روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    قضيتان غائبتان بقلم د. يحيى الجمل

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    قضيتان غائبتان    بقلم   د. يحيى الجمل    Empty قضيتان غائبتان بقلم د. يحيى الجمل

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الإثنين ديسمبر 20, 2010 12:16 pm

    سيادة القانون وإرادة الناس يبدو أنهما من القضايا التى غابت عن مجتمعنا ونظامنا وسلوكنا العام والخاص كله على حد سواء، وإذا كانت سيادة القانون بمعناها الذى سنعرض له فى هذا المقال هى التى تمثل لُحمة الدولة الحديثة وسُداها، فإن معنى ذلك أننا لا نعيش فى دولة بائسة فحسب بل نعيش فى تجمع يصعب وصفه بوصف الدولة بالمعنى الذى يعرفه علماء السياسة وعلماء القانون الدستورى فى عصر ما بعد الثورة الفرنسية.

    فما الذى نعنيه بعبارة أو بمبدأ «سيادة القانون»الذى ورد النص عليه فى الدستور، وما مدى احترامنا فى الواقع العملى لهذا المبدأ.

    سيادة القانون تعنى أن دستور الدولة وقوانينها الصادرة بصورة سليمة تحكم إرادة الناس جميعاً حاكمين ومحكومين، الكل يخضع لقاعدة القانون أو لمبدأ سيادة القانون، وإذا كان خضوع الناس العاديين لحكم القانون يبدو أمراً مفترضاً بحكم أن سلطة الدولة تملك وسائل إجبار الناس على طاعة القانون، فإن خضوع الحاكمين هو الذى يمكن أن يعبر عن مدى احترام مبدأ سيادة القانون.

    هل ينفذ الحاكمون حكم الدستور والقانون أم يخالفونه أو بالأقل يتحايلون عليه؟

    هذا هو مربط الفرس كما يقولون.

    والواقع أن الإحساس بالقانون واحترام القانون وإعمال سيادة القانون كلها أمور تبدو تلقائية وطبيعية، وليست محل مديح أو إطراء فى الدولة القانونية كما تعرفها الأنظمة الديمقراطية.

    سأذكر هنا قصة طريفة..

    كنت أشترك مع أستاذ فرنسى صديق فى الإشراف على رسالة باحث مصرى نابه، للحصول على الدكتوراة فى موضوع من موضوعات القانون الدستورى، واقتضى الإشراف المشترك أن أسافر إلى بوردو فى فرنسا، وكان ذلك فى الصيف، ونزلت فى استراحة الأساتذة فى المدينة الجامعية، وكانت المدينة خالية تماماً من الطلاب.

    وتصورت أنه لا يوجد فى تلك المدينة الجامعية الضخمة ذات الحدائق الواسعة وارفة الظلال، إلا أنا وعاملان يعملان فى استراحة الأساتذة، أحدهما جزائرى والآخر سنغالى.

    ودعانى زميلى «لامارك» الأستاذ الفرنسى على العشاء، الذى انتهى فى الساعة التاسعة، ثم اصطحبنى إلى مقر إقامتى فى المدينة الجامعية.

    وكما قلت فإن حدائق المدينة فى جامعة بوردو كبيرة جداً، وفى تقاطعاتها إشارات مرور.

    وأثناء سيرنا رأينا إشارة حمراء فوقف »لا مارك« وسألته بخبث: لماذا تقف وليس فى المدينة كلها إلا سيارتك وأنا وأنت؟! وكانت الإشارة قد أصبحت خضراء فعبر صاحبنا مفترق الطرق، ثم قال لى: هل أنت جاد فى سؤالك؟ فقلت له وهو لا يرى وجهى فى الظلام وكنت أبتسم: نعم أنا جاد فى سؤالى، فما كان منه إلا أن اتجه إلى الرصيف وأوقف السيارة ونظر إلى باستغراب قائلاً: ماذا جرى لك، إنك لم تكن هكذا من قبل، إن القانون يقول لى قف فوقفت، هل تريدنى أن أخالف القانون؟ وكان منفعلاً بحق.

    ولم أجد بداً من أن أكشف له أننى سألته عابثا غير جاد.

    هذه صورة تلقائية من صور الإيمان بسيادة القانون فى أبسط صورها.

    وإذا كان هذا هو السلوك فى مواجهة إشارة المرور فكيف نتصور أن يكون السلوك فيما هو أخطر من ذلك من أمور؟

    كيف يكون السلوك إزاء أحكام القضاء مثلاً؟

    هل يتصور أحد أنه فى بلد فيه قانون وفيه سلطة قضائية أن تصدر المحاكم فيه أحكاماً وهذه الأحكام لا تجد طريقها السلس إلى التنفيذ؟ ويتصل بمبدأ الدولة القانونية أيضاً أنه لا أحد فيها «يملك» السلطة، وإنها- أى السلطة- تتمثل فى اختصاص معين وفقاً لقاعدة قانونية معينة.

    رئيس الجمهورية يملك الاختصاصات المحددة التى يعطيها له الدستور والقانون.

    مثلاً هو يملك أن يعين رئيس مجلس الوزراء، لأن ذلك فى اختصاصه الذى أعطاه له الدستور والقانون، ولكنه لا يملك أن يعين قاضياً جزئياً فى محكمة الصف، لأن القانون أعطى الاختصاص بتعيين القضاة لجهة أخرى غير رئيس الجمهورية.

    هكذا تتمثل السلطة فى اختصاصات معينة محددة، فإذا خرج صاحب الاختصاص عن اختصاصه، فإن تصرفه يقال له إنه تصرف غير مشروع أو غير شرعى أو غير نافذ، لأنه يخالف حكم القانون.

    هذا تبسيط شديد واختصار أشد عن القضية الأولى، قضية سيادة القانون.

    فماذا عن القضية الثانية: قضية إرادة الناس؟

    وإرادة الناس تعبر عن نفسها فى مجالات عديدة يجمع بينها ما نسميه «الرأى العام»، لكن الرأى العام يعبر عن نفسه بوسائل عديدة لعل أهمها فى الدولة الحديثة وأكثرها التصاقاً بموضوع السلطة هو الانتخابات التى تجرى بين الحين والحين لاختيار المجالس النيابية المختلفة التى تمارس سلطة التشريع وسلطة الرقابة على السلطة التنفيذية.

    ولا شبهة أن الانتخابات عندما تكون جدية وحرة هى من خير المقاييس التى تعرف بها اتجاهات الرأى العام، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الانتخابات الحرة تمثل قيداً خطيراً على ممارسة السلطة من حيث كونها تضع هؤلاء الممارسين للسلطة تحت مراقبة الرأى العام بصفة مستمرة وتجعلهم دائماً فى حالة انتظار الحكم من قبله، ولا شك أن الذى يمارس السلطة وفى تقديره أنه سيتقدم للرأى العام بين حين وحين طالباً سنده وتأييده يراعى فى ممارسته أن يسير وفقاً لما تمليه الإرادة العامة فى صورة القانون، ولا يستطيع أن يخرج عن الأطر القانونية الموضوعة، وإلا أثار الرأى العام وفقد سنده وتعذر عليه أن يواجهه وأن يكسب ثقته عندما يحين حين الانتخابات.

    ولسنا نقول إن الانتخابات كانت معياراً قاطع الصلاحية على الدوام، ولكن الذى نقوله ونؤكده أن الانتخابات هى أصلح المعايير، وما دامت الأمور نسبية غير مطلقة فليس هناك معيار آخر يفضل الانتخاب فى معرفة اتجاه الرأى العام.

    وبذلك يكون الانتخاب الجاد الحر وسيلة أساسية من وسائل تعبير الرأى العام عن نفسه ومن وسائله فى مراقبة الحكام وجعل ممارستهم للسلطة فى حدود القانون.

    فهل عندنا شىء مما يمكن أن يقال عنه انتخابات معبرة حقيقة عن إرادة الناس؟

    التجارب المرة التى عشنا فيها طوال السنين الماضية تقول إننا لم نعرف شيئاً اسمه الانتخابات الحرة التى تعبر تعبيراً حقيقياً عن إرادة الناس.

    إن إرادة الناس لا تعنينا وإنما الذى يعنينا هو ما تريده إرادة الحكام.

    أليس هذا هو ما حدث فى الانتخابات الأخيرة وما قبل الأخيرة وما قبل ذلك على امتداد عدة عقود؟

    وغياب هاتين القضيتين: سيادة القانون، وإظهار الإرادة العامة للناس على حقيقتها، يقول إننا أبعد ما نكون عن الدولة القانونية أو عن الدولة بمعناها الدستورى الحديث.

    متى سنصبح دولة؟

    هذا يتوقف على إرادة الناس ومقدرتهم على إحداث التغيير.

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 9:13 am