جاءت فعالية تأبين مروة الشربيني في مدينة دريسدن بمثابة مظاهرة تأييد حقيقية للضحية وللتأكيد علي الرفض القاطع للعداء للأجانب والمسلمين في ألمانيا، حيث شهدت حضورا كثيفا فاق التوقعات بما يزيد علي 1700 شخص، 90٪ منهم من الألمان من جميع الجنسيات والأعمار، كبار السن والمعاقين وحتي الأطفال.. وأكد البروفيسور 'أنتوني هيمان' المشرف علي رسالة الدكتوراه لزوج مروة 'علوي عكاز' في معهد ماكس بلانك أحد أهم المعاهد العلمية في العالم، أن علوي إنسان رائع بمعني الكلمة وأنه نموذج للعالم الملتزم والناجح، مشيرا إلي أن علاقته به ممتازة، وأنه شخص منفتح جدا للحديث، ومندمج تماما مع الألمان ومع الجميع بمن فيهم طلاب من 45 جنسية في المعهد..
وهو يهتم بالتواصل مع زملائه ويهتم بعمله وبعملهم، مشيرا إلي أنه رأي مروة مع زوجها مرتين، ومعروف عن علوي أنه رجل عائلي تماما، يحب أسرته ويرعاها.
وحظيت تظاهرة التأبين بحضور 'فرانتس مونتفيرنج' رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي المشارك في حكومة ميركل، إلي جانب حضور أربعة وزراء ورئيس المحكمة العليا في ولاية سكسونيا وعمدة مدينة دريسدن.. مما أعطاها بعدا مهما، خاصة بعد أن بدا أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني يحاول استغلال الحادثة ليجعلها جزءا من حملته الانتخابية، خاصة أنه يشهد تراجعا في شعبيته قبل شهرين فقط من الانتخابات البرلمانية العامة في ألمانيا في 27 سبتمبر المقبل، ومحاولة الحصول علي أكبر قدر من أصوات المسلمين والأجانب في ألمانيا، وهو ما تبدي في انتقاد السياسيين من جميع الأحزاب - ما عدا الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه ميركل ـ لنهج الحكومة في التعامل مع هذا الحادث، حيث أكد سباستان أداتي رئيس لجنة الشئون الداخلية بالبرلمان الألماني 'من الحزب الاشتراكي الديمقراطي' أن حزبه يفضل إدانة شخصية واضحة للجريمة من قبل المستشارة ميركل نفسها، هذا بينما رفض 'هانز بيت' نائب رئيس الهيئة البرلمانية للاتحاد المسيحي ذلك، مؤكدا أن الحكومة لن تفعل أكثر مما فعلت لأن جريمة دريسدن مجرد حادث فردي.
وهو ما رد عليه 'فرانك فالتر شتاينماير' وزير الخارجية الألماني ومرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمنصب المستشار في الانتخابات المقبلة بإرسال خطاب خاص لوزير الخارجية المصرية قدم فيه واجب العزاء متعهدا بالعمل علي الحيلولة دون تكرار مثل هذه الجريمة البشعة، مؤكداً أنه لا مكان لمعاداة الأجانب في ألمانيا.
وتوالت كلمات التأبين لمسئول شئون الأجانب في ولاية سكسونيا، وعمدة المدينة والأمين العام للمجلس الإسلامي في المانيا بل وللسفير المصري حتي لممثل الألمان الروس في دريسدن، مستنكرين هذه الجريمة البشعة، ومؤكدين أن الجميع يقفون اليوم متكاتفين ومنددين بأقصي ما يمكن ضد هذه الجريمة وأن ألمانيا لابد أن تقف بكل قوتها في وجه هذه التيارات التي تهدد الأمن والسلم الاجتماعي الألماني بأسره..
وانتهت تظاهرة التأبين بإلقاء الزهور البيضاء وكتابة التعازي وترك عبارات العزاء علي لوحة بيضاء مصبوغة باللون الأحمر الذي يمثل دماء الضحية، من قبل الأطفال والكبار من جميع الجنسيات، وبعدها تم نقل وجمع الزهور وصورة مروة ليتم وضعها أمام باب محكمة دريسدن لتذكر الجميع بهذه الجريمة.
وقد وجه 'فرانتس مونتفيرنج' رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي ـ من خلال 'الأسبوع' ـ رسالة خاصة للشعب المصري والمسلمين قال فيها: 'إننا نريد أن نعيش مع بعضنا في سلام واحترام، وأن نعرف أن جميع الناس متساوون ولهم نفس الحقوق، بغض النظر عن الدين أو لون البشرة أو الاسم أو الأصل، وأن كل الناس ذوي الرغبة الصادقة في مصر وفي ألمانيا وفي كل مكان في العالم يسعدون بالحياة معا، حيث توجد دائما فرصة وأمل ألا تتكرر مثل هذه الجريمة التي شهدناها'.
وحول سؤالنا له عن موقفه من معاداة الإسلام في ألمانيا، أكد لـ'الأسبوع' قائلا: ' إننا لن نسمح بوجود العداء للإسلام لا في المانيا ولا في أنحاء العالم، وكل الموجودين في دريسدن اليوم أو في ألمانيا بوجه عام، يشعرون اليوم بالأسي، ونشعر جميعاً بأن واجباتنا تترسخ أكثر مما كنا في السابق، وأؤكد مرة أخري أنه في هذا البلد لن يتم السماح بالتمييز ضد أي فرد أو أن يتعرض للاعتداء أو الظلم بسبب دينه أو جنسه أو عرقه'.
وحين سألنا كثيراً من الحاضرين في التأبين أكدوا لـ'الأسبوع' أنهم جاءوا ليؤكدوا أن الجريمة لم تستهدف فقط مروة الشربيني وأسرتها، ولا فقط المسلمين في ألمانيا بل إنها تستهدف الجميع، وهو ما دفعهم لاتخاذ موقف حاسم للحيلولة دون تكرار ذلك، والضغط بكل ما في وسعهم لمواجهة التيارات اليمينية المتطرفة المعادية للأجانب والإسلام.
وهو ما أشار له 'سباستيان فوجل' مسئول شئون الأجانب في ولاية سكسونيا في تصريحات خاصة رافضا اعتبار الحادث مجرد حالة فردية كما تزعم الحكومة الألمانية، ومعترفا بوجود عداء للأجانب في المجتمع الألماني، وقال انها كانت جريمة بشعة لكنها للأسف علي خلفية تتكرر دائما، فنحن لدينا مشكلة مع العنصرية هنا في ألمانيا وبالذات في شرق البلاد، وهو كان عملا مريعا، لكن علينا الاعتراف بوجود المشكلة وبحتمية مكافحتها.
وهو ما اشار إليه عديد من السياسيين الألمان مثل 'سيفيم داجيلين' عضو البوندستاج عن حزب اليسار، مؤكدة أن الحكومة ستكرر خطأها إذا اعتبرت العنصرية مقصورة علي المتطرفين اليمينيين في حين أنها وصلت للطبقة الوسطي بالمجتمع، بل وصل الأمر بـ'جوزيف فينكلر' المتحدث باسم حزب الخضر في البوندستاج إلي القول: 'إن العداء الخفي للإسلام وصل إلي دوائر حكومية عليا'، مدللا علي ذلك بصدور قوانين حظر عمل المسلمات بالحجاب في المؤسسات الرسمية.
وحين سألت 'الأسبوع' 'سباستيان فوجل' عن موقفه من مماطلة الحكومة الألمانية في اتخاذ موقف صريح، اعترف أيضا باستيائه من ذلك، قائلا: 'هذا صحيح، فرأيي أن إدارة مدينة دريسدن وحكومة ولاية سكسونيا، وكذلك الحكومة الألمانية كان يمكن أن تتخذ موقفا واضحا منذ البداية، وهو أمر سيئ، ولا أعرف لماذا صمتوا كل هذا الوقت؟! ولكن لحسن الحظ أنهم لم يظلوا صامتين للنهاية'
وهو ما ركز عليه المحلل السياسي رئيس القسم العربي بإذاعة الدويتشه فيله الذي انتقد موقف الحكومة الألمانية حيث رأي أنه أضر بسمعة ألمانيا في العالمين العربي والإسلامي، لأنه أظهرها وكأنها ليست مهتمة لأن الضحية مسلمة، وتساءل بتهكم: 'لماذا احتاجت الحكومة الألمانية إلي كل هذا الوقت للعثور علي كلمات الإدانة المناسبة، وهذا فقط بعد أن طالبها مراسل عربي باتخاذ موقف من الاتهامات؟'.
أما عن أسباب عدم اهتمام الإعلام الالماني بالضحية ومحاولة تصوير الأمر علي أنه جريمة فردية منعزلة لا تستحق كل هذا الاهتمام، فقد عزت 'كارين شتيدلر' الصحفية الألمانية في صحيفة 'دي تاجيس تسايتونج' الأمر إلي أنه راجع لعدم الإلمام الكافي من جانب معظم وسائل الإعلام الألمانية بمعلومات أساسية عن الإسلام مما يجعلها تتحدث عن الإسلام بصورة تعميمية، لذلك تأخذ منه موقفا سلبيا، ورغم أنها اشارت إلي أن بعض وسائل الإعلام الألمانية القليلة تعاملت مع الأمر بحرفية ومهنية، إلا أن الأمر وصل ببعض الصحفيين الألمان إلي أنهم بدلاً من أن يقفوا مع هذه السيدة الضحية، حاولوا تحميل الذنب للمسلمين، لنجدهم مثلا ينتقدون المظاهرات المتتالية في مصر بشعاراتها الغاضبة، بدل أن يدينوا الجريمة بكل حدة ويطالبوا الجانب الألماني بتحمل مسئولياته.
وفي النهاية ورغم أن البعض يري أن التيارات الإسلامية المتشددة أو حتي المجلس المركزي لليهود بل أيضا الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني يحاول استغلال اغتيال مروة الشربيني لأهداف خاصة، إلا أن الأهم لدي الشعب المصري هو الحصول علي اعتذار رسمي مباشر من المستشارة ميركل يعيد قيمة المواطن المصري، وحصول المسلمين في ألمانيا علي حقوقهم وأهمها وقف التحريض ضد الإسلام والاعتراف الرسمي بالدين الإسلامي.