يرصد
المراقبون في تطورات الأوضاع المتسارعة بتونس باهتمام الدور الذي تلعبه
المؤسسة العسكرية في مسار الأحداث. ويعتقد العديد من المتتبعين بأن موقف
قيادة الجيش الرافض لاستخدام القوة ضد المحتجين كان له الأثر البالغ في
إزاحة الرئيس زين العابدين بن علي وتتويج الانتفاضة الشعبية بإسقاطه، ما
خلف استحساناً كبيراً لدى الشارع التونسي.
ويتولى
الجيش التونسي منذ الرابع عشر يناير/ كانون الثاني الحالي مهمة إعادة
الأمن في البلاد في إطار حظر التجول المفروض، ويتولى حالياً المطاردة
المتواصلة لفلول من الأجهزة الخاصة للرئيس المخلوع. ويذهب مراقبون غربيون
إلى فرضية تولي رئيس أركان الجيش التونسي الجنرال رشيد عمار مهمة رئاسة
البلاد في حال حدوث فراغ قيادي في البلاد أو صعود تحدي الإسلاميين، الذين
اُستبعدوا من الساحة السياسية خلال العهد الرئيس السابق. لكن البروفسور عبد
السلام مغراوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ديكه الأميركية، يستبعد
هذا السيناريو لأسباب من أهمها "حياد المؤسسة العسكرية ويقظة ووعي المجتمع
المدني والحركة السياسية التونسية المدعومة الآن بانتفاضة شعبية غير مسبوقة
في العالم العربي".
ومن
جهته يرى كمال بن يونس رئيس تحرير مجلة دراسات دولية بتونس أن"الجيش يحظى
بتقدير كبير من قبل التونسيين وله فضل كبير في إعادة الأمن للبلاد وتأمين
عملية الانتقال السياسي". في حوار مع دويتشه فيله أضاف بن يونس قائلاً:
"تلتزم المؤسسة العسكرية لحد الآن احترام دستور البلاد الذي يمنع على الجيش
التدخل في السياسة مباشرة، وهي وفية لتقاليدها في الحياد إزاء العملية
السياسية".
وفي
خضم التطورات المتسارعة في تونس وبروز دور الجيش فيها، سلطت الأضواء داخل
تونس وكذلك لدى المراقبين خارجها، على شخصية رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال
رشيد عمار، وعلى الدور يلعبه من وراء الستار. فقد تداول الشارع التونسي
على نطاق واسع وبكثير من الارتياح المعلومات عن كونه اختار إقالته على
استخدام القوة ضد المتظاهرين عندما طلب منه ذلك الرئيس بن علي يومين فقط
قبل عزله. ولوحظ أثناء الاحتجاجات أن المواطنين كانوا يستقبلون الجيش
بالورود والتحية، بخلاف قوات الأمن التي شكلت رأس حربة الآلة القمعية لنظام
الرئيس بن علي.
ويذكر
بأن بن علي أقال الجنرال عمار وعين محله قائد المخابرات العسكرية الجنرال
احمد شبير، وذلك قبل يومين فقط قبل أن يعود الجنرال عمار إلى قصر قرطاج
ليطلب من بن علي الرضوخ للمطالبة برحيله من الحكم. ويذكر أن الرئيس السابق
بن علي، ذو الخلفية الأمنية والعسكرية كانت علاقته حذرة مع قيادات الجيش،
وأقام مؤسسة أمنية موازية في قصر قرطاج يطلق عليها الحرس الرئاسي تتولى
مراقبة الأمن والجيش على السواء. وكان رئيس أركان الجيش السابق عبد العزيز
سكيك قد توفي عام 2002 في ظروف غامضة في حادث تحطم طائرة مروحية كان على
متنها قيادات عسكرية أخرى.
والجنرال
عمار(62 عاماً) هو من مواليد بلدة صيادة بولاية (محافظة) المنستير وهو
قائد جيش البر الذي يعد القوة الأساسية في الجيش التونسي، ويحظى الجنرال
عمار بـ"احترام وتقدير واسع داخل الجيش"ويفضل العمل بعيداً عن الأضواء،
ويصفه كمال بن يونس بأنه "شخصية هادئة وله أريحية وفراسة في فهم التطورات
والوعي الاستراتيجي بطبيعة التحديات الإقليمية والعالمية". ويرى بن يونس أن
"المؤسسة العسكرية كان لها دور حاسم في انتصار الثورة الشعبية وفي مواجهة
التحديات الأمنية للمرحلة الانتقالية" مضيفا قوله:"لحد الآن لا نرصد مؤشرات
على وجود رغبة لدى الجيش في البروز في الصف الأول، لكنه ينسق مع القيادات
السياسية وهنالك تأكيد على احترام الدستور وخصوصاً في عملية انتقال السلطة
دستورياً"، مشيراً إلى أن الدستور يمنع الجيش من تولي القيادة السياسية
بشكل مباشر.