الثورة المصرية تبدأ الان .. والحصيلة مفتوحة على افاق واسعة من الضحايا
والخسائر ، هذا ما اتضحت معالمه الليلة بعد الخطاب العقيم للرئيس المصري
محمد حسني مبارك ، حيث لم يتزحزح قيد انمله عن تشبثه بالسلطة وعزمه على
البقاء حتى نهاية فترته ، وان فوض سليمان بالقيام بصلاحياته .. فأن خطاب
سليمان الذي تلاه زاد من درجة الحنق والغضب العارم والشعارات الملتهبة
والتحرك الفعلي نحو الخطوة التالية.
الشعب المصري امام ثورة حقيقية لا يجب ان يصغوا خلالها الى خطابات تتداول
هنا او هناك .. فكرامة وشرف شعب اكبر بكثير من عناد و تمسك شخص بالزعامة ..
لم يكن مستغربا ان يرفض ثوار مصر الاحرار التنازل الجديد من حسني مبارك
تفويضه صلاحياته الى نائبه عمر سليمان، في محاولة جديدة للالتفاف والتشبث
بالحكم.
فثورة الشعب المصري لا بد ان تنتصر وتطيح بالطغيان والفساد، لنرى ثورات
اخرى، لشعوب عربية اخرى، تستفيد من هذا النموذج المشرف، وتهتدي بهديه،
وتستفيد من تجربته، وتؤسس لتاريخ جديد من الحرية والعدالة والديمقراطية.
انتصر الشعب المصري بتعبيره الحضاري عن مطالبه، وصموده امام كل الضغوط،
ورفضه لكل الاغراءات، وتجنبه لكل الافخاخ التي نُصبت له لتفريغ ثورته من
مضمونها الوطني، وحرفها عن خطها، سواء من خلال وعود فارغة بالتعديلات
الدستورية، او بتغيير النظام لجلده، او حتى من خلال حوار ملغوم ومضلل لنظام
يترنح يبحث عن لحظة التقاط انفاس، وكسب بعض الوقت لاطالة عمره بضعة
اسابيع، او اشهر في السلطة.
اثبت الشعب المصري انه مصدر كل السلطات، بل هو فوق كل السلطات، وهو صاحب
الكلمة العليا في تقرير مصير بلاده، وتحديد هوية مستقبلها، والمسار الذي
ستسير عليه بعد اكتمال مرحلة التغيير.
لولا هذه الثورة الشعبية الطاهرة لما خرج الجيش المصري من ثكناته، ولما شق
عصا الطاعة على نظام غارق في الفساد وسرقة عرق الكادحين المحرومين، فصلابة
هذا الشعب وثواره الشبان هي التي حققت المعجزة، وقلبت كل المعادلات.
الذكاء الشديد في ادارة الازمة من قبل الشبان كان وراء هذا الفصل التاريخي
الاجمل والارقى في تاريخ مصر بل والامة العربية بأسرها، يسجل لهؤلاء الشبان
انهم هزموا قوى عظمى، واجهزة مخابرات احتكرت المعرفة، عندما فاجأوا الجميع
بقدرتهم على تطوير ثورتهم، وتصليب عودها، والانتقال بها من مرحلة الى اخرى
بمرونة غير معهودة. في البداية كان 'الفيس بوك' ومن ثم الانتقال الى ميدان
التحرير، ومن ثم العصيان المدني.