إ- شروط الدفاع عن الأشخاص (الفصل 39 م ج):
٤ 1- شروط الخطر:
٥ الشرط الأول: أن يكون الخطر حتميا:
٦ الشرط الثاني: أن يكون الخطر غير مشروع:
٧ الشرط الثالث: أن يهدد الخطر حياة المدافع أو أحد أقاربه:
٨ 2- شروط فعل الدفاع:
٩ الشرط الأول: أن يكون فعل الدفاع ضروريا:
١٠ الشرط الثاني: أن يكون فعل الدفاع متناسبا:
١١ الفقرة الثانية: آثار الدفاع الشرعي:
١٢ أ- الآثار على الصعيد الجزائي:
١٣ ب- الآثار على الصعيد المدني:
الدفاع الشرعي
يعرف الدفاع الشرعي بأنه:"استعمال القوة اللازمة لمواجهة خطر اعتداء غير مشروع"، أو هو حق الإنسان في حماية نفسه أو ماله :و نفس الغير أو ماله ، من كل اعتداء حال غير مشروع بالقوة اللازمة لدفع هذا الاعتداء. والدفاع الشرعي موجوداً في أغلب القوانين والتشريعات القديمة والحديثة، لكنه يختلف فيها من حيث تكييفه وشروطه وحدوده، وقد نظم المشرع الدفاع الشرعي في الفصلين 39 و 40 م ج كسبب يضفي على فعل يوصف عادة بكونه جريمة صفة المشروعية و يخرجه من دائرة التجريم ليعيده إلى أصل الإباحة.
ولقد اختلف الفقه في أساس تبرير حالة الدفاع الشرعي.
يقول جان جاك روسو في " العقد الاجتماعي " إنَّ الإنسان عندما ارتضَى العيش في مجتمع منظَّم، تنازلَ عن جزءٍ من حقوقه وحريتِه بالقدر الذي يضمنُ حسن انتظام هذا العقد الاجتماعي وتنفيذَه وفقاً لمتطلِّبات السعادة الإنسانية. فالأساس إذاً هو تمتُّع الإنسان بحريَّته، والقاعدة هي ممارستِه لكافة حقوقه.
أما تقييد حريَّته وتحريم ممارستِه لبعض حقوقه، فهو استثناءٌ وضِع فقط للحفاظ على حقوق الآخرين، ولتأمين مصلحة المجتمع. والقانون فرضَ على المواطن موجبات، طلبَ منه التقيُّد بها وإنفاذَها نظراً لارتباطِها بتنظيم الحياة الاجتماعية. إلاَّ أنه أعطى في نفسِ الوقت - وكما جاء - للفرد الحق بممارسة حقوقه.
والحق المقصود هو الذي يحميه القانون ويوجِب تشريعَه لعدم تنافيهِ مع المبادئ الأخلاقية والاجتماعية والقانونية. ومن بين هذه الحقوق التي كرَّسها المشرِّع وجعلَ ممارستَها بمنأى عن التجريم حق الدفاع المشروع عن النفس والمُلك، لردِّ اعتداء غير مُحقّ أو مُثار عليهما.
لهذا يميل معظم الفقهاء إلى أن الأساس القانوني الذي بُني عليه حقُ الفرد بالدفاع المشروع عن نفسِه أو ملكِه، نابِع من حقِّه في المحافظة على كيانِه الإنساني والاجتماعي وحمايتِه.فإذا أحسَّ بخطر يهددُ حياتَه أو حياةَ غيرِه من الأفراد ومالَه أو مالَهم. وإذا أحسَّ بِه أيضاً يهدد المجتمع ككُل دون أن يكون هناك سلطة تقفُ بوجهِه، ودون استطاعته الاستعانة بسلطة لدرء هذا الخطر.فإن من حق هذا الفرد أن يمارسَ الدفاع المشروع بنفسِه وبالوسيلة التي يستطيعُها، بالطبع حمايةً لنفسِه وغيرِه ومجتمعه.
ولقد توسَّع الفقهُ بحيث اعتبرَ أن حق الدفاع المشروع ليس فقط حقاً، بل يتعدَّاه ليصبحَ أحياناً، واجباً.
"… وهو بالتالي واجب عليه وعلى الدولة، وقد مارسَ الإنسان هذا الواجب في الماضي بنفسِه عندما لم تكُن هناك دولة. أمَّا وقد ::قامت الدولة وأخذت على عاتقِها واجب حمايته، فإنَّ انفرادها في ممارسة هذا الحق يبقى قائماً ما دامت قادرة عليه. فإذا تعرَّضَ الفرد لظرف لم يكُن بإمكان الدولة التدخُّل فيه لحمايتِه، عادَ حق ممارسة الحماية إليه. فكما أنَّ الفرد فوَّض إلى الدولة حمايتَه، كذلك الدولة بإقرارِها حق الدفاع المشروع، تكون قد فوَّضت ضمناً للفرد حماية نفسه عندما لا تستطيع هي القيام بهذا الواجب. ::لذلك نرى أن الأساس القانوني للدفاع المشروع يكمنُ في التفويض الضمني الحاصل من الدولة إلى الفرد في حمايةِ نفسِه وملكه ونفس وملك الغير ورد الاعتداء عنهما عندما يتعذَّر على السلطة العامة القيام بهذا الواجب، بالنظر إلى الظرف الذي وقعَ فيه الاعتداء والوضع الذي وجِد فيه المعتدى عليه، فحال دون تمكنه من الاستعانة بالسلطة العامة. "
" وخلاصة القول: إن المجتمع وإن أخذ على عاتقِه حماية الإنسان في نفسه وماله، إلا أنه سمحَ له بتأمين هذه الحماية بنفسِه عند حصول الاعتداء عليه، إذا تعذَّر دفعُه بواسطة السلطة العامة، فيحُل محلها في ممارسة هذا الواجب الإنساني والاجتماعي. إنه تفويض من المجتمع للفرد لممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس والملك، ليس فقط بالنسبة إليه ولكن بالنسبة للكافة، لأن حمايتهم واجب اجتماعي عام إن لم يتمكن المجتمع من تأمينِه بوسائلِه، قام به الأفراد أنفسهم وبتفويض منه، فالأعمال التي تقوم بها السلطة في سبيل السلامة العامة مُباحة، وبالتالي لا تفقدُ هذه الأعمال صفتها هذه متى مارسها الأفراد بتفويض ضمني من السلطة عندما لم تكُن قادرة على القيام بها. وهذا ما يجعلُ الدفاع المشروع عن النفس والملك مباحاً ويحميه القانون. "
و بالرجوع الى الفصلين 39 و40 م ج يلاحظ أن الأول يهم الدفاع عن الأشخاص فيما يتعلق الثاني بالدفاع عن الأموال، ورغم الاختلاف في الشروط المطلوبة لتوفر حالة الدفاع في الحالتين فإن الآثار المترتبة عنهما واحدة.
الفقرة الأولى:شروط الدفاع الشرعي:
تنقسم هذه الشروط إلى شروط الدفاع عن الأشخاص، وشروط الدفاع عن الأموال.
أ- شروط الدفاع عن الأشخاص (الفصل 39 م ج):
وهي شروط تتعلق بفعل المهاجم و بردة فعل المدافع، أي شروط الخطر و شروط الدفاع.
1- شروط الخطر:
جاء في الفصل 39 م ج مايلي:" لا جريمة على من دفع صائلا عرض حياته أو حياة أحد أقاربه لخطر حتمي ولم تمكنه النجاة منه بوجه آخر. والأقارب هم :أولا : الأصول والفروع. ثانيا : الإخوة والأخوات. ثالثا : الزوج والزوجة. أما إذا كان الشخص المعرض للخطر من غير هؤلاء الأقارب فللقاضي الاجتهاد في تقدير درجة المسؤولية ".
و من خلال هاته الأحكام استنتج الفقه ثلاثة شروط الأول أن يكون الخطر حتميا والثاني أن يكون الخطر غير مشروع و الثالث أن يتسلط الخطر على حياة المدافع أو أحد أقاربه.
الشرط الأول: أن يكون الخطر حتميا:
و المقصود بالحتمية حسب ما هو متفق عليه أن يكون الخطر مؤكدا و حالا و داهما، أي أن الحتمية تتعلق بالزمن فهي تستنج من ظروف و ملابسات الهجوم، و تدل عبارة "حتمي" على أن الخطر يجب أن يكون على وشك الوقوع أما إذا زال الخطر أو تحقق الاعتداء فعلا، فإنه لا مجال للتمسك بالدفاع الشرعي، فأي ردة فعل تصدر عن المعتدى عليه بعد أن أتم المعتدي اعتداؤه لا تعد من قبيل الدفاع الشرعي، بل هي جريمة معاقب عليها و ربما تأخذ المحكمة بعين الاعتبار الاعتداء السابق وتعتبره ظرف تخفيف، وكذلك في حالة الخطر المستقبلي أو المحتمل فلا مجال للتمسك بالدفاع الشرعي طالما أن هناك وقت كاف لإبلاغ السلطات.
و تطبيقا لهذا الشرط اعتبرت محكمة التعقيب في قرارها عدد 14909 المؤرخ في 28/10/1987 أن:"تجريد المعتدي من سلاحه قبل احتدام الخصام ينفي صفة الدفاع الشرعي".
الشرط الثاني: أن يكون الخطر غير مشروع:
و يعتبر الخطر غير مشروع كلما تبين أن المهاجم لا يستند إلى مبرر شرعي و يهدد باعتدائه حقا يحميه القانون، وقد عبر المشرع عن هذا الشرط من خلال وصفه المعتدي بالصائل، وقد جاء في لسان العرب:" الصَّؤُول من الرجال: الذي يَضْرب الناسَ ويَتَطاول عليهم".
وعملا بهذا الشرط فإن شرط الخطر الموجب لقيام حالة الدفاع الشرعي ينتفي كلما كان المهاجم متمتعا بسبب إباحة مثل حق الأب في تأديب أولاده، او يتصرف وفق حق مخول له بمقتضى القانون أو بموجب أمر من السلطة المختصة مثل قيام أعوان الأمن باعتقال اشخاص أو تفريق متظاهرين بالقوة طبق قانون 18/5/1968 المنظم للمظاهرات.
الشرط الثالث: أن يهدد الخطر حياة المدافع أو أحد أقاربه:
يثير هذا الشرط ثلاث إشكاليات:
تتعلق الأولى: بتأويل عبارة "حياته أو حياة أحد أقاربه"، فمن الواضح حسب صريح عبارات النص أن اقرار الدفاع الشرعي كان بغاية حماية الحق في الحياة، فهل يمكن القول أن المشرع قصد بهذه العبارة كل ما يهدد السلامة البدنية للإنسان و يلحق ضررا بصحته؟ يميل الفقه نحو الأخذ بهذا المفهوم الذي يجعل الحماية شاملة لذات الانسان، و لكن هل يمكن ان تكون تلك العبارة شاملة لحالة الدفاع عن الشرف؟ النص لا يتضمن إجابة صريحة لكن فقه القضاء مر بمرحلتين:
المرحلة الأولى يمثلها قرار صادر بتاريخ 9/1/1945 أي قبل الاستقلال اعتبرت فيه المحكمة أن الدفاع عن عرض الشخص كالدفاع عن حياته، أي أن المحكمة استخدمت أسلوب القياس في موضع يمكن قبوله فيه فهو يتعلق بالإباحة لا بالتجريم.
أما المرحلة الثانية فقد عبرت عنها محكمة التعقيب في قرارها عدد 4519 المؤرخ في 26/7/1980 الذي نفت فيه أن يكون القانون التونسي قد اعتبر الدفاع عن العرض من قبيل الدفاع الشرعي.
ويبدو أن الموقف الثاني قد تمسك بحرفية النص و لم يبحث عن مقصد المشرع، و انتهى الى نتيجة غير مقبولة لأن العقلية الاجتماعية السائدة تعتبر الاعتداء على العرض اهانة، والقانون ذاته يحمي العرض من كل أشكال الاعتداء المادي و اللفظي، بل إن القانون يفرض على كل شخص أن يغيث غيرها في صورة ما إذا كان عرضة لاعتداء على عرضه، فهل من المعقول ان يحمي الشخص عرض غيره و لا يكون قادرا على حماية عرضه هو؟!.
أما الاشكالية الثانية فهي تتعلق بالتعداد الحصري للأقارب، فمن الواضح أن المشرع تبنى فيه مفهوما ضيقا لا يتجاوز الأصول والفروع و الإخوة و القرين، مع أن الواقع الاجتماعي للأسر التونسية لا يزال أوسع من ذلك في غالب الأحيان فهل من الممكن القول أن عبارة الأصول تشمل الأعمام و الخالات و عبارة الفروع تشمل أولاد الإخوة؟ من المؤكد أن الجواب سيكون بالنفي فهؤلاء حكمهم حكم الدفاع عن الاجنبي.
و الاشكالية الثالثة تهم الفقرة الأخيرة من الفصل 39 م ج:" أما إذا كان الشخص المعرض للخطر من غير هؤلاء الأقارب فللقاضي الاجتهاد في تقدير درجة المسؤولية ".
من الواضح أن المشرع اعطى للقاضي سلطة تقديرية واسعة، لكن هذه السلطة لا تتعلق بتقرير توفر شروط الدفاع الشرعي كسبب اباحة، أي نفي الصفة الجرمية عن فعل الدفاع، وانما فقط بتحديد درجة المسؤولية، أي أن الجريمة تبقى قائمة الذات و إنما يمكن للقاضي مراعاة ظروف ارتكابها فيخفف العقاب فقط لا غير و ذلك من خلال تطبيق الفصل 53 م ج.
ويمكن القول أن هذا التوجه التشريعي قابل للانتقاد فهو يضعف الحس التضامني لدى المواطنين إزاء بعضهم البعض، و ربما يكون قانون 1966 المتعلق بالامتناع المحظور قد تجاوز هذه الثغرة التشريعية بل إنه جعل من الدفاع عن الغير المعرض لجناية أو جنحة واجبا لا مجرد حق.
2- شروط فعل الدفاع:
الدفاع هو رد الفعل الموجه لدرء الخطر الذي يتهدد حياة المدافع أو أحد أقاربه، ويتفق الفقه على ضرورة توفر شرطين في فعل الدفاع و هما: ضرورته، وتناسبه.
الشرط الأول: أن يكون فعل الدفاع ضروريا:
وهو شرط أشار إليه المشرع صراحة بعبارة " ولم تمكنه النجاة منه بوجه آخر " التي يستفاد منها لزوم أن يكون فعل الدفاع هو الحل الوحيد لصد المعتدي.
فإذا كان بإمكان المدافع أن يصد الاعتداء بوسيلة أخرى فلا يحق له أن يستعمل القوة المادية. و يطرح هذا الشرط تساؤلين هما:
هل يمكن التمسك بالدفاع الشرعي عندما يكون أمام المدافع متسع من الوقت للاستنجاد بالسلطة العامة؟ أو عندما يكون أمام المدافع فرصة للهرب؟
يميل الفقه إلى الإجابة عن كلا السؤالين بالنفي، فطالما كان بإمكان المدافع الاستنجاد بالسلطة العامة قبل ان يتعرض للاعتداء فعليا فلا يحق له اللجوء الى فعل الدفاع. وكذلك الحال عند توفر إمكانية للفرار
الشرط الثاني: أن يكون فعل الدفاع متناسبا:
على الرغم من أن هذا الشرط لم يرد في الفصل 39 صراحة إلا أن الفقه يعتبره شرطا ضروريا لتجنب أن ينقلب فعل الدفاع إلى اعتداء، و المقصود بالتناسب هو أن يكون رد فعل المدافع متماشيا مع حجم و درجة خطورة الهجوم، وهنا لا بد من الاشارة الى انه لا يشترط لكي يتحقق التناسب ان يستخدم المدافع نفس الوسائل التي يستخدمها المهاجم، على اعتبار ان فارق القوة البدنية بين الطرفين سيكون له تأثير أيضا، لهذا يترك أمر تقدير مسألة التناسب لقضاة الأصل حسب ظروف و ملابسات كل واقعة.
ب- شروط الدفاع عن الأموال:
تعرض المشرع للدفاع الشرعي عن الأموال في الفصل 40 م ج و نصه:" لا جريمة :أولا ـ إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب واقعا ليلا لدفع تسور أو خلع مسيجات أو ثقب جدران أو مدخل مسكن أو محلات تابعة له. ثانيا ـ إذا كان الفعل واقعا لمقاومة مرتكبي سرقة وسلب بالقوة".
الفقرة الثانية: آثار الدفاع الشرعي:
أ- الآثار على الصعيد الجزائي:
رغم أن أحكام الفصلين 39 و 40 م ج وردا تحت الباب الرابع في المسؤولية الجزائية
و تحديدا في القسم الأول منه وعنوانه "في عدم المؤاخذة بالجرائم" فإنه من الثابت أن آثار الدفاع الشرعي لا تنصب على المسؤولية و إنما هي تتعلق بالركن الشرعي للجريمة فتلغيه و تعيد الفعل الى أصل الاباحة وهو ما تدل عليه بصفة لا لبس فيها عبارة "لا جريمة" الواردة في مطلع الفصلين.
و هذا الأثر الاباحي للدفاع الشرعي هو الذي يميزه عن موانع المسؤولية و أسباب الاعفاء من العقاب.
ب- الآثار على الصعيد المدني:
طالما أن الدفاع الشرعي بصورتيه ينفي عن الفعل الصفة الإجرامية فإنه من المنطقي أن تكون له انعكاسات على الصعيد المدني فيؤدي إلى سقوط المسؤولية المدنية أيضا و هو ما نص عليه الفصل 104 م ا ع صراحة:" لا ضمان على من اضطر إلى الدفاع الشرعي كما لا ضمان بمضرة حصلت بأمر طارئ أو قوة قاهرة إذا لم يكن هناك خطأ ينسب للمدعى عليه قبل وقوع الحادثة أو في أثنائها. والدفاع الشرعي هو حالة من التجأ إلى دفع صولة صائل أراد التعدي على النفس أو المال سواء كان ذلك للمدافع أو لغيره".
جمعت بواسطة / عماد محمود خليل المحامى بسوهاج
٤ 1- شروط الخطر:
٥ الشرط الأول: أن يكون الخطر حتميا:
٦ الشرط الثاني: أن يكون الخطر غير مشروع:
٧ الشرط الثالث: أن يهدد الخطر حياة المدافع أو أحد أقاربه:
٨ 2- شروط فعل الدفاع:
٩ الشرط الأول: أن يكون فعل الدفاع ضروريا:
١٠ الشرط الثاني: أن يكون فعل الدفاع متناسبا:
١١ الفقرة الثانية: آثار الدفاع الشرعي:
١٢ أ- الآثار على الصعيد الجزائي:
١٣ ب- الآثار على الصعيد المدني:
الدفاع الشرعي
يعرف الدفاع الشرعي بأنه:"استعمال القوة اللازمة لمواجهة خطر اعتداء غير مشروع"، أو هو حق الإنسان في حماية نفسه أو ماله :و نفس الغير أو ماله ، من كل اعتداء حال غير مشروع بالقوة اللازمة لدفع هذا الاعتداء. والدفاع الشرعي موجوداً في أغلب القوانين والتشريعات القديمة والحديثة، لكنه يختلف فيها من حيث تكييفه وشروطه وحدوده، وقد نظم المشرع الدفاع الشرعي في الفصلين 39 و 40 م ج كسبب يضفي على فعل يوصف عادة بكونه جريمة صفة المشروعية و يخرجه من دائرة التجريم ليعيده إلى أصل الإباحة.
ولقد اختلف الفقه في أساس تبرير حالة الدفاع الشرعي.
يقول جان جاك روسو في " العقد الاجتماعي " إنَّ الإنسان عندما ارتضَى العيش في مجتمع منظَّم، تنازلَ عن جزءٍ من حقوقه وحريتِه بالقدر الذي يضمنُ حسن انتظام هذا العقد الاجتماعي وتنفيذَه وفقاً لمتطلِّبات السعادة الإنسانية. فالأساس إذاً هو تمتُّع الإنسان بحريَّته، والقاعدة هي ممارستِه لكافة حقوقه.
أما تقييد حريَّته وتحريم ممارستِه لبعض حقوقه، فهو استثناءٌ وضِع فقط للحفاظ على حقوق الآخرين، ولتأمين مصلحة المجتمع. والقانون فرضَ على المواطن موجبات، طلبَ منه التقيُّد بها وإنفاذَها نظراً لارتباطِها بتنظيم الحياة الاجتماعية. إلاَّ أنه أعطى في نفسِ الوقت - وكما جاء - للفرد الحق بممارسة حقوقه.
والحق المقصود هو الذي يحميه القانون ويوجِب تشريعَه لعدم تنافيهِ مع المبادئ الأخلاقية والاجتماعية والقانونية. ومن بين هذه الحقوق التي كرَّسها المشرِّع وجعلَ ممارستَها بمنأى عن التجريم حق الدفاع المشروع عن النفس والمُلك، لردِّ اعتداء غير مُحقّ أو مُثار عليهما.
لهذا يميل معظم الفقهاء إلى أن الأساس القانوني الذي بُني عليه حقُ الفرد بالدفاع المشروع عن نفسِه أو ملكِه، نابِع من حقِّه في المحافظة على كيانِه الإنساني والاجتماعي وحمايتِه.فإذا أحسَّ بخطر يهددُ حياتَه أو حياةَ غيرِه من الأفراد ومالَه أو مالَهم. وإذا أحسَّ بِه أيضاً يهدد المجتمع ككُل دون أن يكون هناك سلطة تقفُ بوجهِه، ودون استطاعته الاستعانة بسلطة لدرء هذا الخطر.فإن من حق هذا الفرد أن يمارسَ الدفاع المشروع بنفسِه وبالوسيلة التي يستطيعُها، بالطبع حمايةً لنفسِه وغيرِه ومجتمعه.
ولقد توسَّع الفقهُ بحيث اعتبرَ أن حق الدفاع المشروع ليس فقط حقاً، بل يتعدَّاه ليصبحَ أحياناً، واجباً.
"… وهو بالتالي واجب عليه وعلى الدولة، وقد مارسَ الإنسان هذا الواجب في الماضي بنفسِه عندما لم تكُن هناك دولة. أمَّا وقد ::قامت الدولة وأخذت على عاتقِها واجب حمايته، فإنَّ انفرادها في ممارسة هذا الحق يبقى قائماً ما دامت قادرة عليه. فإذا تعرَّضَ الفرد لظرف لم يكُن بإمكان الدولة التدخُّل فيه لحمايتِه، عادَ حق ممارسة الحماية إليه. فكما أنَّ الفرد فوَّض إلى الدولة حمايتَه، كذلك الدولة بإقرارِها حق الدفاع المشروع، تكون قد فوَّضت ضمناً للفرد حماية نفسه عندما لا تستطيع هي القيام بهذا الواجب. ::لذلك نرى أن الأساس القانوني للدفاع المشروع يكمنُ في التفويض الضمني الحاصل من الدولة إلى الفرد في حمايةِ نفسِه وملكه ونفس وملك الغير ورد الاعتداء عنهما عندما يتعذَّر على السلطة العامة القيام بهذا الواجب، بالنظر إلى الظرف الذي وقعَ فيه الاعتداء والوضع الذي وجِد فيه المعتدى عليه، فحال دون تمكنه من الاستعانة بالسلطة العامة. "
" وخلاصة القول: إن المجتمع وإن أخذ على عاتقِه حماية الإنسان في نفسه وماله، إلا أنه سمحَ له بتأمين هذه الحماية بنفسِه عند حصول الاعتداء عليه، إذا تعذَّر دفعُه بواسطة السلطة العامة، فيحُل محلها في ممارسة هذا الواجب الإنساني والاجتماعي. إنه تفويض من المجتمع للفرد لممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس والملك، ليس فقط بالنسبة إليه ولكن بالنسبة للكافة، لأن حمايتهم واجب اجتماعي عام إن لم يتمكن المجتمع من تأمينِه بوسائلِه، قام به الأفراد أنفسهم وبتفويض منه، فالأعمال التي تقوم بها السلطة في سبيل السلامة العامة مُباحة، وبالتالي لا تفقدُ هذه الأعمال صفتها هذه متى مارسها الأفراد بتفويض ضمني من السلطة عندما لم تكُن قادرة على القيام بها. وهذا ما يجعلُ الدفاع المشروع عن النفس والملك مباحاً ويحميه القانون. "
و بالرجوع الى الفصلين 39 و40 م ج يلاحظ أن الأول يهم الدفاع عن الأشخاص فيما يتعلق الثاني بالدفاع عن الأموال، ورغم الاختلاف في الشروط المطلوبة لتوفر حالة الدفاع في الحالتين فإن الآثار المترتبة عنهما واحدة.
الفقرة الأولى:شروط الدفاع الشرعي:
تنقسم هذه الشروط إلى شروط الدفاع عن الأشخاص، وشروط الدفاع عن الأموال.
أ- شروط الدفاع عن الأشخاص (الفصل 39 م ج):
وهي شروط تتعلق بفعل المهاجم و بردة فعل المدافع، أي شروط الخطر و شروط الدفاع.
1- شروط الخطر:
جاء في الفصل 39 م ج مايلي:" لا جريمة على من دفع صائلا عرض حياته أو حياة أحد أقاربه لخطر حتمي ولم تمكنه النجاة منه بوجه آخر. والأقارب هم :أولا : الأصول والفروع. ثانيا : الإخوة والأخوات. ثالثا : الزوج والزوجة. أما إذا كان الشخص المعرض للخطر من غير هؤلاء الأقارب فللقاضي الاجتهاد في تقدير درجة المسؤولية ".
و من خلال هاته الأحكام استنتج الفقه ثلاثة شروط الأول أن يكون الخطر حتميا والثاني أن يكون الخطر غير مشروع و الثالث أن يتسلط الخطر على حياة المدافع أو أحد أقاربه.
الشرط الأول: أن يكون الخطر حتميا:
و المقصود بالحتمية حسب ما هو متفق عليه أن يكون الخطر مؤكدا و حالا و داهما، أي أن الحتمية تتعلق بالزمن فهي تستنج من ظروف و ملابسات الهجوم، و تدل عبارة "حتمي" على أن الخطر يجب أن يكون على وشك الوقوع أما إذا زال الخطر أو تحقق الاعتداء فعلا، فإنه لا مجال للتمسك بالدفاع الشرعي، فأي ردة فعل تصدر عن المعتدى عليه بعد أن أتم المعتدي اعتداؤه لا تعد من قبيل الدفاع الشرعي، بل هي جريمة معاقب عليها و ربما تأخذ المحكمة بعين الاعتبار الاعتداء السابق وتعتبره ظرف تخفيف، وكذلك في حالة الخطر المستقبلي أو المحتمل فلا مجال للتمسك بالدفاع الشرعي طالما أن هناك وقت كاف لإبلاغ السلطات.
و تطبيقا لهذا الشرط اعتبرت محكمة التعقيب في قرارها عدد 14909 المؤرخ في 28/10/1987 أن:"تجريد المعتدي من سلاحه قبل احتدام الخصام ينفي صفة الدفاع الشرعي".
الشرط الثاني: أن يكون الخطر غير مشروع:
و يعتبر الخطر غير مشروع كلما تبين أن المهاجم لا يستند إلى مبرر شرعي و يهدد باعتدائه حقا يحميه القانون، وقد عبر المشرع عن هذا الشرط من خلال وصفه المعتدي بالصائل، وقد جاء في لسان العرب:" الصَّؤُول من الرجال: الذي يَضْرب الناسَ ويَتَطاول عليهم".
وعملا بهذا الشرط فإن شرط الخطر الموجب لقيام حالة الدفاع الشرعي ينتفي كلما كان المهاجم متمتعا بسبب إباحة مثل حق الأب في تأديب أولاده، او يتصرف وفق حق مخول له بمقتضى القانون أو بموجب أمر من السلطة المختصة مثل قيام أعوان الأمن باعتقال اشخاص أو تفريق متظاهرين بالقوة طبق قانون 18/5/1968 المنظم للمظاهرات.
الشرط الثالث: أن يهدد الخطر حياة المدافع أو أحد أقاربه:
يثير هذا الشرط ثلاث إشكاليات:
تتعلق الأولى: بتأويل عبارة "حياته أو حياة أحد أقاربه"، فمن الواضح حسب صريح عبارات النص أن اقرار الدفاع الشرعي كان بغاية حماية الحق في الحياة، فهل يمكن القول أن المشرع قصد بهذه العبارة كل ما يهدد السلامة البدنية للإنسان و يلحق ضررا بصحته؟ يميل الفقه نحو الأخذ بهذا المفهوم الذي يجعل الحماية شاملة لذات الانسان، و لكن هل يمكن ان تكون تلك العبارة شاملة لحالة الدفاع عن الشرف؟ النص لا يتضمن إجابة صريحة لكن فقه القضاء مر بمرحلتين:
المرحلة الأولى يمثلها قرار صادر بتاريخ 9/1/1945 أي قبل الاستقلال اعتبرت فيه المحكمة أن الدفاع عن عرض الشخص كالدفاع عن حياته، أي أن المحكمة استخدمت أسلوب القياس في موضع يمكن قبوله فيه فهو يتعلق بالإباحة لا بالتجريم.
أما المرحلة الثانية فقد عبرت عنها محكمة التعقيب في قرارها عدد 4519 المؤرخ في 26/7/1980 الذي نفت فيه أن يكون القانون التونسي قد اعتبر الدفاع عن العرض من قبيل الدفاع الشرعي.
ويبدو أن الموقف الثاني قد تمسك بحرفية النص و لم يبحث عن مقصد المشرع، و انتهى الى نتيجة غير مقبولة لأن العقلية الاجتماعية السائدة تعتبر الاعتداء على العرض اهانة، والقانون ذاته يحمي العرض من كل أشكال الاعتداء المادي و اللفظي، بل إن القانون يفرض على كل شخص أن يغيث غيرها في صورة ما إذا كان عرضة لاعتداء على عرضه، فهل من المعقول ان يحمي الشخص عرض غيره و لا يكون قادرا على حماية عرضه هو؟!.
أما الاشكالية الثانية فهي تتعلق بالتعداد الحصري للأقارب، فمن الواضح أن المشرع تبنى فيه مفهوما ضيقا لا يتجاوز الأصول والفروع و الإخوة و القرين، مع أن الواقع الاجتماعي للأسر التونسية لا يزال أوسع من ذلك في غالب الأحيان فهل من الممكن القول أن عبارة الأصول تشمل الأعمام و الخالات و عبارة الفروع تشمل أولاد الإخوة؟ من المؤكد أن الجواب سيكون بالنفي فهؤلاء حكمهم حكم الدفاع عن الاجنبي.
و الاشكالية الثالثة تهم الفقرة الأخيرة من الفصل 39 م ج:" أما إذا كان الشخص المعرض للخطر من غير هؤلاء الأقارب فللقاضي الاجتهاد في تقدير درجة المسؤولية ".
من الواضح أن المشرع اعطى للقاضي سلطة تقديرية واسعة، لكن هذه السلطة لا تتعلق بتقرير توفر شروط الدفاع الشرعي كسبب اباحة، أي نفي الصفة الجرمية عن فعل الدفاع، وانما فقط بتحديد درجة المسؤولية، أي أن الجريمة تبقى قائمة الذات و إنما يمكن للقاضي مراعاة ظروف ارتكابها فيخفف العقاب فقط لا غير و ذلك من خلال تطبيق الفصل 53 م ج.
ويمكن القول أن هذا التوجه التشريعي قابل للانتقاد فهو يضعف الحس التضامني لدى المواطنين إزاء بعضهم البعض، و ربما يكون قانون 1966 المتعلق بالامتناع المحظور قد تجاوز هذه الثغرة التشريعية بل إنه جعل من الدفاع عن الغير المعرض لجناية أو جنحة واجبا لا مجرد حق.
2- شروط فعل الدفاع:
الدفاع هو رد الفعل الموجه لدرء الخطر الذي يتهدد حياة المدافع أو أحد أقاربه، ويتفق الفقه على ضرورة توفر شرطين في فعل الدفاع و هما: ضرورته، وتناسبه.
الشرط الأول: أن يكون فعل الدفاع ضروريا:
وهو شرط أشار إليه المشرع صراحة بعبارة " ولم تمكنه النجاة منه بوجه آخر " التي يستفاد منها لزوم أن يكون فعل الدفاع هو الحل الوحيد لصد المعتدي.
فإذا كان بإمكان المدافع أن يصد الاعتداء بوسيلة أخرى فلا يحق له أن يستعمل القوة المادية. و يطرح هذا الشرط تساؤلين هما:
هل يمكن التمسك بالدفاع الشرعي عندما يكون أمام المدافع متسع من الوقت للاستنجاد بالسلطة العامة؟ أو عندما يكون أمام المدافع فرصة للهرب؟
يميل الفقه إلى الإجابة عن كلا السؤالين بالنفي، فطالما كان بإمكان المدافع الاستنجاد بالسلطة العامة قبل ان يتعرض للاعتداء فعليا فلا يحق له اللجوء الى فعل الدفاع. وكذلك الحال عند توفر إمكانية للفرار
الشرط الثاني: أن يكون فعل الدفاع متناسبا:
على الرغم من أن هذا الشرط لم يرد في الفصل 39 صراحة إلا أن الفقه يعتبره شرطا ضروريا لتجنب أن ينقلب فعل الدفاع إلى اعتداء، و المقصود بالتناسب هو أن يكون رد فعل المدافع متماشيا مع حجم و درجة خطورة الهجوم، وهنا لا بد من الاشارة الى انه لا يشترط لكي يتحقق التناسب ان يستخدم المدافع نفس الوسائل التي يستخدمها المهاجم، على اعتبار ان فارق القوة البدنية بين الطرفين سيكون له تأثير أيضا، لهذا يترك أمر تقدير مسألة التناسب لقضاة الأصل حسب ظروف و ملابسات كل واقعة.
ب- شروط الدفاع عن الأموال:
تعرض المشرع للدفاع الشرعي عن الأموال في الفصل 40 م ج و نصه:" لا جريمة :أولا ـ إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب واقعا ليلا لدفع تسور أو خلع مسيجات أو ثقب جدران أو مدخل مسكن أو محلات تابعة له. ثانيا ـ إذا كان الفعل واقعا لمقاومة مرتكبي سرقة وسلب بالقوة".
الفقرة الثانية: آثار الدفاع الشرعي:
أ- الآثار على الصعيد الجزائي:
رغم أن أحكام الفصلين 39 و 40 م ج وردا تحت الباب الرابع في المسؤولية الجزائية
و تحديدا في القسم الأول منه وعنوانه "في عدم المؤاخذة بالجرائم" فإنه من الثابت أن آثار الدفاع الشرعي لا تنصب على المسؤولية و إنما هي تتعلق بالركن الشرعي للجريمة فتلغيه و تعيد الفعل الى أصل الاباحة وهو ما تدل عليه بصفة لا لبس فيها عبارة "لا جريمة" الواردة في مطلع الفصلين.
و هذا الأثر الاباحي للدفاع الشرعي هو الذي يميزه عن موانع المسؤولية و أسباب الاعفاء من العقاب.
ب- الآثار على الصعيد المدني:
طالما أن الدفاع الشرعي بصورتيه ينفي عن الفعل الصفة الإجرامية فإنه من المنطقي أن تكون له انعكاسات على الصعيد المدني فيؤدي إلى سقوط المسؤولية المدنية أيضا و هو ما نص عليه الفصل 104 م ا ع صراحة:" لا ضمان على من اضطر إلى الدفاع الشرعي كما لا ضمان بمضرة حصلت بأمر طارئ أو قوة قاهرة إذا لم يكن هناك خطأ ينسب للمدعى عليه قبل وقوع الحادثة أو في أثنائها. والدفاع الشرعي هو حالة من التجأ إلى دفع صولة صائل أراد التعدي على النفس أو المال سواء كان ذلك للمدافع أو لغيره".
جمعت بواسطة / عماد محمود خليل المحامى بسوهاج