وسط طوفان الاتهامات الموجهة لجمال مبارك .. يبقى اتهام ربما لم تتداوله
التحقيقات حتى الآن .. وهي مسئوليته المباشرة عن خراب بيوت آلاف المتعاملين
في البورصة في أزمة الثلاثاء الأسود 14 مارس 2006..
رغم أن الأزمة هي صورة لما كان يحدث في مصر فهي نموذج لتزاوج رأس المال مع
الحكم وفساد الصحافة .. ففي الأزمة التي استغلت فيها أحدى الصحف – كانت
للأسف هي صحيفة روزاليوسف – عمل الجميع في اتجاه واحد وهو خراب بيوت الآلاف
لصالح فرد واحد ..
مرة لزيادة رأسماله المودع بالشركة وأخرى لإثبات أن الرجل الذي انضم وقتها
وباعترافه لفريق العاملين في هيرمس قادر على فرض نمر جديد فهو ابن الرئيس
.. ولم يقف لأمر عند حد التلاعب بل أن العلاقة تعدت ذلك بكثير من خلال تدخل
الحكومة بكاملة لمساندة نجل الرئيس المخلوع واستثماراته في الشركة من خلال
عدد من الوزراء بل وأمتد الأمر إلى تحول الشركة لمتحكم رئيسي في عمليات
بيع القطاع العام وما شابها من فساد .
كان الفساد هو الحاكم في كل التفاصيل وكان كل شيء يعد ليمر مرور الكرام
وقتها لولا أن التفتت صحيفة لم تكمل عامها الأول في ذلك الوقت هي الدستور
لما يحدث وقررت فضخ التلاعب لتكشف واحدة من أكبر عمليات النصب والتلاعب
بحقوق صغار المستثمرين في البورصة لحساب شخص وشركته هو جمال مبارك وهو ما
نقلته وثائق ويكيليكس عن الدستور ..
أما الشركة فكانت شركة هيرمس والتي سارعت بمجرد سقوط الرئيس المخلوع لنفي
علاقتها بجمال مبارك .. ولتشير انه مجرد مستثمر عادي قي الشركة متناسية
اعترافه بنفسه وعلى صفحات روزاليوسف بأنه كان أحد العاملين بها … ومتناسية
أنها كانت طرفا في واحدة من أكبر عمليات التلاعب في البورصة المصرية و التي
دفع ثمنها آلاف المستثمرين الصغار بينما تحولت أموال المستثمرين المخدوعين
إلى أرباح صبت في جيوب كبار الشركة لتتحول بعدها إلى واحدة من أكبر
التجمعات الاقتصادية ..
الأخطر أن ذاكرة القائمين على الشركة تناست أيضا الفوائد الكبيرة التي عادت
عليها بانضمام نجل الرئيس لها والتي تمثلت في ماسورة تعاقدات حكومية مع
الشركة بمئات الملايين من الدولارات فضلا دخولها كطرف رئيسي في عمليات بيع
القطاع العام وعلى رأسها بيع الشركة المصرية للاتصالات بل و استحواذها
وباعترافها نفسها على 90 % من عمليات طرح القطاع العام بخلاف التعاقدات
التي منحها وزراء لجنة السياسات لها والتي بلغت في واحدة من التعاقدات أكثر
من 150 مليون دولار ..
تفاصيل أزمة الثلاثاء الأسود وعلاقة نجل الرئيس بهيرمس والتي يشارك فيها
مجموعة من كبار المستثمرين منهم نجل كاتب شهير هو أحمد هيكل تصلح وحدها
لتشكل بلاغا منفصلا عن علاقة السلطة بالبيزنس وعن تلاعب الكبار بصغار
المستثمرين و هي الحملة التي قالت عنها وثائق السفارة الأمريكية أنها كشفت
عن وجه آخر لجمال مبارك نجل الرئيس وأمين لجنة السياسات بالحزب الوطني
وقتها . وقالت الوثيقة التي أرسلتها السفارة الأمريكية لوزارة الخارجية في
واشنطن، أن حملة صحفية في جريدة ” الدستور” كشفت تفاصيل جديدة عن ارتباط
جمال مبارك بشركة هيرمس، وأشارت الوثيقة إن الحملة اضطرت نجل الرئيس للسعي
لتبرئة نفسه أمام الرأي العام، بعد أن كشفت الوجه الآخر لأعمال أمين
السياسات.
فما هي تفاصيل ما حدث يوم الثلاثاء الأسود .. وكيف خسر آلاف البسطاء
أموالهم بسبب لعبة هيرمس ليسقط عدد كبير منهم أمام البورصة حزنا على
أموالهم التي فقدوها لتكتمل دائرة خسارة بيوتهم بالموت وخراب الديار..
وكيف تحول دخول نجل الرئيس المخلوع كطرف في الشركة إلى كلمة السر التي فتحت لها مغارة على بابا مهما كان الثمن وعدد الضحايا ؟
التفاصيل ننقلها في التقرير التالي في صورة بلاغ للنائب العام للتحقيق فيه
يضاف إلى قائمة البلاغات حول بيزنس نجل الرئيس المخلوع و كيف تحولت دولة
للتخديم على فرد واحد وكيف شاركت الصحافة في لعبة الفساد أنه بلاغ ضد نجل
الرئيس والشركة التي كان طرفا فيها و المسئولين الذين شاركوا في التخديم
على لشركة وفي مقدمتهم أحمد نظيف رئيس الوزراء وقتها وكل من محمود محيى
الدين وزير الاستثمار وبطرس غالي وزير المالية السابقين..
وأيضا بلاغ ضد وسائل الإعلام التي شاركت في خداع الرأي العام وفي مقدمتها
القائمين على صحيفة روزاليوسف – وقتها والتي كانت طرفا رئيسيا في استدراج
البسطاء للفخ المنصوب لهم – وأيضا ضد برنامج لميس الحديدي على التليفزيون
المصري الذي استضاف نجل الرئيس المخلوع وقتها لاستكمال سلسلة الأكاذيب
وتبرير الجريمة فماذا حدث ؟
للجريمة شقان الأول هو زواج البيزنس بالسياسة وهو ما سنكشف تفاصيله لاحقا
.. والأول المتعلق بخراب بيوت الآلاف وبدأته روزاليوسف الصحيفة بحوار على
صفحتين مع نجل الرئيس المخلوع يوم 25 يناير 2006 كشف فيه وقتها عن عضويته
في مجلس إدارة شركة خاصة بإدارة صناديق الاستثمار المباشر، و هي شركة ”
المجموعة المالية هيرمس للاستثمار المباشر ” فيما بدا وكأنه إعلان للشركة
والتي كانت على وشك طرح 16 مليون سهم جديد للتداول في البورصة ..
وأتى الإعلان ثماره بعد نشر الحوار في صورة صعود غير مبرر في أسهم الشركة
ليتضاعف سعر السهم من 135 جنيها قبلها بشهرين إلى أكثر من 280 جنيها ويزيد
رأسمال الشركة التي لم يكن لديها أية أصول وقتها سوى مجموعة من المكاتب ..
من 11 مليار جنيه إلى 22 مليار جنيها بعدها تم طرح الأسهم الجديدة بأقل من
نصف الثمن لتبدأ دوامة هبوط لسعر السهم التي انتهت بسقوط البورصة المصرية
يوم الثلاثاء الأسود وخسارة آلاف المستثمرين الصغار تحويشة عمرهم بعد أن
اندفعوا وراء وهم حوار الوريث ولعبة روزاليوسف ودعاية النظام واستحواذ
الشركة على البورصة.
كان المشهد يوم الثلاثاء الأسود 14 مارس 2006 بالبورصة المصرية مفزعا ..
صغار المستثمرين يتساقطون بسبب الخسائر التي طالتهم لكن المشهد قبلها كان
كاشفا عن طريقة إدارة المسرح لصالح صعود شخص واحد وكاشفا عن حجم الفساد
الذي ضرب مصر.
كانت تصريحات الوريث – الذي كان يجري إعداد المسرح له وقتها – حول هيرمس
قد جاءت في إطار رده علي التساؤلات التي طرحت حول استثماراته وطبيعتها في
محاولة للإيحاء بكذب هذه التساؤلات لكن جمال مبارك وهو يرد علي هذه
التساؤلات أثناء إجراء الحوار لم يكن يدرك أن ردوده نفسها ربما تتحول بعد
أقل من شهر ونصف الشهر إلي دلائل جديدة تثير تساؤلات جديدة حول طبيعة
أعماله واستثماراته ..
ليس فقط بسبب العلاقات النافذة بين الشركة التي قال إنه يشرف بعضوية مجلس
إدارتها والحكومة المصرية والتي فتحت أمامها باب هائل من التعاملات مع
الحكومة من خلال ووزراء يرأسهم جمال مبارك بحكم منصبه في الحزب الوطني
وبحكم قربه للرئيس المخلوع وبحكم ما كان يحاول أن يكونه ، .. ولكن أيضاً
لأن هذه التصريحات جاءت بينما مؤشر البورصة يشير إلي تصاعد غير مبرر وغير
معروف الأسباب لسهم الشركة التي قال جمال مبارك أنه عضو بمجلس إدارتها .
وكان السؤال ما علاقة الحوار بالانهيار الحادث في البورصة المصرية والبيوت
التي لحق بها الخراب ، خاصة أن انهيار سهم هيرمس كان هو فاتحة الانهيار في
البورصة بشكل عام.
وقتها جاءت الإجابة على لسان أحد الذين خربت بيوتهم مشيرا أنه جمع تحويشة
عمره ومكافأة نهاية خدمته التي بلغت (300 ألف جنيه) وأتى للبورصة بعد أن
سمع التصريحات الحكومية حول انتعاشها ، وأنه اختار سهم شركة هيرمس بعد أن
شهد صعوده المستمر ، خاصة أن الشركة هي شركة نجل الرئيس ، التي يعمل بها
يعني ، وأنها هي التي تستحوذ علي أغلب عمليات وصفقات بيع شركات القطاع
العام في البورصة – وهو تصرف مخالف لكل القواعد والأعراف المعمول بها في
أسواق المال العالمية لم يكن يبرره إلا أنها شركة نجل الرئيس ..
وقال الرجل المخروب بيته إنه اشتري سهم هيرمس في ذروة صعوده وقبل أن يبدأ
انهياره المروع بأيام قلائل ـ وبعد حديث جمال مبارك بأيام قلائل أيضاً ـ
ودفع في السهم 280 جنيهاً ليخسر كل ثروته في أقل من شهر ونصف الشهر بعد أن
أنهار سعر السهم يوم الثلاثاء الأسود عندما قابلته إلي أقل من 33 جنيهاً .
وهكذا تحولت تحويشة العمر ومكافأة نهاية الخدمة بقدرة رجال هيرمس وكفاءة
طاقمها المتميز وبركات جمال مبارك من 300 ألف جنيه إلي أقل من 40 ألف جنيه
.
كان الرجل يواصل حكايته ، بينما تنساب الدموع من عينيه علي عمره الذي أفناه
وعلي مستقبل أبنائه الذي أصبح مجهولاً ليسقط بعد أقل من خمس دقائق من
حديثي معه مغشياً عليه ضمن عدد كبير من الذين سقطوا في هذا اليوم ندماً
وحسرة .. لم يكن الرجل وحيداً وإنما نموذجاً لآلاف المضارين على سهم
الشركة والتي كانت التصريحات الحكومية في محاولة لتبرير استئثارها بالعديد
من الصفقات الحكومية تقول : إنها قائد البورصة وكانت الأرقام تشير إلي أنها
تتحكم فيما يقرب من 25% من قيمة البورصة وقتها .
وكان السؤال الذي لابد من طرحه ما علاقة هيرمس بما حدث وهل يجوز أن تترك
شركة للتحكم في البورصة بهذه الطريقة ؟ و ما حقيقة ما حدث ويحدث في البورصة
المصرية؟ وما علاقة كل ذلك بجمال مبارك ؟
خاصة أن انهيار البورصة سبقه بيوم واحد انهيار غريب في سهم هيرمس ، حيث
كانت بداية التداول علي سهم هيرمس يوم الاثنين السابق مباشرة للانهيار أو
سعر الفتح 128 جنيهاً ونصف الجنيه لينخفض إلي أقل من 45 جنيهاً مع إغلاق
التداول في اليوم نفسه بانخفاض يصل إلي أكثر من 60% من قيمة أسهم الشركة ،
وهكذا انخفضت قيمة رأسمال الشركة القائدة للبورصة _ كما كانوا يطلقون عليها
ـ مما يقرب من 13 مليار جنيه إلي أكثر قليلاً من 4 مليارات جنيه بخسارة
تزيد علي 8 مليارات جنيه في أقل من يوم واحد تحملها صغار المستثمرين وحدهم
..
أما الكبار فهم في جميع الأحوال رابحون أو بالتعبير البلدي (طالع واكل
نازل واكل) وهذا في الظروف العادية فما بالك لو صحت الأقاويل حول تورطهم في
مضاربات وهمية ، وحول ذلك قال لي كل من دكتور جودة عبد الخالق وزير
التضامن الحالي وأستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية و خبيرة
البورصة عنايات النجار وقتها ”الكبير لا يخسر إلا إذا كان غبياً .. هو
عارف بيعمل إيه لكن الصغار يعملون بعقلية المقامر في ظل غياب الوعي
الاستثماري. والاعتماد علي نظرية قالوا لي ولذلك فهم أول من يدفعون الثمن”.
لم يكن غياب الوعي الاستثماري وحده سبباً كافياً لتبرير ما حدث ، وكان
السؤال أين دور إدارة البورصة والقائمين عليها مما يحدث ، ولماذا لم تسارع
إدارة البورصة بتنفيذ قواعد المضاربة و إيقاف التعامل علي سهم هيرمس رغم
انخفاضه بهذه النسبة الكبيرة يوم الاثنين السابق للهبوط الكبير بها، كما
فعلت في اليوم التالي مع أسهم الشركات التي هبطت بنسب تزيد علي 20% وهو جزء
أخر من البلاغ الذي نقدمه للنائب العام ، خاصة أن انهيار سهم هيرمس كان
مقدمة لانهيار البورصة وخاصة أن عدد من المستثمرين وقتها أشاروا أن
الانهيار الذي حدث كان محاولة للتغطية علي ما حدث في أسهم هيرمس .
ولا تقف مسئولية البورصة عما جرى وقتها عند موقفها يوم الثلاثاء الأسود
واليوم السابق له بل تمتد إلى قبلها بأشهر و أين كانت من الصعود غير المبرر
لسهم الشركة؟ ولماذا لم تسع للتحقق من الشائعات التي انتشرت عن وجود
مضاربات وهمية علي سعر السهم من خلال تتبع تحويلات البيع والشراء علي السهم
خاصة في العمليات الكبيرة؟ وإذا كانت تحققت فلماذا لم تعلن نتائج ذلك؟ أم
أن التواطؤ بلغ للحد الذي دفع قيادات البورصة وقتها لبيع صغار المستثمرين
لصالح نجل الرئيس وقتها ؟
ولعل نظرة سريعة علي مؤشرات صعود سهم هيرمس وحركة البيع والشراء عليه من
خلال بيانات البورصة المصرية والرسوم البيانية حوله خلال السنوات الثلاث
التي سبقت انهيار السهم تكشف حجم الجريمة ، فطبقاً لبيانات البورصة
المصرية فإن سعر سهم هيرمس قبل ثلاث سنوات من الانهيار وقبل أن ينضم إليها
جمال مبارك كعضو بمجلس إدارة إحدى شركاته التابعة بعام وبالتحديد يوم 20
فبراير 2003 وبعد مرور أربع سنوات علي قيدها في البورصة كان ثلاثة جنيهاًت
و77 قرشاً بتراجع 123 قرشاً عن سعر الاكتتاب عليه وهو خمسة جنيهات ، وبعد
عام كامل وبالتحديد في 19 فبراير 2004 تحرك سعر السهم إلي 8 جنيهات و12
قرشاً بزيادة ثلاثة جنيهات عن سعر الاكتتاب عليه قبلها بـ 5 سنوات ، وكان
ذلك تقريبا وقت انضمام جمال مبارك للشركة وبعدها بدأ السهم مرحلة الصعود
الهادئ ليصل إلي 17 جنيهاً و22 قرشاً في 21 فبراير 2005 ..
ومن الصعود الهادئ لمرحلة القفزات ليصل سعر السهم إلي 40 جنيهاً و53 قرشاً
في 21 أغسطس 2005 وبعد أقل من ثلاثة شهور ، تضاعف سعر السهم ليصل إلي 83
جنيهاً و62 قرشاً مع إغلاق يوم 21 نوفمبر 2005 ومع نهاية العام وصل سعر
السهم إلي ما يقرب من 135 جنيهاً بزيادة ثمانية أضعاف عن سعر الإغلاق عليه
في 21 فبراير 2005 ليرتفع رأسمال الشركة خلال عام 2005 فقط من ” مليار و337
مليون جنيه إلي أكثر من عشرة مليارات و935 مليون جنيه ” رغم أنها لا تمتلك
أصولاً وكل أعمالها تقوم علي المضاربة في البورصة ورغم ذلك لم يتوقف أحد
لتصحيح هذا الوضع المريب .. فهل كان لذلك علاقة بانضمام جمال مبارك لها
سؤال لابد من التحقيق حوله ؟.
المفارقة أنه خلال أقل من شهر من حوار جمال مبارك مع روزاليوسف تضاعف
رأسمال الشركة مرة أخرى ليصل إلي أكثر من 22 مليار جنيه ونصف بعد أن وصل
سعر السهم إلي 280 جنيهاً قبل أن يبدأ رحلة انهياره المروع والتي لم تستغرق
أيضاً سوى شهر آخر .. وهكذا فإن رأسمال الشركة خلال عام واحد زاد من مليار
جنيه و322 مليوناً إلي 22 ملياراً و500 مليون رغم عدم امتلاكها لأي أصول
وكله طبعاً ببركات جمال مبارك والسادة المسئولين عن البورصة والشركة
والحكومة .
ولأن الصعود كان غير مبرر فإن الانهيار كان محتماً وفي كل الحالات يجني
الكبار الأرباح وصغار المستثمرين يخسرون دماء قلوبهم .. لكن المثير أن هذا
الصعود الجنوني لأسهم الشركة لم يدفع أياً من المسئولين عن البورصة لمحاولة
التوقف أمامه رغم تردد العديد من الأقاويل عن عمليات تلاعب ومضاربات وهمية
تقودها مجموعة من كبار شركات المضاربة وكبار المستثمرين في البورصة من
خلال الدخول علي سعر إحدى الشركات بعمليات شراء وهمية يتم تسجيلها علي
الشاشة دون أن تحدث علي أرض الواقع ليندفع صغار المستثمرين الذين لم يعلمهم
أحد كيفية التعامل مع البورصة ، خلف هذه المضاربات بعد أن يروا سعر السهم
في زيادة مستمرة في محاولة لجني أكبر قدر من الأرباح دون أن يدركوا أنهم
سيقعون أسري عملية نصب كبرى . وهو ما حدث مع عدد كبير من الشركات ودارت
حوله الأقاويل في سهم مدينة الإنتاج الإعلامي وقت هبوطه الكبير.
المثير أن الوقائع تشير إلي أنه مثلما تم الإعداد للصعود غير المبرر لسهم
الشركة فإنه أيضاً تم الإعداد لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من الهبوط المروع
للسهم .. فبينما كان سهم الشركة يحقق أعلى تداول في البورصة المصرية وبينما
وصل أعلى سعر له إلي 285 جنيهاً فوجئ المتعاملون بالبورصة بقيام الشركة
بطرح 16 مليون سهم جديدة للاكتتاب لتمويل عملياتها للاستحواذ علي 20 % من
بنك “عودة” أحد أكبر البنوك اللبنانية رغم أن الشركة كانت قد استغلت دخولها
في هذه الصفقة لزيادة سعر سهمها
، وكانت المفاجأة الأكبر أن الشركة بدلاً من أن تطرح الأسهم بالسعر
المتداول في السوق والذي يزيد علي 270 جنيهاً طرحته بـ 115 جنيهاً معلنة أن
هذا هو السعر العادل للسهم وكأن الشركة كانت تقول للمتعاملين معها ضحكت
عليكم! خاصة أن كبار المؤسسين يحصلون علي السهم بسعر الاكتتاب الأول الذي
بدأوا استثماراتهم عليه، وهو في حالة الشركة 5 جنيهات أي أنهم سيربحون مهما
كان معدل الانخفاض
وهو ما طرح العديد من التساؤلات حول قانونية هذه القرارات وتأثيراتها
السلبية علي حركة التعامل سواء علي أسهم هيرمس أو غيرها من الأسهم ، خاصة
أن هيرمس كانت تدير نحو 30% من تعاملات البورصة لمصلحة العملاء طبقاً لما
ذكرته مؤشرات البورصة المنشورة في صحيفة الأهرام وقت الطرح .. كما أن
أسهمها كانت تتركز حولها 25% من المعاملات في البورصة كمتوسط عام خلال
الفترة السابقة للطرح.
المثير أن الشركة لم تتوقف لحظة واحدة لتحاول تصحيح ما فات وأيضا لم
تتوقف إدارة البورصة أو القائمين على الاقتصاد في مصر فمن كان يجرؤ على
الوقوف في وجه جمال مبارك بل أنها أعادت اللعبة خلال شهر من تاريخ الانهيار
من خلال طرح ما يقرب من 200 مليون سهم جديد لتشهد لبورصة أزمة جديدة في
مؤشر لاستمرار التعامل بنفس الطريقة لكن الأزمة لم تكن كسابقاتها خاصة أن
جانبا من المستثمرين كان قد أدرك اللعبة أما الشركة فتحولت لنمر اقتصادي
كبير .
ويبقى السؤال كيف ارتفع سهم هيرمس والذي لم يكن يتجاوز 8 جنيهات و12 قرشا –
بزيادة ثلاثة جنيهات عن سعر الاكتتاب عليه خلال خمس سنوات – إلى 285 جنيها
خلال العامين اللذين التحق فيهما نجل الرئيس بالشركة التابعة لها بزيادة
تقترب من 275 جنيها تمثل 55 ضعفا من سعر الاكتتاب عليها قبل أن يبدأ
سيناريو الهبوط والذي اجمع الكثيرون أنه كان أيضا كان معد سلفا؟
الإجابة على السؤال تأتي من أوراق الشركة والتي تكشف علاقتها ” الحميمة ”
بالحكومة ووزراءها وهو ما قمت بنشره في حينها لكن أحدا لم يتحرك للتحقيق بل
سارع جمال مبارك من خلال برنامج لميس الحديدي و روزاليوسف اليومية وقتها
بالهجوم على ما طرحته من حقائق بدلا من التحقيق فيها ؟ فماذا تقول الأوراق
تكشف أوراق هيرمس القابضة أن هيرمس للاستثمار المباشر التي كان نجل الرئيس
المخلوع عضوا بمجلس إداراتها وقعت مع الحكومة ممثلة في مركز تحديث الصناعة
وبرعاية وزيرين من لجنه السياسات وقتها هما محمود محيى الدين وزير
الاستثمار ويوسف بطرس غالى وزير المالية اتفاقا قيمته 150 مليون دولار هذا
بخلاف تفاصيل أكثر عمقا ونفاذا في بدن الوطن والمواطنين.
حيث كشف خطاب وجهته الشركة القابضة إلى إدارة الإفصاح ببورصتي القاهرة
والإسكندرية بتاريخ 6 مارس 2006 ليكشف أن العلاقة بين شركة نجل الرئيس
والحكومة كانت سمن على عسل وان الأمور بينهما كانت تدر على طريقة زيتنا في
دقيقنا … حيث كشف الخطاب الذي جاء ممهوراً بتوقيع الأستاذة نيرمين أمين
مسئول علاقات المستثمرين بالشركة وقتها حول إنجازات الشركة خلال 2005 عن
حجم لامتيازات التي حصلت عليها من الحكومة مشيره إلى أن (قسم الترويج
وتغطيه الاكتتاب بالشركة نفذ 80 % من عمليات السوق في مصر)
وأوضح الخطاب العمليات التي نفذتها الشركة مشيره إلى أن السبب في كل هذا
الاستحواذ على السوق يعود إلى نجاح المؤسسة – هيرمس – في استكمال العديد من
العمليات الكبرى خلال 2005 سواء في مجال الخصخصة أو عمليات الدمج والحيازة
أو توسيع قاعدة الملكية وهو اعتراف من الشركة نفسها بالامتيازات التي حصلت
عليها في عمليه الخصخصة ورغم ذلك فان هذا لم يمنع جمال مبارك وسدنته
وتابعيه وقتها من مهاجمة من يقولون إن الشركة حصلت على امتيازات خاصة في
بيع القطاع العام واتهامهم أنهم مغرضون .
ويكشف الخطاب في مواقع متعددة منه حجم الاستفادة التي عادت على الشركة من
خلال حصولها على هذه الامتيازات بفضل بركات قربها من الحكومة .. ففي جزء
آخر من الخطاب نجد مزيداً من الاعترافات ” وقد ساعدتنا حصتنا الكبيرة –
تقصد حصة هيرمس – في الطروحات العامة والإصدارات على تعزيز حق الامتياز
وتوسيع قاعدة عملياتنا وقد اتضح ذلك بصفة خاصة أثناء خصخصة الشركات المصرية
للاتصالات حيث فتحنا ألفى حساب جديد في ثلاثة أيام ” .. وطبقا للخطاب أيضا
فإن قيمه العملية التي حصلت عليها الشركة تبلغ 900 ألف دولار أمريكي ”
و يكشف الخطاب في موضع آخر حجم الفائدة التي عادت على الشركة من خلال
اختيارها لإتمام مثل هذه العمليات مشيراً إلى إن ” حساب مؤشر هيرمس المالي
ارتفع من 66 مليون جنيه خلال الربيع الأول من عام 2004- وهو الوقت الذي
انضم فيه جمال مبارك للشركة حسب تصريحاته – ليتجاوز حاجز المليار جنيه بعد
قيد الشركة المصرية للاتصالات في 14 ديسمبر 2005 ”
ولم تكن الشركة المصرية للاتصالات فقط بل أن الشركة فازت بالعديد من عمليات خصخصة وطرح أسهم القطاع العام للتداول في البورصة ..
ورغم اعتراف الشركة بحصتها الكبيرة فإن السيد جمال مبارك وتابعيه وقتها
شككوا في الأمر وارجعوا حصولها على بعض هذه العمليات إلى أنها استطاعت أن
تجمع عشرات من الكوادر الفنية ذات الكفاءة العالية من مختلف المؤسسات
المالية الدولية حتى بلغ حجم ما لديها من قدرات بشريه 420 فردا يشكلون
الجانب الأساسي من ثروتها .. فهل هؤلاء الـ420 فرد سبب كاف لزيادة رأس مال
الشركة في اقل من شهر هو شهر يناير الماضي من 12 مليار جنيه إلى 22 مليار
وقت الصعود المريب الذي شهدته أسهمها ؟ وإذا كانوا كذلك لماذا لم يستعن بهم
جمال مبارك في نجدة الاقتصاد المصري ؟
مجرد سؤال
ولا يقف ما كشفه خطاب الشركة من حقائق حول طبيعة العلاقة بينها وبين
الحكومة عند هذا الحد بل إن الخطاب كشف في إطار عرضه للانجازات التي حققها
مجلس إدارة الشركة ،عن شكل العلاقة المتشابكة بين هيرمس للاستثمار المباشر
التي يعمل جمال مبارك عضواً مجلس إدارتها والشركة القابضة –حيث أشار
الخطاب إلى أن مجموعه صناديق الاستثمار المباشر لشركه هيرمس القابضة نجحت
في إنشاء صندوق جديد بقيمه أجماليه تبلغ 155 مليون دولار وهو (حورس2)
لترتفع الأصول المدارة للشركة القابضة طبقاً للخطاب وإعلان ميزانيتها من
خلال صناديق الاستثمار المباشرة إلى 500 مليون دولار أمريكي ؟
ويظل السؤال ما علاقة ذلك بشركه جمال مبارك ونفوذها في الحكومة ؟..
بالعودة إلى موقع وزاره التجارة الخارجية والصناعة ونشرتها نصف الشهرية
الصادر في 31 يناير 2006 تظهر العلاقة بوضوح حيث يكشف الموقع أن صندوق
(حورس2) الذي يشير إليه الخطاب تم إنشاؤه بالتعاون بين مركز تحديث الصناعة
وشركة هيرمس للاستثمار المباشر التي أعلن جمال مبارك انه يعمل عضوا في مجلس
إدارتها والمفارقة إن الذي حضر التوقيع ممثلاً عن الشركة كان السيد ياسر
الملوانى رئيس مجلس إدارة الشركة الأم هيرمس القابضة والعضو المنتدب لها ،
أما الذي حضر من الجانب الحكومي فكان وزيرا المالية والاستثمار(العضوان في
لجنه السياسات) وعدد من رؤساء البنوك والمستثمرين .. و طبقاً للاتفاقية فقد
حصلت شركة جمال مبارك على امتيازات بقيمه 150 مليون دولار.
إنها وقائع كاملة تكشف كيف كانت مصر تدار على طريقة العزبة وهي وقائع بلاغ نتقدم به للنائب العام ضد كل من وردت أسماؤهم فيه.