العاطفة وحدها لا تكفي لتجاوز المرحلة الراهنة بكل تعقيداتها وألغازها وأطالب بنوع من التريث وإلتقاط الأنفاس والدراسة المتأنية للمشهد المرتبك محذرًا من خطورة التحرش بالنصوص التي ربما لا تنطبق على الواقع الجديد ومؤكدًا أن الواقع هو الجزء غير المرئي من النص الأصلى.
الخطأ الأكبر الذي يقع فيه الإسلاميون هو الفصل التام بين النص والواقع الذي أنشأه كما يعيب على التيار العلماني الوقوع في الخطأ ذاته من خلال محاولة إستعارة النموذج العلماني دون الإلتفات إلى شرطه وسياقة التاريخى.
أن سبب الأزمة الراهنة ليست في العلمانية ولا في الإسلام ولكن في التشوه المعرفي والمنهجي لدى العقل العربي الذي عجز عن ممارسة دوره الإبداعي فلجأ إلى إستعارة القوالب الجاهزة.
و أتوقع حدوث إشتباكات أكثر حدة بين العلمانيين والإسلاميين في المرحلة القادمة و الحل في إتاحة الفرصة للجميع دون ممارسة دور الوصايا من كلا الفريقين على خيار الأمة والبقاء للأصلح.
وأري حلا اخر وهو إنشاء محاكم شرعية خاصة بالإسلاميين فقط من خلال آلية مقترحة للجوء إليها كتجربة جزئية تتيح للإسلاميين تقديم نموذجهم للمجتمع وتكون الكلمة للمجتمع في نهاية الأمر أما قبوله أو رفضه كما يقترح إنشاء وزارة للزكاة يشرف عليها لجنة من كبار الدعاة وتكون تابعة للجهاز المركزي للمحاسبات وتكون إختيارية وبذلك يتم تفويت الفرصة على مثيري الضجيج من الفريقين العلماني والإسلامي.
وأري انها محاولة لفض الإشتباك بين القوالب الجاهزة محاولة لتتصافح كل الأيدي بلا إستثناء لتشارك في بناء مصر وتقديم نموذج للدولة يبهر العالم كما بهرته الثورة .
إن الخلاف المحتد الآن بين فريقين استقطابين أحدهما يزعم علمانية مصر وهي ليست كذلك والآخر يجزم بإسلاميتها وهو قول عاطفي فيه صواب وخطأ كلا الفريقين يعاني من قراءة وجدانية للواقع وهذا يطرح علامة استفهام على مخزون الوعي السياسي لدى الفريقين ومدى قدرتهما على استيعاب ملامح وخصائص اللحظة الراهنة.
مصر لا شرقية ولا غربية فهي لا يحدها مذهب ولا تحتويها طائفة مصر علم على ذاتها يستدل بها ولا يستدل عليها. لكن الذين كانوا يختبئون تحت الملاءات الدافئة والذين كانوا يحتسون قهوة ولي الأمر خرجوا جميعًا كالعناكب السوداء والعناكب البيضاء لالتهام النتائج وهم قد عارضوا الأسباب! وكلهم أصر على أن ترتدي مصر ثياب غيرها وهم لا يعلمون أنها لا تلبس إلا من عمل يديها.