الفـــــاروق
عــمـــــر بن الخطـّـاب
رضيَّ الله عنه وأرضاه
أخوتى وأخواتى
أهلا بكم معنا فى معرفة سيرة إبن الخطاب
فاروق الأمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
وهى ليست من كتاباتى ولكنه سيرته العطرة التى كتبها
(عمر بن الخطاب د/ علي الصلابي)
تعالوا بنا نبيحر فى هذه السيرة الحبيبة للنفس التى فى جوانب شخصيته نجد عبق وتاريخ العزة
وهو قبس من نور الإسلام الذى أنار هذه النفس بعد الضلال وكان رمزا للعزة والقوة
ولما لا وهو الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
اللهم أعز الإسلام بإحدى العمرين وهنا عمر بن الخطاب.
عمر بن الخطاب الذى كان الشيطان يسلك طريق غير الذى يسلكه عمر بن الخطاب.
صدقت يارسول الله صلى الله عليه وسلم
وكانت آيات الذكر الحكيم تتنزل موافقة لرآى عمر بن الخطاب .
ولو كان هناك أنبياء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
لكان عمر بن الخطاب
ليس هذا من كلامى بل هو من كلام الصادق المصدوق من لا ينطق عن الهوى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
أخوتى وأخواتى
لن أطيل عليكم
هذه المقدمة كان لابد منها
وسأنقل لكم المادة التى كتبت عن فاروق الأمة
الفاروق أبو حفص ، عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العزَّى القرشي العدوي ، ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة ( 40 عام قبل الهجرة ) ، عرف في شبابه بالشـدة والقـوة ، وكانت له مكانة رفيعـة في قومه اذ كانت له السفارة في الجاهلية فتبعثـه قريش رسولا اذا ما وقعت الحرب بينهم أو بينهم و بين غيرهم... وأصبح الصحابي العظيم الشجاع الحازم الحكيم العادل صاحب الفتوحات وأول من لقب بأمير المؤمنين0
قيمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التاريخ الإسلامي والعالمي
إنَّ حياة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه صفحة مُشْرقة من التاريخ الإسلامي، الذي بهر كل تاريخ وفَاقَه، والذي لم يحو تاريخ الأمم مجتمعة بعض ما حوى من الشرف والمجد والإخلاص والجهاد والدعوة في سبيل الله... (عمر بن الخطاب د/ علي الصلابي)
إن حياة الفاروق عمر رضي الله عنه إنما هي قدوة للدعاة، والعلماء، والساسة، ورجال الفكر، وقادة الجيوش، وحكام الأمة، وطلاب العلم، وعامة الناس، لعلهم يستفيدون بها في حياتهم، ويقتدون بها في أعمالهم، فيكرمهم الله بالفوز في الدارَيْن....
صاحبنا اليوم- كما قيل عنه- (كان طويلًا جسيمَا أصلع صلعة عرف بها، فكان يقال له: أصلع قريش أو الأصيلع. شديد الحمرة.... كان يَفْرَع الناسَ طولًا كأنَّه على دابة. ويصفه ابنه عبد الله فيقول: كان أبي أبيض لا يتزوج النساء لشهوة إلا لطلب الولد، أعسر يعمل بكلتا يديه، كأنَّه من رجال بني سَدُوس....
وإذا ذهب إنسان مع خياله مُجسدًا هذه الأوصاف، تراءت له صورة من أجمل صور الرجال ملاحةً ومَهابةً وجلالًا....) (شهيد المحراب عمر بن الخطاب أ / عمر التلمساني ص 47)
إنّ حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تُمثل نموذجًا في غاية الروعة لمن يريد أن يصنع مَجدا، أو يحقق هدفا، أو يغيّر من حياته إلى الأحسن، ونحن إذ نعيش دقائق من حياتنا مع هذا العملاق العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يجدر بنا أن نضع نصب أعيينا هدفا واضحا نحاول تحقيقه، بل وننتقل من حياة الترف والبذخ والتنافس في الدون؛ إلى حياة الجد والاجتهاد والتسابق إلى النعيم الدائم، والعيش الرغد " فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدٍ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ".
فـقــــه عـــمــــــــر
وقد يتبادر إلى ذهن البعض أن المقصود بفقه عمر معرفته بجوانب من فقه العبادات كالطهارة وغيرها، ولكن المقصود هنا هو الفقه بمعناه الواسع، أي دقة الفهم المراد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم " مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ " أي يرزقه فهما صحيحا يدرك به حقائق الشريعة، وأصول الأحكام، وقد رزق الله عمر هذا النوع من الفقه.
من فضائل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أوتي الدين، والفقه، والشيء العظيم من العلم، عمر رضي الله عنه كان رجلًا ملهمًا، ربانيًا، وهذا لا يأتي إلا من الإخلاص مع الله عز وجل في السرائر والعلن، وأن يعبد الإنسان ربه كأنه يراه وخير من يتصف بهذه الصفات هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
هذا العبقري الفذ أوتي ذكاءً مبدعًا متوقدًا، أفاضه عليه ربه سبحانه فكانت الحكمة تخرج من نواحيه، وارتفع الفاروق رضي الله عنه إلى أعلى مستويات الذكاء الإنساني وشجاعة التفكير، وحسن التعليل، فالتقت في عبقريته أعمق رؤى البصيرة وأدق أسرار الشريعة.
قــــــــوة عـــمـــــــــر
إن القوة الحقيقية ليست قوة البدن كما يتبادر إلي ذهن الكثير من الناس عندما يسمع كلمة القوة، وإنما القوة بمعناها الشامل تنطوي على عدة أنواع أظهرها وليس أقواها: قوة البدن، ومن أنواع القوة أيضا القوة النفسية، والقوة الإيمانية.
وصاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه آتاه الله عز وجل كل هذه الأنواع من القوة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من خلقه.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم ;"إلى أن مدار القوة ليس هو البدن فحسب وإنما يدخل معه أيضا القوة النفسية الناتجة عن تحمل الغير وكظم الغيظ. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ " ( (صحيح) انظر حديث رقم: 5375 في صحيح الجامع) .
تـواضــــع عــمـــــــــر
ما أعظم التواضع لو كان من عظيم حقيقي العظمة.
التواضع من مكارم الأخلاق التي اتصف بها الفاروق رضي الله عنه وأورثته محبة الآخرين.
فالعبد المتواضع يجعل الناس يحبون معاملته، ويودون مجالسته، ويتمنون لقاءه، ويستأنسون بكلامه، ويتفانون في خدمته.
فالتواضع يعني قبول الحق ممن كان، وخفض الجناح ولين الجانب، وعدم شعور النفس بأن لها فضلًا على الآخرين.
وما أجمل قول الشاعر:
تَوَاضَعْ تَكُنْ كَالنَّجْمِ لَاحَ لِنَاظِرٍ عَلَى صَفَحَاتِ الْمَاءِ وَهْوَ رَفِيعُ
وَلَا تَكُ كَالدُّخَانِ يَعْلُو بِنَفْسِهِ إِلَى طَبَقَاتِ الْجَوِّ وَهْوَ وَضِيعُ
وهذا الشافعي رحمه الله يقول: " التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام " ويقول: " أرفع الناس قدرا من لا يَرَى قدره، وأكثر الناس فضلا من لا يَرَى فضله ". (تاريخ دمشق جزء 51- صفحة 413)
إدارة عـــــمــــــــــــــــر
إن الإدارة الصحيحة والقويمة لأي عمل مهما كان صغيرًا أو كبيرًا تحتاج إلى حكمة؛ لأن الإدارة تتعامل مع بشر وليس مع مجموعة من التروس والآلات، فرب كلمة صغيرة فعلت فعل السحر في نفس سامعها فدفعته إلى الأمام، وأيضًا رب كلمة فعلت في نفس سامعها فعل السحر فألقت به إلى الهاوية. والإدارة " فن قيادة الرجال " والرجال لهم مشارب شتى، ولا يستطيع أحد مهما أوتي من قوة أن يقودهم إلا بالحكمة، والحكمة أن تضع كل شيء في مكانه، الغضب والحزم والشدة في المواضع التي تحتاج إلى ذلك، واللين والتسامح والرحمة أيضًا في المواقف التي تتطلب ذلك.
وقد كان عمر رضي الله عنه حكيما بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان، مما جعله مؤهلا لحمل هذه الأمانة العظيمة؛ وهي إدارة الدولة الإسلامية في هذا الوقت من التاريخ الإسلامي العظيم.
" وفي عصر الفاروق رضي الله عنه شهد النظام الإداري نقلة حضارية كبرى تمثلت في مدى اهتمام الخليفة وعنايته الفائقة بالنظم الإدارية، ففي عهده رسخت التقاليد الإدارية الإسلامية. يقول الطبري: في هذه السنة (15 هـ 636 م) فرض عمر للمسلمين الفروض ودَوَّن الدواوين، وأعطى العطايا على السابقة.
وهذا يؤكد مرونة العقلية الإسلامية وقبولها لتطوير نفسها، وتمثل هذا في اهتمام الفاروق رضي الله عنه بتنظيم الدولة الإسلامية إداريا، وخاصة أن الفتوحات الإسلامية قد أدت إلى امتداد رقعة الدولة الإسلامية في عهده، ففصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية، وأكد استقلال القضاء، كما اهتم بأمر الأمصار والأقاليم، ووطد العلاقة بين العاصمة المركزية والولاة والعمال في أجزاء الدولة الإسلامية.
وكان عمر رضي الله عنه شديدا مع عمال الدولة الإسلامية، كان يوصيهم بأهالي الأقاليم خيرا، فيروي الطبري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوم الجمعة فقال: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، إني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم، وأن يقسموا فيهم فيئهم، وأن يعدلوا، فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إليّ. وقد حفظ لنا يحيى بن آدم (ثقة حافظ فاضل من كبار التاسعة مات سنة ثلاث ومائتين [ تقريب التهذيب جزء 1- صفحة 587]) وصية الفاروق رضي الله عنه للخليفة من بعده، تلك الوصية التي تلخص حرص إمام المسلمين على صالح الرعية، يقول:
(أوصي الخليفة من بعدي بأهل الأمصار خيرا فإنهم حياة المال، وغيظ العدو، وردء المسلمين، وأن يقسم بينهم فيئهم بالعدل، وألا يحمل من عندهم فضل إلا بطيب أنفسهم).
وكان رضي الله عنه إذا استعمل العمال على الأقاليم خرج معهم يشيعهم ويوصيهم فيقول: إني لم أستعملكم على أشعارهم ولا على أبشارهم، وإنما استعملتكم عليهم لتقيموا بهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بالعدل، وإني لم أسلطكم على أبشارهم ولا أشعارهم، ولا تجلدوا العرب فتذلوها، ولا تجمروها فتفتنوها، ولا تغفلوا عنها فتحرموها، جردوا القرآن، وأقلوا من رواية محمد صلى الله عليه وسلم... وأنا شريككم.
وكان يقتص من عماله، فإذا شكا إليه عامل له جمع بينه وبين من شكاه فإن صح عليه أمر يجب أَخْذه به أَخَذه به.
وروى الطبري أن الفاروق رضي الله عنه خطب الناس فقال: أيها الناس، إني والله ما أرسل عمالا ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي، فوالذي نفس عمر بيده لأقتصن منه، فوثب عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين أرأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعيته فأدب بعض رعيته، إنك لتقصه منه؟ قال: إي والذي نفس عمر بيده إذا لأقصنه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه.
وكان رضي الله عنه إذا استعمل عاملا كتب له عهدا وأشهد عليه رهطا من المهاجرين والأنصار، واشترط عليه ألا يركب برذوانا، ولا يأكل نقيا، ولا يلبس رقيقا، ولا يتخذ بابا دون حاجات الناس.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من وضع التأريخ وكتبه وذلك في العام السادس عشر للهجرة، كما أنه أول من وضع تقليدا بتأريخ الكتب والرسائل وختم بالطين. وهو أول من جمع الناس على إمام لصلاة التراويح في شهر رمضان وكتب بذلك إلى البلدان، وكان في العام الرابع عشر، وكان أول من حمل الدرة وضرب بها تأديبا، ومن ذلك ما فعله مع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وكان الفاروق يوزع مالا آتاه بين المسلمين، فرأى سعد يزاحم الناس حتى خلص إليه، فعلاه عمر بالدرة وقال: إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لا يهابك.
وشهد عصره بالإضافة إلى ذلك تنظيمات إدارية متنوعة فوضع أساس بيت المال ونظم أموره، وكان يعس ليلا، ويرتاد منازل المسلمين، ويتفقد أحوالهم بيديه، وكان يراقب المدينة ويحرصها من اللصوص والسراق، كما كان يراقب أسواق المدينة ويقضي بين الناس حيث أدركه الخصوم، وهو في هذا كله يتأسى بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد كان يقول: القوة في العمل ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد، والأمانة ألا تخالف سريرة علانية، واتقو الله عز وجل فإنما التقوى بالتوقي ومن يتق الله يقه. (تاريخ النظم والحضارة الإسلامية د/ فتحية النبراوي)
وهكذا نرى هذه العقلية الإدارية الفذة والتي تعلمت الإدارة عمليًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس سيدنا عمر رضي الله عنه ممن يحبون الكلام وكثرته، بل إن شغلهم الشاغل إنما هو العمل النافع والتطبيق العملي واستثمار كل الطاقات البشرية الموجودة لديه في خدمة الإسلام وفي خدمة البشرية أيضا.
حـــزم عــمـــــــر
نشأ عمر في كنف والده وورث عنه طباعه الصارمة، التي لا تعرف الوهن، والحزم الذي لا يدانيه التردد، والتصميم الذي لا يقبل أنصاف الحلول.
وكان رضي الله عنه من أشراف قريش وأعيانها، وإليه كانت السفارة في الجاهلية، فكانت قريش إذا وقعت الحرب بينهم، أو بينهم وبين غيرهم بعثوه سفيرًا ـ أي رسولًا ـ وإذا نافرهم منافر، وفاخرهم أحد رضوا به، وبعثوه.
ونال السفارة؛ لأنه رجل قوي البنيان، مجدول اللحم، رابط الجأش، ثابت الجنان، صارم حازم، لا يعرف التردد والأَرْجحة، ينأى عن الذبذبة والمراوغة، لا تتناوبه الأهواء المتنازعة، ولا الآراء المشتتة، بل نفسه كُلٌّ واحد، إذا تحرك تحركت كل قدراته، واحتشدت في شخصية واحدة متكاملة متسقة، فحيثما وجد عمر رضي الله عنه وجدت شخصية وإدارة ومنهج، في دقة واتساق، كأنه جيش يتحرك بخطى قوية إلى اتجاه واحد محدد، بشخصية فذة ليس لذرة في كيانه عن إرادته شذوذ، أو عن وجهته مهرب.
كان عمر رضي الله عنه صافي النفس صفاء سماء مكة، واضح السريرة من غير تعرج، ولا انحناءات وضوح الصحراء التي ترعرع فيها، راسخ العزيمة رسوخ الجبال الرواسي، التي رعى الأغنام بين جنباتها، متلالئ الصفات كالكوكب الدريّ في كبد السماء.
فكان من كل ذلك هذا الرجل الشامخ العملاق، الصارم الحازم، الصلب الصلد، الواضح وضوح الشمس، الذي إن رأيته قرأت دخيلة نفسه، وقد ارتسمت على ملامح وجهه، لا مخبوء فيها ولا مستور.
ولقد أصابت قريش في اختيارها، وما اختارته إلا عن ابتلاء منها واختبار، ليكون لها سفيرًا ومنافرًا ومفاخرًا ومكاثرًا.
هذا العنفوان العارم، والبأس الشديد، قد جنده عمر في محاداة دعوة الحق سبحانه وتعالى، عندما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس على بصيرة للتوحيد، ونبذ الأصنام.
كان عمر رضي الله عنه قبل إسلامه في الصف المعادي للإسلام، وقد أفرغ كل قوته في بحر الشرك المتلاطم حول الدعوة الجديدة، وكان متشبثًا بموقفه لدرجة تعصف بأي أمل في إسلامه وأن يكون يومًا مع الركب المؤمن، ولقد كان أذاه للمسلمين يبلغ أذى قريش مجتمعة، ولم يسلم منه حتى أخته وصهره سعيد بن زيد.
ومع كل هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطمع في إسلامه، لما يعلمه فيه من القوة التي اتسمت بالوضوح والتفوق الباهر، الذي جند في غير طريق الحق.
لقد كان طغيان الوثنية وعرامة الشرك، والتمسك بما آل عليه الآباء من عقائد وموقف كبراء قريش وزعمائها وعدائهم للدعوة، كل ذلك لم يكن ليترك عمر يسلم بيسر وسهولة بل لا بد للقلب الشديد، والقوة الهادرة من صوت مجلجل، ومنطق قاهر باهر، يقرع سمع عمر وفؤاده ليفتحه فتحًا قويًا.
رقــــــة عــمـــــــر
إن رقة القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها وبارئها منحة من الرحمن وعطية من الديان تستوجب العفو والغفران، وتكون حرزا مكينا وحصنا حصينا مكينا من الغي والعصيان. ما رق قلب لله عز وجل إلا كان صاحبه سابقا إلى الخيرات مشمرا في الطاعات والمرضاة. ما رق قلب لله عز وجل وانكسر إلا وجدته أحرص ما يكون على طاعة الله ومحبة الله، فما ذُكّر إلا تذكر، ولا بُصّر إلا تبصر.
ما دخلت الرقة إلى القلب إلا وجدته مطمئنا بذكر الله يلهج لسانه بشكره والثناء عليه سبحانه وتعالى. وما رق قلب لله عز وجل إلا وجدت صاحبه أبعد ما يكون عن معاصي الله عز وجل. فالقلب الرقيق قلب ذليل أمام عظمة الله وبطش الله تبارك وتعالى.
ما انتزعه داعي الشيطان إلا وانكسر خوفا وخشية للرحمن سبحانه وتعالى.
ولا جاءه داعي الغي والهوى إلا رعدت فرائص ذلك القلب من خشية الملك سبحانه وتعالى.
القلب الرقيق صاحبه صدّيق وأي صدّيق.
القلب الرقيق رفيق ونعم الرفيق.
ولكن من الذي يهب رقة القلوب وانكسارها؟
ومن الذي يتفضل بخشوعها وإنابتها إلى ربها؟
إنه الله سبحانه وتعالى.... (نقلا عن الشيخ الشنقيطي )
عـــدل عــمـــــر
إذا ذُكِر عمر ذُكر العدل، وإذا ذُكر العدل ذُكر عمر.
روى الإمام أحمد بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ. (حديث رقم 8846)
من دلائل اتصاف الفاروق بالعدل أنه لا يخاف في الله لومة لائم، ويقيم الحدود على القريب والبعيد، الحبيب والغريب حتى إنه ليضرب به المثل في ذلك الأمر.
يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: شرب أخي عبد الرحمن بن عمر، وشرب معه أبو سروعة عقبة بن الحارث، ونحن بمصر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسكرا.
فلما صحا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر فقالا: طهرنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه.
قال عبد الله بن عمر: فلم أشعر أنهما أتيا عمرو بن العاص، قال: فذكر لي أخي أنه قد سكر فقلت له: أدخل الدار أطهرك، قال: إنه قد حدث الأمير.
قال عبد الله: فقلت: والله لا تحلق اليوم على رءوس الناس، ادخل أحلقك وكانوا إذا ذاك يحلقون مع الحد، فدخل معي الدار. قال عبد الله: فحلقت أخي بيدي، ثم جلدهما عمرو بن العاص، فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك فكتب إلى عمرو: أن أبعث إليّ عبد الرحمن بن عمر على قتب.
ففعل ذلك عمرو، فلما قدم عبد الرحمن المدينة على أبيه الفاروق عمر رضي الله عنه جلده، وعاقبه من أجل مكانه منه، ثم أرسله فلبث أشهرًا صحيحًا، ثم أصابه قدره، فيحسب عامة الناس أنه مات من جلد عمر، ولم يمت من جلده.
فالفاروق رضي الله عنه لا يبالي على من وقع الحق، على ولده أم على غيره من الناس، فهو رجل لا تأخذه في الله لومة لائم، لذلك كان ينهى أهله أشد النهي حذرًا من وقوعهم في مخالفته.
يقول ابن عمر رضي الله عنهما: كان عمر إذا نهى الناس عن شيء جمع أهله وقال: إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا وإنهم إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وأيم الله لا أوتي برجل منكم فعل الذي نهيت عنه إلا أضعفت عليه العقوبة، لمكانه مني فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر. (مصنف عبدالرزاق20713)
رحـمــة عــمـــــر
الرحمة كمال في الطبيعة يجعل المرء يرق لآلام الخلق ويسعى لإزالتها، ويأسى لأخطائهم، فيتمنى لهم الهدى، هي كمال في الطبيعة، لأن تبلد الحس يهوي بالإنسان إلى منزلة الحيوان، ويسلبه أفضل ما فيه، وهي العاطفة الحية النابضة بالحب والرأفة، بل إن الحيوان قد تجيش فيه مشاعر مبهمة تعطفه على ذراريه، ومن ثم كانت القسوة ارتكاسا بالفطرة إلى منزلة البهائم، بل إلى منازل الجماد الذي لا يعي ولا يهتز.
والرحمة في أفقها الأعلى وامتدادها المطلق صفة المولى تباركت أسماؤه، فإن رحمته شملت الوجود وعمت الملكوت، فحيثما أشرق شعاع من علمه المحيط بكل شيء أشرق معه شعاع للرحمة الغامرة، ولذلك كان من صلاة الملائكة له: [ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ] {غافر: 7} (خلق المسلم الشيخ محمد الغزالي)
إن من رحمة الرجل بأسرته وأمته أن يرفق بهم ولكن الرحمة الأعلى أن يخاف عليهم من النار، ومن هنا تتحول المواقف التي تكسوها الغلظة في حياة سيدنا عمر إلى مشاهد تنبئُ بما حوته نفس الفاروق من رحمة عميقة بأمته.
وما أصدق الشاعر حين قال:
قَسَا لِيَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِمًا فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْ يَرْحَمُ
زهــد عـمـــر
ما أصدق كلمة شيخ الإسلام ابن تميمة رحمه الله في تعريفه للزهد، قال: ليس الزهد ألا تملك شيئًا ولكن الزهد ألا يملكك شيء.
وقال يونس بن ميسرة: ليس الزهد في الدنيا بترك الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهد في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون مادحك وذامّك في الحق سواء.
يمثل الزهد في حياة الفاروق رضي الله عنه أصلًا من الأصول التي قام عليها دينه القويم.
ومن عجيب أثر الزهد في حياته أنه جعله يحيا مع الناس ببدنه، وأما قلبه وعقله ففي عالم الآخرة.
ومن آثار الزهد في حياته أن الله تعالى ثبت الحكمة في قلبه، وأطلق بها لسانه وبصّره بعيوبه، ورَغِب في الباقيات الصالحات، وترك الشهوات الفانيات.
وحقيقة زهد عمر بن الخطاب إيجابية، فقد ترك كل شيء لا ينفع في الدار الآخرة، فلم يكن الزهد عنده يعني الانقطاع عن الدنيا بترك الأهل، والمال، والأولاد، فليس كل ذلك من الزهد في شيء، والإسلام منه براء.
ذلك؛ لأن الله تعالى أخبر عن رسله أنهم كانت لهم أزواج وذرية، والإنفاق على الأهل والأولاد من الواجبات الشرعية، التي يأثم المرء بتركها، فكيف يكون الواجب محلًا للزهد؟ !
بل زهد عمر في الدعة والراحة، فاجتهد في جهاد الفرس والروم، حتى صار أهل الإسلام سادة الدنيا كلها، وانتشر الإسلام في ربوع المعمورة.
وبالزهد في متاع الدنيا الزائل فاق الفاروق الصحب الكرام، وأحبه أهل الإسلام.
يقول طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه :
ما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأولنا إسلامًا، ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا، وأرغبنا في الآخرة.
ويقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
والله ما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقدمنا هجرة وقد عرفت بأي شئ فَضَلنا، كان أزهدنا في الدنيا.
اســـــــلامـــه
أسلم في السنة السادسة من البعثة النبوية المشرفة ، فقد كان الخباب بن الأرت يعلم القرآن لفاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندما فاجأهم عمر بن الخطـاب متقلـدا سيفه الذي خـرج به ليصفـي حسابه مع الإسـلام ورسوله ، لكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة حتى صاح صيحته المباركة دلوني على محمد )...
وسمع خباب كلمات عمر ، فخرج من مخبئه وصاح يا عمـر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصـك بدعـوة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ، فإني سمعته بالأمس يقول اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك ، أبي الحكم بن هشام ، وعمر بن الخطاب )...فسأله عمر من فوره وأين أجد الرسول الآن يا خباب ؟)...وأجاب خباب عند الصفـا في دار الأرقـم بن أبي الأرقـم )...
ومضى عمر الى مصيره العظيم...ففي دار الأرقم خرج إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال أما أنت منتهيا يا عمر حتى يُنزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ؟ اللهم هذا عمر بن الخطاب ، اللهم أعزّ الدين بعمر بن الخطاب )...فقال عمر أشهد أنّك رسول الله )...
وباسلامه ظهر الاسلام في مكة اذ قال للرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون في دار الأرقم والذي بعثك بالحق لتخرجن ولنخرجن معك )...وخرج المسلمون ومعهم عمر ودخلوا المسجد الحرام وصلوا حول الكعبة دون أن تجـرؤ قريش على اعتراضهم أو منعهم ، لذلك سماه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الفاروق ) لأن الله فرق بين الحق والباطل ...
لسان الحق
هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، ومن علماء الصحابة وزهادهم ، وضع الله الحق على لسانه اذ كان القرآن ينزل موافقا لرأيه ، يقول علي بن أبي طالب إنّا كنا لنرى إن في القرآن كلاما من كلامه ورأياً من رأيه ) ...كما قال عبد الله بن عمر مانزل بالناس أمر فقالوا فيه وقال عمر ، إلا نزل القرآن بوفاق قول عمر )...
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون ، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر )... وزاد زكرياء بن أبي زائدة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر )...قال ابن عباس -رضي الله عنهما- من نبي ولا محدث )...
قوة الحق
كان قويا في الحق لا يخشى فيه لومة لائم ، فقد استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده نسوة من قريش ، يكلمنه ويستكثرنه ، عالية أصواتهن على صوته ، فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب ، فأذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدخل عمر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحك ، فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله )...فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب )...فقال عمر فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله )...ثم قال عمر يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)...فقلن نعم ، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)...فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إيها يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غيرفجك )...
ومن شجاعته وهيبته أنه أعلن على مسامع قريش أنه مهاجر بينما كان المسلمون يخرجون سرا ، وقال متحديا لهم من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي )...فلم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه...
عمر في الأحاديث النبوية
رُويَ عن الرسـول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الأحاديث التي تبين فضل عمـر بن الخطاب نذكر منها...( إن الله سبحانـه جعل الحق على لسان عمر وقلبه )...( الحق بعدي مع عمـر حيث كان ) ...( لو كان بعدي نبيّ لكان عمـر بن الخطاب )...( إن الشيطان لم يلق عمـر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه )...( ما في السماء ملك إلا وهو يوقّر عمر ، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق من عمر )...
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأةِ أبي طلحة وسمعت خشفاً أمامي ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا بلال ، ورأيت قصرا أبيض بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر بن الخطاب ، فأردت أن أدخله فأنظر إليه ، فذكرت غيْرتك )...فقال عمر بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار !)...
وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيْنا أنا نائم إذ أتيت بقدح لبنٍ ، فشربت منه حتى إنّي لأرى الريّ يجري في أظفاري ، ثم أعطيت فضْلي عمر بن الخطاب )...قالوا فما أوّلته يا رسول الله ؟)... قال العلم )...
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمصٌ ، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك ، وعُرِضَ عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه )...قالوا فما أوَّلته يا رسول الله ؟)...قال الدين )...
موافّّـّـَقـات عمر بن الخطاب رضي الله عنه
المقصود بموافـّقـات الصحابة
ما نزل من القرآن المجيدموافقاً لما وردعلى لسان بعض الصحابة من رأي أو يعد قبل علمهم بكونه نصاً أو قرآناًيتلى.
وهذه الموافـّقات هي لون من أسبابالنزول
وقد عدها الإمام السيوطي النوع العاشر من علوم القرآن في كتابه "الإتقان في علوم القرآن". وفي هذه الموافقات دلالة علىتكريم الله لهؤلاء الصحابة حيث ألهمهم الله هذا الرأي أو ذاك التعبير.
والموافـّقات كثيرة،ويعد سيدنا عمر بنالخطاب رضي الله عنه أشهرالصحابة في هذا المجال لمنزلته السامية في الدين ومكانتهالرفيعة بين الصحابة، فقد قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله جعل الحقعلى لسان عمر وقلبه". وقال عنه ابن مسعود رضي الله عنه: "إن إسلام عمر كان فتحاً،وغن هجرته كانت نصراً، وعن إمارته كانت عدلاً،ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلمعمر، فلما أسلم قاتل قريشاًحتى صلى عند الكعبة وصلينا معه."
عن أنس قال: قال عمر: وافقت الله فى ثلاث - أو وافقنى ربى فى ثلاث - قلت يا رسول الله ، لواتخذت مقام إبراهيم مصلى وقلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرتأمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب. قال وبلغنى معاتبة النبى - صلى اللهعليه وسلم - بعض نسائه ، فدخلت عليهن قلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله - صلىالله عليه وسلم - خيرا منكن . حتى أتيت إحدى نسائه ، قالت يا عمر، أما فى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت فأنزل الله ( عسى ربه إن طلقكنأن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات )البخاري
المعنى العام للحديث
من المعلوم أن القرآن نزل منجما " أى مفرقا " وكان نزولهحسب الظروف والمناسبات ولتثبيت قلب الحبيب " صلى الله عليه وسلم "
كان سيدناعمر في ذكائه ورؤيته البعيدة يرى المناسبة فيجرى على لسانه ما تحتاجه هذه المناسبةمن أحكام فينزل الوحى بالحكم والآية فيوافق ما قاله سيدنا عمر ويشير ذلك إلى صفاءالنفس وإلهامها وإلى بصيرة نافذة .
وموافقات سيدنا عمر أوصلها العلماء إلى عشر أويزيد وهذا لا يتعارض مع متن الحديث حيث الثلاثة جزء من العشرة
الموافـّقـَة الأولى
قرأسيدنا عمر قول الله تعالى "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍفَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِيقَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ " [البقرة : 124]
وقرأ قول الله تعالىلنبيه محمدا " صلى الله عليه وسلم " ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْمِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل : 123]
فاستقر في نفسه أن شريعة الإسلام مقتديه بشريعة إبراهيم ورأى وهو يطوفبالكعبة مقام إبراهيم فخطر له : لماذا لانصلى عند الحجر المقدس (الجحر الذى وقفعليه سيدنا إبراهيم وهو يبني الكعبة فأثر قدمه به و أصبح ظاهرا للعيان )
فقال لرسول الله " صلى اله عليه وسلم " لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى كان خيرا وبركةفنزل قوله تعالى
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناًوَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَوَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِالسُّجُودِ [البقرة : 125]
الموافـّقـَة الثانية
كان النساء لا يحتجبن من الرجال وكانت أمهات المؤمنين يقمن بتقديم الطعاموالشراب للرسول " صلى اله عليه وسلم "وضيفه فقال سيدنا عمر لرسول الله " صلى الهعليه وسلم " يا رسول الله يدخل عليك في بيتك البر والفاجر من الرجال فاحجب نساءكوبعد زمن يسير نزلت آية الحجاب
(يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْإِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوافَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْكَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَالْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوارَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً )[الأحزاب : 53]
الموافـّقـَة الثالثة
دخل سيدناعمر مرة بيت النبي " صلى الله عليه وسلم " فرأى نسائه حوله متحزبات مجتمعات علىمطالبته بالتوسعة عليهم في النفقة ويقلن له بنات كسرى وقيصر يرقلن في الحريروالديباج والذهب ونحن كما ترى فلما رأى نساء النبي " صلى الله عليه وسلم "عمرإنخنسن خوفا ورهبة فقال لهن ياعدوات أنفسهن تهبنني ولا تهبن الرسول " صلى الله عليهوسلم ". قالت أحداهن : إنك فظ غليظ ورسول الله " صلى الله عليه وسلم " أكرم و أحلمفإن يأمر بشيء كنا أطوع إليه منك. وقالت الأخرى: أتريد أن تدخل بين رسول الله " صلىالله عليه وسلم " وزوجاته. فقال: عسى ربه أن طلقكن أن يبدله أزواجا خير منكن وبعدزمن قليل نزلت الآية الكريمة الآية "5 " مع صدر سورة التحريم
يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَأَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَأَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْأَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِوَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّانَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُالْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْتَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُالْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسَى رَبُّهُ إِنْطَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍمُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)
وهناك موافقات أخرى لسيدنا عمر، فقد أخرج الإمام احمد بسنده عن أبيميسرة عن عمر أنه قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بين لنا في الخمربياناًشافياً فنزلت الآية في البقرة:
"يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمكبير."فدعا عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا فيالخمر بياناً شافياً، فنزلتالآية في سورة "النساء": "يا أيها الذين آمنوالا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى.." فكانمنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: أن لا يقربن الصلاةسكران. فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: "اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً"، فنزلتالآية في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ: "فهل أنتم منتهون"؟ قال عمر: انتهينا، انتهينا.
وجاء في أسباب النزول
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث غلاماً من الأنصاريقال لهمدلج إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه، فوجده نائماً،فدق عليه الغلام البابودخل، فاستيقظ عمر وجلس، فانكشف منه شيء، فقال: وددت أن الله نهى أبناءنا ونسائناوخدمنا عن الدخول في هذه الساعات إلا بإذن، ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليهوسلم فوجد الآية قدأنزل: "يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكمالذين ملكت أيمانكم.." [النور:58]،
فخر ساجداً شكراً لله تعالى.
ولقد جمع العلماء موافقات عمر رضى الله عنه فبلغت عشرةومنها رأيه في أسرى بدر ومنع الصلاة علىالمنافقين.
خـــلافــــة عـمـــــــــــر
رغب أبو بكر -رضي الله عنه- في شخصية قوية قادرة على تحمل المسئولية من بعده ، واتجه رأيه نحو عمر بن الخطاب فاستشار في ذلك عدد من الصحابة مهاجرين وأنصارا فأثنوا عليه خيرا ومما قاله عثمان بن عفان اللهم علمي به أن سريرته أفضل من علانيته ، وأنه ليس فينا مثله )... وبناء على تلك المشورة وحرصا على وحدة المسلمين ورعاية مصلحتهم...
أوصى أبو بكر الصديق بخلافة عمر من بعده ، وأوضح سبب اختياره قائلا اللهم اني لم أرد بذلك الا صلاحهم ، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم ، واجتهدت لهم رأيا فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم )...ثم أخذ البيعة العامة له بالمسجد اذ خاطب المسلمين قائلا أترضون بمن أستخلف عليكم ؟ فوالله ما آليـت من جهـد الرأي ، ولا وليت ذا قربى ، واني قد استخلفـت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا )...فرد المسلمون سمعنا وأطعنا)...وبايعوه سنة ( 13 هـ )...
انجـــازاتــــــــــــــه
استمرت خلافته عشر سنين تم فيها كثير من الانجازات المهمة...لهذا وصفه ابن مسعود -رضي الله عنه- فقال كان اسلام عمر فتحا ، وكانت هجرته نصرا ، وكانت إمامته رحمه ، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي الى البيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا).
فهو أول من جمع الناس لقيام رمضان في شهر رمضان سنة ( 14 هـ ) ، وأول من كتب التاريخ من الهجرة في شهر ربيع الأول سنة ( 16 هـ ) ، وأول من عسّ في عمله ، يتفقد رعيته في الليل وهو واضع الخراج ، كما أنه مصّـر الأمصار ، واستقضـى القضـاة ، ودون الدواويـن ، وفرض الأعطيـة ، وحج بالناس عشر حِجَـجٍ متواليـة ، وحج بأمهات المؤمنين في آخر حجة حجها...
وهدم مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزاد فيه ، وأدخل دار العباس بن عبد المطلب فيما زاد ، ووسّعه وبناه لمّا كثر الناس بالمدينة ، وهو أول من ألقى الحصى في المسجد النبوي ، فقد كان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم ، فأمر عمر بالحصى فجيء به من العقيق ، فبُسِط في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم-
وعمر -رضي الله عنه- هو أول من أخرج اليهود وأجلاهم من جزيرة العرب الى الشام ، وأخرج أهل نجران وأنزلهم ناحية الكوفة.
الفتـــــوحـــات الإســــــلامـــــية
لقد فتح الله عليه في خلافته دمشق ثم القادسية حتى انتهى الفتح الى حمص ، وجلولاء والرقة والرّهاء وحرّان ورأس العين والخابور ونصيبين وعسقلان وطرابلس وما يليها من الساحل وبيت المقدس وبَيْسان واليرموك والجابية والأهواز والبربر والبُرلُسّ...وقد ذلّ لوطأته ملوك الفرس والروم وعُتاة العرب حتى قال بعضهم كانت درَّة عمر أهيب من سيف الحجاج )...
هَيْـبَتِـه و تواضعه
وبلغ -رضي الله عنه- من هيبته أن الناس تركوا الجلوس في الأفنية ، وكان الصبيان إذا رأوه وهم يلعبون فرّوا ، مع أنه لم يكن جبّارا ولا متكبّرا ، بل كان حاله بعد الولاية كما كان قبلها بل زاد تواضعه ، وكان يسير منفردا من غير حرس ولا حُجّاب ، ولم يغرّه الأمر ولم تبطره النعمة...
اســـــتشـــــــــــــــهاده
كان عمر -رضي الله عنه- يتمنى الشهادة في سبيل الله ويدعو ربه لينال شرفها اللهم أرزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك)...وفي ذات يوم وبينما كان يؤدي صلاة الفجر بالمسجد طعنه أبو لؤلؤة المجوسي ( غلاما للمغيرة بن شعبة ) عدة طعنات في ظهره أدت الى استشهاده ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة... ولما علم قبل وفاته أن الذي طعنه ذلك المجوسي حمد الله تعالى أن لم يقتله رجل سجد لله تعالى سجدة000ودفن الى جوار الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في الحجرة النبوية الشريفة الموجودة الآن في المسجد النبوي في المدينة المنورة...
عــمـــــر بن الخطـّـاب
رضيَّ الله عنه وأرضاه
أخوتى وأخواتى
أهلا بكم معنا فى معرفة سيرة إبن الخطاب
فاروق الأمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
وهى ليست من كتاباتى ولكنه سيرته العطرة التى كتبها
(عمر بن الخطاب د/ علي الصلابي)
تعالوا بنا نبيحر فى هذه السيرة الحبيبة للنفس التى فى جوانب شخصيته نجد عبق وتاريخ العزة
وهو قبس من نور الإسلام الذى أنار هذه النفس بعد الضلال وكان رمزا للعزة والقوة
ولما لا وهو الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
اللهم أعز الإسلام بإحدى العمرين وهنا عمر بن الخطاب.
عمر بن الخطاب الذى كان الشيطان يسلك طريق غير الذى يسلكه عمر بن الخطاب.
صدقت يارسول الله صلى الله عليه وسلم
وكانت آيات الذكر الحكيم تتنزل موافقة لرآى عمر بن الخطاب .
ولو كان هناك أنبياء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
لكان عمر بن الخطاب
ليس هذا من كلامى بل هو من كلام الصادق المصدوق من لا ينطق عن الهوى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
أخوتى وأخواتى
لن أطيل عليكم
هذه المقدمة كان لابد منها
وسأنقل لكم المادة التى كتبت عن فاروق الأمة
الفاروق أبو حفص ، عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العزَّى القرشي العدوي ، ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة ( 40 عام قبل الهجرة ) ، عرف في شبابه بالشـدة والقـوة ، وكانت له مكانة رفيعـة في قومه اذ كانت له السفارة في الجاهلية فتبعثـه قريش رسولا اذا ما وقعت الحرب بينهم أو بينهم و بين غيرهم... وأصبح الصحابي العظيم الشجاع الحازم الحكيم العادل صاحب الفتوحات وأول من لقب بأمير المؤمنين0
قيمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التاريخ الإسلامي والعالمي
إنَّ حياة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه صفحة مُشْرقة من التاريخ الإسلامي، الذي بهر كل تاريخ وفَاقَه، والذي لم يحو تاريخ الأمم مجتمعة بعض ما حوى من الشرف والمجد والإخلاص والجهاد والدعوة في سبيل الله... (عمر بن الخطاب د/ علي الصلابي)
إن حياة الفاروق عمر رضي الله عنه إنما هي قدوة للدعاة، والعلماء، والساسة، ورجال الفكر، وقادة الجيوش، وحكام الأمة، وطلاب العلم، وعامة الناس، لعلهم يستفيدون بها في حياتهم، ويقتدون بها في أعمالهم، فيكرمهم الله بالفوز في الدارَيْن....
صاحبنا اليوم- كما قيل عنه- (كان طويلًا جسيمَا أصلع صلعة عرف بها، فكان يقال له: أصلع قريش أو الأصيلع. شديد الحمرة.... كان يَفْرَع الناسَ طولًا كأنَّه على دابة. ويصفه ابنه عبد الله فيقول: كان أبي أبيض لا يتزوج النساء لشهوة إلا لطلب الولد، أعسر يعمل بكلتا يديه، كأنَّه من رجال بني سَدُوس....
وإذا ذهب إنسان مع خياله مُجسدًا هذه الأوصاف، تراءت له صورة من أجمل صور الرجال ملاحةً ومَهابةً وجلالًا....) (شهيد المحراب عمر بن الخطاب أ / عمر التلمساني ص 47)
إنّ حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تُمثل نموذجًا في غاية الروعة لمن يريد أن يصنع مَجدا، أو يحقق هدفا، أو يغيّر من حياته إلى الأحسن، ونحن إذ نعيش دقائق من حياتنا مع هذا العملاق العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يجدر بنا أن نضع نصب أعيينا هدفا واضحا نحاول تحقيقه، بل وننتقل من حياة الترف والبذخ والتنافس في الدون؛ إلى حياة الجد والاجتهاد والتسابق إلى النعيم الدائم، والعيش الرغد " فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدٍ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ".
فـقــــه عـــمــــــــر
وقد يتبادر إلى ذهن البعض أن المقصود بفقه عمر معرفته بجوانب من فقه العبادات كالطهارة وغيرها، ولكن المقصود هنا هو الفقه بمعناه الواسع، أي دقة الفهم المراد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم " مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ " أي يرزقه فهما صحيحا يدرك به حقائق الشريعة، وأصول الأحكام، وقد رزق الله عمر هذا النوع من الفقه.
من فضائل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أوتي الدين، والفقه، والشيء العظيم من العلم، عمر رضي الله عنه كان رجلًا ملهمًا، ربانيًا، وهذا لا يأتي إلا من الإخلاص مع الله عز وجل في السرائر والعلن، وأن يعبد الإنسان ربه كأنه يراه وخير من يتصف بهذه الصفات هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
هذا العبقري الفذ أوتي ذكاءً مبدعًا متوقدًا، أفاضه عليه ربه سبحانه فكانت الحكمة تخرج من نواحيه، وارتفع الفاروق رضي الله عنه إلى أعلى مستويات الذكاء الإنساني وشجاعة التفكير، وحسن التعليل، فالتقت في عبقريته أعمق رؤى البصيرة وأدق أسرار الشريعة.
قــــــــوة عـــمـــــــــر
إن القوة الحقيقية ليست قوة البدن كما يتبادر إلي ذهن الكثير من الناس عندما يسمع كلمة القوة، وإنما القوة بمعناها الشامل تنطوي على عدة أنواع أظهرها وليس أقواها: قوة البدن، ومن أنواع القوة أيضا القوة النفسية، والقوة الإيمانية.
وصاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه آتاه الله عز وجل كل هذه الأنواع من القوة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من خلقه.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم ;"إلى أن مدار القوة ليس هو البدن فحسب وإنما يدخل معه أيضا القوة النفسية الناتجة عن تحمل الغير وكظم الغيظ. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ " ( (صحيح) انظر حديث رقم: 5375 في صحيح الجامع) .
تـواضــــع عــمـــــــــر
ما أعظم التواضع لو كان من عظيم حقيقي العظمة.
التواضع من مكارم الأخلاق التي اتصف بها الفاروق رضي الله عنه وأورثته محبة الآخرين.
فالعبد المتواضع يجعل الناس يحبون معاملته، ويودون مجالسته، ويتمنون لقاءه، ويستأنسون بكلامه، ويتفانون في خدمته.
فالتواضع يعني قبول الحق ممن كان، وخفض الجناح ولين الجانب، وعدم شعور النفس بأن لها فضلًا على الآخرين.
وما أجمل قول الشاعر:
تَوَاضَعْ تَكُنْ كَالنَّجْمِ لَاحَ لِنَاظِرٍ عَلَى صَفَحَاتِ الْمَاءِ وَهْوَ رَفِيعُ
وَلَا تَكُ كَالدُّخَانِ يَعْلُو بِنَفْسِهِ إِلَى طَبَقَاتِ الْجَوِّ وَهْوَ وَضِيعُ
وهذا الشافعي رحمه الله يقول: " التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام " ويقول: " أرفع الناس قدرا من لا يَرَى قدره، وأكثر الناس فضلا من لا يَرَى فضله ". (تاريخ دمشق جزء 51- صفحة 413)
إدارة عـــــمــــــــــــــــر
إن الإدارة الصحيحة والقويمة لأي عمل مهما كان صغيرًا أو كبيرًا تحتاج إلى حكمة؛ لأن الإدارة تتعامل مع بشر وليس مع مجموعة من التروس والآلات، فرب كلمة صغيرة فعلت فعل السحر في نفس سامعها فدفعته إلى الأمام، وأيضًا رب كلمة فعلت في نفس سامعها فعل السحر فألقت به إلى الهاوية. والإدارة " فن قيادة الرجال " والرجال لهم مشارب شتى، ولا يستطيع أحد مهما أوتي من قوة أن يقودهم إلا بالحكمة، والحكمة أن تضع كل شيء في مكانه، الغضب والحزم والشدة في المواضع التي تحتاج إلى ذلك، واللين والتسامح والرحمة أيضًا في المواقف التي تتطلب ذلك.
وقد كان عمر رضي الله عنه حكيما بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان، مما جعله مؤهلا لحمل هذه الأمانة العظيمة؛ وهي إدارة الدولة الإسلامية في هذا الوقت من التاريخ الإسلامي العظيم.
" وفي عصر الفاروق رضي الله عنه شهد النظام الإداري نقلة حضارية كبرى تمثلت في مدى اهتمام الخليفة وعنايته الفائقة بالنظم الإدارية، ففي عهده رسخت التقاليد الإدارية الإسلامية. يقول الطبري: في هذه السنة (15 هـ 636 م) فرض عمر للمسلمين الفروض ودَوَّن الدواوين، وأعطى العطايا على السابقة.
وهذا يؤكد مرونة العقلية الإسلامية وقبولها لتطوير نفسها، وتمثل هذا في اهتمام الفاروق رضي الله عنه بتنظيم الدولة الإسلامية إداريا، وخاصة أن الفتوحات الإسلامية قد أدت إلى امتداد رقعة الدولة الإسلامية في عهده، ففصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية، وأكد استقلال القضاء، كما اهتم بأمر الأمصار والأقاليم، ووطد العلاقة بين العاصمة المركزية والولاة والعمال في أجزاء الدولة الإسلامية.
وكان عمر رضي الله عنه شديدا مع عمال الدولة الإسلامية، كان يوصيهم بأهالي الأقاليم خيرا، فيروي الطبري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوم الجمعة فقال: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، إني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم، وأن يقسموا فيهم فيئهم، وأن يعدلوا، فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إليّ. وقد حفظ لنا يحيى بن آدم (ثقة حافظ فاضل من كبار التاسعة مات سنة ثلاث ومائتين [ تقريب التهذيب جزء 1- صفحة 587]) وصية الفاروق رضي الله عنه للخليفة من بعده، تلك الوصية التي تلخص حرص إمام المسلمين على صالح الرعية، يقول:
(أوصي الخليفة من بعدي بأهل الأمصار خيرا فإنهم حياة المال، وغيظ العدو، وردء المسلمين، وأن يقسم بينهم فيئهم بالعدل، وألا يحمل من عندهم فضل إلا بطيب أنفسهم).
وكان رضي الله عنه إذا استعمل العمال على الأقاليم خرج معهم يشيعهم ويوصيهم فيقول: إني لم أستعملكم على أشعارهم ولا على أبشارهم، وإنما استعملتكم عليهم لتقيموا بهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بالعدل، وإني لم أسلطكم على أبشارهم ولا أشعارهم، ولا تجلدوا العرب فتذلوها، ولا تجمروها فتفتنوها، ولا تغفلوا عنها فتحرموها، جردوا القرآن، وأقلوا من رواية محمد صلى الله عليه وسلم... وأنا شريككم.
وكان يقتص من عماله، فإذا شكا إليه عامل له جمع بينه وبين من شكاه فإن صح عليه أمر يجب أَخْذه به أَخَذه به.
وروى الطبري أن الفاروق رضي الله عنه خطب الناس فقال: أيها الناس، إني والله ما أرسل عمالا ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي، فوالذي نفس عمر بيده لأقتصن منه، فوثب عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين أرأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعيته فأدب بعض رعيته، إنك لتقصه منه؟ قال: إي والذي نفس عمر بيده إذا لأقصنه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه.
وكان رضي الله عنه إذا استعمل عاملا كتب له عهدا وأشهد عليه رهطا من المهاجرين والأنصار، واشترط عليه ألا يركب برذوانا، ولا يأكل نقيا، ولا يلبس رقيقا، ولا يتخذ بابا دون حاجات الناس.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من وضع التأريخ وكتبه وذلك في العام السادس عشر للهجرة، كما أنه أول من وضع تقليدا بتأريخ الكتب والرسائل وختم بالطين. وهو أول من جمع الناس على إمام لصلاة التراويح في شهر رمضان وكتب بذلك إلى البلدان، وكان في العام الرابع عشر، وكان أول من حمل الدرة وضرب بها تأديبا، ومن ذلك ما فعله مع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وكان الفاروق يوزع مالا آتاه بين المسلمين، فرأى سعد يزاحم الناس حتى خلص إليه، فعلاه عمر بالدرة وقال: إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لا يهابك.
وشهد عصره بالإضافة إلى ذلك تنظيمات إدارية متنوعة فوضع أساس بيت المال ونظم أموره، وكان يعس ليلا، ويرتاد منازل المسلمين، ويتفقد أحوالهم بيديه، وكان يراقب المدينة ويحرصها من اللصوص والسراق، كما كان يراقب أسواق المدينة ويقضي بين الناس حيث أدركه الخصوم، وهو في هذا كله يتأسى بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد كان يقول: القوة في العمل ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد، والأمانة ألا تخالف سريرة علانية، واتقو الله عز وجل فإنما التقوى بالتوقي ومن يتق الله يقه. (تاريخ النظم والحضارة الإسلامية د/ فتحية النبراوي)
وهكذا نرى هذه العقلية الإدارية الفذة والتي تعلمت الإدارة عمليًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس سيدنا عمر رضي الله عنه ممن يحبون الكلام وكثرته، بل إن شغلهم الشاغل إنما هو العمل النافع والتطبيق العملي واستثمار كل الطاقات البشرية الموجودة لديه في خدمة الإسلام وفي خدمة البشرية أيضا.
حـــزم عــمـــــــر
نشأ عمر في كنف والده وورث عنه طباعه الصارمة، التي لا تعرف الوهن، والحزم الذي لا يدانيه التردد، والتصميم الذي لا يقبل أنصاف الحلول.
وكان رضي الله عنه من أشراف قريش وأعيانها، وإليه كانت السفارة في الجاهلية، فكانت قريش إذا وقعت الحرب بينهم، أو بينهم وبين غيرهم بعثوه سفيرًا ـ أي رسولًا ـ وإذا نافرهم منافر، وفاخرهم أحد رضوا به، وبعثوه.
ونال السفارة؛ لأنه رجل قوي البنيان، مجدول اللحم، رابط الجأش، ثابت الجنان، صارم حازم، لا يعرف التردد والأَرْجحة، ينأى عن الذبذبة والمراوغة، لا تتناوبه الأهواء المتنازعة، ولا الآراء المشتتة، بل نفسه كُلٌّ واحد، إذا تحرك تحركت كل قدراته، واحتشدت في شخصية واحدة متكاملة متسقة، فحيثما وجد عمر رضي الله عنه وجدت شخصية وإدارة ومنهج، في دقة واتساق، كأنه جيش يتحرك بخطى قوية إلى اتجاه واحد محدد، بشخصية فذة ليس لذرة في كيانه عن إرادته شذوذ، أو عن وجهته مهرب.
كان عمر رضي الله عنه صافي النفس صفاء سماء مكة، واضح السريرة من غير تعرج، ولا انحناءات وضوح الصحراء التي ترعرع فيها، راسخ العزيمة رسوخ الجبال الرواسي، التي رعى الأغنام بين جنباتها، متلالئ الصفات كالكوكب الدريّ في كبد السماء.
فكان من كل ذلك هذا الرجل الشامخ العملاق، الصارم الحازم، الصلب الصلد، الواضح وضوح الشمس، الذي إن رأيته قرأت دخيلة نفسه، وقد ارتسمت على ملامح وجهه، لا مخبوء فيها ولا مستور.
ولقد أصابت قريش في اختيارها، وما اختارته إلا عن ابتلاء منها واختبار، ليكون لها سفيرًا ومنافرًا ومفاخرًا ومكاثرًا.
هذا العنفوان العارم، والبأس الشديد، قد جنده عمر في محاداة دعوة الحق سبحانه وتعالى، عندما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس على بصيرة للتوحيد، ونبذ الأصنام.
كان عمر رضي الله عنه قبل إسلامه في الصف المعادي للإسلام، وقد أفرغ كل قوته في بحر الشرك المتلاطم حول الدعوة الجديدة، وكان متشبثًا بموقفه لدرجة تعصف بأي أمل في إسلامه وأن يكون يومًا مع الركب المؤمن، ولقد كان أذاه للمسلمين يبلغ أذى قريش مجتمعة، ولم يسلم منه حتى أخته وصهره سعيد بن زيد.
ومع كل هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطمع في إسلامه، لما يعلمه فيه من القوة التي اتسمت بالوضوح والتفوق الباهر، الذي جند في غير طريق الحق.
لقد كان طغيان الوثنية وعرامة الشرك، والتمسك بما آل عليه الآباء من عقائد وموقف كبراء قريش وزعمائها وعدائهم للدعوة، كل ذلك لم يكن ليترك عمر يسلم بيسر وسهولة بل لا بد للقلب الشديد، والقوة الهادرة من صوت مجلجل، ومنطق قاهر باهر، يقرع سمع عمر وفؤاده ليفتحه فتحًا قويًا.
رقــــــة عــمـــــــر
إن رقة القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها وبارئها منحة من الرحمن وعطية من الديان تستوجب العفو والغفران، وتكون حرزا مكينا وحصنا حصينا مكينا من الغي والعصيان. ما رق قلب لله عز وجل إلا كان صاحبه سابقا إلى الخيرات مشمرا في الطاعات والمرضاة. ما رق قلب لله عز وجل وانكسر إلا وجدته أحرص ما يكون على طاعة الله ومحبة الله، فما ذُكّر إلا تذكر، ولا بُصّر إلا تبصر.
ما دخلت الرقة إلى القلب إلا وجدته مطمئنا بذكر الله يلهج لسانه بشكره والثناء عليه سبحانه وتعالى. وما رق قلب لله عز وجل إلا وجدت صاحبه أبعد ما يكون عن معاصي الله عز وجل. فالقلب الرقيق قلب ذليل أمام عظمة الله وبطش الله تبارك وتعالى.
ما انتزعه داعي الشيطان إلا وانكسر خوفا وخشية للرحمن سبحانه وتعالى.
ولا جاءه داعي الغي والهوى إلا رعدت فرائص ذلك القلب من خشية الملك سبحانه وتعالى.
القلب الرقيق صاحبه صدّيق وأي صدّيق.
القلب الرقيق رفيق ونعم الرفيق.
ولكن من الذي يهب رقة القلوب وانكسارها؟
ومن الذي يتفضل بخشوعها وإنابتها إلى ربها؟
إنه الله سبحانه وتعالى.... (نقلا عن الشيخ الشنقيطي )
عـــدل عــمـــــر
إذا ذُكِر عمر ذُكر العدل، وإذا ذُكر العدل ذُكر عمر.
روى الإمام أحمد بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ. (حديث رقم 8846)
من دلائل اتصاف الفاروق بالعدل أنه لا يخاف في الله لومة لائم، ويقيم الحدود على القريب والبعيد، الحبيب والغريب حتى إنه ليضرب به المثل في ذلك الأمر.
يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: شرب أخي عبد الرحمن بن عمر، وشرب معه أبو سروعة عقبة بن الحارث، ونحن بمصر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسكرا.
فلما صحا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر فقالا: طهرنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه.
قال عبد الله بن عمر: فلم أشعر أنهما أتيا عمرو بن العاص، قال: فذكر لي أخي أنه قد سكر فقلت له: أدخل الدار أطهرك، قال: إنه قد حدث الأمير.
قال عبد الله: فقلت: والله لا تحلق اليوم على رءوس الناس، ادخل أحلقك وكانوا إذا ذاك يحلقون مع الحد، فدخل معي الدار. قال عبد الله: فحلقت أخي بيدي، ثم جلدهما عمرو بن العاص، فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك فكتب إلى عمرو: أن أبعث إليّ عبد الرحمن بن عمر على قتب.
ففعل ذلك عمرو، فلما قدم عبد الرحمن المدينة على أبيه الفاروق عمر رضي الله عنه جلده، وعاقبه من أجل مكانه منه، ثم أرسله فلبث أشهرًا صحيحًا، ثم أصابه قدره، فيحسب عامة الناس أنه مات من جلد عمر، ولم يمت من جلده.
فالفاروق رضي الله عنه لا يبالي على من وقع الحق، على ولده أم على غيره من الناس، فهو رجل لا تأخذه في الله لومة لائم، لذلك كان ينهى أهله أشد النهي حذرًا من وقوعهم في مخالفته.
يقول ابن عمر رضي الله عنهما: كان عمر إذا نهى الناس عن شيء جمع أهله وقال: إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا وإنهم إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وأيم الله لا أوتي برجل منكم فعل الذي نهيت عنه إلا أضعفت عليه العقوبة، لمكانه مني فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر. (مصنف عبدالرزاق20713)
رحـمــة عــمـــــر
الرحمة كمال في الطبيعة يجعل المرء يرق لآلام الخلق ويسعى لإزالتها، ويأسى لأخطائهم، فيتمنى لهم الهدى، هي كمال في الطبيعة، لأن تبلد الحس يهوي بالإنسان إلى منزلة الحيوان، ويسلبه أفضل ما فيه، وهي العاطفة الحية النابضة بالحب والرأفة، بل إن الحيوان قد تجيش فيه مشاعر مبهمة تعطفه على ذراريه، ومن ثم كانت القسوة ارتكاسا بالفطرة إلى منزلة البهائم، بل إلى منازل الجماد الذي لا يعي ولا يهتز.
والرحمة في أفقها الأعلى وامتدادها المطلق صفة المولى تباركت أسماؤه، فإن رحمته شملت الوجود وعمت الملكوت، فحيثما أشرق شعاع من علمه المحيط بكل شيء أشرق معه شعاع للرحمة الغامرة، ولذلك كان من صلاة الملائكة له: [ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ] {غافر: 7} (خلق المسلم الشيخ محمد الغزالي)
إن من رحمة الرجل بأسرته وأمته أن يرفق بهم ولكن الرحمة الأعلى أن يخاف عليهم من النار، ومن هنا تتحول المواقف التي تكسوها الغلظة في حياة سيدنا عمر إلى مشاهد تنبئُ بما حوته نفس الفاروق من رحمة عميقة بأمته.
وما أصدق الشاعر حين قال:
قَسَا لِيَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِمًا فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْ يَرْحَمُ
زهــد عـمـــر
ما أصدق كلمة شيخ الإسلام ابن تميمة رحمه الله في تعريفه للزهد، قال: ليس الزهد ألا تملك شيئًا ولكن الزهد ألا يملكك شيء.
وقال يونس بن ميسرة: ليس الزهد في الدنيا بترك الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهد في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون مادحك وذامّك في الحق سواء.
يمثل الزهد في حياة الفاروق رضي الله عنه أصلًا من الأصول التي قام عليها دينه القويم.
ومن عجيب أثر الزهد في حياته أنه جعله يحيا مع الناس ببدنه، وأما قلبه وعقله ففي عالم الآخرة.
ومن آثار الزهد في حياته أن الله تعالى ثبت الحكمة في قلبه، وأطلق بها لسانه وبصّره بعيوبه، ورَغِب في الباقيات الصالحات، وترك الشهوات الفانيات.
وحقيقة زهد عمر بن الخطاب إيجابية، فقد ترك كل شيء لا ينفع في الدار الآخرة، فلم يكن الزهد عنده يعني الانقطاع عن الدنيا بترك الأهل، والمال، والأولاد، فليس كل ذلك من الزهد في شيء، والإسلام منه براء.
ذلك؛ لأن الله تعالى أخبر عن رسله أنهم كانت لهم أزواج وذرية، والإنفاق على الأهل والأولاد من الواجبات الشرعية، التي يأثم المرء بتركها، فكيف يكون الواجب محلًا للزهد؟ !
بل زهد عمر في الدعة والراحة، فاجتهد في جهاد الفرس والروم، حتى صار أهل الإسلام سادة الدنيا كلها، وانتشر الإسلام في ربوع المعمورة.
وبالزهد في متاع الدنيا الزائل فاق الفاروق الصحب الكرام، وأحبه أهل الإسلام.
يقول طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه :
ما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأولنا إسلامًا، ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا، وأرغبنا في الآخرة.
ويقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
والله ما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقدمنا هجرة وقد عرفت بأي شئ فَضَلنا، كان أزهدنا في الدنيا.
اســـــــلامـــه
أسلم في السنة السادسة من البعثة النبوية المشرفة ، فقد كان الخباب بن الأرت يعلم القرآن لفاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندما فاجأهم عمر بن الخطـاب متقلـدا سيفه الذي خـرج به ليصفـي حسابه مع الإسـلام ورسوله ، لكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة حتى صاح صيحته المباركة دلوني على محمد )...
وسمع خباب كلمات عمر ، فخرج من مخبئه وصاح يا عمـر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصـك بدعـوة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ، فإني سمعته بالأمس يقول اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك ، أبي الحكم بن هشام ، وعمر بن الخطاب )...فسأله عمر من فوره وأين أجد الرسول الآن يا خباب ؟)...وأجاب خباب عند الصفـا في دار الأرقـم بن أبي الأرقـم )...
ومضى عمر الى مصيره العظيم...ففي دار الأرقم خرج إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال أما أنت منتهيا يا عمر حتى يُنزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ؟ اللهم هذا عمر بن الخطاب ، اللهم أعزّ الدين بعمر بن الخطاب )...فقال عمر أشهد أنّك رسول الله )...
وباسلامه ظهر الاسلام في مكة اذ قال للرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون في دار الأرقم والذي بعثك بالحق لتخرجن ولنخرجن معك )...وخرج المسلمون ومعهم عمر ودخلوا المسجد الحرام وصلوا حول الكعبة دون أن تجـرؤ قريش على اعتراضهم أو منعهم ، لذلك سماه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الفاروق ) لأن الله فرق بين الحق والباطل ...
لسان الحق
هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، ومن علماء الصحابة وزهادهم ، وضع الله الحق على لسانه اذ كان القرآن ينزل موافقا لرأيه ، يقول علي بن أبي طالب إنّا كنا لنرى إن في القرآن كلاما من كلامه ورأياً من رأيه ) ...كما قال عبد الله بن عمر مانزل بالناس أمر فقالوا فيه وقال عمر ، إلا نزل القرآن بوفاق قول عمر )...
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون ، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر )... وزاد زكرياء بن أبي زائدة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر )...قال ابن عباس -رضي الله عنهما- من نبي ولا محدث )...
قوة الحق
كان قويا في الحق لا يخشى فيه لومة لائم ، فقد استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده نسوة من قريش ، يكلمنه ويستكثرنه ، عالية أصواتهن على صوته ، فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب ، فأذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدخل عمر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحك ، فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله )...فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب )...فقال عمر فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله )...ثم قال عمر يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)...فقلن نعم ، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)...فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إيها يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غيرفجك )...
ومن شجاعته وهيبته أنه أعلن على مسامع قريش أنه مهاجر بينما كان المسلمون يخرجون سرا ، وقال متحديا لهم من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي )...فلم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه...
عمر في الأحاديث النبوية
رُويَ عن الرسـول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الأحاديث التي تبين فضل عمـر بن الخطاب نذكر منها...( إن الله سبحانـه جعل الحق على لسان عمر وقلبه )...( الحق بعدي مع عمـر حيث كان ) ...( لو كان بعدي نبيّ لكان عمـر بن الخطاب )...( إن الشيطان لم يلق عمـر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه )...( ما في السماء ملك إلا وهو يوقّر عمر ، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق من عمر )...
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأةِ أبي طلحة وسمعت خشفاً أمامي ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا بلال ، ورأيت قصرا أبيض بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر بن الخطاب ، فأردت أن أدخله فأنظر إليه ، فذكرت غيْرتك )...فقال عمر بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار !)...
وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيْنا أنا نائم إذ أتيت بقدح لبنٍ ، فشربت منه حتى إنّي لأرى الريّ يجري في أظفاري ، ثم أعطيت فضْلي عمر بن الخطاب )...قالوا فما أوّلته يا رسول الله ؟)... قال العلم )...
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمصٌ ، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك ، وعُرِضَ عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه )...قالوا فما أوَّلته يا رسول الله ؟)...قال الدين )...
موافّّـّـَقـات عمر بن الخطاب رضي الله عنه
المقصود بموافـّقـات الصحابة
ما نزل من القرآن المجيدموافقاً لما وردعلى لسان بعض الصحابة من رأي أو يعد قبل علمهم بكونه نصاً أو قرآناًيتلى.
وهذه الموافـّقات هي لون من أسبابالنزول
وقد عدها الإمام السيوطي النوع العاشر من علوم القرآن في كتابه "الإتقان في علوم القرآن". وفي هذه الموافقات دلالة علىتكريم الله لهؤلاء الصحابة حيث ألهمهم الله هذا الرأي أو ذاك التعبير.
والموافـّقات كثيرة،ويعد سيدنا عمر بنالخطاب رضي الله عنه أشهرالصحابة في هذا المجال لمنزلته السامية في الدين ومكانتهالرفيعة بين الصحابة، فقد قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله جعل الحقعلى لسان عمر وقلبه". وقال عنه ابن مسعود رضي الله عنه: "إن إسلام عمر كان فتحاً،وغن هجرته كانت نصراً، وعن إمارته كانت عدلاً،ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلمعمر، فلما أسلم قاتل قريشاًحتى صلى عند الكعبة وصلينا معه."
عن أنس قال: قال عمر: وافقت الله فى ثلاث - أو وافقنى ربى فى ثلاث - قلت يا رسول الله ، لواتخذت مقام إبراهيم مصلى وقلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرتأمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب. قال وبلغنى معاتبة النبى - صلى اللهعليه وسلم - بعض نسائه ، فدخلت عليهن قلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله - صلىالله عليه وسلم - خيرا منكن . حتى أتيت إحدى نسائه ، قالت يا عمر، أما فى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت فأنزل الله ( عسى ربه إن طلقكنأن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات )البخاري
المعنى العام للحديث
من المعلوم أن القرآن نزل منجما " أى مفرقا " وكان نزولهحسب الظروف والمناسبات ولتثبيت قلب الحبيب " صلى الله عليه وسلم "
كان سيدناعمر في ذكائه ورؤيته البعيدة يرى المناسبة فيجرى على لسانه ما تحتاجه هذه المناسبةمن أحكام فينزل الوحى بالحكم والآية فيوافق ما قاله سيدنا عمر ويشير ذلك إلى صفاءالنفس وإلهامها وإلى بصيرة نافذة .
وموافقات سيدنا عمر أوصلها العلماء إلى عشر أويزيد وهذا لا يتعارض مع متن الحديث حيث الثلاثة جزء من العشرة
الموافـّقـَة الأولى
قرأسيدنا عمر قول الله تعالى "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍفَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِيقَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ " [البقرة : 124]
وقرأ قول الله تعالىلنبيه محمدا " صلى الله عليه وسلم " ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْمِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل : 123]
فاستقر في نفسه أن شريعة الإسلام مقتديه بشريعة إبراهيم ورأى وهو يطوفبالكعبة مقام إبراهيم فخطر له : لماذا لانصلى عند الحجر المقدس (الجحر الذى وقفعليه سيدنا إبراهيم وهو يبني الكعبة فأثر قدمه به و أصبح ظاهرا للعيان )
فقال لرسول الله " صلى اله عليه وسلم " لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى كان خيرا وبركةفنزل قوله تعالى
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناًوَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَوَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِالسُّجُودِ [البقرة : 125]
الموافـّقـَة الثانية
كان النساء لا يحتجبن من الرجال وكانت أمهات المؤمنين يقمن بتقديم الطعاموالشراب للرسول " صلى اله عليه وسلم "وضيفه فقال سيدنا عمر لرسول الله " صلى الهعليه وسلم " يا رسول الله يدخل عليك في بيتك البر والفاجر من الرجال فاحجب نساءكوبعد زمن يسير نزلت آية الحجاب
(يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْإِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوافَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْكَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَالْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوارَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً )[الأحزاب : 53]
الموافـّقـَة الثالثة
دخل سيدناعمر مرة بيت النبي " صلى الله عليه وسلم " فرأى نسائه حوله متحزبات مجتمعات علىمطالبته بالتوسعة عليهم في النفقة ويقلن له بنات كسرى وقيصر يرقلن في الحريروالديباج والذهب ونحن كما ترى فلما رأى نساء النبي " صلى الله عليه وسلم "عمرإنخنسن خوفا ورهبة فقال لهن ياعدوات أنفسهن تهبنني ولا تهبن الرسول " صلى الله عليهوسلم ". قالت أحداهن : إنك فظ غليظ ورسول الله " صلى الله عليه وسلم " أكرم و أحلمفإن يأمر بشيء كنا أطوع إليه منك. وقالت الأخرى: أتريد أن تدخل بين رسول الله " صلىالله عليه وسلم " وزوجاته. فقال: عسى ربه أن طلقكن أن يبدله أزواجا خير منكن وبعدزمن قليل نزلت الآية الكريمة الآية "5 " مع صدر سورة التحريم
يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَأَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَأَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْأَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِوَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّانَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُالْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْتَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُالْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسَى رَبُّهُ إِنْطَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍمُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)
وهناك موافقات أخرى لسيدنا عمر، فقد أخرج الإمام احمد بسنده عن أبيميسرة عن عمر أنه قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بين لنا في الخمربياناًشافياً فنزلت الآية في البقرة:
"يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمكبير."فدعا عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا فيالخمر بياناً شافياً، فنزلتالآية في سورة "النساء": "يا أيها الذين آمنوالا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى.." فكانمنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: أن لا يقربن الصلاةسكران. فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: "اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً"، فنزلتالآية في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ: "فهل أنتم منتهون"؟ قال عمر: انتهينا، انتهينا.
وجاء في أسباب النزول
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث غلاماً من الأنصاريقال لهمدلج إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه، فوجده نائماً،فدق عليه الغلام البابودخل، فاستيقظ عمر وجلس، فانكشف منه شيء، فقال: وددت أن الله نهى أبناءنا ونسائناوخدمنا عن الدخول في هذه الساعات إلا بإذن، ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليهوسلم فوجد الآية قدأنزل: "يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكمالذين ملكت أيمانكم.." [النور:58]،
فخر ساجداً شكراً لله تعالى.
ولقد جمع العلماء موافقات عمر رضى الله عنه فبلغت عشرةومنها رأيه في أسرى بدر ومنع الصلاة علىالمنافقين.
خـــلافــــة عـمـــــــــــر
رغب أبو بكر -رضي الله عنه- في شخصية قوية قادرة على تحمل المسئولية من بعده ، واتجه رأيه نحو عمر بن الخطاب فاستشار في ذلك عدد من الصحابة مهاجرين وأنصارا فأثنوا عليه خيرا ومما قاله عثمان بن عفان اللهم علمي به أن سريرته أفضل من علانيته ، وأنه ليس فينا مثله )... وبناء على تلك المشورة وحرصا على وحدة المسلمين ورعاية مصلحتهم...
أوصى أبو بكر الصديق بخلافة عمر من بعده ، وأوضح سبب اختياره قائلا اللهم اني لم أرد بذلك الا صلاحهم ، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم ، واجتهدت لهم رأيا فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم )...ثم أخذ البيعة العامة له بالمسجد اذ خاطب المسلمين قائلا أترضون بمن أستخلف عليكم ؟ فوالله ما آليـت من جهـد الرأي ، ولا وليت ذا قربى ، واني قد استخلفـت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا )...فرد المسلمون سمعنا وأطعنا)...وبايعوه سنة ( 13 هـ )...
انجـــازاتــــــــــــــه
استمرت خلافته عشر سنين تم فيها كثير من الانجازات المهمة...لهذا وصفه ابن مسعود -رضي الله عنه- فقال كان اسلام عمر فتحا ، وكانت هجرته نصرا ، وكانت إمامته رحمه ، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي الى البيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا).
فهو أول من جمع الناس لقيام رمضان في شهر رمضان سنة ( 14 هـ ) ، وأول من كتب التاريخ من الهجرة في شهر ربيع الأول سنة ( 16 هـ ) ، وأول من عسّ في عمله ، يتفقد رعيته في الليل وهو واضع الخراج ، كما أنه مصّـر الأمصار ، واستقضـى القضـاة ، ودون الدواويـن ، وفرض الأعطيـة ، وحج بالناس عشر حِجَـجٍ متواليـة ، وحج بأمهات المؤمنين في آخر حجة حجها...
وهدم مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزاد فيه ، وأدخل دار العباس بن عبد المطلب فيما زاد ، ووسّعه وبناه لمّا كثر الناس بالمدينة ، وهو أول من ألقى الحصى في المسجد النبوي ، فقد كان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم ، فأمر عمر بالحصى فجيء به من العقيق ، فبُسِط في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم-
وعمر -رضي الله عنه- هو أول من أخرج اليهود وأجلاهم من جزيرة العرب الى الشام ، وأخرج أهل نجران وأنزلهم ناحية الكوفة.
الفتـــــوحـــات الإســــــلامـــــية
لقد فتح الله عليه في خلافته دمشق ثم القادسية حتى انتهى الفتح الى حمص ، وجلولاء والرقة والرّهاء وحرّان ورأس العين والخابور ونصيبين وعسقلان وطرابلس وما يليها من الساحل وبيت المقدس وبَيْسان واليرموك والجابية والأهواز والبربر والبُرلُسّ...وقد ذلّ لوطأته ملوك الفرس والروم وعُتاة العرب حتى قال بعضهم كانت درَّة عمر أهيب من سيف الحجاج )...
هَيْـبَتِـه و تواضعه
وبلغ -رضي الله عنه- من هيبته أن الناس تركوا الجلوس في الأفنية ، وكان الصبيان إذا رأوه وهم يلعبون فرّوا ، مع أنه لم يكن جبّارا ولا متكبّرا ، بل كان حاله بعد الولاية كما كان قبلها بل زاد تواضعه ، وكان يسير منفردا من غير حرس ولا حُجّاب ، ولم يغرّه الأمر ولم تبطره النعمة...
اســـــتشـــــــــــــــهاده
كان عمر -رضي الله عنه- يتمنى الشهادة في سبيل الله ويدعو ربه لينال شرفها اللهم أرزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك)...وفي ذات يوم وبينما كان يؤدي صلاة الفجر بالمسجد طعنه أبو لؤلؤة المجوسي ( غلاما للمغيرة بن شعبة ) عدة طعنات في ظهره أدت الى استشهاده ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة... ولما علم قبل وفاته أن الذي طعنه ذلك المجوسي حمد الله تعالى أن لم يقتله رجل سجد لله تعالى سجدة000ودفن الى جوار الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في الحجرة النبوية الشريفة الموجودة الآن في المسجد النبوي في المدينة المنورة...