مسائل هامة فى الوكالة
الوكالة هي عقد يقتضي قيام الوكيل مقام الموكل، نظير قيام الولي مقام المولى عليه، فيترتب أثرها المذكور بمجرد العقد قبل وقوع التصرف، وهذا بخلاف الإذن في التصرف، فإنه لا يقتضي ذلك، بل هو إيقاع من الآذن يقتضي سلطنة المأذون على التصرف المأذون فيه من دون أن يقتضي قيامه مقامه. ويظهر الأثر في الوكالة التفويضية على الشيء بنحو الإطلاق كتوكيل الشخص في الاُمور المالية المتعلقة به وتوكيل الولي فيما هو مولّى عليه، حيث يجب على الوكيل القيام بما يجب على الموكل القيام به، ولا يجب ذلك على المأذون من دون توكيل، وإن جاز له الإتيان بالأمر المأذون فيه ويصح منه.
(مسألة 1): الوكالة كسائر العقود لابد من إنشائها، ويكفي فيها كل ما يدل على الالتزام بها من الوكيل والموكل من قول أو فعل. كما أن الأحوط وجوباً فيها التنجيز، فلا تصح مع تعليقها على أمر غير معلوم الحصول، نعم لا بأس بتعليق الأمر الموكل فيه.
(مسألة 2): يعتبر في الوكالة كمال الوكيل والموكل بالبلوغ والعقل أو إذن وليهما، ولا تصح بدون أحد الأمرين. نعم إذا وكل شخص طفلاً مميزاً أو مجنوناً مميزاً بحيث يتأتى منهما القصد للتصرف الموكل فيه وإنشاؤه نفذ تصرفهما عليه وإن لم يأذن وليهما في توكيلهما، لكنه ليس لصحة الوكالة، بل لتحقق الإذن منه لهما بالتصرف تبعاً لتوكيلهما، ولا يعتبر في نفوذ تصرف المأذون كماله ولا إذن وليه، بل يكفي التمييز الذي يتحقق معه القصد للتصرف المأذون فيه.
(مسألة 3): يعتبر في نفوذ تصرف الوكيل سلطنة الموكل على ذلك التصرف، فإذا وكلت البكر الرشيدة ذات الولي مثلاً شخصاً في تزويجها صحت وكالته، ولا ينفذ تزويجه لها إلا برضا وليها، وإذا وكل الراهن شخصاً في بيع العين المرهونة صحت وكالته ولا ينفذ بيعه لها إلا بإذن المرتهن. نعم إذا كان قصور سلطنة الموكل لعدم كماله ـ كالصبي والمجنون ـ كفى صدور الوكالة عن الولي في نفوذ تصرف الوكيل، ولا يحتاج إلى إذن الولي فيه.
(مسألة 4): يعتبر في الموكل عدم الحجر بسفه إذا كانت الوكالة في الماليات، فإذا وكل السفيه لم تصح الوكالة، ولا يصح من الوكيل التصرف حتى بعد ارتفاع سفه الموكل. أما الحجر بالفلس أو نحوه مما تقدم في كتاب الحجر فالظاهر أنه غير مانع من صحة الوكالة وإنما يمنع من نفوذ تصرف الوكيل في مورد عدم نفوذ تصرف الموكل.
(مسألة 5): الوكالة من العقود الجائزة، بمعنى أن لكل منهما متى شاء عزل الوكيل عن وكالته. نعم لا ينفذ عزل الموكل للوكيل إلا بعد أن يعلم الوكيل بالعزل، أو يخبره به ثقة.
(مسألة 6): إذا اشترط أحدهما عدم عزل الوكيل أبداً، أو إلى أمد خاص في ضمن عقد آخر لزم ولم ينفذ العزل، بل الظاهر لزومه إذا اشترط ذلك في عقد الوكالة بنفسه.
(مسألة 7): تبطل الوكالة بموت الوكيل ولا تنتقل لورثته، كما تبطل بموت الموكل، إلا أن تبتني على العموم لما بعد الموت، فترجع إلى كون الشخص وكيلاً حال الحياة وصياً بعد الموت، فيلحقه بعد موت الموكل حكم الوصي.
(مسألة : المشهور بطلان الوكالة بجنون الموكل والإغماء عليه وإن كانا مؤقتين، لكن المتيقن من ذلك عدم جواز التصرف للوكيل حال الجنون، لقصور سلطنة الموكل من دون أن تبطل الوكالة، فإذا ارتفع الجنون وعادت سلطنة الموكل جاز للوكيل التصرف. بل إذا كان الموكل ملتفتاً لاحتمال طروء الجنون عليه، وعمم الوكالة له كان مرجعها إلى جعل الوكيل ولياً على التصرف حال الجنون، والظاهر نفوذ الجعل المذكور وإغناؤه عن ولاية الولي الشرعي، فيجوز التصرف للوكيل حتى حال الجنون. وأما الإغماء فإن كان مستحكماً طويل الأمد فهو بحكم الجنون، وإن كان طارئاً مؤقتاً فهو بحكم النوم لا ينافي سلطنة المغمى عليه عرفاً، ولا يمنع الوكيل من التصرف، فضلاً عن أن يبطل وكالته.
(مسألة 9): المشهور بطلان الوكالة بجنون الوكيل والإغماء عليه وإن كانا مؤقتين، لكنه ممنوع. نعم إذا كانا مستحكمين طويلي الأمد فقد يكون إطلاق الوكالة منصرفاً عنهما، فيكون بطلان الوكالة معهما لقصورها عنهما ابتداء، لا لكونهما مبطلين لها.
(مسألة 10): يجوز للولي أن يوكل غيره، وله صورتان..
الاُولى: أن يوكل عن نفسه، وحينئذٍ تبطل وكالة وكيله بخروجه عن الولاية.
الثانية: أن يوكل عن المولى عليه، وحينئذٍ لا تبطل الوكالة بخروجه عن الولاية، بل لابد في بطلانها من عزل الوكيل من قبل من بيده الأمر بعد خروج الولي عن الولاية، إلا أن يكون توكيله عن المولى عليه مختصاً بحال ولايته عليه، فيكون خروجه عن الولاية موجباً لانتهاء أمد الوكالة. ويجري نظير ذلك في توكيل الوكيل، حيث قد يوكل عن نفسه وقد يوكل عن الموكل. ولابد في جميع ذلك من كون التوكيل داخلاً في عموم الولاية والوكالة الاُولى، أما إذا كان خارجاً عن مقتضاهما فهو لاغ ولا يترتب عليه الأثر حال الولاية والوكالة الاُولى، فضلاً عما بعد الخروج عنهما.
(مسألة 11): يصح التوكيل في كل ما لا يتعلق غرض الشارع الأقدس بمباشرة الموكل له بنفسه، بل يكفي في انتسابه إليه وقوعه عن أمره نيابة عنه، بحيث يكون نسبته للمباشر في طول نسبته إليه، سواء كان أمراً اعتبارياً، كإيقاع العقود والإيقاعات، أم حقيقياً خارجياً، كقبض المبيع والموهوب وإقباضهما، وأداء كثير من الواجبات والمستحبات. ومع عدم تنصيص الشارع الأقدس على ذلك بالخصوص يكتفى فيه ببناء المتشرعة، ومع عدم وضوح بنائهم يكتفى فيه ببناء العرف. وقد تعرضنا ـ تبعاً للفقهاء (رضوان الله عليهم) ـ في أبواب الفقه المختلفة لكثير من الموضوعات الشرعية التي تقبل الوكالة والتي لا تقبلها.
(مسألة 12): لا يجب في الأمر الموكل عليه أن يكون متحقق الموضوع حين الوكالة، كما في التوكيل في الإنفاق على الزوجة التي هي في حبال الموكل فعلاً، أو في طلاقها، بل يجوز التوكيل فيما لم يتحقق موضوعه بعد على تقدير تحقق موضوعه، سواء عمت الوكالة تحقيق الموضوع، كما لو وكله في شراء البضاعة ثم بيعها، أو في تزويج المرأة ثم الإنفاق عليها أو طلاقها، أم لا، كما لو وكله في بيع البضائع التي سيشتريها، أو في الإنفاق على الزوجة التي سوف يتزوجها من دون أن يوكله في الشراء والتزويج.
(مسألة 13): يجوز للوكيل مع إطلاق الوكالة اختيار أي فرد شاء، ولا يجوز مع تقييدها الخروج عما عيّن له، ولو خرج عنه لم ينفذ تصرفه إلا بإجازة الموكل. والمرجع في تحديد مفاد الوكالة سعة وضيقاً هو العرف حسبما يفهم من إطلاق الكلام بضميمة القرائن المقالية والحالية المحيطة به، ومنها التعارف وشاهد الحال وغير ذلك مما لا مجال لإعطاء الضابط له.
(مسألة 14): إذا كانت الوكالة متعلقة بعين للموكل يسلمها للوكيل ـ كما لو دفع إليه مالاً ليشتري به بضاعة، أو بضاعة ليبيعها أو يصلحها، أو حيواناً ليطعمه أو ليرعاه ـ فالعين المذكورة أمانة بيد الوكيل لا يضمنها إلا بالتعدي عما عينه الموكل ـ ولو من دون تعمد ـ أو التفريط فيها، على نحو ما سبق في جميع الأمانات. وإذا تعدى فيها أو فرط كان ضامناً من دون أن ينعزل عن الوكالة فيما وكل فيه.
(مسألة 15): إذا طرأ ما لا يمكن معه العمل على مقتضى الوكالة، ولم يمكن إرجاع العين للمالك أو حفظها له أو مراجعته فيها، وجب على الوكيل العمل بما تقتضيه مصلحة المالك بعد مراجعة الحاكم الشرعي مع تيسره، ولا ضمان عليه حينئذٍ، بل إذا لم يفعل تهاوناً ضمن. مثلاً: إذا دفع الموكل للوكيل نقداً ليشتري به بضاعة معينة، فصار النقد في معرض النهب أو السقوط عن المالية بإسقاط الدولة له أو نحو ذلك مما لا يتيسر معه شراء البضاعة المعينة فاللازم على الوكيل فعل ما يراه صلاحاً، كإبدال النقد بنقد آخر أو إقراضه أو شراء بضاعة اُخرى أو غير ذلك.
(مسألة 16): إذا ادّعى شخص الوكالة عن شخص من أجل أن يوقع معاملة من عقد أو إيقاع عنه، فإن كان التصرف بما تحت يده من مال ذلك الشخص جاز تصديقه وترتيب الأثر على معاملته، فيجوز الشراء منه والبيع عليه بالثمن الذي تحت يده، وترتيب أثر الوقف عليه إذا أوقفه وغير ذلك، بل يجوز إيقاع المعاملة في ذمة ذلك الشخص على أن يقبض المال مما تحت يده، كما إذا كان عنده ألف دينار لذلك الشخص فاشترى بضاعة بألف دينار في ذمته ودفع تلك الألف وفاء عنها، بل يجوز في المثال إيقاع المعاملة معه وإن لم يكن تحت يده ألف دينار له، وإنما جاء بها ودفعها بعد ذلك. بل لا حاجة في جميع ذلك إلى دعواه الوكالة صريحاً في نفوذ تصرفه ظاهراً بعد كونه صاحب يد، فإن مقتضى يده سلطنته على التصرف فيما تحت يده ونفوذ تصرفه فيه، فمن جلس في متجر غيره وأخذ يبيع ويشتري ويتصدق مما في المتجر جاز البناء على صحة تصرفه والتعامل معه وإن لم يدّع الوكالة صريحاً. نعم إذا أنكر المالك الوكالة بعد ذلك كان القول قوله حتى إذا كان صاحب اليد قد ادّعى الوكالة.
وأما إذا لم يكن تصرفه فيما تحت يده، بل فيما هو خارج عنها، فلا مجال لتصديقه وترتيب الأثر على تصرفه ـ بنحو يلزم به ذلك الشخص ـ من دون حجة شرعية، فمن مر على متجر قد تركه صاحبه فجاء شخص آخر من جيران ذلك المتجر أو عابر عليه فأراد أن يبيعه شيئاً مما في المتجر من دون أن يضع يده عليه لم يكن له أن يشتري منه ويبني على صحة البيع بنحو يجوز له أخذ ذلك الشيء الذي باعه له، ومن اشترى لشخص في ذمته من دون أن يكون له مال عنده لم يكن للبائع البناء على استحقاقه الثمن في ذمة ذلك الشخص، بحيث له مطالبته أو أخذ مقدار ذلك الثمن منه مقاصة أو من وارثه، بل لو قال ذلك الشخص: إن كنت مديناً لك فخذ من مالي ما يفي بدينك، لم يجز له أخذ شيء منه، إذ لا حجة له على كونه مديناً له. نعم يجوز ترتيب الأثر على البيع في حق مدعي الوكالة نفسه كما يأتي.
(مسألة 17): إذا أجرى الوكيل المعاملة كان مسئولاً بها وبتبعاتها، فيجوز مطالبته بالثمن إن امتنع الموكل من تسليمه ـ عصياناً أو لإنكار الوكالة ـ فإن كان ذمياً دفعه عن الموكل، وإن كان عيناً خارجية دفع بدلها، كما يجوز مطالبته بأرش العيب في المبيع، وبالثمن عند حصول سبب الفسخ، وبالمهر في النكاح، وغير ذلك. نعم إذا قامت قرينة على عدم مسئوليته بالمعاملة فلا رجوع عليه، كما إذا كان وكيلاً في إجراء الصيغة فقط، أو صرح بعدم مسئوليته بالمعاملة أو تبعاتها، أو أقام البينة أو نحوها من الشواهد على الوكالة من أجل التنبيه على أن المسئول بالمعاملة هو الموكل لا غير، أو نحو ذلك.
(مسألة 18): لا بأس بجعل الموكل الأجر للوكيل، فإن كان الأجر على نفس الوكالة استحقه بها ولم ينظر لخصوصيات العمل، كما إذا جعله وكيلاً للقيام عنه بما يناسب عند الحاجة، وعين له في كل شهر مثلاً مبلغاً من المال، وإن كان الأجر على العمل الموكل عليه استحقه به، كما إذا عين للوكيل عنه في إجراء المعاملات مبلغاً من المال لكل معاملة يقوم بها.
(مسألة 19): إذا كان الأمر الموكل فيه مما يمكن وقوعه للوكيل والموكل، كحيازة المباحات وإحياء الموات والشراء في الذمة، فالقول قول الوكيل في تعيين من أوقع له ذلك الأمر.
منقول