بعض الكتاب والباحثين يربطون إسرائيل بالكثير من
الأحداث والوقائع العالمية الراهنة، ويرهنون نتائجها بإسرائيل أيضا،
ويقولون دائما "فتّش عن إسرائيل"، فهل تنطبق هذه المقولة على ما يجري في
السودان؟
ثمة سؤال يطرح نفسه بشدة، خاصة إذا علمنا أن هناك
خططا وسيناريوهات إسرائيلية تعمل منذ عشرات السنين على تفتيت وتشرذم الدول
العربية وتقسيمها، وأبلغ دليل ما يجري في العراق، ولبنان، والصومال، وأخيرا
السودان، من انفصال الجنوب عن الشمال، واحتمال كبير بتشكيل دويلة أخرى
تسمّى دولة جنوب السودان، وهو الأمر الذي من الممكن أن يحدث مع دارفور أو
كردفان أو شرق السودان فيما بعد، وهناك الكثير من الخطط الإسرائيلية مطروحة
بكثرة على المواقع الإلكترونية، بمجرد الكتابة في دوائر البحث العالمية
ستجد عشرات الأبحاث والدراسات والمقالات التي تصبّ في هذا الأمر، أمر
مخططات تفتيت العالم العربي، والعمل على تقسيمه إلى دويلات صغيرة.
لكن
ما يثير حفيظة السودانيين والعرب أجمعين في الوقت الراهن ما تشير إليه
وسائل الإعلام الإسرائيلية من متانة العلاقات مع حكومة جنوب السودان، ومنه
-على سبيل المثال- ما كتبته صحيفة يسرائيل هيوم العبرية يوم الإثنين الماضي
الموافق العاشر من الشهر الجاري من إن إسرائيل كفيلة بإقامة علاقات طيبة
وجيّدة مع الدولة الوليدة جنوب السودان، حيث وجّهت الدعوة لرجال الأعمال
الإسرائيليين إلى الاستثمار الجاد والسريع على الأراضي السودانية الجنوبية،
حيث ادّعى الكاتب الإسرائيلي يوئيل جوجنسكي أن الكثير من مسئولي حكومة
جنوب السودان قد أبدوا أكثر من مرة توجّههم نحو إسرائيل وتجاوبهم معها،
ونيتهم إقامة علاقات دبلوماسية مباشرة مع إسرائيل، وأنهم لا يمانعون على
الإطلاق توجيه الدعوة لرجال الإعمال الإسرائيليين إلى الاستثمار في السودان
الجنوبي.
ونذكر في هذا الصدد الاجتماع الذي عقده أفيجدور ليبرمان
-وزير الخارجية الإسرائيلية- في الثاني عشر من ديسمبر الماضي بتل أبيب، مع
ممثلين من حكومة جنوب السودان ورئيس لجنة الخارجية في الدوما الروسي، قبيل
الإعلان عن اكتشاف شبكة التجسس الإسرائيلية بمصر.
الغريب أن تلك
الدعوة التي وجّهها مسئولو حكومة جنوب السودان كانت قبيل إجراء الاستفتاء
الشعبي في السودان على انفصال الجنوب، وهي دعوة ربما تكون غير مباشرة، فما
بالنا مع الإعلان النهائي عن الانفصال وتشكيل حكومة في الجنوب؟ فمن المؤكد
أن تلك الحكومة ستعلن بشكل مباشر عن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع
إسرائيل، حتى قبيل إعلانها إقامة علاقات مماثلة مع السودان نفسها أو الدولة
الأمّ مصر.
يقول الكاتب الإسرائيلي: "ينبغي أن يكون لإسرائيل
مصلحة شديدة فيما يجري في الدولة الكبيرة في إفريقيا (السودان)، فثمة
استثمار هادئ فيها على مدى السنين"، وهو ما يؤكد أن إسرائيل لم تخترق
القارة الإفريقية مؤخرا والسودان فحسب، وإنما سبق أن اخترقتها منذ سنوات
عدة. غير أنه أشار إلى أن الطرفين الشمالي بحكومة عمر البشير والحكومة في
الجنوب بزعامة سيلفا كير يعتمدان بشكل أساسي في تسليحهما على النفط؛ لأنه
الثروة القادمة للدولتين -باعتبار أن الانفصال بات أمرا محتوما- وهو ما
يعني أن الصحيفة العبرية تدعو إلى تسليح الدولتين وبشكل مباشر، بل والتدخّل
بينهما بإثارة الفتن وصبّ الزيت فوق النيران المشتعلة بينهما، بإشعال حرب
أهلية بين الأخوين، وبين أبناء الشعب السوداني الواحد، مع حسن استغلال
البترول والثروات المعدنية التي تزخر بها الأراضي السودانية، خاصة
اليورانيوم والثروة الحيوانية والزراعية، والتي تغري أي طامع أو محتلّ أو
مستغلّ في استغلالها.
لم يكتفِ الكاتب الإسرائيلي بذلك، وإنما طالب
بوضع منطقة أبيي النفطية كمنطقة فاصلة بين السودان الشمالي والجنوبي،
وجعلها منطقة عازلة، بمعنى أنه يسبق الأحداث، ويحاول وضع سيناريو للسودان
بعد الانفصال، بأنه ستحدث أو ستقع حرب أهلية على حقول النفط في مدينة أبيي،
يتبعها ضرورة ووجوب عزل تلك المدينة وجعلها -مثلا- تحت حماية ووصاية
دولية، أو ما شابه، وهو مخطط صهيوني تلعب عليه إسرائيل منذ سنوات طويلة.
فهل ستنجح تلك الخطط في تفتيت السودان وتقسيمه، وجعل السودان دويلات تنهشها الإمبريالية الجديدة؟
خالد سعيد