الثورة" للكاتب جون برادلي الذي تنبأ بالثورة المصرية قبل حدوثها، وقامت
الجامعة الأمريكية في القاهرة بسحب 15 نسخة من الكتاب، بعد صدور قرار حظره،
حرص كثيرون علي قراءته بعد الثورة لمقارنة ما جاء فيه وما حدث في بداية
هذا العام.
ومدح كثير من النقاد الغربيين العمل قبل أن يصل إلي
مصر، حيث أشاد روبرت بير، وهو عميل سابق للمخابرات المركزية بمدح الكتاب
وقال عنه :"مصر هي قطعة الدومينو التالية في الوقوع. وكما يجري القول، فانه
حيث تذهب مصر سيذهب باقي الشرق الأوسط".
كما يتصدر الكتاب عبارات
قليلة للمؤلف المصري علاء الأسواني صاحب رواية عمارة يعقوبيان بالانجليزية
يقول فيها إن جون برادلي هو كاتب يبحث عن الحقيقة في بلاد عربية يحكمها
ديكتاتوريون.
أغلب معلومات الكتاب جاءت من لقاءات للكاتب في مقهي
"الندوة الثقافية" بالقرب من مبني الجامعة الأمريكية في القاهرة يتجمع فيه
المثقفون والليبراليون والمفكرون المصريون. أما الأحزاب المعارضة المصرية
فقد وصفها برادلي بانها "متواطئة" مع النظام الحاكم في"تخبطه بلا هدف".
في
الفصل الأول قال برادلي: إن نظام مبارك ليس له الخصائص التي أبقت السوفييت
أو الحزب الاشتراكي الصيني في الحكم، حيث اعتمد مبدأ التخويف والترهيب
للحفاظ علي بقائه، وأبدي اعجابه بتحمل المصريين، مشيراً إلي أن الشعب
المصري يتأثر بعوامل كثيرة.
وقارن برادلي بين ثورة يوليو 1952 وبين
وضع مصر في هذا التوقيت ووصفه بأنه تدنٍ للقيم والأفكار وتدهور للوضع
السياسي. وأشار إلي ان عواقب ثورة يوليو لاتزال تحل بالبلاد التي تتعرض
حاليا لأسوأ موجة اضطرابات منذ 1952 وتشهد ظروفاً مماثلة لتلك التي تسببت
في الثورة.
وعن وحشية الشرطة وتعاملها غير الآدمي الذي تعاملت به
في بداية الثورة، كتب برادلي أن جمال عبدالناصر أول من وضع النظام البوليسي
للدولة وقانون الطوارئ الذي استمر طيلة حكم مبارك.واستشهد برادلي بتقرير
لمنظمة العفو الدولية صدر عام 2007 وقدر أن عدد المحبوسين بدون محاكمة في
مصر يبلغ 18 الف شخص.كما حذر برادلي في كتابه من استمرار معاملة أفراد
الشرطة السيئة للشعب قائلا أن "الشعب المصري لا يقبل الاهانة ولو طال
الزمن".
وفي الفصل الثاني من الكتاب تناول برادلي جماعة الاخوان
المسلمين ووصفها بأنها اقوي التيارات المعارضة وجودا في مصر، وسرد تاريخ
الجماعة قبل وبعد 1952 وصدامهم مع عبدالناصر.
ووفقا لبرادلي،
ابتداء من عام 1984، بدأ الإخوان بتقديم مرشحين لانتخابات مجالس النقابات
المهنية في مصر، وسعوا إلي الحصول علي مقاعد في البرلمان.
وعلي
الرغم من أن الإخوان دخلوا النظام السياسي من أجل تغييره، فقد انتهي بهم
المطاف- كما يقول برادلي- وقد غيرهم النظام نفسه. وانخرط الزعماء الذين
انتخبوا للنقابات المهنية في حوار وتعاون مستمرين مع أعضاء الحركات
السياسية الأخري، بمن في ذلك القوميون العرب والعلمانيون. ومن خلال هذه
التفاعلات، وجد الإسلاميون والقوميون العرب أرضية مشتركة في الدعوة إلي
توسيع الحريات العامة، وتعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة
القانون، وهي كلها أمور اعترفوا بأن تحركاتهم السابقة كانت قد أهملتها
بالكامل.
بحلول أوائل التسعينيات، أصبح الكثيرون من داخل حركة
الإخوان المسلمين يطالبون بإجراء إصلاحات داخلية.وأشار برادلي إلي ان البعض
منهم دعا إلي مراجعة أيديولوجية الجماعة وتنقيحها، بما في ذلك مواقفها
تجاه قضايا التعددية الحزبية وحقوق المرأة. وانتقد آخرون احتكار الحرس
القديم للسلطة داخل مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين، وطالبوا بمزيد
من الشفافية والمساءلة.
وفي عام 1996 وبعد ضيقهم وإحباطهم
المتزايدين من قيادة الحرس القديم المتصلبة، انشق بعض الأعضاء البارزين في
الجناح "الإصلاحي" عن جماعة الإخوان، وسعوا إلي الحصول علي ترخيص حكومي
لتشكيل حزب سياسي جديد، "حزب الوسط". وقد ساعد قادة الوسط، إلي جانب عدد من
الإصلاحيين الذين ظلوا في صفوفها، في إطلاق الحركة من أجل التغيير العابرة
للأحزاب، المعروفة بشعارها، "كفاية" بين عامي 2004 و2005 .
وخصص
برادلي الفصل الثالث للصوفيين والمسيحيين، وكأنه كان يتوقع احتمالية حدوث
فتنة طائفية.قال في كتابه إن تنوع الايديولوجيات يسمح بوجود تغيير وخلق
أفكار جديدة، كما أن مبارك اعتبر الاختلاف شكلاً من أشكال الضعف بدلا من
استغلاله كمصدر قوة.
وقال إنه اذا حدثت ثورة سوف يخشي كثير من المصريين صعود التيارات الدينية المتشددة وسيطرتها علي المشهد السياسي والديني.
وفي
الفصل الرابع، شرح برادلي بشكل مفصل تاريخ البدو وكيف أثرت علي طباعهم
ظروف الحياة القاسية التي يعيشونها، فهم دائما الطبقة المهمشة.كما تعرض
برادلي إلي ازمتهم الأخيرة مع النظام والتي قاموا علي إثرها بقطع الشوارع
في العريش وتحطيم أثاث مقر الحزب الوطني واحراق اطارات السيارات في الشوارع
ورمي الحجارة واطلاق نار البنادق في الهواء وكسر واجهات المتاجر حتي
استخدمت معهم الشرطة في نهاية المطاف الغاز المسيل للدموع ــ نفس الأسلوب
الذي تم التعامل به في ثورة 25 يناير ــ وكانت النتيجة في النهاية نجاح
وسائل الاعلام في اشعال الفتن بين القبائل البدوية حتي انشغلوا عن القضية
الأصلية.
وكتب برادلي انه بدلا من ان تتعامل الحكومة المصرية بذكاء
معهم، تعاملت بقسوة أكبر واعتقلت الكثيرين وظل بداخل البدو احتقان كبير من
نظام مبارك.وبدلا من أن يطور مبارك البدو مثلما رأوا في شرم الشيخ
والمنتجعات والفنادق الفخمة، ظلت تلك الفئة تعاني من العزلة والجهل
والبطالة.
كما أشار إلي أن مصر خسرت كثيرا خاصة في مجال الثروة
الحيوانية بسبب اهمال أراضي الرعي في سيناء والتي كان يمكن ان يستغلها
مبارك لارضاء البدو بإعطائهم الارض مجانا مقابل الزراعة والرعي. ومع ذلك،
حدث عكس ذلك، حيث قام مبارك باعطاء الاراضي للعرب والأجانب.
وجمع
برادلي في الفصول التالية للكتاب؛ الخامس والسادس والسابع، الأسباب التي
أدت إلي الثورة التي حدثت في مطلع هذا العام.السبب الأول والأساسي كان
استخدام النظام السابق للتعذيب والذي كان يتم بشكل منهجي بأقسام الشرطة
وشبه الكاتب هذه المعتقلات المصرية بمعتقلات ألمانيا النازية التي كانت
تعرف باسم "سيبن هافت".
وتعرض برادلي إلي قضية التعذيب بالوكالة
وعمليات الاستجواب التي تقوم بها الأجهزة الأمنية المصرية لصالح الولايات
المتحدة، فيما يسمي بنظام التسليم الاستثنائي.
ومن الأسباب الأخري
التي ادرجها برادلي في كتابه الذي تنبأ بالثورة، الفساد الذي كان منتشراً
بطريقة "بشعة". فيقول برادلي إن أي مصلحة لأي مواطن في مصر لا تقضي إلا
بتقديم الرشاوي.كما وصف برادلي الفساد بالمرض السرطاني المتفشي في كل
النواحي الادارية للدولة.
وكانت "الكرامة المفقودة" من الأسباب
التي تحدث عنها برادلي وقال عنها إنها سوف تكون الشرارة الأولي للثورة
المصرية. أوضح برادلي أن مسألة الكرامة للمصريين اصبحت شيئاً مجرداً في ظل
نظام مبارك، ووصف معاناة المصريين في الخارج لكونهم مصريين وكيف لا تهتم
بهم السفارات. ويقول برادلي أنه حتي داخل مصر، كانت الكرامة مفقودة،ففي أي
وقت يمكن لأي ضابط شرطة القاء القبض علي أي شاب بموجب قانون الطوارئ.
وفي
الفصل الأخير والذي يعتبر أهم فصول الكتاب، وصف برادلي مرحلة مابعد مبارك
بأنه ستكون مرحلة غامضة، فعلي الرغم من عدم رغبة كثير من المصريين في
بقائه، إلا أنهم خائفون من المستقبل.