المتهمة هي " العدو المعلن للامة الفرنسية" . المدعي العام فوكييه ـ تنفيل Fouquier-Tinville
" ارملة لويس كابه (الملك لويس السادس عشر) هي من كان يعين الوزراء الفاسدين, ويضع في الجيش والمكاتب رجالا معروفين بتآمرهم على الحرية, في طول البلاد وعرضها". " فوكييه ـ تينفيل .
"ان لم اجب فهذا لان الطبيعة نفسها ترفض الرد على مثل هذا الاتهام الموجه لأم . وادعو كل الامهات الموجودات هنا لفعله". رد ماري انطوانيت على سؤال عن عدم اجابتها عن تهمة متعلق بعلاقة مشبوهة بابنها لويس شارل.. ولأول مرة تتعاطف معها النساء الحاضرات في قاعة المحكمة بتصفيق طويل. وبقي هذا الرد مشهورا في فرنسا الى اليوم ومقترنا باسمها.
"الم اُحمّل هذه الاجابة كثيرا من الكرامة ؟" متوجهة بالتساؤل الى محاميها بعد نطقها بالعبارة المذكورة.
" بقدر ما التهم الموجهة للمتهمة خطيرة بذاتها, بقدر ما الاسس المستندة اليها هذه التهم ضعيفة" شوفو ـ لاكارد Chauveau-Lagarde محامي ماري انطوانيت.
" ارجوكم ايها المواطنون ان تبعدوا عنكم الاحكام المسبقة وتحصروا انفسكم, مثلي, في التهمة فقط". محامي ماري انطوانيت مخاطبا المحكمة.
" الجريمة الاولى للثورة كانت اعدام الملك, لكن الجريمة الاكثر ترويعا هي اعدام الملكة". شاتوبريان Chateaubriand (رجل سياسة وكاتب 1768 ـ 1848). في تعليق على الدعوى ضد الملكة.
" كان اعدام الملكة جريمة تفوق بشاعة جريمة اعدام الملك" نابليون بونابرت.
في 14 اكتوبر 1793 بعد شهور من اعدام لويس الرابع عشر بدأت محاكمة ماري انطوانيت الملقبة بالنمساوية " autrichienne l’" المتهمة بشكل اساسي بتبديد الاموال العامة . والاتصال بالعدو . وتهمة بعلاقة مشبوهة مع ابنها لويس السابع عشر, وجهها لها اثناء المحاكمة هيبار Hébert ولاقت استنكارا كبيرا.
المتهمة:
ماري انطوانيت اخر ملكات العهد القديم في فرنسا.
ولدت في فيينا في النمسا في 2 نوفمبر 1755 واعدمت في باريس في 16 اكتوبر 1793. البنت الرابعة للإمبراطور فرنسوا الاول في اللورين والدتها ماري ـ تريز النمساوية.
تزوجت ولي عهد فرنسا لويس , الذي اصبح لاحقا لويس السادس عشر ملك فرنسا عام 1771. واصبحت ملكة عام 1774 زوجة ملك اشتهر بضعفه. ولدت ابنتها الاولى بعد 8 اعوام من زواجها. ثم ابنها لويس شارل.
عرفت حياتها ما يشبه الاساطير, فقيل عنها وفيها الكثير. اقوال معادية واخرى متحفظة. ولكن الثابت والمتفق عليه في هذه الاقوال, تلك المتعلقة بحياتها الخاصة الباذخة والمفرطة في الاسراف. وقد تنبهت امها ماري تريز, التي كانت لا تبخل عليها بالنصائح, لما يمكن ان يترتب على ذلك من اثار سيئة تعود عليها بعواقب وخيمة. فقد كتبت الى سفير فرنسا في فيننا عام 1775 ما يلي:" تتجه ابنتي بخطى سريعة نحو الافلاس". بعد موت امها عام 1780 اخذت ماري انطوانيت ترتكب الاخطاء التي لا تجد من ينبهها اليها بنية سليمة.
نصبت لها المكائد والدسائس وعرفت العديد من الفضائح مثل قضية العقد L’affaire du collier . واصبحت مكروهة من الشعب الفرنسي الذي عرف قدرا كبيرا من البؤس والعوز, خاصة اثر اعوام متتالية من الجفاف وتردي المحاصيل. فاقم الكراهية والحقد ذلك الاسراف والتبذير المنسوب للملكة. وقد اعلن عام 1787 افلاس الخزينة العامة.
كان يُعتقد, امام ضعف الملك زوجها, انها هي التي تحكم وتقرر وتضع اتباعها في كل المراكز الهامة. وكانت تساند اخوها جوزيف الثاني في صراعه مع البلاد المنخفضة, وتقوم بمناورات ومكائد قادت الى الاضرار بمصالح فرنسا.
عادت الثورة الفرنسية منذ قيامها عام 1789 . ورفضت اي مهادنة مع نواب الجمعية التأسيسية. ولم تتقبل الافكار الجديدة التي تتحدث عن الامة " Nation " . ولم تقبل من لا فيات La Fayette وميرابو Mirabeau فكرة قيام ملكية دستورية. معتمدة في مواقفها الرافضة على دعم اخيها والجيوش الاجنبية. وكانت تدفع الى الحرب, معتقدة ان ذلك يجلب لها الخلاص والانعتاق من الظروف الجديدة وانهاء الثورة.
المحكمة:
المحكمة التي مثلت امامها ماري انطوانيت هي المحكمة الثورية الجنائية الاستثنائية التي تم انشاؤها من قبل الجمعية التأسيسية في 9 مارس 1793 بناء على اقتراح مقدم من نواب منهم جورج دانتون Danton. روبير ليندت Lindet و رينيه لافسار Lavasseur, بقانون 10 مارس 1793 تحت اسم المحكمة الجنائية الاستثنائية. وتحدد مقرها في باريس. أحكامها نهائية لا تقبل الطعن بالاستئناف او بالنقض امام محكمة النقض cour de cassation .
اختصاصها :
اختصاص المحكمة واسع جدا او غير مقيد. فلها ولاية النظر في كل القضايا المعادية للثورة, وكل تعد على الحرية والمساواة ووحدة الجمهورية وتكاملها, والامن الداخلي والخارجي للدولة, وكل المؤمرات الهادفة لإعادة الملكية او اية هيئات معادية للحرية والمساواة والسيادة الشعبية, سواء اكان المتهم مدنيا او عسكريا او مجرد مواطن عادي.
تشكلت المحكمة حين مثول ماري انطوانيت اماهما من :
لجنة هيئة محلفين. و5 قضاة يوجهون التحقيق و يطبقون القانون, بعد تصريح هيئة المحلفين حول الوقائع. (المادة 2).
لا يستطيع القضاة اصدار اي حكم اذا قل عددهم عن 3 قضاة. (المادة 3).
القاضي الذي يتم انتخابه اولا من بين القضاة هو الذي يرأس المحكمة. يحل محله في حالة غيابه القاضي الاقدم سنا. (م. 4).
يعين لدى المحكمة مدع عام accusateur public ومساعدان له او نائبان, تتم تسميتهم من قبل الجمعية التأسيسية مثل تسمية القضاة وبنفس الطريقة (م. 6).
تسمي الجمعية التأسيسية هيئة المحلفين المكونة من 12 مواطنا من المتوفرة فيهم الشروط المطلوبة للقيام بهذه المهمة. و4 محلفين احتياط , يتم اللجوء اليهم في حالة رد احد المحلفين الاصلاء او تخلفه لمرض. (م. 7).
يتم انتخاب قضاة المحكمة بالغالبية المطلقة من المصوتين, مع كاتب المحكمة greffier ومحضري عدل. (م.15).
رئيس المحكمة في محاكمة ماري انطوانيت :
ارمان ايرمان Armand Herman ( 29 اوت 1749 ـ 7 ماي 1795) رجل سياسة من رحال الثورة الفرنسية. كان محام عام 1783 ونائب المحامي العام في ارتواز Artois عام 1786 . انتخب قاض في محكمة جنايات باس ـ دي ت كاليه Pas – de – Calais عام 1791 . دخل المحكمة الثورية في اوت عام 1793 ورأسها في محاكمة ماري انطوانيت.
في 27 جوليه 1794 تم توقيفه ومحاكمته بتهمة إرهابي. لدى سماعه الحكم الذي ينزل به عقوبة الاعدام رمى في وجه رئيس المحكمة كتابا كان قريبا منه. تم اعدامه بالمقصلة في 7 ماي 1795 .
المدعي العام:
فوكييه ـ تينفيل Fouquier-Tinville (1746 ـ 1795) يعرف في التاريخ الفرنسي على انه صانع الرعب. كانت له سلطة كبيرة على المحكمة الثورية. طالب وحصل على احكام بالإعدام ضدا: ماري انطوانيت. دانتون. السيدة رولان. هيبار. فابر ديكانتين. وحتى خاله. كاميل ديسمولين. والكثير غيرهم.
في 28 مارس 1795 مثل فوكييه تينفيل نفسه , و 23 متهما من معاونيه, بعد سقوط روبسبير, امام المحكمة الثورية المعاد تنظيمها بقانون 28 ديسمبر 1794 بتهم منها انه حاكم عددا كبيرا من الاشخاص غير المعروفين. بانه ضغط لإصدار احكام اعدام وأمر بتنفيذها بأشخاص دون ان يكون ضدهم اي اجراءات اتهام. بانه امر بإعدام اشخاصا لم تكن قد صدرت ضدهم أية احكام او ادانات. وانه نتيجة للاستعجال امر باعدا م اشخاص غير مدانين عوضا عن اشخاص مدانين..
من 29 مارس 1795 الى 1 ماي سمعت شهادات 419 شاهدا بينهم 223 شاهد نفي. وقد قدم مساعد المدعي العام مرافعته في 1 ماي. ودافع المتهم فوكييه ـ تفنيل عن نفسه بنفسه لمدة يوم ونصف. خاتما ايها ,في 3 ماي, بالكلمات التالية: " ليس انا من يجب ان يقاد الى هنا. وانما الرؤساء الذين كنت انفذ اوامرهم. لقد كنت اتصرف بمقتضى احكام القوانين الصادرة عن الجمعية التأسيسية المالكة لكل السلطات. لغياب اعضائها وجدت نفسي وكأني رئيس مؤامرة لا اعلم عنها شيئا".
في 6 ماي 1795 حكم عليه مع 15 من مساعديه بالإعدام. وقد كتب قبل تنفيذ الحكم: " لا يوجد ما يُؤخذ علي. لقد كنت دائما مطبقا للقوانين. لم اكن يوما صنيعة روبسبير و لا سان غيست. بالعكس كنت على وشك التوقيف 4 مرات. اموت من اجل وطني. ودون ادانة. انا راض عن نفسي. وسوف يتم الاعتراف ببراءتي لاحقا".
تم اعدامه بالمقصلة في 7 ماي 1795 مع رئيس المحكمة ارماند ايرمان.
كان لا بد من الاشارة للمحكمة الثورية التي حاكمت ماري انطوانيت. ولرئيس هذه المحكمة والمدعي العام لديها ومصيرهما , في فترة مضطربة ودموية من عمر الثورة لتعريف القارئ بالظروف العامة التي تمت فيها محاكمات ادت بحياة متهمين وابرياء من رجالات الثورة ومفكريها والمشاركين في قيامها. مما جعل القول المعروف "الثورة كالقطة تأكل ابناءها " قولا معبرا بدقة عما جرى. والاغرب, ولا غرابة دائما في السياسة والمصالح, ان يحدث هذا رغم ما جاءت به الثورة الفرنسية لعام 1798 من إعلان حقوق الانسان والمواطن , والقيم التي اخذت صفة العالمية.
محامو الدفاع:
كلف بالدفاع عن المتهمة محاميان شابان دون خبرة كبيرة هما كيود فرنسوا شوفو لاكارد ( 1756ـ 1841). و ترانسون ـ ديكودراي Tronçon- Ducoudray محاميان شابان دون خبرة كبيرة لم يتح لهما الاطلاع على ملف الدعوى , ولم يكن لهما الا قراءة بعض النقاط التي استطاعا تسجيلها أمام المحكمة.
الاتهامات جاءت مفصلة في مرافعة المدعي العام الذي لم يشر فيها الى صفة المتهمة كملكة أو كملكة مخلوعة, وانما كأرملة لويس كابيه , او النمساوية.
مرافعة المدعي العام le réquisitoire :
بمقتضى القرار الصادر عن الجمعية التأسيسية الصادر في 1 اوت , اقتيدت ماري انطوانيت ارملة لويس كابيه امام المحكمة الثورية , متهمة بالتآمر على فرنسا. وبقرار اخر صادر عن نفس الجمعية في 3 أكتوبر من نفس العام, اعلن تكليف المحكمة الثورية بالمحاكمة دون اهمال أو توقف. بان المدعي العام استلم الوثائق المتعلقة بأرملة لويس كابيه في 11 و 12 اكتوبر. وبانها بدأت التحقيق بواسطة احد قضاتها. وبانه تم فحص كل الوثائق المحولة من المدعي العام ...
كانت ماري انطوانيت منذ اقامتها في فرنسا كارثة, وعلقة تمتص دماء الفرنسيين. حتى قبل الثورة المظفرة التي اعادت السيادة للشعب الفرنسي, كانت تقيم علاقات سياسية مع الملقب بملك بوهام وهنغاريا Bohême et de Hongrie . وبان هذه العلاقات كانت ضد مصالح فرنسا .
بذرت اموال الفرنسين , التي انتجوها بكدحهم وعرقهم, لإرضاء رغباتها غير المنتظمة, وللدفع لعملاء التآمر المجرمين. ومن المعروف انها في اوقات متعددة ارسلت للإمبراطور الملايين من الاموال التي استخدمت وما زالت تستخدم ضد الجمهورية. وبانها بهذا التبذير افقرت وارهقت خزينة الامة.
لم تتوقف ارملة لويس كابيه للحظة, ومنذ قيام الثورة, عن التواصل والتخابر الاجرامي والمضر بفرنسا مع القوى الخارجية, وداخل الجمهورية, بواسطة عملاء مرتبطين بها.
وبانها وفي فترات متعددة استعملت كل المناورات والمكائد لدعم عملاء الثورة المضادة… بانها كانت تحاول اقناع القوى الاجنبية انها تعامل بسوء من قبل الفرنسيين, وتحرضهم على فرنسا .
بانها ,حتى تنجح في مشاريع مخططاتها المضادة للثورة, كانت بمساعدة اعوانها تعمل في باريس ومناطق اخرى بفرنسا على احداث مجاعات, في الايام الاولى من شهر اكتوبر 1791 , ادت الى اضطرابات جديدة. خرجت على اثرها جموع غفيرة من الفرنسيات والفرنسيين الى فرساي في 5 اكتوبر من العام المذكور.
فور وصولها الى باريس عملت ارملة كابيه على اثارت كل انواع الفتن . فكانت تعقد اجتماعات تأمريه في مكان اقامتها يشارك فيها كل اعداء الثورة والوصوليين من اعضاء الجمعية التأسيسية والتشريعية . وفي الظلام كانوا يبحثون عن الوسائل الكفيلة بإلغاء حقوق الانسان والقرارات المعلنة, التي هي في اساس الدستور.
كان يتم في هذه المحادثات والمداولات التخطيط لما يجب فعله لإعادة مراجعة القرارات التي تصب في مصلحة الشعب. كما تقرر فيها هروب لويس كابيه وارملته, وافراد عائلتهما تحت اسماء مستعارة, في شهر جوان 1791 . محاولات تكررت في فترات متعددة ولكن دون نجاح .
وقد اعترفت ارملة كابيه خلال التحقيق بانها هي التي كانت ترتب وتعد هذه المحاولات للهرب. وبانه من الثابت , وبغض النظر عن اعترافات ارملة كابيه بهذا الصدد, بان لافيات , و بيي Bailly رئيس بلدية باريس, كانا حاضرين لحظة محاولة الهرب, حسب تصريح لويس وابنته.
وان ارملة كابيه بعد عودتها من فاران باشرت اتصالات تآمريه رأستها بنفسها, وبمساعدة مؤيدها لافيات تهدف لإغلاق التويري les Tuileries. مما حرم المواطنين من المرور بحرية في الساحات وامام قصر تويري. واقتصر حق المرور على من يحمل بطاقة خاصة. هذا الاغلاق تم تبريره بتبجح الخائن لافيات بانه لمعاقبة العابرين من فاران Varennes . كانت حيلة خيالية ومتفق عليها في المباحثات الظلامية لتجريد المواطنين من وسائل الكشف عما يحاك من تامر على الحرية في هذا المكان الكريه.
بانه خلال تلك الاجتماعات تم التخطيط للمذابح الرهيبة التي ارتكبت في 17 جويليه 1791 , ضد العديد من اصحاب الغيرة من المواطنين الذين تواجدوا في شامب دي مارس Champ de Mars ,
وبان المجازر التي تم ارتكابها سابقا في نابسي واماكن اخرى من الجمهورية, كانت من تدبيرها, بمشاركة أولئك المرتبطين بها منذ ذلك الوقت, اُعدت في نفس الاجتماعات غير القانونية.
كانوا يتخيلون الوصول سريعا الى فرض اعادة النظر في قرارات اتخذت على اسس حقوق الانسان. ومن هنا كانوا ضد أمنيات المواطنين. وكانوا في صفوف الثورة المضادة ومن انصار لويس كابيه وماري انطوانيت.
وعند اقرار دستور 1971 كان الشغل الشاغل لأرملة كابيه الغاء هذا الدستور. وجندت لإلغائه كل الوسائل التي استعملتها هي وعملائها في كل انحاء الجمهورية . كل الاجراءات كانت تهدف الى الغاء الحرية واعادة الفرنسين الى نير الطغيان الذي دام قرونا عديدة.
عملت ارملة كابيه في الاجتماعات غير القانونية التي تدور في الظلام فيما يسمى بـ "مكتب النمساوية " على التآمر على كل القوانين الصادرة من قبل الجمعية التشريعية . وفي نفس الاجتماعات قرر لويس السادس عشر وضع الفيتو على المرسوم المشهور الصادر عن تلك الجمعية ضد اشقاء لويس كابيه والاجانب, وضد حشود الكهنة المتعصبين في فرنسا.
ارملة كابيه هي من كان يعين الوزراء الفاسدين. ويضع في الجيش و المكاتب رجالا معروفين بتآمرهم على الحرية في طول البلاد وعرضها. وانها بمناوراتها وتامر اعوانها استطاعت ان تشكل الحرس الخاص بلويس كابيه من الضباط القدماء الذين رفضوا تأدية القسم الاجباري. ومن الهاربين من الجندية. ومن الاجانب. من كل من هو منبوذ من الامة وغير جدير في الخدمة في الجيش. ومن اعداد كبيرة من المسرحين السابقين.
ارملة كابيه, تأمرت مع الزمرة المعادية للحرية التي كانت مهيمنة في الجمعية التشريعية , وكان لمناوراتها ومكائدها ضد فرنسا اثار خطيرة قادت الى الانسحاب الاول من بلجيكا.
ارملة كبايه هي التي اوصلت الى القوى الخارجية مخططات الحملة و الهجوم الذي كان متفقا عليه في المجلس. هي التي بسبب هذه الخيانة المزدوجة كان الاعداء دائما على علم مسبق بالتحركات التي كانت تقوم بها جيوش الجمهورية , والتي ترتب عليها اخفاقات في اوقات مختلفة لتلك الجيوش.
ارملة كابيه خططت ونسقت مع الخونة من عملائها للمؤامرة المرعبة التي تفجرت يوم 10 اوت والتي يعود فشلها للشجاعة الكبيرة للمواطنين. وانه لهذه الغاية جمعت في مقرها المعتاد, وحتى في المقار تحت الارض, السويسريين الذين لا يحق لهم ان يكونوا مجندين في حرس لويس كابيه, بمقتضى القرارات النافذة.
وبانها اجتمعت كذلك, ولنفس الاهداف, بجماعة من عملائها ملقبين بالفرسان الذين تواجدوا في نفس المكان في 25 من فيفري 1791 و بعده في 25 جوان 1972.
مساء التاسع اوت عام 1972 دخلت صالة كان السويسريين, وغيرهم مما يعمل لمصلحتها, يصنعون العيارات النارية وكانت في الوقت نفسه تشجعهم للإسراع بإنجاز صنع الطلقات. ....
كانت ارملة كابيه تستعمل نفوذها الكبير على فكر لويس كابيه. فتوحي له كيف يجب ان يظهر في تصرفاته عكس ما يضمر. وان يعد بأعمال ويقوم بعكسها. وكانا يحبكان معا في الظلام المؤامرات ضد الحرية الغالية على قلوب الفرنسيين.
وبان ارملة كابيه الفاسقة في علاقاتها, والمعتادة على الجرائم, لم تتورع عن القيام بأعمال فاحشة مع ابنها لويس شارل, باعتراف هذا الاخير. وهي اعمال يثير مجرد ذكرها قشعريرة من الرعب.
وجه المدعي العام لماري انطوانيت هذه الاتهامات, متعمدا وصفها في التحقيقات مرة بـ "لورين النمسا Lorraine d’Autriche " ومرة بأرملة لويس كابيه للحط من مكانتها.
تدور التهم الموجهة لماري انطوانيت حول :
1ـ التنسيق مع اشقاء لويس كابيه وتبديد بطرق مرعبة الميزانيات الفرنسية. وارسال مبالغ غير معقولة للإمبراطور وافلاس ميزانية الامة.
2ـ بانها بنفسها, احيانا وبواسطة اتباعها المعادين للثورة احيانا اخرى, قامت باتصالات مع اعداء الجمهورية. وبانها بلّغت, او عملت على تبليغ هؤلاء الاعداء, بمخططات حملة الهجوم المقررة من قبل المجلس.
3ـ بأنها بمؤامراتها ومناوراتها ومؤامرات اعوانها ضد الامن الداخلي والخارجي لفرنسا كانت السبب في اشعال الحرب الاهلية. واستعملت المناورات في مناطق عديدة من الجمهورية. وسلحت المواطنين بعضهم ضد بعض. مما تسبب بإراقة دماء اعداد كبيرة من المواطنين. وهذا مخالف للمادة الرابعة من الفصل الاول العنون الاول من الجزء الثاني من القانون الجزائي, والمادة الثانية من الفصل الثاني من العنوان الاول من القانون المذكور.
مرافعة محامي ماري انطوانيت شافو ـ لاكارد
لم يتم العثور على المرافعة كاملة من قبل السيد اوزنان الباحث ومنسق الارشيف في نقابة محامي باريس, وانما وجد مقاطع منها, حسبما ذكر. اذ جاء فيها:
ايها المواطنون المحلفون ماري انطوانيت التي كانت ملكة فرنسا متهمة امامكم بانها تامرت مع الداخل والخارج قبل الثورة الفرنسية التي اعطت الحرية للفرنسيين, وبعد قيامها. هذه التهمة غير العادية لا يمكن الدفاع عنها الا بوسائل غير عادية مثلها تماما. ومع ذلك فانا احد من كلفتهم المحكمة بالدفاع عن المتهمة المذكورة ... عبارات مشطوبة.. ولم يكن لدينا الوقت حتى لإلقاء نظرة سريعة على وثائق التجريم التي يرتكز عليها الاتهام, ياله من عمل مروع!! يالها من مهمة منذرة بالخطر بالنسبة لضمير انسان جيد ان لم يكن متأكد من عدالتكم !! ولكن يتبين من المداولات في هذه الدعوى الشهيرة ان بقدر ما التهمة خطيرة بذاتها بقدر ما الاسس التي تقوم عليها ضعيفة , وخاصة في جزئها المكلف أنا بالدفاع عنه.
هل لديكم بها المواطنون المحلفون الاثباتات في هذه الدعوى بان المتهمة قبل الثورة قد بددت الميزانيات المالية, و انها انهكت الميزانية القومية بإرسالها للإمبراطور مبالغ مالية غريبة التصديق ؟ وعند بداية الثورة باشرت استخبارات معادية للثورة مع اعداء الجمهورية .؟..(عبارات مشطوبة حسب مسؤل التوثيق المشار اليه) واخبرت الاعداء بحملة الهجوم المعدة والمقررة من قبل المجلس؟ ...
من جهة اخرى اذا كان شعور العدالة لديكم مختلط بالحب المتقد للحرية وصولا الى نوع من الهيام بها, في قضية تجد المتهمة فيها نفسها في مثل هذه الظروف السياسية, قضية من هذه الطبيعة, الا يمكن عندها ان يضيع منك شعور العدالة نفسه. اذا تركت لضمائركم كل الحرية لا تمارسوا عليها كل السلطات الي حولت الكم.
ارجوكم ايها المواطنين ابعاد عنكم كل هذه الاحكام المسبقة, واقتصروا ,مثلي, على واقع الاتهام. الخ.
في مداولات المحكمة الثورية المذكورة طرح على المحلفين اربعة اسئلة:
1ـ هل من الثابت وجود تخابر مع القوى الاجنبية والاعداء الاخرين داخل الجمهورية وخارجها. هل المناورات والتخابر تهدف الى التزويد بمساعدات مالية, وادخالهم الى التراب الفرنسي, وتسهل تجهيز جيوشهم؟
2ـ هل كانت ماري انطوانيت النمساوية (...) تعلم بانها تتعاون في هذه المناورات مع الخارج وبانها تقيم اتصالات تخابريه معهم؟
3ـ هل من الثابت وجود مؤامرة و مكائد تهدف لإشعال حرب اهلية داخل الجمهورية؟
4ـ هل كانت ماري انطوانيت تعلم بانها تشارك في هذه المؤامرة وهذه المكائد؟.
اجابت المحكمة على هذه الاسئلة الاربعة بنعم.
لكن الثابت ان مالم تكن تعلمه ماري انطوانيت, التي بقيت حتى الساعات الاخيرة تحتفظ بالأمل, ان موتها كان قد تقرر مسبقا, وانها ستفقد راسها قبل ان يتجاوز عمرها 38 عاما.
في 16 اكتوبر 1793 الساعة الرابعة صباحا صدر الحكم عليها, واقتيدت الى المقصلة بعد ذلك بساعات قليلة.
نقلا عن الاستاذ / هايل نصر
" ارملة لويس كابه (الملك لويس السادس عشر) هي من كان يعين الوزراء الفاسدين, ويضع في الجيش والمكاتب رجالا معروفين بتآمرهم على الحرية, في طول البلاد وعرضها". " فوكييه ـ تينفيل .
"ان لم اجب فهذا لان الطبيعة نفسها ترفض الرد على مثل هذا الاتهام الموجه لأم . وادعو كل الامهات الموجودات هنا لفعله". رد ماري انطوانيت على سؤال عن عدم اجابتها عن تهمة متعلق بعلاقة مشبوهة بابنها لويس شارل.. ولأول مرة تتعاطف معها النساء الحاضرات في قاعة المحكمة بتصفيق طويل. وبقي هذا الرد مشهورا في فرنسا الى اليوم ومقترنا باسمها.
"الم اُحمّل هذه الاجابة كثيرا من الكرامة ؟" متوجهة بالتساؤل الى محاميها بعد نطقها بالعبارة المذكورة.
" بقدر ما التهم الموجهة للمتهمة خطيرة بذاتها, بقدر ما الاسس المستندة اليها هذه التهم ضعيفة" شوفو ـ لاكارد Chauveau-Lagarde محامي ماري انطوانيت.
" ارجوكم ايها المواطنون ان تبعدوا عنكم الاحكام المسبقة وتحصروا انفسكم, مثلي, في التهمة فقط". محامي ماري انطوانيت مخاطبا المحكمة.
" الجريمة الاولى للثورة كانت اعدام الملك, لكن الجريمة الاكثر ترويعا هي اعدام الملكة". شاتوبريان Chateaubriand (رجل سياسة وكاتب 1768 ـ 1848). في تعليق على الدعوى ضد الملكة.
" كان اعدام الملكة جريمة تفوق بشاعة جريمة اعدام الملك" نابليون بونابرت.
في 14 اكتوبر 1793 بعد شهور من اعدام لويس الرابع عشر بدأت محاكمة ماري انطوانيت الملقبة بالنمساوية " autrichienne l’" المتهمة بشكل اساسي بتبديد الاموال العامة . والاتصال بالعدو . وتهمة بعلاقة مشبوهة مع ابنها لويس السابع عشر, وجهها لها اثناء المحاكمة هيبار Hébert ولاقت استنكارا كبيرا.
المتهمة:
ماري انطوانيت اخر ملكات العهد القديم في فرنسا.
ولدت في فيينا في النمسا في 2 نوفمبر 1755 واعدمت في باريس في 16 اكتوبر 1793. البنت الرابعة للإمبراطور فرنسوا الاول في اللورين والدتها ماري ـ تريز النمساوية.
تزوجت ولي عهد فرنسا لويس , الذي اصبح لاحقا لويس السادس عشر ملك فرنسا عام 1771. واصبحت ملكة عام 1774 زوجة ملك اشتهر بضعفه. ولدت ابنتها الاولى بعد 8 اعوام من زواجها. ثم ابنها لويس شارل.
عرفت حياتها ما يشبه الاساطير, فقيل عنها وفيها الكثير. اقوال معادية واخرى متحفظة. ولكن الثابت والمتفق عليه في هذه الاقوال, تلك المتعلقة بحياتها الخاصة الباذخة والمفرطة في الاسراف. وقد تنبهت امها ماري تريز, التي كانت لا تبخل عليها بالنصائح, لما يمكن ان يترتب على ذلك من اثار سيئة تعود عليها بعواقب وخيمة. فقد كتبت الى سفير فرنسا في فيننا عام 1775 ما يلي:" تتجه ابنتي بخطى سريعة نحو الافلاس". بعد موت امها عام 1780 اخذت ماري انطوانيت ترتكب الاخطاء التي لا تجد من ينبهها اليها بنية سليمة.
نصبت لها المكائد والدسائس وعرفت العديد من الفضائح مثل قضية العقد L’affaire du collier . واصبحت مكروهة من الشعب الفرنسي الذي عرف قدرا كبيرا من البؤس والعوز, خاصة اثر اعوام متتالية من الجفاف وتردي المحاصيل. فاقم الكراهية والحقد ذلك الاسراف والتبذير المنسوب للملكة. وقد اعلن عام 1787 افلاس الخزينة العامة.
كان يُعتقد, امام ضعف الملك زوجها, انها هي التي تحكم وتقرر وتضع اتباعها في كل المراكز الهامة. وكانت تساند اخوها جوزيف الثاني في صراعه مع البلاد المنخفضة, وتقوم بمناورات ومكائد قادت الى الاضرار بمصالح فرنسا.
عادت الثورة الفرنسية منذ قيامها عام 1789 . ورفضت اي مهادنة مع نواب الجمعية التأسيسية. ولم تتقبل الافكار الجديدة التي تتحدث عن الامة " Nation " . ولم تقبل من لا فيات La Fayette وميرابو Mirabeau فكرة قيام ملكية دستورية. معتمدة في مواقفها الرافضة على دعم اخيها والجيوش الاجنبية. وكانت تدفع الى الحرب, معتقدة ان ذلك يجلب لها الخلاص والانعتاق من الظروف الجديدة وانهاء الثورة.
المحكمة:
المحكمة التي مثلت امامها ماري انطوانيت هي المحكمة الثورية الجنائية الاستثنائية التي تم انشاؤها من قبل الجمعية التأسيسية في 9 مارس 1793 بناء على اقتراح مقدم من نواب منهم جورج دانتون Danton. روبير ليندت Lindet و رينيه لافسار Lavasseur, بقانون 10 مارس 1793 تحت اسم المحكمة الجنائية الاستثنائية. وتحدد مقرها في باريس. أحكامها نهائية لا تقبل الطعن بالاستئناف او بالنقض امام محكمة النقض cour de cassation .
اختصاصها :
اختصاص المحكمة واسع جدا او غير مقيد. فلها ولاية النظر في كل القضايا المعادية للثورة, وكل تعد على الحرية والمساواة ووحدة الجمهورية وتكاملها, والامن الداخلي والخارجي للدولة, وكل المؤمرات الهادفة لإعادة الملكية او اية هيئات معادية للحرية والمساواة والسيادة الشعبية, سواء اكان المتهم مدنيا او عسكريا او مجرد مواطن عادي.
تشكلت المحكمة حين مثول ماري انطوانيت اماهما من :
لجنة هيئة محلفين. و5 قضاة يوجهون التحقيق و يطبقون القانون, بعد تصريح هيئة المحلفين حول الوقائع. (المادة 2).
لا يستطيع القضاة اصدار اي حكم اذا قل عددهم عن 3 قضاة. (المادة 3).
القاضي الذي يتم انتخابه اولا من بين القضاة هو الذي يرأس المحكمة. يحل محله في حالة غيابه القاضي الاقدم سنا. (م. 4).
يعين لدى المحكمة مدع عام accusateur public ومساعدان له او نائبان, تتم تسميتهم من قبل الجمعية التأسيسية مثل تسمية القضاة وبنفس الطريقة (م. 6).
تسمي الجمعية التأسيسية هيئة المحلفين المكونة من 12 مواطنا من المتوفرة فيهم الشروط المطلوبة للقيام بهذه المهمة. و4 محلفين احتياط , يتم اللجوء اليهم في حالة رد احد المحلفين الاصلاء او تخلفه لمرض. (م. 7).
يتم انتخاب قضاة المحكمة بالغالبية المطلقة من المصوتين, مع كاتب المحكمة greffier ومحضري عدل. (م.15).
رئيس المحكمة في محاكمة ماري انطوانيت :
ارمان ايرمان Armand Herman ( 29 اوت 1749 ـ 7 ماي 1795) رجل سياسة من رحال الثورة الفرنسية. كان محام عام 1783 ونائب المحامي العام في ارتواز Artois عام 1786 . انتخب قاض في محكمة جنايات باس ـ دي ت كاليه Pas – de – Calais عام 1791 . دخل المحكمة الثورية في اوت عام 1793 ورأسها في محاكمة ماري انطوانيت.
في 27 جوليه 1794 تم توقيفه ومحاكمته بتهمة إرهابي. لدى سماعه الحكم الذي ينزل به عقوبة الاعدام رمى في وجه رئيس المحكمة كتابا كان قريبا منه. تم اعدامه بالمقصلة في 7 ماي 1795 .
المدعي العام:
فوكييه ـ تينفيل Fouquier-Tinville (1746 ـ 1795) يعرف في التاريخ الفرنسي على انه صانع الرعب. كانت له سلطة كبيرة على المحكمة الثورية. طالب وحصل على احكام بالإعدام ضدا: ماري انطوانيت. دانتون. السيدة رولان. هيبار. فابر ديكانتين. وحتى خاله. كاميل ديسمولين. والكثير غيرهم.
في 28 مارس 1795 مثل فوكييه تينفيل نفسه , و 23 متهما من معاونيه, بعد سقوط روبسبير, امام المحكمة الثورية المعاد تنظيمها بقانون 28 ديسمبر 1794 بتهم منها انه حاكم عددا كبيرا من الاشخاص غير المعروفين. بانه ضغط لإصدار احكام اعدام وأمر بتنفيذها بأشخاص دون ان يكون ضدهم اي اجراءات اتهام. بانه امر بإعدام اشخاصا لم تكن قد صدرت ضدهم أية احكام او ادانات. وانه نتيجة للاستعجال امر باعدا م اشخاص غير مدانين عوضا عن اشخاص مدانين..
من 29 مارس 1795 الى 1 ماي سمعت شهادات 419 شاهدا بينهم 223 شاهد نفي. وقد قدم مساعد المدعي العام مرافعته في 1 ماي. ودافع المتهم فوكييه ـ تفنيل عن نفسه بنفسه لمدة يوم ونصف. خاتما ايها ,في 3 ماي, بالكلمات التالية: " ليس انا من يجب ان يقاد الى هنا. وانما الرؤساء الذين كنت انفذ اوامرهم. لقد كنت اتصرف بمقتضى احكام القوانين الصادرة عن الجمعية التأسيسية المالكة لكل السلطات. لغياب اعضائها وجدت نفسي وكأني رئيس مؤامرة لا اعلم عنها شيئا".
في 6 ماي 1795 حكم عليه مع 15 من مساعديه بالإعدام. وقد كتب قبل تنفيذ الحكم: " لا يوجد ما يُؤخذ علي. لقد كنت دائما مطبقا للقوانين. لم اكن يوما صنيعة روبسبير و لا سان غيست. بالعكس كنت على وشك التوقيف 4 مرات. اموت من اجل وطني. ودون ادانة. انا راض عن نفسي. وسوف يتم الاعتراف ببراءتي لاحقا".
تم اعدامه بالمقصلة في 7 ماي 1795 مع رئيس المحكمة ارماند ايرمان.
كان لا بد من الاشارة للمحكمة الثورية التي حاكمت ماري انطوانيت. ولرئيس هذه المحكمة والمدعي العام لديها ومصيرهما , في فترة مضطربة ودموية من عمر الثورة لتعريف القارئ بالظروف العامة التي تمت فيها محاكمات ادت بحياة متهمين وابرياء من رجالات الثورة ومفكريها والمشاركين في قيامها. مما جعل القول المعروف "الثورة كالقطة تأكل ابناءها " قولا معبرا بدقة عما جرى. والاغرب, ولا غرابة دائما في السياسة والمصالح, ان يحدث هذا رغم ما جاءت به الثورة الفرنسية لعام 1798 من إعلان حقوق الانسان والمواطن , والقيم التي اخذت صفة العالمية.
محامو الدفاع:
كلف بالدفاع عن المتهمة محاميان شابان دون خبرة كبيرة هما كيود فرنسوا شوفو لاكارد ( 1756ـ 1841). و ترانسون ـ ديكودراي Tronçon- Ducoudray محاميان شابان دون خبرة كبيرة لم يتح لهما الاطلاع على ملف الدعوى , ولم يكن لهما الا قراءة بعض النقاط التي استطاعا تسجيلها أمام المحكمة.
الاتهامات جاءت مفصلة في مرافعة المدعي العام الذي لم يشر فيها الى صفة المتهمة كملكة أو كملكة مخلوعة, وانما كأرملة لويس كابيه , او النمساوية.
مرافعة المدعي العام le réquisitoire :
بمقتضى القرار الصادر عن الجمعية التأسيسية الصادر في 1 اوت , اقتيدت ماري انطوانيت ارملة لويس كابيه امام المحكمة الثورية , متهمة بالتآمر على فرنسا. وبقرار اخر صادر عن نفس الجمعية في 3 أكتوبر من نفس العام, اعلن تكليف المحكمة الثورية بالمحاكمة دون اهمال أو توقف. بان المدعي العام استلم الوثائق المتعلقة بأرملة لويس كابيه في 11 و 12 اكتوبر. وبانها بدأت التحقيق بواسطة احد قضاتها. وبانه تم فحص كل الوثائق المحولة من المدعي العام ...
كانت ماري انطوانيت منذ اقامتها في فرنسا كارثة, وعلقة تمتص دماء الفرنسيين. حتى قبل الثورة المظفرة التي اعادت السيادة للشعب الفرنسي, كانت تقيم علاقات سياسية مع الملقب بملك بوهام وهنغاريا Bohême et de Hongrie . وبان هذه العلاقات كانت ضد مصالح فرنسا .
بذرت اموال الفرنسين , التي انتجوها بكدحهم وعرقهم, لإرضاء رغباتها غير المنتظمة, وللدفع لعملاء التآمر المجرمين. ومن المعروف انها في اوقات متعددة ارسلت للإمبراطور الملايين من الاموال التي استخدمت وما زالت تستخدم ضد الجمهورية. وبانها بهذا التبذير افقرت وارهقت خزينة الامة.
لم تتوقف ارملة لويس كابيه للحظة, ومنذ قيام الثورة, عن التواصل والتخابر الاجرامي والمضر بفرنسا مع القوى الخارجية, وداخل الجمهورية, بواسطة عملاء مرتبطين بها.
وبانها وفي فترات متعددة استعملت كل المناورات والمكائد لدعم عملاء الثورة المضادة… بانها كانت تحاول اقناع القوى الاجنبية انها تعامل بسوء من قبل الفرنسيين, وتحرضهم على فرنسا .
بانها ,حتى تنجح في مشاريع مخططاتها المضادة للثورة, كانت بمساعدة اعوانها تعمل في باريس ومناطق اخرى بفرنسا على احداث مجاعات, في الايام الاولى من شهر اكتوبر 1791 , ادت الى اضطرابات جديدة. خرجت على اثرها جموع غفيرة من الفرنسيات والفرنسيين الى فرساي في 5 اكتوبر من العام المذكور.
فور وصولها الى باريس عملت ارملة كابيه على اثارت كل انواع الفتن . فكانت تعقد اجتماعات تأمريه في مكان اقامتها يشارك فيها كل اعداء الثورة والوصوليين من اعضاء الجمعية التأسيسية والتشريعية . وفي الظلام كانوا يبحثون عن الوسائل الكفيلة بإلغاء حقوق الانسان والقرارات المعلنة, التي هي في اساس الدستور.
كان يتم في هذه المحادثات والمداولات التخطيط لما يجب فعله لإعادة مراجعة القرارات التي تصب في مصلحة الشعب. كما تقرر فيها هروب لويس كابيه وارملته, وافراد عائلتهما تحت اسماء مستعارة, في شهر جوان 1791 . محاولات تكررت في فترات متعددة ولكن دون نجاح .
وقد اعترفت ارملة كابيه خلال التحقيق بانها هي التي كانت ترتب وتعد هذه المحاولات للهرب. وبانه من الثابت , وبغض النظر عن اعترافات ارملة كابيه بهذا الصدد, بان لافيات , و بيي Bailly رئيس بلدية باريس, كانا حاضرين لحظة محاولة الهرب, حسب تصريح لويس وابنته.
وان ارملة كابيه بعد عودتها من فاران باشرت اتصالات تآمريه رأستها بنفسها, وبمساعدة مؤيدها لافيات تهدف لإغلاق التويري les Tuileries. مما حرم المواطنين من المرور بحرية في الساحات وامام قصر تويري. واقتصر حق المرور على من يحمل بطاقة خاصة. هذا الاغلاق تم تبريره بتبجح الخائن لافيات بانه لمعاقبة العابرين من فاران Varennes . كانت حيلة خيالية ومتفق عليها في المباحثات الظلامية لتجريد المواطنين من وسائل الكشف عما يحاك من تامر على الحرية في هذا المكان الكريه.
بانه خلال تلك الاجتماعات تم التخطيط للمذابح الرهيبة التي ارتكبت في 17 جويليه 1791 , ضد العديد من اصحاب الغيرة من المواطنين الذين تواجدوا في شامب دي مارس Champ de Mars ,
وبان المجازر التي تم ارتكابها سابقا في نابسي واماكن اخرى من الجمهورية, كانت من تدبيرها, بمشاركة أولئك المرتبطين بها منذ ذلك الوقت, اُعدت في نفس الاجتماعات غير القانونية.
كانوا يتخيلون الوصول سريعا الى فرض اعادة النظر في قرارات اتخذت على اسس حقوق الانسان. ومن هنا كانوا ضد أمنيات المواطنين. وكانوا في صفوف الثورة المضادة ومن انصار لويس كابيه وماري انطوانيت.
وعند اقرار دستور 1971 كان الشغل الشاغل لأرملة كابيه الغاء هذا الدستور. وجندت لإلغائه كل الوسائل التي استعملتها هي وعملائها في كل انحاء الجمهورية . كل الاجراءات كانت تهدف الى الغاء الحرية واعادة الفرنسين الى نير الطغيان الذي دام قرونا عديدة.
عملت ارملة كابيه في الاجتماعات غير القانونية التي تدور في الظلام فيما يسمى بـ "مكتب النمساوية " على التآمر على كل القوانين الصادرة من قبل الجمعية التشريعية . وفي نفس الاجتماعات قرر لويس السادس عشر وضع الفيتو على المرسوم المشهور الصادر عن تلك الجمعية ضد اشقاء لويس كابيه والاجانب, وضد حشود الكهنة المتعصبين في فرنسا.
ارملة كابيه هي من كان يعين الوزراء الفاسدين. ويضع في الجيش و المكاتب رجالا معروفين بتآمرهم على الحرية في طول البلاد وعرضها. وانها بمناوراتها وتامر اعوانها استطاعت ان تشكل الحرس الخاص بلويس كابيه من الضباط القدماء الذين رفضوا تأدية القسم الاجباري. ومن الهاربين من الجندية. ومن الاجانب. من كل من هو منبوذ من الامة وغير جدير في الخدمة في الجيش. ومن اعداد كبيرة من المسرحين السابقين.
ارملة كابيه, تأمرت مع الزمرة المعادية للحرية التي كانت مهيمنة في الجمعية التشريعية , وكان لمناوراتها ومكائدها ضد فرنسا اثار خطيرة قادت الى الانسحاب الاول من بلجيكا.
ارملة كبايه هي التي اوصلت الى القوى الخارجية مخططات الحملة و الهجوم الذي كان متفقا عليه في المجلس. هي التي بسبب هذه الخيانة المزدوجة كان الاعداء دائما على علم مسبق بالتحركات التي كانت تقوم بها جيوش الجمهورية , والتي ترتب عليها اخفاقات في اوقات مختلفة لتلك الجيوش.
ارملة كابيه خططت ونسقت مع الخونة من عملائها للمؤامرة المرعبة التي تفجرت يوم 10 اوت والتي يعود فشلها للشجاعة الكبيرة للمواطنين. وانه لهذه الغاية جمعت في مقرها المعتاد, وحتى في المقار تحت الارض, السويسريين الذين لا يحق لهم ان يكونوا مجندين في حرس لويس كابيه, بمقتضى القرارات النافذة.
وبانها اجتمعت كذلك, ولنفس الاهداف, بجماعة من عملائها ملقبين بالفرسان الذين تواجدوا في نفس المكان في 25 من فيفري 1791 و بعده في 25 جوان 1972.
مساء التاسع اوت عام 1972 دخلت صالة كان السويسريين, وغيرهم مما يعمل لمصلحتها, يصنعون العيارات النارية وكانت في الوقت نفسه تشجعهم للإسراع بإنجاز صنع الطلقات. ....
كانت ارملة كابيه تستعمل نفوذها الكبير على فكر لويس كابيه. فتوحي له كيف يجب ان يظهر في تصرفاته عكس ما يضمر. وان يعد بأعمال ويقوم بعكسها. وكانا يحبكان معا في الظلام المؤامرات ضد الحرية الغالية على قلوب الفرنسيين.
وبان ارملة كابيه الفاسقة في علاقاتها, والمعتادة على الجرائم, لم تتورع عن القيام بأعمال فاحشة مع ابنها لويس شارل, باعتراف هذا الاخير. وهي اعمال يثير مجرد ذكرها قشعريرة من الرعب.
وجه المدعي العام لماري انطوانيت هذه الاتهامات, متعمدا وصفها في التحقيقات مرة بـ "لورين النمسا Lorraine d’Autriche " ومرة بأرملة لويس كابيه للحط من مكانتها.
تدور التهم الموجهة لماري انطوانيت حول :
1ـ التنسيق مع اشقاء لويس كابيه وتبديد بطرق مرعبة الميزانيات الفرنسية. وارسال مبالغ غير معقولة للإمبراطور وافلاس ميزانية الامة.
2ـ بانها بنفسها, احيانا وبواسطة اتباعها المعادين للثورة احيانا اخرى, قامت باتصالات مع اعداء الجمهورية. وبانها بلّغت, او عملت على تبليغ هؤلاء الاعداء, بمخططات حملة الهجوم المقررة من قبل المجلس.
3ـ بأنها بمؤامراتها ومناوراتها ومؤامرات اعوانها ضد الامن الداخلي والخارجي لفرنسا كانت السبب في اشعال الحرب الاهلية. واستعملت المناورات في مناطق عديدة من الجمهورية. وسلحت المواطنين بعضهم ضد بعض. مما تسبب بإراقة دماء اعداد كبيرة من المواطنين. وهذا مخالف للمادة الرابعة من الفصل الاول العنون الاول من الجزء الثاني من القانون الجزائي, والمادة الثانية من الفصل الثاني من العنوان الاول من القانون المذكور.
مرافعة محامي ماري انطوانيت شافو ـ لاكارد
لم يتم العثور على المرافعة كاملة من قبل السيد اوزنان الباحث ومنسق الارشيف في نقابة محامي باريس, وانما وجد مقاطع منها, حسبما ذكر. اذ جاء فيها:
ايها المواطنون المحلفون ماري انطوانيت التي كانت ملكة فرنسا متهمة امامكم بانها تامرت مع الداخل والخارج قبل الثورة الفرنسية التي اعطت الحرية للفرنسيين, وبعد قيامها. هذه التهمة غير العادية لا يمكن الدفاع عنها الا بوسائل غير عادية مثلها تماما. ومع ذلك فانا احد من كلفتهم المحكمة بالدفاع عن المتهمة المذكورة ... عبارات مشطوبة.. ولم يكن لدينا الوقت حتى لإلقاء نظرة سريعة على وثائق التجريم التي يرتكز عليها الاتهام, ياله من عمل مروع!! يالها من مهمة منذرة بالخطر بالنسبة لضمير انسان جيد ان لم يكن متأكد من عدالتكم !! ولكن يتبين من المداولات في هذه الدعوى الشهيرة ان بقدر ما التهمة خطيرة بذاتها بقدر ما الاسس التي تقوم عليها ضعيفة , وخاصة في جزئها المكلف أنا بالدفاع عنه.
هل لديكم بها المواطنون المحلفون الاثباتات في هذه الدعوى بان المتهمة قبل الثورة قد بددت الميزانيات المالية, و انها انهكت الميزانية القومية بإرسالها للإمبراطور مبالغ مالية غريبة التصديق ؟ وعند بداية الثورة باشرت استخبارات معادية للثورة مع اعداء الجمهورية .؟..(عبارات مشطوبة حسب مسؤل التوثيق المشار اليه) واخبرت الاعداء بحملة الهجوم المعدة والمقررة من قبل المجلس؟ ...
من جهة اخرى اذا كان شعور العدالة لديكم مختلط بالحب المتقد للحرية وصولا الى نوع من الهيام بها, في قضية تجد المتهمة فيها نفسها في مثل هذه الظروف السياسية, قضية من هذه الطبيعة, الا يمكن عندها ان يضيع منك شعور العدالة نفسه. اذا تركت لضمائركم كل الحرية لا تمارسوا عليها كل السلطات الي حولت الكم.
ارجوكم ايها المواطنين ابعاد عنكم كل هذه الاحكام المسبقة, واقتصروا ,مثلي, على واقع الاتهام. الخ.
في مداولات المحكمة الثورية المذكورة طرح على المحلفين اربعة اسئلة:
1ـ هل من الثابت وجود تخابر مع القوى الاجنبية والاعداء الاخرين داخل الجمهورية وخارجها. هل المناورات والتخابر تهدف الى التزويد بمساعدات مالية, وادخالهم الى التراب الفرنسي, وتسهل تجهيز جيوشهم؟
2ـ هل كانت ماري انطوانيت النمساوية (...) تعلم بانها تتعاون في هذه المناورات مع الخارج وبانها تقيم اتصالات تخابريه معهم؟
3ـ هل من الثابت وجود مؤامرة و مكائد تهدف لإشعال حرب اهلية داخل الجمهورية؟
4ـ هل كانت ماري انطوانيت تعلم بانها تشارك في هذه المؤامرة وهذه المكائد؟.
اجابت المحكمة على هذه الاسئلة الاربعة بنعم.
لكن الثابت ان مالم تكن تعلمه ماري انطوانيت, التي بقيت حتى الساعات الاخيرة تحتفظ بالأمل, ان موتها كان قد تقرر مسبقا, وانها ستفقد راسها قبل ان يتجاوز عمرها 38 عاما.
في 16 اكتوبر 1793 الساعة الرابعة صباحا صدر الحكم عليها, واقتيدت الى المقصلة بعد ذلك بساعات قليلة.
نقلا عن الاستاذ / هايل نصر