الممثلة حبيبة...من قاتلة..... لبريئة
|القاهرة - من حنان عبد الهادي|
كثيرة جدا... هي المحاكمات التي شغلت الرأي العام - محليا وعالميا - واهتمت وسائل الإعلام بجميع أطيافها بنقل تفاصيلها ووقائعها لحظة بلحظة، ولا تزال باقية في الذاكرة حتى الآن... بسبب ملابساتها المعقدة، أو أسماء المتهمين المتورطين في ارتكابها، أو نتائجها الصعبة والمؤثرة.
وهذه النوعية من المحاكمات تتعلق بقضايا ساخنة وغير مألوفة، وتتشابك فيها التفاصيل، وتتوه معها الحقائق، وتضل العدالة أحيانا طريقها في البداية، ولكن بعد قيام الأجهزة المعنية بأدوارها... تظهر الحقيقة في النهاية، وينال المجرم جزاءه ويجني ثمار ما اقترفت يداه.
والقضايا التي تشغل الرأي العام... هي القضايا التي يروح ضحيتها أعداد كبيرة من البشر «حادث العبارة السلام - 98 في مصر... نموذجا»، ويكتنف تفاصيلها غموض يستغرق جهودا مضنية لفك شفرته، أو التي تشهد وحشية غير مقبولة من الجناة، أو التي توصف بأنها سياسية «محاكمة المقبور صدام حسين»، أو التي تتعلق بإهدار مبالغ هائلة من المال العام «محاكمة نواب القروض في البرلمان... نموذجا»، أو تخص مسؤولا مرموقا «محاكمة محافظ الجيزة الأسبق في مصر أيضا».
وعبر 15 حلقة... نرصد أشهر 15 قضية شغلت الرأي العام محليا وعربيا ودوليا، وننشر أهم تفاصيل محاكماتها من واقع ملفات القضايا أو من أرشيف المطبوعات والإصدارات التي تابعت تلك القضايا، أو عبر المواقع الألكترونية، وبقيت شاهدا عليها حتى تعاقبت السنون.
وتتنوع هذه المحاكمات بين ما هو محلي مثل: قضايا العبارة السلام - 98، التي راح ضحيتها أكثر من 1000 مصري فقير... أو سياسي مثل «محاكمة الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام»، أو دولية مثل: «محاكمة المقبور صدام حسين» على جريمة الإبادة البشرية في قرية الدجيل، أو المحاكمة الخاصة بالطائرة البريطانية التي اتهم ليبيان بإسقاطها فوق بلدة لوكيربي الأسكتلندية.
وسنعرض تلك المحاكمات بدءا من أول جلسة مرورا بجميع التفاصيل الدقيقة، وصولا إلى إصدار الأحكام النهائية، بكل حيادية وموضوعية، ومن واقع أوراق تلك القضايا والمحاكمات.
«ياما في الحبس مظاليم»... مَثَل مصري شعبي ينطبق تماما على الممثلة «حبيبة»، التي اتهمت في العام 1998 بقتل زوجها القطري الجنسية عطاالله جعفر عطاالله والذي تزوجته عرفيا، وعاقبتها المحكمة بالسجن 10، وبعد 5 سنوات خلف الأسوار ظهرت أدلة جديدة في القضية، وكشفت عن متهمين آخرين، وتبين أن اعتراف «حبيبة» بقتل زوجها جاء وليد إكراه وتعذيب.
وفي العام 2004، أعادت محكمة جنايات الجيزة محاكمة الممثلة، وألغت حكمها بالأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات، وبرأت ساحتها من التهمة المنسوبة إليها.
وحبيبة اسمها الحقيقي «حبيبة محمد سعيد سالم»... من مواليد الجيزة في العام 1976 ، وشاركت بالتمثيل في عدد من الأعمال الفنية المسرحية والسينمائية وآخر عمل فني عرض لها هو فيلم «كان يوم حبك»، والذي شاركتها فيه: داليا البحيري والمطرب الشاب خالد سليم.
وقائع القضية
وتعود وقائع تلك القضية - حسب أسبوعية أخبار الحوادث المصرية - عندما عُثر على رجل الأعمال القطري الجنسية عطاالله جعفر... مقتولا في شقته بحيّ الهرم بالجيزة، ولم تكتشف الجريمة إلا بعد 12 يوما من مقتله ، ودارت الشبهات حول الممثلة حبيبة التي كانت متزوجة - عرفيا - من المغدور، وتم توقيفها، وأحيلت على محكمة جنايات الجيزة العام 1999، والتي عاقبتها بالسجن 10 سنوات.
حبيبة صرحت: «كنت أحب زوجي كثيرا وقابلته للمرة الاولى في إسطنبول عندما كنا نعرض مسرحية هناك، وتعرفت عليه وعرض عليّ الزواج... وبعد عودتي للقاهرة بأربعة أشهر تزوجنا عرفيا، وعندما أتذكره أحزن لفراقه كثيرا جدا فقد انقطع بيننا الاتصال فجأة ومن دون أي مقدمات فاعتقدت أنه سافر ولم أكن أعرف أنه كان مقتولا منذ 12 يوما كاملة»...
وتقول عن زواجها من رجل الأعمال القطري «أنا تزوجته عن قناعة تامة مني ولم يكن زواجي منه بناء على رغبات مادية مطلقا لأنني كنت أعرف وضعه المالي ومشاكله جيدا في مصر فقد كان يعمل في الاستيراد والتصدير».
* بلاغ إلى النائب العام
في ديسمبر 2003 قدمت جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء بلاغا إلى النائب العام - آنذاك - المستشار ماهر عبدالواحد للتحقيق في واقعة تعذيب الممثلة حبيبة وإكراهها على الاعتراف بارتكاب جريمة قتل زوجها وقيد البلاغ تحت رقم 12207 بتاريخ 11 ديسمبر 2003 نيابة استئناف القاهرة لاتخاذ اللازم قانونا، وتم إرساله إلى نيابة جنوب الجيزة برقم صادر 6197 بتاريخ 13 ديسمبر 2003 وأشر عليه بالنظر مع القضية الخاصة واتخاذ اللازم قانونا.
ثم أرجأت محكمة جنايات الجيزة إعادة محاكمة حبيبة في القضية رقم 28608 لسنة 2003 جنايات الهرم والمقيدة برقم 4451 لسنة 2003 كلي جنوب الجيزة ومحاكمة «5» متهمين جدد حامد مرعي عمر «حداد» ومحمد عبدالمقصود أحمد «نقاش» ووائل «فني ألوميتال» وفتحي مبروك محمود والسيد «سائقين» بتهمة قتل رجل الأعمال القطري الجنسية عطا الله جعفر عمدا بمسكنه بشارع فيصل ومحاكمة المقدم ياسر رئيس شرطة الهرم الأسبق بتهمة تعذيب الممثلة حبيبة لإجبارها على الاعتراف بقتل زوجها.
فاعترفت بالجريمة تحت وطأة التعذيب، بعد أن ظهرت أدلة جديدة أشارت بأصابع الاتهام لهؤلاء الخمسة بالتورط في جريمة القتل وأن حبيبة لم تشترك في جريمة القتل، وبذلك قررت المحكمة التأجيل لجلسة 17فبراير 2004 كطلب المتهمين حامد وفتحي لتوكيل محام للدفاع عنهما واستجابة لبقية الدفاع لسماع شهود الإثبات والنفي.
إعادة المحاكمة
في 17 فبراير 2004 قضت محكمة النقض بضم أوراق القضية الخاصة بإعادة محاكمة الممثلة حبيبة وإلغاء حكم محكمة جنايات الجيزة بمعاقبتها بالأشغال الشاقة 10 سنوات لاتهامها بجريمة قتل زوجها وإعادة أوراق القضية إلى محكمة استئناف القاهرة لتحديد دائرة بمحكمة الجنايات لنظر القضية من جديد.
وقضت محكمة جنايات الجيزة بنظر الدعوى مع القضية الخاصة بمحاكمة المتهمين الخمسة بقتل زوجها وضابط المباحث المتهم بتعذيبها للاعتراف بقتل زوجها مع استمرار حبس المتهمين الأول والثاني والثالث والخامس والتنبيه على كل من الممثلة حبيبة والمتهم السادس ضابط الشرطة بحضور الجلسة المقبلة.
وجاءت هذه المحاكمة بعد أن أصدر النائب العام قراره بالموافقة على إحالة الضابط على المحاكمة بعد أن وجهت إليه النيابة العامة تهمة التعذيب وإجبار الممثلة حبيبة على الاعتراف بجريمة لم ترتكبها والتزوير في محاضر رسمية عندما كان يشغل منصب رئيس مباحث قسم الهرم آنذاك.
وصدر هذا القرار بعد أن تولت نيابة حوادث جنوب الجيزة التحقيق مع الضابط في واقعة تعذيب حبيبة وإكراهها على الاعتراف بجريمة قتل زوجها، الأمر الذي أدى إلى إدانتها في هذه الجريمة، والحكم عليها لمدة عشر سنوات قضت منها ما يقرب من خمس سنوات إلى أن تفجرت مفاجأة في هذه القضية بظهور المتهمين الحقيقيين واعترافهم بارتكابها وهو الأمر الذي أكدته تحريات الشرطة وتقرير الطب الشرعي والذي أوضح أن الجريمة وقعت وفقا للتصور الوارد في اعترافات المتهمين الحقيقيين وليس وفقا لاعترافات المتهمة حبيبة والتي أدلت بها تحت وطأة التعذيب بحسب تقرير الطب الشرعي.
وبجلسة 3 أغسطس العام 2004 ... أرجأت محكمة جنايات الجيزة نظر القضية إلى جلسة 3 أكتوبر 2004 بحضور محامي المتهم الرابع فتحي والذي سبق أن قررت المحكمة في الجلسة السابقة حضوره مع حبيبة من محبسه لسماع أقواله، وأجلت محكمة جنايات الجيزة في 14 مايو 2005 قضية قتل رجل الأعمال القطري ، وبعد مناقشة المتهمين وجلسات عدة أعلنت محكمة جنايات الجيزة حيثيات حكمها في القضية في العام 2007.
حكم البراءة
وأكدت محكمة جنايات الجيزة في «حيثيات حكمها» في قضية مقتل رجل الأعمال القطري عطا الله جعفر أنه ثبت في يقين المحكمة ارتكاب المتهمين الخمسة لجريمتي القتل العمد مع سبق الإصرار المرتبطة بالسرقة وتحريز الأسلحة، وكذلك قيام المتهم السادس ضابط الشرطة بجريمة التعذيب لحمل الممثلة حبيبة على الاعتراف بقتل زوجها.
وقالت المحكمة - كما جاء في حيثيات الحكم -: إنه خلص إليها اليقين وتوافرت الأدلة وتساندت على الجرائم المسندة للمتهمين الخمسة الجدد والسادس من خلال ما قدره شهود الإثبات ومنهم الرائد مفيد محمد مفيد والعقيد عصام الدين عبدالنعيم وعلي فؤاد وكبير الأطباء الشرعيين السابق فخري محمد صالح، وكبير الأطباء الشرعيين مصطفى محمد فودة، وسامي الجندي، وماجدة القرضاوي والعميد ياسر إبراهيم فرغلي وحبيبة محمد سعيد «الممثلة» بتحقيقات النيابة العامة وجلسات المحاكمة ومن اعتراف المتهمين الأول حامد والثاني محمد عبدالمقصود بتحقيقات النيابة العامة بارتكابهما لواقعتي القتل والسرقة مع المتهمين الثالث والرابع والخامس وائل وفتحي والسيد باتفاق مسبق بينهم.
واطمأنت المحكمة إلى أقوال المتهم الثالث واعترافه وما أقرّ به بتحقيق النيابة العامة من تحصله على - الساعة المضبوطة -مع المتهم الخامس ومما ثبت من تقرير إدارة مسرح العمليات بإدارة المعمل الجنائي وما اطمأنت إليه المحكمة من تقرير الطبيب الشرعي الذي قام بتشريح جثة المغدور ومن تقرير اللجنة الثلاثية المشكلة برئاسة كبير الأطباء الشرعيين وتقريري الطب الشرعي الخاصين بالمدعية بالحق المدني «حبيبة» وكذلك اطمئنانها لأقوال انتصار محمد فرج وإيفون يواقيم.
وأكدت المحكمة أن ظروف سبق الإصرار ونية القتل ثابتة في حق المتهمين الخمسة من واقع تدبرهم الأمر قبل الحادث في هدوء وعقدوا النية على قتل رجل الأعمال القطري ليتمكنوا من سرقة ما ظنوا أنه يخفيه من مال بمسكنه الذي يقيم فيه بمفرده وانعقد إجماعهم على ذلك في اليوم السابق للتنفيذ، وحددوا موعدا للتنفيذ وأعدوا الأسلحة البيضاء التي استخدموها في القتل كما كان دور الخامس - حسبما خططوا له - أن يقلهم بمركبته ذهابا وينتظر أسفل البناية ليقلهم في العودة ويقتسم معهم الغنيمة وأثبت التقرير الطبي بوجود 25 طعنة بمختلف أنحاء جسده ما يؤكد نيتهم على إزهاق روح القتيل.
قتل بغرض السرقة
وجاء في الحيثيات التي ضمت 100 صفحة عن اطمئنان وجدان المحكمة إلى أن جريمة القتل كانت من أجل تنفيذ وتسهيل جريمة السرقة، كما أشار المتهمون الأول والثاني والثالث في اعترافاتهم ومن تحريات المباحث التي أكدت ذلك.
أما جريمة تعذيب حبيبة - المدعية بالحق المدني - لحملها على الاعتراف بتلك الجريمة فمسندة للمتهم السادس رئيس شرطة الهرم الأسبق ودفع دفاعه بأنه سبق صدور أمر ضمني بألا وجه لإقامة الدعوى ضد المتهم، فردت المحكمة أن هذا الدفاع يعد تعسفا في الاستنتاج وفسادا في الاستدلال لبنائه على افتراضات غير صحيحة تغاير ما هو ثابت بالأوراق مما يتعين طرحه وعدم التعويل عليه وطرح جميع ما بني عليه من دفاع ودفوع قوامها افتراض صحة هذا الدفع.
غيبوبة الفرحة
وفور النطق بالحكم أصيبت الممثلة حبيبة بغيبوبة موقتة ولم تقو ساقاها على حملها فسارعت شقيقتها بحملها داخل غرفة رئيس حرس المحكمة، ولم تصدق أن المحكمة أعادت إليها كرامتها وعوضتها عن معاناة 5 سنوات قضتها خلف القضبان من دون ذنب اقترفته.
أما محامي حبيبة - أيمن نجيب - فقد أصيب قبل النطق بالحكم مباشرة بجلطة في القلب وتم إسعافه إلى العناية المركزية، وفور علم حبيبة بذلك أصيبت هي الأخرى بدوار شديد وتم نقلها إلى المستشفى لإسعافها، في حين أكد محاميها الآخر ياسر أبوطامع أن الحكم عادل وأعطى كل ذي حق حقه ورد لحبيبة اعتبارها بعد أن أثبت أنها تعرضت للإجبار على الاعتراف بالقتل من جانب الضابط، وكذلك ألزمته المحكمة بتعويض موقت لموكلته قدره 2001 ويحق بذلك لحبيبة رفع دعوى مدنية تطالب فيها بأي مبلغ لتعويضها.
أما المتهمون فكانوا أثناء النطق بالحكم - في حالة هيستريا - وعقب النطق بالحكم ردد المتهم فتحي «أنه ظلم»، أصيب بهيستريا شديدة وظل يشتم كل من حوله وأصاب نفسه داخل حجز المحكمة، وأصيبت زوجته أيضا بهيستريا وملأت صالة دار القضاء العالي صراخا وبكاء ومعها بقية أهالي المتهمين.
في حين قابل المتهمون الأول والثاني والثالث الحكم - بلا مبالاة - وظلوا متماسكين بينما قابله الخامس السيد طاهر بالبكاء الشديد، مؤكدا أنه لم يكن يتوقع مثل هذا الحكم بعد أن قدم خدمة للعدالة باعترافه أنه قام بتوصيل المتهمين إلى مسكن المغدور، وتعرض بسبب هذا الاعتراف للتهديد بالقتل من جانب المتهمين.
تهديدات بالقتل
وقبل الجلسة حضرت حبيبة ومعها والدتها وشقيقتها ومحاميها أيمن نجيب في الحادية عشرة وظلت في غرفة رئيس حرس المحكمة خوفا على حياتها بعد أن أعلنت أنها تعرضت للتهديد بالقتل عبر تلفونات عدة إذا حضرت جلسة النطق بالحكم، ولذلك تم فرض حراسة أمنية مشددة عليها، وفي الساعة الواحدة دخلت قاعة المحكمة وبعد الحكم تم توصيلها إلى سيارة ملاكي وركب معها أحد ضباط الشرطة خوفا على حياتها.
وفور دخولها القاعة صرخ المتهم الرابع فتحي بأعلى صوته من داخل القفص معترضا على وجودها خارج القفص ووجه السباب لكل من في القاعة، بينما وجهت زوجته لها سبابا بألفاظ نابية وتمت السيطرة عليها بصعوبة خاصة بعد أن أصاب زوجها نفسه بجروح في بطنه وأخذ الدم ينزف منه.
وهكذا أغلقت قضية الفنانة حبيبة والتي استمرت ما يقرب من 10 سنوات، حيث طالبت الفنانة حبيبة بالتعويض في شهر مايو 2008.
|القاهرة - من حنان عبد الهادي|
كثيرة جدا... هي المحاكمات التي شغلت الرأي العام - محليا وعالميا - واهتمت وسائل الإعلام بجميع أطيافها بنقل تفاصيلها ووقائعها لحظة بلحظة، ولا تزال باقية في الذاكرة حتى الآن... بسبب ملابساتها المعقدة، أو أسماء المتهمين المتورطين في ارتكابها، أو نتائجها الصعبة والمؤثرة.
وهذه النوعية من المحاكمات تتعلق بقضايا ساخنة وغير مألوفة، وتتشابك فيها التفاصيل، وتتوه معها الحقائق، وتضل العدالة أحيانا طريقها في البداية، ولكن بعد قيام الأجهزة المعنية بأدوارها... تظهر الحقيقة في النهاية، وينال المجرم جزاءه ويجني ثمار ما اقترفت يداه.
والقضايا التي تشغل الرأي العام... هي القضايا التي يروح ضحيتها أعداد كبيرة من البشر «حادث العبارة السلام - 98 في مصر... نموذجا»، ويكتنف تفاصيلها غموض يستغرق جهودا مضنية لفك شفرته، أو التي تشهد وحشية غير مقبولة من الجناة، أو التي توصف بأنها سياسية «محاكمة المقبور صدام حسين»، أو التي تتعلق بإهدار مبالغ هائلة من المال العام «محاكمة نواب القروض في البرلمان... نموذجا»، أو تخص مسؤولا مرموقا «محاكمة محافظ الجيزة الأسبق في مصر أيضا».
وعبر 15 حلقة... نرصد أشهر 15 قضية شغلت الرأي العام محليا وعربيا ودوليا، وننشر أهم تفاصيل محاكماتها من واقع ملفات القضايا أو من أرشيف المطبوعات والإصدارات التي تابعت تلك القضايا، أو عبر المواقع الألكترونية، وبقيت شاهدا عليها حتى تعاقبت السنون.
وتتنوع هذه المحاكمات بين ما هو محلي مثل: قضايا العبارة السلام - 98، التي راح ضحيتها أكثر من 1000 مصري فقير... أو سياسي مثل «محاكمة الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام»، أو دولية مثل: «محاكمة المقبور صدام حسين» على جريمة الإبادة البشرية في قرية الدجيل، أو المحاكمة الخاصة بالطائرة البريطانية التي اتهم ليبيان بإسقاطها فوق بلدة لوكيربي الأسكتلندية.
وسنعرض تلك المحاكمات بدءا من أول جلسة مرورا بجميع التفاصيل الدقيقة، وصولا إلى إصدار الأحكام النهائية، بكل حيادية وموضوعية، ومن واقع أوراق تلك القضايا والمحاكمات.
«ياما في الحبس مظاليم»... مَثَل مصري شعبي ينطبق تماما على الممثلة «حبيبة»، التي اتهمت في العام 1998 بقتل زوجها القطري الجنسية عطاالله جعفر عطاالله والذي تزوجته عرفيا، وعاقبتها المحكمة بالسجن 10، وبعد 5 سنوات خلف الأسوار ظهرت أدلة جديدة في القضية، وكشفت عن متهمين آخرين، وتبين أن اعتراف «حبيبة» بقتل زوجها جاء وليد إكراه وتعذيب.
وفي العام 2004، أعادت محكمة جنايات الجيزة محاكمة الممثلة، وألغت حكمها بالأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات، وبرأت ساحتها من التهمة المنسوبة إليها.
وحبيبة اسمها الحقيقي «حبيبة محمد سعيد سالم»... من مواليد الجيزة في العام 1976 ، وشاركت بالتمثيل في عدد من الأعمال الفنية المسرحية والسينمائية وآخر عمل فني عرض لها هو فيلم «كان يوم حبك»، والذي شاركتها فيه: داليا البحيري والمطرب الشاب خالد سليم.
وقائع القضية
وتعود وقائع تلك القضية - حسب أسبوعية أخبار الحوادث المصرية - عندما عُثر على رجل الأعمال القطري الجنسية عطاالله جعفر... مقتولا في شقته بحيّ الهرم بالجيزة، ولم تكتشف الجريمة إلا بعد 12 يوما من مقتله ، ودارت الشبهات حول الممثلة حبيبة التي كانت متزوجة - عرفيا - من المغدور، وتم توقيفها، وأحيلت على محكمة جنايات الجيزة العام 1999، والتي عاقبتها بالسجن 10 سنوات.
حبيبة صرحت: «كنت أحب زوجي كثيرا وقابلته للمرة الاولى في إسطنبول عندما كنا نعرض مسرحية هناك، وتعرفت عليه وعرض عليّ الزواج... وبعد عودتي للقاهرة بأربعة أشهر تزوجنا عرفيا، وعندما أتذكره أحزن لفراقه كثيرا جدا فقد انقطع بيننا الاتصال فجأة ومن دون أي مقدمات فاعتقدت أنه سافر ولم أكن أعرف أنه كان مقتولا منذ 12 يوما كاملة»...
وتقول عن زواجها من رجل الأعمال القطري «أنا تزوجته عن قناعة تامة مني ولم يكن زواجي منه بناء على رغبات مادية مطلقا لأنني كنت أعرف وضعه المالي ومشاكله جيدا في مصر فقد كان يعمل في الاستيراد والتصدير».
* بلاغ إلى النائب العام
في ديسمبر 2003 قدمت جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء بلاغا إلى النائب العام - آنذاك - المستشار ماهر عبدالواحد للتحقيق في واقعة تعذيب الممثلة حبيبة وإكراهها على الاعتراف بارتكاب جريمة قتل زوجها وقيد البلاغ تحت رقم 12207 بتاريخ 11 ديسمبر 2003 نيابة استئناف القاهرة لاتخاذ اللازم قانونا، وتم إرساله إلى نيابة جنوب الجيزة برقم صادر 6197 بتاريخ 13 ديسمبر 2003 وأشر عليه بالنظر مع القضية الخاصة واتخاذ اللازم قانونا.
ثم أرجأت محكمة جنايات الجيزة إعادة محاكمة حبيبة في القضية رقم 28608 لسنة 2003 جنايات الهرم والمقيدة برقم 4451 لسنة 2003 كلي جنوب الجيزة ومحاكمة «5» متهمين جدد حامد مرعي عمر «حداد» ومحمد عبدالمقصود أحمد «نقاش» ووائل «فني ألوميتال» وفتحي مبروك محمود والسيد «سائقين» بتهمة قتل رجل الأعمال القطري الجنسية عطا الله جعفر عمدا بمسكنه بشارع فيصل ومحاكمة المقدم ياسر رئيس شرطة الهرم الأسبق بتهمة تعذيب الممثلة حبيبة لإجبارها على الاعتراف بقتل زوجها.
فاعترفت بالجريمة تحت وطأة التعذيب، بعد أن ظهرت أدلة جديدة أشارت بأصابع الاتهام لهؤلاء الخمسة بالتورط في جريمة القتل وأن حبيبة لم تشترك في جريمة القتل، وبذلك قررت المحكمة التأجيل لجلسة 17فبراير 2004 كطلب المتهمين حامد وفتحي لتوكيل محام للدفاع عنهما واستجابة لبقية الدفاع لسماع شهود الإثبات والنفي.
إعادة المحاكمة
في 17 فبراير 2004 قضت محكمة النقض بضم أوراق القضية الخاصة بإعادة محاكمة الممثلة حبيبة وإلغاء حكم محكمة جنايات الجيزة بمعاقبتها بالأشغال الشاقة 10 سنوات لاتهامها بجريمة قتل زوجها وإعادة أوراق القضية إلى محكمة استئناف القاهرة لتحديد دائرة بمحكمة الجنايات لنظر القضية من جديد.
وقضت محكمة جنايات الجيزة بنظر الدعوى مع القضية الخاصة بمحاكمة المتهمين الخمسة بقتل زوجها وضابط المباحث المتهم بتعذيبها للاعتراف بقتل زوجها مع استمرار حبس المتهمين الأول والثاني والثالث والخامس والتنبيه على كل من الممثلة حبيبة والمتهم السادس ضابط الشرطة بحضور الجلسة المقبلة.
وجاءت هذه المحاكمة بعد أن أصدر النائب العام قراره بالموافقة على إحالة الضابط على المحاكمة بعد أن وجهت إليه النيابة العامة تهمة التعذيب وإجبار الممثلة حبيبة على الاعتراف بجريمة لم ترتكبها والتزوير في محاضر رسمية عندما كان يشغل منصب رئيس مباحث قسم الهرم آنذاك.
وصدر هذا القرار بعد أن تولت نيابة حوادث جنوب الجيزة التحقيق مع الضابط في واقعة تعذيب حبيبة وإكراهها على الاعتراف بجريمة قتل زوجها، الأمر الذي أدى إلى إدانتها في هذه الجريمة، والحكم عليها لمدة عشر سنوات قضت منها ما يقرب من خمس سنوات إلى أن تفجرت مفاجأة في هذه القضية بظهور المتهمين الحقيقيين واعترافهم بارتكابها وهو الأمر الذي أكدته تحريات الشرطة وتقرير الطب الشرعي والذي أوضح أن الجريمة وقعت وفقا للتصور الوارد في اعترافات المتهمين الحقيقيين وليس وفقا لاعترافات المتهمة حبيبة والتي أدلت بها تحت وطأة التعذيب بحسب تقرير الطب الشرعي.
وبجلسة 3 أغسطس العام 2004 ... أرجأت محكمة جنايات الجيزة نظر القضية إلى جلسة 3 أكتوبر 2004 بحضور محامي المتهم الرابع فتحي والذي سبق أن قررت المحكمة في الجلسة السابقة حضوره مع حبيبة من محبسه لسماع أقواله، وأجلت محكمة جنايات الجيزة في 14 مايو 2005 قضية قتل رجل الأعمال القطري ، وبعد مناقشة المتهمين وجلسات عدة أعلنت محكمة جنايات الجيزة حيثيات حكمها في القضية في العام 2007.
حكم البراءة
وأكدت محكمة جنايات الجيزة في «حيثيات حكمها» في قضية مقتل رجل الأعمال القطري عطا الله جعفر أنه ثبت في يقين المحكمة ارتكاب المتهمين الخمسة لجريمتي القتل العمد مع سبق الإصرار المرتبطة بالسرقة وتحريز الأسلحة، وكذلك قيام المتهم السادس ضابط الشرطة بجريمة التعذيب لحمل الممثلة حبيبة على الاعتراف بقتل زوجها.
وقالت المحكمة - كما جاء في حيثيات الحكم -: إنه خلص إليها اليقين وتوافرت الأدلة وتساندت على الجرائم المسندة للمتهمين الخمسة الجدد والسادس من خلال ما قدره شهود الإثبات ومنهم الرائد مفيد محمد مفيد والعقيد عصام الدين عبدالنعيم وعلي فؤاد وكبير الأطباء الشرعيين السابق فخري محمد صالح، وكبير الأطباء الشرعيين مصطفى محمد فودة، وسامي الجندي، وماجدة القرضاوي والعميد ياسر إبراهيم فرغلي وحبيبة محمد سعيد «الممثلة» بتحقيقات النيابة العامة وجلسات المحاكمة ومن اعتراف المتهمين الأول حامد والثاني محمد عبدالمقصود بتحقيقات النيابة العامة بارتكابهما لواقعتي القتل والسرقة مع المتهمين الثالث والرابع والخامس وائل وفتحي والسيد باتفاق مسبق بينهم.
واطمأنت المحكمة إلى أقوال المتهم الثالث واعترافه وما أقرّ به بتحقيق النيابة العامة من تحصله على - الساعة المضبوطة -مع المتهم الخامس ومما ثبت من تقرير إدارة مسرح العمليات بإدارة المعمل الجنائي وما اطمأنت إليه المحكمة من تقرير الطبيب الشرعي الذي قام بتشريح جثة المغدور ومن تقرير اللجنة الثلاثية المشكلة برئاسة كبير الأطباء الشرعيين وتقريري الطب الشرعي الخاصين بالمدعية بالحق المدني «حبيبة» وكذلك اطمئنانها لأقوال انتصار محمد فرج وإيفون يواقيم.
وأكدت المحكمة أن ظروف سبق الإصرار ونية القتل ثابتة في حق المتهمين الخمسة من واقع تدبرهم الأمر قبل الحادث في هدوء وعقدوا النية على قتل رجل الأعمال القطري ليتمكنوا من سرقة ما ظنوا أنه يخفيه من مال بمسكنه الذي يقيم فيه بمفرده وانعقد إجماعهم على ذلك في اليوم السابق للتنفيذ، وحددوا موعدا للتنفيذ وأعدوا الأسلحة البيضاء التي استخدموها في القتل كما كان دور الخامس - حسبما خططوا له - أن يقلهم بمركبته ذهابا وينتظر أسفل البناية ليقلهم في العودة ويقتسم معهم الغنيمة وأثبت التقرير الطبي بوجود 25 طعنة بمختلف أنحاء جسده ما يؤكد نيتهم على إزهاق روح القتيل.
قتل بغرض السرقة
وجاء في الحيثيات التي ضمت 100 صفحة عن اطمئنان وجدان المحكمة إلى أن جريمة القتل كانت من أجل تنفيذ وتسهيل جريمة السرقة، كما أشار المتهمون الأول والثاني والثالث في اعترافاتهم ومن تحريات المباحث التي أكدت ذلك.
أما جريمة تعذيب حبيبة - المدعية بالحق المدني - لحملها على الاعتراف بتلك الجريمة فمسندة للمتهم السادس رئيس شرطة الهرم الأسبق ودفع دفاعه بأنه سبق صدور أمر ضمني بألا وجه لإقامة الدعوى ضد المتهم، فردت المحكمة أن هذا الدفاع يعد تعسفا في الاستنتاج وفسادا في الاستدلال لبنائه على افتراضات غير صحيحة تغاير ما هو ثابت بالأوراق مما يتعين طرحه وعدم التعويل عليه وطرح جميع ما بني عليه من دفاع ودفوع قوامها افتراض صحة هذا الدفع.
غيبوبة الفرحة
وفور النطق بالحكم أصيبت الممثلة حبيبة بغيبوبة موقتة ولم تقو ساقاها على حملها فسارعت شقيقتها بحملها داخل غرفة رئيس حرس المحكمة، ولم تصدق أن المحكمة أعادت إليها كرامتها وعوضتها عن معاناة 5 سنوات قضتها خلف القضبان من دون ذنب اقترفته.
أما محامي حبيبة - أيمن نجيب - فقد أصيب قبل النطق بالحكم مباشرة بجلطة في القلب وتم إسعافه إلى العناية المركزية، وفور علم حبيبة بذلك أصيبت هي الأخرى بدوار شديد وتم نقلها إلى المستشفى لإسعافها، في حين أكد محاميها الآخر ياسر أبوطامع أن الحكم عادل وأعطى كل ذي حق حقه ورد لحبيبة اعتبارها بعد أن أثبت أنها تعرضت للإجبار على الاعتراف بالقتل من جانب الضابط، وكذلك ألزمته المحكمة بتعويض موقت لموكلته قدره 2001 ويحق بذلك لحبيبة رفع دعوى مدنية تطالب فيها بأي مبلغ لتعويضها.
أما المتهمون فكانوا أثناء النطق بالحكم - في حالة هيستريا - وعقب النطق بالحكم ردد المتهم فتحي «أنه ظلم»، أصيب بهيستريا شديدة وظل يشتم كل من حوله وأصاب نفسه داخل حجز المحكمة، وأصيبت زوجته أيضا بهيستريا وملأت صالة دار القضاء العالي صراخا وبكاء ومعها بقية أهالي المتهمين.
في حين قابل المتهمون الأول والثاني والثالث الحكم - بلا مبالاة - وظلوا متماسكين بينما قابله الخامس السيد طاهر بالبكاء الشديد، مؤكدا أنه لم يكن يتوقع مثل هذا الحكم بعد أن قدم خدمة للعدالة باعترافه أنه قام بتوصيل المتهمين إلى مسكن المغدور، وتعرض بسبب هذا الاعتراف للتهديد بالقتل من جانب المتهمين.
تهديدات بالقتل
وقبل الجلسة حضرت حبيبة ومعها والدتها وشقيقتها ومحاميها أيمن نجيب في الحادية عشرة وظلت في غرفة رئيس حرس المحكمة خوفا على حياتها بعد أن أعلنت أنها تعرضت للتهديد بالقتل عبر تلفونات عدة إذا حضرت جلسة النطق بالحكم، ولذلك تم فرض حراسة أمنية مشددة عليها، وفي الساعة الواحدة دخلت قاعة المحكمة وبعد الحكم تم توصيلها إلى سيارة ملاكي وركب معها أحد ضباط الشرطة خوفا على حياتها.
وفور دخولها القاعة صرخ المتهم الرابع فتحي بأعلى صوته من داخل القفص معترضا على وجودها خارج القفص ووجه السباب لكل من في القاعة، بينما وجهت زوجته لها سبابا بألفاظ نابية وتمت السيطرة عليها بصعوبة خاصة بعد أن أصاب زوجها نفسه بجروح في بطنه وأخذ الدم ينزف منه.
وهكذا أغلقت قضية الفنانة حبيبة والتي استمرت ما يقرب من 10 سنوات، حيث طالبت الفنانة حبيبة بالتعويض في شهر مايو 2008.