عندما ذهبت إليه امرأتان تتشاحنان على طفل، وكل واحدة تريد أخذه وتقول إنه طفلها..
فكر سليمان بحكمته حتى يعرف من هي أم الطفل..
نادى سليمان السياف وأمره أن يشق الطفل نصفين، ويعطي كل امرأة منهما نصفا حتى يُحل النزاع بينها..
وافقت
إحدى السيدتين على أن يشق الطفل وتأخذ نصفه، ولكن السيدة الأخرى صرخت
ورفضت بشدة، وقالت إن الطفل ليس طفلها وعلى سليمان ألا يشقه، بل عليه أن
يعطيه للمرأة الأخرى حتى لا يموت..
وعلى الفور أعطى سليمان الطفل للمرأة التي رفضت شقه خوفا عليه من الموت..
وقال إنه تأكد أن هذه هي الأم الحقيقية؛ لأنها فضّلت أن يعيش الطفل بعيدا عنها وهو حي معافى، بدلا من أن تفقده إلى الأبد بالموت..
لماذا
نريد أن نفعل في بلدنا الحبيبة مصر، مثلما أرادت المدّعية بأنها أم الطفل،
والتي لا يهمها حياة الطفل أو مماته، بل كانت تريد إما أن تأخذه كله
وتستفيد منه، وإن لم تستفد فلا يهمها بعد ذلك أن يقضى عليه، فلا يؤلمها
موته..
لماذا نريد قتل أمنا وتقطيعها وتشتيتها، حتى تصير قطعا
كثيرة، يطبق عليها الذئاب من كل مكان، ليمزقوها ويفترسوها أمام أعيننا،
ونحن وقوف بلا حراك لا نستطيع وقتها أن نفعل شيئا..
هيا بنا نخرب مصر فهذه الأم لا تهمنا..
هيا
بنا نوقف قناة السويس عن العمل، حتى نوقف حال العالم أجمع، ووقتها لن
نواجه النظام السابق وفلوله فقط، وهم الذين يتمنون أن يروا الفوضى والدمار
يسريان في جسد البلاد..
بل وقتها سوف نواجه العالم أجمع الذي لا
يستطيع الاستغناء عن القناة التي حبانا الله بها دون العالم بأكمله؛ حتى
نفيد بها الحبيب ونحرق دم العدو والحسود..
بل إن مجرد سماع هذا التهديد ربما يجعل دولا كثيرة تحوّل خطها الملاحي من بورسعيد إلى ميناء حيفا الإسرائيلي أو إلى مالطا..
وهذا التهديد وحده سوف يكلّف مصر الكثير حتى دون غلق القناة فعلا..
هيا بنا نقطع خطوط مترو الأنفاق، ونوقف حال الناس وأعمالهم ونفسد البلاد..
هيا
بنا نقطع طريق الوصول إلى المجمع حتى تقف الحياة في مصر كلها، فأنتم
تعلمون ما هو مجمع التحرير بالنسبة لمصر، وما يحوي داخله من جميع مصالح
البلاد..
سأكتفي بما ذُكِر؛ لأن هذه أهم المنشآت الحيوية في مصر، والتي ذكر أن الثائرين سوف يقومون بوقف حالها..
إذا أردتم خراب مصر بالفعل؟ فعليكم بفعل ما ذكرت من قبل..
أخبروني بربكم هل من يفعل هذا يكون ثائرا من أجل بلده، أم إنه يريد دمارها وخرابها، إن لكل شيء حدودا..
أقسم
بالله.. أقسم بالله.. إنني لست من النظام السابق، أو من أعوانه، أو من
فلوله، أو من أعداء هذا الوطن، بل إنني مصرية من أب وأم مصريين وجد وجدة
مصريين، وأبنائي وأحفادي مصريون، كما أنني -رغم كبر سني- من الذين وقفوا مع
الثورة من أول يوم لها، وأولادي كانوا من الذين نزلوا التحرير من أول يوم،
ولو كانت حالتي الصحية تسمح لكنت معهم.. بل وكنت مع التظاهرة الأخيرة في 8
يوليو والاعتصام السلمي كذلك؛ لتحقيق الضغط الكافي وحفظ الثورة.
ولكني
مواطنة عادية، أحب هذا البلد بجنون، وأخاف على كل حبة رمل به، وكل فسيلة
زرع، وكل نسمة هواء، حتى لو كان هواء فاسدا ملوثا بحرق قش الأرز!
وأخاف
أن ندخل في حرب أهلية منقسمين إلى فئتين، فيشمت فينا الحبيب قبل العدو، أو
تتصيد لنا إحدى الدول الكبرى التي في يوم من الأيام تصيدت لغيرنا، وتكون
حجتها القناة، وأنها شريان للعالم أجمع، وعليهم أن يفتحوها بالقوة أو على
الأقل يحموها ليضعوا أرجلهم داخل بلادنا، ويكون هذا أول مسمار يدقّ في نعش
مصرنا..
بالله عليكم إنها مصركم مصرنا نذرف من أجلها الدموع وتتقطع
من أجلها القلوب، ونضحي من أجلها بالعزيز الأكرم.. وأريقت دماء عزيزة في
هذه الثورة فحرام أن تراق بلا ثمن.
ألا يعتصر قلبكم حزنا عليها،
ورهبة وخوفا من أجلها، ألا تخافون على مستقبلكم ومستقبل أبنائكم في أن
تعيشوا في بلد مشتت، مقطعة أوصاله مثل بلاد كثيرة نراها ولا نستطيع عمل شيء
من أجلها..
هل وبعد أن وضعنا قدما على حافة الديمقراطية والتقدم،
وردمنا فوق مئات الأعوام -وليس 30 عاما فقط- من التخلف والجهل
والديكتاتورية، نأتي الآن لنفسد الأمور قبل اكتمالها؟
يا أبناء
مصر.. ارفعوا شعار "يد تعمل ويد تحمل السلاح" لمن يريد بهذا البلد شرا،
وحافظوا على جيشكم كما حفظكم طيلة ستة أشهر وما زال، وكما كان درعكم الحصين
طول العمر.. اختلفوا معه كما شئتم فهو يقوم بدور سياسي يصلح معه الخلاف،
ولكن لا يجب أن نصل لمرحلة الفرقة والصدام والتناحر، فلا توجد في العالم
بلد أفلح بعد صدام مع جيشه..
وفي كل الأحوال أياً كان المنتصر
فسنكون نحن القاتل والمقتول إذا انتصر الثوار، وهُزِم الجيش أو إذا انتصر
الجيش وهُزِم الثوار، لذا فأخطر ما نفعله أن نضع الجيش والثوار على طرفي
نزاع.
ويجب أن نحافظ على حكومتنا، ومع هذا لا نقول أن يبقى السيئ من
الوزراء، بل يذهبوا إلى غير رجعة، ولكن دون أن نخرب بلدنا ونشمت بنا
أعداءنا..
صدّقوني عندي الكثير والكثير، ولكني لا أستطيع الكتابة أكثر من هذا..
وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه خير وحفظ مصرنا الحبيبة..
انها مصر تحدثكم عن حالها وحالكم