10 سنوات، وبالتعاون مع المخابرات الباكستانية استطاعت اليوم وحدات خاصة
تابعة للقوات الأمريكية اغتيال أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة داخل
مخبأه في منطقة "أبت آباد" بباكستان.
اسمه أسامة بن محمد بن عوض بن لادن، وولد بالرياض في السعودية
لأب ثري كان يعمل في المقاولات وأعمال البناء ويتمتع بعلاقة قوية مع عائلة
آل سعود الحاكمة، ترتيبه الــ17 من أصل 52 أخًا وأختًا.
درس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة وتخرَّج ببكالوريوس في
الاقتصاد، وذكرت تقارير أنه نال شهادة في الهندسة المدنية عام 1979 ليتولى
إدارة أعمال شركة "بن لادن" العقارية وحمْل بعض من المسئولية عن أبيه في
إدارة الشّركة.
بدأت علاقة بن لادن مع أفغانستان منذ الأسابيع الأولى للغزو
الروسي لذلك البلد، فلقد صدمه خبر احتلال بلد مسلم، وتشريد أهله بهذه
الطريقة من الملحدين الشيوعيين، وأحب في وقتٍ مبكرٍ أن يطلع على الوضع
بنفسه فرتب رحلةً إلى باكستان.
وحرص بن لادن أن يبقى أمر تلك الرحلة في البداية طي الكتمان
لأنه لم يكن يعلم توجه الدولة، كما حرص أن يعطيها طابعًا استكشافيًّا قبل
أن يتخذ قرارًا بخصوص ذلك الموضوع، واستغرقت الرحلة شهرًا وأقتنع من خلالها
أن القضية تستحق أن تُعطى جل اهتمامه.
بعد عودته إلى المملكة واطمئنانه إلى إمكانية البوح بخبر الرحلة
بدأ يتحدث مع إخوانه وأقاربه وزملائه في الدراسة حول مشاهداته، وتمكن من
تنفيذ حملة علاقات عامة لصالح المجاهدين، وكانت نتيجة تلك الحملة كمية
هائلة من التبرعات المالية والعينية للمجاهدين.
وحمل تلك التبرعات وذهب في رحلةٍ أخرى إلى باكستان مصطحبًا معه
عددًا كبيرًا من الباكستانيين والأفغان الذين يعملون في مؤسسة بن لادن،
وبقي هناك لمدة شهر مرةً أخرى، ثم كرر هذه الرحلات حاملاً معه التبرعات،
ومصطحبًا عددًا من الناس من جنسيات مختلفة مكتفيًا بمناطق المعسكرات
والمخيمات دون الدخول على أفغانستان إلى عام 1982 الذي قرر فيها اجتياز
الحدود والدخول إلى أفغانستان والمشاركة في الجهاد، حيث شارك مع المجاهدين
الأفغان ضد الغزو الشيوعي، وكان له حضور كبير في معركة جلال آباد التي
أرغمت الروس على الانسحاب من أفغانستان.
أسس بن لادن ما أسماه هو ومعاونوه بـ"سجل القاعدة" عام 1988،
وهو عبارة عن قاعدة معلومات تشمل تفاصيل كاملة عن حركة المجاهدين العرب
قدومًا وذهابًا والتحاقًا بالجبهات؛ حيث أصبحت هذه السجلات مثل الإدارة
المستقلة، ومن هنا جاءت تسمية سجل القاعدة على أساس أن القاعدة تتضمن كل
التركيبة المؤلفة من بيت الأنصار- أول محطة استقبال مؤقت والتي أسسها
الشهيد المجاهد عبد الله عزام- للقادمين إلى الجهاد قبل توجههم للتدريب،
ومن ثم المساهمة في الجهاد ومعسكرات التدريب والجبهات.
واستمر استخدام كلمة القاعدة من قبل المجموعة التي استمر
ارتباطها بأسامة بن لادن، وهنا خرج الأمريكان بانطباع أنها اسم لتنظيم
إرهابي يهدف إلى الإطاحة بحكومات الدول الإسلامية الراديكالية واستبدالها
حكم الشريعة بها، وأن القاعدة تعادي الغرب وتعتبر الولايات المتحدة
الأمريكية- بصفة خاصة- العدو الأول للإسلام وعلى كل المسلمين أن يحملوا
السلاح ضدها.
بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان عاد بن لأدن إلى السعودية،
وعلم بعد فترة من وصوله أنه ممنوع من السفر، وظن أن السبب هو الانسحاب
الروسي وتفاهم القوى العظمى، ونشط في إلقاء المحاضرات العامة، ووجهت إليه
بعد ذلك تحذير بعدم ممارسة أي نشاط علني.
وبعدما ساءت الأحوال عقب الغزو العراقي ولعدم التزامه بالتقييد
المفروض عليه وبسبب تجميد نشاطه، غادر بن لادن السعودية عائدًا إلى
أفغانستان ثم إلى الخرطوم عام 1992م، حينها صدر أمر في نهاية العام نفسه
بتجميد أمواله، وتحولت قضية بن لادن إلى قضية ساخنة على جدول أعمال
المخابرات الأمريكية، فسحبت الحكومة السعودية جنسيته عام 1994م.
دفعت هذه التطورات أسامة لأن يأخذ أول مبادرة معلنة ضد الحكومة
السعودية حين أصدر بيانًا شخصيًّا يرد فيه على قرار سحب الجنسية، وقرر بعد
ذلك أن يتحرك علنًا بالتعاون مع آخرين.
حدثت عدة تحولات في فكر وحياة بن لادن؛ فمن حياة الترف التي
عاشها في ظل أسرة ميسورة الحال، إلى الجهاد في أفغانستان ضد الاحتلال
السوفيتي خلال فترة الثمانينيات من القرن الميلادي العشرين، ثم كان التعرف
إلى الدكتور عبد الله عزام والذي نسَّق معه في مساعدة المجاهدين الأفغان،
وهناك خلافات حول مدى هذا التعاون والتأثر، بل إن البعض يرى أن العلاقة كان
يحكمها في فترات كثيرة الخلاف حول بعض الرؤى والتحركات.
وساعد في ذلك الوضعُ العسكريُّ في أفغانستان، الذي جعل أيمن الظواهري ومجموعته يتشددون في أفكارهم.
وأدى تلاشي الدعم السعودي إلى خروج بن لادن إلى السودان في نفس
العام وتأسيس بن لادن لمركز عمليات جديد في السودان، ونجح بن لادن في تصدير
أفكاره إلى جنوب شرق آسيا، والولايات المتحدة، وأفريقيا، وأوروبا.
وخلال إقامته في السودان وقعت أحداث الصومال واليمن وانفجار
الرياض، وافتخر أسامة بالعمليات التي تمت ضد المصالح الأمريكية في هذه
الأماكن، لكنه لا ينسبها مباشرةً لنفسه وإنما يعتبرها من دائرته العامة،
مما دفع أمريكا لضرب عدد من المرافق التي يعتقد أنها تستخدم من قبل شبكة بن
لادن داخل السودان، وشملت هذه الأهداف ستة معسكرات تدريب تابعة للقاعدة
ومصنعًا للأدوية في السودان، والذي كانت الاستخبارات الأمريكية تشك في
إنتاجه مكونات أسلحة كيماوية، لكنها اعترفت بعد ذلك أن الهجوم على المصنع
حدث بناءً على معلومات مغلوطة.
وبعدها غادر بن لادن السودان في سنة 1996، متوجّهًا إلى
أفغانستان نتيجة علاقته القوية بجماعة طالبان التي كانت تسيّر أُمور
أفغانستان والمسيطرة على الوضع في أفغانستان.
والتحول الأكبر في فكر بن لادن كان مع التعرف على القيادي
الجهادي المصري د. أيمن الظواهري في 2008م، والذي كان يحمل مشروعًا فكريًّا
كان قائمًا في البداية على اعتبار الحكام الموجودين مغتصبين للسلطة
ومرتدين، وأن هناك إجماعًا على أن المرتد لا بدّ من الخروج عليه، وأطلق
الاثنان فتوى تدعو إلى "قتل الأمريكان وحلفائهم أينما كانوا وإلى إجلائهم
من المسجد الأقصى والمسجد الحرام".
وبدأت الأحداث تتتابع بشكل درامي من انفجار الخبر إلى استيلاء
طالبان على جلال آباد إلى محاولة خطفه هو شخصيًّا إلى بيان الجهاد ضد
الأمريكان، وتوالت الأحداث ونسبت إلى بن لادن وأعوانه أغلب حوادث التفجير
التي حدثت في العالم والتي فيها مساس بالمصالح الأمريكية، وأصبح بن لادن
العدو اللدود لأمريكا وفي كل مصيبة تحدث يوجه إليه إصبع الاتهام.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وجّهت الولايات المتحدة أصابع
الاتهام إلى بن لادن والقاعدة، خاصةً بعدما أثنى على منفذي العمليات، وفي
ديسمبر 2001م، تمكّنت القوات الأمريكية من الحصول على شريط فيديو يصوّر بن
لادن مع جمعٍ من مؤّيديه يتحدّث في الشريط عن دهشته من كميّة الخراب
والقتلى التي حلّت بالبرج، وأن الحصيلة لم تكن بالحسبان بل فاقت توقّعاته،
وتم استخدام هذا الشريط كأحد الأدلة العلنية على أن لابن لادن علمًا مسبقًا
بالحدث وتفاصيله، بينما تبقى بعض الأدلة غير معلن عنها لدواعي الأمن
القومي والحرب على الإرهاب.
زاد من هذه الأدلة تسجيل صوتي لابن لادن في 10 سبتمبر 2002 وهو
يمدح منفذي هجوم سبتمبر مما اعتبره الكثيرون دليلاً واضحًا على مسئوليته عن
التفجيرات باعتباره العقل المدبر والجهة الممولة.
وآخر مكان معلوم كان فيه بن لادن هو مدينة قندهار في أفغانستان
سنة 2001م، وطلبت الولايات المتحدة من طالبان تسليمه، ولكن الجماعة التي
كانت تحكم أفغانستان آنذاك طالبت الولايات المتحدة بأدلة على تورط أسامة بن
لادن في أحداث 11 سبتمبر 2001م، وعلى أثر ذلك قادت الولايات المتّحدة ودون
تفويض دولي الحرب على أفغانستان وأطاحت بحكومة طالبان، إلا أنها لم تستطع
القبض عليه.
وكان يُعتقد أن بن لادن قد مات ميتةً طبيعيّة لإصابته بالفشل
الكلوي الأمر الذي يستدعي عنايةً طبيةً فائقةً والتي تصعب على بن لادن في
وضعه الحالي. (كثير من التقارير تنفي إصابته بالفشل الكلوي كما في اللقاء
مع طبيبه الخاص)، ولكن من حين لآخر، تظهر أشرطة مرئية وصوتية له متحدثًا عن
قضايا الساعة مما قد يشير بأنه ما زال على قيد الحياة.
وفي 7 مايو 2004، ظهر شريط صوتي منسوب لأسامة بن لادن يحث فيه
على النيل من بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي السابق في العراق، ويرصد
"مكافأة ذهبية" لمن يتمكن من قتله.
اختفى زعيم تنظيم القاعدة عن الأنظار بعد الحرب على طالبان
والقاعدة في أفغانستان وظن البعض أن أسامة بن لادن كان مختبئًا في المنطقة
الجبلية لأفغانستان والمتاخمة للحدود الباكستانية، وفي شريط مرئي في 30
أكتوبر 2004، برر بن لادن ولأول مرة سبب إقدام القاعدة على توجيه ضربة
للمباني المدنية في الولايات المتحدة، فقد علل بن لادن الضربة بقوله:
"بعدما طفح الكيل بالمسلمين من إقدام إسرائيل على اجتياح لبنان سنة 1982،
وما تفعله من أعمال إرهابية ضد المدنيين الأبرياء في فلسطين، وما تشهده
الساحة الإسلامية من انتهاكات الصهيونية حيال الشعب الفلسطيني".
وفي 7 سبتمبر 2007 ظهر بن لادن في أول شريط فيديو له منذ نحو
ثلاثة أعوام لإحياء الذكرى السادسة لهجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة
قال فيه إن الولايات المتحدة عرضةً للخطر رغم قوتها الاقتصادية والعسكرية،
تبعه 29 نوفمبر 2007 شريط آخر يحث الدول الأوروبية على إنهاء تحالفها مع
القوات الأمريكية في أفغانستان.
وفي 19 مارس 2008، هدد بن لادن في تسجيل صوتي دول الاتحاد
الأوروبي بعقاب شديد بسبب الرسوم المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)،
تبعه تسجيل ثانٍ بعده بيوم واحد حث المسلمين على مواصلة الكفاح ضد القوات
الأمريكية في العراق بوصفه الطريق لتحرير فلسطين.
ودعا بن لادن في 16 مايو 2008 في تسجيل صوتي موجه للشعوب
الغربية لاستمرار الحرب ضد الكيان، وأن الصراع الصهيوني الفلسطيني لب معركة
المسلمين ضد الغرب، كما دعا إلى فك الحصار الذي تقوده إسرائيل على قطاع
غزة ومحاربة الحكومات العربية التي تتعامل مع الكيان.
كما دعا في 14 يناير 2009 في تسجيل صوتي للجهاد من جديد من أجل
غزة، مشيرًا إلى أن الأزمة المالية العالمية كشفت تراجع النفوذ الأمريكي في
الشئون العالمية وأن ذلك سيضعف بدوره الكيان.
وبعدها بشهرين اتهم بن لادن الزعماء العرب المعتدلين بالتآمر مع
الغرب ضد المسلمين، كما بث تسجيل صوتي في 3 يونيو 2009 قال فيه إن الرئيس
الأمريكي باراك أوباما زرع بذور الانتقام والكراهية تجاه الولايات المتحدة
في العالم الإسلامي، وحذَّر الشعب الأمريكي وطالبه بالاستعداد للعواقب،
وطالب العالم الإسلامي بالاستعداد لحرب طويلة ضد الكفرة وعملائهم، على حد
قوله.
كما حذر في 14 سبتمبر 2009 الشعب الأمريكي من علاقات حكومته
الوثيقة مع الكيان وقال إن الوقت حان ليحرر الشعب الأمريكي نفسه من قبضة
المحافظين الجدد واللوبي الصهيوني، وأضاف: "سبب خلافنا معكم هو دعمكم
لحلفائكم الصهاينة المحتلين لأرضنا فلسطين".
وتعهَّد في 24 يناير 2010م بمواصلة الهجمات على الولايات
المتحدة ما دامت واشنطن تواصل دعمها للاحتلال الصهيوني، وقال في شريط صوتي
مسجل: "ليس من الإنصاف أن يهنأ الأمريكيون بالعيش ما دام إخواننا في غزة في
أنكد عيش"، مؤكدًا أن "غاراتنا ستتواصل ما دام الدعم الأمريكي للصهاينة
متواصلاً".