الساعات الأخيرة في قصر العروبة قبل أن تقلع منه طائرة الرئيس إلى منفاه
الاختياري في شرم الشيخ، مليئة بالأسرار والغموض، إلا أن صحيفة "الأخبار"
المصرية شبه الرسمية نشرت بعض التسريبات دون إشارة إلى مصدرها.
ولعل
الأهم في تلك التسريبات كشفها لثلاثة مسؤولين كبار في قمة هرم الدولة
ضغطوا على مبارك يوم الجمعة 11 فبراير/شباط للتنحي عن الحكم فورا بدون
إبطاء ورفضوا عرضاً بتأجيل ذلك إلى ما بعد أن يطمئن على وصول نجليه علاء
وجمال إلى شرم الشيخ، وكانا سيستقلان طائرة أخرى غير الطائرة التي أقلته مع
زوجته سوزان ثابت.
الاضطراب الهائل الذي تعرض له الرئيس السابق
طوال نحو ثمانية عشر يوماً منذ بدء الثورة في 25 يناير/كانون الثاني دفعه
ظهر يوم الجمعة 11 فبراير/شباط أن يقبل بسهولة ويسر التنحي عن الحكم لإنقاذ
البلاد، وهو الطلب الذي اتفق عليه ثلاثة مسؤولين بعد التشاور فيما
بينهم، هم المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وعمر
سليمان نائب الرئيس الذي فارق منصبه بعدها مباشرة، والفريق أحمد شفيق
رئيس الوزراء وقتها الذي ترك منصبه هو الآخر بعدها بأسابيع.
وقبل
مبارك بيان التنحي أو التخلي عن الحكم تليفونياً بعد أن استقر في شرم
الشيخ بدون أي مناقشة.. لم يطلب تعديل مجرد كلمة واحدة من كلماته التي
بلغ عددها ١٣ كلمة، واستغرق إلقاؤها من عمر سليمان أقل من دقيقة
واحدة "خمسون ثانية".
طلب مبارك تأجيل الإعلان عن هذا القرار بعض الوقت حتى يطمئن على ولديه علاء وجمال اللذين كانا يستعدان للاقلاع في طائرة ثانية.
وأصيبت
زوجة الرئيس مبارك السيدة سوزان ثابت بإغماءة مفاجئة في المطار، واحتاج
الأمر لبعض الوقت لإسعافها مما أدى لتأخر إقلاع طائرتهما.
وبعد
تشاور بين المشير طنطاوي والفريق شفيق واللواء عمر سليمان، عاد الأخير
للاتصال تليفونياً بالرئيس السابق لإبلاغه بأن سيف الوقت قاطع وتأخير
الإعلان عن قرار التخلي عن الحكم غير متاح، وأنه لا مناص من الإعلان
فوراً عن هذا القرار.
وهكذا تم التعجيل بإعلان قرار مبارك
تنحيه عن السلطة ساعة كاملة تقريباً، لتصدر الأوامر من قبل المشير إلى
اللواء إسماعيل عثمان مدير الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة بإذاعة بيان
التنحي الساعة السادسة مساء يوم الجمعة ١١ فبراير/شباط من التليفزيون.
وكان
البيان تم تسجيله ظهراً بصوت عمر سليمان بعد أن تبين صعوبة إرسال وفد
إذاعي فني لشرم الشيخ لتسجيله بصوت الرئيس السابق، وحمل اللواء إسماعيل
عثمان الشريط الذي يتضمن تسجيل إعلان تنحي مبارك أو تخليه عن الحكم إلي
مبني الإذاعة والتليفزيون في ماسبيرو، وإذاعته فور تلقيه تعليمات بذلك من
المشير شخصياً.
وهكذا سمع الجميع عمر سليمان وهو يقول "أيها
المواطنون.. في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، قرر الرئيس
محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلف المجلس الأعلى
للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، والله الموفق والمستعان" وبعدها صار
مبارك رئيسا سابقا، واختفى عمر سليمان تماماً عن المشهد السياسي،
وإن كان يذهب أحياناً إلى مقر عمله السابق ويجلس بعض الوقت في مكتب قديم
له، حيث صار للمخابرات العامة رئيس جديد.