بجاكيت أسود أنيق، لم ينس - كعادته - أن يضع به منديلا أبيض كتفصيلة
إضافية، متخليا عن رابطة العنق التي طالما فرضت عليه رسميا كوزير على مدار
23 عاما، استقبلني سعيدا «بلقبه الجديد» كـ«وزير ثقافة أسبق»، وسعيدا بأول
حوار يجرى معه منذ قيام الثورة في الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني)
الماضي، وعقب براءته من تهمة إهدار المال العام، بعد تحقيقات أجريت معه
بمكتب النائب العام المصري.
فاروق حسني حاليا أصبح أكثر ابتهاجا، يعترف بذلك في نشوة طفولية، حتى إنني
لم أشأ أن أسأله عن سبب ذلك حتى بادرني، موضحا كيف أن الثورة جاءت لتلبي له
مطلبا ظل يحلم به طويلا، حيث يقول مازحا- «الثورة حررتني.. فالوزارة
بالنسبة لي كانت الأسر وكرسي الوزارة كان الكلابشات المقيدة لي على مدار
سنوات طوال.. هو الكرسي الذي لم أطمح إليه أبدا، فجاءت الثورة لتفك قيدي
كما فكت قيد مصر». ويبرر اختفاءه عن المشهد العام منذ اندلاع الثورة بأنه
ليس خوفا أو هربا، لكنه «حالة من التأمل لمواطن مصري قبل أن يكون فنانا،
وحتى لا يقال عليه إنه يحاول أن يركب موجة الثورة!».
واعترف فاروق حسني بأنه ظل متوترا طيلة الفترة الماضية من حجم الهجوم
الكبير عليه والبلاغات المقدمة ضده، إلى أن حقق معه النائب العام، لكنه كان
مطمئنا بأنه لم يرتكب أي خطأ وأن القضاء سيبرؤه. ويصف إلى هذا المشهد
بقوله- «لا أنكر أنني أشفقت على ذاتي مع أولي خطواتي لمكتب التحقيقات».
وأشار حسني إلى أن بقاءه في الكرسي طوال 23 عاما لم يكن بدعم سوزان مبارك،
بل بأعماله وإنجازاته للثقافة المصرية، والدليل على ذلك إصرار سوزان على
الإطاحة به في تشكيل وزارة أحمد نظيف، ومبارك هو من أبقى عليه بشكل شخصي.
أما السبب، فهو «ملف التوريث».. وهنا نص الحوار:
* قبل كل شيء أنت فنان ومتمرد، لكنك اختفيت منذ اندلاع الثورة وحتى قبيل التحقيق معك لدى النائب العام، ما السبب؟
- لم أختف، بل كنت متابعا للموقف متابعة دقيقة جدا سواء كان ذلك كمواطن
مصري أو كفنان، لأن ما حدث كان مفاجأة عظيمة جدا وبه إعادة اكتشاف لشباب
مصر وقدراتهم على تغيير وجه التاريخ، ولقد سعدت تماما بهذه الثورة وتأكدت
أن الشباب قادر على صنع المعجزات، فالمشهد كله كان يحتاج إلى التأمل العميق
والفخر معا.
* إذن لم يكن خوفا من كونك محسوبا وبقوة على النظام السابق كوزير احتفظ
بمقعده على مدار 23 عاما متواصلة؟! - ليس لدى ما أخاف منه، فأنا أعتبر نفسي
فنانا حتى لو كان لي منصب سياسي، فأنا لم أنضم طوال فترة عملي كوزير
للثقافة إلى الحزب الوطني ورفضت مرارا وتكرارا تعيني في كل من مجلسي الشعب
والشورى، نعم أنا كنت واحدا من النظام السابق وبالتالي لم يكن من اللائق
أبدا أن أظهر فجأة على الساحة في هذا التوقيت وأقول أنا مع الثورة وأشتم في
نظام مبارك، فلن يصدقني أحد.
* إذن.. كيف استطعت أن تحل المعادلة بين مسؤول سابق تمردت الثورة عليه، وبين فنان ينشد الحداثة والتغيير؟
- الفنان إيقاع، والثورة كانت إيقاعا حقيقيا، ومما لا شك فيه أن كل الظروف
المحيطة عندما تحرك الإيقاع الداخلي في الفنان فإنه يجد نفسه أمام طوفان من
المشاعر والانفعالات، لهذا كان انفعالي بالثورة وشبابها من أكبر المتغيرات
التي حدثت في حياتي وأثرت فيّ فنيا، فقد جعلتني ابتهج لأول مرة منذ سنوات
طويلة.
* مع صعود التيارات الإسلامية السلفية، وخروج الجماعات الدينية على سطح
المشهد السياسي، كيف تقيم معركتك التي خضتها مع الحجاب يوما ما، قبل بضع
سنوات؟
- عندما قلت أنا ضد الحجاب، فأنا لست ضد الدين، بل ضد بعض مظاهر الدين،
وشتان ما بين الاثنين، ولا أخاف من «الإخوان» أو السلفيين لأن كل واحد حر
في عقيدته، ولكن عليهم أن يعلموا أن هناك ثوابت في الدين، لكن القشور لا
تعنيني، بل أنا ضدهم تماما إذا ما حاولوا فرض رؤاهم علينا، فالدين عملية
إيمانية كاملة وليس من حق أحد أن يفرض علي أن أشعر بإيماني على طريقته،
وحتما الدين المعتدل سينتصر والشعب سينتصر على هذه التخوفات.
* كيف تقيم هذه التوجهات في ظل مخاوف الأقباط؟
- عليهم أن يعرفوا أن الأقباط لهم الحق نفسه الذي للمسلم في الوطن، بل
دعيني أقل إن أساس المصريين أقباط، وهي الكلمة التي اشتقت منها «EGYPT»،
يعني أصل المصريين؛ إذن نحن قبط مسلمون، وقبط مسيحيون، لذلك، أنا ضد أن
يتحكم الدين في السياسة، فالسياسة شيء سيئ جدا والدين شيء قيم جدا،
وبالتالي لا يمكن أن نخلط الدين بالسياسة تحت أي اسم لأن السياسة تقلل من
شأن وقيمة الدين.
* ما أكثر شيء لفت نظرك في نتائج ثورة 25 يناير؟
- أنا سعيد أن مشروع التوريث فشل، وقد كنت معارضا له تماما منذ تداوله سرا
لأول مرة منذ سنوات، والرئيس مبارك كان يعلم رأيي في ذلك تماما، بل إن
مبارك نفسه كان رافضا لكي يكون ابنه جمال رئيسا وقد قالها لي صراحة: «أنا
مش عايز أودي ابني للتهلكة». ولكن للأسف اتجاه الريح كله كان أكبر من رغبته
الحقيقية ما بين ضغوط الأسرة والتوجه العام للحزب الوطني ونتائج
الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي لم يكن بها معارض واحد، والتي أصفها
حقيقة بـ«المأساة»، ولو كان جمال أمسك الحكم، كان سيكون أسوأ شيء حدث في
مصر في تاريخها الحديث.
* هل كنت تجاهر بهذا الرأي؟
- أعلنت صراحة من قبل لكل المحيطين بي، أن النظام السابق وصل إلى مرحلة أنه
كلما يمر على بقائه سنة، فإن مصر تتراجع للوراء عشرات السنوات، وذلك بعد
أن استشعرت أن هناك شيئا يجهز لعملية التوريث، وذلك تحديدا منذ عام 2005
ومأساة نتائج الانتخابات، وكنت أنتقد نفسي أنا شخصيا لبقائي كل هذه المدة
في الوزارة دون الإصرار على الاستقالة، على الرغم من أني تقدمت بها من قبل 3
مرات.
* لكن يقال إنك كنت تحظى بعناية خاصة من السيدة سوزان مبارك، وهي التي كانت
تصر على بقائك على مدار تعاقب 4 وزارات في مصر لمدة 23 عاما؟
- مما لا شك فيه أنها كانت مهتمة بالإنجازات الثقافية، خاصة مشروعها
«القراءة للجميع»، وعلى الرغم من أني لم أكن أتمنى أبدا أن أكون وزيرا
للثقافة لأول مرة في عهد وزارة عاطف صدقي لثقل المهمة التي ستلقى على
عاتقي، فإنني قبلتها، وأؤكد على أن المشروعات العملاقة وخيالي الواسع في
تنمية الثقافة في مصر هو ما كان يجعل مبارك يصر على استمراري، بداية من
مشروع الاهتمام بآثار مصر من أسوان إلى الإسكندرية، وإنشاء 42 متحفا جديدا،
و35 قصرا أثريا مرمما، ودار الكتب، و150 مكتبة، ومشروع أكبر متحف للحضارة
في العالم.. والرئيس السابق مبارك كان يتابع إنجازات وزارة الثقافة بشكل
شخصي. ثم إن علاقاتي بسوزان مبارك لم تكن على ما يرام في السنوات الأخيرة.
* وما سبب ذلك؟
- ملف التوريث؛ فلقد أعلنت صراحة أكثر من مرة أني ضد أن يورث الحكم لجمال
مبارك، وهي عرفت ذلك وقد كانت البوصلة الخاصة بها تتجه بقوة إلى هذا الأمر.
* كيف استقبل جمال شخصيا هذا الأمر منك في التعامل بينكما؟
- مقابلاتي مع جمال كانت شحيحة للغاية، وآخر لقاء جمعني به منذ سنة ماضية،
كان حول رغبته في أن يدخل الثقافة إلى الحزب الوطني، وقتها شعرت أن جمال له
توجه في أن يكون له صلاحيات وأنه «سيد قراره» في التعامل مع معطيات
الدولة، وأنه يحضر نفسه فعليا لقيادة الدولة.. ولقد وقفت ضد هذا الأمر إلى
أن أتت الثورة وأفشلت مشروع التوريث.
* وماذا عن صديقه الشخصي أحمد عز؟
- أحمد عز لم يكن يحبني لله في لله، وكان شكلي تقريبا «بيضايقه»، لهذا لم
نتآلف يوما ما، خاصة أني أعلنت دوما أنني «لست منتميا للحزب»، وأعتقد أن
هذا انعكس تماما على علاقة جمال بي، يضاف إلى ذلك، إعلاني صراحة رفضي
للتوريث.
* هل صحيح أنك كنت تصطحب سوزان مبارك إلى دور الأزياء الباريسية مرتين في
العام لاختيار الإطلالة الجديدة لها بما في ذلك «الإكسسوارات والأحذية
ونوعية العطر»؟
- (مستنكرا) لا، لا، لا.. ليس صحيحا بالمرة، فسوزان بطبيعتها شخصية نرجسية
لا تقبل النقد من أحد تماما، فكيف لي أن أوجه خياراتها الشخصية لغاية كتلك؟
فضلا عن أني لم أعمل «وزير ملاكي» لها طوال عمري في الوزارة، فأنا أعتز
بنفسي جدا، لكن للحق، كنت فقط أعترض على نوعية وأشكال اللوحات التشكيلية
التي كانوا يقتنونها في منزلهم «وأتريق عليها» وأقول لهم وحشة «أوي الصورة
دي».
* كيف تصف لحظات مثولك للتحقيق أمام النائب العام.. أيهما ينازعك أكثر في
تقبل الأمر نفسيا.. الفنان أم الوزير السابق أم إحساس المواطن المصري
العادي؟
- كنت مطمئنا لنتيجة التحريات، وبداخلي إيمان شديد بنزاهة القانونيين
وضميرهم العادل، ولكني أعترف صراحة بأني أشفقت على ذاتي وقلت «ياريتني كنت
مشيت من سنة ولا اتنين فاتوا».
* هل توقعت أن تنسب إليك تهمة التربح بشكل غير مشروع؟ وهل كنت تقدم إقرارات الذمة المالية بشكل رسمي؟
- كان أسلوب التشكيك في ذمتي المالية وكيل الاتهامات والتشهير بي فجا
للغاية، وكنت مشتتا بين كوني أريد أن أبتهج جدا بالثورة، وبين التوتر إثر
الكم الهائل من البلاغات الكيدية التي تشوه صورتي في المجتمع، لكن عندي
يقين ببراءتي لأني أعرف تماما أني لم أرتكب أخطاء ولم آخذ ما ليس لي، كنت
مطمئنا لنزاهة التحقيقات، ولقد قدمت إقرار الذمة المالية وافيا، بما في ذلك
بعض الأشياء التي لم تكن تعرفها هيئة الرقابة الإدارية، وأنا بصفة عامة
كنت أقدم إقراراتي بشكل رسمي كل 5 سنوات.
* كيف تواجه الاتهامات المنسوبة لك بالحصول على المخصصات المالية والمنح الأوروبية الخاصة بمشروع «القراءة للجميع»؟
- هذا الموضوع تم التشهير به بشكل شخصي، والدليل على ذلك أن اسمي ورد فيه
تحديدا على الرغم من أن المشروع كان يشترك فيه كل من: صفوت الشريف، ووزير
التربية والتعليم، ووزير التعليم العالي، ووزير التنمية المحلية، ووزير
الاقتصاد، ورئيس مجلس الشباب والرياضة، بالإضافة إلى رؤساء كل مجالس إدارات
الثقافة الجماهيرية ودار الكتاب ومقرره وزير الإعلام وهو المعني بالمخصصات
المالية، والمبلغ كله كان 18 مليون جنيه فقط لا غير، يتم صرفها على الكتب
التي سيتم طباعتها ثم تباع، وعائد بيعها إذا غطى هذا المبلغ «يبقى كويس»
وإذا لم تغط فيستكمل العام التالي، ولا يوجد في هذه القضية أي أحد له
توقيعات تخص هذه المبالغ، بل كان وجودنا استشاريا، واعتبر هذا من ضمن
البلاغات الكيدية ضدي.
* أكثر من 400 ملف يحتوى على بلاغات ضدك، لماذا كل هذا الكم من البلاغات الكيدية إن كنت تعتبرها كذلك؟
- لأني شخص غامض ومثير للجدل، من وجهة نظر الناس، ودائما ما أستبق المستقبل
وأحاول الوصول إلى ما لم يصل إليه أحد قبلي، وتحديدا «أنا مع نفسي» لا أحب
أن ينافسني أحد، أو أضع في بالي منافسة أحد، ولست كثير الظهور في المحافل
العامة، وأصدقائي مقربون في دائرة محدودة، لهذا لم يتمكنوا من أن يمسكوا
علي أي شيء يرضي فضولهم.
* هل ستلاحق قضائيا من قام بذلك؟
- جريدة واحدة فقط سألاحقها لأنها قدمت تقريرا فيه إساءة شخصية بالغة لي.
* بماذا ترد على من يدعي أنك أهديت لوحة «زهرة الخشخاش» إلى السيدة سوزان مبارك وأنها لم تسرق؟
- (يضحك).. وهل تعتقدين أني لو كنت أهديتها إلى سوزان فلن تظهر هذه اللوحة
مهما طال الزمن؟ «أكلتها مثلا». إنه للأسف تفكير سطحي وينم عن جهل شديد جدا
بماهية عمل الوزير، ويمكنني القول إنه عبط فكري وتفاهة ذهنية إلى أبعد
الحدود، فهل يعقل أن أدبر جريمة سرقة لكي أهدي لوحة والقضاء قال كلمته،
ولقد خصصت 28 مليون جنية لتأمين المتحف قبل السرقة، ولكن إهمال وتقاعس
شعلان هو الذي أدى إلى سرقتها.
* من الاتهامات الموجه لكم من بعض التشكيليين اقتناؤك كميات كبيرة من التحف النادرة والقطع الأثرية، فكيف ترد على هؤلاء؟
- أنا رجل أحب الجمال وأقتنيه، وهذا اللغز الذي لم يدركه هؤلاء، وبالنسبة
للقطع الأثرية، أتحدى أن يكون عندي قطعة أثرية واحدة، لكن المقتنيات
النادرة الجميلة، فهي حق لي أقتنيه عندما تعرض للبيع ومن «حر مالي»، وكلها
قيم جمالية لا يمكنني أن أعيش دونها.
* هل تتصل بأحد من وزراء الحكومة السابقة؟ أو أسرة الرئيس السابق؟
- لا، الظروف لا تسمح بهذا التواصل، وآخر مكالمة كانت بيني وبين الرئيس
السابق بعد الثورة مباشرة «يوم استقالة الحكومة»، كما تمت مكالمتان بيني
وبين يوسف بطرس غالي، وبيني وبين أحمد المغربي قبيل القبض عليه.
* كيف كانت حالة مبارك النفسية في هذه المكالمة؟
- كان مرتاحا وهادئا للغاية واستشعرت وقتها أن المحيطين به لم يوصلوا له
حقيقة ما يحدث في البلد، وأنه لا دراية له بما يحدث في الشارع.
* ما آخر كتاب أهديته لمبارك، وما نوع الثقافة التي كانت تستهويه هو وسوزان؟
- (ضاحكا) على الرغم من غرابة الأمر، فإنني بأمانة لم أهد في حياتي هدية
لمبارك، لكن آخر كتاب طلبه مني، كان كتاب «الشوقيات» لأمير الشعراء أحمد
شوقي، وكان مزاجه الثقافي عامة شرقيا، يحب أن يسمع أم كلثوم وعبد الوهاب
تحديدا والأغنيات الوطنية كثيرا. أما سوزان، فقد كان مزاجها يميل إلى الفن
الأوبرالي والسيمفونيات العالمية، كما كانت قارئة نهمة لكل ما يتعلق بكتب
الدراسات الاجتماعية وكتب الأطفال والترجمات الأدبية العالمية، وهذا ظهر
كثيرا في نوعية اختياراتها لعناوين مشروع «القراءة للجميع».
* كيف ترى اختيارات وزراء الثقافة بعد الثورة (جابر عصفور - محمد عبد المنعم الصاوي - عماد أبو غازي»؟
- لا ألوم على هؤلاء الأشخاص، فلا ذنب لهم، ولكني ألوم على من اختارهم.
فالاختيار لوزارة مهمة مثل وزارة الثقافة لا بد أن يخضع لتدقيق كبير، لكني
حقيقة مطمئن لاختيار عماد أبو غازي، فهو رجل ثقافة قديم وأثق فيه وفي
توجهه، فلقد عملت معه كثيرا.
* كم مرة فكرت في الاستقالة طوال مشوارك وزيرا للثقافة؟
- 3 مرات؛ الأولى أيام وزارة الجنزوري، والمرة الثانية أيام أزمة الحجاب،
أما الثالثة فبعد محرقة «بني سويف»، ولقد أردت وقتها أن أتحمل المسؤولية
الأدبية، وفي أزمة الحجاب تحديت مجلس الوزراء كله وقمت بنقل أشيائي من
المكتب فعلا، ولكن مبارك أرجعني مرة أخرى.
* ماذا عن كواليس أزمة الحجاب التي يمكن الكشف عنها اليوم لأول مرة؟
- «الطبخة» تمت في الحزب الوطني، ثم ذهبت إلى مجلس الشعب كما ذكر لي د.
فتحي سرور حينما كنت أعاتبه على ما حدث، وقال لي: أعمل إيه؟ أحمد عز أعطاني
قائمة بأسماء معينة هي من تتحدث في المجلس وكلها كانت تهاجمني. وحينما طلب
سرور من عز إعطاء فرصة لآخرين خلاف الأسماء التي في القائمة، رد عليه عز
في ورقة. وحينما طلب سرور، إنقاذا للموقف، من زكريا عزمي وكمال الشاذلي أن
يتحدثا، هاجماني هما الآخران، ومن ثم هاجمني بعدها سرور، فعرفت أنه توجه
سياسي موحد ضدي بقيادة عز.
* بعد خروجك من السلطة، ما القرار الذي تعترف أنك اتخذته وتندم عليه الآن؟
- ندمت أنني لم أصمم على الاستقالة بعد عدم حصولي على منصب مدير اليونيسكو،
وقد سعدت بعدم حصولي على المنصب لاحقا، لأني وجدت أن المنظمة تعمل بتمويل
كل من اليابان وألمانيا وأميركا، وطبعا إسرائيل سعيدة في الكواليس؛ هنا
أدركت أنه في ظل هذا التحدي والرفض، أكيد كانت المهمة ستكون مستحيلة.
* ما أكثر شيء افتقدته بعد خروجك من الوزارة؟
- لم أفتقد شيئا؛ فأول مرة لي في الوزارة قلت لنفسي: هذا الكرسي يحمل وسادة
هوائية «مش تيفال» غير صالحة «للزق»، وكنت كل يوم أتوقع أنه آخر يوم لي في
الوزارة.
* بعد قيام الثورة، هل ما زلت عند قرارك بالتبرع بكل ما تملك «بعد الوفاة»
للدولة، خاصة في ما أشيع حول عرضك قصر منيل شيحة للبيع بـ51 مليون جنية؟
- طبعا، لقد كتبت وصيتي وبها هذا الأمر، وقصر منيل شيحة وجدت أنه بعيد كمقر
للمتحف، فقررت بيعه وشراء هذا المقر «مكتبي حاليا» كبديل في منطقة
الزمالك، وهو ما سأسجله في الشهر العقاري لصالح الدولة وفقا لوصيتي التي
لدى المحامي الخاص بي.
* وماذا ستفعل في الفترة المقبلة ما بعد 23 عاما وزيرا للثقافة؟
- أعد لمعرض جديد حاليا يضم مجموعة من زخم انفعالاتي على مدار الفترة
الماضية، كما أنني اليوم أصبحت أكثر انفتاحا على أصدقائي والحياة
الاجتماعية بعيدا عن توجس الاقتراب مني لمجرد أني وزير.
* هل فكرت في الهجرة خارج مصر؟
- لو خرجت من مصر أموت، أنا باق فيها لآخر يوم في عمري.
اجري الحوار : منى مدكور