عبد الناصر مات مقتولاً!
حكاية فنجان القهوة المسموم: اتهام السادات وأميركا... والسعودية
أنور السادات قتل جمال عبد الناصر بفنجان قهوة مسموم. هذه الحكاية رواها محمد حسنين هيكل في «الجزيرة»، مع تحفظ بعدم وجود أدلة. لكنها أعادت، في الذكرى الأربعين لوفاة الزعيم المصري التي تصادف اليوم، إحياء «الغياب المفاجئ» للزعيم الذي بكته الجماهير الفزِعة من اختفاء الأب، بما يمثله من ثقل لحظة خاصة كانت هذه الجماهير تنتظر أن يحملها الزعيم على جناحيه إلى جنة الأحلام. الأب كان مستبداً، لكنه عادل، وديكتاتوراً، لكنه نبيل. وحكاية موته إحياء لصورة لا يزال لها جمهورها. هنا استعادة للروايات المذكورة عن «اغتياله»، وتدخل فيها أسماء يعرفها المصريون جيداً
وائل عبد الفتاح
القصة ليست جديدة. لكن محمد حسنين هيكل وضع عليها بهارات الدراما وتفاصيلها الفوتوغرافية. لم يعد اتهام أنور السادات بقتل عبد الناصر من دون حكاية، هيكل صاغ الحكاية، بتفاصيلها الصغيرة.
الموقع: فندق هيلتون النيل، مقر إقامة الرؤساء في القمم العربية. أُنشئ إلى جوار الجامعة العربية، وأقيم بينهما سرداب يقطع الطريق من دون المرور في الشارع. في اجتماع مغلق بين عبد الناصر وياسر عرفات، كما حكى هيكل في برنامجه على «الجزيرة»، كان الرئيس المصري منفعلاً انفعالاً مفرطاً. السادات، الذي كان وقتها نائباً للرئيس، طلب من عبد الناصر الهدوء، واقترح أن يعد القهوة بنفسه للرئيس. دخل المطبخ وطلب من الطباخ النوبي الانسحاب، وانفرد بالمطبخ، وهنا وضع السم.
سر عمره 40 سنة، لماذا احتفظ به، وقاله بتحفظ: «ليست هناك أدلة كافية»؟ هل قال هيكل السر ليكشف حقيقة، أم ليثير جدلاً حول قتل عبد الناصر، ومشاركة خليفته السادات في القتل، أم ليلبي غريزة داخلية بتفجير المفاجآت وكشف الأسرار؟
هيكل فجّر السر ووضع التحفظ عليه: «لا دليل». وزاد: «أعتقد، من الناحية العاطفية والإنسانية، أنه لا يمكن أن يقدم السادات على قتل عبد الناصر».
الاتهام قديم. آخر من قاله الدكتورة هدى عبد الناصر في مقال قبل فترة قصيرة في مجلة «الإذاعة والتليفزيون» بعنوان «السادات قتل أبي». شهد بعدها معركة قانونية بينها وبين رقية السادات، التي تلقفت حكاية هيكل وقدمت ضدها بلاغاً للنائب العام. وقدمت سبباً مدهشاً لتكذب الحكاية: «أبي لم يكن يعرف أن يُعدّ القهوة من أساسه».
فنجان القهوة المسموم أعطى توابل رفعت من قيمة الاتهام القديم، الذي كان يقول إن الاستخبارات الأميركية جندت السادات لاغتيال عبد الناصر لإزاحته من طريقها في الشرق الأوسط.
سكرتير عبد الناصر محمود الجيار قال، في مذكرات نشرها قبل ١٩ سنة، كلاماً يحمل الاتهام نفسه، لكن لأسباب أخرى: «علم السادات بقرار إقالته وتعيين عبد اللطيف بغدادي نائباً بدلاً منه، في إطار حركة تغييرات لم تتم بسبب إرهاق عبد الناصر من تداعيات أيلول الأسود».
شهادة الجيار نشرها يوسف القعيد في «الدستور»، مدافعاً عن حكاية هيكل. وختم بتأكيد واضح: «الذي حدث بعد ذلك من تغييرات جوهرية في سياسة الحكم يجعلني أشك بقوة في أن السادات قد استعان بأميركا لتنفيذ المؤامرة على حياة جمال عبد الناصر».
الحكاية بهذه التصورات تجعل من السادات صاحب مصلحة استعان فيها بالاستخبارات الأميركية، وهي ضمن طيف واسع من حكايات تنتمي كلها إلى «نظرية المؤامرة»، ورد فعل طبيعي لصدمة الغياب المفاجئ لزعيم بحجم عبد الناصر.
حسين الشافعي كان من الصف الأول للضباط الأحرار ونائب عبد الناصر لفترة طويلة. هو أول من أخرج شكوكه للعلن لحظة الوفاة، حين قال: «مات مقتولاً».
حسن التهامي، سكرتير عبد الناصر الآخر وأحد اللاعبين لأدوار غامضة في التقريب بين السادات والإسرائيليين، طالب بتشريح الجثة بعدما وصلت إلى القصر الجمهوري.
اغتيال عبد الناصر لم يكن بعيداً عن حرب الاستخبارات في قمة ألعابها بالأمم. للاستخبارات الأميركية قصص شهيرة، ينافسها «الموساد»، المشهور عنه قصتان إحداهما لطباخ من أصل يوناني يعمل في محلات «غروبي» الشهيرة، اهتزت يده قبل أن يضع السم في فنجان قهوة قبل تقديمه لعبد الناصر، وألقى القبض عليه رجال أمن واعترف بالمخطط.
القصة الثانية للدكتور علي العطفي، عميد معهد العلاج الطبيعي، الذي ادعى في كتاب نشر باسمه أنه كان يعمل المدلك الخاص للرئيس عبد الناصر لمدة 12 عاماً، ووضع له سماً بطيء المفعول في مساحيق التدليك. اعترافات أعادها إلى زملاء زنزانة يقضي فيها عقوبة على تخابره مع «الموساد» أثناء عصر السادات (1979). لكن التحقيق أغلق في اعترافات العطفي، بعدما أنكر مدير مكتب الرئيس سامي شرف أنه عمل مدلكاً من الأساس لعبد الناصر. إلا أن الحكاية ظلت ملهمة للصحافي المصري جمال سليم في كتاب «من قتل عبد الناصر» ولروايات شفاهية على لسان الشاعر أحمد فؤاد نجم، يروي فيها اعترافات العطفي له شخصياً في السجن.
كذلك هناك حكاية غير معروفة عن فيروسات حقنت بها الـ«كي جي بي» عبد الناصر، لتسكن جسده منتظرة لحظة إرهاق كبير، لتقتله، وهو ما حدث في مؤتمر القمة العربية بعد أيلول 1970.
المؤامرة إذاً حاضرة، تثير الجدل بين أنصار عبد الناصر، الرومانسيين والواقعيين. كذلك، إن العائلة منقسمة في ما يتعلق بقصة فنجان القهوة الأخير؛ منى، الابنة الصغرى رفضت القصة وقالت في الاحتفال أمام الضريح: «كنت بالقرب منه أنا ووالدتي ساعة الموت. ولم تكن سوى ميتة طبيعية بالسكتة القلبية».
منى واقعية، رغم أنها ليست من أعداء نظرية المؤامرة، بدليل أنها مشغولة مع أولادها بمتابعة فتح التحقيقات في الملابسات الغامضة لوفاة زوجها أشرف مروان بوقوعه عن إحدى شرفات لندن، فيما كان أحد سيناريوات اغتيال عبد الناصر يضع اسم أشرف مروان نفسه مديراً للعملية، لكن من دون حكاية.
الدكتورة هدى، الشقيقة الكبرى، مؤمنة بالقصة التي حكاها لها هيكل قبل إعلانها في «الجزيرة»، وهي اعتمدت عليها في اتهام السادات.
عبد الحكيم، الشقيق الأصغر، في صف رواية هدى وهيكل. أكد في حوار مع «الدستور» أن وفاة والده لم تكن طبيعية، فالجهات المتعددة تكالبت على الزعيم الأب. وعبد الحكيم يبحث بين حضور مؤتمر قمة 1970 عن اسم «كمال أدهم، رئيس الاستخبارات السعودية»، في إشارة إلى احتمال تورط المملكة في القضيّة.
عبد الحكيم مهندس يفسر حماسته، مستنداً إلى «مذكرات كيسنجر»، التي تنص على أن «إسرائيل اعترضت على درع الصواريخ الذي إن دشنته مصر فسيغطي العبور، وطلبت إسرائيل تدخل أميركا، وقال كيسنجر إنه خلال 90 يوماً ممكن أن تتغير الدنيا، وهذا ما حدث بالفعل».
هذا النوع من الحكايات قد يثير رفضاً عقلانياً من أعداء نظرية المؤامرة، أو من هواة الاستخفاف بتحول موت الزعماء والنجوم إلى أساطير لا يمكن حسمها بالمطلق، لكنها تجعل من غيابهم نوعاً من حدث لن يكتمل إلا بكشف أسراره.
الحكايات أحدثت تعاطفاً من جماهير ترى فيها مبرراً لغياب زعيم كان يمثل «قوة رمزية» في مرحلة الحرب الباردة. ورغم أن عبد الناصر لم يكن ديموقراطياً، ولم يكن حنوناً مع معارضيه، وقاد البلاد إلى هزيمة كبيرة، إلا أن حضوره الرمزي بقي قائماً حتى في ظل ضعف وزن القوى السياسية الناصرية.
ورغم اعتبار العصر الحالي امتداداً لجمهورية العسكر التي أسسها عبد الناصر، إلا أنه يبقى يطل كحالة فريدة في التاريخ المصري الحديث، تتجاوز اللعنات.
على الضريح
اختلط البكاء على العروبة ونداء استغاثة للرجولة الضائعة بالحوارات الجانبية والصحافية عن فنجان القهوة المسموم، واحتشد ضريح عبد الناصر بعلامات من الواقع السياسي المشحون هذه الأيام. وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي كان ممثل الرئيس حسني مبارك في الاحتفال بالذكرى الأربعين للغياب. علاء، الابن الأكبر للرئيس كان حاضراً أيضاً.
وعلى مسافة بعيدة كانت أصوات تظاهرة نظمها أعضاء الحزب الناصري وحزب الكرامة تحمل صور عبد الناصر وتنادي بطلها الغائب ورجلها المغدور في هتافات لا تخلو من مازوشية فاقعة: «آه يا جمال وباقولها بحسرة... باعوا القدس وباعوا البصرة» و«آه يا جمال يا عود الفل... من بعدك ورونا الذل». الهتافات أعلنت رفض التوريث: «قول يا ناصري إيه أفكارك يسقط يسقط حسني مبارك».
رجل خمسيني لخص موقف المنتظرين بالدموع والآهات على الضريح بلافتة تقول: «ألف رحمة ونور على الرجولة من بعدك يا أبو خالد». الاخبار .
حكاية فنجان القهوة المسموم: اتهام السادات وأميركا... والسعودية
أنور السادات قتل جمال عبد الناصر بفنجان قهوة مسموم. هذه الحكاية رواها محمد حسنين هيكل في «الجزيرة»، مع تحفظ بعدم وجود أدلة. لكنها أعادت، في الذكرى الأربعين لوفاة الزعيم المصري التي تصادف اليوم، إحياء «الغياب المفاجئ» للزعيم الذي بكته الجماهير الفزِعة من اختفاء الأب، بما يمثله من ثقل لحظة خاصة كانت هذه الجماهير تنتظر أن يحملها الزعيم على جناحيه إلى جنة الأحلام. الأب كان مستبداً، لكنه عادل، وديكتاتوراً، لكنه نبيل. وحكاية موته إحياء لصورة لا يزال لها جمهورها. هنا استعادة للروايات المذكورة عن «اغتياله»، وتدخل فيها أسماء يعرفها المصريون جيداً
وائل عبد الفتاح
القصة ليست جديدة. لكن محمد حسنين هيكل وضع عليها بهارات الدراما وتفاصيلها الفوتوغرافية. لم يعد اتهام أنور السادات بقتل عبد الناصر من دون حكاية، هيكل صاغ الحكاية، بتفاصيلها الصغيرة.
الموقع: فندق هيلتون النيل، مقر إقامة الرؤساء في القمم العربية. أُنشئ إلى جوار الجامعة العربية، وأقيم بينهما سرداب يقطع الطريق من دون المرور في الشارع. في اجتماع مغلق بين عبد الناصر وياسر عرفات، كما حكى هيكل في برنامجه على «الجزيرة»، كان الرئيس المصري منفعلاً انفعالاً مفرطاً. السادات، الذي كان وقتها نائباً للرئيس، طلب من عبد الناصر الهدوء، واقترح أن يعد القهوة بنفسه للرئيس. دخل المطبخ وطلب من الطباخ النوبي الانسحاب، وانفرد بالمطبخ، وهنا وضع السم.
سر عمره 40 سنة، لماذا احتفظ به، وقاله بتحفظ: «ليست هناك أدلة كافية»؟ هل قال هيكل السر ليكشف حقيقة، أم ليثير جدلاً حول قتل عبد الناصر، ومشاركة خليفته السادات في القتل، أم ليلبي غريزة داخلية بتفجير المفاجآت وكشف الأسرار؟
هيكل فجّر السر ووضع التحفظ عليه: «لا دليل». وزاد: «أعتقد، من الناحية العاطفية والإنسانية، أنه لا يمكن أن يقدم السادات على قتل عبد الناصر».
الاتهام قديم. آخر من قاله الدكتورة هدى عبد الناصر في مقال قبل فترة قصيرة في مجلة «الإذاعة والتليفزيون» بعنوان «السادات قتل أبي». شهد بعدها معركة قانونية بينها وبين رقية السادات، التي تلقفت حكاية هيكل وقدمت ضدها بلاغاً للنائب العام. وقدمت سبباً مدهشاً لتكذب الحكاية: «أبي لم يكن يعرف أن يُعدّ القهوة من أساسه».
فنجان القهوة المسموم أعطى توابل رفعت من قيمة الاتهام القديم، الذي كان يقول إن الاستخبارات الأميركية جندت السادات لاغتيال عبد الناصر لإزاحته من طريقها في الشرق الأوسط.
سكرتير عبد الناصر محمود الجيار قال، في مذكرات نشرها قبل ١٩ سنة، كلاماً يحمل الاتهام نفسه، لكن لأسباب أخرى: «علم السادات بقرار إقالته وتعيين عبد اللطيف بغدادي نائباً بدلاً منه، في إطار حركة تغييرات لم تتم بسبب إرهاق عبد الناصر من تداعيات أيلول الأسود».
شهادة الجيار نشرها يوسف القعيد في «الدستور»، مدافعاً عن حكاية هيكل. وختم بتأكيد واضح: «الذي حدث بعد ذلك من تغييرات جوهرية في سياسة الحكم يجعلني أشك بقوة في أن السادات قد استعان بأميركا لتنفيذ المؤامرة على حياة جمال عبد الناصر».
الحكاية بهذه التصورات تجعل من السادات صاحب مصلحة استعان فيها بالاستخبارات الأميركية، وهي ضمن طيف واسع من حكايات تنتمي كلها إلى «نظرية المؤامرة»، ورد فعل طبيعي لصدمة الغياب المفاجئ لزعيم بحجم عبد الناصر.
حسين الشافعي كان من الصف الأول للضباط الأحرار ونائب عبد الناصر لفترة طويلة. هو أول من أخرج شكوكه للعلن لحظة الوفاة، حين قال: «مات مقتولاً».
حسن التهامي، سكرتير عبد الناصر الآخر وأحد اللاعبين لأدوار غامضة في التقريب بين السادات والإسرائيليين، طالب بتشريح الجثة بعدما وصلت إلى القصر الجمهوري.
اغتيال عبد الناصر لم يكن بعيداً عن حرب الاستخبارات في قمة ألعابها بالأمم. للاستخبارات الأميركية قصص شهيرة، ينافسها «الموساد»، المشهور عنه قصتان إحداهما لطباخ من أصل يوناني يعمل في محلات «غروبي» الشهيرة، اهتزت يده قبل أن يضع السم في فنجان قهوة قبل تقديمه لعبد الناصر، وألقى القبض عليه رجال أمن واعترف بالمخطط.
القصة الثانية للدكتور علي العطفي، عميد معهد العلاج الطبيعي، الذي ادعى في كتاب نشر باسمه أنه كان يعمل المدلك الخاص للرئيس عبد الناصر لمدة 12 عاماً، ووضع له سماً بطيء المفعول في مساحيق التدليك. اعترافات أعادها إلى زملاء زنزانة يقضي فيها عقوبة على تخابره مع «الموساد» أثناء عصر السادات (1979). لكن التحقيق أغلق في اعترافات العطفي، بعدما أنكر مدير مكتب الرئيس سامي شرف أنه عمل مدلكاً من الأساس لعبد الناصر. إلا أن الحكاية ظلت ملهمة للصحافي المصري جمال سليم في كتاب «من قتل عبد الناصر» ولروايات شفاهية على لسان الشاعر أحمد فؤاد نجم، يروي فيها اعترافات العطفي له شخصياً في السجن.
كذلك هناك حكاية غير معروفة عن فيروسات حقنت بها الـ«كي جي بي» عبد الناصر، لتسكن جسده منتظرة لحظة إرهاق كبير، لتقتله، وهو ما حدث في مؤتمر القمة العربية بعد أيلول 1970.
المؤامرة إذاً حاضرة، تثير الجدل بين أنصار عبد الناصر، الرومانسيين والواقعيين. كذلك، إن العائلة منقسمة في ما يتعلق بقصة فنجان القهوة الأخير؛ منى، الابنة الصغرى رفضت القصة وقالت في الاحتفال أمام الضريح: «كنت بالقرب منه أنا ووالدتي ساعة الموت. ولم تكن سوى ميتة طبيعية بالسكتة القلبية».
منى واقعية، رغم أنها ليست من أعداء نظرية المؤامرة، بدليل أنها مشغولة مع أولادها بمتابعة فتح التحقيقات في الملابسات الغامضة لوفاة زوجها أشرف مروان بوقوعه عن إحدى شرفات لندن، فيما كان أحد سيناريوات اغتيال عبد الناصر يضع اسم أشرف مروان نفسه مديراً للعملية، لكن من دون حكاية.
الدكتورة هدى، الشقيقة الكبرى، مؤمنة بالقصة التي حكاها لها هيكل قبل إعلانها في «الجزيرة»، وهي اعتمدت عليها في اتهام السادات.
عبد الحكيم، الشقيق الأصغر، في صف رواية هدى وهيكل. أكد في حوار مع «الدستور» أن وفاة والده لم تكن طبيعية، فالجهات المتعددة تكالبت على الزعيم الأب. وعبد الحكيم يبحث بين حضور مؤتمر قمة 1970 عن اسم «كمال أدهم، رئيس الاستخبارات السعودية»، في إشارة إلى احتمال تورط المملكة في القضيّة.
عبد الحكيم مهندس يفسر حماسته، مستنداً إلى «مذكرات كيسنجر»، التي تنص على أن «إسرائيل اعترضت على درع الصواريخ الذي إن دشنته مصر فسيغطي العبور، وطلبت إسرائيل تدخل أميركا، وقال كيسنجر إنه خلال 90 يوماً ممكن أن تتغير الدنيا، وهذا ما حدث بالفعل».
هذا النوع من الحكايات قد يثير رفضاً عقلانياً من أعداء نظرية المؤامرة، أو من هواة الاستخفاف بتحول موت الزعماء والنجوم إلى أساطير لا يمكن حسمها بالمطلق، لكنها تجعل من غيابهم نوعاً من حدث لن يكتمل إلا بكشف أسراره.
الحكايات أحدثت تعاطفاً من جماهير ترى فيها مبرراً لغياب زعيم كان يمثل «قوة رمزية» في مرحلة الحرب الباردة. ورغم أن عبد الناصر لم يكن ديموقراطياً، ولم يكن حنوناً مع معارضيه، وقاد البلاد إلى هزيمة كبيرة، إلا أن حضوره الرمزي بقي قائماً حتى في ظل ضعف وزن القوى السياسية الناصرية.
ورغم اعتبار العصر الحالي امتداداً لجمهورية العسكر التي أسسها عبد الناصر، إلا أنه يبقى يطل كحالة فريدة في التاريخ المصري الحديث، تتجاوز اللعنات.
على الضريح
اختلط البكاء على العروبة ونداء استغاثة للرجولة الضائعة بالحوارات الجانبية والصحافية عن فنجان القهوة المسموم، واحتشد ضريح عبد الناصر بعلامات من الواقع السياسي المشحون هذه الأيام. وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي كان ممثل الرئيس حسني مبارك في الاحتفال بالذكرى الأربعين للغياب. علاء، الابن الأكبر للرئيس كان حاضراً أيضاً.
وعلى مسافة بعيدة كانت أصوات تظاهرة نظمها أعضاء الحزب الناصري وحزب الكرامة تحمل صور عبد الناصر وتنادي بطلها الغائب ورجلها المغدور في هتافات لا تخلو من مازوشية فاقعة: «آه يا جمال وباقولها بحسرة... باعوا القدس وباعوا البصرة» و«آه يا جمال يا عود الفل... من بعدك ورونا الذل». الهتافات أعلنت رفض التوريث: «قول يا ناصري إيه أفكارك يسقط يسقط حسني مبارك».
رجل خمسيني لخص موقف المنتظرين بالدموع والآهات على الضريح بلافتة تقول: «ألف رحمة ونور على الرجولة من بعدك يا أبو خالد». الاخبار .