عن نفسها" عن ظهر قلب، ونحن صغار كنّا نتبارى من يحفظها جيدا، ومن يتقن
غناءها أكثر من الآخر، حتى إنني أعرف بعض الأسر، كانت تغنيها مع بعضها، أب
وأم وأولاد...
ومع أننا كنا صغارا إلا أننا كنا نتبارى
ونحن نسأل من كاتب هذه الكلمات الرائعة ومن ملحنها، والذي كان يخطئ أولا
يعرف من كاتبها أو من ملحنها، كنا نعتبره من الذين لا يحبون مصر بالقدر
الكافي، وكنا نشبعه معايرة.
عندما كنا نقف في طابور المدرسة
الصباحي لنغنيها كنشيد صباحي، كنا نغني بحماس منقطع النظير، تحمّر فيه
وجوهنا وتنتفخ عروقنا من شدة الانفعال..
أذكر أننا في الطفولة كانت
إحدى الأصدقاء أثناء أداء نشيد الصباح بهذه الأغنية، وكانت في قمة حماسها،
وفجأة وجدت إحدى المدرسين يصفعه على وجهه صفعة شديدة أسكتت الصديق فورا،
تعجبت الصديق وسأل المدرس الذي قال له: خشيت عليك من أن ينفجر أحد
عروق رقبتك من شدة الانفعال..
كانت هذه مصر التي تحدثت عن نفسها،
بتلك الكلمات الرائعة المعبرة تماما عن مشاعر جميع المصريين الذين تملأهم
حبورا وسعادة لا توصف، حتى إن العالم أجمع يصف المصريين بـ"الشوفونية"
والتفاخر بمصر في كل المجالات، واعتبارها دائما هي الأفضل.
تلك
الكلمات التي كتبها الرائع حافظ إبراهيم حبا في مصر، فأصبحت في خاطرنا
ووجداننا، في الماضي والحاضر البعيد، عندما كنا نسمعها لا بد وأن يكون في
عيد قومي يسعد جميع المصريين، كلمات تشعرك بالفخر بأنك مصري، وسعادة
وابتهاج لا يوصفان.
حتى توقفت تماما في الفترة الماضية المقيتة،
وأصبحنا لا نسمعها إلا أحيانا في بعض مباريات الكرة التي يلعب فيها فريقنا
القومي.. وإن لم نكترث لها كثيرا، وقد فقدت معناها في ظل ممارسات النظام
السابق.
بل تطوّر الأمر وأصبح لأكثر من عقد ونصف من الزمان وهذه الأغنية وأمثالها مدعاة للسخرية والتندر.
ثم
أتت الثورة، وبدأ كل مصري يزيل التراب عن نظرته لمصر، ويعود للحنين لها
لخفقان قلبه من أجلها، بعد أن شعرنا جميعا بأن مصر عادت وطنا لنا جميعا مرة
أخرى، فبدأنا نسمع الأغنية ومعها الكثير من الأغاني الوطنية من جديد،
وبدأت تثلج الصدور وتحفّز السواعد والقلوب..
نحن الآن لسنا بصدد
الحديث عن عمل فني، فهذا ليس باب الفن، فالفن له أبوابه الخاصة به، ولكنا
نتكلم عن كلمات صنعت الكثير في نفوسنا منذ ماضٍ بعيد وحاضر قريب.
كلمات
نحن في أشد الحاجة إلى سماعها اليوم؛ حتى تثير همتنا وتقوي عزيمتنا، حتى
نسمع مصرنا الحبيبة وهي تتحدث عن نفسها من جديد، ويجب أن ننتبه حتى لا نفقد
التأثير الذي عاد من انتماء للوطن، إن مصر عادت لتتحدث عن نفسها، ويجب أن
نحافظ على هذا للأبد.
يجب ألا يتغير تأثير هذه الكلمات علينا.. يجب أن نفكر أنه "وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي".
فلا
يجب أن نتوقف عن بناء قواعد المجد ولا نتجه إلى الفرقة التي لا تبقي مصر
عالية كسابق عهدها، وكما لو كانت هذه ليست مصر التي وقف الخلق جميعا ينظرون
كيف كانت تبني قواعد مجدها دائما، حتى صارت تاج العلا في مفرق الشرق..
هل اكتفينا ببناة الأهرام في سالف الدهر يتكلمون عنا، وأصبحنا كالفتى الذي يقول أبي، ولسنا الفتى الذي يقول ها أنا ذا؟؟
علينا
جميعا أن ننتبه وأن نحذر فبعد أن اتجهنا للبناء منذ اللحظة الأولى للثورة
لا يجب أن نتراجع، وعلى عاتقنا تقع مسئولية الحفاظ على مصر الجديدة، ولذلك
فإن تصرفات كثيرة من الجميع قد تهدم كل ما تم بناؤه.
يجب أن نسأل
أنفسنا.. هل بدأنا من أكبر رأس إلى أصغر رأس نسعى بغير تقدير إلى -لا قدر
الله- موت مصر حقا حتى لا يرفع الشرق رأسه بعد الآن، ألم يكفِنا ما فُعِل
بها ممّن نهبوها وأخذوا خيرها، ليس لهم فقط بل أعطوه لأعدائها؟؟
هل نسي من يحاولون إيذاءها أن عناية الله هي جند مصر، ومن يقترب منها لن يسلم من قِدم الدهر؟
هل لم يدركوا بعدُ أن مصر حرة قد كسرت قيودها رغم كل عدو مر عليها من الخارج أو من الداخل؟
هل
يتخيلون أن شعبا استمر سبعة آلاف سنة من الحضارة لم يبلغها أكبر بلاد
العالم، ويتخيلون أننا ما زلنا لا نعرف كيف نسيّر أمورنا، وما زلنا نريد
الوصاية علينا، ويريدون إخماد ثورتنا حتى نعيش طيلة حياتنا في قهر وذل،
ويعيشون هم في حياة مستقرة بأموالنا التي نهبوها..
ألا يدركون أن الله معنا وناظر لنا ويرشدنا إلى ما فيه عُلانا؛ لأن الحق معنا والحق قوة من قوى الله، أكبر من كل أسلحة العالم..
والآن مصر تنادينا.. تنادي جميع أبنائها من مسئولين وثوار على جميع فئاتهم.. بألا يفقدوا وجهها الجديد الناصع.
بل
سأزيد وأقول إنها تنادي حتى من احترفوا البلطجة وحاولوا إضرارها، تناديهم
أن يتذكروا مصرهم، ألم تعطهم شيئا جيدا في حياتهم حتى يرجعوا إليها نادمين
على ما فعلوا، ويعملوا من أجلها يدا واحدة وصفا واحدا..
فمصر تنادي
كل رجالها الذين وعدتهم بالعلا أن ينجزوا وعدها، ويرفعوا دولة العلم
والأخلاق حتى يصلوا بها إلى أن تكون تاج العلاء في مفرق الشرق مرة أخرى
حقا..
وسنقول وقتها جميعا نيابة عن مصر.
إن مجدي في الأوليات عريق ... من له مثل أولاياتي ومجدي
بقلم / رمضان الغندور