التحديات لإقرار الواقع الذي لا مناص منه .. إن الوطن هو قدس الأقداس
وأمانة يجب أن نسلمها لخلفنا كما تسلمناها من سلفنا .. يذكرنا هذا العام
بمرور 2011 سنة علي ميلاد السيد المسيح عليه وعلي نبينا أفضل الصلاة
والسلام .. وضعته السيدة مريم العذراء التي لم يمسسها بشر وجلست إلي جذع
النخلة التي هزتها فإذا بها تساقط عليها رطباً، وعندما واجهوها بأن أباها
وأمها لم يكونا أهل سوء مستنكرين ما هي عليه، فأشارت إلي ولدها، فتعجبوا
كيف نكلم من كان في المهد صبياً ؟! .. فنطق الرضيع – بإذن الله – بأنه عبد
الله ورسوله جاء لهداية البشر بمعجزة إلهية يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله
.. وهي معجزة في الطب .. فمنهم من آمن ومنهم من كفر .. فلسطين مهد الديانات
السماوية، اليهودية والمسيحية كانت النشأة والدعوة .. وعندما اشتد وطيس
الحرب ضد الدين الوليد أشير علي الأم ووليدها النبي بالهروب إلي مصر لأنها
بلد الأمان وكانت الدعوى التي أخذت طريقها الصحيح في عبادة الله وهداية
البشر .. وعندما جاءت بشارة الإسلام بعد مولد السيد المسيح بـ 571 عاما
المعروف بعام الفيل أتي صلي الله عليه وسلم بمعجزة الكلمة في القرآن الكريم
، وقتما كان أهل الجزيرة العربية يبلغون مناطاً من الفصاحة والبيان،
وكانوا يتبارون في سوق عكاظ حول أفضلية الكلمة ، ولما جاءهم القرآن الكريم
عجزوا عن مجاراته ، أو حتى الإتيان بكلمات مثله، كما أنزل الله عيسي عليه
السلام بمعجزة الطب، وقتما كان أهل فلسطين بارعين في علاج المرض وشفائه من
كل مكروه .. أيضاً نزل موسي عليه السلام بمعجزة أذهلت قومه السحرة بأن ألقي
عصاه فإذا هي حية تسعي، فمنهم من آمن ومنهم من كفر ..
نعيش هذه الأيام
في رحاب مولد عام ميلادي جديد وعبر ساعاته الأولي ونحن مقبلون علي عيد
الميلاد المجيد الذي يواكب اليوم السابع من مولد العام فيه تحتفل مصر كلها
بميلاد عيسي عليه السلام الذي سوف ينزل في آخر الدنيا ويعود معه العدل بعد
أن تكتظ الدنيا بالجور وينشر السلام ويحكم بأمر الله أربعين كما ورد في فى
السنة المطهرة .. والأربعين هذه لم نعلمها هل هي يوم أم شهر أم سنة ..
فالعدل هو أساس الملك وإذا اهتزت وتيرته فقل علي الدنيا السلام ، ولا تكتمل
رايته سوي بتوفير كل الأجواء المهيأة للمدافعين عنه أمام كل جهات الاختصاص
..
المحامون حصن الأمة وصالح الشعوب .. والعدالة في أن يعيش كل مواطن
علي أرض وطنه آمناً علي ماله وعرضه لا فرق في العقيدة أو الجنس أو حتى
اللون .. فالعنصرية دوماً ما تسحق كل حقوق المواطنة وتضرب بها عرض الحائط
وتقذف بمقدراتها عبر محيط من الظلمات .. لقد جاءت بشارة الإسلام إلي مصر في
العام الذي أوفد فيه رسولنا الكريم مبعوثه إلي المقوقس حاكم مصر فأهداه
حاكمها جاريتين هما مارية القبطية التي تزوجها رسولنا الكريم وأنجب منها
ولده إبراهيم الذي توفي في شهوره الأولي ، أما الثانية فهى السيدة سيرين
أهداها النبي محمد إلي شاعره حسان بن ثابت الذي قال عن مصر كل الخير ...
وعندما أوفد سيدنا محمد رسوله إلي حاكم الغساسنة في الشام قتلوا رسول رسول
الله وجاءت العداوة والبغضاء بين جزيرة العرب وأهل الشام ..
لقد انتشر
الإسلام في مصر بعد فتح عمرو بن العاص عام 21 هـ ، وأضحت العربية هي اللغة
الرسمية لأهل البلاد بعدما كان يفرض اليهود لغتهم علي مسيحيي مصر .. لقد
تصدي العرب جميعاً للحملات الصليبية الغائرة التي استهدفت الوقيعة بين
الإسلام والمسيحية بأن دعا مغرضون في الغرب لتوجيه حملات مغلفة بالصليب
لاستمالة مسيحيى الشرق بهدف الاحتلال بتسع حملات لم تستطع أن تنال من وحدة
بني الوطن الواحد واللغة الواحدة والديانتين السماويتين بالكتابين القرآن
والإنجيل .. وقتل أهل مصر "مسلمين ومسيحيين" كسري ملك قيصر ولويس التاسع
الذي أسروه وحملوه مكبلاً بالأغلال إلي والي وقاضي مصر في المنصورة
وفارسكور وجاء العصر الحديث " ونشر محمد علي ثقافة الحضارات الغربية في
الشرق كله واستهدف استنهاض الأمة في وحدة الوطن وحرية العقيدة".. وجاءت
ثورة أحمد عرابي 1881 التي حاربت المحتل الإنجليزي المتغطرس والمتغلغل في
شئون الوطن، ودعوة مصطفي كامل ومحمد فريد وثورة سعد باشا زغلول محامي الأمة
وزعيمها، الذي نجحت ثورته في عناق الهلال مع الصليب، ودفع بني الوطن
الواحد أرواح الشهداء من المسلمين والأقباط فداءً للوطن .. فجاء دستور
البلاد وتفعيل دور المجلس النيابي ، وحصانة وقدرة الجيش علي الذود عن الوطن
وحماية حدوده ومقدراته ، ونهض النحاس باشا في تحجيم دور بريطانيا في مصر
.. ومع الحركات التحررية ودور الأزهر ونقابة المحامين والأحزاب السياسية
جاءت حركة الجيش 1952 المعروفة بثورة يوليو وتم طرد الملك وأعوانه الفاسدين
وحكم المصريون أنفسهم بأنفسهم مسلمين ومسيحيين ولا ننكر دور الحكومة
المصرية قبل الثورة بقيادة الزعيم بطرس باشا غالي في نهضة مصرية قائمة علي
وحدة الهدف وحرية العقيدة ودور الزعيم مكرم عبيد ونجله المحامي فكري مكرم
عبيد الذي رحل عن دنيانا منذ سنوات قبلها جاء للإدلاء بصوته في انتخابات
نقابة المحامين محمولاً علي أذرع المحامين مسلمين ومسيحيين عام 2005 ..
اليوم نقف علي أعتاب الساعات الأولي من عام 2011 وكلنا ثقة في تخطي كل
العقبات التي تتربص بنا وتستهدف وحدتنا وكلنا ثقة وأمل في اجتياز المحن ،
ومع الأيام الأولي نحتفل في اليوم السابع بذكري ميلاد السيد المسيح كيوم
رسمي لمصر كلها .. إن الدور الرائد الذي يتبناه قداسة البابا شنودة الثالث
بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية يتمثل في إعلاء شأن الأمة
ووحدتها .. نقول لا للاعتداءات الغاشمة علي الكنيسة الشرقية بالعراق ونقول
لا لأي استهداف متطرف لأي حقل ديني مسيحي في مصر - رائدة حرية الأديان
وحرية العقيدة - .. وما حدث منذ ساعات ما هو إلا افتراء علي حرية الوطن
ومحاولة الوقعية بين الشعب الواحد ووأد الفرحة في عنفوانها، فقد أصابت يد
الغدر عيد كل المصريين في ليلة مبتهجة ومع كل فإن الصليب يتعانق مع الهلال
في سماء مصر المحروسة، رداً علي أي دعاوى تستهدف الوطن ومواطنيه ومقدساته
.. بني الوطن الواحد زودوا عن وطنكم وأثبتوا وحدتكم الوطنية وقولوا لا
للتطرف .. لا للخلافات ولا للجدل العقيم الذي يستهدف اقتصاد ومقدرات الوطن
العزيز الغالي مصر التي هي أمانة بين أيدينا من أجل أولادنا وكل الأجيال
القادمة .
بقلم
حمدي خليفة
نقيب المحامين
رئيس اتحاد المحامين العرب