روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    ** محاكمة عمر المختار ** اسد الصحراء

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    ** محاكمة عمر المختار ** اسد الصحراء Empty ** محاكمة عمر المختار ** اسد الصحراء

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت يناير 08, 2011 1:18 pm





    بسم الله الرحمن الرحيم

    والصلاة والسلام علي خاتم النبيين محمدوعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين

    وبعد

    نقدم لمحاكمة الاسد العجوز بطل المغرب الاسلامي وأسد برقة الشيخ الجليل والمجاهد الكبير عمر المختار رحمه الله وطيب ثراه وجزاه عنا وعن الاسلام خيراً



    محاكمة عمر المختار رحمه الله

    في الساعة الخامسة مساءً في 15 سبتمبر 1931م جرت تلك المحاكمة التي أعد لها الطليان مكان بناء (برلمان برقة) القديم وكانت محاكمة صورية شكلاً وموضوعاً.


    وإنها لكلمات تفوح بالخبث والدناءة والشماتة، ومعناها إنك يامختار سوف تعدم شنقاً، فلا تجبن أمام المشنقة ولاشك عندي لو كان غراسياني في موقف شيخنا لمات من الجبن قبل أن يساق للمشنقة ولكن شيخنا الجليل وأستاذنا الكريم وقائد الجهاد يزداد سمواً بعد سمو ثم يقول (إن شاء الله).



    ويصف الدكتور العنيزي ذلك فيقول (جاء الطليان بالسيد عمر المختار إلى قاعة الجلسة مكبلاً بالحديد، وحوله الحرس من كل جانب .. وكان مكاني في القاعة بجوار السيد عمر وأحضر الطليان أحد التراجمة الرسميين واسمه نصرت هرمس (فلما افتتحت الجلسة وبدأ استجواب السيد، بلغ التأثر بالترجمان، حداً جعله لايستطيع إخفاء تأثره وظهر عليه الارتباك، فأمر رئيس

    المحكمة بإستبعاده وإحضار ترجمان آخر فوقع الاختيار على أحد اليهود، وهو لمبروزو، من بين الحاضرين في الجلسة (وقام لمبروزو بدور المترجم، وكان السيد عمر رحمه الله جريئاً صريحاً، يصحح للمحكمة بعض الوقائع، خصوصاً حادث الطيارين الإيطاليين أوبر وبياتي .





    وبعد استجواب السيد ومناقشته وقف المدعي العام بيدندو، فطلب الحكم على السيد بالإعدام.

    (وعندما جاء دور المحامي المعهود إليه بالدفاع عن السيد عمر وكان ضابطاً إيطالياً يدعى الكابتن لونتانو، وقف وقال: (كجندي لا أتردد البته إذا وقعت عيناي على عمر المختار في ميدان القتال، في إطلاق الرصاص عليه وقتله وافعل ذلك كإيطالي أمقته وأكرهه، ولكنني وقد كلفت الدفاع عنه فإني اطلب حكماً، هو في نظري أشد هولاً من الإعدام نفسه، وأقصد بذلك الحكم عليه بالسجن مدى الحياة نظراً لكبر سنه وشيخوخته).
    وعندئذ تدخل المدعي العمومي، وقطع الحديث على المحامي وطلب من رئيس المحكمة أن يمنعه من إتمام مرافعته مستنداً في طلبه هذا إلى أن الدفاع خرج عن الموضوع، وليس من حقه أن يتكلم عن كبر سن عمر المختار وشيخوخته ووافقت المحكمة، أمر القاضي المحامي بأن لايخرج عن الموضوع ويتكلم بإيجاز، وهنا تكلم المحامي بحدة وقال: إن عمر المختار الذي هو أمامكم وليد هذه الأرض قبل وجودكم فيها ويعتبر كل من احتلها عنوة عدو له ومن حقه أن يقاومه بكل مايملك من قوة حتى يخرجه منها أو يهلك دونها هذا حق أعطته له الطبيعة والإنسانية، وهنا كثر الصياح من الحاضرين بإخراج المحامي وإصدار الحكم على المتهم الذي طالب به المدعي العام. ولكن المحامي استمر قائلاً العدالة الحقة لاتخضع لأي سلطان ولا لأية غوغاء وإنما يجب أن تنبع من ضميرنا وإنسانيتنا وهنا قامت الفوضى خارج المحكمة، وقام المدعي العام محتجاً على المحامي، ولكن المحامي استمر في دفاعه غير مبال بكل هذا بل حذر القاضي أن يحكم ضميره قائلاً: إن هذا المتهم عمر المختار الذي انتدبت من سوء حظي أن أدافع عنه شيخ هرم حنت كاهله السنون وماذا بقي له من العمر بعد ما أتم السبعين سنة وإني أطلب من عدالة المحكمة أن تكون رحيمة من (تحقيق) العقوبة عنه لأنه صاحب حق ولايضر العدالة إذا انصفته بحكم أخف وإنني أحذر عدالة محكمتكم حكم التاريخ لأنه لايرحم فهو عجلة تدور وتسجل كل مايحدث في هذا العالم المضطرب وهنا كثر الضجيج في الخارج ضد المحامي ودفاعه.



    ولكن المحامي استمر في دفاعه قائلاً: سيدي القاضي حضرات المستشارين لقد حذرت المحكمة من مغبة العالم الإنساني والتاريخ وليس لدي ما أضيفه إلاّ طلب تخفيف الحكم على هذا الرجل صاحب الحق من الذود عن أرضه ودينه وشكراً).

    وعندما قام النائب العام لمواصلة احتجاجه قاطعه القاضي برفع الجلسة للمداولة وبعد مضي فترة قصيرة من الانتظار دخل القاضي والمستشاران والمدعي العام بينما المحامي لم يحضر لتلاوة الحكم القاضي بإعدام عمر المختار شنقاً حتى الموت وعندما ترجم الحكم إلى عمر المختار قهقه بكل شجاعة قائلاً الحكم حكم الله لاحكمكم المزيف - إنا لله وإنا إليه راجعون.

    وأراد رئيس المحكمة أن يعرف ماقاله السيد عمر .. فسأل الترجمان أن ينقل إليه عبارته، ففعل، وعندئذ، بدا التأثير العميق على وجوه الإيطاليين أنفسهم الذين حضروا هذه المحكمة الصورية وأظهروا إعجابهم لشجاعة شيخ المجاهدين بليبيا الحبيبة وبسالته في آن واحد.



    وأما المحكمة، فقد استغرقت من بدئها إلى نهايتها ساعة واحدة وخمس عشرة دقيقة فحسب، من الساعة الخامسة مساء إلى الساعة السادسة والربع وكذلك قضت إرادة الله تعالى أن يتحكم الطليان في مصير البطل، لتتم الإرادة الإلهية وتمضي الحكمة الربانية.

    {وربك يخلق مايشاء ويختار ماكان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عمّا يشركون} (سورة القصص، آية 68).

    {ما أصاب من مصيبة إلاّ بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم} (سورة التغابن: آية 110).

    إعدام شيخ الجهاد في بلادنا الحبيبة:

    وفي يوم 16 سبتمبر من صباح يوم الأربعاء من سنة 1931 عند الساعة التاسعة صباحاً نفذ الطليان في (سلوق) جنوب مدينة بنغازي حكم الاعدام شنقاً في شيخ الجهاد وأسد الجبل الاخضر بعد جهاد طويل ومرير .

    ودفعت الخسة بالايطاليين أن يفعلوا عجباً في تاريخ الشعوب ، وذلك انهم حرصوا على ان يجمعوا حشداً عظيماً لمشاهدة التنفيذ فأرغموا أعيان بنغازي، وعدداً كبيراً من الاهالي من مختلف الجهات على حضور عملية التنفيذ فحضر مالا يقل عن عشرين الف نسمة . على حد قول غراسياني في كتاب برقة الهادئة.

    ويقول الدكتور العنيزي ( لقد ارغم الطليان الاهالي والاعيان المعتقلين في معسكرات الاعتقال والنازلين في بنغازي على حضور المحاكمة، وحضور التنفيذ وكنت احد اولئك الذين ارغمهم الطليان على المحاكمة، ولكني وقد استبد بي الحزن شأني في ذلك شأن سائر ابناء جلدتي، لم اكن استطيع رؤية البطل المجاهد على حبل المشنقة فمرضت، ولم يعفني الطليان من حضور التنفيذ في ذلك اليوم المشئوم، الا عندما تيقنوا من مرضي وعجزي عن الحضور .

    ويالها من ساعة رهيبة تلك التي سار المختار فيها بقدم ثابتة وشجاعة نادرة وهو ينطق بالشهادتين الى حبل المشنقة ، وقد ضل المختار يردد الشهادتين أشهد ان لااله الا الله ، وأشهد ان محمد رسول الله.

    لقد كان الشيخ الجليل يتهلهل وجه استبشاراً بالشهادة وارتياحاً لقضاء الله وقدره، وبمجرد وصوله الى موقع المشنقة اخذت الطائرات تحلق في الفضاء فوق ساحة الاعدام على إنخفاض، وبصوت مدوي لمنع الاهالي من الاستماع الى عمر المختار اذا ربما يتحدث اليهم او يقول كلاماً يسمعونه وصعد حبل المشنقة في ثبات وهدوء .

    وهناك اعمل فيه الجلاد حبل المظالم فصعدت روحه الطاهرة الى ربها راضية مرضية ، هذا وكان الجميع من اولئك الذين جاءوا يساقون الى هذا المشهد الرهيب ينظرون الىالسيد عمر وهو يسير الى المشنقة بخطى ثابتة، وكانت يداه مكبلتين بالحديد وعلى ثغره ابتسامة راضية، تلك الابتسامة التي كانت بمثابة التحية الأخيرة لأبناء وطنه، وقد سمعه بعض المقربين منه ومنهم ليبيون أنه صعد سلالم المشنقة وهو يؤذن بصوت هادئ آذان الصلاة وكان أحد الموظفين الليبيين من أقرب الحاضرين إليه، فسمعه عندما وضع الجلاد حبل المشنقة في عنقه يقول: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية} (سورة الفجر: آية 27،28).

    لقد استجاب الله دعاء الشيخ الجليل وجعل موته في سبيل عقيدته ودينه ووطنه لقد كان يقول اللهم اجعل موتي في سبيل هذه القضية المباركة).

    ويقول شاعر القطرين خليل مطران:

    أبيت والسيف يعلو الرأس تسليماً

    وجدت بالروح جود الحر أن ضيما

    لله ياعمر المختار حكمته

    في ان تلاقي مالاقيت مظلوما

    ان يقتلوك فما ان عجلوا أجلا

    قد كان مذ كنت مقدوراً ومحتوما

    ولقد رثاه الشعراء وتكلم في تأبينه الادباء والكتاب ولو تتبعنا ذلك لوجدناها أكثر من مجلد.




    ونختم استشهاد عمر المختار رحمه الله بقول الله تعالى : {وماكان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا ومن يريد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤتها منها وسنجزي الشاكرين وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وماضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين} (سورة آل عمران : آية 145).

    ومن سيرة عمر المختار العطرة نستخلص دروساً وعبراً تفيدنا كثيراً في حياتنا المعاصرة ليس عمر المختار رحمه الله أول من جاهد ولا أول من استشهد ولكن كان حاله كما قال تعالى : {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (سورة آل عمران : آية172).

    ومفتاح شخصيته الفذة إنه آمن بالله واستقرت معانيه في قلبه فأصبح لايخشى إلا الله وهذا الصنف من المسلمين هو اقوى ماعرفته البشرية وهو الانسان الحر في أعلى معاني الحرية.

    جرد قلبه من الاوهام ومن الشركيات والضلال ومن الشبهات والشهوات وخلص قلبه من كل ظلمة تحيل بينه وبين دخول التوحيد الصحيح إليه، كان كثير المراقبة لله، ومن هنا كان شديد الخوف من الله يعلم إنه شديد العقاب وخوفه من الله جعله اهلاً لتوفيق الله ولذلك كان راسخاً كالجبل الاشم.

    فالفريد في سيرته ، إنه أحيا شيئاً كاد يندثر ، أحيا معاني الايمان التي كان الناس قد بدأوا ينصرفون عنها إنه بنيان اسس على التقوى فعاش مباركاً في حياته وفي مماته.

    والعبرة الثانية ، إنه كان داعيا الى الله بإذنه ، تربى على ايدي دعاة السنوسية فلما اكتمل وترعرع ، ادى الرسالة وبلغ الامانة وأنذر وبشر، وخيركم من تعلم القرآن وعلمه.

    والعبرة الاخرى، إنه كان على فهم صحيح لدينه، يأخذ كلاً لايتجزأ، فلا هو بالتدين المنحرف، ولا هو بالتدين البعيد عن جوهر الدين ، وإنما هو رجل مؤمن، يعلم ان الاسلام لايصح أن يؤخذ بعضه ويترك بعضه، وإنما عليه أن يعمل به كله.

    وكان في حرارة الشباب وحيويتهم رغم شيخوخته وتلك طبيعية المقاتلين في سبيل الله، الذين يخشون الله ولايخشون أحداً غيره والعبرة الاخرى، انه لم يسع للشهرة ، لان المخلصين لايبحثون عن الشهرة وإنما يبحثون عن رضى الله سبحانه وتعالى.

    ولذلك جعل الله له ذكراً في الدنيا ونسأل الله أن يتغمده برحمته في الآخرة إن اعداءه الاوروبيين اعجبتهم سيرته البطولية والكفاحية والجهادية فهذه صحيفة التايمز البريطانية في مقال نشرته في 17 سبتمبر سنة 1931م تحت عنوان نصر إيطالي: (حقق الايطاليون انتصاراً خطيراً ونجاحاً حاسماً في حملتهم على المتمردين السنوسيين في برقة، فلقد أسروا وأعدموا الرجل الرهيب عمر المختار شيخ القبيلة العنيف الضاري...) ثم تستمر الصحيفة حتى تقول: (ومن المحتمل جداً أن مصيره سيشل مقاومة بقية الثوار، والمختار الذي لم يقبل أي منحة مالية من ايطاليا، وأنفق كل ماعنده في سبيل الجهاد وعاش على ماكان يقدمه له اتباعه، واعتبر الاتفاقيات مع الكفار مجرد قصاصات ورق ، كان محل اعجاب لحماسته واخلاصه الديني ، انه كان مرموقاً لشجاعته.

    وقد وصفه أحد الإيطاليين قائلاً (كان عمر المختار مخلصاً وذكياً، وكان عقل الثورة وقلبها ببرقة).

    وقال آخر: كان انجازه رائعاً، فقد حارب إيطاليا الفاشستية تسع سنوات من حرب فدائية لم تكن ضعيفة في ذاتها وكان التحدي والتضحية والاستشهاد بالنفس عند عمر المختار واتباعه شيئاً نبيلاً.

    ونحن نقول:

    ومليحة شهدت لها ضراتها والفضل ماشهدت به الأعداء

    لقد كانت حياة عمر المختار شيخ المجاهدين في الجبل الأخضر بليبيا مكرسة كلها للعلم والدعوة وتربية الناس على الإسلام والجهاد في سبيل الله وكان من رواد الحركة السنوسية فقضى حياته حين نادى منادي الجهاد معتلياً صهوة جواده ممسكاً سلاحه، لم يهادن ولم يستسلم بل قارع أعداء دينه مقارعة الند للند رغم قلة الإمكانات ورغم عدم التكافؤ في العدد والعدة ولكنه استعلاء الإيمان وقوة اليقين، الذي ازداد صلابة وعمقاً في ميادين الجهاد وساحات المعارك، إن جهاد عمر المختار رحمه الله سيظل معلماً بارزاً في تاريخ ليبيا خاصة وتاريخ الأمة الإسلامية عامة وسيظل دليلاً على أن الإسلام صنع ولايزال نماذج عظيمة من البطولات على مر العصور وعلى أن العطاء الحقيقي إنما هو عطاء الإيمان.

    إن الشيخ الجليل عمر المختار رحمه الله مدرسة تستحق الدراسة والبحث في جوانب متعددة في شخصيته العلمية والدعوية والتربوية والجهادية ويعلم الله ما أعطيت الشيخ حقه ولا حتى بعض حقه وأحس إحساساً عميقاً صادقاً في قرارة نفسي إنه أعظم مما كتبت وأجل مما توهمت وأفضل من عايشت من سيرة أبطال الجهاد في ليبيا الحبيبة فعليه من الله الرحمة والمغفرة والرضوان وعلى إخوانه الميامين الكرام ونفعنا الله بسيرته الزكية العطرة النقية.

    وهكذا يا أخي الكريم يصنع الإسلام من اتباعه في ميادين النزال وساحات القتال وكذلك عند الوقوف أمام الطغاة والجلاودة الظلمة، لأن العقيدة تحركه ورعاية الله تحفه وإن هذه الوقفات الخالدة من سيرة شيخ الجهاد في ليبيا لحري بنا أن نكتبها بحروف من ذهب ونعلمها للأجيال ونربي عليها الأشبال لغد مشرق مجيد قد بدأت بوادره تلوح في عنان السماء ومظاهرها متجسدة في رجوع شعوب المسلمين لدينها مع مايحف هذا الرجوع من مخاطر عديدة من قبل اليهود والنصارى والملاحدة والحكام الظلمة وأنى لهم أن يطفؤا نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون.

    فما علينا إلا أن نستعين بالله في تحقيق وتطبيق دينه على نفوسنا وأسرنا ومن حولنا ثم على الناس أجمعين.

    قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لايشركون بي شيئا} (سورة النور: آية55).

    {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} (سورة الحج، آية40).

    {من كان يريد العزة فالله العزة جميعاً} (سورة فاطر، آية10).

    آخر وثيقة من أحمد الشريف وصلت للمجاهدين في ليبيا:

    وكانت آخر وثيقة أرسلها أحمد الشريف رداً على رسالة المجاهد الكبير يوسف بورحيل الذي تولى الأمر مؤقتاً بعد استشهاد عمر المختار رحمه الله تعالى وقد أعلم في رسالته أحمد الشريف باستشهاد عمر المختار وطلب منه أن يعين من يقوم بهذا الدور العظيم.

    نص الرسالة التي بعث بها أحمد الشريف رحمه الله:

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

    من عبد ربه سبحانه، خادم الإسلام، أحمد الشريف السنوسي،

    إلى حضرة الفاضل المحترم، والجليل المفخم، المجاهد الصادق، واللبيب الحاذق، قائم مقام دور العواقير ولدنا الشيخ عبدالحميد العبار، وكافة أولادنا العواقير حفظهم الله ورعاهم وحرسهم وحماهم آمين آمين.

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ومغفرته ومرضاته وتحياته ورضوانه وعميم فضله وإحسانه، وبعد، فالمرجو من الله تعالى أن تكونوا جميعاً على أيسر الأحوال محفوظين بالله ومنصورين به وإننا لن نغفل عنكم وقت من الأوقات من الدعاء لكم عند بيت الله الحرام وفي حضرة مولانا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعلى الله القبول، إنه أكرم مسؤول، وخير مأمول هذا وقد بلغنا ما أزعجنا وكدرنا غاية الكدر، وهو استشهاد حضرة النائب العام سيدي عمر المختار رحمه الله ورضي الله عنه وجعل جنة الفردوس مسكنه ومحله، وجزاه الله عنا وعن الإسلام أحسن الجزاء، فإنه كان عاملاً صادقاً ناصحاً، وأننا لم نتكدر على نيله للشهادة بل نحمد الله على ذلك ولانقول أنه مات، بل إنه حي لقول الله {ولاتقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتا، بل أحياء} وإنما كدرنا فقدانه من بينكم وغيابه عنكم، ولكن هذا أمر الله الذي يفعل مايشاء ويحكم مايريد، فلا يمكننا إلا تسليمنا لله ورجوعنا إليه، ولانقول إلا مايقول الصابرون، إنا لله وإنا إليه راجعون، نعم استشهد سيدي عمر المختار ولكنه أبقى العمل الطيب والذكر الحسن إلى يوم القيامة فهذا ليس بميت ولن يموت أبداً، مادامت الدنيا أنه شهيد، والشهيد ليس بميت لقوله تعالى {ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله ... الخ الآية} فالله يا أولادي في التمسك وإياكم واليأس إياكم والقنوط، إياكم وأقاويل الناس الفاسدة فجدوا واجتهدوا كما كنتم، واجعلوا أعمالكم لله لأنه لنا ولالغيرنا لأن من قاتل الله، فالله حي باقي، ومن قاتل لغير الله فعمله لايفيده شيئاً، واعلموا أن الله معكم، ولن يتركم أعمالكم، فاصبروا وصابروا واعلموا أن العاقبة للمتقين، وأن الله مخزي الكافرين، وماترونه من الأهوال، فإنه والله ثم والله زائل عن قريب وسترون مايسركم دنيا وأخرى، ففي الدنيا سترون بحول الله العز والنصر والفتح الذي لايخطر لكم على بال، وفي الآخرة رضاء الله ورسوله والنعيم المقيم، فأنتم في الخير أحياء وأمواتاً، وها نحن نوبنا عنا عليكم حضرة أخيكم المجاهد الغيور الصادق، ولدنا الشيخ يوسف بورحيل، فإنكم ستلقونه بعون الله وقوته، مثل السيد عمر وأكثر، ونحن ماقدمناه إلا بتقديم سيدي عمر له في حياته، وامتثلوا أمره واسمعوا كلامه، وكونوا له عوناً معيناً، ومن خالفه منكم فلا يلومن إلا نفسه، ومن تبعه وامتثل أمره، فهو الذي منا وعلينا، وولدنا الشيخ يوسف المذكور هو النائب عنا عموماً، فلا تروه إلاّ بالعين التي تروننا بها، وبذلك يتم بالله أمركم، وتجتمع كلمتكم وتقهرون عدوكم، وإياكم ثم إياكم والمخالفة والنزاع، قال الله تعالى {ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} واعلموا يا أولادي أن العدو خيبه الله ساعي بكل جهده في القضاء عليكم في هذه المدة القريبة، لابلغه الله مناه، لأنه بعد مدة قليلة يقوم معه حرب عظيم يشغله عنكم وهو مع الفرنسيين، والدول الأخرى، فعند ذلك لايقدر على دوام القتال معكم، والحرب قريب النشوب، فجدوا في عملكم، واصبروا وأبشروا بالنصر والفتح ولاتيأسوا من روح الله، انه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون قال تعالى {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ... الخ الآية} ولانشك يا أولادي أن الله منجز وعده لأن الله لايخلف الميعاد، وإني والله ثم والله مايمنعني من الوصول إليكم إلا عدم الطريق، ولكن بحول الله، لازلت مجتهداً بكل جهدي في وصولي إليكم وعن قريب يتم ذلك بحول الله وقوته، هذا وسلموا منا على عموم أولادنا المجاهدين والبارئ يحفظكم وينصركم ويجمعنا بكم عن قريب.

    16 جمادى الثاني سنة 1350هـ

    ايطاليا تحاول ان تستفيد بعد مقتل عمر المختار

    يقول غراسياني عن عمر المختار في كتابه برقة الهادئة: إن خبر القبض على عمر المختار واعدامه سرى في كل مكان وفي الاوساط المحلية بين الأهالي والخاضعين لسلطاتنا وبين الثوار الخارجين عن طاعتنا والمهاجرين في مصر وفي كل البلدان من المشرق الى المغرب.


    كلها تأثرت من هذا الحادث الجلل، واعدام عمر المختار ولكي ننتهز هذه الفرصة في هذا الظرف الدقيق من أجل أثارة الفوضى بين القادة الذين خلفوا عمر المختار في القيادة رأينا ان ننشر بياناً الى كافة او البقية من العصاة نعلن لهم فيه ان الحكومة الايطالية الفاشيستية مستعدة أن تقبل استسلامهم وتسليم السلاح وتضمن لهم الحياة وفي 17 سبتمبر 1931م نشرت التعليمات الآتية من أجل توزيعها وهي :
    1- أن نعطي للثوار الاحساس بسخاء الدولة الايطالية الفاشيستية وكذلك للسكان المحليين.
    2- افراد الحالة أمام العالم الاسلامي وغير الاسلامي بكل دقة وان تصرفاتنا لا لبس فيها فهي من اختصاصنا وكذلك من مسؤولياتنا في كل العمليات الحربية التي أجريت في برقة ولهذا فقد قامت طائرتنا بقذف المنشورات على المناطق الجبلية وعلى المدن والقرى وبها البيان الآتي:
    الى ادوار عمر المختار
    إن الرئيس العظيم رئيس الثوار عمر المختار يحارب منذ عشرين سنة كان يقودكم فيها الى الخراب والدمار والتأخر والانحطاط قبضت عليه قواتنا المظفرة قوات ايطاليا الفاشيستية وقد حكمت عليه المحكمة الخاصة بالاعدام وهذا انتقام من الله من اجل المساكين الذين بسببه تركوا اراضيهم ومسقط رأسهم.
    قال مترجم كتاب برقة الهادئة ابراهيم بن عامر عن هذا المنشور سبحان الله ياجنرال من الذي شرد الناس من أراضيهم؟ ومن الذي أفنى ثمانين ألف من المواطنين في المعتقلات ألم تكن أنت الذي قضى على الناس وأموالهم؟ وفي نفس الصفحة تعترف بأن عمر المختار منذ عشرين سنة يحارب من أجل من ؟ من أجل أن يطردك ويطرد قوات إيطاليا الغاصبة.
    واستمر غراسياني في المنشور: ياأهل الدور إن الحكومة الايطالية الفاشيستية القوية والسخية تحذركم مرة اخرى إنه بعد وفاة واختفاء عمر المختار أنها مستعدة بأن تعفو عن كل الذين يخضعون لحكمنا ويسلمون اسلحتهم ومن غير هذا فالحكومة كما قضت على عمر المختار ستقضي على كل الذين يواصلون العصيان أما عاجلاً أو آجلاً. اسمعوا كلامي وسلموا أنفسكم وفي نفس الوقت أصدرت الأوامر الى قوات الجيش بعد أن قذفت الطائرات المنشورات بالاستمرار في القتال دون توقف بل بذل أكثر من الجهد دون تردد حتى نجعل أمام العصاة (يعني الثوار) الطريق الوحيد هو الاستسلام دون قيد او شرط وخلاف القاء البيان بالطائرات مايزيد عن 35.000 منشور وأكثر منها وزعت من الدوريات الكشافة على كل بئر وفي كل حقل ومرعى وكل هذه الاماكن التي يمر بها العصاة (يعني المجاهدون) أما (المريشال بادوليو) من جانبه وجه الى قوات الجيش البرقية التالية:
    أوجه الى قوات الجيش الشجاعة ببرقة أعظم الثناء وأحر تهنئتي على كل ماقاموا به من عمل مجيد وانتصار باهر في هذه الحروب والنتيجة المرضية التي كنا نتمناها أن نهاية عمر المختار يجب أن لاتؤثر على السير فوق الطريق التي رسمناها وهي مطاردة العصاة أينما وجدوا واقتفاء أثرهم وضربهم بكل شدة ودون هوادة أو رحمة الى آخر واحد منهم وليكن شعارنا.
    لاتوقف ولا ارتخاء واصلوا الزحف بكل حماس متجرد ولسوف نقضي على العصاة نهائياً
    انظروا اخواني الى هذا الحقد والبغض والكيد والمكر الذي ظهر من أفواهم وماتخفي صدورهم أكبر وصدق الله حيث قال: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا....} (سورة البقرة، آية217).
    تعيين يوسف بورحيل قائد للحركة الجهادية:
    وبعد سقوط عمر المختار رحمه الله في الاسر تجمع المجاهدون بين يوم وليلة واجمعوا على تنصيب الشيخ المجاهد (يوسف بورحيل) قائداً للجهاد الاسلامي ووكيلاً عاماً للجهاد وعلى أثر هذا التنصيب كلف الشيخ عبدالحميد العبار بالرحيل نحو شرق البلاد للقيام بحث الناس على الانخراط في جيش المجاهدين وحمل السلاح لمكافحة الجيوش والجهاد في سبيل العقيدة الاسلامية والدين.
    واستقبل المجاهدون خبر استشهاد قائدهم العظيم بالعزيمة في الاستمرار ومواصلة للسير أما الشهادة أو النصر على النصارى الحاقدين.
    وواصلت الحكومة الايطالية حملات الانتقام ضد أولئك الابطال وبرز في تلك المرحلة الحاسمة والتي ندر فيها وجود الرجال الشيوخ الفرسان والقادة الأبطال والميامين الكرام اجدادنا البواسل كل من عبدالحميد العبار ويوسف بورحيل وعصمان الشامي وحشدت ايطاليا قواتها وواصلت شن حملاتها بشراسة منقطعة النظير. وبعد قتال عنيف عند الحدود المصرية قرب الاسلاك الشائكة فاجتاز الاسلاك بعض المجاهدين ببطولة منقطعة النظير وفروسية عالية القياس وقتل من قتل واسر من اسر وبقي الزعماء الأربعة يقاومون فقتل حمد بوخيرا لله احد الزعماء وقتل يوسف بورحيل وجرح عصمان الشامي فأخذ أسيراً وأما الفارس المغوار عبدالحميد العبار فاستطاع ان يجتاز الاسلاك الشائكة بجواده رغم مطاردة القوات الايطالية له
    وبهذه النهاية المؤلمة الحزينة انكسرت شوكة المجاهدين وتعثرت خطواتهم واخمدت حركة الجهاد وذهب الاجداد تاركين خلفهم تاريخاً بطولياً كفاحياً جهادياً رائعاً من اجل العقيدة والدين والشرف والكرامة فعلى طريق الاسلام نحن سائرون ومن اجل اعزاز دين الله عاملون ورفع راية التوحيد مجاهدون ونسأل الله المغفرة والرحمة والرضوان للاجداد والابطال الكرام من أمثال رمضان السويحلي وسليمان الباروني والفضيل بوعمر واحمد الشريف السنوسي وصالح الاطيوش وابراهيم الفيل واحمد سيف النصر وسعدون وعبدالحميد العبار وغيرهم كثير.


    المصدر
    الشيْخ الجَليل عُمَر المُختار
    نشأته ، وأعماله، واستشهاده
    د. علي محمد الصلابي

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 4:30 pm