الأساليب الديمقراطية متعددة، لكنها أبرزها الاسلوب الامريكى و الاسلوب الفرنسى
اولا النموذج الأمريكي لإنشاء الدستور (جمعية تأسيسية منتجة)
في ضوء التحول الجديد في الفكر السياسي السابق الإشارة اليه ، واستحالة اجتماع أفراد الشعب في مكان واحد لوضع دستورهم ، ظهرت طريقة الجمعية التأسيسيةConvention ومؤداها أن يختار الشعب عددا من النواب يوكلهم وكالة خاصة في وضع الدستور وتكون مهمتها وضع الدستور وإصداره ليكون واجب النفاذ كأنه صادر عن الشعب مباشرة.دونما استفتاء عليه ودون أن تملك أي صلاحيات أخري، وبوضع الدستور ينتهي دورها وتزول من الوجود.
مميزات هذه الطريقة :-
1ـ أن تخصصها أتاح لها فرصة التركيز في عملها، مما وفر للدستور ما يستحقه من بحث ودراسة.
2ـ أن إقتصار واجبها علي وضع الدستور، أبعد مخاطر الاستبداد التي تنجم عن تركيز السلطة بيد أعضائها وتركِهم يعملون ما يشاءون تحت شعار كونهم نوابا عن الأمة.
عيب هذه الطريقة
يؤخذ عليه أنه يؤدي إلي تحجيم دور الشعب وحصره في إطارٍ ضيق يقتصر علي المساهمة السلبية التي لا تتجاوز اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية دون أن يتدخــل الشعب في تحديد اتجاهات الجمعية أو التأثير بالإيجاب في مضمون الدستور الذي يتحدد مصيره بالكامل من قبل أعضاء الجمعية النيابية المنتخبة.
ويرى بعض اساتذة القانون ضرورة توافر شروط معينة ليكون الدستور الذي تضعه الجمعية التأسيسية ديمقراطياً وهى :
1ـ يجب أن تكون الجمعية التأسيسية منتخبة بواسطة الشعب.
2ـ أن يكون الانتخاب ديمقراطياً, وتحت إشراف ورقابة القضاء.
3ـ ضرورة وجود خيارات متعددة أمام الناخبين. وهذا ما توفّره الأحزاب السياسية.
4ـ يجب أن تكون الحريات العامة مصانة ومكفولة, بعيدا عن جوٍ القمع والكَبْت للحريات.
5ـ أن تُمارس الجمعية عملها بحريّةٍ وحيادٍ وبمنأي عن الضغوط السياسية التي قد تؤثر في عملها، هذا وقد تفتقر الجمعية المنتخبة الي الكفاءات الفنية اللازمة للتصدي للأمور المعقدة التي تتضمنها أحكام الدستور ويمكن تلافي ذلك بضم عناصر من ذوي الخبرة الي الجمعية، وتكوين لجان استشارية لمساعدتها، ولتجنب الخشية من استبداد الجمعية المنتخبة، علي أعمال السلطات الأخري في الدولة، كما حدث في الجمعية الفرنسية سنة 1792 في عصر الثورة، يري البعض إمكانية تلافي ذلك بتحديد اختصاصاتها ومدة عملها بزمن محدد .
ثانيا النموذج الفرنسي لإنشاء الدساتير:
اتخذ النوذج الفرنسى اسلوبين هما :
1ـ أسلوب إنشاء الدستور بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة علي النمط الأمريكي.
2ـ أسلوب إنشاء الدساتير بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة مقرونة بالإستفتاء الشعبي،
أـ إنشاء الدستور بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة:
انتقل هذا الأسلوب الي فرنسا بعد قيام ثورتها سنة 1792 وذلك عند وضع أول دساتير الثورة في عام 1793خذت به عند وضع دستوري سنة 1848 وسنة 1875. غير أن الجمعيات المنتخبة كانت تُمارس، نيابة عن الشعب الفرنسي، صلاحية السلطة التشريعية أي وضع وتعديل الدستور) وأُطلِق عليهاConvention بدلا من الإسم الأمريكي .Assemblee Constituante
وهذا النوع من الجمعيات التأسيسية له عيوبه المتمثلة فى
1يشتت دورو جهد الجمعية التاسيسة و بالتالى يعطل انجازها لعملها الأساسي المتمثل في وضع الدستور وإقراره،
2- تركيزالسلطات التشريعية والتأسيسية بين أيدي نفس الأشخاص قد يؤدي إلي ديكتاتورية الجمعية.
وقد عمِل رجال الثورة الفرنسية علي تسجيل أسس المجتمع الجديد وما يجب أن يسود فيه من مباديء، في وثيقة حتي يتاح لكل فرد حاكم أو محكوم أن يتعرف علي فلسفة النظام الجديد ومبادئه وما للفرد من حقوق وما عليه من واجبات، حتي تسود الثقة والإستقرار بين الفرد والجماعة، كما عملوا علي صياغة الفلسفة السياسية للثورة ومبادئها بعد انهيار الملكية المطلقة في وثيقة إعلان حقوق الإنسان، التي أقرتها الجمعية الوطنية سنة 1789محتوية علي نوعين من الأحكام:
1ـ الحقوق الأساسية للأفراد.
2ـ بيان مباديء نظام الحكم السياسي كمبدأي سيادة الأمة وفصل السلطات.
وقد تبنت الجمعية دستور السنة الأولي وهو دستور 24يونية 1793 المعروف بالدستور الجبلي لكنه لم ينفذ وساد فرنسا إرهاب لا مثيل له لمدة عامين، ثم وضعت الجمعية دستور السنة الثالثة للثورة في 22 أغسطس 1795 ورغم أن هذين الدستورين قد تم استفتاء الشعب علي كل منهما، فإن ذلك الإستفتاء كان إجراء شكليا، حيث كانت الكلمة الأولي والأخيرة للجمعية. وبالمثل كان دستور سنة 1848 قد وضعته وأقرته جمعية تأسيسية منتخبة كان لها القرار النهائي، وكذلك الأمر بالنسبة لانتخاب الجمعية التأسيسية سنة 1871 لوضع دستور واستغرق عملها أربع سنوات حتي أُقِرَّ سنة 1875 وهو المعروف بدستور الجمهورية الرابعة.
ب ـ الجمعية التأسيسية المقرونة بالإستفتاء
تجمع هذا الاسلوب بين الطريقتين الاستفتاء الشعبي التي تُمثل أعلي درجات الديمقراطية في وضع الدساتير، وطريقة الجمعية التأسيسية المنتخبة التي تُحقق الإستفادة من مزايا طريق الجمعية حيث يأتي الاستفتاء الشعبي بعد ذلك ليضفي شاهدا دستوريا بالموافقة الشعبية علي ما انتهت اليه اللجنة،.
والواقع أن صاحب رأي أسبق في مسألة دمج طريقة الجمعية والإستفتاء يراهما طريقتين متميزتين لعدة أسباب:-
1ـ أن الإستفتاء لا يأتي دائما في أعقاب جمعية منتخبة بل قد تضع الدستور لجنة حكومية غير منتخبة أو يضعه حاكم فرد.
2ـ أنه في حالة الإعداد بواسطة جمعية منتخبة، لا يكون الدستور من وضع الجمعية، بل من صُنع الشعب الذي لولا موافقته لسقط واعتبر كأن لم يكن، كما حدث في دستور 1946 الذي رفضه الشعب ثم أعد بواسطة جمعية جديدة فوافق عليه في الاستفتاء.
3ـ أن طريق الاستفتاء هي تطبيق لفكرة الديمقراطية المباشرة، أما طريقة الجمعية التأسيسية فهي تطبيق للنظام النيابي، وهنا نكون أمام: إذا كانت الجمعية غير منتخبة فلا توجد مشكلة، بينما إذا كانت الجمعية منتخبة نكون بصدد وسيلة مركبة تجمع بين الاسلوب النيابي أو غير المباشر (وهو الجمعية المنتخبة) وبين الأسلوب المباشر، وهو الاستفتاء- ويري أن الأسلوب الأسلم والأقرب الي تحقيق الحكم الديمقراطي والذي يتلافي الإنتقادات الموجهة الي اللجان الحكومية التي لا تُمثل الشعب، هو أن تُعد مشروع الدستور لجنة منتخبة بواسطة الشعب، تمثل اتجاهاته، وتنوب عنه، تنحصر مهمتها في إعداد المشروع وصياغته باعتبارها الأقدر من الشعب فنيا وتأهيلا علي مواجهة المشاكل الدستورية وايجاد الحلول الملائمة، ثم يُعرض علي الشعب في استفتاء عام. وبذلك تكون المشاركة فعلية ويكون الشعب صاحب الرأي الأول
ثالثا: النماذج المصرية لإنشاء الدساتير:
أـ طرق انشاء الدساتير المصرية قبل ثورة 25 يناير 2011
1ـ دستور 1882:
يعتبرالبعض أن هذا الدستور صدر عن جمعية وطنية Convention لأن مجلس النواب سنة 1881 المنتخب من الشعب هو الذي أملاه علي النحو الذي إرتآه.
2 ـ دستور 1923:
رغم ماهو ثابت في غالبية مؤلفات الفقه الدستوري بأنه قد صدر كمنحة من الملك للشعب المصري يقول البعض أنه ليس من عمل الحكومة، وأن لجنة الثلاثين الي أعدته كانت هيئة مستقلة، حيث دعت الحكومة جميع الأحزاب للإشتراك في وضعه، وتُرِكت للجنة مطلق الحرية في وضع ما تراه من مباديء. ولم يكن امتناع حزبي الوفد والوطني إلا لإصرارهما علي أن يتم وضعه بطريقة انتخاب لجنة وطنية لعمله، وإن اللجنة ضمت الكثير من صفوة رجال البلد ورجال حزب الأحرار الدستوريين. وعندما أرادت الحكومة تعديل بعض مواده لتوسيع سلطة الملك، ثار الرأي العام عليها، فأعلنت أنها لم تمس المباديء الدستورية التي وضعتها لجنة الثلاثين، وأن صُلب عملها انحصر في صياغة المباديء القانونية التي وضعتها اللجنة وترتيبها.
- أنه في أول جلسات اللجنة، وبحضور رئيس الحكومة
- طلب أحد أعضاء اللجنة أن يعترف بأن الدستور ليس منحة من الملك، وإنما هو ثمرة من ثمار جهاد الأمة، وأن للأمة السيادة التي يجب أن تكون بارزة في نصوصه،
ى لا يقال ان من حق الحاكم استرداده بدعوى انه منحه وقد استجاب رئيس الوزراء لذلك رئيس الوزراء. ويقول البعض ـ بحق ـ أنه ليس من حق الحاكم استرداد الدستور وسحبه في أي وقت، بدعوي أنه منحة، فتقرر فيه مبدأ سيادة الأمة كما نص صراحة علي اجراءات وشروط تعديله، ولذلك لا يستطيع الملك أن ينفرد بهذا التعديل، أو تعطيله، أو إلغائه . ورغم ذلك، فما كاد الدستور يُكمل عامه السابع حتي تعرض للإلغاء بأمر ملكي ووضع دستور جديد هو دستور سنة 1930.
دستور 1930 :
اتفق الفقه علي أنه قد صدر بطريقة المنحة، حيث:
أ- انفردت الحكومة بوضع مشروعه، ولم تدع الأحزاب للمشاركة.
ب - اتفاق ديباجته مع مثيلاتها في دساتير المنحة.
ج - اتجه الي تدعيم سلطات الملك وتدعيم مركزه علي حساب البرلمان.
د - سعي الجماهير للتخلص منه والذي انتهي بالغائه وإعادة العمل بدستور 1923.
- دستور 1956:
أ- بدأت خطوات إعداده بتشكيل لجنة سميت (لجنة الخمسين) سنة 1953، وقد ضمنت الاتجاهات المختلفة لإعداد مشروعه. ثم عُدِّلت الفكرة الي عقد جمعية تأسيسية تُنتخب بالاقتراع العام المباشر لتقوم بمناقشة المشروع وإقراره، ثم عُـهِد بالمهمة الي لجنة حكومية باشرت عملها حتي يناير 1955 ثم عهد رئيس مجلس الوزراء الي مكتبه الفني لإعداد مشروعه بعد أن حدد له فلسفته، وقد أُعِد باستشارة ذوي الرأي.
ب - عُرِض المشروع علي مجلس قيادة الثورة ، ثم علي مجلس الوزراء .
ج ــ في 23 يوليو 1956 طُرِح للإستفتاء مقرونا بترشيح جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية، وجاءت النتيجة 99.64% وأصبح نافذا.
ويري البعض أنه كان استفتاء سياسيا بمظهر للديمقراطية المباشرة لدعم سلطة الحاكم.
هذا ويري البعض ـ بحق ـ أنه استفتاء شعبيا وليس شخصيا، وأنه أول دستور يصدر بهذا الأسلوب وانتهي العمل به في 21 فبراير 1958 بقيام الدولة العربية المتحدة بين مصر وسوريا.
الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة 1958 :
أعلنه رئيس الجمهورية في دمشق بعد الوحدة مابين مصر وسوريا بقرار جمهوري يوم 5 مارس 1958 حتي يتم اتخاذ اجراءات وضع الدستور الدائم.
الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة 1964
في 23 مارس 1964 أصدره رئيس الجمهورية باعلان دستوري ليُعمل به من 25 مارس1964 ونُصَّ في مقدمته علي أن يقوم مجلس الأمة المنتخب بوضع مشروع الدستور الدائم وطرحه علي الشعب للإستفتاء.
. دستور 1971:
لم يكن من إعداد جمعية منتخبة، وإنما قامت باعداد مشروعه لجان مختلفة، بعضها منبثق من مجلس الأمة، وبعضها شكلتها الحكومة، بحيث يمكن القول بأن الذي طُرح في استفتاء سبتمبر1971 من إعداد الحكومة. فنتيجة لإعلان رئيس الجمهورية في 23 مارس 1964 تكليف مجلس الأمة بإعداد الدستور الدائم لعرضه في الإستفتاء، شكل المجلس لجنة تحضيرية أعدت دراسات أولية كما عقدت جلسات استماع موسعة ومفتوحة لمعرفة رأي فئات الشعب، وفي مايو 1967 أعدت مسودتها. ثم وقعت حرب 1967 فتوقفت الإجراءات. ثم أصدر رئيس الجمهورية البيان السياسي المعروف ببيان 30 مارس 1968 متضمنا تفويض المؤتمر القومي العام للإتحاد الإشتراكي العربي بوضع المشروع ليُعرض في استفتاء. واقترح أن يُـنـَص في مواده عشرة خطوط عامة أساسية.
وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وفي تاريخ 24 مايو 1971 قرر المجلس أن يكون المجلس بأكمله هو لجنة الدستور، وتنبثق منه لجنة تحضيرية يكون لها الإستعانة بمن تشاء من رجال القانون ومن كل فئات الشعب، ثم تعرض المسودة التي تنتهي اليها علي المجلس لمناقشتها قبل 23يوليو1971وفي 25 مايو وافق المجلس علي أن يكون أعضاء في اللجنة جميع من أبدي الرغبة وعددهم 80 عضوا وضُمت اليها مجموعة من رجال الفكر والخبرة ومن رجال الدين والقضاء.
وأدخلت اللجنة التحضيرية بعض التعديلات ووافق المؤتمر القومي العام للإتحاد الإشتراكي (المنتخب) وفوض لجنته المركزية في صياغة المشروع وفقا للمباديء التي وافق عليها كل من المجلس والمؤتمر القومي. وفي 11 سبتمبر 1971 وافق الشعب في الاستفتاء العام وأصدره الرئيس في ذات التاريخ.
ومما سبق يتبين أن معظم دساتير الثورة صدرت بقرارات جمهورية عدا دستور سنة1971 الذي صدر بطريقة تركت للشعب وممثليه في البرلمان دورا في صياغته وإصداره. وأن هذه الطريقة الديمقراطية تضمنت مشاركة شعبية مزدوجة:
أ ـ حين قام بوضع المشروع كل من مجلس الأمة، ثم اللجنة المركزية للإتحاد الاشتراكي العربي، وهي هيئات منتخبة.
بــ حين أقر الشعب مشروع الدستور في الاستفتاء العام.منقووووول