روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    الإعـلام والقضـاء : بقلم: د‏.‏ بسيوني حمادة كلية الاعلام ـ جامعة القاهرة

    مفيده عبد الرحمن
    مفيده عبد الرحمن
    مدير عام المنتدي
    مدير عام المنتدي


    عدد المساهمات : 3455
    نقاط : 9937
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 17/06/2009

    09عال9 الإعـلام والقضـاء : بقلم: د‏.‏ بسيوني حمادة كلية الاعلام ـ جامعة القاهرة

    مُساهمة من طرف مفيده عبد الرحمن السبت أغسطس 14, 2010 2:17 pm


    نظمت كلية الإعلام أخيرا بالتعاون مع نادي القضاة مؤتمرا بالغ الأهمية في موضوعه ومبتغاه‏,‏ جمع نخبة من أساتذة الإعلام والقانون وصفوة رجال القضاء‏,‏ إلي جانب قادة العمل الإعلامي‏.‏ ترجع أهمية المؤتمر إلي إشكالية العلاقة بين طبيعة عمل ووظيفة الإعلاميين‏,‏ وطبيعة عمل ووظيفة القضاة‏,‏ والواقع أنه إذا تجردنا من طبيعة العمل اليومية التي تفرض علي رجال القضاء تفضيل التكتم والسرية ضمانا لحسن سير العدالة‏,‏ وعدم التأثير علي الرأي العام أو النيل من سمعة القاضي وصورته وهيبته‏,‏ ولو تجردنا أيضا من طبيعة عمل الإعلامي التي تحتم عليه تزويد الرأي العام بكل ما يحدث في المجتمع والتعليق عليه بما في ذلك الجانب القضائي لإشباع حق المعرفة لدي المواطن‏,‏ إذا تجردنا من هذا المستوي العملي في التحليل والذي يبدو فيه التعارض الظاهري‏,‏ وانتقلنا إلي مستوي أعلي لوجدنا قيمتين أساسيتين هما قيمة الحرية لدي الإعلاميين‏,‏ وقيمة العدل لدي القضاة وهما أغلي ما يمكن أن يعتز بهما المجتمع‏,‏ ولا يمكن تصور وجود تعارض أو تصادم بينهما‏,‏ ما يفرض أكبر درجة ممكنة من التفاهم والتعاون والتآزر والاحترام بين الجانبين‏.‏
    ويقيني أن الحرية هي أغلي قيمة في الوجود‏,‏ وفي غيابها تنتفي إمكانية تحقيق قيمة العدل ذاتها‏,‏ فالقاضي أولا لابد أن يكون حرا لا تغل يده أية قيود من أي سلطة حتي تصدر أحكامه وفقا لسلطان ضميره الحي‏,‏ وما يعتقد في صحته في ضوء ما توافر لديه من أدلة وبراهين‏,‏ والشهود لابد أن يكونوا متحررين من أية ضغوط‏,‏ ومصادر المعلومات لابد أن تكون متاحة لدي الأطراف المتنازعة‏,‏ وأي قيد علي القاضي أو أي من طرفي الخصومة في استدعاء المعلومات من مصادرها هو بالضرورة قيد علي حسن سير العدالة‏,‏ ومن نافل القول تأكيد أن العدل مرهون أيضا بحرية الإعلام في التغطية المباشرة لبؤر الفساد في المجتمع‏,‏ ولما يحدث في قاعات المحاكم وفي نشر الأحكام النهائية والتعليق عليها‏,‏ إلا ما تقتضيه الضرورة القصوي‏,‏ سواء تعلق الأمر بالمراحل الأولية للتحقيق‏,‏ أو لظروف بعض المحاكمات الخاصة التي تحميها قيم المجتمع‏.‏ ولو كان علي المفاضلة بين هاتين القيمتين ـ علي الرغم من الإقرار بأنهما متلازمتان ومتكاملتان ـ لأعطيت الأولوية للحرية‏,‏ ففيها ضمان حسن سير العدالة‏,‏ وفيها تأكيد علي احترام القاضي وسمعته وهيبته‏,‏ لكن تأكيد الهيبة عبر الانتقاص من حرية الإعلام ينتهك الحرية أولا‏,‏ ولا يضمن الهيبة ثانيا‏.‏ وقد أعلي القرآن الكريم من شأن الحرية لدرجة أنه ساوي بينها وبين الحياة ذاتها كما في الآية الكريمة ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة فقتل نفس بشرية خطأ يتطلب إحياء نفس أخري بتحريرها من العتق‏.‏
    إن القوة التي تفرض التكتم علي الممارسات الحكومية والقضائية هي في حقيقة الأمر قوة تدمير لمصداقيتها‏,‏ هكذا انتهي تقرير لجنة حرية الإعلام التابعة لمجلس النواب الأمريكي عام‏1976,‏ كما ذهب القاضي الأمريكي أولفر وندل هولمز في القرن التاسع عشر إلي ضرورة إجراء المحاكمات تحت أنظار الشعب‏,‏ ليس لأن الخلاف بين مواطن وآخر هو من الأمور التي تهم الشعب فحسب‏,‏ بل لأنه من الأهمية البالغة أن يتصرف الذين يقيمون العدل دائما في ظل الشعور بالمسئولية العامة‏,‏ وبأن كل مواطن لا يمكن إقناعه بصحة تأدية ما يمليه الواجب العام إلا بما يراه بعينيه‏.‏ وامتدادا لهذا المنهج لا يمكن الاحتجاج بأن التعليق علي الأحكام النهائية يؤثر علي الثقة في القضاء فالأحكام بمجرد صدورها علي نحو نهائي تصبح ملكا للقضاء العام يجوز بل يجب علي أهل الرأي والخبرة والاختصاص تناولها بالدراسة والتمحيص والتدقيق‏,‏ وفي ذلك تدعيم للثقة في القضاء وأحكامه حيث يستشعر الرأي العام أن لاشيء يحاك في الظلام‏,‏ وأن الحكم هو عنوان الحقيقة فعلا‏,‏ وأن هذه الحقيقة في التحليل الأخير ليست مطلقة‏,‏ ولكنها نسبية ترتبط نسبيتها بما هو متاح من أدلة وبراهين وشهود وظروف وملابسات‏,‏ وما وجدت الدرجات المختلفة للتقاضي إلا لوجود هذه النسبية في عدالة الأحكام ولإتاحة الفرصة كاملة للمتقاضين للوصول لأعلي درجة ممكنة من العدل‏.‏
    والرأي العام المصري يثق في نزاهة قضائه وقضاته‏,‏ إلا أن الأمر الجدير بالإشارة هو أن الثقة عملية مركبة ومعقدة وقابلة للزيادة والنقصان والتعزيز والتآكل وذلك لارتباطها بعشرات المتغيرات التي تسم بيئة العمل القضائي والتي يجب أن يسعي الجميع وعلي رأسهم الإعلام لضمان صيانتها وتحصينها بحسبان أن القضاء هو الملاذ الأخير لضمان حقوق الإنسان وحرياته‏,‏ وبحسبان أن هذا التحصين ليس مقصودا به شخص القاضي نفسه بقدر ما هو تحصين لطبيعة المهنة والرسالة الجليلة التي يضطلع بها‏,‏ ولعل من أهم هذه المتغيرات محاولات تسييس بعض القضايا‏,‏ ومحاولات تدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية‏,‏ ناهيك عن هيمنة السلطة التنفيذية علي التشريعية التي لابد أن تؤثر سلبا علي أداء السلطة القضائية‏,‏ والتباطؤ في تنفيذ الأحكام‏,‏ والتباطؤ في التقاضي‏,‏ وانخفاض أجور القضاة ما دفع البعض لقبول الانتداب للعمل في أجهزة الدولة المختلفة‏,‏ إلي جانب العديد من المتغيرات التي لا يتسع المقام لتناولها‏.‏
    ولأن ثقة الرأي العام في القضاء والقضاة تتعزز بالشفافية والعلانية وتتحصن بذيوع المعلومات وانتشارها‏,‏ وتتأثر سلبا بالتكتم والسرية والحيطة أري لزاما علي وسائل الإعلام التناول الموضوعي والمسئول لما يدور في قاعات المحاكم والتعليق علي الأحكام حال صدورها ليس فقط لأن ذلك يتمم عمل القضاء‏,‏ ويحقق علانية الأحكام‏,‏ ويلبي حاجة الرأي العام المتعطش إلي المعرفة‏,‏ ولكن تماشيا مع واقع جديد لم تعد معه السرية ممكنة‏,‏ وهذه إشكالية من نوع خاص تتطلب واقعا قانونيا مرنا بديلا للواقع الحالي الذي لم يعد يواكب العصر الجديد‏.‏ ولقد تنبهت دول مثل الولايات المتحدة لخطورة إساءة استعمال الثقة فأصدرت مجموعة من القوانين علي المستويين الفيدرالي والولاياتي عرفت شعبيا باسم قوانين أشعة الشمس علي أثرها أتيحت لقنوات التليفزيون البث المباشر لجلسات المحاكمات‏,‏ وأنشئت بموجبها شبكة تلفزيون أمريكية أرضية تعرف باسم تليفزيون المحكمة تعمل علي بث جلسات المحاكمات الفعلية باعتبارها جزءا من برنامج عملها الرئيسي علي مدي الساعة‏,‏ ويبقي أخيرا الإشارة إلي نجاح المؤتمر كبادرة في طريق طويل لبناء جسور من التفاهم المتبادل أعمدتها ثقافة قانونية لدي الإعلاميين‏,‏ وثقافة إعلامية لدي القضاة‏,‏ وهدفها بناء مجتمع ناضج يقوم علي الحرية والعدل


      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 08, 2024 5:26 pm