باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، السابع من مارس سنة 2010م ، الموافق الحادى والعشرين من ربيع الأول سنة 1431 ه .
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ محمد على سيف الدين ومحمد خيرى طه وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف وتهانى محمد الجبالى ورجب عبد الحكيم سليم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / حمدان حسن فهمى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 78 لسنة 26 قضائية "دستورية " .
المقامة من
1 السيد / محمد سميح حسنين يوسف
2 السيد / عمرو محمد سميح حسنين
3 السيد / شريف محمد سميح حسنين
ضد
1 السيد رئيس الجمهورية
2 السيد رئيس مجلس الشعب
3 السيد رئيس مجلس الوزراء
4 السيد وزير الصناعة بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الرقابة الصناعية
5 السيد وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب
الإجراءات
بتاريخ الرابع من شهر إبريل سنة 2004 ، أقام المدعون دعواهم الماثلة بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة ، طلبا للحكم بعدم دستورية نص المادة (80) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 فيما تضمنه من فرض ضريبة نسبية وإضافية على ما تصرفه الجهات الحكومية من أموال فى شكل قيمة إيجارية لما تشغله من عقارات ، مع إلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماه .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها .
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الواقعات على ما يتبين من صحيفة الدعوى ، وسائر الأوراق تتحصل فى أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 6771 لسنة 2000 مدنى كلى ، جنوب القاهرة ، ضد المدعى عليهما الرابع وآخر ، بطلب إلزام أولهما بأن يؤدى لهم مبلغا مقداره سبعة وثلاثون ألف جنيه مصرى ، قيمة ما تم خصمه من الأجرة المستحقة عن العقار المملوك لهم والمؤجر لوزارة الصناعة كضريبة دمغة نسبية وإضافية وأرباح تجارية وصناعية عن المدة من أول فبراير 1998 وحتى مايو 2000 . وبجلسة 21/6/2003 قضت تلك المحكمة برفض الدعوى ، فاستأنف المدعون ذلك الحكم بالاستئناف رقم 14260 لسنة 120 قضائية " استئناف القاهرة " ، وأثناء نظره دفعوا بعدم دستورية المادة (80) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 . وإذ قدرت محكمة الاستئناف جدية الدفع ، وصرحت لهم برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقاموا دعواهم الماثلة ، وأثناء نظرها قرر الحاضر عن المدعين بوفاة المدعى الأول إلى رحمة الله تعالى ، وقدم إعلام وراثة مثبت به وفاة المرحوم / محمد سميح حسنين يوسف وانحصار إرثه فى زوجته السيدة / منى أحمد خليل عبدالخالق وولديه عمرو وشريف ( المدعى الثانى والثالث فى هذه الدعوى ) وطلب أجلا لتصحيح شكل الدعوى ، وبجلسة 7/2/2010 قدم ما يفيد تصحيح شكل الدعوى .
وحيث إن المادة (79) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 تنص على أن " تستحق ضريبة نسبية على ما تصرفه الجهات الحكومية وشركات القطاع العام والجمعيات التعاونية من المرتبات والأجور والمكافآت وما فى حكمها والإعانات على الوجه الآتى :
الخمسون جنيها الأولى معفاة
أزيد من خمسين مائتين وخمسين جنيها ستة فى الألف
أزيد من مائتين وخمسين خمسمائة جنيه ستة ونصف فى الألف
أزيد من خمسمائة ألف جنيه سبعة فى الألف
أزيد من ألف جنيه خمسة آلاف جنيه سبعة ونصف فى الألف
أزيد من خمسة آلاف عشرة آلاف جنيه ثمانية فى الألف
وكل ما يزيد على عشرة آلاف جنيه تستحق عنه الضريبة بواقع ثلاثة فى الألف من الزيادة .
وتنص المادة (80) النص المطعون فيه على أنه " فيما عدا المرتبات والأجور والمكافآت وما فى حكمها والإعانات ، تستحق على كل مبلغ تصرفه الجهات الحكومية من الأموال المملوكة لها ، وسواء تم الصرف مباشرة أو بطريق الإنابة ، علاوة على الضريبة المبينة فى المادة السابقة ضريبة إضافية مقدارها ستة أمثال الضريبة المشار إليها ......... " .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع . وكان المدعون قد أقاموا دعواهم الموضوعية بطلب إلزام المدعى عليهما بأن يؤديا لهم المبالغ التى تم خصمها من القيمة الإيجارية المستحقة لهم قبل وزارة الصناعة ، كضريبة دمغة نسبية وإضافية تطبيقا لنص المادة (80) من قانون ضريبة الدمغة السالف الذكر ، فإن مصلحة المدعين الشخصية المباشرة فى الطعن على ذلك النص فيما تضمنه من فرض ضريبة دمغة نسبية وإضافية على مبالغ الإيجار التى تقوم الجهات الحكومية بصرفها من أموالها ، تكون متوافرة .
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه محددا نطاقا على النحو المتقدم مخالفته أحكام المواد ( 32 ، 34 ، 38 ، 40 ، 95 ، 119 ) من الدستور ، على سند من أنه يفرق فى المعاملة بين المبالغ التى تسددها الجهات الحكومية كقيمة إيجارية ، وبين المبالغ التى يسددها الأفراد نظير الانتفاع بالوحدات التى يستأجرونها بالمخالفة لمبدأ المساواة ، كما أنه ينتقص دون مقتضى من الحقوق التى تثرى الجانب الإيجابى للذمة المالية للمخاطبين بحكمه مما ينطوى على عدوان على حق الملكية ، فضلا عن أنه لم يحدد الضوابط الحاكمة للصرف مما يجعله مشوبا بعدم الانضباط ، ويُفقد الضريبة الأساس القانونى لفرضها .
وحيث إن المقرر أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرا وبصفة نهائية من المكلفين بها ، لا يملكون التنصل من أدائها باعتبار أن حصيلتها تعينها على النهوض بخدماتها ومهامها التى يستفيد مواطنوها منها بوجه عام ، فلا تكون الضريبة التى يتحملون بها إلا إسهاما منطقيا من جانبهم فى تمويل أعبائها ، ولا تقابلها بالتالى خدمة بذاتها أدتها مباشرة لأحدهم ، وذلك على نقيض رسومها التى لا تقتضيها من أيهم إلا بمناسبة عمل أو أعمال محددة بذاتها أدتها بعد طلبها منها ، فلا يكون حصولها على مقابل يناسبها وإن لم يكن بقدر تكلفتها إلا جزاءً عادلا عنها ، ومن ثم تكون هذه الأعمال مناط فرضها ، وبما يعادلها .
وحيث إنه متى كان ما تقدم ، وكان المشرع قد فرض بالنص المطعون فيه ضريبة دمغة نسبية على المبالغ التى تصرفها الجهات الحكومية من الأموال المملوكة لها كقيمة إيجارية للعقارات التى تستأجرها ، بالنسب التى حددها نص المادة (79) من قانون ضريبة الدمغة . وكانت تلك الضريبة التى فرضها المشرع بنسب معقولة لا تصادر فرص رأس المال فى النمو ، ولا ترهق بأعبائها المكلفين بها فتصدهم عن مباشرة نشاطهم المشروع ، أو تكبل هذا النشاط بقيود باهظة ، كما أن فرضها جاء بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والتضامن الاجتماعى ، وتدعيم المقومات الاقتصادية وتنمية الموارد المالية للدولة حتى تتمكن من تنفيذ خطط التنمية ، دون زيادة فى الأعباء الملقاة على ذوى الدخول المحدودة ، أو الانتقاص من الاعتمادات المالية المخصصة لهذه الفئات ، ومن ثم فإن هذا الشق من النص المطعون فيه يكون متفقا وأحكام الدستور ، ويغدو الطعن عليه جديراً بالرفض .
وحيث إن السلطة التشريعية هى التى تنظم أوضاع الضريبة العامة بقانون يصدر عنها على ما تقضى به المادة (119) من الدستور يكون متضمنا تحديد وعائها وأسس تقديره ، وبيان مبلغها ، والملتزمين أصلا بأدائها ، والمسئولين عن توريدها ، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها ، وضوابط تقادمها ، وغير ذلك مما يتصل ببنيانها عدا الإعفاء منها ، إذ يجوز أن يتقرر فى الأحوال التى يبينها القانون .
وحيث إن صدور قانون فى شأن الضريبة العامة يكون محيطا بجوانبها عدا الإعفاء منها ويعتبر مصدرا مباشرا لها ، إنما يتصل بأوضاعها الشكلية التى ينبغى إفراغها فيها ، ولا يفترض بالضرورة توافر أسسها الموضوعية التى ترد عنها تحيفها من خلال علاقة منطقية يوازن بها المشرع بين اتجاه الدولة أو سعيها لتنمية مواردها نهوضا بأعبائها ، وبين حق المخاطبين بها فى تقرير معدلها وشروط اقتضائها وفق ضوابط تتهيأ بها للعدالة الاجتماعية وهى قاعدة نظامها أسبابها .
وحيث إن ما تقدم مؤداه ، أن إقرار السلطة التشريعية لقانون الضريبة العامة ، لا يحول دون مباشرة هذه المحكمة لرقابتها فى شأن توافر الشروط الموضوعية لعناصر بنيانها ، وذلك بالنظر إلى خطورة الآثار التى تحدثها هذه الضريبة ، وعلى الأخص من زاوية اتصالها بمظاهر الانكماش أو الانتعاش وتأثيرها على فرص الاستثمار والادخار والعمل وحدود الإنفاق ، فلا تنحسر رقابتها بالتالى فى شأن الضريبة التى فرضها المشرع عن الواقعة القانونية التى أنشأتها ، وقوامها صلة منطقية بين شخص محدد يعتبر ملتزما بها ، والمال المتخذ وعاء لها مُتحمَّلا بعبئها ، وهذه الصلة هى التى لا تنهض الضريبة بتخلفها سوية على قدميها ، وتتحراها هذه المحكمة لضمان أن يظل إطارها مرتبطا بما ينبغى أن يُقيمها على حقائق العدل الاجتماعى مُحدَّدا مضمونها وغاياتها على ضوء القيم التى احتضنها الدستور ، ويندرج تحتها ضرورة أن تكون صور الدخل على اختلافها أيا كان مصدرها وباعتباره إيرادا مضافا إلى رؤوس الأموال التى أنتجتها وعاء أساسيا للضريبة ، كافلا عدالتها وموضوعيتها ، ومرتبطا بالمقدرة التكليفية لمموليها ، فلا ينال اتخاذ الدخل قاعدة لها من رؤوس الأموال فى ذاتها بما يؤول إلى تآكلها أو يحول دون تراكمها ، بل تظل قدرتها فى مجال التنمية ، باقية مصادرها ، متجددة روافدها . كذلك فإن المشرع وإن توخى أصلا بالضريبة التى يفرضها ، أن يدبر من خلالها موارد مالية لأشخاص القانون العام يقتضيها إشباعها لنفقاتها ، إلا أن طلبها هذه الموارد ، لا يجوز أن يكون توجها نهما مؤثرا فى بنيان الضريبة ، عاصفا بحقوق الملكية التى تتصل بها بما ينال من أصلها ، أو يفقدها مقوماتها ، أو يفصل عنها بعض أجزائها ، أو يُقيد من نطاق الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، وهو ما يعنى أن أغراض الجباية وحدها لا تعتبر هدفا يُحدد للضريبة مسارها ، ولا يجوز أن تُهيمن على تشكيل ملامحها، فذلك مما لا يحميه الدستور .
وحيث إن الدستور وإن قرن العدل بكثير من النصوص التى تضمنها كالمواد ( 4 ، 23 ، 38 ، 53 ، 57 ) ، فقد خلا فى الوقت ذاته من تحديد لمعناه ، إلا أن مفهوم العدل سواء بمبناه أو أبعاده يتعين أن يكون محددا من منظور اجتماعى ، باعتبار أن العدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التى لا تنفصل الجماعة فى حركتها عنها ، والتى تبلور مقاييسها فى شأن ما يعتبر حقا لديها ، فلا يكون العدل مفهوما مطلقا ثابتا باطراد ، بل مرنا ومتغيرا وفقا لمعايير الضمير الاجتماعى ومستوياتها ، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجا متواصلا منبسطا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها ، وازنا بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين ، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانا ، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافا ، وإلا صار القانون منهيا للتوافق فى مجال تنفيذه، وغدا إلغاؤه لازما .
وحيث إن الأعباء التى يجوز فرضها على المواطنين بقانون أو فى الحدود التى يبينها وسواء كان بنيانها ضريبة أو رسما أو تكليفا آخر هى التى نظمها الدستور بنص المادة (119) . وكانت المادة (38) من الدستور ، وإن خص بها النظام الضريبى متطلبا أن تكون العدالة الاجتماعية مضمونا لمحتواه ، وغاية يتوخاها ، فلا تنفصل عنها النصوص القانونية التى يقيم المشرع عليها النظم الضريبية على اختلافها ، إلا أن الضريبة بكل صورها ، تمثل فى جوهرها عبئا ماليا على المكلفين بها ، شأنها فى ذلك شأن غيرها من الأعباء التى انتظمتها المادة (119) من الدستور ، ويتعين بالتالى وبالنظر إلى وطأتها وخطورة تكلفتها أن يكون العدل من منظور اجتماعى مهيمنا عليها بمختلف صورها ، محددا الشروط الموضوعية لاقتضائها .
وحيث إنه متى كان ما تقدم ، وكان المشرع بعد أن فرض بالنص المطعون فيه ضريبة دمغة نسبية بالنسب المحددة بالمادة (79) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 ، وذلك على المبالغ التى تقوم الجهات الحكومية بصرفها من أموالها كقيمة إيجارية للعقارات التى تستأجرها ، قد فرض أيضا ضريبة إضافية تعادل ستة أمثال الضريبة النسبية ، وكان فرض هذه الضريبة يتنافى مع ضوابط العدالة الاجتماعية التى يقوم عليها النظام الضريبى فى الدولة ، ويشكل عبئا ثقيلا على الممول يتعارض مع الحماية التى قررها الدستور لحق الملكية ، الأمر الذى يجعل النص المطعون فيه فيما قرره من فرض ضريبة دمغة إضافية على النحو السالف البيان ، مخالفا أحكام المواد ( 32 ، 34 ، 38 ، 61 ، 119 ، 120 ) من الدستور .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (80) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 فيما تضمنه من فرض ضريبة إضافية على المبالغ التى تقوم الجهات الحكومية بصرفها من الأموال المملوكة لها كقيمة إيجارية للعقارات التى تستأجرها ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماه .
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، السابع من مارس سنة 2010م ، الموافق الحادى والعشرين من ربيع الأول سنة 1431 ه .
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ محمد على سيف الدين ومحمد خيرى طه وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف وتهانى محمد الجبالى ورجب عبد الحكيم سليم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / حمدان حسن فهمى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 78 لسنة 26 قضائية "دستورية " .
المقامة من
1 السيد / محمد سميح حسنين يوسف
2 السيد / عمرو محمد سميح حسنين
3 السيد / شريف محمد سميح حسنين
ضد
1 السيد رئيس الجمهورية
2 السيد رئيس مجلس الشعب
3 السيد رئيس مجلس الوزراء
4 السيد وزير الصناعة بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الرقابة الصناعية
5 السيد وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب
الإجراءات
بتاريخ الرابع من شهر إبريل سنة 2004 ، أقام المدعون دعواهم الماثلة بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة ، طلبا للحكم بعدم دستورية نص المادة (80) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 فيما تضمنه من فرض ضريبة نسبية وإضافية على ما تصرفه الجهات الحكومية من أموال فى شكل قيمة إيجارية لما تشغله من عقارات ، مع إلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماه .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها .
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الواقعات على ما يتبين من صحيفة الدعوى ، وسائر الأوراق تتحصل فى أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 6771 لسنة 2000 مدنى كلى ، جنوب القاهرة ، ضد المدعى عليهما الرابع وآخر ، بطلب إلزام أولهما بأن يؤدى لهم مبلغا مقداره سبعة وثلاثون ألف جنيه مصرى ، قيمة ما تم خصمه من الأجرة المستحقة عن العقار المملوك لهم والمؤجر لوزارة الصناعة كضريبة دمغة نسبية وإضافية وأرباح تجارية وصناعية عن المدة من أول فبراير 1998 وحتى مايو 2000 . وبجلسة 21/6/2003 قضت تلك المحكمة برفض الدعوى ، فاستأنف المدعون ذلك الحكم بالاستئناف رقم 14260 لسنة 120 قضائية " استئناف القاهرة " ، وأثناء نظره دفعوا بعدم دستورية المادة (80) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 . وإذ قدرت محكمة الاستئناف جدية الدفع ، وصرحت لهم برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقاموا دعواهم الماثلة ، وأثناء نظرها قرر الحاضر عن المدعين بوفاة المدعى الأول إلى رحمة الله تعالى ، وقدم إعلام وراثة مثبت به وفاة المرحوم / محمد سميح حسنين يوسف وانحصار إرثه فى زوجته السيدة / منى أحمد خليل عبدالخالق وولديه عمرو وشريف ( المدعى الثانى والثالث فى هذه الدعوى ) وطلب أجلا لتصحيح شكل الدعوى ، وبجلسة 7/2/2010 قدم ما يفيد تصحيح شكل الدعوى .
وحيث إن المادة (79) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 تنص على أن " تستحق ضريبة نسبية على ما تصرفه الجهات الحكومية وشركات القطاع العام والجمعيات التعاونية من المرتبات والأجور والمكافآت وما فى حكمها والإعانات على الوجه الآتى :
الخمسون جنيها الأولى معفاة
أزيد من خمسين مائتين وخمسين جنيها ستة فى الألف
أزيد من مائتين وخمسين خمسمائة جنيه ستة ونصف فى الألف
أزيد من خمسمائة ألف جنيه سبعة فى الألف
أزيد من ألف جنيه خمسة آلاف جنيه سبعة ونصف فى الألف
أزيد من خمسة آلاف عشرة آلاف جنيه ثمانية فى الألف
وكل ما يزيد على عشرة آلاف جنيه تستحق عنه الضريبة بواقع ثلاثة فى الألف من الزيادة .
وتنص المادة (80) النص المطعون فيه على أنه " فيما عدا المرتبات والأجور والمكافآت وما فى حكمها والإعانات ، تستحق على كل مبلغ تصرفه الجهات الحكومية من الأموال المملوكة لها ، وسواء تم الصرف مباشرة أو بطريق الإنابة ، علاوة على الضريبة المبينة فى المادة السابقة ضريبة إضافية مقدارها ستة أمثال الضريبة المشار إليها ......... " .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع . وكان المدعون قد أقاموا دعواهم الموضوعية بطلب إلزام المدعى عليهما بأن يؤديا لهم المبالغ التى تم خصمها من القيمة الإيجارية المستحقة لهم قبل وزارة الصناعة ، كضريبة دمغة نسبية وإضافية تطبيقا لنص المادة (80) من قانون ضريبة الدمغة السالف الذكر ، فإن مصلحة المدعين الشخصية المباشرة فى الطعن على ذلك النص فيما تضمنه من فرض ضريبة دمغة نسبية وإضافية على مبالغ الإيجار التى تقوم الجهات الحكومية بصرفها من أموالها ، تكون متوافرة .
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه محددا نطاقا على النحو المتقدم مخالفته أحكام المواد ( 32 ، 34 ، 38 ، 40 ، 95 ، 119 ) من الدستور ، على سند من أنه يفرق فى المعاملة بين المبالغ التى تسددها الجهات الحكومية كقيمة إيجارية ، وبين المبالغ التى يسددها الأفراد نظير الانتفاع بالوحدات التى يستأجرونها بالمخالفة لمبدأ المساواة ، كما أنه ينتقص دون مقتضى من الحقوق التى تثرى الجانب الإيجابى للذمة المالية للمخاطبين بحكمه مما ينطوى على عدوان على حق الملكية ، فضلا عن أنه لم يحدد الضوابط الحاكمة للصرف مما يجعله مشوبا بعدم الانضباط ، ويُفقد الضريبة الأساس القانونى لفرضها .
وحيث إن المقرر أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرا وبصفة نهائية من المكلفين بها ، لا يملكون التنصل من أدائها باعتبار أن حصيلتها تعينها على النهوض بخدماتها ومهامها التى يستفيد مواطنوها منها بوجه عام ، فلا تكون الضريبة التى يتحملون بها إلا إسهاما منطقيا من جانبهم فى تمويل أعبائها ، ولا تقابلها بالتالى خدمة بذاتها أدتها مباشرة لأحدهم ، وذلك على نقيض رسومها التى لا تقتضيها من أيهم إلا بمناسبة عمل أو أعمال محددة بذاتها أدتها بعد طلبها منها ، فلا يكون حصولها على مقابل يناسبها وإن لم يكن بقدر تكلفتها إلا جزاءً عادلا عنها ، ومن ثم تكون هذه الأعمال مناط فرضها ، وبما يعادلها .
وحيث إنه متى كان ما تقدم ، وكان المشرع قد فرض بالنص المطعون فيه ضريبة دمغة نسبية على المبالغ التى تصرفها الجهات الحكومية من الأموال المملوكة لها كقيمة إيجارية للعقارات التى تستأجرها ، بالنسب التى حددها نص المادة (79) من قانون ضريبة الدمغة . وكانت تلك الضريبة التى فرضها المشرع بنسب معقولة لا تصادر فرص رأس المال فى النمو ، ولا ترهق بأعبائها المكلفين بها فتصدهم عن مباشرة نشاطهم المشروع ، أو تكبل هذا النشاط بقيود باهظة ، كما أن فرضها جاء بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والتضامن الاجتماعى ، وتدعيم المقومات الاقتصادية وتنمية الموارد المالية للدولة حتى تتمكن من تنفيذ خطط التنمية ، دون زيادة فى الأعباء الملقاة على ذوى الدخول المحدودة ، أو الانتقاص من الاعتمادات المالية المخصصة لهذه الفئات ، ومن ثم فإن هذا الشق من النص المطعون فيه يكون متفقا وأحكام الدستور ، ويغدو الطعن عليه جديراً بالرفض .
وحيث إن السلطة التشريعية هى التى تنظم أوضاع الضريبة العامة بقانون يصدر عنها على ما تقضى به المادة (119) من الدستور يكون متضمنا تحديد وعائها وأسس تقديره ، وبيان مبلغها ، والملتزمين أصلا بأدائها ، والمسئولين عن توريدها ، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها ، وضوابط تقادمها ، وغير ذلك مما يتصل ببنيانها عدا الإعفاء منها ، إذ يجوز أن يتقرر فى الأحوال التى يبينها القانون .
وحيث إن صدور قانون فى شأن الضريبة العامة يكون محيطا بجوانبها عدا الإعفاء منها ويعتبر مصدرا مباشرا لها ، إنما يتصل بأوضاعها الشكلية التى ينبغى إفراغها فيها ، ولا يفترض بالضرورة توافر أسسها الموضوعية التى ترد عنها تحيفها من خلال علاقة منطقية يوازن بها المشرع بين اتجاه الدولة أو سعيها لتنمية مواردها نهوضا بأعبائها ، وبين حق المخاطبين بها فى تقرير معدلها وشروط اقتضائها وفق ضوابط تتهيأ بها للعدالة الاجتماعية وهى قاعدة نظامها أسبابها .
وحيث إن ما تقدم مؤداه ، أن إقرار السلطة التشريعية لقانون الضريبة العامة ، لا يحول دون مباشرة هذه المحكمة لرقابتها فى شأن توافر الشروط الموضوعية لعناصر بنيانها ، وذلك بالنظر إلى خطورة الآثار التى تحدثها هذه الضريبة ، وعلى الأخص من زاوية اتصالها بمظاهر الانكماش أو الانتعاش وتأثيرها على فرص الاستثمار والادخار والعمل وحدود الإنفاق ، فلا تنحسر رقابتها بالتالى فى شأن الضريبة التى فرضها المشرع عن الواقعة القانونية التى أنشأتها ، وقوامها صلة منطقية بين شخص محدد يعتبر ملتزما بها ، والمال المتخذ وعاء لها مُتحمَّلا بعبئها ، وهذه الصلة هى التى لا تنهض الضريبة بتخلفها سوية على قدميها ، وتتحراها هذه المحكمة لضمان أن يظل إطارها مرتبطا بما ينبغى أن يُقيمها على حقائق العدل الاجتماعى مُحدَّدا مضمونها وغاياتها على ضوء القيم التى احتضنها الدستور ، ويندرج تحتها ضرورة أن تكون صور الدخل على اختلافها أيا كان مصدرها وباعتباره إيرادا مضافا إلى رؤوس الأموال التى أنتجتها وعاء أساسيا للضريبة ، كافلا عدالتها وموضوعيتها ، ومرتبطا بالمقدرة التكليفية لمموليها ، فلا ينال اتخاذ الدخل قاعدة لها من رؤوس الأموال فى ذاتها بما يؤول إلى تآكلها أو يحول دون تراكمها ، بل تظل قدرتها فى مجال التنمية ، باقية مصادرها ، متجددة روافدها . كذلك فإن المشرع وإن توخى أصلا بالضريبة التى يفرضها ، أن يدبر من خلالها موارد مالية لأشخاص القانون العام يقتضيها إشباعها لنفقاتها ، إلا أن طلبها هذه الموارد ، لا يجوز أن يكون توجها نهما مؤثرا فى بنيان الضريبة ، عاصفا بحقوق الملكية التى تتصل بها بما ينال من أصلها ، أو يفقدها مقوماتها ، أو يفصل عنها بعض أجزائها ، أو يُقيد من نطاق الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، وهو ما يعنى أن أغراض الجباية وحدها لا تعتبر هدفا يُحدد للضريبة مسارها ، ولا يجوز أن تُهيمن على تشكيل ملامحها، فذلك مما لا يحميه الدستور .
وحيث إن الدستور وإن قرن العدل بكثير من النصوص التى تضمنها كالمواد ( 4 ، 23 ، 38 ، 53 ، 57 ) ، فقد خلا فى الوقت ذاته من تحديد لمعناه ، إلا أن مفهوم العدل سواء بمبناه أو أبعاده يتعين أن يكون محددا من منظور اجتماعى ، باعتبار أن العدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التى لا تنفصل الجماعة فى حركتها عنها ، والتى تبلور مقاييسها فى شأن ما يعتبر حقا لديها ، فلا يكون العدل مفهوما مطلقا ثابتا باطراد ، بل مرنا ومتغيرا وفقا لمعايير الضمير الاجتماعى ومستوياتها ، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجا متواصلا منبسطا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها ، وازنا بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين ، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانا ، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافا ، وإلا صار القانون منهيا للتوافق فى مجال تنفيذه، وغدا إلغاؤه لازما .
وحيث إن الأعباء التى يجوز فرضها على المواطنين بقانون أو فى الحدود التى يبينها وسواء كان بنيانها ضريبة أو رسما أو تكليفا آخر هى التى نظمها الدستور بنص المادة (119) . وكانت المادة (38) من الدستور ، وإن خص بها النظام الضريبى متطلبا أن تكون العدالة الاجتماعية مضمونا لمحتواه ، وغاية يتوخاها ، فلا تنفصل عنها النصوص القانونية التى يقيم المشرع عليها النظم الضريبية على اختلافها ، إلا أن الضريبة بكل صورها ، تمثل فى جوهرها عبئا ماليا على المكلفين بها ، شأنها فى ذلك شأن غيرها من الأعباء التى انتظمتها المادة (119) من الدستور ، ويتعين بالتالى وبالنظر إلى وطأتها وخطورة تكلفتها أن يكون العدل من منظور اجتماعى مهيمنا عليها بمختلف صورها ، محددا الشروط الموضوعية لاقتضائها .
وحيث إنه متى كان ما تقدم ، وكان المشرع بعد أن فرض بالنص المطعون فيه ضريبة دمغة نسبية بالنسب المحددة بالمادة (79) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 ، وذلك على المبالغ التى تقوم الجهات الحكومية بصرفها من أموالها كقيمة إيجارية للعقارات التى تستأجرها ، قد فرض أيضا ضريبة إضافية تعادل ستة أمثال الضريبة النسبية ، وكان فرض هذه الضريبة يتنافى مع ضوابط العدالة الاجتماعية التى يقوم عليها النظام الضريبى فى الدولة ، ويشكل عبئا ثقيلا على الممول يتعارض مع الحماية التى قررها الدستور لحق الملكية ، الأمر الذى يجعل النص المطعون فيه فيما قرره من فرض ضريبة دمغة إضافية على النحو السالف البيان ، مخالفا أحكام المواد ( 32 ، 34 ، 38 ، 61 ، 119 ، 120 ) من الدستور .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (80) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 فيما تضمنه من فرض ضريبة إضافية على المبالغ التى تقوم الجهات الحكومية بصرفها من الأموال المملوكة لها كقيمة إيجارية للعقارات التى تستأجرها ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماه .