أغرب امتحاااان جامعي من جامعة الملك سعوود
منقووووول
المكان: قاعة جامعية بكلية العلوم الإدارية في جامعة الملك سعود بالرياض،
والزمان: الامتحانات النهائية للفصل الدراسي الحالي،
والمناسبة: اختبار مادة مبادئ القانون ضمن مقررات السنة الأولى لقسم القانون. وبعد أن توافد طلاب خمس شعب دراسية إلى قاعات الامتحان وأخذ المراقبون مواقعهم، وزعت كراسات الإجابة، ولم يتبقَ إلا إشارة البدء في أجواء لم تخل من قلق ظاهر على محيا القانونيين السعوديين الجدد.
وجاءت اللحظة المنتظرة بتوزيع الأسئلة التي أثارت ردود فعل فاجأت الجميع، فضجت القاعات بالضحك، واندهش المكان قبل المراقبين، فقد صيغت أسئلة الامتحان الأربعة بطريقة غير معتادة، حيث جاء نص السؤال الثاني: «جورجينا شابة اسبانية بارعة الجمال تزعم أن أصولها تعود إلى بني أمية، وقد قدمت إلى المملكة للتعرف على ارض الآباء والأجداد، فاستأجرت بيتاً في حي النظيم بجوار السيد عصويد الهتلي الذي رأى أن وجودها إفساد لأخلاق الأعراب النشامى، فعمد إلى التنغيص والتنكيد عليها ليدفعها إلى الرحيل، فكان تارة يرفع صوت التلفاز والمذياع لإزعاجها، وتارة يغني على أنغام ربابته وبأعلى صوته: طيري غدا والسلوقي ضاع. وتارة أخرى يوزع الطبول الأربعة على زوجاته الأربع ويغني مع أبنائه العشرة: طاق طاق من بالباب قلنا حجاب.
في مكتبك للمحاماة غير الفاخر والموجود على رصيف بحي السلي، وقد أسندت أوراقك إلى احد الكراتين، جاءتك جورجينا تشكو إليك مشكلتها، وبعد أن استمعت إليها، عدّد معايير التعسف باستعمال الحق تعدادا فقط، واشرح لها بالتفصيل المعيار الذي ينطبق على حالتها».
وكان نص السؤال الثالث: «ابنك خريفيش 14.5 المعجب جداً بلويس 14، طلب منك أن ترسم له مخططاً يبين تقسيم الحقوق بالقانون الوضعي، وقد رفضت ذلك فتدخلت حرمك المصون أم خريفيش 14.5، وقالت بالحرف الواحد: إما أن ترسم لفلذة كبدها أو لا عسيلة بعد اليوم، فحتى تظفر بعسيلة أم خريفيش 14.5، ارسم يا رعاك الله مخططاً لتقسيم الحقوق في القانون الوضعي».
الأسئلة التي أثارت الضحك في القاعة كانت مثار مناقشة طلابية بعد مغادرتها، فقد رأى بعضهم أن هذا الأسلوب ساعده على كسر حدة الامتحان، ورأى غيره أن «الأسئلة حملت استخفافاً بالمقرر والطالب والموقف كله»، واعتبر ثالث أن الأسلوب جيد ولكن الأستاذ بالغ في الأمر على نحو خادش.
قسم القانون من جانبه استدعى أستاذ المادة وحذره من تكرار هذا الأسلوب الذي اعتبره القسم غير مقبول، وشهد مكتب رئيس القسم نقاشاً ساخناً بلغ حد الملاسنة جراء إصرار الأستاذ على سلامة أسلوب الأسئلة من الناحيتين العلمية والتربوية.
«الشرق الأوسط» توجهت إلى أستاذ المادة، وهو المحاضر محمد الشمري، 49 عاماً، الذي يحمل درجة البكالوريوس في تخصص القانون والشريعة من جامعة الكويت، ودرجة الماجستير في القانون الخاص من جامعة اكسن بيرفرانس الفرنسية، وكان بدأ مشروعه في دراسة الدكتوراه في جامعة نيس الفرنسية، إلا أن ظروف أحداث 11 سبتمبر قادته للعودة إلى الرياض، على أساس سفره من جديد إلى فرنسا خلال الفترة المقبلة لإتمام مرحلة الدكتوراه.
وكشف الشمري أن هذا الامتحان هو أول تجربة له في هذا الاتجاه، وان عدم رضاه عن مستوى الطلاب هو ما جعله يؤجل فكرة استخدام هذا الأسلوب منذ بدء مهمته في القسم قبل سنتين، وان الهدف من الإجراء هو التقليل من رهبة الامتحان. وذكر أن «الضحالة العلمية» لدى بعض الأكاديميين السعوديين هي ما دفعتهم إلى انتقاد أسلوبه، وأصر على سلامة موقفه من الناحيتين العلمية والتربوية، ودعا «الزملاء المعترضين إلى الاحتكام إلى القرآن والسنة»، إلا أنه عاد وأكد انه سيستجيب لطلب القسم بالعودة إلى النمط التقليدي للأسئلة.
واكد أن استخدامه للهجة العامية يأتي ضمن سياق مبرر، وان مقدمات الأسئلة كانت ذات طابع أدبي مستشهداً بقبول الطنطاوي والعقاد لاستخدام العامية ضمن النص الأدبي، ومعتبرا في السياق ذاته أن استخدامه لتعبير «أكل عليه الدهر وشرب وبال» ضمن السؤال الأول لا يمثل خروجا على الآداب العامة، مؤيدا رأيه بترديد الفقيه الحنبلي ابن الجوزي لما اعتبره ألفاظا بذيئة في «أخبار الحمقى والمغفلين» و«الأذكياء»، كما برر صيغة السؤال الثالث بأن لا حياء في العلم، وان الطلبة الذين هم جمهور هذه الأسئلة هم من البالغين الذين لا ضرر في استخدام هذه اللغة معهم.
وحول تسجيله لمواقف اجتماعية وايديولوجية في أسئلة امتحان يفترض أن يكون أداة لقياس التحصيل العلمي وليس تسجيل المواقف، قال إن الامتحان هو جزء من التعبير الثقافي العام وان التعبير الإبداعي والفني لا يختلف عن التعبير بالامتحان، وان إشارته إلى فئة اجتماعية أو استعماله أسلوبا ذا دلالة ايديولوجية، إنما اقتضاه سياق النص من دون أن يعبر عن إساءة مقصودة.
وفي تعليق على الموضوع، اعتبر أكاديمي سعودي ـ فضل عدم ذكر اسمه ـ أن جملة الملاحظات التي سيقت ضد هذا الامتحان تمثل ملاحظات فرعية، وان ثمة ملاحظتين جوهريتين لم تطرحا على هذا الامتحان، أولاهما أن تبني نصوصا خيالية في مقدمة أسئلة مادة متخصصة موجهة لطلاب في بداية طريقهم القانوني، يفترض أن يتشربوا لغة الحقيقة وليس المجاز، ما يمثل خطأ أكبر من استخدام الأستاذ كلمات خارجة أو أساليب مزعجة، معتبراً أن الأسلوب المجازي مقبول في مواد أخرى مثل الأدب والنقد الأدبي والإعلام. والثانية أن الأسئلة وان بدا أنها تطرح في شكل جديد يكسر القوالب المعتادة، إلا أنها مغرقة في تقليديتها، فعند إعادة قراءة الأسئلة ستجد أنها استدعاء لمحفوظات الطلاب، وتأكيد على نمط التعليم التلقيني التقليدي، «أي أن الأستاذ لم يضف في هذا الامتحان إلا ممارسة مشاغبة ومحاولة للتعبير عن خفة الظل».
منقووووول
المكان: قاعة جامعية بكلية العلوم الإدارية في جامعة الملك سعود بالرياض،
والزمان: الامتحانات النهائية للفصل الدراسي الحالي،
والمناسبة: اختبار مادة مبادئ القانون ضمن مقررات السنة الأولى لقسم القانون. وبعد أن توافد طلاب خمس شعب دراسية إلى قاعات الامتحان وأخذ المراقبون مواقعهم، وزعت كراسات الإجابة، ولم يتبقَ إلا إشارة البدء في أجواء لم تخل من قلق ظاهر على محيا القانونيين السعوديين الجدد.
وجاءت اللحظة المنتظرة بتوزيع الأسئلة التي أثارت ردود فعل فاجأت الجميع، فضجت القاعات بالضحك، واندهش المكان قبل المراقبين، فقد صيغت أسئلة الامتحان الأربعة بطريقة غير معتادة، حيث جاء نص السؤال الثاني: «جورجينا شابة اسبانية بارعة الجمال تزعم أن أصولها تعود إلى بني أمية، وقد قدمت إلى المملكة للتعرف على ارض الآباء والأجداد، فاستأجرت بيتاً في حي النظيم بجوار السيد عصويد الهتلي الذي رأى أن وجودها إفساد لأخلاق الأعراب النشامى، فعمد إلى التنغيص والتنكيد عليها ليدفعها إلى الرحيل، فكان تارة يرفع صوت التلفاز والمذياع لإزعاجها، وتارة يغني على أنغام ربابته وبأعلى صوته: طيري غدا والسلوقي ضاع. وتارة أخرى يوزع الطبول الأربعة على زوجاته الأربع ويغني مع أبنائه العشرة: طاق طاق من بالباب قلنا حجاب.
في مكتبك للمحاماة غير الفاخر والموجود على رصيف بحي السلي، وقد أسندت أوراقك إلى احد الكراتين، جاءتك جورجينا تشكو إليك مشكلتها، وبعد أن استمعت إليها، عدّد معايير التعسف باستعمال الحق تعدادا فقط، واشرح لها بالتفصيل المعيار الذي ينطبق على حالتها».
وكان نص السؤال الثالث: «ابنك خريفيش 14.5 المعجب جداً بلويس 14، طلب منك أن ترسم له مخططاً يبين تقسيم الحقوق بالقانون الوضعي، وقد رفضت ذلك فتدخلت حرمك المصون أم خريفيش 14.5، وقالت بالحرف الواحد: إما أن ترسم لفلذة كبدها أو لا عسيلة بعد اليوم، فحتى تظفر بعسيلة أم خريفيش 14.5، ارسم يا رعاك الله مخططاً لتقسيم الحقوق في القانون الوضعي».
الأسئلة التي أثارت الضحك في القاعة كانت مثار مناقشة طلابية بعد مغادرتها، فقد رأى بعضهم أن هذا الأسلوب ساعده على كسر حدة الامتحان، ورأى غيره أن «الأسئلة حملت استخفافاً بالمقرر والطالب والموقف كله»، واعتبر ثالث أن الأسلوب جيد ولكن الأستاذ بالغ في الأمر على نحو خادش.
قسم القانون من جانبه استدعى أستاذ المادة وحذره من تكرار هذا الأسلوب الذي اعتبره القسم غير مقبول، وشهد مكتب رئيس القسم نقاشاً ساخناً بلغ حد الملاسنة جراء إصرار الأستاذ على سلامة أسلوب الأسئلة من الناحيتين العلمية والتربوية.
«الشرق الأوسط» توجهت إلى أستاذ المادة، وهو المحاضر محمد الشمري، 49 عاماً، الذي يحمل درجة البكالوريوس في تخصص القانون والشريعة من جامعة الكويت، ودرجة الماجستير في القانون الخاص من جامعة اكسن بيرفرانس الفرنسية، وكان بدأ مشروعه في دراسة الدكتوراه في جامعة نيس الفرنسية، إلا أن ظروف أحداث 11 سبتمبر قادته للعودة إلى الرياض، على أساس سفره من جديد إلى فرنسا خلال الفترة المقبلة لإتمام مرحلة الدكتوراه.
وكشف الشمري أن هذا الامتحان هو أول تجربة له في هذا الاتجاه، وان عدم رضاه عن مستوى الطلاب هو ما جعله يؤجل فكرة استخدام هذا الأسلوب منذ بدء مهمته في القسم قبل سنتين، وان الهدف من الإجراء هو التقليل من رهبة الامتحان. وذكر أن «الضحالة العلمية» لدى بعض الأكاديميين السعوديين هي ما دفعتهم إلى انتقاد أسلوبه، وأصر على سلامة موقفه من الناحيتين العلمية والتربوية، ودعا «الزملاء المعترضين إلى الاحتكام إلى القرآن والسنة»، إلا أنه عاد وأكد انه سيستجيب لطلب القسم بالعودة إلى النمط التقليدي للأسئلة.
واكد أن استخدامه للهجة العامية يأتي ضمن سياق مبرر، وان مقدمات الأسئلة كانت ذات طابع أدبي مستشهداً بقبول الطنطاوي والعقاد لاستخدام العامية ضمن النص الأدبي، ومعتبرا في السياق ذاته أن استخدامه لتعبير «أكل عليه الدهر وشرب وبال» ضمن السؤال الأول لا يمثل خروجا على الآداب العامة، مؤيدا رأيه بترديد الفقيه الحنبلي ابن الجوزي لما اعتبره ألفاظا بذيئة في «أخبار الحمقى والمغفلين» و«الأذكياء»، كما برر صيغة السؤال الثالث بأن لا حياء في العلم، وان الطلبة الذين هم جمهور هذه الأسئلة هم من البالغين الذين لا ضرر في استخدام هذه اللغة معهم.
وحول تسجيله لمواقف اجتماعية وايديولوجية في أسئلة امتحان يفترض أن يكون أداة لقياس التحصيل العلمي وليس تسجيل المواقف، قال إن الامتحان هو جزء من التعبير الثقافي العام وان التعبير الإبداعي والفني لا يختلف عن التعبير بالامتحان، وان إشارته إلى فئة اجتماعية أو استعماله أسلوبا ذا دلالة ايديولوجية، إنما اقتضاه سياق النص من دون أن يعبر عن إساءة مقصودة.
وفي تعليق على الموضوع، اعتبر أكاديمي سعودي ـ فضل عدم ذكر اسمه ـ أن جملة الملاحظات التي سيقت ضد هذا الامتحان تمثل ملاحظات فرعية، وان ثمة ملاحظتين جوهريتين لم تطرحا على هذا الامتحان، أولاهما أن تبني نصوصا خيالية في مقدمة أسئلة مادة متخصصة موجهة لطلاب في بداية طريقهم القانوني، يفترض أن يتشربوا لغة الحقيقة وليس المجاز، ما يمثل خطأ أكبر من استخدام الأستاذ كلمات خارجة أو أساليب مزعجة، معتبراً أن الأسلوب المجازي مقبول في مواد أخرى مثل الأدب والنقد الأدبي والإعلام. والثانية أن الأسئلة وان بدا أنها تطرح في شكل جديد يكسر القوالب المعتادة، إلا أنها مغرقة في تقليديتها، فعند إعادة قراءة الأسئلة ستجد أنها استدعاء لمحفوظات الطلاب، وتأكيد على نمط التعليم التلقيني التقليدي، «أي أن الأستاذ لم يضف في هذا الامتحان إلا ممارسة مشاغبة ومحاولة للتعبير عن خفة الظل».