بغض النظر عن اهمية الوثائق التي كشف عنها موقع ويكليكس وعن الجدل العالمي الدائر حول احقية او عدم احقية الصحافي جوليان اسانج من انتهاك سرية الدبلوماسية الأميركية فقد بات من المؤكد ان الثورة التكنولوجية الحاصلة في عالم الأنترنت قد خلقت واقعاً جديداً لا يمكن تجاهله وهي انها لا تقيم وزناً لأي محرمات .
فالمبادىء التقليدية لمهنة الصحافة كانت تنتهج بديهيات تقضي اكاديمياً بعدم نشر أي معلومة من شأنها ان تلحق ضرراً بأي جهة لديها اعتبارات مادية او معنوية أما مع النشر الإلكتروني فقد سقطت هذه المفاهيم وبات المشرف على الموقع في الشبكة العنكبوتية هو من يقرر امكانية نشر او عدم نشر اي معلومة مما يعني ان المبادىء الأكاديمية قد انسحبت لصالح الرؤى الإستنسابية لدى كل شخص دون اضطراره للإلتزام بأي ضوابط او بأي حدود لما هو مسموح او ممنوع .
والنشر الإلكتروني لا يمكن اخضاعه لنفس معايير النشر الورقي او البث الإذاعي والتلفزيوني مما يترك باب الإجتهاد مفتوحاً وفق معايير تكون متناقضة احياناً او متوافقة احياناً أخرى .
من هنا تعكف الإدارة الأميركية على دراسة تشريعاتها وقوانينها لتحديد فيما إذا كان يحق لها القيام بملاحقة قانونية ضد جوليان اسانج الذي من خلال نشره الاف الوثائق العائدة الى وزارة الخارجية الأميركية قد عرَى الدبلوماسية الأميركية وأدخل واشنطن في ازمة ثقة مع العالم اجمع .
فمن خلال مضامين الوثائق تبين ان الإدارة الأميركية لا تحترم أي صديق او حليف او شريك بدليل ان ما من زعيم في العالم إلا ويلقى انتقادات وملاحظات ويتم حوله طرح الكثير من التساؤلات الى حد التجريح بشخصه او بأخلاقياته او حتى بعلاقاته الخاصة جداً .
ويبدو ان المعيار الذي تعلمه الدبلوماسيون الأميركيون هو تقييم أي زعيم من منطلق ما يقدمه للولايات المتحدة الأميركية من خدمات وما ينفذ من اوامر وإلا فإنه من المغضوب عليهم . وبما ان وزارة الخارجية الأميركية لم تنف صحة الوثائق التي تم نشرها فهذا يعني انها كانت تسير على هدى مضامين هذه الوثائق وتعتبرها المعيار الذي تقيم على اساسه علاقاتها الخارجية .
وبذلك لم تتكشف فقط حقيقة الدبلوماسية الأميركية بل تولد من نتيجة نشر الوثائق حصول ازمة فعلية بين واشنطن والمجتمع الدولي وهذه الثقة ستكون متفاوتة في التأثير حسب قدرة أي دولة على مواجهة رأي واشنطن بها او حسب طبيعة العلاقة التي تربط أي دولة بالولايات المتحدة .
ونشر الوثائق لا يمكن إلا ان يستدعي طرح تساؤلات حول كيفية حصول جوليان اسانج عليها خاصة وأن التحاليل في هذا الصدد قد تعددت وتنوعت بحيث تقول بعضها ان وراء هذا الحدث جناح اميركي داخلي يريد توجيه ضربة قاسية الى إدارة الرئيس باراك اوباما فيما تقول تحليلات أخرى ان من الممكن وجود جهاز مخابراتي دولي وراء ما حصل .
كما ان نشر الوثائق يستدعي ايضاً التساؤل عن اسباب عدم الأتيان على ذكر اسرائيل إلا بشكل عرضي وهل هذا يعني ان الدبلوماسية الأميركية غير مهتمة بإعداد تقارير عن هذا الكيان أم ان من يقف وراء نشر الوثائق قد ارتأى تحييد كل ما له علاقة بإسرائيل ..؟