كنت شارعا فى اعداد موضوع بحثى كبير عن ضرورة الغاء هيئة قضايا الدولة والنيابة الادارية مبينا أسباب هذا الدفع من خلال مناقشة اختصاصاتهما وأن تلك الاختصاصات يمكن بسهولة أن نعهد بها الى جهات أخرى قائمة وتمارسها أو قريبا منها بالفعل - أقصد الاختصاصات المذكورة - وبالتالى نتلافى الاجراءات الكثيرة والتعقيدات الادارية العديدة التى خلفتها الهيئتان السابقتان
الا أنه استوقفنى لبرهة هذا الاقتراح بالتعديل الذى عرض على مجلس الشعب منذ أيام ليست بالكثيرة ولاقى قبولا من لجنة الاقتراحات والشكاوى تمهيدا لعرضه واصداره
ورأيت أن نتدارسه معا .. لنرى هل هو بالفعل خطوة فى الطريق الصحيح واخضاع للكافة بما فيهم أعضاء الرقابة الادارية والشرطة والجهاز المركزى والمحافظين وغيرهم لسلطة النيابة الادارية وتعديلا جوهريا فى صلاحياتها .
أم أنه ترقيع فى ثوب خلق ... لا يسمن ولا يغنى من جوع .. ويبقى نداء الغاء تلك الهيئة مع شقيقتها فى قضايا الدولة قائما ...؟
دعوة للبحث
((( اقتراح مشروع )))
قرار رئيس جمهورية مصر العربية
بمشروع القانون رقم لسنة
بتعديل بعض أحكام قانون النيابة الإدارية
رقم 117 لسنة 1958
مقدم إلى مجلس الشعب بتاريخ 18/2/2010
المذكرة الإيضاحية
(( لمشروع قانون تعديل أحكام قانون النيابة الإدارية ))
* أوجبت المواد 65 ، 165 ، 166 من الدستور استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية بما نص عليه من أن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات ومما لا شك فيه إنه وإن نص الدستور على أن السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقا للقانون وأن القضـاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهـم لغير القانـون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو شئون العدالة.
ولما كانت النيابة الإدارية شأنها شأن النيابة العامة فلم يشملهما الدستور كسلطتين قضائيتين إلا أن جموع فقهاء القانون قد اعتبروا أن النيابة العامة سلطة قضائية باعتبارها قضاء تحقيق تمهد لإصدار الحكم وتباشر الادعاء الجنائي أمام المحاكم والنيابة الإدارية أيضاً قضاء تحقيق تمهد لإصدار الحكم وتباشر الادعاء التأديبي أمام المحاكم فيسري عليها ما يسري على النيابة العامة تضمهما معا المواد 65 ، 165 ، 166 من الدستور.
وإذا توارت القوانين ونصوصها باعتبار القضاء الإداري على وجه العموم والمحاكم التأديبية على وجه الخصوص قضاء بدون نيابة فإذا بخلل في المنظومة القضائية لابد من تلافيه والاهتداء بالأصل العام فالقضاء العادي يظلله نيابة عامة تغذية وتمهد له الدعوى للنظر فيها.
والنيابة الإدارية أنشئت منذ أكثر من خمسين عاما كحلم للمشرع في إيجاد قاضي تحقيق محايد ومستقل عن السلطة التنفيذية يتولى التحقيق مع كافة العاملين بالجهاز الإداري للدولة وبدون استثناء في الجرائم التأديبية بل أوكل لها أيضاً عبء شديد ؟؟؟؟ وهو محاربة الفساد الإداري ولم يكن المشرع ليطمئن على تنفيذ ذلك إلا إذا أوكل ذلك لهيئة قضائية مستقلة.
وإيماناً بهذه المعاني السامية وعملا على تحقيقها فقد تم إعداد المشروع المرفق لتعديل بعض أحكام قانون النيابة الإدارية الصادر برقم 117 لسنة1958م.
* وفيما يلي أهم الأحكام التي يتضمنها المشروع:
1) اختصاص النيابة الإدارية يجب أن يستمد من قانونها:
لما كان اختصاص النيابة الإدارية سواء تلك التي تتعلق بنوعية المخالفات التي يجب أن تباشر تحقيقاتها أو تلك التي تتعلق بالدرجة الوظيفية أو المتعلقة بفئات العاملين الذين يدخلون في ولايتها إنما هي مستمدة من قوانين أخرى تختص بتنظيم طائفة معينة من الموظفين ولما كان ذلك يمثل تقدير عليها في اختصاصاتها وإفراغ الهدف من إنشائها وهو ملاحقة كافة الموظفين والعاملين في حالة ارتكابهم جرائم ومخالفات ومنعهم من أن يعثون في الجهاز الإداري فساداً أو أن ينخرون كالسوس في متن الإصلاح.
فكان لزاما تدارك هذا الخلل وعلى المشروع المرافق – تمكينا من أداء رسالة النيابة الإدارية على الوجه الأكمل – بالنص بمتن المشروع على تحديد الاختصاص النوعي والاختصاص الوظيفي لها.
وحتى يكون الأمر محققاً للغايات المرجوة فقد حرص المشروع على شمول اختصاصات النيابة الإدارية بالتحقيق مع كافة العاملين بالدولة ولملمة الاختصاصات المبعثرة في عدة قوانين في تشريع واحد.
2) امتداد ولاية النيابة الإدارية بالتحقيق والتصرف مع كافة العاملين بالجهات التابعة للدولة والشركات القابضة والتابعة بدون استثناء.
على الرغم من الدور الجليل الذي تتولاه النيابة الإدارية بصفتها أداة الحكم مجتمعة في تتبع الجرائم والمخالفات المرتكبة وأنواع التقصير التي يستوجب العقاب واكتشاف مواطن القصور وأوجه الخلل في النظام الإداري وصولا إلى الهدف الأسمى وهو محاربة الفساد إلا أنه من العجيب أن تصدر عدة تشريعات تسلب النيابة الإدارية اختصاصاتها بقصد إبعاد ما يقع داخل هيئات معينة عن نطاق المسئولية التأديبية ليصبح الأمر فوضى لا ضابط له ولا رابط ويجعل من الاستثناء قاعدة ومن القاعدة استثناء ومن الأمثلة على ذلك القانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات ثم تحذو جميع المعاهد العلمية والبحثية هذا الحذو فنصت جميع القرارات الجمهورية لكافة المعاهد البحثية التابعة لوزارة البحث العلمي على تطبيق أحكام قانون تنظيم الجامعات ثم صدر القرار الجمهوري رقم 19 لسنة 1983 بشأن مركز البحوث الزراعية استبعد فيه ولاية النيابة الإدارية في تحقيق مع أعضاء هيئة البحوث واسند التحقيق إلى عضو من مجلس الدولة ينتدبه رئيس المجلس كذلك القرارات الجمهورية الصادرة بشأن هيئة كهرباء الريف وهيئة كهرباء مصر وغير ذلك من القوانين واللوائح التي استبعدت فيها ولاية النيابة الإدارية في التحقيق وكان ذلك بسبب غياب التنسيق في تشريعات التأديب فجعل من الأمر فوضى وخلخل النظام التأديبي وأفرغه من مضمونه وفي ذلك مسالب وعيوب خطيرة منها:-
- فتلك التشريعات الاستثنائية تهدر مبدأ المساواة فتطبق العدالة ضد فئة معينة وتهدرها لصالح فئة أخرى فكيف للنيابة الإدارية؟! أن تختص بالتحقيق مع وكيل أول وزارة ولكنها لا تختص مع عامل نظافة أو سائق في إحدى الجامعات إلا بناء على طلب من رئيس الجامعة.
- كما إنه ما الداعي ولصالح من ؟! أن يحمل القانون الأخوة أساتذة كلية الحقوق أعباء جديدة فوق أعبائهم وهي التحقيق مع زملائهم من أعضاء هيئة التدريس والمحقق ، والمحقق معه تابعان لجهة إدارية واحدة مما قد يخلق بعض الحساسية في أداء مهمة التحقيق وتزداد الحساسية والحرج إذا وقعت المخالفة التأديبية من عضو هيئة التدريس بكلية الحقوق.
وليس من المعقول أيضاً أن يسند التحقيق مع أعضاء هيئة البحوث الزراعية إلى عضو مجلس الدولة ينتدبه رئيس مجلس الدولة وهو اختصاص بعيد عن اختصاصات مجلس الدولة واستبعاد جهة قضائية محايدة في إجراءات التحقيق لا شك أن ذلك سيؤدي إلى ضياع المسئوليات التأديبية ويصبح تأديب هؤلاء لا فائدة منه.
كما أن اختصاص النيابة الإدارية في التحقيق مع العاملين بالشركات القابضة والتابعة إنما هو اختصاص أصيل باعتبار أنها من ضمن الشركات التي تساهم الدولة فيها بنسبة لا تقل عن 25% من رأس مالها.
ولذلك فقد عني المشروع المرفق على إلغاء تلك الاستثناءات التي لا مبرر لها باعتبار أن الجميع أمام القانون سواسية ورد الحق للنيابة الإدارية باعتبارها هيئة قضائية محايدة مستقلة عن أي سلطة وباعتبارها قضاء التحقيق التي تنير إلى اتخاذ الحكم العادل عند التصرف وحتى لا تضيع الحقيقة وسط متاهات من الأضابير والمستندات والأقوال الصادرة عن عاملين تمرسوا في العمل الإداري فعرفوا ثغراتـه وطـرق التهـرب من مسئولياته وحتى لا يسند العمل القضائي لغير مستحقيه أو أن يسند التحقيق لغير مختصيه.
3) النص صراحة على مساواة أعضاء النيابة الإدارية مع أعضاء النيابة العامة بشأن قواعد القبض والحبس وكافة الضمانات الأخرى.
لما كانت النيابة الإدارية شأنها شأن النيابة العامة هي قضاء تحقيق ولما كان سند فقهاء القانون على اعتبار النيابة العامة سلطة قضائية مستمد من كونها قضاء تحقيق ، وتمهد لإصدار الحكم وتباشر الادعاء الجنائي أمام المحاكم وهو شأن النيابة الإدارية تماما فهي تتولى التحقيق القضائي وتمهد لإصدار الحكم وتباشر الادعاء التأديبي أمام المحاكم ، وتعتبر سلطة قضائية فلكونها لا تتبع أيا من السلطتين التشريعية أو التنفيذية باعتبار أن النيابة الإدارية قضاء تحقيق شأنها شأن النيابة العامة تماماً ولكونها حين ممارستها عملها تتولى ذلك في إطار قضائي بهدف محاربة الفساد أين ما كان دون استثناء أي من كان ، فكان لزاما الحرص على استقلال أعضاء النيابة الإدارية كقضاة تحقيق فيجب أن يتحصنوا من الكيدية وخطر التعسف أو التحكم بمناسبة طبيعة عملهم القضائي فلابد أن يتم معاملة أعضاء النيابة الإدارية بذات المعاملة التي يتعامل بها أعضاء النيابة العامة فلا معنى بالنص على أن يسري على أعضاء النيابة الإدارية ما يسري على أعضاء النيابة العامة ويقف الأمر عند الحصانة القضائية وبالتالي فقد عني المشروع على النص صراحة بأن " يسري على أعضاء النيابة الإدارية ما يسري على أعضاء النيابة العامة بشأن ضمانات قواعد القبض والحبس وكافة الضمانات الأخرى على أن تكون الهيئة المشكل منها مجلس التأديب هي الجهة المختصة في كل ما يتصل بهذا الشأن " وليس في ذلك ميزة بقدر ما هي ضمانة أساسية حتى يطمئن عضو النيابة حين قيامه بإجراءات التحقيق ومباشرة عمله القضائي إلى أنه بعيد عن الكيدية والتعسف وألاعيب ضعاف النفوس.
4) تقييد الجهة الإدارية بتنفيذ القرار الصادر من النيابة الإدارية مع منحها كهيئة قضائية مستقلة حق توقيع وتحديد بعض الجزاءات.
النيابة الإدارية هيئة قضائية مستقلة تباشر رسالتها بنص القانون ولا تنوب عن الجهات الإدارية واستهدف المشرع منها أن تكون وسيلة لإصلاح أداة الحكم بإعمال رقابتها ولا يتأتى لها أعمال اختصاصاتها وولايتها إلا بإزالة أي حال يمكن أن يحول بينها وبين أداء رسالتها … وقد أرادها المشرع وسيلة للإصلاح فجعل لها إجراء التحقيق في المخالفات المالية والإدارية التي تصل إلى علمها بأي وسيلة كانت سواء تم ذلك من الجهة الإدارية أو مما تتلقاه من بلاغات أو شكاوي الأفراد … كما أرادها المشرع هيئة قضائية تتولى التحقيق مع الموظفين بحياد تام والبعد بالموظف عن تعسف جهـة الإدارة ضده أو التنكيل به فأودع المشرع التحقيقات بمحراب العدالة وأسندها إلى قاضي تحقيق مستقل لا يرهبه عصا الإدارة ولا يسيل لعابه جزرتها ومكنه في سبيل تحقيق تلك الغاية السامية بالإطلاع على ما يراه من الأوراق والمستندات واستدعاء الشهود وسماع أقوالهم بعد حلف اليمين وأسرى عليه ما يسري على النيابة العامة في هذا الشأن وأجرى على الشهود الأحكام المقررة في قانون الإجراءات الجنائية .. ومنح كافة الضمانات للموظف أن يحضر بنفسه وأن يبدي دفوعه ويقدم مستنداته ثم أوكل لقاضي التحقيق حق تفتيش شخص أو منزل الموظف المخالف وذلك كما هو وارد بالمواد 9،8،7 من القانون 117 لسنة 1958 … كل ذلك سبيل لاتخاذ القرار العادل عند التصرف.
ورغم عن كل ذلك قد مكن المشرع الجهة الإدارية أن تخالف القرار السابق من تلك الهيئة القضائية بكل يسر وسهولة مهدرا كل المجهودات الفائقة التي بذلت في التحقيقات بل مهدرا سبب إنشاء هذه الهيئة القضائية مفرغا إياها من مضمونها وهدفها … فأي حياد هذا الذي أراده المشرع لتلك الهيئة القضائية في ظل أنها لا تملك القرار ؟! وأي حياد هذا في ظل ترك الأمر للجهة الإدارية في أن يتخذ ما تراه وتهدر بيدها سبب إنشاء تلك الهيئة … وهو بذلك خلط بين النظام التأديبي الرئاسي والنظام التأديبي القضائي في شكل يعد خلل واضح في المنظومة القضائية طالما اختار المشرع الأخذ بالنظام التأديبي القضائي.
وقد عنى المشروع المرافق بإزالة هذا الخلل إلى النص صراحة على منح النيابة الإدارية حق توقيع بعض الجزاءات التأديبية على أن يكون قرارها في ذلك ملزما للجهة الإدارية ودون أن يخل ذلك باختصاصات المحكمة التأديبية أو الجهة الإدارية في توقيع الجزاءات الممنوحة لها وفقا للقانون.
مع الإشارة إلى أنه إذا كان المشرع قد غل يد الجهة الإدارية بالتحقيق في بعض المخالفات الوجوبية فإنه يجب أن يمتد هذا الغل أيضا إلى عدم منحها حق إهدار التحقيقات التي تتولاها هيئة قضائية (النيابة الإدارية) في المخالفات الوجوبية.
الا أنه استوقفنى لبرهة هذا الاقتراح بالتعديل الذى عرض على مجلس الشعب منذ أيام ليست بالكثيرة ولاقى قبولا من لجنة الاقتراحات والشكاوى تمهيدا لعرضه واصداره
ورأيت أن نتدارسه معا .. لنرى هل هو بالفعل خطوة فى الطريق الصحيح واخضاع للكافة بما فيهم أعضاء الرقابة الادارية والشرطة والجهاز المركزى والمحافظين وغيرهم لسلطة النيابة الادارية وتعديلا جوهريا فى صلاحياتها .
أم أنه ترقيع فى ثوب خلق ... لا يسمن ولا يغنى من جوع .. ويبقى نداء الغاء تلك الهيئة مع شقيقتها فى قضايا الدولة قائما ...؟
دعوة للبحث
((( اقتراح مشروع )))
قرار رئيس جمهورية مصر العربية
بمشروع القانون رقم لسنة
بتعديل بعض أحكام قانون النيابة الإدارية
رقم 117 لسنة 1958
مقدم إلى مجلس الشعب بتاريخ 18/2/2010
المذكرة الإيضاحية
(( لمشروع قانون تعديل أحكام قانون النيابة الإدارية ))
* أوجبت المواد 65 ، 165 ، 166 من الدستور استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية بما نص عليه من أن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات ومما لا شك فيه إنه وإن نص الدستور على أن السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقا للقانون وأن القضـاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهـم لغير القانـون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو شئون العدالة.
ولما كانت النيابة الإدارية شأنها شأن النيابة العامة فلم يشملهما الدستور كسلطتين قضائيتين إلا أن جموع فقهاء القانون قد اعتبروا أن النيابة العامة سلطة قضائية باعتبارها قضاء تحقيق تمهد لإصدار الحكم وتباشر الادعاء الجنائي أمام المحاكم والنيابة الإدارية أيضاً قضاء تحقيق تمهد لإصدار الحكم وتباشر الادعاء التأديبي أمام المحاكم فيسري عليها ما يسري على النيابة العامة تضمهما معا المواد 65 ، 165 ، 166 من الدستور.
وإذا توارت القوانين ونصوصها باعتبار القضاء الإداري على وجه العموم والمحاكم التأديبية على وجه الخصوص قضاء بدون نيابة فإذا بخلل في المنظومة القضائية لابد من تلافيه والاهتداء بالأصل العام فالقضاء العادي يظلله نيابة عامة تغذية وتمهد له الدعوى للنظر فيها.
والنيابة الإدارية أنشئت منذ أكثر من خمسين عاما كحلم للمشرع في إيجاد قاضي تحقيق محايد ومستقل عن السلطة التنفيذية يتولى التحقيق مع كافة العاملين بالجهاز الإداري للدولة وبدون استثناء في الجرائم التأديبية بل أوكل لها أيضاً عبء شديد ؟؟؟؟ وهو محاربة الفساد الإداري ولم يكن المشرع ليطمئن على تنفيذ ذلك إلا إذا أوكل ذلك لهيئة قضائية مستقلة.
وإيماناً بهذه المعاني السامية وعملا على تحقيقها فقد تم إعداد المشروع المرفق لتعديل بعض أحكام قانون النيابة الإدارية الصادر برقم 117 لسنة1958م.
* وفيما يلي أهم الأحكام التي يتضمنها المشروع:
1) اختصاص النيابة الإدارية يجب أن يستمد من قانونها:
لما كان اختصاص النيابة الإدارية سواء تلك التي تتعلق بنوعية المخالفات التي يجب أن تباشر تحقيقاتها أو تلك التي تتعلق بالدرجة الوظيفية أو المتعلقة بفئات العاملين الذين يدخلون في ولايتها إنما هي مستمدة من قوانين أخرى تختص بتنظيم طائفة معينة من الموظفين ولما كان ذلك يمثل تقدير عليها في اختصاصاتها وإفراغ الهدف من إنشائها وهو ملاحقة كافة الموظفين والعاملين في حالة ارتكابهم جرائم ومخالفات ومنعهم من أن يعثون في الجهاز الإداري فساداً أو أن ينخرون كالسوس في متن الإصلاح.
فكان لزاما تدارك هذا الخلل وعلى المشروع المرافق – تمكينا من أداء رسالة النيابة الإدارية على الوجه الأكمل – بالنص بمتن المشروع على تحديد الاختصاص النوعي والاختصاص الوظيفي لها.
وحتى يكون الأمر محققاً للغايات المرجوة فقد حرص المشروع على شمول اختصاصات النيابة الإدارية بالتحقيق مع كافة العاملين بالدولة ولملمة الاختصاصات المبعثرة في عدة قوانين في تشريع واحد.
2) امتداد ولاية النيابة الإدارية بالتحقيق والتصرف مع كافة العاملين بالجهات التابعة للدولة والشركات القابضة والتابعة بدون استثناء.
على الرغم من الدور الجليل الذي تتولاه النيابة الإدارية بصفتها أداة الحكم مجتمعة في تتبع الجرائم والمخالفات المرتكبة وأنواع التقصير التي يستوجب العقاب واكتشاف مواطن القصور وأوجه الخلل في النظام الإداري وصولا إلى الهدف الأسمى وهو محاربة الفساد إلا أنه من العجيب أن تصدر عدة تشريعات تسلب النيابة الإدارية اختصاصاتها بقصد إبعاد ما يقع داخل هيئات معينة عن نطاق المسئولية التأديبية ليصبح الأمر فوضى لا ضابط له ولا رابط ويجعل من الاستثناء قاعدة ومن القاعدة استثناء ومن الأمثلة على ذلك القانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات ثم تحذو جميع المعاهد العلمية والبحثية هذا الحذو فنصت جميع القرارات الجمهورية لكافة المعاهد البحثية التابعة لوزارة البحث العلمي على تطبيق أحكام قانون تنظيم الجامعات ثم صدر القرار الجمهوري رقم 19 لسنة 1983 بشأن مركز البحوث الزراعية استبعد فيه ولاية النيابة الإدارية في تحقيق مع أعضاء هيئة البحوث واسند التحقيق إلى عضو من مجلس الدولة ينتدبه رئيس المجلس كذلك القرارات الجمهورية الصادرة بشأن هيئة كهرباء الريف وهيئة كهرباء مصر وغير ذلك من القوانين واللوائح التي استبعدت فيها ولاية النيابة الإدارية في التحقيق وكان ذلك بسبب غياب التنسيق في تشريعات التأديب فجعل من الأمر فوضى وخلخل النظام التأديبي وأفرغه من مضمونه وفي ذلك مسالب وعيوب خطيرة منها:-
- فتلك التشريعات الاستثنائية تهدر مبدأ المساواة فتطبق العدالة ضد فئة معينة وتهدرها لصالح فئة أخرى فكيف للنيابة الإدارية؟! أن تختص بالتحقيق مع وكيل أول وزارة ولكنها لا تختص مع عامل نظافة أو سائق في إحدى الجامعات إلا بناء على طلب من رئيس الجامعة.
- كما إنه ما الداعي ولصالح من ؟! أن يحمل القانون الأخوة أساتذة كلية الحقوق أعباء جديدة فوق أعبائهم وهي التحقيق مع زملائهم من أعضاء هيئة التدريس والمحقق ، والمحقق معه تابعان لجهة إدارية واحدة مما قد يخلق بعض الحساسية في أداء مهمة التحقيق وتزداد الحساسية والحرج إذا وقعت المخالفة التأديبية من عضو هيئة التدريس بكلية الحقوق.
وليس من المعقول أيضاً أن يسند التحقيق مع أعضاء هيئة البحوث الزراعية إلى عضو مجلس الدولة ينتدبه رئيس مجلس الدولة وهو اختصاص بعيد عن اختصاصات مجلس الدولة واستبعاد جهة قضائية محايدة في إجراءات التحقيق لا شك أن ذلك سيؤدي إلى ضياع المسئوليات التأديبية ويصبح تأديب هؤلاء لا فائدة منه.
كما أن اختصاص النيابة الإدارية في التحقيق مع العاملين بالشركات القابضة والتابعة إنما هو اختصاص أصيل باعتبار أنها من ضمن الشركات التي تساهم الدولة فيها بنسبة لا تقل عن 25% من رأس مالها.
ولذلك فقد عني المشروع المرفق على إلغاء تلك الاستثناءات التي لا مبرر لها باعتبار أن الجميع أمام القانون سواسية ورد الحق للنيابة الإدارية باعتبارها هيئة قضائية محايدة مستقلة عن أي سلطة وباعتبارها قضاء التحقيق التي تنير إلى اتخاذ الحكم العادل عند التصرف وحتى لا تضيع الحقيقة وسط متاهات من الأضابير والمستندات والأقوال الصادرة عن عاملين تمرسوا في العمل الإداري فعرفوا ثغراتـه وطـرق التهـرب من مسئولياته وحتى لا يسند العمل القضائي لغير مستحقيه أو أن يسند التحقيق لغير مختصيه.
3) النص صراحة على مساواة أعضاء النيابة الإدارية مع أعضاء النيابة العامة بشأن قواعد القبض والحبس وكافة الضمانات الأخرى.
لما كانت النيابة الإدارية شأنها شأن النيابة العامة هي قضاء تحقيق ولما كان سند فقهاء القانون على اعتبار النيابة العامة سلطة قضائية مستمد من كونها قضاء تحقيق ، وتمهد لإصدار الحكم وتباشر الادعاء الجنائي أمام المحاكم وهو شأن النيابة الإدارية تماما فهي تتولى التحقيق القضائي وتمهد لإصدار الحكم وتباشر الادعاء التأديبي أمام المحاكم ، وتعتبر سلطة قضائية فلكونها لا تتبع أيا من السلطتين التشريعية أو التنفيذية باعتبار أن النيابة الإدارية قضاء تحقيق شأنها شأن النيابة العامة تماماً ولكونها حين ممارستها عملها تتولى ذلك في إطار قضائي بهدف محاربة الفساد أين ما كان دون استثناء أي من كان ، فكان لزاما الحرص على استقلال أعضاء النيابة الإدارية كقضاة تحقيق فيجب أن يتحصنوا من الكيدية وخطر التعسف أو التحكم بمناسبة طبيعة عملهم القضائي فلابد أن يتم معاملة أعضاء النيابة الإدارية بذات المعاملة التي يتعامل بها أعضاء النيابة العامة فلا معنى بالنص على أن يسري على أعضاء النيابة الإدارية ما يسري على أعضاء النيابة العامة ويقف الأمر عند الحصانة القضائية وبالتالي فقد عني المشروع على النص صراحة بأن " يسري على أعضاء النيابة الإدارية ما يسري على أعضاء النيابة العامة بشأن ضمانات قواعد القبض والحبس وكافة الضمانات الأخرى على أن تكون الهيئة المشكل منها مجلس التأديب هي الجهة المختصة في كل ما يتصل بهذا الشأن " وليس في ذلك ميزة بقدر ما هي ضمانة أساسية حتى يطمئن عضو النيابة حين قيامه بإجراءات التحقيق ومباشرة عمله القضائي إلى أنه بعيد عن الكيدية والتعسف وألاعيب ضعاف النفوس.
4) تقييد الجهة الإدارية بتنفيذ القرار الصادر من النيابة الإدارية مع منحها كهيئة قضائية مستقلة حق توقيع وتحديد بعض الجزاءات.
النيابة الإدارية هيئة قضائية مستقلة تباشر رسالتها بنص القانون ولا تنوب عن الجهات الإدارية واستهدف المشرع منها أن تكون وسيلة لإصلاح أداة الحكم بإعمال رقابتها ولا يتأتى لها أعمال اختصاصاتها وولايتها إلا بإزالة أي حال يمكن أن يحول بينها وبين أداء رسالتها … وقد أرادها المشرع وسيلة للإصلاح فجعل لها إجراء التحقيق في المخالفات المالية والإدارية التي تصل إلى علمها بأي وسيلة كانت سواء تم ذلك من الجهة الإدارية أو مما تتلقاه من بلاغات أو شكاوي الأفراد … كما أرادها المشرع هيئة قضائية تتولى التحقيق مع الموظفين بحياد تام والبعد بالموظف عن تعسف جهـة الإدارة ضده أو التنكيل به فأودع المشرع التحقيقات بمحراب العدالة وأسندها إلى قاضي تحقيق مستقل لا يرهبه عصا الإدارة ولا يسيل لعابه جزرتها ومكنه في سبيل تحقيق تلك الغاية السامية بالإطلاع على ما يراه من الأوراق والمستندات واستدعاء الشهود وسماع أقوالهم بعد حلف اليمين وأسرى عليه ما يسري على النيابة العامة في هذا الشأن وأجرى على الشهود الأحكام المقررة في قانون الإجراءات الجنائية .. ومنح كافة الضمانات للموظف أن يحضر بنفسه وأن يبدي دفوعه ويقدم مستنداته ثم أوكل لقاضي التحقيق حق تفتيش شخص أو منزل الموظف المخالف وذلك كما هو وارد بالمواد 9،8،7 من القانون 117 لسنة 1958 … كل ذلك سبيل لاتخاذ القرار العادل عند التصرف.
ورغم عن كل ذلك قد مكن المشرع الجهة الإدارية أن تخالف القرار السابق من تلك الهيئة القضائية بكل يسر وسهولة مهدرا كل المجهودات الفائقة التي بذلت في التحقيقات بل مهدرا سبب إنشاء هذه الهيئة القضائية مفرغا إياها من مضمونها وهدفها … فأي حياد هذا الذي أراده المشرع لتلك الهيئة القضائية في ظل أنها لا تملك القرار ؟! وأي حياد هذا في ظل ترك الأمر للجهة الإدارية في أن يتخذ ما تراه وتهدر بيدها سبب إنشاء تلك الهيئة … وهو بذلك خلط بين النظام التأديبي الرئاسي والنظام التأديبي القضائي في شكل يعد خلل واضح في المنظومة القضائية طالما اختار المشرع الأخذ بالنظام التأديبي القضائي.
وقد عنى المشروع المرافق بإزالة هذا الخلل إلى النص صراحة على منح النيابة الإدارية حق توقيع بعض الجزاءات التأديبية على أن يكون قرارها في ذلك ملزما للجهة الإدارية ودون أن يخل ذلك باختصاصات المحكمة التأديبية أو الجهة الإدارية في توقيع الجزاءات الممنوحة لها وفقا للقانون.
مع الإشارة إلى أنه إذا كان المشرع قد غل يد الجهة الإدارية بالتحقيق في بعض المخالفات الوجوبية فإنه يجب أن يمتد هذا الغل أيضا إلى عدم منحها حق إهدار التحقيقات التي تتولاها هيئة قضائية (النيابة الإدارية) في المخالفات الوجوبية.