رغم مرور ما يقرب من 30عاما على توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، لا زالت معاهدة "كامب ديفيد" تثير انقسامات حادة في المجتمع المصري حول توصيف ملابساتها، وحقيقة المكاسب أو الخسائر التي حصلت عليها مصر منها، وفي هذا السياق ارتفعت مجددا بعض الأصوات المعارضة في مصر من أطياف شتى، تنادي بإلغاء هذه الاتفاقية، وهو ما يرفضه قطاع كبير من الشارع المصري، فضلاً عن أن دوائر صنع القرار في مصر على تعددها تؤكد في كل مناسبة الالتزام بخيار السلام واحترام معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل من الجانب المصري.
وكانت أحدث التطورات في هذه القضية السجالية تلك التي عبرت عنها تصريحات أدلى بها رئيس حزب "الوفد" الليبرالي المعارض، السيد البدوي، لإحدى الفضائيات المصرية مؤخرا، والتي أعرب من خلالها اعتزامه إلغاء اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل فيما لو تم انتخابه رئيسا للجمهورية .
تصريحات السيد البدوي التي كانت مفاجأة للشارع السياسي المصري، لكنها لقت استجابة واسعة النطاق سواء بين قيادات الوفد نفسه، أورموز المعارضة اليسارية يشقيها الناصري والماركسي، حيث أعرب ياسين تاج الدين نائب رئيس حزب الوفد عن دعمه لتصريحات البدوي، مشيرا إلى كونها لم تخرج عن الإطار العام لبرنامج الحزب الذي يدعو إلى ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة المحاصر، على حد تعبيره.
وحول الجدوى القانونية لمطالبات بعض قوى المعارضة المصرية بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد، يقول خبراء في القانون الدولي ـ استطلعت "الأزمة" آراءهم ـ "إن هناك قيمة قانونية إلى حد ما خاصة فيما يتعلّـق بتفعيل الأحكام التي لم تُـفعَـل، مثل محاسبة ومقاضاة إسرائيل على عدم التزامها، وكذا بشأن الجزء الخاص بإعادة النظر في أمن الحدود، أما الحديث عن الإلغاء النهائي للاتفاقية فإنه قرار سياسي أكثر منه قانوني، لأن قانون المعاهدات، حسب اتفاقية فيينا لعام 1958، يقرِّر أحكاما عامة لإعادة النظر في الاتفاقية".
من جهته عبر سامح عاشور النائب الأول لرئيس الحزب الناصري عن تأييده ودعم حزبه لتصريحات رئيس حزب "الوفد"، مؤكدا أن إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل بات مطلبا شعبيا وقال: "إن إلغاء هذه الاتفاقية بحاجة إلى إرادة حاكم، من شأنه حسب وصفه أن يتخذ قرارا يصادق عليه الشعب وفق حقوقه الدستورية، تلك الرؤية دعمها أيضا عبدالغفار شكر القيادي بحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، الذي أكد من جانبه أن اتفاقية السلام مع إسرائيل أدت إلى تراجع دور مصر وعزلتها عن محيطها العربي ، وقال : إنها أضاعت كثيراً من الحقوق العربية خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
جمع توقيعات
الموقف الداعم لتصريحات البدوى من قبل المعارضة الليبرالية واليسارية ساندته حركة الإخوان المسلمين، والتي كان قد سبق لها ومن خلال كتلتها البرلمانية في مجلس الشعب، أن أعدت قانونا بإعادة عرض بنود الاتفاقية لمناقشتها من جديد أمام البرلمان، مشيرة (أى الحركة) إلى أن هذا الحق تكفله نصوص الدستور، فيما أعربت الحركة المصرية من أجل التغيير(كفاية) وفي تصريح للمتحدث باسمها الدكتور عبد الحليم قنديل للأزمة، عن ترحيبها بتصريحات البدوى وقال قنديل:انه سبق للحركة وان أطلقت سابقا حملة إلكترونية عبر موقعها على شبكة الإنترنت، تستهدف جمع مليون توقيع للمطالبة بإلغائها.
ما يمكن وصفه بالتفاهم بين عدة قوى سياسية مصرية على اختلاف أطيافها على تأييد تصريحات البدوي المطالبة بإلغاء اتفاقيات السلام، أمر أرجعه خبراء ومراقبون سياسيون أن الاتفاقية لم تحقق شيئا لمصر، فيما اكتسبت إسرائيل من ورائها كثيرا، وهو ماعبر عنه الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية واحد قيادات الجبهة الوطنية للتغيير، حيث أشار في هذا الصدد إلى وجود قضايا وملفات مازالت عالقة بين الدولتين دون حل، وفي مقدمتها كما قال:امتناع إسرائيل عن التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وقضية الأموال المنهوبة نتيجة استخراج إسرائيل للنفط من سيناء لعدة سنوات، ومسألة محاكمة مجرمى الحرب من الجيش الإسرائيلي المتهمين بقتل أسرى من الجيش المصري في حرب أكتوبر، وأخيرا مسألة مدينة (أم الرشراش) المصرية، التي لا تزال تحت سيطرة إسرائيل وتطلق عليها اسم (إيلات) .
وكان رئيس حزب "الوفد" الجديد السيد البدوي صرح لإحدى الفضائيات المصرية إنه سيقوم بإلغاء معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية في حال انتخابه رئيساً، وقال إن هناك نوايا إسرائيلية تجاه مصر ودول المنطقة، لذلك فإنه من المستحيل إقرار علاقات طبيعية قبل إعادة الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة واكتمال الانسحاب من الأراضي اللبنانية، ما اعتبره البعض تشدداً سياسياً غير متوقع من قبل رئيس حزب ليبرالي .
مزايدات سياسية
في الجانب الآخر فقد حذر خبراء محسوبون على الحزب الحاكم من الحديث عن إلغاء الاتفاقية، حيث قال أستاذ العلوم السياسية القيادي بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم د. جهاد عودة: أن أي رئيس ليس له الحق في إلغاء المعاهدات التي أبرمها سلفه، وخاصة إذا كانت تحقق استقرارا للبلاد وتبعدها عن الدخول في حروب مدمرة لطاقاتها البشرية والاقتصادية مشيرا إلى أن مصر حسب قوله: ومنذ أن وقعت اتفاقية كامب ديفيد وهي تعيش في سلام حقيقي، ومن ثم لابد من الحفاظ على إقرار السلام في ربوع المنطقة، وحل القضية الفلسطينية بما يحقق للشعب الفلسطيني وطنا يعيش فيه، مؤكدا أن تصريحات البدوي مزايدة سياسية وتأجيجا لمشاعر البسطاء الرافضين للتطبيع.
ولم تكن تصريحات البدوي هي الأولى من نوعها ، إذ سبق لعدد من نواب البرلمان المصري من المعارضة والمحسوبين على جماعة "الإخوان المسلمين" أن أعلنوا عن مشروع بقانون سيتقدمون به لإلغاء معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، غير أن مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان المصري) أجهض هذا الاقتراح، إذ تسيطر على البرلمان غالبية ساحقة من نواب الحزب الوطني (الحاكم) بوسعها حسم التصويت ضد مشروعات قوانين أو اقتراحات من هذا النوع .
من جانبه قال الدكتور أسامه الباز المستشار السياسي للرئيس المصري، أن الرئيس الراحل أنور السادات التزم بصورة قوية بالقضية الفلسطينية جنبا إلى جنب مع الحقوق والمصالح المصرية خلال المفاوضات المصرية - الإسرائيلية التي أشرفت عليها الولايات المتحدة وأدت إلى توقيع أول معاهدة سلام بين دولة عربية - وهي مصر - وإسرائيل، ثم أعقبتها الاتفاقية التي أبرمها الأردن .
وقال الباز خلال اتصال هاتفي إن الرئيس السادات أبلغ الوفد المصري المفاوض في عدة مناسبات أنه بدون تحقيق تقدم ملموس في ما يتعلق بحل المشكلة الفلسطينية لن يكون من الممكن تحقيق تقدم في السلام بالشرق الأوسط.
أما محمد بسيوني، السفير المصري السابق لدى تل أبيب فقال: "هناك فارق كبير بين اتفاقيات كامب ديفيد الموقعة عام 1978 والتي شكلت إطاراً للسلام بين إسرائيل والعالم العربي وبين معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي تم توقيعها في العام التالي"، وأضاف بسيوني أن اتفاقيات "كامب ديفيد" كرست مبدأ الأرض مقابل السلام، ووضعت الإطار العام الذي يتم على أساسه حل مشاكل المنطقة سواء على المسار اللبناني أو السوري أو الفلسطيني وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الذي ينص على عدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة.
وفي هذا السياق يوضح الدكتور صلاح الناجي، أستاذ القانون الدولي أن "المبدأ القانوني يشير إلى أن إلغاء الاتفاقيات لا يكون إلا عن طريق رضا الطرفين أو الأطراف الموقعة على تلك الاتفاقيات، وإذا ضرب أحدهم عرض الحائط بالالتزامات المقرَّرة، عليه في نصر الاتفاقية، وفي حال إعلان أحد الطرفين للآخر رغبته في فسخ الاتفاق وإبلاغه رسمياً بذلك" .
ولدى توقيعها أثارت اتفاقيات "كامب ديفيد" ردود فعل معارضة في مصر ومعظم الدول العربية، ففي مصر استقال وزير الخارجية حينذاك، محمد إبراهيم كامل، لمعارضته الاتفاقية وسماها "مذبحة التنازلات" وكتب مقالا في كتابه "السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد" المنشور في بداية الثمانينيات أن "ما قبل به السادات بعيد عن السلام العادل"، كما انتقد كل اتفاقيات "كامب ديفيد" لكونها لم تشر صراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره"، على حد قوله.
لمزيد من التفاصيل حول اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل .. راجع الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" في الرابط التالي:
عدل سابقا من قبل مفيده عبد الرحمن في الثلاثاء يوليو 27, 2010 10:23 am عدل 2 مرات