أحمد شنن الذي عرفته
بقلم : المستشار محمود فهمي
رئيس هيئة سوق المال سابقا
عرفت أحمد شنن في طابور الكشف الطبي للملتحقين بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول حينذاك القاهرة حاليا في صيف سنة1948 برغم انه كان خريج شبرا الثانوية وكنت خريج السعيدية الثانوية, وإنما ونحن في انتظار الدور حصل تبادل بعض الكلمات وسرعان ما تم التوصل الكيميائي بيننا كما يقولون واستمرت صداقتنا وزمالتنا منذ ذلك التاريخ وحتي رحيله يوم12 من الشهر الجاري أي مايقرب من ست وخمسين سنة لم تشبها شائبة, لقد كان خير الصديق الوفي والزميل الكريم, كنا أحيانا نختلف حول أمورنا الخاصة أو حول بعض القضايا العامة ولكن سرعان ما تنقشع سحابة الخلاف وتصفو النفوس.
ثم التحقنا بكلية الحقوق ـ وتوفي والده كان ناظر مدرسة شبرا الثانوية برتبة البكوية الرسمية ـ في اواخر سنة1953, فتكفل أحمد شنن بوالدته وبشقيقيه وشقيقته, لقد كان ابنا بارا بوالدته في حال الصحة والمرض إلي آخر يوم في حياتها, وكان نعم الأخ الكبير الحنون الودود المربي الفاضل لاخويه واخته ـ برغم صغر سنه في ذلك الوقت ـ حتي تخرج كل منهم في كليته وألحقه بالعمل المناسب وقام بتزويجهم وتكفل بنفقات الزواج جميعها, وكنا قد تخرجنا في مايو1952, قبل الثورة بثلاثة أشهر, فالتحق للتمرين بمكتب المرحوم الاستاذ عبدالكريم بك رءوف المحامي بجانب سينما ستراند في باب اللوق ورفض الدخول في مسابقة مجلس الدولة الذي كان السنهوري باشا يعقدها سنويا لاختيار الحاصل فيها علي تسعين في المائة علي الأقل اذ كان لايكتفي بتقدير الكلية ـ وتناقشنا في ذلك طويلا فقال أنا مش عاوز وظيفة, أنا باحب المحاماة مهنة الحق والدفاع عن المظلومين وحافضل محامي لغاية ما أموت وقد كان اذ تدرج في مدارج المحاماه حتي اصبح علما من اعلامها الذين تفخر بهم مصر, وارسي قواعد ومباديء وأدابا للمهنة صارت نبراسا وسراجا منيرا لصغار المحامين بل ولكبارهم ايضا, فانتخب نقيبا ل
لقاهرة ثلاث دورات متتالية من عام1977 حتي عام1989, وانشأ معهد المحاماة لتدريب صغار المحامين وكان يشترط النجاح في دوراته لإمكان القيد في جدول المحامين امام المحاكم الابتدائية, وكان وهو نقيب القاهرة عند عرض أوراق القيد عليه للمراجعة والموافقة عليها, يدفع رسوم القيد في الدرجات المختلفة من جيبه الشخصي لمن كان ذا عسرة من المحامين, وأيا ما كانت قيمة الرسوم أو تجديد القيد, تلك وقائع شهدتها بنفسي في مكتبه بالنقابة, حضر مرة إلي مكتبي في مجلس الدولة في سنة1978 وقت أن كنت امينا عاما للمجلس, وقال يامحمود هل يصح ألا تكون للنقابة حجرة محامين بمجلس الدولة, اظن ده ما يرضيكش فعرضت الأمر علي المستشار رئيس المجلس وكان وقتها المستشار الفاضل أحمد كامل أبو الفضل فقال اعطه حجرة المداولة الخاصة بي, وسوف أعقد مداولة الدائرة الأولي عليا في مكتبي, وقد كان فخصصت تلك الحجرة للمحامين وقام أحمد شنن بتأثيثها من جيبه الشخصي لتعسر النقابة آن ذاك.
ثم مد جسور الود والصداقة والتقدير والاحترام المتبادل بين مجلسس الدولة والنقابة, واحتفلت النقابة ايما احتفال بزيارة رئيس مجلس الدولة لها وإلقائه محاضرة فيها, وكم كنت اود أن يستمر هذا التقليد بعد ذلك.
وفي سنة1979 اختير من قبل الرئيس الراحل انور السادات ضمن خمس عشرة شخصية عامة تمثل مختلف النقابات المهنية في مصر لمصاحبته إلي واشنطن في رحلة السلام, ولخبرته العملية العميقة بالقضاء الجنائي والمدني والتجاري فقد اختير عضوا بلجنة تعديل قانون الإجراءات الجنائية ولجنة تعديل قانون المرافعات, وكان له القدح المعلي في اقتراح الحلول والتعديلات العملية لتيسير الإجراءات والتقاضي, ثم أنشأ سنة1991 الجمعية القانونية المصرية لنشر الثقافة القانونية العميقة والرفيعة بين المشتغلين بالقانون سواء من القضاء أو المحاماة وانتخب رئيسا لها بالاجماع منذ انشائها وحتي رحيله, وكانت له المقدرة علي اقناع ذوي التخصصات الرفيعة من رجالات مصر علي إلقاء المحاضرات في الجمعية برغم ضيق وقتهم.
لقد كان أحمد شنن شخصية متميزة أسرة ذات حضور قوي, قد تختلف معه كثيرا أو قليلا ولكنك لا تملك إلا أن تحترمه, أحب المحاماة وعشقها فاحبته وأغدقت عليه كثيرا, فانفقه ولم يستبق شيئا, مكتفيا بحب الناس والزملاء له, وكان زوجا مثاليا وأبا حنونا صديقا لابنه وابنته وبارا بأهله وأسرته جميعا, وقد رحل عنا فإذ كنا إفتقدناه فقد بقي أثره, كما يقول رسول الله صلي عليه وسلم إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به, أو صدقة جارية وفي رأيي ان له ولدا صالحا سيدعو له دائما بالثواب والرحمة, وترك علما نافعا ينتفع به كصدقة حارية لابناء مهنته, رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته وانزله منزلة الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
بقلم : المستشار محمود فهمي
رئيس هيئة سوق المال سابقا
عرفت أحمد شنن في طابور الكشف الطبي للملتحقين بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول حينذاك القاهرة حاليا في صيف سنة1948 برغم انه كان خريج شبرا الثانوية وكنت خريج السعيدية الثانوية, وإنما ونحن في انتظار الدور حصل تبادل بعض الكلمات وسرعان ما تم التوصل الكيميائي بيننا كما يقولون واستمرت صداقتنا وزمالتنا منذ ذلك التاريخ وحتي رحيله يوم12 من الشهر الجاري أي مايقرب من ست وخمسين سنة لم تشبها شائبة, لقد كان خير الصديق الوفي والزميل الكريم, كنا أحيانا نختلف حول أمورنا الخاصة أو حول بعض القضايا العامة ولكن سرعان ما تنقشع سحابة الخلاف وتصفو النفوس.
ثم التحقنا بكلية الحقوق ـ وتوفي والده كان ناظر مدرسة شبرا الثانوية برتبة البكوية الرسمية ـ في اواخر سنة1953, فتكفل أحمد شنن بوالدته وبشقيقيه وشقيقته, لقد كان ابنا بارا بوالدته في حال الصحة والمرض إلي آخر يوم في حياتها, وكان نعم الأخ الكبير الحنون الودود المربي الفاضل لاخويه واخته ـ برغم صغر سنه في ذلك الوقت ـ حتي تخرج كل منهم في كليته وألحقه بالعمل المناسب وقام بتزويجهم وتكفل بنفقات الزواج جميعها, وكنا قد تخرجنا في مايو1952, قبل الثورة بثلاثة أشهر, فالتحق للتمرين بمكتب المرحوم الاستاذ عبدالكريم بك رءوف المحامي بجانب سينما ستراند في باب اللوق ورفض الدخول في مسابقة مجلس الدولة الذي كان السنهوري باشا يعقدها سنويا لاختيار الحاصل فيها علي تسعين في المائة علي الأقل اذ كان لايكتفي بتقدير الكلية ـ وتناقشنا في ذلك طويلا فقال أنا مش عاوز وظيفة, أنا باحب المحاماة مهنة الحق والدفاع عن المظلومين وحافضل محامي لغاية ما أموت وقد كان اذ تدرج في مدارج المحاماه حتي اصبح علما من اعلامها الذين تفخر بهم مصر, وارسي قواعد ومباديء وأدابا للمهنة صارت نبراسا وسراجا منيرا لصغار المحامين بل ولكبارهم ايضا, فانتخب نقيبا ل
لقاهرة ثلاث دورات متتالية من عام1977 حتي عام1989, وانشأ معهد المحاماة لتدريب صغار المحامين وكان يشترط النجاح في دوراته لإمكان القيد في جدول المحامين امام المحاكم الابتدائية, وكان وهو نقيب القاهرة عند عرض أوراق القيد عليه للمراجعة والموافقة عليها, يدفع رسوم القيد في الدرجات المختلفة من جيبه الشخصي لمن كان ذا عسرة من المحامين, وأيا ما كانت قيمة الرسوم أو تجديد القيد, تلك وقائع شهدتها بنفسي في مكتبه بالنقابة, حضر مرة إلي مكتبي في مجلس الدولة في سنة1978 وقت أن كنت امينا عاما للمجلس, وقال يامحمود هل يصح ألا تكون للنقابة حجرة محامين بمجلس الدولة, اظن ده ما يرضيكش فعرضت الأمر علي المستشار رئيس المجلس وكان وقتها المستشار الفاضل أحمد كامل أبو الفضل فقال اعطه حجرة المداولة الخاصة بي, وسوف أعقد مداولة الدائرة الأولي عليا في مكتبي, وقد كان فخصصت تلك الحجرة للمحامين وقام أحمد شنن بتأثيثها من جيبه الشخصي لتعسر النقابة آن ذاك.
ثم مد جسور الود والصداقة والتقدير والاحترام المتبادل بين مجلسس الدولة والنقابة, واحتفلت النقابة ايما احتفال بزيارة رئيس مجلس الدولة لها وإلقائه محاضرة فيها, وكم كنت اود أن يستمر هذا التقليد بعد ذلك.
وفي سنة1979 اختير من قبل الرئيس الراحل انور السادات ضمن خمس عشرة شخصية عامة تمثل مختلف النقابات المهنية في مصر لمصاحبته إلي واشنطن في رحلة السلام, ولخبرته العملية العميقة بالقضاء الجنائي والمدني والتجاري فقد اختير عضوا بلجنة تعديل قانون الإجراءات الجنائية ولجنة تعديل قانون المرافعات, وكان له القدح المعلي في اقتراح الحلول والتعديلات العملية لتيسير الإجراءات والتقاضي, ثم أنشأ سنة1991 الجمعية القانونية المصرية لنشر الثقافة القانونية العميقة والرفيعة بين المشتغلين بالقانون سواء من القضاء أو المحاماة وانتخب رئيسا لها بالاجماع منذ انشائها وحتي رحيله, وكانت له المقدرة علي اقناع ذوي التخصصات الرفيعة من رجالات مصر علي إلقاء المحاضرات في الجمعية برغم ضيق وقتهم.
لقد كان أحمد شنن شخصية متميزة أسرة ذات حضور قوي, قد تختلف معه كثيرا أو قليلا ولكنك لا تملك إلا أن تحترمه, أحب المحاماة وعشقها فاحبته وأغدقت عليه كثيرا, فانفقه ولم يستبق شيئا, مكتفيا بحب الناس والزملاء له, وكان زوجا مثاليا وأبا حنونا صديقا لابنه وابنته وبارا بأهله وأسرته جميعا, وقد رحل عنا فإذ كنا إفتقدناه فقد بقي أثره, كما يقول رسول الله صلي عليه وسلم إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به, أو صدقة جارية وفي رأيي ان له ولدا صالحا سيدعو له دائما بالثواب والرحمة, وترك علما نافعا ينتفع به كصدقة حارية لابناء مهنته, رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته وانزله منزلة الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.