مدي امتداد عقد الإيجار لصالح الورثة:
محاولة لتفسير حكم الدستورية العليا
** أثار حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في3 نوفمبر2002 والخاص بمدي امتداد ايجار المسكن للابناء والاقارب نقاشا طويلا اشترك فيه بعض اصحاب الاعمدة الصحفية. وظهر شعور عام بالربكة من جهة وبالخوف من جهة أخري والواقع ان حكم الدستورية العليا لا يمكن فهمه الا علي ضوء قواعد تنازع القانون في الزمان التي اوردتها المحكمة. وخير طريق للتعرف علي اثر هذا الحكم المهم في تاريخ التشريعات الاستثنائية المنظمة لعقد ايجار الأماكن المعدة للسكني هو ان نعرض اولا للمشكلة التي كانت معروضة علي المحكمة وصدر بشأنها الحكم ثم نعرض بعد ذلك لكيفية إعمال هذا الحكم علي الحالات الاخري تطبيقا لمنطوق الحكم وحيثياته.
* أولا: المشكلة التي كانت معروضة أمام المحكمة: كما هو معروف لا يمكن الالتجاء مباشرة الي المحكمة الدستورية العليا للنظر في دستورية القوانين واللوائح وإنما لابد ان يكون هناك نزاع مطروح امام جهة قضائية أخري ويدفع أحد الخصوم بعدم دستورية نص يراد تطبيقه عليه فإذا وجدت المحكمة المعروض امامها النزاع ان الدفع جدي فإنها توقف الاجراءات امامها وتسمح لمن ابدي الدفع برفع دعوي دستورية امام المحكمة الدستورية في خلال ثلاثة اشهر ـ وهذا بالاضافة الي ان للمحكمة المنظور امامها النزاع ان تحيل ملف الدعوي من تلقاء نفسها الي المحكمة الدستورية العليا لتنظر في مدي دستورية النص الواجب تطبيقه وفي الحالة التي صدر بشأنها حكم الدستورية في3 نوفمبر2002 المنشور في الجريدة الرسمية العدد46 في2002/11/14 ـ كان الامر يتعلق بدعوي اخلاء رفعها ملاك شقة اجرت في سنة1957 علي ورثة احد الاشخاص الذي كان قد توفي في سنة1969 وكرد فعل لرفع دعوي الإخلاء اقام الورثة المقيمون بالشقة المؤجرة دعوي فرعية بإلزام الملاك بتحرير عقد ايجار استنادا الي المادة29 من القانون49 لسنة1977 التي تنص في صورتها الاخيرة بعد عدة احكام مهمة للمحكمة الدستورية العليا علي ان:
فقرة أولي: لا ينتهي عقد ايجار المسكن بوفاة المستأجر او تركه العين اذا بقي فيها زوجه واولاده أو اي من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتي الوفاة او الترك.
فقرة ثالثة: وفي جميع الاحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد ايجار لمن لهم الحق في الاستمرار في شغل العين ويلتزم هؤلاء الشاغلون بطريق التضامن بكافة احكام العقد
وبتطبيق هذين النصين رفضت محكمة شمال القاهرة الابتدائية التي كانت الدعوي قد رفعت امامها دعوي الاخلاء وألزمت الملاك المؤجرين بتحرير عقد ايجار لورثة المستأجر الاصلي عن شقة النزاع ـ مما دفع الملاك برفع استئناف دفعوا أثناء نظره بعدم دستورية نص المادة29 السابق ايراده وحين قدرت محكمة الاستئناف جدية الدفع صرحت للملاك بإقامة الدعوي الدستورية وهو ما قاموا به في27 يونيو1996 مدعين ان نص المادة29 بالصورة التي ذكرناها يخالف احكام الشريعة الاسلامية ويعد انتهاكا للدستور الذي يحمي الملكية الخاصة كما انه يخالف مبدأ التضامن الاجتماعي المنصوص عليه في الدستور.
هنا جاء دور المحكمة الدستورية حين رفعت الدعوي امامها, فكيف عالجت المحكمة الدستورية هذه المطاعن التي وجهت لنص الفقرة الاولي والفقرة الثالثة للمادة29 من القانون49 لسنة1977 ؟
القراءة المتعمقة لحكم المحكمة الدستورية العليا تسمح بالقول بأن المحكمة الدستورية العليا عرضت للموضوع من وجهتين: الاولي هي النظر الي كل فقرة من فقرات المادة29 وكأنها منفصلة عن الاخري. وتمثلت الوجهة الثانية في ان المحكمة نظرت في اثر التطبيق المتوازي والمتلاحق لكلتا الفقرتين في الوقت نفسه.
فمن وجهة النظر الاولي رأت المحكمة الدستورية العليا بأن الفقرة الأولي من المادة29 من القانون39 لسنة1947 لا يشوبها اي عيب دستوري بالتالي, تظل قائمة في صورتها وقت رفع الدعوي والتي تنص علي انه لا ينتهي عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقي فيها زوجه وأولاده أو أي من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتي الوفاة والترك, وأيضا وجدت المحكمة الدستورية العليا أنه إذا نظر إلي الفقرة الثالثة من المادة29 في ذاتها وبمفردها فإنه لا يعيبها أي عيب دستوري, حيث إن عبارات الفقرة لم تخرج عن حدود حكم الفقرة الأولي التي انتهت المحكمة إلي دستوريتها.
بعد ذلك مباشرة وبدون مقدمات توجهت المحكمة الدستورية وجهة أخري ونظرت إلي نص الفقرة الثالثة إذا أعمل مع نص الفقرة الأولي وقضت بأن النص يعتبر حينئذ غير دستوري لأنه كان يجب أن يتضمن عبارة مؤداها أن عقد الإيجار الذي يمتد لصالح الورثة يجب أن ينتهي بانتهاء إقامة آخر فرد من هؤلاء الورثة سواء بالوفاة أو الترك.
وبررت المحكمة الدستورية العليا هذه الفقرة المفاجئة إلي أن عقد الايجار بطبيعته عقد مؤقت وأن تطبيق الفقرة الثالثة دون الإشارة إلي إنتهاء العقد بوفاة أو ترك الشخص الذي امتد العقد لصالحه يؤدي إلي تأييد عقد الايجار وهو ما يخل بحق الملكية الذي يحميه الدستور. هذه الفقرة المفاجئة هي التي أربكت المفسرين وأفزغت الكثيرين وهو ما شعرت به المحكمة الدستورية العليا نفسها, مما حدا بها لتجنب حدوث خلخلة اجتماعية وهذا هو تعبير المحكمة الدستورية أن تستخدم إحدي الرخص المسموح لها باستخدامها فقصرت حكمها علي الوقائع اللاحقة لليوم الأول من تاريخ نشر الحكم في الجريدة الرسمية, وهو ما يتطلب منا تحديد نطاق إعمال الحكم بتطبيق قواعد تنازع القانون في الزمان.
* ثانيا: تطبيق حكم الدستورية في الزمان: مقتضي حكم الدستورية أنه سيطبق بأثر مباشر ولن يكون له أثر رجعي ويمكن تصور وجود حالات ثلاث يختلف الحل في كل منها بحسب وقوع كل حالة قبل أو بعد15 نوفمبر2002 إذ أن الحكم الذي صدر في4 نوفمبر2002 نشر بالجريدة الرسمية يوم14 نوفمبر2002 ويبدأ العمل به في اليوم التالي لتاريخ نشره أي15 نوفمبر2002.
الحالة الأولي: وجود أولاد وأزواج ووالدين توفي المستأجر عنهم في2002/11/15 واستطاعوا قضاء أو اتفاقا الحصول علي عقد جديد من المالك وتمكن تصور أن تضم هذه الفئة أيضا أولاد أولاد هؤلاء أي أحفاد المستأجر الأصلي.
الحالة الثانية: تشبه الأولي فيما عدا أن المقيمين مع المستأجر الأصلي لم يستطيعوا بعد وفاته الحصول علي عقد محرر من المالك ولكنهم مازالوا مقيمين بالعقار المؤجر دون عقد محرر.
الحالة الثالثة: هي أن المستأجر الأصلي يكون موجودا علي قيد الحياة في2002/11/15 ويقيم معه أولاده وزوجه ووالداه ويستمر هؤلاء في الإقامة بالعين بعد وفاته أو تركه العين بعد2002/11/15 ولو بعد يوم واحد.
ما هو الحل بالنسبة لكل حالة من هذه الحالات علي ضوء قواعد تطبيق القانون في الزمان كما حددتها المحكمة الدستورية العليا تبعا لقضائها بإعمال الحكم من اليوم التالي لنشره. القاعدة التي جاء بها الحكم تقضي بأن جميع العقود التي أبرمت قبل هذا التاريخ إعمالا لحكم الفقرة الثالثة من المادة29 من القانون49 لسنة1977 وتنزل منزلتها الوقائع التي ترتب عليها قيام التزام علي المؤجر بتحرير عقود إيجار, فتعد عقودا قائمة حكما ــ حيث كان يجب تحريرها ــ وتظل قائمة ومنتجة لكافة آثارها القانونية وفقا لنص الفقرة الثالثة من المادة29 المشار إليها.
ومعني ذلك أنه في الحالة الأولي التي يكون الأولاد والأزواج المقيمون في العقار قد نجحوا في الحصول علي عقد إيجار جديد فإنهم يستمرون في الإقامة ويستفيد أولادهم وأزواجهم ووالداهم وأولادهم وأزواجهم من امتداد العقد تماما كما لو لم يصدر حكم الدستورية العليا.
ونفس القاعدة بالنسبة للحالة الثانية التي لم يستطع المقيمون بعد وفاة المستأجر الأصلي تحرير عقد جديد قبل15 نوفمبر2002 أي قبل نفاذ حكم الدستورية إذ هنا أيضا يعتبر أنه يوجد عقد اعتباري وهو ما عبرت عنه المحكمة الدستورية بالعقد الحكمي ويستمر هؤلاء مستفيدين من امتداد العقد كما حددته المادة29 من القانون49 سنة1977 في صورتها قبل نفاذ حكم الدستورية في15 نوفمبر2002.
أما في الحالة الثالثة وهي التي ينطبق عليها الحكم بأثر فوري ومباشر وحتي في حالة وجود المستأجر حيا ومقيما بالعقار المؤجر في15 نوفمبر2002 سواء يظل المستأجر بعد15 نوفمبر2002 أو ترك العين بعد هذا التاريخ لأولاده وزوجته ووالديه الذين يقيمون معه في ذلك التاريخ فإن هؤلاء الأولاد والأزواج والوالدين يستمرون في الإقامة ولكنهم لايستطيعون توريث أولادهم وأزواجهم عقد الايجار.
كل ما لهم هو أن يظلوا هم أنفسهم مستفيدين من الامتداد القانوني لعقد الايجار حتي وفاتهم أجمعين أو تركهم جميعا للعقار. ولكن أولادهم أي أحفاد المستأجر الأصلي لن يستفيدوا من الامتداد القانوني لعقد الايجار. فإذا كنا بصدد ابن وبنت وزوجة وأم يقيمون بالعقار المؤجر وقت وفاة المستأجر الأصل الذي يحدث بعد15 نوفمبر2002 فكل هؤلاء لهم الحق في الاستمرار في الإقامة, ولكن من يتوفي منهم ويكون له أبناء أو أزواج فإن هؤلاء الأبناء والأزواج أي أبناء الأبناء لا يستفيدون من الامتداد القانوني لعقد الإيجار, ومعني ذلك أن الامتداد القانوني للعقد يقتصر علي من يظل حيا من الجيل الأول بعد وفاة المستأجر الأصلي ولا يستفيد منه أفراد الجيل الثاني, أي أولاد وأزواج الجيل الأول.
هذا هو تفسيرنا لحكم الدستورية الذي عرف بعدم توريث عقد إيجار الشقق, ولا شك أن الآراء قد تختلف حول عدالة أو ملاءمة الحلول التي جاء بها الحكم, ولكنها علي أي حال توجب تدخل المشرع بتشريع متكامل يتلاءم مع الظروف الاجتماعية والتطورات الهيكلية للمجتمع المصري ويتناسق مع القواعد المنظمة لتوريث عقد إيجار الأماكن غير المعدة للسكني التي جاءها القانون رقم6 لسنة1997.
محاولة لتفسير حكم الدستورية العليا
** أثار حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في3 نوفمبر2002 والخاص بمدي امتداد ايجار المسكن للابناء والاقارب نقاشا طويلا اشترك فيه بعض اصحاب الاعمدة الصحفية. وظهر شعور عام بالربكة من جهة وبالخوف من جهة أخري والواقع ان حكم الدستورية العليا لا يمكن فهمه الا علي ضوء قواعد تنازع القانون في الزمان التي اوردتها المحكمة. وخير طريق للتعرف علي اثر هذا الحكم المهم في تاريخ التشريعات الاستثنائية المنظمة لعقد ايجار الأماكن المعدة للسكني هو ان نعرض اولا للمشكلة التي كانت معروضة علي المحكمة وصدر بشأنها الحكم ثم نعرض بعد ذلك لكيفية إعمال هذا الحكم علي الحالات الاخري تطبيقا لمنطوق الحكم وحيثياته.
* أولا: المشكلة التي كانت معروضة أمام المحكمة: كما هو معروف لا يمكن الالتجاء مباشرة الي المحكمة الدستورية العليا للنظر في دستورية القوانين واللوائح وإنما لابد ان يكون هناك نزاع مطروح امام جهة قضائية أخري ويدفع أحد الخصوم بعدم دستورية نص يراد تطبيقه عليه فإذا وجدت المحكمة المعروض امامها النزاع ان الدفع جدي فإنها توقف الاجراءات امامها وتسمح لمن ابدي الدفع برفع دعوي دستورية امام المحكمة الدستورية في خلال ثلاثة اشهر ـ وهذا بالاضافة الي ان للمحكمة المنظور امامها النزاع ان تحيل ملف الدعوي من تلقاء نفسها الي المحكمة الدستورية العليا لتنظر في مدي دستورية النص الواجب تطبيقه وفي الحالة التي صدر بشأنها حكم الدستورية في3 نوفمبر2002 المنشور في الجريدة الرسمية العدد46 في2002/11/14 ـ كان الامر يتعلق بدعوي اخلاء رفعها ملاك شقة اجرت في سنة1957 علي ورثة احد الاشخاص الذي كان قد توفي في سنة1969 وكرد فعل لرفع دعوي الإخلاء اقام الورثة المقيمون بالشقة المؤجرة دعوي فرعية بإلزام الملاك بتحرير عقد ايجار استنادا الي المادة29 من القانون49 لسنة1977 التي تنص في صورتها الاخيرة بعد عدة احكام مهمة للمحكمة الدستورية العليا علي ان:
فقرة أولي: لا ينتهي عقد ايجار المسكن بوفاة المستأجر او تركه العين اذا بقي فيها زوجه واولاده أو اي من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتي الوفاة او الترك.
فقرة ثالثة: وفي جميع الاحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد ايجار لمن لهم الحق في الاستمرار في شغل العين ويلتزم هؤلاء الشاغلون بطريق التضامن بكافة احكام العقد
وبتطبيق هذين النصين رفضت محكمة شمال القاهرة الابتدائية التي كانت الدعوي قد رفعت امامها دعوي الاخلاء وألزمت الملاك المؤجرين بتحرير عقد ايجار لورثة المستأجر الاصلي عن شقة النزاع ـ مما دفع الملاك برفع استئناف دفعوا أثناء نظره بعدم دستورية نص المادة29 السابق ايراده وحين قدرت محكمة الاستئناف جدية الدفع صرحت للملاك بإقامة الدعوي الدستورية وهو ما قاموا به في27 يونيو1996 مدعين ان نص المادة29 بالصورة التي ذكرناها يخالف احكام الشريعة الاسلامية ويعد انتهاكا للدستور الذي يحمي الملكية الخاصة كما انه يخالف مبدأ التضامن الاجتماعي المنصوص عليه في الدستور.
هنا جاء دور المحكمة الدستورية حين رفعت الدعوي امامها, فكيف عالجت المحكمة الدستورية هذه المطاعن التي وجهت لنص الفقرة الاولي والفقرة الثالثة للمادة29 من القانون49 لسنة1977 ؟
القراءة المتعمقة لحكم المحكمة الدستورية العليا تسمح بالقول بأن المحكمة الدستورية العليا عرضت للموضوع من وجهتين: الاولي هي النظر الي كل فقرة من فقرات المادة29 وكأنها منفصلة عن الاخري. وتمثلت الوجهة الثانية في ان المحكمة نظرت في اثر التطبيق المتوازي والمتلاحق لكلتا الفقرتين في الوقت نفسه.
فمن وجهة النظر الاولي رأت المحكمة الدستورية العليا بأن الفقرة الأولي من المادة29 من القانون39 لسنة1947 لا يشوبها اي عيب دستوري بالتالي, تظل قائمة في صورتها وقت رفع الدعوي والتي تنص علي انه لا ينتهي عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقي فيها زوجه وأولاده أو أي من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتي الوفاة والترك, وأيضا وجدت المحكمة الدستورية العليا أنه إذا نظر إلي الفقرة الثالثة من المادة29 في ذاتها وبمفردها فإنه لا يعيبها أي عيب دستوري, حيث إن عبارات الفقرة لم تخرج عن حدود حكم الفقرة الأولي التي انتهت المحكمة إلي دستوريتها.
بعد ذلك مباشرة وبدون مقدمات توجهت المحكمة الدستورية وجهة أخري ونظرت إلي نص الفقرة الثالثة إذا أعمل مع نص الفقرة الأولي وقضت بأن النص يعتبر حينئذ غير دستوري لأنه كان يجب أن يتضمن عبارة مؤداها أن عقد الإيجار الذي يمتد لصالح الورثة يجب أن ينتهي بانتهاء إقامة آخر فرد من هؤلاء الورثة سواء بالوفاة أو الترك.
وبررت المحكمة الدستورية العليا هذه الفقرة المفاجئة إلي أن عقد الايجار بطبيعته عقد مؤقت وأن تطبيق الفقرة الثالثة دون الإشارة إلي إنتهاء العقد بوفاة أو ترك الشخص الذي امتد العقد لصالحه يؤدي إلي تأييد عقد الايجار وهو ما يخل بحق الملكية الذي يحميه الدستور. هذه الفقرة المفاجئة هي التي أربكت المفسرين وأفزغت الكثيرين وهو ما شعرت به المحكمة الدستورية العليا نفسها, مما حدا بها لتجنب حدوث خلخلة اجتماعية وهذا هو تعبير المحكمة الدستورية أن تستخدم إحدي الرخص المسموح لها باستخدامها فقصرت حكمها علي الوقائع اللاحقة لليوم الأول من تاريخ نشر الحكم في الجريدة الرسمية, وهو ما يتطلب منا تحديد نطاق إعمال الحكم بتطبيق قواعد تنازع القانون في الزمان.
* ثانيا: تطبيق حكم الدستورية في الزمان: مقتضي حكم الدستورية أنه سيطبق بأثر مباشر ولن يكون له أثر رجعي ويمكن تصور وجود حالات ثلاث يختلف الحل في كل منها بحسب وقوع كل حالة قبل أو بعد15 نوفمبر2002 إذ أن الحكم الذي صدر في4 نوفمبر2002 نشر بالجريدة الرسمية يوم14 نوفمبر2002 ويبدأ العمل به في اليوم التالي لتاريخ نشره أي15 نوفمبر2002.
الحالة الأولي: وجود أولاد وأزواج ووالدين توفي المستأجر عنهم في2002/11/15 واستطاعوا قضاء أو اتفاقا الحصول علي عقد جديد من المالك وتمكن تصور أن تضم هذه الفئة أيضا أولاد أولاد هؤلاء أي أحفاد المستأجر الأصلي.
الحالة الثانية: تشبه الأولي فيما عدا أن المقيمين مع المستأجر الأصلي لم يستطيعوا بعد وفاته الحصول علي عقد محرر من المالك ولكنهم مازالوا مقيمين بالعقار المؤجر دون عقد محرر.
الحالة الثالثة: هي أن المستأجر الأصلي يكون موجودا علي قيد الحياة في2002/11/15 ويقيم معه أولاده وزوجه ووالداه ويستمر هؤلاء في الإقامة بالعين بعد وفاته أو تركه العين بعد2002/11/15 ولو بعد يوم واحد.
ما هو الحل بالنسبة لكل حالة من هذه الحالات علي ضوء قواعد تطبيق القانون في الزمان كما حددتها المحكمة الدستورية العليا تبعا لقضائها بإعمال الحكم من اليوم التالي لنشره. القاعدة التي جاء بها الحكم تقضي بأن جميع العقود التي أبرمت قبل هذا التاريخ إعمالا لحكم الفقرة الثالثة من المادة29 من القانون49 لسنة1977 وتنزل منزلتها الوقائع التي ترتب عليها قيام التزام علي المؤجر بتحرير عقود إيجار, فتعد عقودا قائمة حكما ــ حيث كان يجب تحريرها ــ وتظل قائمة ومنتجة لكافة آثارها القانونية وفقا لنص الفقرة الثالثة من المادة29 المشار إليها.
ومعني ذلك أنه في الحالة الأولي التي يكون الأولاد والأزواج المقيمون في العقار قد نجحوا في الحصول علي عقد إيجار جديد فإنهم يستمرون في الإقامة ويستفيد أولادهم وأزواجهم ووالداهم وأولادهم وأزواجهم من امتداد العقد تماما كما لو لم يصدر حكم الدستورية العليا.
ونفس القاعدة بالنسبة للحالة الثانية التي لم يستطع المقيمون بعد وفاة المستأجر الأصلي تحرير عقد جديد قبل15 نوفمبر2002 أي قبل نفاذ حكم الدستورية إذ هنا أيضا يعتبر أنه يوجد عقد اعتباري وهو ما عبرت عنه المحكمة الدستورية بالعقد الحكمي ويستمر هؤلاء مستفيدين من امتداد العقد كما حددته المادة29 من القانون49 سنة1977 في صورتها قبل نفاذ حكم الدستورية في15 نوفمبر2002.
أما في الحالة الثالثة وهي التي ينطبق عليها الحكم بأثر فوري ومباشر وحتي في حالة وجود المستأجر حيا ومقيما بالعقار المؤجر في15 نوفمبر2002 سواء يظل المستأجر بعد15 نوفمبر2002 أو ترك العين بعد هذا التاريخ لأولاده وزوجته ووالديه الذين يقيمون معه في ذلك التاريخ فإن هؤلاء الأولاد والأزواج والوالدين يستمرون في الإقامة ولكنهم لايستطيعون توريث أولادهم وأزواجهم عقد الايجار.
كل ما لهم هو أن يظلوا هم أنفسهم مستفيدين من الامتداد القانوني لعقد الايجار حتي وفاتهم أجمعين أو تركهم جميعا للعقار. ولكن أولادهم أي أحفاد المستأجر الأصلي لن يستفيدوا من الامتداد القانوني لعقد الايجار. فإذا كنا بصدد ابن وبنت وزوجة وأم يقيمون بالعقار المؤجر وقت وفاة المستأجر الأصل الذي يحدث بعد15 نوفمبر2002 فكل هؤلاء لهم الحق في الاستمرار في الإقامة, ولكن من يتوفي منهم ويكون له أبناء أو أزواج فإن هؤلاء الأبناء والأزواج أي أبناء الأبناء لا يستفيدون من الامتداد القانوني لعقد الإيجار, ومعني ذلك أن الامتداد القانوني للعقد يقتصر علي من يظل حيا من الجيل الأول بعد وفاة المستأجر الأصلي ولا يستفيد منه أفراد الجيل الثاني, أي أولاد وأزواج الجيل الأول.
هذا هو تفسيرنا لحكم الدستورية الذي عرف بعدم توريث عقد إيجار الشقق, ولا شك أن الآراء قد تختلف حول عدالة أو ملاءمة الحلول التي جاء بها الحكم, ولكنها علي أي حال توجب تدخل المشرع بتشريع متكامل يتلاءم مع الظروف الاجتماعية والتطورات الهيكلية للمجتمع المصري ويتناسق مع القواعد المنظمة لتوريث عقد إيجار الأماكن غير المعدة للسكني التي جاءها القانون رقم6 لسنة1997.
عدل سابقا من قبل محمد راضى مسعود في الخميس مايو 20, 2010 1:48 am عدل 1 مرات