فوجئ الجميع بتصريح جماعة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والحرية المنبثق عنها بعدم المشاركة في مليونية الثلاثاء، والتي جاءت بعد أيام من مليونية 18 نوفمبر والتي كان باسم "المطلب الواحد" والتي طالبت هي ومليونة الثلاثاء 22 نوفمبر بسرعة تسليم السلطة في مصر من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة.
فبعد أن قرر منظمو مليونية المطلب الواحد عدمَ الاعتصام في مساء الجمعة، وعلى إثر قرار العشرات من الثوار وأسر الشهداء وضحايا الثورة الاعتصامَ في الميدان قامت قوات من الجيش بفض الاعتصام بالقوة صباح السبت وهدموا الخيم المخصصة لذلك، وتكررت الاعتداءات فنادت قوى ثورية وسياسية لمليونية أخرى لتلبية مطالب الثورة وعلى رأسها إنهاء فترة الحكم العسكري، ورداً على هجوم قوات الأمن والجيش على المعتصمين السلميين في ميدان التحرير.
وقتها توقع الجميع استمرار نزول الإخوان في الميدان كما في مليونيات الثورة منذ 28 يناير، ولو على استحياء كما في جمعة 2 أغسطس المعروفة بجمعة الشريعة أو جمعة السلفيين.
كانت المفاجأة قرار الاخون الحاسم بعدم المشاركة، وترتب على ذلك أن تم اتهام الإخوان وحزبهم على نطاق واسع بخيانة الثورة، ليس فقط من مئات الآلاف من المتظاهرين في التحرير يومها، بل أيضاً على صفحات الشبكات الاجتماعية ولدى قطاعات عريضة من الجماهير التي ستتجه بعد أيام لصناديق الاقتراع لاختيار ممثليها في ما يمكن اعتباره أهم برلمان مصري في العصر الحديث.
وبالتأكيد فإن صانع القرار في جماعة الإخوان وحزبهم كانوا على دراية بتبعات هذا القرار المفاجئ بعدم المشاركة في المليونية، ولابد أن هناك مكاسب مرغوبة أو خسار وتداعيات سبلية على الجماعة تقف وراء هذا القرار.
بداية فهناك سوء تقدير كبير من مكتب الإرشاد للحجم المتوقع للمليونية، فالانتخابات التشريعية بعد أيام معدودة، والقوى السياسية مشغولة بها، وكانت في الميدان مليونية في الجمعة السابقة، ومن ثم فإن مليونية تالية في منتصف الأسبوع السابق للانتخابات قد لا تكون مؤثرة من وجهة نظر مكتب الإرشاد، لكن ميدان التحرير – كالعادة - فاجأ الجميع.
كذلك فإن حسابات المكاسب والخسائر يجعل احتمال المخاطر عالياً في حال مشاركة الإخوان في مليونية قبيل الانتخابات التي من المتوقع فوز حزب الحرية والعدالة فيها بنسبة لا تقل عنها في تونس التي فاز فيها الحزب ذي المرجعية الإسلامية بـ 41% بعد عقود من التهميش وبخبرات سياسية وانتخابية أقل من خبرات إخوان مصر.
فأحداث الميدان والتي أسفرت عن أكثر من 31 شهيداً وألفي مصاب بدون الإخوان، كانت من الممكن أو من المتوقع بشدة أن تتضاعف مضاعفاته وأعداد ضحاياها وشهدائها، بسبب الكثافة العددية لأنصار الأخوان، ولقوة ولائهم السياسي أو الديني، وكذلك للعداوة السابقة بينهم وبين قطاع واسع من أفراد جهاز الشرطة، والتي مازالت لها تداعياتها رغم سقوط النظام السابق.
كذلك – في حسابات صانع القرار الإخواني - فإنه إذا اتسعت المواجهات وارتفع عدد الضحايا والشهداء وكان للإخوان دور في ذلك فسيتم اتهامهم بحرق البلد في سبيل الوصول إلى كراسي البرلمان، وهو الاتهام نفسه الذي يتم الآن بأنهم باعوا الثورة من أجل كرسي البرلمان، فإذا كان الاتهام في الحالتين قائماً وخطر تراجع الشعبية واقع لا محالة فليكن بأقل قدر من إراقة الدماء أفضل.
لقد حسبها مكتب الإرشاد بأنه إذا كانت غياب الأخوان سينتج عنه انخفاض في الشعبية وبالتالي في عدد مقاعد الحزب في البرلمان، فذلك أهون من مشاركتهم في المليونية واستدراجهم في مواجهات يترتب عليها تتصاعد الاضطرابات وفقدان جميع المقاعد البرلمانية بتأجيل الانتخابات كنتجة طبيعة لوقوع عشرات الشهداء ومئات المصابين في اضطرابات شارك فيها الإخوان!
وفي حالة اتهام حزب الإخوان ببيع الثورة فإن الإجابات لديهم جاهزة؛ حيث جميع الأحزاب المنافسة لم تنزل الميدان، ولم تظهر في مليونيتي الجمعة أو الثلاثاء، كذلك فإن حقن دماء المصريين مبرر كاف إعلامياً من وجهة نظري مكتب الإرشاد وقادة حزب العدالة.
يبدو أن هاجس أحداث المنشية 1945، التي ترتب عليها الزج بالإخوان في السجون بعد أن كانوا مناصرين لثورة يوليو مازل في خاطر قادة الإخوان الذين عايشوا هذه الأحداث ومروا بهذه التجربة التي عانوا من تداعياتها 57 عاماً حتى ثورة يناير 2011، فكان القرار هو الغياب عن المواجهة لتفويت فرصة تصعيد الموقف من قبل الجيش أو الشرطة أو عناصر الفلول أو كل هؤلاء، بتخريب منشآت والضغط على الجانب الاقتصادي للمواطنين وعجلة الإنتاج، وبالتالي يتهم الإخوان في التسبب في كارثة للبلد طمعاً في الوصول للسلطة. فجماعة عريقة تاريخياً مثل الإخوان لا يمكن أن تستدرج بسهولة الآن إلى مواجهة ومغامرة غير مأمونة العواقب.
مهما يكن من أمر فإن هذا الحسم المصاحب لقرار عدم المشاركة الإخوانية والإصرار على تنفيذه ربما يبرره غضب ثوار التحرير من غياب الإخوان، ولكن غياب أية مشاركة إنسانية أو طبية في الميدان ليس لها أي تبرير، خصوصاً مع وقوع العدد الكبير من المصابين والشهداء في أجواء متوترة هي الأشد من نوعها منذ قيام الثورة، وكانوا في حاجة إلى مساعدات طبية وإنسانية قبل السياسية من جميع القوى في مصر.
فإذا كان قادة الإخوان على قناعة بصواب قرارهم وعدم أنانيته وكونه في مصلحة الحزب والجماعة، فعليهم الآن الكثير كي يعوضوا ما فاتهم من تأييد الناخب ورجل الشارع، وليس فقط ثوار الميدان. وهو أمر لا يمكن الوقوف عليه تماماً قبل استقرار المؤسسات الدستورية في البلاد بعد هذه المرحلة.