أفهم أن يكون النظام المصري عشوائيًا وارتجاليًا ولامباليًا ومشغولاً بتقبيل يد الحاكم وتبجيله وتمجيده وتقديسه.. فهكذا نحن منذ فجر 23يوليو، لكن مع التسليم بأن الفراعنة يحكموننا سواء عبدالناصر أو السادات ثم مبارك إلا أن هناك فرقاً هائلاً بين كفاءة جمال عبدالناصر الوطنية رغم ديكتاتوريته وبين نظام مشغول بإرضاء إسرائيل ويُقطِّع حكامها السفاحون ومجرمو الحرب تورتة عليها علم مصر بمنتهي الصفاقة والوقاحة، والنظام المصري صموت وبالع الزلط ولا همه ولا هنا بل ممتلئ بالنفخة الكدابة، مهموم نظامنا الآن بمخاصمة ومعاداة إيران وأن يجعلها العدو ويصنع فتنة مذهبية جامحة بين المسلمين وسط حفاوة مدهشة ومزرية من حكام تل أبيب الذين اعتنقوا فجأة مذهب الوهابية وصاروا من مدافعي أهل السنَّة والجماعة بينما النظام تائه وزائغ البصر عما يحدث تحت أقدامه في دول حوض النيل !
فارق ضخم وهائل ورهيب بين حاكم مستبد كجمال عبدالناصر أنقذ مصر من العطش حين وقَّع اتفاقية حوض النيل وأمد مصر بحقها التاريخي والريادي الذي استمدته من قيادتها لحركات التحرر في أفريقيا ضد قوي الاستعمار، وحين بني السد العالي الذي أنقذنا من الطوفان والغرق وبين نظام يغطس في الفساد والاستبداد، مشغول بمكافأة وزير سابق علي اتهاماته بالفساد والإفساد بمنحه مليونًا ومائتي ألف جنيه شهريًا راتبًا لوظيفة حكومية ويتجاهل ضعضعة موقف مصر في أفريقيا، حيث زار رئيسنا فرنسا أكثر من خمسين مرة وإيطاليا 18 مرة وألمانيا 24 سفرية لكنك لا تتذكر كم مرة سافر لدولة أفريقية، وهل زار يوما أوغندا، وهل مكث أياما في الكونغو كما يقضي أيامه في العواصم الأوروبية، وهل رواندا أو بوروندي تتطلع لزيارة الرئيس مبارك كما يتطلع إليها البيت الأبيض أو الأخضر، وألا تستحق إثيوبيا أن تتشرف بزيارات متكررة للسيد الرئيس كما يفعلها مع الشقيقة السعودية والأخت الإمارات؟!
الآن في الإسكندرية اجتماع لوزراء حوض النيل تتعثر فيه مصر بين رغبة في أن تكون تلك الدولة التي كانت وبين ما باتت عليه وفيه، البعض يطمئننا أن سد جمال عبدالناصر سيحفظنا بإرادة الله ست سنوات أخري من أي خطر، لكن ماذا سيترك لنا هذا النظام بعد ست سنوات ؟ هل سنتذكر له سدا أم لن ننسي له غرقا ؟
كتبت في 31مايو الماضي وقبل اجتماع وزراء حوض النيل في الإسكندرية إننا سوف نغطس في مشكلة ما يعلم بيها إلا ربنا، ومن ثم يجب أن نتخلي عن حالة الفهلوة والعشوائية التي نخوض بها مناقشاتنا مع دول حوض النيل حتي نستطيع أن نقنع هذه الدول بالإبقاء علي حصة مصر من مياه النيل! لكن لا تزال حالة التسبيح بحكمة الرئيس وإلقاء تهمة الغفلة علي وزير الري السابق باعتباره هو الذي تكاسل في تنبيه مصر أن إثيوبيا بنت سداً يهدد حصة مصر من مياه النيل.. وخرج الرجل من الوزارة بينما كان الأمر يستوجب خروج النظام من الحكم.
منذ سنوات وحكومات دول حوض النيل (تسع دول والعاشرة مصر) تتذمر من الاتفاقية التي وقَّعت عليها مع مصر عام 1959 واتفاقيات ثنائية قبل هذا التاريخ وبعده مع بعض هذه الدول التي تنص علي حصول مصر علي 55.5 مليار متر مكعب من ماء النيل (السودان تحصل علي 14مليارًا) مع ملاحظة أن مصر تحصل علي 85% من حصتها عبر إثيوبيا و15%عبر أوغندا (ياه فين أيام امتحانات الجغرافيا؟)، وتحاول هذه الدول أن تلف وتدور، توحي وتومئ لمصر بأنها لم تعد راضية علي بقاء هذه الاتفاقية مع تغير الظروف وتبدل المرحلة واختلاف الاحتياجات، ويرصد المتابعون لهذه الأزمة المكتومة عدة عوامل كما سبق وكتبت ونشرت:
1- بعض هذه الدول ملتزمة بالاتفاقية التي وقَّعتها قوي الاحتلال وليست الحكومات المحررة المستقلة، ومن ثم فهي تشعر ظلمًا في النصوص بات السكوت عنه شيئًا من مخلفات الماضي الاستعماري (الاتفاق مع أوغندا كان في الأصل بين إيطاليا وبريطانيا حول حقوق المياه في مصر والسودان).
2- هذه الحكومات تبحث عن إقامة مشروعات علي ضفاف منابع النيل تمنعها عنها الاتفاقية وتعطل مواردها.
3- هذه الدول تريد بيع النيل لمصر ولغيرها كما يتم بيع البترول والغاز الطبيعي باعتبار الماء ثروة طبيعية تنبع من أراضيها.
4- مرور خمسين عامًا علي اتفاقية وثمانين عاماً علي اتفاقية أخري- من وجهة نظرهم- فرصة للبحث في نصوصها ومراجعة التزاماتها (خصوصا أنها كانت بين مصر والمندوب السامي البريطاني مثلا).
5- تلعب إسرائيل دورًا خطيرًا ومؤكدًا في اختراق هذه الدول والتأثير في قراراتها فيما يختص بالنيل هادفة من وراء ذلك إلي:
أ - استنزاف مصر وتكسير عظامها والضغط علي مقدَّراتها؛ فالنيل شريان حياة المصريين.
ب - توصيل مياه النيل إلي إسرائيل ضمن مشروعات عملاقة تسعي إسرائيل بها إلي وقاية نفسها من حروب المياه المقبلة وندرة المياه المتوقعة في المستقبل القريب.
الآن ومع كل هذه الإشارات والمؤشرات التي كانت واضحة لكل ذي عين يري منذ سنوات ماذا فعلت مصر تجاهها؟ الإجابة: ولا حاجة، كل ما فعلته هو تمسك متصلب وخشن بالاتفاقية، ثم الحديث المكرر والمعاد حول حقوقها التاريخية، لكن هل تحركت أبعد من ذلك؟ هل استنفرت طاقتها وقدراتها علي فعل شيء تأهبًا للحظة المواجهة الكبري؟ إطلاقا! وما الذي يجب أن تفعله مصر أصلاً؟ أول ما يجب أن تفعله أن تنتبه إلي أن مسألة الحقوق التاريخية كانت تتماشي مع مصر عبدالناصر ذات الدور الأفريقي التحرري والقيادي والداعم والمساعد للشعوب الأفريقية في تحررها واستقلالها (هذا الذي يسخر منه رجالات أمانة السياسات والكويز) إن ما تملكه مصر من حقوق علي الأفارقة، خصوصًا دول حوض النيل «كان زمان» لكن مصر التي تغيرت منذ ثلاثين عامًا وتخلت عن تاريخها لا يجب أن تعتبر هذا التاريخ (المتبرَّأ منه) هو كل ما تملك في مواجهة دول أفريقية! لابد أن نتفهم أن لهذه الدول طموحات ومطامع كذلك دون التعالي ولا التأفف الذي لا تفهم أمارته إيه. فماذا نفعل نحن لهذه الشعوب وتلك الدول حتي نملك حق إعطائهم أوامر؟ ما كان يجب علينا (والوقت لم يفت بعد) أن نرمي بكل حملنا وقوتنا الثقافية والدينية مع شعوب هذه الدول (كينيا، تنزانيا ،أوغندا، إريتريا، الكونغو الديمقراطية، رواندا وبوروندي،) ونتواصل معها (بعيدًا عن مباريات كرة القدم التي لا نكف فيها عن السخرية من مستوي نقل المباريات، وكأن مخرجي مبارياتنا في التليفزيون المصري بيفهموا في الإخراج)، ومن الواجب أن تمتد علاقاتنا الشعبية واستثماراتنا الزراعية والصناعية مع دول حوض النيل ونقيم المشروعات المشتركة وننشئ فروعًا للأزهر ونستقبل طلابًا بالمئات والآلاف من هذه الدول ونوجه لشعوبها إذاعات ومحطات مصرية بلغاتهم؛ وأن ننظم زيارات لحسام حسن ومحمد أبوتريكة وحسن شحاتة لشعوب هذه الدول حتي نسكن قلوبها ونلمس عقولها بنجومنا المحبوبين والمشهورين في أفريقيا، حتي نتمكن من الترابط والتآصر مع الشعوب التي تدفع حكوماتها للدفاع عن حق مصر التاريخي قبل أن تطلبه مصر بنفسها، كان ولابد (والوقت لم ينفد بعد) أن نؤسس برلمانًا لدول حوض النيل ونوقع مواثيق وبروتوكولات فنية وثقافية وأثرية وصناعية مع حكوماتها؛ بحيث تكون علاقتنا بها متينة وأصيلة ومتشعبة ولا تتحول هذه المنطقة بالنسبة إلينا إلي تهديد جغرافي مائي كارثي. ثم كان علينا (وأتمني ألا يكون الوقت قد انتهي بعد) أن نلعب ضد إسرائيل في أفريقيا اللعبة الأهم والأخطر وأن نتعامل مع الدور الإسرائيلي في أفريقيا باعتباره حربًا باردة (وساخنة) ضد الشريان الاستراتيجي لمصر، أما ولم نفعل أياًّ من هذا كله، فطبيعي جداًّ أن يتكلم النظام المصري - الذي نسي تاريخه - عن حقه التاريخي!!
الآن في الإسكندرية اجتماع لوزراء حوض النيل تتعثر فيه مصر بين رغبة في أن تكون تلك الدولة التي كانت وبين ما باتت عليه وفيه، البعض يطمئننا أن سد جمال عبدالناصر سيحفظنا بإرادة الله ست سنوات أخري من أي خطر، لكن ماذا سيترك لنا هذا النظام بعد ست سنوات ؟ هل سنتذكر له سدا أم لن ننسي له غرقا ؟
كتبت في 31مايو الماضي وقبل اجتماع وزراء حوض النيل في الإسكندرية إننا سوف نغطس في مشكلة ما يعلم بيها إلا ربنا، ومن ثم يجب أن نتخلي عن حالة الفهلوة والعشوائية التي نخوض بها مناقشاتنا مع دول حوض النيل حتي نستطيع أن نقنع هذه الدول بالإبقاء علي حصة مصر من مياه النيل! لكن لا تزال حالة التسبيح بحكمة الرئيس وإلقاء تهمة الغفلة علي وزير الري السابق باعتباره هو الذي تكاسل في تنبيه مصر أن إثيوبيا بنت سداً يهدد حصة مصر من مياه النيل.. وخرج الرجل من الوزارة بينما كان الأمر يستوجب خروج النظام من الحكم.
منذ سنوات وحكومات دول حوض النيل (تسع دول والعاشرة مصر) تتذمر من الاتفاقية التي وقَّعت عليها مع مصر عام 1959 واتفاقيات ثنائية قبل هذا التاريخ وبعده مع بعض هذه الدول التي تنص علي حصول مصر علي 55.5 مليار متر مكعب من ماء النيل (السودان تحصل علي 14مليارًا) مع ملاحظة أن مصر تحصل علي 85% من حصتها عبر إثيوبيا و15%عبر أوغندا (ياه فين أيام امتحانات الجغرافيا؟)، وتحاول هذه الدول أن تلف وتدور، توحي وتومئ لمصر بأنها لم تعد راضية علي بقاء هذه الاتفاقية مع تغير الظروف وتبدل المرحلة واختلاف الاحتياجات، ويرصد المتابعون لهذه الأزمة المكتومة عدة عوامل كما سبق وكتبت ونشرت:
1- بعض هذه الدول ملتزمة بالاتفاقية التي وقَّعتها قوي الاحتلال وليست الحكومات المحررة المستقلة، ومن ثم فهي تشعر ظلمًا في النصوص بات السكوت عنه شيئًا من مخلفات الماضي الاستعماري (الاتفاق مع أوغندا كان في الأصل بين إيطاليا وبريطانيا حول حقوق المياه في مصر والسودان).
2- هذه الحكومات تبحث عن إقامة مشروعات علي ضفاف منابع النيل تمنعها عنها الاتفاقية وتعطل مواردها.
3- هذه الدول تريد بيع النيل لمصر ولغيرها كما يتم بيع البترول والغاز الطبيعي باعتبار الماء ثروة طبيعية تنبع من أراضيها.
4- مرور خمسين عامًا علي اتفاقية وثمانين عاماً علي اتفاقية أخري- من وجهة نظرهم- فرصة للبحث في نصوصها ومراجعة التزاماتها (خصوصا أنها كانت بين مصر والمندوب السامي البريطاني مثلا).
5- تلعب إسرائيل دورًا خطيرًا ومؤكدًا في اختراق هذه الدول والتأثير في قراراتها فيما يختص بالنيل هادفة من وراء ذلك إلي:
أ - استنزاف مصر وتكسير عظامها والضغط علي مقدَّراتها؛ فالنيل شريان حياة المصريين.
ب - توصيل مياه النيل إلي إسرائيل ضمن مشروعات عملاقة تسعي إسرائيل بها إلي وقاية نفسها من حروب المياه المقبلة وندرة المياه المتوقعة في المستقبل القريب.
الآن ومع كل هذه الإشارات والمؤشرات التي كانت واضحة لكل ذي عين يري منذ سنوات ماذا فعلت مصر تجاهها؟ الإجابة: ولا حاجة، كل ما فعلته هو تمسك متصلب وخشن بالاتفاقية، ثم الحديث المكرر والمعاد حول حقوقها التاريخية، لكن هل تحركت أبعد من ذلك؟ هل استنفرت طاقتها وقدراتها علي فعل شيء تأهبًا للحظة المواجهة الكبري؟ إطلاقا! وما الذي يجب أن تفعله مصر أصلاً؟ أول ما يجب أن تفعله أن تنتبه إلي أن مسألة الحقوق التاريخية كانت تتماشي مع مصر عبدالناصر ذات الدور الأفريقي التحرري والقيادي والداعم والمساعد للشعوب الأفريقية في تحررها واستقلالها (هذا الذي يسخر منه رجالات أمانة السياسات والكويز) إن ما تملكه مصر من حقوق علي الأفارقة، خصوصًا دول حوض النيل «كان زمان» لكن مصر التي تغيرت منذ ثلاثين عامًا وتخلت عن تاريخها لا يجب أن تعتبر هذا التاريخ (المتبرَّأ منه) هو كل ما تملك في مواجهة دول أفريقية! لابد أن نتفهم أن لهذه الدول طموحات ومطامع كذلك دون التعالي ولا التأفف الذي لا تفهم أمارته إيه. فماذا نفعل نحن لهذه الشعوب وتلك الدول حتي نملك حق إعطائهم أوامر؟ ما كان يجب علينا (والوقت لم يفت بعد) أن نرمي بكل حملنا وقوتنا الثقافية والدينية مع شعوب هذه الدول (كينيا، تنزانيا ،أوغندا، إريتريا، الكونغو الديمقراطية، رواندا وبوروندي،) ونتواصل معها (بعيدًا عن مباريات كرة القدم التي لا نكف فيها عن السخرية من مستوي نقل المباريات، وكأن مخرجي مبارياتنا في التليفزيون المصري بيفهموا في الإخراج)، ومن الواجب أن تمتد علاقاتنا الشعبية واستثماراتنا الزراعية والصناعية مع دول حوض النيل ونقيم المشروعات المشتركة وننشئ فروعًا للأزهر ونستقبل طلابًا بالمئات والآلاف من هذه الدول ونوجه لشعوبها إذاعات ومحطات مصرية بلغاتهم؛ وأن ننظم زيارات لحسام حسن ومحمد أبوتريكة وحسن شحاتة لشعوب هذه الدول حتي نسكن قلوبها ونلمس عقولها بنجومنا المحبوبين والمشهورين في أفريقيا، حتي نتمكن من الترابط والتآصر مع الشعوب التي تدفع حكوماتها للدفاع عن حق مصر التاريخي قبل أن تطلبه مصر بنفسها، كان ولابد (والوقت لم ينفد بعد) أن نؤسس برلمانًا لدول حوض النيل ونوقع مواثيق وبروتوكولات فنية وثقافية وأثرية وصناعية مع حكوماتها؛ بحيث تكون علاقتنا بها متينة وأصيلة ومتشعبة ولا تتحول هذه المنطقة بالنسبة إلينا إلي تهديد جغرافي مائي كارثي. ثم كان علينا (وأتمني ألا يكون الوقت قد انتهي بعد) أن نلعب ضد إسرائيل في أفريقيا اللعبة الأهم والأخطر وأن نتعامل مع الدور الإسرائيلي في أفريقيا باعتباره حربًا باردة (وساخنة) ضد الشريان الاستراتيجي لمصر، أما ولم نفعل أياًّ من هذا كله، فطبيعي جداًّ أن يتكلم النظام المصري - الذي نسي تاريخه - عن حقه التاريخي!!
إبراهيم عيسي يكتب: النيل ما جاشي