التي تستبعدهن ويفقدن بسببها الشعور بالآدمية وبالاحترام وبالكرامة؟ لا,
فالتمرد حق إنساني أصيل, ومن منا لم يقرأ أو يشاهد مسرحية بيت الدمية.وانفعل مع نورا وهي تغلق الباب بقوة وراءها لأنها قررت أن تخرج للعالم الواسع لتعيش حياتها كما تريد هي بحرية وإنسانية؟(1)
واحد
من أصول فتنة إمبابة الأخيرة التقاليد الاجتماعية البالية التي تتحكم في
المجتمع كله, وفي المرأة بصفة خاصة, والأدهي من كل هذا أن الكثيرين لا
يجرؤون علي الدعوة إلي تغييرها لتتحرر المرأة من قيود الاستعباد, ولتحيا
كإنسان كامل الحرية, لا تقل عن الرجل.تصور فقط أن قطاعات واسعة منا
لاتتقبل ببساطة فكرة حق المرأة في التمرد والثورة, بالرغم من أنها قد تكون
في مقتبل العمر ويرغمها أهلها علي الزواج من رجل لا تحبه, وقد يهينها أو
يضربها أو يسبها.
أليس من حقها أن تنفصل عن هذا الرجل؟ أليس من حقها أن تعيد التفكير والتخطيط لحياتها حتي تسترد كبرياءها؟ لماذا لا يحق لها هذا؟
السبب
الأساسي في هذا القهر والذل ليس الدين, بل التقاليد الاجتماعية المتحجرة
والمتخلفة, فإذا كانت تلك المرأة لسوء حظها من الصعيد, حيث التقاليد
والأعراف أقوي وأشد اندماجا في الدين, فإن التمرد يصبح صعبا للغاية لأن
الخصوم سيستخدمون الدين في اتهام كل من تتمرد بأنها تفعل حراما وبذلك تجد
المرأة نفسها في سجن حقيقي, تصور فقط أنك تجد نفسك تعيش في ظروف تصبح فيها
حياتك الخاصة ليست ملكك ؟ وتتدخل عناصر وقوي لا شأن لك بها في حياتك
اليومية, وتكبلك وتسجنك وراء قضبانها ليل نهار؟(2)
هذه القيود
الاجتماعية الضارية نجدها في المجتمعات الأكثر فقرا والأقل تطورا عنها في
غيرها الأعلي في مستويات الدخل, ولذلك لا نجد مشكلة بيت الدمية تنفجر في
المهندسين ومصر الجديدة مثلا بنفس الوتيرة والشكل العنيف والدامي الذي
تنفجر به في ساحل سليم وإمبابة.وليست مصادفة أن كل الفتيات اللاتي
نسمع عن تمردهن من بنات الصعيد, فلقد تلقين قدرا من التعليم وأصبحت لهن
أعمال ووظائف يؤدينها ويحققن دخلا اقتصاديا يشعرن معه بقدر من الاستقلالية,
وإذن فهن يبدأن في الاحساس بأن من حقهن أن يقررن شكل حياتهن كما يردن,
ابتداء من اختيار من الذي تتزوجنه. ولماذا لا يفعلن إذا كانت التليفزيونات
تقول إن ذلك من حقهن, ولكن الذي يحدث في الواقع يختلف عن هذا, فهناك قوي
اجتماعية عاتية تصطدم بهذا الحق, وهذه القوي هي الأسرة وسلطة الأب والأم
والاخوة الكبار والأعمام والاخوال.. إلخ, وأبناء القرية وشيوخها, هذا الضغط
الاجتماعي الفظيع يجعل الفتاة تشعر أن كل أحلامها في الحرية والحياة كما
تريد مجرد أوهام أمام هذه الضغوط التي لاتكتفي بالعناصر الاجتماعية بل
يندمج فيها الدين أيضا ويتردد فيها التهديد بالقتل, ولأجل هذا يحدث التوتر
ويحدث الانفجار, والأسوأ من كل هذا أن الإنسان يجد نفسه في موقف لا يحسد
عليه, إذ أن الجميع يعطون لأنفسهم حق التدخل في حياته الشخصية جدا ولا
يتركون له حرية التصرف ولا يستطيع هو في المعتاد أن يحارب كل هؤلاء ويتصدي
لهم.(3)
مازلنا نعيش في مجتمع متخلف بكل أسف, وحرية المرأة فيه
وحتي حرية الرجل تحيطها قيود شديدة, تصور أن مصر تمردت وتخلصت من علاقتها
مع حسني مبارك بعد30 سنة ومازالت أغلب بناتنا لا يستطعن التحرر من القيود
التي تكبل حريتهن وتمنعهن من الانطلاق ومن حق اختيار الحياة التي يردنها,
وأنه بسبب ثورات البنات تتداخل التقاليد مع الدين وتقع فتن يسقط فيها
القتلي والمصابون.من يصدق أنه لمجرد أن فتاة اختارت أن تغير مسار
حياتها وأن تعيد النظر فيها بشكل يجعلها تحيا بحرية وكرامة وإنسانية, فإن
هذا التمرد وتلك الثورة جعلت مصر تقف علي قدميها, وأصبحت هذه الحكاية هي
الشغل الشاغل للدولة؟ من يصدق أن هذه القضية الشخصية جدا تصبح لها هذه
الأبعاد في القرن الحادي والعشرين؟متي نترك الأمور الشخصية لتصبح
شخصية فعلا, لا يتدخل فيها أحد؟ فنحن بهذا نفسد علي الناس حياتهم الخاصة,
ويتشوه المجتمع لأن أبناءه لا يعيشون كما يريدون.. متي؟
بقلم: حازم عبدالرحمن
*نقلا عن صحيفة الاهرام