنظر في هذا الإطار هو العلاقة بين الدولة والنقابات العمالية‏,‏ حيث أن تلك الاحتجاجات و الإضرابات العمالية جاءت متجاوزة التنظيم النقابي وخارج إطاره وبالتالي فإن سمته الاندماجية والاستيعاب الذي يميز العلاقة بين الدولة والنقابة العمالية لا يمكن أن تنسحب علي الحركة العمالية ككل التي عبرت عن آرائها المخالفة لآراء تنظيماتها النقابية بما يعني فشل الأخيرة في تحقيق مهمتها من حيث التعبير عن مصالح العمال‏,‏ وبوصفها قناة تتوسط العلاقة بين العمال والدولة وبالتالي فإن التوتر هو الغالب في علاقة الدولة بالقواعد العمالية الأكثر إرتباطا بنتائج السياسات الاقتصادية المتمثلة في إزدياد حدة الفقر وإرتفاع مستوي البطالة ونسب تسريح العمال‏.‏

    ثانيا‏:‏ الإضرابات و الاحتجاجات السياسية
    شهدت مصر خلال الفترة الأخيرة موجة من حركات المعارضة الجديدة‏,‏ التي دخلت ميدان السياسة بشكل مباشر دون الحصول علي الرخصة القانونية لخوض غمار الحياة السياسية‏,‏ وفي الوقت الذي استطاعت فيه بعض هذه الحركات أن تحفر لنفسها مكانا بارزا في قلب المسرح السياسي‏,‏ فإن البعض الأخر اكتفي بالمعارضة الإلكترونية‏,‏ أي من خلال ممارسة نشاطه عبر شبكة الإنترنت‏(7).‏
    تبنت هذه الحركات أشكالا غير معهودة للتحرك السياسي‏,‏ ومنها المظاهرات في الشارع كآلية أساسية للعمل السياسي‏,‏ حيث نجحت هذه الحركات في انتزاع حقها المكفول لها دستوريا في التظاهر السلمي‏,‏ وذلك علي الرغم من تعرضها أحيانا لمضايقات من قبل قوات الأمن في بعض المظاهرات التي تم تنظيمها‏,‏ وبالإضافة إلي ذلك فقد لجأت هذه الحركات إلي الاعتماد علي ما وفرته التكنولوجيا الحديثة من وسائل اتصالات هائلة وغير مسبوقة‏.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 09, 2024 12:31 am